سكرات الموت : عبر وعظات

 سكرات الموت : عبر وعظات

سكرات الموت : عبر وعظات


في مقالنا سنحاول الإجابة عن عدة أسئلة : ما هي السكرات؟ وما أدلتها؟ وكيف كان أحوال الأنبياء والأولياء مع السكرات؟ أعيروني القلوب والأسماع.

الموت أمر حتمي

إن حتمية الموت سنة إلهية وقانون رباني؛ لأنه من جهة يرتبط بإظهار قدرة الله تعالى في إفناء مخلوقاته، ثم في إعادة بعثها من جديد، ومن جهة أخرى يرتبط بمبدأ الحكمة والعدل الإلهيين في إبداع عالمٍ آخرَ تتم فيه المحاسبة والجزاء والثواب؛ لذلك كان الموت حتميًّا، وكان انتقال الروح من عالم إلى عالم آخر أمرًا حتميًّا أيضًا؛ وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجمعة: 8].

سكرات الموت

الموت له سكراتٌ يلاقيها كل إنسان حين الاحتضار، ولو لم يكن بين يدي العبد من هول ولا عذاب سوى السكرات، لكان جديرًا بأن يتنغص عيشه، ويتكدر سروره، ويفارقه سهوه، ولا ينام جَفْنُهُ.

الأدلة على سكرات الموت

لقد دلَّ القرآن الكريم وسنة نبينا الأمين صلى الله عليه وسلم على شدة النزع والسكرات؛ فقال رب الأرض والسماوات جل جلاله: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام: 93]؛ قال أبو جعفر: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولو ترى يا محمد، حين يغمر الموت بسكراته هؤلاء الظالمين العادلين بربهم الآلهة والأنداد، والقائلين: ما أنزل الله على بشر من شيء، والمفترين على الله كذبًا، الزاعمين أن الله أوحى إليه ولم يُوحَ إليه شيء، والقائلين: سأنزل مثل ما أنزل الله - فتعاينهم وقد غشِيَتهم سكرات الموت، ونزل بهم أمر الله، وحان فناء آجالهم، والملائكة باسطو أيديهم يضربون وجوههم وأدبارهم؛ كما قال جل ثناؤه: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ ﴾ [محمد: 27، 28]، يقولون لهم: أخرجوا أنفسكم"، و(الغمرات): جمع غمرة، وغمرة كل شيء: كثرته ومعظمه، وأصله الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها[تفسير الطبري، ط: الرسالة، ت: أحمد شاكر (11/ 537).].

قال تعالى: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 27، 28].

وصف السلف الصالح لسكرات الموت

إخوة الإسلام، إن للموت وسكراته غصصًا لا يعلمها إلا من ذاقها، وها هو عمر رضي الله عنه المبشر بالجنة يتمنى لو أنه يملك طِلاع الأرض ذهبًا؛ ليفتديَ به من هول المطلع؛ فعن عمر رضي الله عنه يقول: «لو أن لي طِلاع الأرض ذهبًا، لافتديت بها من هول المطلع».

أخي القارئ ، هل رأيتَ المناشير وهي تنشر الخشب؟ هل رأيت المقاريض وهي تقرض؟ لعلك رأيت ذلك، فسكرات الموت أشد منها، وقد يرى المسلم شدة السكرات والغمرات على الميت، ولكن من يتعظ؟ ومن يعتبر؟

انظروا إلى حال الحسن البصري رحمه الله لما دخل على مريض يعوده، "فوجده في سكرات الموت، فنظر إلى كَرْبه، وشدَّةِ ما نزل به، فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم، فقالوا له: الطعام يرحمك الله، فقال: يا أهلاه، عليكم بطعامكم وشرابكم، فوالله لقد رأيتُ مصرعًا لا أزال أعمل له حتى ألقاه".

الأنبياء والسكرات

إن الأنبياء هم صفوة خلق الله من خلقه، وهم أعلى مكانًا وأسمى منزلة، وعلى الرغم من ذلك، لم يسلمِ الأنبياء من الموت وشدة السكرات، وكذلك عانى الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه السكرات؛ فقد أخرج البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين يديه رَكوةٌ[الرَّكوة: إناء صغير من الجلد يُشرب فيه الماء]- أو علبة فيها ماء، يشك عمر (أحد رواة الحديث) - فجعل يُدخِل يده في الماء فيمسح بها وجهه، ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكراتٍ، ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى، حتى قُبِضَ ومالت يده» ، قال أبو عبدالله: العلبة من الخشب، والرَّكوة من الأدم (الجِلْد).

وأخرج البخاري عن عائشة أيضًا رضي الله عنها قالت: « مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه بين حاقِنَتي[الحاقنة: المطمئن بين الترقوة والحلق] وذاقنتي[الذاقنة: نقرة الذقن، وقيل غير ذلك]، فلا أكره شدة الموت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم»

وفي "الصحيح" أيضًا أنه: « لما ثَقُل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشَّاه الكرب، فجعلت فاطمة رضي الله عنها تقول: وا كربَ أبتاه، فقال صلى الله عليه وسلم: لا كَرْب على أبيكِ بعد اليوم »

وعند الإمام أحمد بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: « ما قالت فاطمة ذلك - يعني لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كَرْب الموت ما وجد - قالت فاطمة: واكرباه! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بُنيَّة، إنه قد حضر بأبيك ما ليس الله بتاركٍ منه أحدًا لموافاة يوم القيامة» [السلسلة الصحيحة (1738)].

الحكمة من تشديد السكرات على خير المخلوقات

ما الحكمة من تشديد الموت على النبيين وهم أفضل الخلق على الإطلاق؟

يُجيب عن هذا القرطبي رحمه الله؛ حيث قال: لتشديد الموت على الأنبياء فائدتان:

الأولى: تكميل فضائلهم ورفع درجاتهم، وليس ذلك نقْصًا ولا عذابًا، بل هو من جنس ما قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد: « إن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل»

الثانية: أن يعرف الخَلقُ مقدار ألم الموت وأنَّه باطن، وقد يطَّلع الإنسان على بعض الموتى، فلا يرى عليه حركة ولا قلقًا، ويرى سهولة خروج الرُّوح، فيظن سهولة أمر الموت، ولا يعرف ما الميت فيه.

فإذا كانت هذه سكرات الموت على الأنبياء والمرسلين وعباد الله الطيبين، فكيف بالظالمين الذين قال عنهم رب العالمين: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام: 93]؛ يقول الحسن البصري رحمه الله: "اتقِ الله يا ابن آدم، لا يجتمع عليك خَصلتان: سكرة الموت، وحسرة الفوت"، وقال ابن السماك: "احذر السكرة والحسرة، أن يَفجأَك الموتُ وأنت على الغِرَّة، فلا يصف واصفٌ قدر ما تلقى"

لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية