أبشع فاحشة وأشنع عقوبة

أبشع فاحشة وأشنع عقوبة

أبشع فاحشة وأشنع عقوبة


قصة قوم لوط


هاجرَ لوطٌ -عليه السّلامُ- مع عمِّه إبراهيمَ الخليلِ -عليه السّلامُ- إلى الشّام، وهناك بعثَه اللهُ إلى قريةِ سَدُوم، فقد كانَ أهلُها يكفرونَ باللهِ ويقطعونَ الطّريقَ ويفعلونَ المنكراتِ، إلى جانبِ فِعْلِ فاحشةٍ شنيعةٍ لم يفعلْها أحدٌ من البشرِ قبلَهم، وهي أنَّ الرّجُلَ منهم يأتي الرّجل، ويتركونَ ما أَحَلَّ اللهُ لهم من نسائِهم، فدعاهم لوطٌ -عليه السّلامُ- إلى الإيمانِ باللهِ وحدَه، وتَرْكِ ما هم عليه من هذه الفاحشةِ القبيحة، لكنّهم لم يستجيبوا له وهدّدُوه بالطّردِ والإبعاد ﴿قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾[النَّمْلِ:56] لقد انتكستْ فطرُهم حتى صاروا يرونَ الشّذوذَ حريّةً والعفافَ تهمةً والطّهارةَ جريمة، فما كانَ منهم أمامَ نصحِه لهم ﴿إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾[العنكبوت:29] هنالك حقَّ عليهم العذاب، فأرسلَ اللهُ ملائكتَه لإهلاكِهم، فوصلوا القريةَ عندَ غروبِ الشّمس، والْتَقَوْا بلوطٍ -عليه السّلامُ- فلم يعرفْهم وظنَّهم عابري سبيلٍ فطلبوا منه أنْ يستضيفَهم فنزلَ به قلقٌ شديدٌ فقد كانوا على صورةِ شُبّانٍ حسانِ الوجوهِ وخافَ من قومِه أنْ يعتدوا عليهم، فأدخلَهم خفيةً إلى بيتِه، فلمّا علمتْ زوجتُه الخائنةُ أخبرتْ القومَ بهم فجاؤوا إليهم مسرعين، فنهاهم لوطٌ -عليه السّلامُ- عن رغبتِهم بفعلِ الفاحشةِ بضيوفِه وقالَ لهم: ﴿أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾[هُودٍ: 78]؟ فلمّا أُسقطَ في يدِه -عليه السّلامُ- وكادوا أنْ يغلبوه ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾[هود:80] قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-: يرحمُ اللهُ لوطًا، لقد كانَ يأوي إلى ركنٍ شديد. فأنّ معه الملائكةَ وهو لا يعلم، عندَها قالت الملائكة: ﴿يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ﴾[هود:81] فاطمأنّتْ نفسُه عليه السّلام، ثمّ أخبروه أنّهم سيقطعونَ دابرَ قومِه عندَ شروقِ الشّمس، وأمروه بالخروجِ في آخرِ الليلِ من القريةِ وقالوا له ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾[هود:81] فخرجَ ليلًا ومعه ابنتاه من قريتِهم، فلمّا أشرقَ الصّباحُ أرسلَ اللهُ على قومِه الصّيحة، وهي صوتٌ قاصفٌ مرعبٌ قويٌّ مفزع، ثمّ أَدخلَ جبريلُ -عليه السّلامُ- جناحَه تحتَ قراهم فرفعَها حتى سمعَ أهلُ السّماءِ صياحَ ديكتِهم ونِبَاحَ كلابِهم، ثمّ قلَبَها عليهم فجعلَ عاليَ ديارِهم سافلَها، ثمّ أرسلَ اللهُ عليهم حجارةً صلبةً متتابعة، مكتوبٌ على كلِّ واحدةٍ منها اسمُ صاحبِها، فإذا أصابتْه هلكَ وصُرِع ﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ فجَمَعَ اللهُ عليهم أنواعًا من العقوباتِ، ونَكّلَ بهم نَكالًا لم ينكّلْه بأمّةٍ سواهم، لقُبْحِ فِعْلَتِهم وشناعةِ فاحشتِهم، وقد أعدَّ اللهُ أمثالَها من العقوباتِ لكلِّ أمّةٍ ظالمةٍ فاجرة، فإنّ اللهَ يُمهلُ ولا يُهمل ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾[هود: 102].

فاتَقوا اللهَ وخُذوا العبرةَ من حالِ الأممِ السّابقةِ ممّن أفسدوا فأخذَهم العذاب ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾[يُوسُفَ:111].


بشاعة فاحشة قوم لوط وعظم جرمها


إنّ فاحشةَ قومِ لوطٍ من أبشعِ الجرائم، والجاهليةُ المعاصرةُ تُحاولُ أنْ تعيدَها باسمِ المِثْلِيّيْن، وهم الشّواذُ من الجِنْسَيْن، في انحطاطٍ خُلُقِيٍّ لم يَسبقْ له مثيلٌ في التّاريخ، إنّها فاحشةٌ مؤذنةٌ بهلاكِ الأممِ والحضارات، وانتشارِ الأمراضِ والفقرِ والجفافِ وانتزاعِ البركات، ووقوعِ الفتنِ والمحنِ والحروبِ والمَثُلات.

وهي دالّةٌ على انتكاسِ الفِطَرِ وطمْسِ البصائرِ وضعفِ العقولِ وفقدانِ الغيرةِ وذهابِ الخُلُقِ والدِّين، إنّها فاحشةٌ قذرةٌ تَأنفُ منها النّفوسُ الكريمة، وتَنفرُ منها الطّباعُ السّليمة، قالَ الوليدُ بنُ عبدِالملكِ رحمَه الله: "لولا أنّ اللهَ أخبرَنا عن قومِ لوطٍ ما صدّقْنا أنَّ الرَّجلَ يأتي الرَّجل". ولمّا كانت تلك الجريمةُ بهذه السّفالة، خافَها رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- على أمّتِه فقال: "إنّ أخوفَ ما أخافُ على أمّتي عَمَلَ قومِ لوط".

ولم تُكرّرْ لعنةُ اللهِ ثلاثًا على كبيرةٍ كما في تلك الفاحشةِ تنفيرًا منها وتحذيرًا، قالَ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ".

وعقوبةُ فاعلِها في الإسلامِ القتل، قالَ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ".

قالَ ابنُ القيّمِ رحمَه اللهُ موضّحًا شناعةَ تلك الفاحشة: "جريمةٌ تكادُ الأرضُ تَميدُ من جوانبِها إذا عُمِلَتْ عليها، وتَهْرُبُ الملائكةُ إلى أقطارِ السّماواتِ والأرضِ إذا شَاهَدُوها، خَشْيَةَ نُزُولِ العذابِ على أَهْلِها فيُصِيبُهُمْ مَعَهُمْ، وتَعِجُّ الأرضُ إلى ربِّها تباركَ وتعالى، وتَكَادُ الجِبالُ تَزُولُ عن أماكِنِها".

فاتّقوا اللهَ، واحْذَرُوا وحَذِّرُوا مَنْ تحتَ أيديكم من كيدِ أعداءِ الإسلامِ الذينَ يحاولونَ تدميرَهم بنشرِ مثلِ تلك الفواحشِ بينَهم، نسألُ اللهَ أن يحفظَ أبناءَ وبناتِ المسلمين، إنّه على كلِّ شيءٍ قدير.


المصدر :
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية