أحاديث وشرحها

٤٤٩ حديث مع الشرح

1. من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار

عن أم حبيبة -رضي الله عنها- مرفوعًا: «من حَافَظ على أربع رَكعات قبل الظهر وأربع بعدها حَرَّمَه الله على النَّار».

راوي الحديث: أم حبيبة بنت أبي سفيان -رضي الله عنها-

المعنى الإجمالي: معنى حديث : "من حَافَظ على أربع رَكعات قبل الظهر" يعني: ثَابر وواظب على أربع ركعات قبل الظهر. "وأربع بعدها" أي: وواظب على أربع بعد صلاة الظَّهر. "حَرَّمَه الله على النَّار" هذا جزاؤه، وهو أنَّ الله -تعالى- يمنعه من دخول النَّار، وفي رواية "حَرَّم الله لحَمه على النَّار"، وفي أخرى "لم تَمَسَّه النَّار". فحديث أم حبيبة -رضي الله عنها- فيه تحريم النَّار فلا تَمسه النَّار ولا تَقربه إذا حافظ المرء على أربع قبل الظهر، وأربع بعدها منعه الله بفضله من دخول النار.

معاني المفردات: حَافَظ : ثَابر وواظب.

فوائد الحديث: فضل الأربع قبل الظُّهر والأربع بعدها، فمن حَافظ عليها، حرَّمه الله -تعالى- على النَّار. أنَّ هذه الرَّواتب ليست واجبة، وإنما هي مُستحبة. الرواتب القبلية -أي قبل الفريضة-؛ لها حكم منها تهيئة نفس المصلي للعبادة قبل الدخول في الفريضة، وأما البعدية فمن حكمها جبر خلل الفرائض. للرواتب فوائد عظيمة، من زيادة الحسنات، وتكفير السيئات، ورفع الدرجات.

المصدر : مسند الإمام أحمد. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

2. لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب

عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا صلاة لمن لم يَقْرَأْ بفاتحة الكتاب».

التَّوْحِيدِ - افتتاح الصلاة.

راوي الحديث: عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: سورة الفاتحة، هي أم القرآن وروحه، لأنها جمعت أنواع المحامد والصفات العلى لله تعالى، وإثبات الملك والقهر، والمعاد والجزاء، والعبادة والقصد، وهذه أنواع التوحيد والتكاليف. لذا فرضت قراءتها في كل ركعة، وتوقفت صحة الصلاة على قراءتها، ونُفِيَتْ حقيقة الصلاة الشرعية بدون قراءتها، ويؤكد نفي حقيقتها الشرعية ما أخرجه ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعاً وهو "لاتجزئ صلاة لايقرأ فيها بأم القرآن". ويستثنى من ذلك المأموم إذا أدرك الإمام راكعا فيكبر للإحرام ثم يركع وتسقط عنه الفاتحة في هذه الركعة لحديث آخر، ولأنه لم يدرك محل القراءة وهو القيام .

معاني المفردات: لا صلاة : لا صلاة مجزئة وهو شامل لصلاة الفرض والنفل. لمن لم يَقْرَأْ : يشمل المنفرد والإمام والمأموم. بفاتحة الكتاب : هي سورة الحمد لله رب العالمين، سميت به لأن الكتاب افتتح بها .

فوائد الحديث: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة، وأنه لا يُجْزِىء غيرها مع القدرة عليها. بُطلان الصلاة بتركها من المتعمد والجاهل والناسي، لأنها ركن، والأركان لا تسقط مطلقاً. فضيلة الفاتحة.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

3. أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: إنَّ النَّذْرَ لا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «أنه نهى عن النذر، وقال: إنّ النَّذْرَ لا يأتي بخير، وإنما يُسْتَخْرَجُ به من البخيل».

الآداب.

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر، وعلل نهيه بأنه لا يأتي بخير؛ وذلك لما يترتب عليه من إيجاب الإنسان على نفسه شيئًا هو في سعة منه، فيخشى أن يقصر في أدائه، فيتعرض للإثم، ولما فيه من إرادة المعاوضة مع الله -تعالى- في التزام العبادة معلقة على حصول المطلوب، أو زوال المكروه. وربما ظن -والعياذ بالله- أن الله -تعالى- أجاب طلبه؛ ليقوم بعبادته. لهذه الأسباب وغيرها، نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ إيثارا للسلامة، وطمعا في جود الله -تعالى- بلا مقابل ولا شرط، وإنما بالرجاء والدعاء. وليس في النذر فائدة، إلا أنه يستخرج به من البخيل، الذي لا يقوم إلا بما وجب عليه فعله وتحتم عليه أداؤه، فيأتي به مكرها، متثاقلا، فارغا من أساس العمل، وهي النية الصالحة، والرغبة فيما عند الله -تعالى-.

معاني المفردات: النذر : إلزام المكلف نفسه عبادة لم تكن لازمة بأصل الشرع، مثل أن يقول: لله على أن أتصدق بمائة. لا يأتي بخير : لا يكون النذر سببًا لحصول الخير، والناذر إذا اعتقد أن الله لايعطيه الشيء الذي طلبه منه إلامقابل النذر فهذا سوء ظن بالله -تعالى-. يُسْتَخْرَجُ به من البخيل : يُؤْخَذُ به من البخيل الذي لا يعطي طاعة إلا بمقابل.

فوائد الحديث: لا يشرع النذر للمسلم للحديث، لكن إذا نذر طاعة وجب عليه الوفاء بالنذر؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» متفق عليه. العلة في النهي (أنه لا يأتي بخير)؛ لأنه لا يرد من قضاء الله شيئا؛ ولئلا يظن الناذر أن حصول طلبه كان بسبب النذر، والله -تعالى- غني عن ذلك. وجوب الوفاء بالنذر إلم يكن معصية. أن ما يبتدئه المكلف من وجوه البر أفضل مما يلتزمه بالنذر. الحث على الإخلاص في أعمال الخير. ذم البخل، وتحذير المسلم منه.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

4. إنِّي وَالله- إنْ شَاءَ الله- لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا إلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتُهَا

عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنّي والله -إنْ شاء الله- لا أَحلف على يمين، فأرى غيرها خيراً منها إلاَّ أَتيتُ الَّذِي هو خير، وتحلَّلْتُهَا».

راوي الحديث: أبو مُوسَى عبد اللَّه بن قيس الأشعري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن نفسِه بأنَّه إذا حَلَفَ على يَمِينٍ ثم بعد ذلك رأى أنَّ الخيرَ في عدَمِ الاستمرار عليها تَركَها بِتَرك ما حَلَفَ عليه وكفَّرَها التزم الذي هو خير من فعل أو ترك.

معاني المفردات: على يمين : أي على أمر محلوف عليه. خَيْراً مِنْهَا : خيراً من الاستمرارِ في اليمين. تحَلَّلْتُهَا : كَفَّرْتُ عنها.

فوائد الحديث: جواز الحَلِفِ من غير اسْتحلافٍ لِتَأْكيد الخبر ولو كان مُسْتَقْبَلاً. جواز الاستثناء بقولِه "إن شاء الله "بعد اليمين. جواز التَّحَلل من اليمين بِعمل الكفَّارة لقوله: "وَتَحَلَّلْتُهَا".

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

5. أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ

عن عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ».

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يُحَاسِبُ الله -تعالى- الْخَلَائِقَ يوم القيامة، ثُمَّ يَقْضِى بينهم بعدله، ويبدأ من المظالم بالْأَهم، وبما أَنَّ الدِّمَاء هي أَعْظم وأَهَمُّ ما يكون من المظَالمِ فِإِنَّهَا أَوْلُ مَا يُقْضَى بِهِ منها في ذلك اليومِ العظيمِ، وهذا فيما بين العباد في المظالم، أما أعمال العبد فأول ما ينظر فيه الصلاة.

معاني المفردات: يُقْضَى : يُحْكَمُ. في الدِّمَاءِ : في القتل وَإِزْهَاقُ الْأَرْوَاح والجروح.

فوائد الحديث: عِظَمُ أَمْرِ الدِّمَاءِ فِإِنَّ الْبَدَاءَةَ تكون بالْأَهمِّ. إِثبات يوم القيامة والقضاء فيه. هذا الحديث لا يعارض حديث "أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنْهُ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ"؛ لَأَنَّ هَذَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ وَحديث الباب متعلقٌ بما بين الْعبد وبين النَّاسِ، لأن حقوق العباد مبنية على عدم المسامحة. على المحاكم العناية بأمر الدّماء وأن تجعل له الأولوية.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه، واللفظ لمسلم.

6. لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا؛ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ

عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «لا تلْبَسُوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صِحَافِهِمَا؛ فإنَّهَا لهم في الدنيا ولكم في الآخرة».

راوي الحديث: حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجال عن لُبس الحرير والديباج؛ لما في لبسهما للذكَر من الميوعة والتأنث، والتشبه بالنساء الناعمات المترفات. والرجل يطلب منه الخشونة والقوة والفتوة. كما نهى كُلًّا من الرجال والنساء عن الأكل والشرب في صِحَاف الذهب والفضة وآنيتهما؛ والحكمة كما قال -صلى الله عليه وسلم-: أن الأكل فيهما في الدنيا للكفار الذين تعجلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، واستمتعوا بها، وهي لكم -أيها المسلمون خالصة- يوم القيامة إذا اجتنبتموها؛ خوفاً من الله -تعالى- وطمعًا فيما عنده، فمنعًا من التشبه بهم وامتثالًا لأمر الله -تعالى- حُرِّمت. كما أن من لبس الحرير من الرجال في الدنيا فقد تعجل متعته؛ ولذا فإنه لن يلبسه في الآخرة، ومن تعجل شيئاً قبل أوانه بطريق محرم عوقب بحرمانه والله شديد العقاب.

معاني المفردات: الحَرِيْر : وهو القماش المأْخُوذ من دُودِ الْقَز، ويُسمى الإبْرِيسَم وهُو مُحرَّم لبسه على الرجال. ولا الدِّيباج : الديباجُ: نوع من الحرير، وهو ما غَلُظ وثَخُن من ثياب الحرير. الصِّحَاف : جمع صَحفة، وهي وعاء متوسط الحجم يوضع فيه الطعام، دون القَصْعَة والصَّحفة تُشبِع الخمسة.

فوائد الحديث: تحريم لبس الحرير والديباج على الذكور، والوعيد الشديد على من لبسه. يباح للنساء لبسُ الحرير، لكونهن في حاجة إلى الزينة للأزواج، وحِله للنساء، وتحريمه على الرجال، بإجماع العلماء. تحريم الأكل والشرب في صحاف الذهب والفضة وآنيتهما، للذكور والإناث؛ لكونهما للكفار في الدنيا، وللمسلمين في الآخرة. ألحق العلماء بالأكل والشرب سائر الاستعمالات، وجعلوا ذكر الأكل والشرب من باب التعبير بالغالب.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

7. لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ

عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَلْبَسُوا الحَرِير؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ في الدنيا لم يَلبَسه في الآخرة».

راوي الحديث: عمرُ بنُ الخطَّاب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث نهي عن لبس الحرير للرجال، وأن عقوبة لابسه أنه لا يلبسه في الآخرة؛ لأن الجزاء من جنس العمل.

معاني المفردات: الحرير : نوع من المنسوجات والأقمشة، ويقال له الدمقسي والسيراء والستراء، وهو مأخوذ من دود القز وهو الحرير الطبيعي، وهناك نوع من القطن يسمى الكتان لين إلا أنه لا يحرم. في الآخرة : في الجنة.

فوائد الحديث: يؤخذ من هذا الحديث تحريم لبس الحرير على الرجال. من لبس الحرير في الدنيا إن لم يعفُ الله عنه سيحرم من لبسه في الجنة ولو دخلها.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

8. مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة

عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقبرين، فقال: «إنهما ليُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كبير؛ أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة».

الجنائز - أحوال الآخرة - الآداب.

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعه بعض أصحابه بقبرين، فكشف الله -سبحانه وتعالى- له عن حالهما، وأنهما يعذبان، فأخبر أصحابه بذلك؛ تحذيراً لأمته وتخويفاً، فإنَّ صاحبي هذين القبرين، يعذَّب كل منهما بذنب تركُه والابتعادُ عنه يسيرٌ على من وفقه الله لذلك. فأحَدُ المعذَّبَيْن كان لا يحترز من بوله عند قضاء الحاجة، ولا يتحفّظ منه، فتصيبه النَجاسة فتلوث بدنه وثيابه ولا يستتر عند بوله، والآخر يسعى بين الناس بالنميمة التي تسبب العداوة والبغضاء بين الناس، ولاسيما الأقارب والأصدقاء، يأتي إلى هذا فينقل إليه كلام ذاك، ويأتي إلى ذاك فينقل إليه كلام هذا؛ فيولد بينهما القطيعة والخصام. والإسلام إنما جاء بالمحبة والألفة بين الناس وقطع المنازعات والمخاصمات. ولكن الكريم الرحيم -صلى الله عليه وسلم- أدركته عليهما الشفقة والرأفة، فأخذ جريدة نخل رطبة، فشقَّها نصفين، وغرز على كل قبر واحدة، فسأل الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا العمل الغريب عليهم، فقال: لعل الله يخفف عنهما بشفاعتي ما هما فيه في العذاب، ما لم تيبس هاتان الجريدتان، أي مدة بقاء الجريدتين رطبتين، وهذا الفعل خاص به -صلى الله عليه وسلم-.

معاني المفردات: إنَّهُما ليُعَذَّبَان : ليعاقبان. لا يسْتَتِر من البول : لا يجعل سترة تستره من الأعين عند البول، ولا يتخذ سببًا يقيه من بوله. يمشي بالنَّمِيمَة : ينقل كلام الغير بقصد الإِضرار.

فوائد الحديث: إثبات عذاب القبر، وأنه واقع في هذه الأمة. أن الله سبحانه قد يكشف بعض المغيبات -كعذاب القبر-؛ إظهارًا لآية من آيات النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو كرامة من كرامات أوليائه. الستر على الذنوب والعيوب؛ فإنه لم يصرح باسمي صاحبي القبرين. عدم الاستبراء من النجاسات سبب في عذاب القبر، فالواجب الاستبراء والتنزه منه والاستتار. وجوب تنزه المكلف من بوله، وكذلك سائر الأبوال النجسة. التنبيه على عظم شأن الصلاة، حيث كان الإخلال بشيء من شروطها -وهو اجتناب النجاسة- سببا لعذاب القبر. تحريم النميمة بين الناس، وأنها من أسباب عذاب القبر. التنبيه على عظم خطورة النميمة وترك التنزُّه من البول، وأنهما من كبائر الذنوب. رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه وحرصه على إبعاد الشر عنهم.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

9. إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا سَمِعتُم المُؤَذِّن فَقُولُوا مِثلَ مَا يَقُول».

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إذا سمعتم المؤذن للصلاة فأجيبوه، بأن تقولوا مثل ما يقول، جملة بجملة، فحينما يكبر فكبروا بعده، وحينما يأتي بالشهادتين، فأتوا بهما بعده، فإنه يحصل لكم من الثواب ما فاتكم من ثواب التأذين الذي حازه المؤذن، والله واسع العطاء، مجيب الدعاء. يستثنى من الحديث لفظ: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) فإنه يقول بعدها: لا حول ولا قوة إلا بالله.

معاني المفردات: إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ : إذا سمعتم صوت المؤذن بالأذان. مثل ما يقول : كل جملة يقولها.

فوائد الحديث: مشروعية إجابة المؤذن بمثل ما يقول، وذلك بإجماع العلماء. لا يقول شيئا إذا شاهد المؤذن ولم يسمعه. يتابع المؤذن الثاني بعد انتهاء الأول، وإن تعدد المؤذنون؛ لعموم الحديث. تكون إجابة المجيب بعد انتهاء المؤذن من الجملة لقوله: (فقولوا)؛ لأن الفاء للترتيب. يجيب المؤذن في كل أحواله، إن لم يكن في خلاء أو على حاجته؛ لأنَّ كل ذكر له سبب لا ينبغي إهماله؛ حتى لا يفوت بفوات سببه. سعة فضل الله -عز وجل-، وكمال شريعته.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

10. كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما

عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: ((كُنت مع النبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- في سَفَر، فأهْوَيت لِأَنزِع خُفَّيه، فقال: دَعْهُما؛ فإِنِّي أدخَلتُهُما طَاهِرَتَين، فَمَسَح عليهما)).

راوي الحديث: المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كان المغيرة -رضي الله عنه- مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحد أسفاره -وهو سفره في غزوة تبوك-، فلما شرع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوضوء، وغسل وجهه ويديه، ومسح رأسه، أهوى المغيرة إلى خفي النبي -صلى الله عليه وسلم- لينزعهما؛ لغسل الرجلين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- اتركهما ولا تنزعهما، فإني أدخلت رجلي في الخفين وأنا على طهارة، فمسح النبي -صلى الله عليه وسلم- على خفيه بدل غسل رجليه. وكذلك الجوارب ونحوها تأخذ حكم الخفين.

معاني المفردات: مع النبيَّ : في صحبته ومعيته. في سفر : هو سفره إلى غزوة تبوك في رجب سنة تسع من الهجرة. فأَهْوَيْت : مددت يدي؛ لإخراج الخفين من رجليه لغسلهما. لأَنْزع : لأخلع. خُفَّيه : الخف: هو ما يلبس على القدم ساترًا لها من جلد. دَعْهُما : اتركهما، أي: القدمين أو الخفين. أَدْخَلْتُهُما : القدمين. فَمَسَح عليهما : أَمَرَّ يده على الخفين مبلولة بالماء.

فوائد الحديث: جاء في بعض روايات هذا الحديث أنَّ ذلك في غزوة تبوك في صلاة الفجر. استحباب خدمة العلماء والفضلاء. فضيلة المغيرة -رضي الله عنه- بخدمة النبي -صلى الله عليه وسلم-. جواز الاستعانة بالغير في الطهارة، كإحضار الماء والصب على المتطهر، ونحو ذلك. مشروعية المسح على الخفين عند الوضوء، والمسح يكون مرة واحدة باليد ويكون على أعلى الخف دون أسفله كما جاء في الآثار. يقاس على الخفين كل ما يستر الرجلين من الجوارب وغيرها، فيجوز المسح عليهما. المسح عليهما لمن كان لابسًا لهما أفضل من خلعهما وغسل الرجل، وهذا من كمال الدين الإسلامي ويسر أحكامه. اشتراط الطهارة للمسح على الخفين، وذلك بأن يكون متوضئًا قبل إدخال رجليه في الخف. حسن خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعليمه، حيث منع المغيرة من خلعهما، وبيَّن له السبب: أنه أدخلهما طاهرتين؛ لتطمئن نفسه، ويعرف الحكم.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه، واللفظ للبخاري.

11. إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه

عن أبي كريمة المقداد بن معد يكرب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ، فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ».

راوي الحديث: المِقْدَام بن مَعْدِي كَرِبَ -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: دعت أحاديث كثيرة إلى التحابب في الله -تعالى-، وأخبرت عن ثوابه، وهذا الحديث يشير إلى معنى مهم يُحْدِث الأثر الأكبر في علاقة المؤمنين بعضهم ببعض، كما ينشر المحبة، وهو أن يخبر أخاه أنه يحبه، وهذا يفيد المحافظة على البناء الاجتماعي من عوامل التفكك والانحلال؛ وهذا من خلال إشاعة المحبة بين أفراد المجتمع الإسلامي، وتقوية الرابطة الاجتماعية بالأخوة الإسلامية، وهذا كله يتحقق بفعل أسباب المحبة كتبادل الإخبار بالمحبة بين المتحابين في الله -تعالى-.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: من أحب أخاه في الله فليخبره. فائدة الإخبار أنه إذا عَلِم أنه محب له قَبِل نصحه فيما دله عليه من رشده، ولم يرد قوله فيما دعاه إليه من صلاح خفي عليه. استحباب إخبار المحبوب في الله بحبه، لتزداد المحبة والألفة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي والنسائي في السنن الكبرى وأحمد.

12. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمُّن في تَنَعُّلِّه, وترجُّلِه, وطُهُورِه, وفي شَأنه كُلِّه».

الصلاة - الأطعمة - اللباس - الآداب.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تخبرنا عائشة -رضي الله عنها- عن عادة النبي -صلى الله عليه وسلم- المحببة إليه، وهى تقديم الأيمن في لبس نعله، ومشط شعره، وتسريحه، وتطهره من الأحداث، وفى جميع أموره التي من نوع ما ذكر كلبس القميص والسراويل، والنوم، والأكل والشرب ونحو ذلك. كل هذا من باب التفاؤل الحسن وتشريف اليمين على اليسار. وأما الأشياء المستقذرة فالأحسن أن تقدم فيها اليسار؛ ولهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الاستنجاء باليمين، ونهى عن مس الذكر باليمين، لأنها للطيبات، واليسار لما سوى ذلك.

معاني المفردات: يعجبه التيمن : يفضل تقديم الأيمن على الأيسر. في تَنَعُّله : لبس نعله. وتَرَجُّله : تسريح شعر رأسه ولحيته بالمشط. وطُهُوره : تطهره، ويشمل الوضوء والغسل وإزالة النجاسة. وفى شأنه كله : جميع أمره.

فوائد الحديث: تقديم اليمين للأشياء الطيبة هو الأفضل شرعًا وعقلًا وطِبًّا. جعل اليسار للأشياء المستقذرة، هو الأليق شرعًا وعقلًا. الشرع الشريف جاء لإصلاح الناس وتهذيبهم ووقايتهم من الأضرار. السنة في غسل اليدين والرجلين في الوضوء تقديم اليمين. كمال السنة المطهرة بمراعاة النظافة في تسريح الشعر وغيره.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

13. يا رسول الله، أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد

عن عبد الله بنِ عمر -رضي الله عنهما- أن عمرَ بْن الخطاب -رضي الله عنه- قال: ((يا رسول الله، أّيَرقُدُ أَحَدُنا وهو جُنُب؟ قال: نعم، إِذَا تَوَضَّأ أَحَدُكُم فَليَرقُد)).

الجنابة - الوضوء - آداب النوم.

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: سأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن أصابت أحدهم الجنابة من أول الليل، بأن جامع امرأته ولو لم ينزل أو احتلم، فهل يرقد أي ينام وهو جنب؟ فأذن لهم -صلى الله عليه وسلم- بذلك، على أن يخفف هذا الحدث الأكبر بالوضوء الشرعي؛ وحينئذ لا بأس من النوم مع الجنابة.

معاني المفردات: أَيَرْقُدُ : ينام، والهمزة للاستفهام. أَحَدُنَا : أي: الواحد منا. وَهُوَ جُنُبٌ : ذو جنابة، والجنابة: إنزال المني أو الجماع. نعم : حرف جواب؛ لإثبات المسؤول عنه. فَلْيَرْقُدْ : اللام للأمر، والمراد به الإباحة.

فوائد الحديث: حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على السؤال عمَّا تدعو له الحاجة. غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يتضيق عند القيام إلى الصلاة. الكمال أن لا ينام الجنب حتى يغتسل؛ لأن الاكتفاء بالوضوء رخصة. مشروعية الوضوء قبل النوم للجنب، إذا لم يغتسل. جواز نوم الجنب قبل الغسل إذا توضأ. كراهة نوم الجنب بلا غسل ولا وضوء.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

14. سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «سَوُّوا صُفُوفَكُم، فإِنَّ تَسوِيَة الصُّفُوف من تَمَام الصَّلاَة».

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى ما فيه صلاحهم وفلاحهم، فهو -هنا- يأمرهم بأن يسووا صفوفهم، بحيث يكون سمتهم نحو القبلة واحدا، ويسدوا خلل الصفوف، حتى لا يكون للشياطين سبيل إلى العبث بصلاتهم، وأرشدهم -صلى الله عليه وسلم- إلى بعض الفوائد التي ينالونها من تعديل الصف، وذلك أن تعديلها علامة على تمام الصلاة وكمالها، وأن اعوجاج الصف خلل ونقص فيها.

معاني المفردات: سَوُّوا صُفُوفَكُم : اجعلوها متساوية بحيث لا يتقدم بعضكم على بعض ولا يتأخر عنه. من تمام الصلاة : "من" تبعيضية، أي: أن تسوية الصف بعض كمال الصلاة وحسنها.

فوائد الحديث: مشروعية تعديل الصفوف في الصلاة، باعتدال القائمين بها على سمت واحد، من غير تقديم ولا تأخير. وجوب تسوية الصفوف؛ لحديث "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم". أنَّ اعوجاج الصف نقص في الصلاة. فضل صلاة الجماعة؛ وذلك لأنَّ الأجر الحاصل من تعديل الصف متسبب عن صلاة الجماعة. الحكمة في تسوية الصفوف هي موافقة الملائكة في صفوفهم فقد أخرج مسلم عن جابر قال: "خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قلنا: يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف". حكمة النبي -صلى الله عليه وسلم- في التعليم، حيث قرن الحُكم مع عِلَّته؛ لتتبين حكمة التشريع، وتنشط النفوس على الامتثال.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

15. ارقبوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- في أهل بيته

عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: ارْقَبُوا محمَّدًا -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فِي أَهلِ بَيتِهِ.

مناقب أهل البيت - فضائل الصحابة.

راوي الحديث: أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في أثر أبي بكر -رضي الله عنه- دليل على معرفة الصحابة -رضي الله عنهم- بحق أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتوقيرهم واحترامهم، فمن كان من أهل البيت مستقيما على الدين مُتَّبِعًا لِسنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فله حقان: حق الإسلام وحق القرابة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفيه أن أبا بكر والصحابة كانوا يحبون آل البيت ويوصون بهم خيرًا.

معاني المفردات: ارقَبُوا : راعوه واحترموه وأكرموه. أهل بيته : أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده. الموقوف : ما أضيف إلى الصحابيّ من قول أو فعل.

فوائد الحديث: تعظيم أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وإكرامهم وحبهم وموالاتهم، مع تعظيم وولاء سائر من أمرت الشريعة الإسلامية بموالاته من الصحابة الأكرمين والعلماء العاملين. معرفة الصحابة بحق أهل البيت وبخاصة الشيخين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح موقوفًا على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.

التخريج: رواه البخاري من قول أبي بكر -رضي الله عنه-.

16. الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعُقُوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغَمُوس».

راوي الحديث: عبد الله بن عَمْرِو بن العاص -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يتناول هذا الحديث عددًا من الذنوب التي وصفت بأنها من الكبائر، وسميت بذلك لضررها الكبير على فاعلها وعلى الناس في الدنيا والآخرة. فأولها "الإِشرَاكُ بِالله": أي: الكفر بالله بأن، يعبد معه غيره ويجحد عبادة ربه. وثانيها "عُقُوقُ الوَالِدَينِ": والعقوق حقيقته: أن يفعل مع والديه أو مع أحدهما، ما يتأذى به عرفاً، كعدم احترامهما وسبهما وعدم القيام عليهما ورعايتهما عند حاجتهم إلى الولد. وثالثها "قَتْل النَّفْس": بغير حق كالقتل ظلماً وعدواناً، أما إذا استحق الشخص القتل بحق من قصاص وغيره فلا يدخل في معنى هذا الحديث. ثم خُتِم الحديث بالترهيب من "اليَمِين الغَمُوسُ": وسُمِيت بالغموس لأنَّها تغمس صاحبها في الإِثم أو في النار؛ لأنه حلف كاذباً على علم منه.

معاني المفردات: الكَبَائِر : الذنوب الكبيرة التي ورد فيها وعيد شديد في القرآن أو السنة. الإِشرَاكُ بِالله : الكفر بأنواعه. وَعُقُوقُ الوَالِدَين : العقوق مأخوذة من العق وهو القطع، وضابطه: أن يفعل مع أحد والديه ما يتأذى به من فعل أو قول. اليَمِين الغَمُوس : التي يحلفها كاذبا عامدا، سميت غموسا؛ لأنها تغمس الحالف في الإثم.

فوائد الحديث: التحذير من الوقوع في هذه المعاصي؛ لأنها من الكبائر. بيان أن الأيمان أقسام منها: يمين الغموس وهي التي تغمس صاحبها في النار، ومنها اليمين المنعقدة التي يحلف فيها صاحبها على فعل شيء أو تركه، فإذا خالف لزمته كفارة، ومنها يمين اللغو التي لا يقصدها صاحبها لكن جرت على لسانه مثل كلا والله وبلى والله. الاقتصار على هذه الأربع في الحديث لكونها أعظم الكبائر إثمًا، وأشدِّها جُرمًا، وليس القصد الحصر.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

17. اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللهم ِإنِّي أَسأَلُك الهُدَى، والتُّقَى، والعَفَاف، والغِنَى».

الزهد.

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه العلمَ والتوفيق للحق، وأن يُوفِّقه إلى امتثال ما أمر به وترك ما نهى عنه، وأن يعفه عن كل ما حرَّم عليه فيما يتعلق بجميع المحارم التي حرَّمها -عز وجل-، وسأله كذلك الغنى عن الخلق، بحيث لا يفتقر إلى أحد سوى ربَّه -عز وجل-.

معاني المفردات: الهُدَى : الدلالة والرشاد، والعلم. التُّقَى : التقوى: وهي فعل الأوامر واجتناب النواهي. العَفَاف : الكف عما لا يحل ولا يجمل من قول أو عمل. الغِنَى : ضد الفقر، والمراد به: غنى النفس، والاغتناء عن الناس وعما في أيديهم.

فوائد الحديث: الخضوع إلى الله واللجوء إليه في كل الأحوال. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وأن الذي يملك ذلك هو الله. إبطال التعلَّق بالأولياء والصالحين في جلب المنافع ودفع المضار. حاجة النفس إلى مكارم الأخلاق؛ لتستقيم على أمر الله، ولتخاف عقابه وترجو رحمته. وجوب التزام التقوى. الكف عن مباشرة المعصية، وإن كان المكلف قد عزم على فعلها. شرف هذه الخصال: الهدى والتقى والعفاف والغنى.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

18. ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستجمعًا قط ضاحكًا حتى ترى منه لهواته، إنما كان يتبسم

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: مَا رَأَيتُ رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى تُرَى مِنْهُ لَهَوَاتُهُ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّم.

الشمائل.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: حديث عائشة -رضي الله عنها- يصور بعض جوانب الهدي النبوي في خُلُق الوقار والسكينة فقالت -رضي الله عنها-: "مَا رَأَيتُ رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى تُرَى مِنْهُ لَهَوَاتُهُ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّم": تعني ليس يضحك ضحكًا فاحشًا بقهقهة، يفتح فمَه حتى تبدو لهاته، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- كان يبتسم أو يضحك حتى تبدو نواجذه، أو تبدو أنيابه، وهذا من وقار النبي -صلى الله عليه وسلم-.

معاني المفردات: مُسْتَجْمِعًا : أي مبالغًا في الضحك لم يترك منه شيئًا. قطُّ : كلمة تستعملها العرب لنفي الشيء في الزمن الماضي، والمعنى ما رأيته يفعل ذلك أبداً ضَاحِكًا : انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بُعْدٍ فهو القهقهة، وإلا فالضحك، وإن كان بلا صوت فهو التبسم. لَهَوَاتُه : جمع لهاة: وهي اللحمة التي في أقصى سقف الفم. يَتَبَسَّم : التبسم مبادىء الضحك.

فوائد الحديث: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحكه التبسم إذا رضي أو أعجب بشيء. استحباب الإقلال من الضحك. كثرة الضحك وارتفاع الصوت بالقهقهة ليس من صفات الصالحين؛ لأنها تميت القلب. كثرة الضحك من مظاهر الغفلة عن الله -تعالى-. كثرة الضحك تذهب هيبة الرجل ووقاره بين إخوانه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

19. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك

عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَام من اللَّيل يُشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاك».

الوضوء - الصلاة.

راوي الحديث: حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- للنظافة وكراهته للرائحة الكريهة أنه كان إذا قام من نوم الليل الطويل الذي هو مظنة تغير رائحة الفم دلك أسنانه -صلى الله عليه وسلم- بالسواك، ليقطع الرائحة، ولينشط بعد مغالبة النوم على القيام؛ لأنَّ من خصائص السواك أيضا التنبيه والتنشيط.

معاني المفردات: إذا قَام مِن اللَّيل : من نوم الليل للصلاة. يَشُوصُ : يدلك أو ينقي أو يغسل مع الدلك. فَاه : فمه. بالسِّوَاك : بالمسواك.

فوائد الحديث: تأكيد مشروعية السواك بعد نوم الليل، وعلته أن النوم مقتض لتغير رائحة الفم، والسواك هو آلة تنظيفية، ولهذا فإنه يسن عند كل تغير. تأكد مشروعية السواك عند كل تغير كريه للفم، أخذا من المعنى السابق. مشروعية النظافة على وجه العموم، وأنها من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن الآداب السامية. التسوك في الفم كله، فيشمل: الأسنان، واللثة، واللسان.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

20. إذا أُقِيمت الصلاة وحضر العَشاء فابدأوا بالعَشاء

عن عائشة وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك -رضي الله عنهم- مرفوعاً: «إِذَا أُقِيمَت الصَّلاَة، وحَضَرَ العَشَاء، فَابْدَءُوا بِالعَشَاء».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إذا أقيمت الصلاة، والطعام أو الشراب حاضر، فينبغي البداءة بالأكل والشرب حتى تنكسر نهمة المصلي، ولا يتعلق ذهنه به، ويقبل على الصلاة، وشرط ذلك عدم ضيق وقت الصلاة، ووجود الحاجة والتعلق بالطعام، وهذا يؤكد كمال الشريعة ومراعاتها لحقوق النفس مع اليسر والسماحة.

معاني المفردات: إذَا أُقِيمَت : نُودِي لها بالإقامة، والمراد: الصلاة، التي يريد أن يصليها. الصَّلاة : الصلاة في اللغة: الدعاءوفي الشرع: عبادة ذات أقوال وأفعال معلومة، أولها التكبير وآخرها التسليم. وَحَضَرَ الْعَشَاءُ : قُدِّم ليُؤْكل.

فوائد الحديث: تقديم حضور القلب في الصلاة على فضيلة أول الوقت. الطعام والشراب إذا حضرا وقت الصلاة، قدما عليها مالم يضق وقتها فتقدم على أية حال. التَرَخُّص بترك الجماعة؛ لأجل الانشغال بالطعام الحاضر، إنما هو مقيَّد بالحاجة إلى الطعام، وهذا الذي تؤكده مقاصد الشريعة في باب الصلاة. حضور الطعام للمحتاج إليه عذر في ترك الجماعة، على أن لا يجعل وقت الطعام هو وقت الصلاة دائما وعادة مستمرة. الخشوع وترك الشواغل مطلوب في الصلاة؛ ليحضر القلب للمناجاة. سهولة الشريعة الإسلامية.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيحة.

التخريج: حديث عائشة رضي الله عنها: متفق عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: متفق عليه حديث أنس رضي الله عنه: متفق عليه

21. لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر. أو قال: غيره

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «لاَ يَفْرَك مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَة إِنْ كَرِه مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَر»، أو قال: «غَيرُه».

النكاح

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها خلقًا آخر" معناه: لا يبغضها لأخلاقها، إن كره منها خلقا رضي منه خلقا آخر. الفرك: يعني البغضاء والعداوة، يعني لا يعادي المؤمن المؤمنة كزوجته مثلا، لا يعاديها ويبغضها إذا رأى منها ما يكرهه من الأخلاق، وذلك لأن الإنسان يجب عليه القيام بالعدل، وأن يراعي المعامل له بما تقتضيه حاله، والعدل أن يوازن بين السيئات والحسنات، وينظر أيهما أكثر وأيهما أعظم وقعا، فيغلب ما كان أكثر وما كان أشد تأثيرا؛ هذا هو العدل.

معاني المفردات: يَفْرَك : يُبغِض. مُؤْمِنٌ : الإيمان هو: إقرار القلب المستلزم للقول والعمل، فهو اعتقاد وقول وعمل، اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل القلب والجوارح. خُلُقًا : صفةً من الصفات.

فوائد الحديث: النهي عن بغض الرجل لزوجته وكراهيته لها؛ لأنه إن وجد فيها خلقا يكرهه وجد فيها خلقا مرضيا. دعوة المؤمن إلى تحكيم عقله في أي خلاف ينشأ مع زوجته، وعدم اللجوء إلى تحكيم العاطفة والانفعالات المؤقتة. أن شأن المؤمن أن لا يبغض المؤمنة بغضاً كلياً يحمله على فراقها، بل الذي ينبغي له أن يغفر سيئتها لحسنتها ويتغاضى عما يكره بما يحب.

المصدر : رياض الصالحين صحيح

التخريج: رواه مسلم

22. كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فبال، وتوضأ، ومسح على خفيه

عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- قال: «كنتُ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فبَالَ, وتوَضَّأ, ومَسَح على خُفَّيه».

راوي الحديث: حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك في المدينة، فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقضي حاجته، فأتى زبالة قوم خلف حائط، فبال وتوضأ ومسح على خفيه، وكان وضوؤه بعد الاستجمار، أو الاستنجاء، كما هي عادته -صلى الله عليه وسلم-.

معاني المفردات: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- : أي في صحبته، وكان ذلك بالمدينة. تَوَضَّأ : غسل الوجه، ثم اليدين إلى المرفقين، ثم مسح الرأس والأذنين، ثم غسل الرجلين إلى الكعبين. ومَسَح على خُفَّيه : أمر يده على الخفين مبلولة بالماء.والخف: هو ما يلبس على القدم ساترا لها من جلد.

فوائد الحديث: مشروعية المسح على الخفين، ومدة المسح على الخفين في السفر ثلاثة أيام بلياليها، ومدة المسح للمقيم يوم وليلة أي 24 ساعة يحسب ابتداؤها في السفر أو الحضر، من المسحة الأولى. المسح على الخفين بعد الوضوء من البول، وثبت المسح على الخفين من كل حدث أصغر في أحاديث كثيرة، أما الحدث الأكبر الموجب للغسل كالجنابة فلا يكفى فيه المسح على الخفين، بل لابد من الاغتسال، أما الجبيرة والجروح المعصوبة فإنه يمسح عليها من الحدثين الأصغر والأكبر، أما إذا كان المسح يضرها أو يخشى منه الضرر فلا تمسح ويتيمم عنها ولكن مع غسل سائر الأعضاء الصحيحة. مشروعية المسح على الخفين في الوضوء بدلا عن غسل الرجلين، يعد من كمال الدين الإسلامي ويسر شرائعه. جواز قول الإنسان للرجل العظيم: إنه بال؛ لأنه فعل عادي لا يعد نقصًا ولا عيبًا، بل من كماله -صلى الله عليه وسلم- نقل تفاصيل حياته حتى قضاء الحاجة.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

23. لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ولا يتنفس في الإناء

عن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- مرفوعاً: "لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُم ذَكَره بَيمِينِه وهو يبول، ولا يَتَمَسَّحْ من الخلاء بيمينه، ولا يَتَنَفَّس في الإناء".

آداب الشرب.

راوي الحديث: أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمَ أن لا يمس ذكره حال بوله، ولا يزيل النجاسة من القبل أو الدبر بيمينه، وينهى كذلك عن التنفس في الإناء الذي يشرب منه لما في ذلك من الأضرار الكثيرة.

معاني المفردات: لا يُمْسِكَنَّ : لا يأخذنَّ. يَتَمَسَّح : يستجمر. من الخلاء : المراد هنا من البول والغائط. بيمينه : بيده اليمنى. ولا يَتَنَفَّس : أي لا يخرج نفسه في الإناء حال الشرب. الإناء : الوعاء الذي يشرب منه.

فوائد الحديث: النهي عن مس الذكر باليمنى حال البول. النهي عن الاستنجاء باليمين. النهي عن التنفس في الإناء. اجتناب الأشياء القذرة، فإذا اضطر إلى مباشرتها، فليكن باليسار. بيان شرف اليمين وفضلها على اليسار. الاعتناء بالنظافة عامة، لاسيما المأكولات والمشروبات التي يحصل من تلويثها ضرر في الصحة. سُمُوُّ الشرع، حيث أمر بكل نافع، وحذر من كل ضار. كمال الشريعة الإسلامية وشمول تعاليمها.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

24. أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار, أو يجعل صورته صورة حمار؟

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يُحَوِّلَ الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صُورة حمار؟».

الكبائر

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إنَّما جعل الإمام في الصلاة ليُقتدى به ويؤتم به، بحيث تقع تنقلات المأموم بعد تنقلاته، وبهذا تحقق المتابعة، فإذا سابقه المأموم، فاتت المقاصد المطلوبة من الإمامة، لذا جاء هذا الوعيد الشديد على من يرفع رأسه قبل إمامه، بأن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار، بحيث يمسخ رأسه من أحسن صورة إلى أقبح صورة، جزاء لهذا العضو الذي حصل منه الرفع والإخلال بالصلاة.

معاني المفردات: أَمَا : استفهام توبيخ. يَخْشَى : يخاف، والمعنى: فليخف؛ لأنَّ الغرض من الاستفهام هنا الإشعار بالنهي عن رفع الرأس قبل الإمام. أَو يَجعَلَ صُورَتَهُ : أو للشك من الراوي والفرق بين هذه الجملة والجملة الأولى السابقة: أنَّ هذه عامَّة في الجسد كُلِّه، والأولى خاصة في جزء منه وهو الرأس.

فوائد الحديث: تحريم رفع الرأس في السجود قبل الإمام والوعيد فيه دليل على منعه، إذ لا وعيد إلا على محرم وقد أوعد عليه بالمسخ وهو من أشد العقوبات. يلحق بذلك مسابقة الإمام في كل تنقلات الصلاة وهذا من باب القياس. وجوب متابعة المأموم للإمام في الصلاة. توعُّد المسابق بالمسخ إلى صورة الحمار، لما بينه وبين الحمار من المناسبة والشبه في البلادة والغباء، لأن المسابق إذا كان يعلم أنه لن ينصرف من الصلاة قبل إمامه، فليس هناك فائدة في المسابقة، فدل على غبائه وضعف عقله. تدل مسابقة الإمام على الرغبة في استعجال الخروج من الصلاة، وذلك مرض دواؤه أن يتذكر صاحبه أنه لن يسلم قبل الإمام. الوعيد بتغيير صورة من يرفع رأسه قبل الإمام إلى صورة حمار أمر ممكن، وهو من المسخ، ويحتمل أن يرجع المعنى من تحويل الصورة إلى تحويل الطبيعة وذلك بأن يصبح بليدا كالحمار. كمال شفة النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته، وبيانه لهم الأحكام وما يترتب عليها من الثواب والعقاب.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

25. لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان

عن عائِشَة -رضي الله عنها- مرفوعاً: «لا صلاة بِحَضرَة طَعَام، وَلا وهو يُدَافِعُه الأَخبَثَان».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يؤكِّد هذا الحديث رغبة الشارع في حضور قلب المكلَّف في الصلاة بين يدي ربِّه، ولا يكون ذلك إلا بقطع الشواغل؛ التي يسبب وجودها عدم الطمأنينة والخشوع؛ لهذا: فإن الشارع ينهي عن الصلاة بحضور الطعام الذي تتوق نفس المصلي إليه، ويتعلق قلبه به، وكذلك ينهى عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين، -اللذين هما البول والغائط-؛ لانشغال خاطره بمدافعة الأذى.

معاني المفردات: لا صلاة : لا يصلِّ الإنسان. بِحَضْرَةِ : بحضور. ولا وهو : أي: الإنسان. يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ : البول والغائط، ومعنى مدافعتهما إيَّاه: أنه يدفعهما عن الخروج ويدفعانه عن الشغل بغيرهما ليخرجا.

فوائد الحديث: كراهة الصلاة في حال مدافعة الأخبثين، ما لم يضق الوقت فتقدم الصلاة مطلقا، ولو صلى وهو كذلك فإن صلاته صحيحة لكنها ناقصة غير كاملة للحديث المذكور ولا إعادة عليه، وأما إذا دخل في الصلاة وهو غير مدافع للأخبثين وإنما حصلت المدافعة أثناء الصلاة فإن الصلاة صحيحة ولا كراهة إذا لم تمنع هذه المدافعة من إتمام الصلاة. حضور القلب والخضوع مطلوبان في الصلاة. ينبغي للمصلى إبعاد كل ما يشغله في صلاته. الحاجة إلى التبوُّل أو التغوُّط عذر في ترك الجمعة والجماعة، بشرط ألاَّ يجعل أوقات الصلوات مواعيد لهما.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

26. إذا قلت لصاحبك: أَنْصِتْ يوم الجمعة والإمام يَخْطُبُ، فقد لَغَوْتَ

عن أبي هُريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إذا قلتَ لصاحبك: أَنْصِتْ يوم الجمعة والإمام يَخْطُبُ، فقد لَغَوْتَ».

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من أعظم شعائر الجمعة الخطبتان، ومن مقاصدها وعظ الناس وتوجيههم، ومن آداب المستمع الواجبة: الإنصات فيهما للخطيب، ليتدبر المواعظ، ولذا حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكلام، ولو بأقل شيء، مثل نهي صاحبه عن الكلام ولو بقوله: " أنصت"، ومن تكلم والإمام يخطب فقد لغا فيحرم من فضيلة الجمعة؛ لأنه أتى بما يشغله ويشغل غيره عن سماع الخطبة.

معاني المفردات: لصاحبك : كل من تخاطبه عبر عنه بالصاحب؛ لأنه الغالب أو لأنه بجوارك. أَنْصِتْ : اسكت عن الكلام. لَغَوْتَ : لغا أتى بقول ساقط، ليس فيه فائدة، والمراد أنه تذهب به فضيلة الجمعة.

فوائد الحديث: وجوب الإنصات للخطيب يوم الجمعة، وقد اتفق العلماء على وجوب ذلك. تحريم الكلام حال سماع الخطبة وأنه منافٍ للمقام ولو بالنهي عن المنكر ورد السلام وتشميت العاطس وكل ما فيه مخاطبة للآخرين. يستثنى من هذا من يخاطِبُ الإمام أو يُخاطِبُهُ الإمام. استثنى بعض العلماء من كان لايسمع الخطيب لِبُعْد، فإنه لاينبغي له السكوت بل يشتغل بالقراءة أو الذكر، أما من لا يسمعه لصمم، فلا ينبغي أن يشغل من حوله بالجهر بالقراءة، ويكون ذلك بينه وبين نفسه. عقوبة المتكلم حرمانه من فضيلة الجمعة. جواز الكلام بين الخطبتين. إذا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- والإمام يخطب فإنك تصلي عليه وتسلم سرا ويحصل لك بذلك العمل بالأحاديث، وكذلك تأمين الدعاء.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

27. ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه! إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ألا أُحَدِّثُكُمْ حديثا عن الدجال ما حدَّثَ به نبيٌّ قومه! إنه أعور، وإنه يَجيءُ معه بمثالِ الجنة والنار.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: ما من نبي من الأنبياء إلا أنذر قومه الدجال الأعور، وأنه لا يأتي إلا في آخر الزمان، أما نبينا -صلى الله عليه وسلم- فهو الذي فصل البيان في الدجال بما لم يقله الأنبياء والمرسلين قبله، وأنه يوهم الناس، ويُلبِّس عليهم فيحسبون أن هذا الذي أطاعه أدخله الجنة، وأن هذا الذي عصاه أدخله النار، والحقيقة بخلاف ذلك.

معاني المفردات: الدجال : رجلٌ من بني آدم؛ أعور خبيث كافر متمرد، ظهوره من علامات الساعة.

فوائد الحديث: فيه التنويه بفتنته وبيانها، وأنها عظيمة، وإن كان لن يأتي إلا في آخر الدنيا ففتنته عظيمة. أن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل الأمم وآخرها. شدة حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته، حيث بين للمسلمين من صفات الدجال ما لم يبينه نبي قبله.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

28. اعْتَدِلُوا في السجود، ولا يَبْسُطْ أحدكم ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الكلب

عن أَنَس بن مالك -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «اعْتَدِلُوا في السجود، ولا يَبْسُطْ أحدكم ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الكلب».

النهي عن التشبه بالحيوانات.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاعتدال في السجود، وذلك بأن يكون المصلي على هيئة حسنة في السجود، حيث يجعل كفيه على الأرض، ويرفع ذراعيه ويبعدهما عن جَنْبيه، لأن هذه الحال عنوان النشاط والرغبة المطلوبين في الصلاة، ولأن هذه الهيئة الحسنة تُمكِّن أعضاء السجود كلها من الأخذ بحظها من العبادة. ونُهِيَ عن بسط الذراعين في السجود؛ لأنه دليل الكسل والملل، وفيه تشبه بالكلب، وهو تشبه بما لا يليق.

معاني المفردات: اعتدلوا في السجود : كونوا فيه على العدل والاستقامة بين الافتراش والقبض. السجود : الهوي إلى الأرض واضعا عليها الجبهة والأنف والكفين والركبتين وأطراف القدمين. يبسط أحدكم ذِرَاعَيْهِ : يمدها على الأرض. انْبِسَاطَ الكلب : أي كانبساطه، وأضيف للكلب للتنفير منه.

فوائد الحديث: وجوب الاعتدال في السجود، على الهيئة المشروعة. تحريم بسط الذراعين في السجود، لأنه دليل الكسل، وفيه تشبه بجلوس الكلب. التحذير من مشابهة الحيوانات، خصوصاً في حال أداء العبادة. في هذه الهيئة وهي بسط الذراعين قلة الاعتناء بالصلاة ، والتهاون بها. الاعتدال في السجود أبلغ في تمكين الجبهة من الأرض.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

29. سألت أنس بن مالك: أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي في نَعْلَيْهِ؟ قال: نعم

عن مَسْلَمَةَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيد قال: سألت أنس بن مالك: أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي في نَعْلَيْهِ؟ قال: «نعم».

عدم التشبه بأهل الكتاب.

راوي الحديث: أبو مَسْلَمَةَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيد -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من المقاصد الشرعية مخالفة أهل الكتاب، وإزالة كل شيء فيه مشقة وحرج على المسلم، وقد سأل سعيد بن يزيد وهو من ثقات التابعين أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: أكان يصلى في نعليه؛ ليكون له قدوة فيه؟ أو كأنه استبعد ذلك لما يكون فيها من القذر والأذى غالبًا، فأجابه أنس: نعم، كان يصلى في نعليه، وأن ذلك من سنته المطهرة، وهذا ليس خاصًّا بأرض أو زمن معين.

معاني المفردات: نَعْلَيْه : تثنية نعل، وهو ما يلبس في الرجل لتُّتُقى به الأرض.نعم : حرف جواب؛ لإثبات المسؤول عنه.

فوائد الحديث: حرص السلف في البحث في العلم. استحباب الصلاة في النعلين، حيث كان من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-. جواز دخول المسجد بهما، بعد تنظيفهما من الأقذار والأنجاس. أن غلبة الظن في نجاستهما لا تخرجهما عن أصل الطهارة فيهما.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

30. الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله

عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «السَّاعِي على الأَرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالمُجَاهِدِ في سبيل الله». وأَحْسَبُهُ قال: «وكالقائم الذي لا يَفْتُرُ، وكالصائم الذي لا يُفْطِرُ».

النفقات.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الذي يقوم بمصالح المرأة التي مات عنها زوجها، والمسكين المحتاج وينفق عليهم، هو في الأجر كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم في صلاة التهجد الذي لا يتعب من ملازمة العبادة، وكالصائم الذي لا يفطر.

معاني المفردات: السَّاعِي : هو المكتَسِب للأرملة والمسكين بما يعيشهما ويُعِينُهما به. الأَرْمَلَة : المرأة التي مات عنها زوجها غنية كانت أو فقيرة. المِسْكِين : أي المحتاج الأحق بالصدقة، فهو الذي ليس له من المال ما يسد حاجته. كالمُجَاهِد في سَبيلِ الله : الجهاد: هو بذل الجهد في قمع أعداء الإسلام بالقتال وغيره؛ لتكون كلمة الله هي العليا. كالقَائِم : أي: في صلاة التهجد متعبِّدًا. الَّذِي لاَ يَفْتُرُ : لا يتعَب من ملازمة العبادة.

فوائد الحديث: وجه إِلْحَاق القائم على الأرملة والمسكين بما يصلحهما ويحفظهما بالمجاهد والمتهجد: أن المداومة على أعمال البر كهذه تَفتقِر إلى مجاهدة النفس والشيطان. الحث على كشف كرب الضعفاء وسد خُلَّتِهم وحاجاتهم وصون حُرمَتِهِم. حرص الشريعة الإسلامية على تضامن المسلمين وتكافلهم وتعاونهم؛ حتى يشتد البناء الإسلامي. العبادة تشمل كل عمل صالح. العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه ويرضاه الله من الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

31. يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك

عن شهر بن حوشب قال: قلت لأم سلمة -رضي الله عنها-، يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».

الفتن.

راوي الحديث: أم سلمة -رضي الله عنها-

المعنى الإجمالي: كان أكثر دعائه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول، هذا القول: (يا مقلب القلوب) أي مصرفها تارة إلى الطاعة والإقبال وتارة إلى المعصية والغفلة، (ثبت قلبي على دينك)، أي اجعله ثابتًا على دينك غير مائل عن الدين القويم والصراط المستقيم.

معاني المفردات: مقلب القلوب : محول القلوب من حال إلى حال.

فوائد الحديث: خضوع النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه وتضرعه إليه، وإرشاد الأمة إلى سؤال ذلك. الإشارة إلى أهمية الاستقامة والثبات، والإيماء إلى أن العبرة بالخاتمة. العبد لا يستغني عن تثبيت الله له على الإسلام طرفة عين. قلوب العباد بيد الله يقلبها كيف يشاء. الثبات على الإسلام هو النعمة العظمى التي ينبغي على العبد أن يسعى إليها ويشكر مولاه عليها.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح لغيره.

التخريج: رواه الترمذي.

32. الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «الفِطرة خَمْسٌ: الخِتَان, والاسْتِحدَاد, وقَصُّ الشَّارِب, وتَقلِيمُ الأَظفَارِ, ونَتْفُ الإِبِط».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يذكر أبو هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: خمس خصال من دين الإسلام، الذي فطر الله الناس عليه، فمن أتى بها، فقد قام بخصال عظام من الدين الحنيف. وهذه الخمس المذكورة في هذا الحديث، من جملة النظافة، التي أتى بها الإسلام. أولها: قطع قُلْفة الذكر، التي يسبب بقاؤها تراكم النجاسات والأوساخ فتحدث الأمراض والجروح. وثانيها: حلق الشعور التي حول الفرج، سواء أكان قبلا أم دبرا، لأن بقاءها في مكانها يجعلها معرضة للتلوث بالنجاسات، وربما أخلت بالطهارة الشرعية. وثالثها: قص الشارب، الذي بقاؤه، يسبب تشويه الخلقة، ويكره الشراب بعد صاحبه، وهو من التشبه بالمجوس. ورابعها:تقليم الأظافر، التي يسبب بقاؤها تجمع الأوساخ فيها، فتخالط الطعام، فيحدث المرض. وأيضا ربما منعت كمال الطهارة لسترها بعض الفرض. وخامسها: نتف الإبط، الذي يجلب بقاؤه الرائحة الكريهة.

معاني المفردات: الفطرة : ما فطر الناس على حسنه، أي ما جبلوا على حسنه، وتأتي الفطرة بمعنى السنة. الختان : قطع جزء مخصوص من مكان مخصوص في الذكر والأنثى، وصورته: قطع جلدة الذكر التي فوق الحشفة حتى تبرز، وقطع رأس جلدة في فرج الأنثى فوق محل الإيلاج. الاستحداد : إزالة شعر العانة بالموسى، وهو الشعر الخشن الذي ينبت حول القبل. الشارب : هو ما ينبت على الشفة العليا، وقصه بحيث تظهر الشفة. تقليم الأظافر : قطع أطرافها الخارجية عن منابتها في اللحم. نتف الإبط : قطع شعره من أصله. والإبط بكسر الهمزة وسكون الباء باطن المنكب.

فوائد الحديث: فطرة الله -تعالى- تدعو إلى كل خير، وتبعد عن كل شر. الفطرة خمس، هذا العدد ليس حصرًا، فإن مفهوم العدد ليس بحجة، وقد جاء في صحيح مسلم: عشر من الفطرة. مشروعية تعاهد هذه الأشياء، وعدم الغفلة عنها. هذه الخصال الخمس الكَريمة، من فطرة الله، التي يحبها ويأمر بها.وجبل أصحاب الأذواق السليمة عليها ونفرهم من ضدها. الدين الإسلامي جاء بالنظافة والجمال والكمال. لهذه الخصال فوائد دينية ودنيوية منها: حسين الهيئة وتنظيف البدن والاحتياط للطهارة، ومخالفة شعار الكفار، وامتثال أمر الشارع. ما يفعله الآن بعض الشبان والشابات من تطويل الأظافر، وما يفعله بعض الذكور من إعفاء الشوارب، من الأمور الممنوعة شرعا، المستقبحة عقلا وذوقا، والإسلام لا يأمر إلا بكل جميل ولا ينهى إلا عن كل قبيح، غير أن التقليد الأعمى للفرنجة قد قلب الحقائق وحسن القبيح، ونفَّر من الحسن ذوقا وعقلا وشرعا.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

33. اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخَلاء قال: ((اللهم إني أَعُوذ بك من الخُبُثِ والخَبَائِث)).

الأذكار.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يذكر لنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- وهو المتشرف بخدمة النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أدبًا نبويًّا حين قضاء الحاجة، وهو أنه -صلى الله عليه وسلم- من كثرة محبته والتجائه إلى ربه لا يدع ذكره والاستعانة به على أية حال، فهو -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد دخول المكان الذي سيقضي فيه حاجته استعاذ بالله، والتجأ إليه أن يقيه الشياطين من ذكور وإناث؛ لأنهم الذين يحاولون في كل حال أن يفسدوا على المسلم أمر دينه وعبادته، وفُسِّر الخبث والخبائث أيضًا بالشر وبالنجاسات. وسبب الاستعاذة أن بيت الخلاء -وهو ما يسميه بعض الناس بالحمامات أو دورات المياه- أماكن الشياطين، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم، فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" رواه ابن ماجه وغيره وصححه الألباني، وهناك سبب آخر وهو أن الإنسان يحتاج كشف عورته إذا دخل هذه المواضع، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول: بسم الله" رواه ابن ماجه وغيره وصححه الألباني أيضًا.

معاني المفردات: إذا دخل : إذا أراد الدخول. الخَلاء : المكان الخالي المعد لقضاء الحاجة. اللهُمَّ : يا الله. أَعُوذ بك : أستجير بالله وأعتصم. الخُبُث : ذكور الشياطين. الخَبَائِث : إناث الشياطين.

فوائد الحديث: استيعاب هذه الشريعة الغراء لجميع الآداب النافعة. استحباب هذا الدعاء عند إرادة دخول الخلاء، ليأمن من الشياطين وشرهم. بيان لفظ الاستعاذة المشروعة في ذلك الوقت، والحكمة في هذا الذكر ما في حديث زيد بن أرقم عند أصحاب السنن مرفوعا: "إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل" الحديثَ. إن من أذى الشياطين أنهم يسبِّبُون التنجس لتفسد صلاة العبد، وفي الاستعاذة منهم اتقاءٌ شرهم. وجوب اجتناب النجاسات، وعمل الأسباب المنجية منها، كالأذكار، فقد صح أن عدم التحرز من البول من أسباب عذاب القبر، ومما فسر به الخبث النجاسات. أن جميع الخلق مفتقرون إلى ربهم في دفع ما يؤذيهم أو يضرهم.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

34. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد حياءً من العذراء في خدرها

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَشَدَّ حياءً من العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا، فإذا رأى شيئا يَكْرَهُهُ عرفناه في وجهه.

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد حياء من المرأة التي لم تتزوج وهي أشد النساء حياءً؛ لأنَّها لم تتزوج ولم تعاشر الرجال فتجدها حيية في خدرها، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشدُّ حياء منها، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى ما يكره وما هو مخالف لطبعه -صلى الله عليه وسلم- عُرف ذلك في وجهه.

معاني المفردات: حياء : الحياء خلق عظيم يحمل على فعل الجميل وترك القبيح. العَذْرَاء : البكر، وهي الأنثى التي لم يمسها رجل، سميت به لبقاء عذرتها، وهي ما يكون من التحام في فم الرحم. الخِدْر : ناحية في البيت يترك عليها ستر. يكرهه : لا يحبه. عَرَفنَاه في وجهِه : تغير وجهه ولم يتكلم لشدة حيائه.

فوائد الحديث: بيان ما اشتمل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحياء، وهو الخلق العظيم. الحياء خلق غريزي في النساء.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

35. إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إِنَّها سَتَكُون بَعدِي أَثَرَة وأُمُور تُنكِرُونَها!» قالوا: يا رسول الله، فَمَا تَأمُرُنَا؟ قال: «تُؤَدُّون الحَقَّ الذي عَلَيكم، وتَسأَلُون الله الذِي لَكُم».

الإمامة - النبوة - الفتن - الاعتصام بالوحي - القدر - الجماعة.

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في الحديث التنبيه على أمر عظيم متعلق بمعاملة الحكام، وهي ظلم الحكام وانفرادهم بالمال العام دون الرعية، حيث أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سيستولي على المسلمين ولاة يستأثرون بأموال المسلمين يصرفونها كما شاؤوا ويمنعون المسلمين حقهم فيها. وهذه أثرة وظلم من هؤلاء الولاة، أن يستأثروا بالأموال التي للمسلمين فيها الحق، وينفردوا بها لأنفسهم عن المسلمين، ولكن الصحابة المرضيون طلبوا التوجيه النبوي في عملهم لا فيما يتعلق بالظلمة، فقالوا: ما تأمرنا؟ وهذا من عقلهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "تودون الحق الذي عليكم"، يعني: لا يمنعكم انفرادهم بالمال عليكم أن تمنعوا ما يجب عليكم نحوهم من السمع والطاعة وعدم الإثارة والوقوع في الفتن، بل اصبروا واسمعوا وأطيعوا ولا تنازعوا الأمر الذي أعطاهم الله، "وتسألون الله الذي لكم" أي: اسألوا الحق الذي لكم من الله، أي: اسألوا الله أن يهديهم حتى يؤدُّوكم الحق الذي عليهم لكم، وهذا من حكمة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- علِم أنَّ النفوس لا تصبر عن حقوقها، وأنها لن ترضى بمن يستأثرعليهم بحقوقهم، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- أرشد إلى أمر يكون فيه الخير والمصلحة، وتندفع من ورائه الشرور والفتن، وذلك بأن نؤدي ما علينا نحوهم من السمع والطاعة وعدم منازعة الأمر ونحو ذلك، ونسأل الله الذي لنا.

معاني المفردات: الأَثَرَة : الانفراد بالشيء عمن له فيه حق. تُؤَدُّون : تعطون. الحق الذي عليكم : من الانقياد لهم وعدم الخروج عليهم.

فوائد الحديث: الحديث من دلائل نبوته -صلى الله عليه وسلم- حيث أخبر بما سيكون في أمته. جواز إعلام المبتلى الذي سيبتلى بما يُتَوَقَع له من البلاء؛ ليُوَطِّن نفسه فإذا أتاه ما يوعد كان صابرًا محتسبًا. الاعتصام بالكتاب والسنة مخرج من الفتن والاختلاف. الصبر على المقدور والرضا بالقضاء حلوه ومره. الحث على السمع والطاعة، وإن كان المتولي ظالما فيُعطى حقه من الطاعة ولا يُخرج عليه، بل يتضرع إلى الله تعالى في كف أذاه، ودفع شره وإصلاحه. استعمال الحكمة في الأمور التي قد تقتضي الإثارة، ومن ذلك استئثار الولاة بالمال دون الرعية، فإنه جالب للفتن والثورات، ومع ذلك فالرسول -صلى الله عليه وسلم- حثَّ على الصبر ولزوم الطاعة حتى تزول هذه الفتن. الصبر على جور الولاة، وإن استأثروا بالأموال، فإن الله سائلهم عما استرعاهم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

36. من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه

عن سهل بن حنيف -رضي الله عنه- مرفوعًا: «مَن سَأَل الله تَعَالى الشَّهَادَة بِصِدق بَلَّغَه مَنَازِل الشُّهَدَاء وإِن مَات عَلَى فِرَاشِه».

راوي الحديث: سهل بن حنيف -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في الحديث بيان أنَّ صدق النية سبب لبلوغ الأجر والثواب، وأنَّ من نوى شيئاً من عمل البرّ أُثِيب عليه، وإن لم يقدر على عمله، ومن ذلك من دعا وسأل الشهادة في سبيل الله ونصرة دينه صادقاً من قلبه كتب الله له أجر الشهداء وإن لم يعمل عملهم ومات في غير الجهاد.

معاني المفردات: الشهادة : هي في الأصل الموت في قتال الأعداء ابتغاء مرضاة الله -تعالى-. منازل الشهداء : درجاتهم عند الله -تعالى-.

فوائد الحديث: أنَّ صدق النية سبب لبلوغ المقصود من الأجر والثواب، ومتى صَدُقَت النية في عمل البر أثيب صاحبها، وإن لم يُبَاشر العمل المطلوب. استحباب طلب الشهادة والإخلاص في ذلك. إكرام الله -تعالى- لهذه الأمة، فهو يعطيها بقليل من العمل أعلى الدرجات في الجنة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

37. يقول الله -تعالى-: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «يقول الله -تعالى-: ما لِعَبدِي المُؤمن عِندِي جَزَاء إِذَا قَبَضتُ صَفِيَّه مِنْ أَهلِ الدُّنيَا ثُمَّ احْتَسَبَه إِلاَّ الجنَّة».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر النبي -عليه السلام- في هذا الحديث القدسي، أنَّ من ابتلي بفقد حبيبه من قريب ونحو ذلك إذا صبر الإنسان على قبض من يصطفيه الإنسان ويختاره ويرى أنه ذو صلة منه قوية، من ولد، أو أخ، أو عم، أو أب، أو أم، أو صديق، إذا أخذه الله -عز وجل- ثم احتسبه الإنسان فليس له جزاء إلا الجنة.

معاني المفردات: صَفِيَّه : حبيبه لأنه يصافيه المحبة والود. احْتَسَبه : صبر على فقده راجيا الأجر من الله على ذلك.

فوائد الحديث: أن من صبر على المصيبة واحتسب ثوابها عند الله -تعالى-، فإن جزاءه الجنة. أن من أعظم المصائب التي تنزل بالإنسان فقد الأحبة. أن الكافر مهما عمل من عمل صالح، فليس له به عند الله شيء، لعدم الإيمان. يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وخاتمة ذلك دخول الجنة. فضيلة الصبر على قبض الحبيب من الدنيا، وأن الله -عز وجل- يجازي الإنسان إذا صبر على ذلك رجاء ما عند الله الجنة. في الحديث دليل على سعة فضل الله -سبحانه وتعالى- وكرمه على عباده، فإن الملك ملكه، والأمر أمره، ومع ذلك فإذا قبض الله صفي الإنسان واحتسب، فإن له هذا الجزاء العظيم. الإشارة إلى أفعال الله، من قوله: "إذا قبضت صفيه".

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

38. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر، فصلى العشاء الآخِرَةَ، فقرأ في إحدى الركعتين بِالتِّينِ وَالزَّيْتُون فما سمعت أحدًا أحسن صوتًا أو قراءة منه

عن الْبَرَاء بْن عَازِبٍ -رضي الله عنهما- «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر، فصلى العشاء الآخِرَةَ، فقرأ في إحدى الركعتين بِالتِّينِ وَالزَّيْتُون فما سمعت أحدًا أحسن صوتًا أو قراءة منه».

شمائل النبي -صلى الله عليه وسلم- الخَلْقية.

راوي الحديث: الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بسورة التين والزيتون في الركعة الأولى في صلاة العِشاء؛ لأنه كان في سفر، والسفر يراعى فيه التخفيف والتسهيل؛ لمشقته وعنائه، ومع كون النبي -صلى الله عليه وسلم- مسافرًا، فإنه لم يترك ما يبعث على الخشوع وإحضار القلب عند سماع القرآن، وهو تحسين الصوت في قراءة الصلاة.

معاني المفردات: إحدى الركعتين : هي الأولى كما رواه النسائي. بالتين والزيتون : سورة التين والزيتون. أحسن صوتًا أو قراءةً : أو يحتمل أنها للشك من الراوي؛ فيكون الحسن إما في الصوت أو القراءة، ويحتمل أنها للتنويع، أي: أحسن صوتا وقراءة؛ فيكون الحسن في كليهما.

فوائد الحديث: جواز قراءة قصار المُفَصَّل في صلاة العشاء. أن الأحسن تخفيف الصلاة في السفر، ومراعاة حال المسافرين، ولو كان عند الإمام رغبة في التطويل. استحباب تحسين الصوت في القراءة، ومن ذلك القراءة في الصلاة؛ لأنه يبعث على الخشوع والحضور. الجهر في صلاة العشاء.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

39. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صَلَّى فرّج بين يديه، حتى يبدو بياض إبْطَيْهِ

عن عبد الله بن مالك بن بُحَيْنَةَ -رضي الله عنهم-: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صَلَّى فرّج بين يديه، حتى يَبْدُوَ بياضُ إبْطَيْهِ».

راوي الحديث: عبد الله بن مالك بن بُحَيْنَةَ -رضي الله عنهم-

المعنى الإجمالي: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد يباعد عضديه عن جنبيه؛ لتنال اليدان حظهما من الاعتماد والاعتدال في السجود، ومن شدة التفريج بينهما يظهر بياض إبطيه. وهذا لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان إماما أو منفردا، أما المأموم الذي يتأذى جاره بالمجافاة؛ فلا يشرع له ذلك.

معاني المفردات: إذا صلّى : إذا سجد. فرّج : باعد. بين يديه : أي: عَضُديه، والمراد باعد بينهما وبين جنبيه. بياض إبطيه : تثنية إبط، وهو باطن المنكب، وبياضهما أي: لون جلدهما من شدة المجافاة؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن على إبطيه شعر.

فوائد الحديث: استحباب هذه الهيئة في السجود، وهى مباعدة عَضُديه عن جنبيه. في المجافاة في السجود حِكمَ وفوائد كثيرة، منها: إظهار النشاط والرغبة في الصلاة، وأنه إذا اعتمد على كل أعضاء السجود أخذ كل عضو حقه من العبادة. أن الإبط ليس بعورة.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

40. أُمِرَ الناس أن يكون آخر عَهْدِهِمْ بالبيت، إلا أنه خُفِّفَ عن المرأة الحائض

عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال: «أُمِرَ الناس أن يكون آخر عَهْدِهِمْ بالبيت، إلا أنه خُفِّفَ عن المرأة الحائض».

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: لهذا البيت الشريف تعظيم وتكريم؛ فهو رمز لعبادة الله والخضوع والخشوع بين يديه، فكان له في الصدور مهابة، وفِى القلوب إجلال، وتعلق، ومودة. ولذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الحاج قبل السفر أن يكون آخر عهده به، وهذا الطواف الأخير هو طواف الوداع، إلا المرأة الحائض؛ فلكونها تلوث المسجد بدخولها سقط عنها الطواف بلا فداء، وهذا النص في الحج فلا يتناول العمرة.

معاني المفردات: أُمِرَ الناس : أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمراد بالناس: الحجاج المسافرون إلى أهاليهم بعد تمام النسك. عَهْدِهِمْ : التقائهم. بالبيت : بالطواف بالبيت، أي الكعبة. خُفِّف : خفف النبي -صلى الله عليه وسلم-. الحائض : التي أصابها الحيض حين خروجها من مكة.

فوائد الحديث: أن طواف الوداع يكون آخر شئون الحاج؛ لأن هذا معنى الوداع، وشراء بعض الأشياء في طريقه إلى السفر، أو انتظار الرفقة، أو نحو ذلك من التأخر اليسير لا يضر. عظم حُرْمة الكعبة. أن الحائض ليس عليها طواف للوداع، ولا دم بتركه. تيسير الشريعة الإسلامية.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

41. لا تدعوا على أنفسكم؛ ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «لا تدعوا على أنفسكم؛ ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاءٌ فيستجيب لكم».

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يحذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث وينهى عن الدعاء على النفس والأولاد والأموال؛ لأن الدعاء شأنه عظيم، قد يمضيه الله على العباد، لو وافق ساعة إجابة فيكون ضرره على صاحبه وما يتعلق به من أولاده وماله.

معاني المفردات: ساعة : الساعة في الأصل تطلق على معنيين، أحدهما : أن تكون عبارة عن جزء من أربعة وعشرين جزءًا هي مجموع اليوم والليلة، ثانيهما : جزء من أجزاء الوقت والحين وإن قل .

فوائد الحديث: النهي عن الدعاء على النفس أو الأولاد أو المال بشيء من الضرر لئلا يصادف هذا الدعاء القبول. أن للأزمنة خواصاً يتقبل الله فيها الدعاء، فيتحرى المؤمن الساعات المباركة بالدعاء. يكون دعاء المسلم دعاء خير ورحمة وعافية، لا دعاء عذاب وهلاك. ينبغي على العبد أن يحرص على كلامه وعباراته، ويزنها قبل أن يخرجها.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

42. والذي نفسُ مُحمَّد بيدِه، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌّ، ولا نصرانيٌّ، ثم يموتُ ولم يؤمن بالذي أُرْسِلتُ به، إلَّا كان مِن أصحاب النار

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «والذي نفسُ مُحمَّد بيدِه، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌّ، ولا نصرانيٌّ، ثم يموتُ ولم يؤمن بالذي أُرْسِلتُ به، إلَّا كان مِن أصحاب النار».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يحلف النبي -صلى الله عليه وسلم- بالله أنه «لا يسمع به أحد من هذه الأمة» أي: ممن هو موجود في زمانه وبعده إلى يوم القيامة «يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به، إلا كان من أصحاب النار» فأي يهودي أونصراني وكذلك غيرهما تبلغه دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يموت ولا يؤمن به إلا كان من أصحاب النار خالدًا فيها أبدًا. وإنما ذَكر اليهودي والنصراني تنبيهًا على من سواهما؛ وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا، فغيرهم ممن لا كتاب له أولى، فكلُّهم يجب عليهم الدخول في دينه وطاعته -صلى الله عليه وسلم-.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: من لم يَسمع بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور. وجوب اتباعه -صلى الله عليه وسلم-، ونسخ جميع الشرائع بشرعه، فمن كفر به لم ينفعه إيمانه بغيره من الأنبياء -صلوات الله عليهم أجمعين-. الانتفاع بالإسلام قبيل الموت، ولو في المرض الشديد ما لم يصل إلى المعاينة. تكفير من أنكر بعض ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ثبت ذلك بنص قطعي، وأجمعت عليه الأمة.

المصدر : صحيح مسلم. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

43. أحْفُوا الشَّوَارِبَ وأَعْفُوا اللِّحَى

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أحْفُوا الشَّوَارِبَ وأَعْفُوا اللِّحَى».

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: أن المُسلم مأمور بالأخذ من شَارِبه ولا يتركه أكثر من أربعين يوما ما لم يَفْحش؛ لما رواه مسلم عن أنس -رضي الله عنه-: "وُقِّت لنا في قَصِّ الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة" وفي رواية أبي داود: "وَقَّتَ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق العانة وتقليم الأظفار وقصّ الشارب أربعين يومًا مرةً" وقد وقع عند أحمد والنسائي: "من لم يأخذ من شَارِبه فليس مِنَّا"، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/1113) برقم (6533). فيتأكد الأخذ من الشارب، سواء بِحَفِّه حتى يَبْدُوَ بياض الجلد أو بأخذ ما زاد على الشفه مما قد يَعْلق به الطعام. " وإعفاء اللحية "واللحية : قال أهل اللغة: إنها شعر الوجه واللحيين يعني: العَوَارض وشَعَر الخَدَّيْنِ فهذه كلها من اللحية. والمقصود من إعفائها: تركها مُوَفَّرَةٌ لا يتعرض لها بحلق ولا بتقصير، لا بقليل ولا بكثير؛ لأن الإعفاء مأخوذ من الكثرة أو التوفير، فاعفوها وكثروها، فالمقصود بذلك: أنها تترك وتوفر، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بإعفائها بألفاظ متعددة؛ فقد جاء بلفظ : "وفروا" وبلفظ: " أرخوا " وبلفظ: " أعفوا ". وكلها تدل على الأمر بإبقائها وتوفيرها وعدم التَعرض لها. وقد كان من عادة الفرس قص اللحية، فنهى الشرع عن ذلك، كما في البخاري من حديث ابن عمر بلفظ " خالفوا المشركين..". وهذا الأمر مع تعليله بمخالفة المشركين يدل على وجوب إعفائها، والأصل في التشبه التحريم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم).

معاني المفردات: أحفوا الشوارب : قصوا ما طال من الشفتين.أعفوا اللِّحى : لا تقصوا منها شيئا.

فوائد الحديث: تحريم حلق اللحية أو تقصيرها ووجوب إعفائها، بخلاف الشارب، فإنه يؤخذ منه. وجوب الأخذ من الشَّارب وعدم جواز تركه، سواء بالأخذ من أسفله مما يلي الشفة أو بتخفيفه كله.

المصدر : رياض الصالحين صحيح

التخريج: متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.

44. يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «يَدخُلُ الجّنَّة أَقْوَام أَفئِدَتُهُم مِثل أًفئِدَة الطَّير».

أهل الجنة.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن وصف قوم من أهل الجنة وأن قلوبهم رقيقة فزعة كما تفزع الطير، وذلك لخوف هؤلاء المؤمنين من ربهم ،كما أن الطير كثيرة الفزع والخوف، وهم أيضاً أكثر الناس توكلاً على الله في طلب حاجاتهم كما تخرج الطير صباحاً لطلب رزقها.

معاني المفردات: أقوامٌ : جمع قوم، والمراد به جماعة من الرجال والنساء. أفئدتهم مثل أفئدة الطير : الأفئدة: جمع فؤاد، والفؤاد: هو القلب.قيل: متوكلون.وقيل: قلوبهم رقيقة، فهي أسرع فهما وقبولا للخير وامتثالا له.

فوائد الحديث: التوكُّل على الله ورقة القلب، من أسباب دخول الجنة والفوز بنعيمها. يُضرب لتمام التوكل مثلاً بالطير كما في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو أنَّكم توَكَّلون على الله حق توكله لرزقكم الله كما يرزق الطير تغذو خِماصا وتروح بطانا". الأخذ بالأسباب والسعي في طلب الرزق من صدق التوكل على الله تعالى، كالطير تغدو ولا تقعد عن السعي. التوكل الحق هو مصدر الرزق الطيب مع السعي المطلوب. الرزق لا يأتي بالقوة وإنما يكون بتعاطي الأسباب والتوكل، وإلا لما رزق طير مع نسر.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

45. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه، وخفض بها صوته

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه، وخفض -أو غض- بها صوته، شك الراوي.

عمل اليوم والليلة - الشمائل.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: دل الحديث على أدب من الآداب المتعلقة بالعطاس، فيُستحب للعاطس أن لا يبالغ في إخراج العطاس ولا يرفع صوته, بل يخفضه ويغطي وجهه إن أمكن.

معاني المفردات: خفض أو غض بها صوته : لم يجهر به ولم يرفع صوته.

فوائد الحديث: بيان هديه -صلى الله عليه وسلم- في العطاس والاقتداء به في ذلك. استحباب وضع الثوب على فمه وأنفه إذا عطس لئلا يخرج منه شيء يؤذي جليسه. خفض الصوت بالعطاس مطلوب وهو من كمال الأدب ومن مكارم الأخلاق. دفع الأذى عن المسلمين أمر واجب قدر الاستطاعة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي وأحمد.

46. اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد

عن عطاء بن يسار وأبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

الصلاة - صفات الله.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-عطاء بن يسار -رحمه الله-

المعنى الإجمالي: خاف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقع في أمته مع قبره ما وقع من اليهود والنصارى مع قبور أنبيائهم من الغلو فيها حتى صارت أوثاناً، فرغِب إلى ربه أن لا يجعل قبره كذلك، ثم نبّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سبب لحوق شدة الغضب واللعنة باليهود والنصارى، أنه ما فعلوا في حق قبور الأنبياء حتى صيّروها أوثاناً تعبد، فوقعوا في الشرك العظيم المضاد للتوحيد.

معاني المفردات: اللهم : منادى مبنيٌ على الضم في محل نصب، والميم المشددة زائدة. وثنا : هو المعبود الذي لا صورة له: كالقبور والأشجار والعُمد والحيطان والأحجار ونحوِها. اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد : يعني بنوا عليها مواضع للعبادة.

فوائد الحديث: أن الغلو في قبور الأنبياء يجعلُها أوثاناً تُعبد. أن من الغلو في القبور اتخاذها مساجد، وهذا يؤدّي إلى الشرك. إثبات اتصاف الله سبحانه بالغضب على ما يليق بجلاله. قصد القبور لتعظيمها عبادة لها، فيكون شركا مهما كان قرب صاحبها من الله -تعالى-. تحريم بناء المساجد على القبور. تحريم الصلاة عند القبور ولو لم يبن مسجدًا.

المصدر : التوحيد. صحيح.

التخريج: حديث عطاء بن يسار: رواه مالك.حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه أحمد.

47. إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله -تعالى- إذا أحب قوما ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإن الله -تعالى- إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رَضِيَ فله الرِضا، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ".

القدر - الآداب.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن المؤمن قد يحل به شيء من المصائب في نفسه أو ماله أو غير ذلك، وأن الله سيثيبه على تلك المصائب إذا هو صبر، وأنه كلما عظمت المصيبة وعظم خطرها عظم ثوابها من الله، ثم يبين -صلى الله عليه وسلم- بأن المصائب من علامات حب الله للمؤمن، وأن قضاء الله وقدره نافذان لا محالة، ولكن من صبر ورضي، فإن الله سيثيبه على ذلك برضاه عنه وكفى به ثوابا، وأن من سخط وكره قضاء الله وقدره، فإن الله يسخط عليه وكفى به عقوبة.

معاني المفردات: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء : أي كلما عظم بلاؤه عظم ثوابه. ابتلاهم : أي اختبر إيمانهم بالمصائب. فمن رضي : أي رضي بقضاء الله وقدره. فله الرضا : أي له الرضا من الله -تعالى-. سخط : السخط من الشيء الكراهية له وعدم الرضا به. فله السخط : أي فله السخط من الله -تعالى-.

فوائد الحديث: أن المصائب مكفرات للذنوب ما لم يترتب عليها ترك واجب كترك الصبر أو فعل محرم كشق الجيوب أو لطم الخدود. إثبات صفة المحبة لله على وجه يليق بجلاله. أن البلاء للمؤمن من علامات الإيمان. إثبات صفة الرضا والسخط لله على وجه يليق بجلاله. استحباب الرضا بقضاء الله وقدره. تحريم السخط من قضاء الله وقدره. الحث على الصبر على المصائب. الإنسان قد يكره الشيء وهو خيرٌ له. إثبات الحكمة لله سبحانه في أفعاله. الجزاء من جنس العمل.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وابن ماجه.

48. أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: "قال -تعالى-: أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركتُه وشِرْكَه".

الإيمان - خطورة الرياء.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يروي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ربه عز وجل -ويسمَّى بالحديث القدسي- أنه يتبرأ من العمل الذي دخله مشاركةٌ لأحد برياءٍ أو غيره؛ لأنه سبحانه لا يقبل إلا ما كان خالصاً لوجهه.

معاني المفردات: أنا أغنى الشركاء عن الشرك : أي: عن مشاركة أحد، وعن عملٍ فيه شرك. أشرك معيَ فيه غيري : أي: قصد بعمله غيري من المخلوقين. تركته وشركه : أي: لم أقبل عمله بل أتركه لغير ذلك.

فوائد الحديث: التحذير من الشرك بجميع أشكاله؛ وأنه مانعٌ من قبول العمل. وجوب إخلاص العمل لله -تعالى- من جميع شوائب الشرك. وصف الله -عز وجل- بالكلام. إثبات صفة الغنى المطلق لله -تعالى-. لا يقبل الله من العمل إلا ما كان خالصا له -سبحانه-. إثبات كرم الله -سبحانه- المطلق.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

49. حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذَّب اللهُ ورسولهُ

عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذَّب اللهُ ورسولهُ؟".

الآداب.

راوي الحديث: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يرشد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى أنه لا ينبغي أن يحدث عامة الناس إلا بما هو معروف ينفع الناس في أصل دينهم وأحكامه من التوحيد وبيان الحلال والحرام ويُترك ما يشغل عن ذلك؛ مما لا حاجة إليه أو كان مما قد يؤدي إلى رد الحق وعدم قبوله مما يشتبه عليهم فهمه، ويصعب عليهم إدراكه.

معاني المفردات: بما يعرفون : بما لا يفتنهم مما لا تدركه عقولهم.

فوائد الحديث: أنه إذا خشي ضررٌ من تحديث الناس ببعض ما لا يفهمون؛ فلا ينبغي تحديثهم بذلك وإن كان حقاً. ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام. لا يجوز تحديث الناس بما لا تدركه عقولهم.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: أخرجه البخاري.

50. لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم».

الصلاة.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: نهى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن إخلاء البيوت من صلاة النافلة فيها والدعاء وقراءة القرآن فتكون بمنزلة القبور؛ لأن النهي عن الصلاة عند القبور قد تقرر عندهم فنهاهم أن يجعلوا بيوتهم كذلك، ونهى عن تكرار زيارة قبره والاجتماع عنده على وجهٍ معتاد؛ لأن ذلك وسيلةٌ إلى الشرك، وأمر بالاكتفاء عن ذلك بكثرة الصلاة والسلام عليه في أي مكان من الأرض؛ لأن ذلك يبلغه من القريب والبعيد على حدّ سواء، فلا حاجة إلى التردد إلى قبره.

معاني المفردات: لا تجعلوا بيوتكم قبوراً : لا تعطّلوها من صلاة النافلة والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور. ولا تجعلوا قبري عيداً : العيد: ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان، أي: لا تتخذوا قبري محل اجتماعٍ تترددون إليه وتعتادونه للصلاة والدعاء وغير ذلك. فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم : أي ما ينالني منكم من الصلاة يحصل مع قربكم وبعدكم من قبري فلا حاجة بكم إلى المجيء إليه والتردد عليه.

فوائد الحديث: تحريم هجر البيوت من عبادة الله. سد الطرق المفضية إلى الشرك من الصلاة عند القبور والغلو في قبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن يجعل محل اجتماع وارتياد ترتب له زيارات مخصوصة. المنع من السفر لزيارة قبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. حمايته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جناب التوحيد. أنه لا مزية للقرب من قبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. مشروعية الصلاة والسلام عليه في جميع أنحاء الأرض. تحريم الصلاة في المقابر. تحريم جعل زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عيدًا، بتكريره على وجه مخصوص في زمن مخصوص، وكذلك زيارة كل قبر. انتفاع الأموات بدعاء الأحياء.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود.

51. لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان

عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان».

الآداب.

راوي الحديث: حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: ينهى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يُعطف اسم المخلوق على اسم الخالق بالواو بعد ذكر المشيئة ونحوها؛ لأن المعطوف بها يكون مساوياً للمعطوف عليه؛ لكونها إنما وُضعت لمطلق الجمع فلا تقتضي ترتيباً ولا تعقيباً؛ وتسوية المخلوق بالخالق شركٌ، ويُجوِّز -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عطف المخلوق على الخالق بثُمّ؛ لأن المعطوف بها يكون متراخياً عن المعطوف عليه بمهلة فلا محذور؛ لكونه صار تابعاً.

معاني المفردات: لا تقولوا : أي أنهاكم عن قول. ما شاء الله وشاء فلان : أي الجمع بين مشيئة الله ومشيئة العبد معاً على سبيل العطف. ما شاء الله ثم شاء فلان : أي فرقوا بين مشيئة الله و مشيئة العبد بأداة التراخي ثم، لتفيد تأخر مشيئة العبد عن مشيئة الله تعالى.

فوائد الحديث: تحريم قول: "ما شاء الله وشئت"، وما أشبه ذلك من الألفاظ مما فيه العطف على الله بالواو؛ لأنه من اتخاذ الأنداد لله. جواز قول: "ما شاء الله ثم شئت"، وما أشبه ذلك مما فيه العطف على الله بثُمَّ؛ لانتفاء المحذور فيه. إثبات المشيئة لله، وإثبات المشيئة للعبد، وأنها تابعة لمشيئة الله تعالى.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والنسائي وأحمد.

52. إن الله -تعالى- يغار، وغيرة الله -تعالى-، أن يأتي المرء ما حرم الله عليه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إِنَّ الله -تَعَالى- يَغَارُ، وغَيرَةُ الله -تَعَالَى-، أَنْ يَأْتِيَ المَرء ما حرَّم الله عليه».

التوحيد - الصفات - محارم الله.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: جاء الحديث ليبين أن الله يغار على محارمه، يبغض ويكره انتهاك حدوده، ومن ذلك فاحشة الزنا، فهو طريق سافل سيِّئ، ومِن ثَمَّ حرَّم الله على عباده الزنا وجميع وسائله، فإذا زنى العبد، فإنَّ الله يغار غيرة أشد وأعظم من غيرته على ما دونه من المحارم، وكذلك أيضا اللِّوَاط، وهو إتيان الذَكَر، فإِنَّ هذا أعظم وأعظم؛ ولهذا جعله الله تعالى أشدَّ في الفُحش من الزنا. وكذلك أيضا السرقة وشرب الخمر وكل المحارم يغار الله منها، لكن بعض المحارم تكون أشد غيرة من بعض، حسب الجُرم، وحسب المضَّار التي تترتَّب على ذلك.

معاني المفردات: الغيرة : الأنفة هذا في اللغة، وأما في حق الله فهي صفةٌ فعليَّةٌ خبريَّةٌ تليق بجلاله وعظمته، لا تشبه غَيْرَةَ المخلوق، ومن لازمها كراهيته سبحانه للشيء وبغضه.

فوائد الحديث: التنفير من ارتكاب المحرمات؛ لأنها تُسَبِّب غضب الله -سبحانه وتعالى-. إثبات الغيرة لله -تعالى-، على الوجه اللائق -سبحانه وتعالى-. مراقبة الله -تعالى-، والخوف من غضبه وعقوبته إذا انتُهِكت محارمه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

53. لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعاً: "لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟

الفتن.

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبرنا أبو سعيد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن هذه الأمة ستقلد الأمم السابقة في عاداتها وسياساتها ودياناتها، وأنها ستحاول مشابهتهم في كل شيء، كما تشبه ريشة السهم للريشة الأخرى، ثم أكد هذه المشابهة والمتابعة بأن الأمم السابقة لو دخلت جحر ضب مع ضيقه وظلمته لحاولت هذه الأمة دخوله، ولما استفسر الصحابة -رضي الله عنهم- عن المراد بمن كان قبلهم، وهل هم اليهود والنصارى؟ أجاب بنعم.

معاني المفردات: سَنَنَ : بفتح السين أي: طريق. من كان قبلكم : أي الذين قبلكم من الأمم. حذو : منصوبٌ على المصدر أي: تحذون حذوهم. القُذّة : بضم القاف: واحدة القُذَذ وهي ريش السهم. وله قذّتان متساويتان. حتى لو دخلوا جُحر ضب : أي: لو تُصوِّر دخولهم فيه مع ضيقه. لدخلتموه : لشدة سلوككم طريق من قبلكم. قالوا يا رسول الله، اليهود والنصارى : أي: أهم اليهود والنصارى الذين نتبع سننهم، أو تعني اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ : استفهامٌ إنكاريٌّ أي: فمن هم غيرُ أولئك.

فوائد الحديث: وقوع الشرك في هذه الأمة تقليداً لمن سبَقها من الأمم. علمٌ من أعلام نبوته حيث أخبر بذلك قبل وقوعه فوقع كما أخبر. التحذير من مشابهة الكفار. التحذير مما وقع فيه الكفار من الشرك بالله وغيره مما حرَّم الله -تعالى-. توضيح الأشياء المعنوية بالأمثلة الحسية من أساليب التعليم في الإسلام. سؤال أهل العلم عما خفي حكمه.

المصدر : كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب. صحيح

التخريج: متفق عليه. ملحوظة: الحديث مروي بالمعنى، ولفظة: (حذو القذة بالقذة) وردت في حديث آخر حسن.

54. إذا لبستم، وإذا توضأتم، فابدأوا بأيامنكم

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إِذَا لَبِسْتُم، وَإِذَا تَوَضَّأتُم، فَابْدَأُوا بَأَيَامِنُكُم».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أكَّد حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- موضوع استحباب التيمن في الأمور الكريمة، فروى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا لبستم" أي أردتم اللبس و"إذا توضأتم" أي أردتم أعماله. "فابدءوا بأيامنكم" جمع أيمن وهو خلاف الأيسر، فيدخل الجانب الأيمن في نحو القميص، قبل الأيسر ويقدم اليمنى من يديه ورجليه في الوضوء، ثم اعلم أن من أعضاء الوضوء ما لا يستحب فيه التيامن، وهو الأذنان، والكفان، والخدان، بل يطهران دفعة واحدة، فإن تعذر ذلك كما في حق الأقطع ونحوه قدَّم اليمين.

معاني المفردات: فَابْدَأُوا بَأَيَامِنِكُم : أي البداءة بالميامن، أي اليمين عند لبس الثياب والوضوء. تَوَضَّأتُم : أي شرعتم فيه، والوُضُوء في اللُّغة: مشتَقٌ من الوَضَاءةِ، وهي النَّظَافَةُ والحُسْنُ، وشرعاً: التعبُّدُ لله عزّ وجل بغسل الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة.

فوائد الحديث: الحديث مؤكد لقاعدة الشريعة: في استحباب البداءة باليمين فيما طريقه التكريم، وتقديم اليسار فيما طريقه الأذى والقذر. استحباب البدء باليمين في الوضوء ولبس الثياب.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبوداود واللفظ له، والترمذي وابن ماجه وأحمد.

55. من حلف بغير الله قد كفر أو أشرك

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعاً: "من حلف بغير الله قد كفر أو أشرك

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الحديث خبراً معناه النهي: أن من أقسم بغير الله من المخلوقات فقد اتخذ ذلك المحلوف به شريكاً لله وكفر بالله؛ لأن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده، فلا يُحلف إلا به أو بصفة من صفاته.

معاني المفردات: عن عمر : كذا في المصدر وصوابه عن ابن عمر. من حلف: الحلف : اليمين، وهي توكيد الحكم بذكر معظّم على وجهٍ مخصوص. بغير الله : أي: بأي مخلوق من المخلوقات. كفر أو أشرك : يحتمل أن يكون هذا شكاً من الراوي، ويحتمل أن تكون "أو" بمعنى الواو فيكون كفر وأشرك، والمراد الكفر والشرك الأصغران.

فوائد الحديث: تحريم الحلف بغير الله وأنه شرك وكفر بالله. أن التعظيم بالحلف حقّ لله سبحانه وتعالى فلا يحلف إلا به. أن الحلف بغير الله لا تجب به كفّارة؛ لأنه لم يذكر فيه كفارة، وإنما تلزمه التوبة والاستغفار. أن القسم بغير الله شرك أصغر، وقيل: شرك أكبر والصواب أنه شرك أصغر وعليه أكثر العلماء.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وأبو داود وأحمد.

56. من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعاً: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَين حتَّى تَبلُغَا جاء يَومَ القِيَامَة أَنَا وَهُو كَهَاتَين» وضَمَّ أَصَابِعَه.

الفضائل.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث فضل عول الإنسان للبنات، وذلك أنَّ البنت قاصرة ضعيفة، والغالب أنَّ أهلها لا يأبَهُون بها، ولا يهتمُّون بها، فلذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين" وضَمَّ إصبعيه: السبابة والوسطى، والمعنى أنه يكون رفيقا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجنة إذا عال الجارتين، يعني الأنثيين من بنات أو أخوات أو غيرهما، أي أنه يكون مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، وقرن بين إصبعيه -عليه الصلاة والسلام-. والعول في الغالب يكون بالقيام بمؤونة البدن، من الكسوة والطعام والشراب والسكن والفراش ونحو ذلك، وكذلك يكون بالتعليم والتهذيب والتوجيه والأمر بالخير والنهي عن الشر وما إلى ذلك، فيجمع القائم بمصالح البنات بالنفع العاجل الدنيوي، والآجل الأخروي.

معاني المفردات: عَالَ جَارِيَتَين : قام عليهما بالمؤونة والتربية ونحوهما. جَارِيَتَين : بنتين. حتَّى تَبلُغَا : تدركا البلوغ أو تصلا إلى زوجهما.

فوائد الحديث: فضل رِعَاية البنات والبر بهن. عناية الأبوين بالبنات تربية وتهذيبًا سبب في دخول الجنة وعلو المنزلة فيها. الثواب العظيم لمن قام على البنات بالمؤونة والتربية حتى يتزوجن أو يبلغن، وكذلك الأخوات.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم [ بدون زيادة: كهاتين]، وهذا لفظ الترمذي.

57. لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لولاَ أن أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي؛ لَأَمَرتُهُم بِالسِّوَاك عِندَ كُلِّ صَلاَة).

الصلاة - دلالة الأمر.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من كمال نصح النبي -صلى الله عليه وسلم- ومحبته الخير لأمته، ورغبته أن يفعلوا كل فعل يعود عليهم بالنفع؛ لينالوا كمال السعادة أن حثهم على التسوك، فهو -صلى الله عليه وسلم- لما علِم من كثرة فوائد السواك، وأثر منفعته عاجلا وآجلا؛ كاد يلزم أمته به عند كل وضوء أو صلاة؛ لورود رواية: (مع كل وضوء)، ولكن -لكمال شفقته ورحمته- خاف أن يفرضه الله عليهم؛ فلا يقوموا به؛ فيأثموا؛ فامتنع من فرضه عليهم خوفاً وإشفاقاً، ومع هذا رغبهم فيه وحضَّهم عليه.

معاني المفردات: لَولا : حرف امتناع لوجود: أي أنها تدل على امتناع شيء؛ لوجود شيء آخر، ففي هذا الحديث تدل على امتناع إلزام النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته بالسواك عند كل صلاة؛ لوجود المشقة عليهم بذلك. أَشُق : أتعب وأثقل. أُمَتِّي : جماعتي، والمراد بهم: من آمن به واتبعه. لأَمَرتُهُم : لألزمتهم. بالسِّوَاك : أي: باستخدام السواك لتنظيف الفم. عند كلِّ صَلاة : عند فعل كل صلاة.

فوائد الحديث: كمال شفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمته، وخوفه عليهم. لم يمنع من فرض السواك؛ إلا مخافة المشقة في القيام به. الشرع يسر لا عسر فيه، ولا مشقة. النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أمر بشيء فهو لازم، إلا أن يقوم الدليل على أنه تطوع. استحباب السواك وفضله. تأكُّد مشروعية السواك عند الوضوء والصلاة. فضل الوضوء والصلاة المستعمل معهما السواك. تعظيم شأن الصلاة. عموم الحديث يشمل صلاة الصائم بعد الزوال؛ فيتأكَّد في حق الصائم أن يستاك عند كل صلاة، ولو بعد الزوال، كصلاتي: الظهر والعصر. درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وهذه قاعدة عظيمة نافعة جدا، فإن الشارع الحكيم ترك فرض السواك على الأمة مع ما فيه من المصالح العظيمة؛ خشية أن يفرضه الله عليهم فلا يقوموا به؛ فيحصل عليهم فساد كبير؛ بتركِ الواجبات الشرعية.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

58. أَنَّ رَجُلا أَكَلَ عِندَ رَسُولِ اللهِ -صَلَى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشِمَالِهِ، فقالَ: كُلْ بِيَمِينِك، قال: لَا أَسْتَطِيع. قَالَ: لَا اسْتَطعْتَ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الكِبر فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فيه

عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-: أن رجلا أكَلَ عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشماله، فقال: «كُلْ بيمينك» قال: لا أستطيع. قال: «لا استطَعْتَ» ما مَنَعَهُ إلا الكِبْر فما رَفَعَهَا إلى فِيهِ.

اتباع السنة.

راوي الحديث: سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أكل رجل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشماله تكبرا؛ فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل بيمينك" فقال في عِناد: لا أستطيع. وهو غير صادق في هذا؛ فدعا عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لا استطعت". فما استطاع أن يرفع يده إلى فمه، وذلك أنها أصيبت بشلل بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه؛ لتكبره ورده للأمر النبوي.

معاني المفردات: ما منعه إلا الكبر : أي: فعل ذلك تكبرا فحسب. لا استطعت : دعاء عليه لاستكباره عن اتباع الحق ومتابعة السنة. فيه : فمه.

فوائد الحديث: وجوب الأكل باليمين، وحرمة الأكل بالشمال من غير عذر. كُلُّ أمرٍ شريفٍ، ينبغي مباشرته باليمين وهذه قاعدة الشرع في الأمور المعظمة وفي باب الآداب. الاستكبار عن تطبيق الأحكام الشرعية يستحق فاعله العقوبة. إكرام الله لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بإجابة دعوته. جواز النصح للمرء على الملاْ إذا كان فيه خير للجميع.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

59. أخوف ما أخاف عليكم: الشرك الأصغر، فسئل عنه، فقال: الرياء

عن محمود بن لبيد -رضي الله عنه- مرفوعاً: "أَخْوَفُ ما أخاف عليكم: الشرك الأصغر، فسئل عنه، فقال: الرياء".

راوي الحديث: محمود بن لبيد -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أنه يخاف علينا، وأكثر ما يخاف علينا من الشرك الأصغر، وذلك لما اتصف به -صلى الله عليه وسلم- من كمال العطف والرحمة بأمته، والحرص على ما يصلح أحوالهم، ولما عرفه من قوة أسباب الشرك الأصغر الذي هو الرياء وكثرة دواعيه، فربما دخل على المسلمين من حيث لا يعلمون فيضر بهم؛ لذا حذرهم منه وأنذرهم.

معاني المفردات: أخوف ما أخاف عليكم : أشد شيء أخافه عليكم. الشرك الأصغر : الذي لا يخرج من الإسلام. الرياء : إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدونه عليها. الخوف : الشفقة.

فوائد الحديث: أن الرياء أخوف على الصالحين من فتنة الدجال. الحذر من الرياء ومن الشرك عموماً. شدة شفقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أمته وحرصه على هدايتهم ونصحه لهم. أن الشرك ينقسم إلى أكبر وأصغر -فالأكبر هو أن يسوِّي غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، والأصغر هو ما أتى في النصوص أنه شرك ولم يصل إلى حد الأكبر-، والفرق بينهما: أ.أن الأكبر يحبط جميع الأعمال، والأصغر يحبط العمل الذي قارنه. ب. أن الأكبر يخلد صاحبه في النار، والأصغر لا يوجب الخلود في النار.ج. أن الأكبر ينقل عن الملة، والأصغر لا ينقل عن الملة.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه أحمد.

60. ارفع رأسك وقل يُسمع، وسل تُعط، واشفع تُشفَّع

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعاً: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده [لا يبدأ بالشفاعة أولا]، ثم يقال له: "ارفع رأسك وقل يُسمع، وسَلْ تُعط، واشفع تُشفَّع".

الفضائل - القيامة (اليوم الآخر).

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يأتي رسول الله –صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة فيسجد لله، ويدعو، ثم يأذن الله له في الشفاعة العظمى، ويقول له ربه: سل تعط واشفع تشفع، أي سؤالك مقبول وشفاعتك مقبولة.

معاني المفردات: ارفع رأسك : أي: من السجود. وقل يسمع : السامع هو الله، و "يسمع": جواب الأمر مجزوم، أي قولك مسموع. وسل تعط : أي: سل ما بدا لك تعط إياه. واشفع تشفع : وحينئذ يشفع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخلائق أن يقضى بينهم.

فوائد الحديث: إثبات الشفاعة العظمى والمقام المحمود. فضل نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – على سائر الأنبياء. إثبات صفة الكلام لله.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

61. إياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو

عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والغُلُوَّ؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغُلُوُّ".

ذكر شيء من حال الأولين.

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: ينهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث عن الغلو في الدين وهو مجاوزة الحد فيه؛ لئلا نهلك كما هلكت الأمم السابقة حينما غلو في دينهم وتجاوزوا الحد في عبادتهم.

معاني المفردات: إياكم : كلمة تحذير. والغلو : مجاوزة الحد، وهو منصوب على التحذير بفعل مقدر. فإنما أهلك من كان قبلكم : أي سبب الهلاك في الدنيا والآخرة للأمم السابقة هو الغلو. من كان قبلكم : من الأمم.

فوائد الحديث: النهي عن الغلو وبيان سوء عاقبته. الاعتبار بمن سبقنا من الأمم لتجنب ما وقعوا فيه من الأخطاء. حرصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على نجاة أمته من الشرك ووسائله وابتعادهم عنه. الحث على الاعتدال في العبادة وغيرها بين جانبيّ الإفراط والتفريط. أن الغلو في الصالحين سببٌ للوقوع في الشرك. شدة خوفه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الشرك والتحذير عنه. أن الغلو سبب للهلاك.

المصدر : التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه ابن ماجه وأحمد.

62. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن النُّشرة؟ فقال: هي من عمل الشيطان

عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن النُّشْرَةِ؟ فقال: هي من عمل الشيطان.

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل عن علاج المسحور على الطريقة التي كانت تعملها الجاهلية، مثل: حل السحر بالسحر ما حكم ذلك، فأجاب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنه من عمل الشيطان أو بواسطته؛ لأنه يكون بأنواع سحرية واستخداماتٍ شيطانيةٍ، فهي شركية ومحرمة. أما النشرة الجائزة: فهي فك السحر بالرقية أو بالبحث عنه، وفكه باليد مع قراءة القرآن أو بالأدوية المباحة.

معاني المفردات: سئل عن النشرة : أي: النشرة التي كان أهل الجاهلية يعملونها. هي من عمل الشيطان : لأنهم ينشرون عن المسحور بأنواع من السحر، واستخداماتٍ شيطانية، وهي كذلك من الأعمال التي يحبها الشيطان. النُّشْرة : نوع من العلاج والرقية يعالَج به من كان يظن أن به مسًّا من السحر؛ سميت بذلك لأنها ينشر بها عنه ما خامره من الداء، أي: يُكشف ويزال.

فوائد الحديث: مشروعية سؤال العلماء عما أشكل حكمه؛ حذرًا من الوقوع في المحذور. النهي عن النشرة على الصفة التي تعملها الجاهلية؛ لأنها سحر والسحر كفر. أن أعمال الشيطان كلها محرمة.

المصدر : التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود وأحمد.

63. لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله

عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا تُطْروني كما أَطْرت النصارى ابنَ مريم؛ إنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله».

الآداب - أحاديث الأنبياء - الغلو في الصالحين.

راوي الحديث: عمرُ بنُ الخطَّاب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حرصاً منه على توحيد الله -تعالى-، وخوفاً على أمته من الشرك الذي وقعت فيه الأمم السابقة، حذَّرها من الغلو فيه، ومجاوزة الحد في مدحه مثل وصفه بأوصاف الله -تعالى- وأفعاله الخاصة به، كما غلت النصارى في المسيح بوصفه بالألوهية والبنوة لله -تعالى-، فوقعت في الشرك كما قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} ثم قال: «فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله» أي: فصفوني بالعبودية والرسالة كما وصفني الله -تعالى- بذلك، ولا تتجاوزوا بي حدود العبودية إلى مقام الألوهية أو الربوبية كما فعلت النصارى، فإن حق الأنبياء العبودية والرسالة، أما الألوهية فإنها حق الله وحده، ومع هذا التحذير فقد وقع بعض الناس فيما حذر منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه، فاحذر من أن تكون منهم.

معاني المفردات: تُطْروني : الإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه.

فوائد الحديث: التحذير من الغلو والإِسراف في المدح، ومجاوزة الحد، والمدح بالباطل؛ لأن ذلك قد يفضي إلى الشرك، وإنزال العبد منزلة الرب، ووصفه بصفاته. أن كفر النصارى إنما كان بسبب غلوهم في المسيح والقديسين والقديسات من بعده، وقولهم في عيسى إنه ابن الله، حتى أدى بهم ذلك إلى تحريف الكتب المقدسة؛ لكي يستدلوا بها على صحة مزاعمهم الباطلة.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

64. لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: "لا عَدْوَى ولا طِيَرَة ولا هَامَةَ ولا صَفَرَ" أخرجاه. زاد مسلم "ولا نَوْءَ ولا غُولَ".

الطب.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: لما كانت الجاهلية تعج بكثير من الخرافات والأوهام التي لا تستند إلى برهان، أراد الإسلام أن يقي أتباعه من تلك الأباطيل، فأنكر ما كان يعتقده المشركون في هذه الأشياء المذكورة في الحديث، فبعضها نفى وجوده أصلا كالطيرة، والبعض الآخر نفى تأثيره بنفسه؛ لأنه لا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يدفع السيئات إلا هو.

معاني المفردات: لا عدوى : العدوى اسمٌ من الإعداء، وهو مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره، والمنفيّ ما كان يعتقده أهل الجاهلية أن العلة تسري بطبْعها لا بقدر الله. ولا طيَرة : الطيرة هي: التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع والأشخاص وقوله: (ولا) يحتمل أن تكون نافية أو ناهية والنفي أبلغ. ولا هامة : الهامة بتخفيف الميم: البُومة كانوا يتشاءمون بها، فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله. ولا صفر : قيل المراد به: حيةٌ تكون في البطن تصيب الماشية والناس، يزعمون أنها أشد عدوى من الجرب، فجاء الحديث بنفي هذا الزعم، وقيل المراد: شهر صفر كانوا يتشاءمون به، فجاء الحديث بإبطال ذلك. ولا غُول : الغُول جنسٌ من الجن والشياطين، يزعمون أنها تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فجاء الحديث بإبطال ذلك، وبيان أنها لا تستطيع أن تضل أحداً أو تهلكه. لا نوء : واحد الأنواء، والأنواء: هي منازل القمر، فالعرب كانوا يتشاءمون بالأنواء، ويتفاءلون بها.

فوائد الحديث: إبطال الطيرة. إبطال اعتقاد الجاهلية أن الأمراض تُعدي بطبيعتها لا بتقدير الله تعالى. إبطال التشاؤم بالهامة وشهر صفر. إبطال اعتقاد تأثير الأنواء. إبطال اعتقاد الجاهلية في الغيلان. وجوب التوكل على الله والاعتماد عليه. أن من تحقيق التوحيد الحذر من الوسائل المفضية إلى الشرك. إبطال ما يفعله بعض الناس من التشاؤم بالألوان، كالأسود والأحمر، أو بعض الأرقام والأسماء والأشخاص وذوي العاهات.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

65. ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض

عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- مرفوعاً: "ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض".

بدء الخلق.

راوي الحديث: أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث أبي ذرّ أن الكرسي مع سعته وعظمته بالنسبة للعرش كحلقة حديد وُضعت في صحراء واسعة من الأرض؛ وهذا يدل على عظمة خالقها وقدرته التامة.

معاني المفردات: فلاة : صحراء واسعة. الكرسي : موضع القدمين.

فوائد الحديث: أن الكرسي أكبر من السماوات، وأن العرش أكبر من الكرسي. عظمة الله وكمال قدرته. أن العرش غيرُ الكرسي. الرد على من فسّر الكرسي بالمُلك أو العلم. إثبات الكرسي والعرش لله -عز وجل-، وأن كلا منهما جسم مخلوق. ضرب الأمثال في التعليم من أساليب الشريعة الإسلامية.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه ابن أبي شيبة في العرش، والذهبي في العلو.

66. من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قلت: يارسول الله، "من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه".

الفضائل (أبو هريرة) - الإخلاص.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: سأل أبو هريرة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر الناس سعادة بشفاعته -عليه الصلاة والسلام- وأكثرهم حظوة بها فأخبره -عليه الصلاة والسلام- بأنهم الذين قالوا هذه الشهادة وهي شهادة أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله، خالصة من القلب لا يشوبها شرك و لا رياء.

معاني المفردات: أسعد الناس : أكثر سعادة بها. بشفاعتك : مشتقة من الشفع وهو ضم الشيء إلى مثله وشفاعته -صلى الله عليه وسلم- توسله إلى الله تعالى أن يرحم العباد في مواقف عدة من مواقف يوم القيامة. خالصاً : أي: سالما من كل شوب، فلا يشوبها رياء ولا سمعة، بل هي شهادة يقين. الشفاعة : التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.

فوائد الحديث: إثبات الشفاعة.وجوب الإخلاص.ذم الرياء وأنه سبب لعدم نيل الشفاعة يوم القيامة.فضل أبي هريرة.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

67. مَن ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك

عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه- مرفوعاً: "مَن ردته الطِّيَرَة عن حاجته فقد أشرك، قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ ولا إله غيرك".

الأذكار.

راوي الحديث: عبد الله بن عَمْرِو بن العاص -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن من منعه التشاؤم عن المضي فيما يعتزم فإنه قد أتى نوعًا من الشرك، ولما سأله الصحابة عن كفارة هذا الإثم الكبير أرشدهم إلى هذه العبارات الكريمة في الحديث التي تتضمن تفويض الأمر إلى الله -تعالى- ونفي القدرة عمن سواه.

معاني المفردات: كفارة ذلك : يغفر إثم ما يقع من الطيرة. لا إله غيرك : لا معبود بحقٍّ سواك. ردته : منعته. الطيرة : هي التشاؤم بما يسمع أو يرى. عن حاجته : أي غرضه الذي عزم عليه. فقد أشرك : أي أتى شركا حيث اعتقد أن لما تطير به تأثيرا في الخير والشر. لا خير إلا خيرك : أي لا يرجى الخير إلا منك دون من سواك. ولا طير إلا طيرك : أي أن الطير ملكك ومخلوقك لا يأتي بخير ولا يدفع شرا.

فوائد الحديث: إثبات شرك من ردته الطيرة عن حاجته. قبول توبة المشرك. الإرشاد إلى ما يقوله من وقع في التطير. أن الخير والشر مقدر من الله -تعالى-.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه أحمد.

68. من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ لَقِيَ الله لا يُشْرِك به شَيئا دخل الجنَّة، ومن لَقِيَه يُشرك به شيئا دخَل النار".

اليوم الآخر.

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن من مات لا يشرك مع الله غيره لا في الربوبية ولا في الألوهية ولا في الأسماء والصفات دخل الجنة، وإن مات مشركا بالله -عز وجل- فإن مآله إلى النار.

معاني المفردات: من لقي الله : من مات. لا يشرك به : لم يتخذ معه شريكاً في الإلهية ولا في الربوبية. شيئاً : أي شركاً قليلاً أو كثيراً.

فوائد الحديث: من مات على التوحيد لا يخلد في النار ومآله الجنة. من مات على الشرك وجبت له النار. قرب الجنة والنار من العبد وأنه ليس بينه وبينهما إلا الموت. وجوب الخوف من الشرك؛ لأن النجاة من النار مشروطة بالسلامة من الشرك. أنه ليس العبرة بكثرة العمل، وإنما العبرة بالسلامة من الشرك. بيان معنى لا إله إلا الله وأنه ترك الشرك وإفراد الله بالعبادة. فضيلة من سَلِم من الشرك. إثبات الجنة والنار. العبرة في الأعمال بخواتيمها.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

69. من مات وهو يدعو من دون الله ندًّا دخل النار

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ مات وهو يدعُو مِنْ دون الله نِدًّا دخَل النَّار".

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن من صرف شيئا مما يختص به الله إلى غيره، ومات مصرا على ذلك فإن مآله إلى النار.

معاني المفردات: يدعو : المراد بالدعاء هنا الدعاءان: دعاء العبادة ودعاء المسألة.ندًّا : الند: هو الشبيه والنظير.

فوائد الحديث: من مات على الشرك دخل النار، فإن كان شركا أكبر خلد فيها، وإن كان أصغر عذب ما شاء الله له أن يعذب ثم يخرج. أن العبرة بالأعمال خواتيمها. أن الدعاء عبادة لا تصرف إلا لله -تعالى-.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

70. هلك المتنطعون -قالها ثلاثا-

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "هلك المُتَنَطِّعون -قالها ثلاثا-".

جميع أبواب الدين.

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يوضح النبي -صَلى اللّه عليه وسلّم- أن التعمُّق في الأشياء والغلو فيها يكون سبباً للهلاك، ومراده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النهي عن ذلك، ومن ذلك إجهاد النفس في العبادة حتى تنفر وتنقطع، ومن ذلك التنطع في الكلام والتقعر فيه، وأعظم صور التنطُّع جُرْما، وأولاه بالتحذير منه: الغلو في تعظيم الصالحين إلى الحدِّ الذي يفضي إلى الشرك.

معاني المفردات: المتنطعون : المتعمقون في الشيء من كلامٍ وعبادةٍ وغيرها. ثلاثاً : أي: قال هذه الكلمة ثلاث مرات مبالغة في الإبلاغ والتعليم. هلك : خاب وخسر.

فوائد الحديث: الحث على اجتناب التنطع في كل شيء؛ لا سيما في العبادات وتقدير الصالحين. شدة حرصه على نجاة أمته، واجتهاده في الإبلاغ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. تحريم التنطع في الأمور كلها. استحباب تأكيد الأمر الهام. الحث على الاعتدال في كل شيء. سماحة الإسلام ويسره.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

71. لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل. قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا عدوى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ. قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيِّبة".

الطب - الآداب.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: لما كان الخير والشر كله مقدر من الله نفى النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث تأثير العدوى بنفسها، ونفى وجود تأثير الطيرة، وأقر التفاؤل واستحسنه؛ وذلك لأن التفاؤل حسن ظن بالله، وحافز للهمم على تحقيق المراد، بعكس التطير والتشاؤم. وفي الجملة الفرق بين الفأل والطيرة من وجوه، أهمها: 1- الفأل يكون فيما يسر، والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء. 2- الفأل فيه حسن ظنٍّ بالله، والعبد مأمورٌ أن يحسن الظن بالله، والطيرة فيها سوء ظن بالله، والعبد منهيّ عن سوء الظن بالله.

معاني المفردات: الكلمة الطيبة : كأن يكون الرجل مريضاً فيسمع من يقول: يا سالم، فيؤمل البرء من مرضه. لا عدوى : لا عدوى تؤثر بنفسها. ولا طيرة : لا وجود لتأثير الطيرة، والتطير هو ما كان يعتقده العرب من التشاؤم بأسماء الطيور وألوانها وأصواتها وغير ذلك. الفأل. : هو ما يحدث للإنسان من الفرح والسرور من كلمة طيبة يسمعها، أو حال تجري عليه يؤمل منها الخير ونحو ذلك.

فوائد الحديث: أن الفأل ليس من الطيرة المنهي عنها. تفسيرُ الفأل. مشروعية حسن الظن بالله والنهي عن سوء الظن به.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

72. من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في أهله بخير فقد غزا

عن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- مرفوعاً: «مَنْ جَهَّز غَازِياً فِي سَبِيلِ الله فَقَد غَزَا، وَمَنْ خَلَّف غَازِياً في أهلِه بخَير فقَد غزَا».

راوي الحديث: زيد بن خالد الجُهني -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إذا جهَّز الإنسان مجاهدًا براحلته ومتاعه وسلاحه فقد كتب الله له أجر الغازي؛ لأنه أعانه على الخير، ولو أنَّ الغازي أراد أن يجاهد ولكنَّه أشكل عليه أهله مَن يكون عند حاجاتهم، فدعا رجلاً من المسلمين وقال: أخلِفني في أهلي بخير، فإنَّ هذا الذي خلَّفه يكون له أجر المجاهد؛ لأنه أعانه، ويؤخذ من هذا أنَّ كُلَّ من أَعان شخصاً في طاعة الله فله مثل أجره، فإذا أُعِين طالب علم في شراء الكتب له، أو تأمين السكن، أو النفقة، أو ما أشبه ذلك، فإن له أجراً مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيئاً.

معاني المفردات: مَنْ جَهَّز غَازِياً : هيَّأ أسباب السفر له إعانة على الخير. غزا : غزا الشيء غزوا ًأراده وطلبه، والمراد به هنا: الجهاد في طلب الكفار؛ لإعلاء كلمة الله -تعالى-. خَلَّف غَازِياً : قام عنه بما كان يفعله بعده بالإنفاق والرعاية.

فوائد الحديث: من أعان مسلمًا على الجهاد بتهيئة ما يتطلبُه الجهاد من نفقة كان له مثل أجره وجهاده، ويندرج تحت هذا: كل من ساهم وأعان على خير. الحث على حماية الجبهة الداخلية في المجتمع المسلم، وفي ذلك توفير الأسباب لحماية الكيان الإسلامي من الاندثار والتفكُّك. المجتمع الإسلامي متكافل مترابط متعاون على البر والتقوى. القاعدة العامة: أن من أعان شخصاً في طاعة من طاعات الله كان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيئاً.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

73. ليس من نفسٍ تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: «ليس مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلماً إِلاَّ كَان على ابنِ آدَمَ الأَوَّل كِفْلٌ مِن دمِهَا؛ لِأَنَّه كان أوَّل مَن سَنَّ القَتْلَ».

الجنائز - الأنبياء - الاعتصام بالكتاب والسنة - المحاربين - القصاص - الديات.

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يحكي هذا الحديث سبب تَحمُّل أحد ابني آدم تَبِعَات الدِّماء التي تُهدَر بعده، قيل: قابيل قتل أخاه هابيل حسدا له، فهما أول قاتل ومقتول من ولد آدم؛ فيتحمَّل قابيل نصيبًا من إثم الدماء التي تسفك من بعده؛ لأنه كان أول من سنَّ القتل؛ لأنَّ كل من فعله بعده مُقتدٍ به.

معاني المفردات: ابنِ آدَمَ : ابن آدم المذكور: هو قاتل أخيه، وهما المذكوران في قوله تعالى: "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق". قيل: إن اسمه قابيل، والمقتول: هابيل، ولكنه لم يرد بأسانيد صحيحة. كفل : الكِفل النصيب. سن القتل : أول من فعله.

فوائد الحديث: حرمة القتل بغير الحق. الترغيب في المحافظة على الأنفس. الترهيب من سن السنة السيئة. أن من كان قدوة في الشر كان له مثل أوزار من اقتدى به، ومن كان قدوة في الخير كان له مثل أجور من اقتدى به. الترهيب من الدعوة إلى الشر بالقول أو الفعل.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

74. من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة

عن سهل بن سعد -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «من يضمن لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رجليه أضمن له الجنة».

راوي الحديث: سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أمرين يستطيع المسلم إذا ما التزم بهما أن يدخل الجنة التي وعد الله عباده المتقين، وهذان الأمران هما حفظ اللسان من التكلم بما يغضب الله -تعالى-، والأمر الثاني حفظ الفرج من الوقوع في الزنا.

معاني المفردات: يضمن : يلتزم بالحفظ. ما بين لحييه : هما العظمان في جانبي الفم، والمراد بما بينهما: اللسان. ما بين رجليه : يعني الفرْج، وهو كناية عن الزنا.

فوائد الحديث: حفظ اللسان والفرج من الوقوع في الحرام سبيل لدخول الجنة. أن أكثر أسباب دخول النار عدم حفظ ما بين الفرج واللسان.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

75. إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ -صلّى اللهُ عليه وسَلَّم يقول-: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزلُّ بها إلى النار أبعدَ مما بين المشرق والمغرب».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبرنا -صلى الله عليه وسلم- أن هناك من الناس من لا يفكر عند إرادته الكلام هل هذا الكلام الذي سيقوله خير أم لا؟. والنتيجة تكون أن هذا المتكلم يقع بسبب عدم هذا التفكير في المحظور، ويعرض نفسه لعذاب الله في نار جهنم – عياذاً بالله- وربما يسقط في النار لمسافة هي أبعد مما بين المشرق والمغرب.

معاني المفردات: يتبين : يفكر أنها خير أم لا. يزل : يسقط.

فوائد الحديث: ينبغي للإنسان أن لا يكثر الكلام. يجب على الإنسان أن يحفظ لسانه في كل أحواله، كالغضب والرضا، وألا يتكلم فيما لا يعنيه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

76. لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَقْبَل الله صلاَة أَحَدِكُم إِذا أَحْدَث حَتَّى يَتوضَّأ".

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الشارع الحكيم أرشد من أراد الصلاة، أن لا يدخل فيها إلا على حال حسنة وهيئة جميلة، لأنها الصلة الوثيقة بين الرب وعبده، وهي الطريق إلى مناجاته، لذا أمره بالوضوء والطهارة فيها، وأخبره أن الصلاة مردودة غير مقبولة بغير طهارة.

معاني المفردات: لا يقبَل الله : بصيغة النفي، وهو أبلغ من النهي؛ لأنه يتضمن النهي، وزيادة نفي حقيقة الشيء. الصلاة : هي في الشرع: عبادة ذات أقوال وأفعال مخصوصة، مبتدأه بالتكبير مختتمة بالتسليم. أحدث : أي حصل منه الحَدَث، وهو الخارج من أحد السبيلين أو غيره من نواقض الوضوء. يتوضَّأ : يتطهر بالوضوء وهو غسل الوجه، ثم اليدين إلى المرفقين، ثم مسح الرأس والأذنين، ثم غسل الرجلين إلى الكعبين.

فوائد الحديث: تعظيم شأن الصلاة، حيث أن الله لا يقبلها إلا مع طهارة. صلاة المحدث لا تقبل حتى يتطهر من الحدثين الأكبر والأصغر. الحدث ناقض للوضوء ومبطل للصلاة، إن كان فيها. المراد بعدم القبول هنا: عدم صحة الصلاة وعدم إجزائها. يفيد الحديث أن الصلاة منها مقبول، ومنها مردود، فما كان على وفق الشرع فهو مقبول، وما لم يكن على وفق الشرع فهو مردود، وهكذا سائر العبادات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد". صلاة المحدث حرام حتى يتوضأ؛ لأن الله لا يقبلها، والتقرب إلى الله بما لا يقبله محاداة له، ونوع من الاستهزاء. الإنسان إذا توضأ لصلاة، ثم دخل عليه وقت صلاة أخرى، وهو على طهارته لم يجب عليه الوضوء مرة ثانية. الصلاة فرضها ونفلها حتى صلاة الجنازة لا تقبل إذا صلاها المحدث ولو كان ناسيًا حتى يتوضأ، وكذلك الجنب إذا صلى قبل أن يغتسل، وعلى الناسي الإعادة.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

77. ويل للأعقاب من النار

عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعائشة -رضي الله عنهم- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنه قال: (ويلٌ للأعْقَاب من النَّار).

عقيدة: ذكر النار.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه- عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- عمرو بن العاص -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من التهاون بأمر الوضوء والتقصير فيه، ويحث على الاعتناء بإتمامه، ولما كان مؤخر القدم -غالبًا- لا يصل إليه ماء الوضوء، فيكون الخلل في الطهارة والصلاة منه، أخبر أن العذاب منصب عليه وعلى صاحبه المتهاون في طهارته الشرعية.

معاني المفردات: الويل : العذاب والهلاك. الأعقاب : جمع "عَقِب" وهو مؤخر القدم. النار : نار الآخرة.

فوائد الحديث: الواجب في الرجلين الغسل في الوضوء، وهو ما تضافرت عليه الأدلة الصحيحة، وإجماع الأمة، خلافا لشذوذ الشيعة الذين خالفوا به الأحاديث الثابتة والإجماع والقياس المستقيم. وجوب الاعتناء بأعضاء الوضوء، وعدم الإخلال بشيء منها، وقد نص الحديث على القدمين وبقية الأعضاء مقيسة عليهما، مع وجود نصوص لها. الوعيد الشديد للمخل بوضوئه. وجوب استيعاب أعضاء الوضوء بالتطهير. التقصير في شيء من أعضاء الطهارة يعتبر كبيرة من كبائر الذنوب. وجوب غسل الرجلين إذا كانتا مكشوفتين. إثبات الجزاء على الأعمال، وأن الجزاء من جنس العمل. العقب محل للتطهير في الوضوء، فيبطل قول من يكتفي بغسل بعض القدم.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: متفق عليه. حديث أبي هريرة: متفق عليه. حديث عائشة: رواه مسلم.

78. إذا لَقِيَ أحدُكم أخاه فَلْيُسَلِّمْ عليه، فإن حَالَتْ بينهما شجرة، أو جِدَارٌ، أو حَجَرٌ، ثم لَقِيَه، فَلْيُسَلِّمْ عليه

عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا لَقِيَ أحدُكم أخاه فَلْيُسَلِّمْ عليه، فإن حَالَتْ بينهما شجرة، أو جِدَارٌ، أو حَجَرٌ، ثم لَقِيَه، فَلْيُسَلِّمْ عليه».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: المسلم مأمور على سبيل الاستحباب بإلقاء السلام على أخيه المسلم كلما لقيه، حتى إن كانوا معا، ثم افترقوا لغرض من الأغراض، ثم تلاقوا ولو عن قرب، فإن من السنة أن يسلِّم عليه ولا يقول: أنا عهدي به قريب، بل يسلم عليه، ولو حالت بينهما شجرة أو جدار أو صخرة بحيث يغيب عنه فإن من السنة إذا لقيه مرة ثانية أن يُسَلِّم عليه.

معاني المفردات: حالت : فصلت.

فوائد الحديث: استحباب السلام عند كل لقاء ولو فصل بين اللقاءين ، شجرة أو حجر كبير أو جدار. شدَّة حرصه -صلى الله عليه وسلم- على إفشاء سنة السلام والمبالغة فيه؛ لما فيه من جلب المودة والألفة بين المسلمين.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود.

79. إذا مَرِض العَبد أو سافر كُتب له مثلُ ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا

عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مَرِض العَبد أو سافر كُتِب له مثلُ ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا».

راوي الحديث: أبو مُوسَى عبد اللَّه بن قيس الأشعري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الإنسان إذا كان من عادته أن يعمل عملًا صالحًا حال صحته وفراغه ثم مرض فلم يقدر على الإتيان به فإنه يكتب له الأجر كاملًا، كما لو عمله في حال الصحة، وكذلك إذا كان المانع السفر أو أي عذر آخر كالحيض.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: سعة رحمة الله -تعالى- ولطفه بعباده. من عجز عن أداء ما اعتاد عليه من الأعمال الصالحة بعذر شرعي من سفر أو مرض مع قيام النية الجازمة على فعله في حال القدرة كتب له أجره كما لو كان مقيمًا صحيحًا.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

80. قُومِي فأوْتِري يا عائشة

عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي صلاته بالليل، وهي مُعْتَرِضَةٌ بين يديه، فإذا بقي الوتر، أيقظها فأوترت. وفي رواية له: فإذا بقي الوتر، قال: «قومي فأوْتِري يا عائشة».

الشمائل - المناقب - العشرة.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي صلاة الليل، وعائشة رضي الله عنها مُعْتَرِضَةٌ بَيَن يَدَيه، وفي رواية للبخاري ومسلم عنها: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُصلي من الليل وأنا مُعْتَرِضَةٌ بَيَنه وَبَيْن القِبلة، كاعتِرَاض الجَنازة". فإذا فَرغ النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة التهجد، وقبل أن يشرع في صلاة الوتر أيْقَظها لتوتر وفي رواية لمسلم: فإذا بَقي الوِتر، قال: "قُومِي فأوْتِري يا عائشة" . وفي رواية لأبي داود: "حتى إذا أراد أن يوتر أيْقَظها فأوترت". والمعنى: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يترك عائشة -رضي الله عنها- أول الليل ولا يُوقظها، حتى إذا فرغ من صلاته ولم يبق إلا الوتر أيقظها لتدرك وترها وتبادر بالوتر عقب الاستيقاظ لئلا يغلب عليها كسل النوم لو تماهلت عنه فيفوتها.

معاني المفردات: معترضة بين يديه : نائمة أمامه من جهة يمينه إلى جهة شماله. الوتر : هو: الصلاة المخصوصة بعد فريضة العشاء، سميت بذلك لأن عدد ركعاتها وتر لا شفع.

فوائد الحديث: يستحب أن يُوقظ الرجل أهل بيته لصلاة الليل ويَحضُهم على ذلك. جواز اعتراض المرأة أمام الرجل في صلاته. جواز اتخاذ الرجل الجالس سترة له. استحباب تأخير صلاة الوتر إلى آخر الليل. يستحب لمن وَثِقَ باستيقاظه من آخر الليل، إما بنفسه وإما بإيقَاظ غيره له، أن يؤخر الوتر وإن لم يكن له تهجد، فإن عائشة -رضي الله عنها- كانت بهذه الصفة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه ولفظ الروايتين لمسلم.

81. سُئِل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الصلاة أفضل؟ قال: طُول القُنُوتِ

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: سُئِل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الصلاة أفضل؟ قال: «طُول القُنُوتِ».

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: سأل الصحابة رضوان الله عليهم النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ وهذا السؤال من حرصهم على إصابة أكثر قدر من الحسنات، والمراد به: أي أنواع الصلوات أفضل؟ أو: أي أعمال الصلاة أفضل؟ القيام أم الركوع أم السجود؟ فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه طول القيام فيها.

معاني المفردات: القنوت : القيام.

فوائد الحديث: أن تطويل القيام في الصلاة أفضل من تطويل الركوع والسجود، على قول، وقيل طول السجود؛ لأن أقرب ما يكون العبد من ربه في حال السجود.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

82. ألا أُخْبِركم بأهل الجنة؟ كلُّ ضعيفٍ مُتَضَعَّفٍ ، لو أقسم على الله لَأَبَرَّهُ ، ألا أُخْبِركم بأهل النار؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ

عن حارثة بن وهب -رضي الله عنه- مرفوعًا: «ألا أُخْبِركم بأهل الجنة؟ كلُّ ضعيفٍ مُتَضَعَّفٍ، لو أقسم على الله لَأَبَرَّهُ، ألا أُخْبِركم بأهل النار؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ».

صفة جهنم.

راوي الحديث: حارثة بن وهب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من صفات بعض أهل الجنة؛ أن الإنسان يكون ضعيفًا متضعفًا، أي: لا يهتم بمنصبه أو جاهه، أو يسعى إلى علو المنازل في الدنيا، ولكنه ضعيف في نفسه يستضعفه غيره، لو حلف على شيء ليَسَّر الله له أمره، حتى يحقق له ما حلف عليه، أما أهل النار فمنهم كل غليظ جافي الطباع قاس غير منقاد للحق، وكل من يجمع المال ويمنع ما يجب فيه من زكاة، ومن يرد الحق كبرًا ويتعالى على الناس، والحديث ليس للحصر، بل لبيان بعض صفات الفريقين.

معاني المفردات: متضعف : أي: يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا. أقسم على الله : حلف يمينا طمعا في كرم الله -تعالى-. أبره : أعطاه ما يريد وأجاب دعوته وحقق قسمه. جوَّاظ : الجموع المنوع، وقيل الكثير اللحم المختال في مشيته، وقيل القصير البطين. العُتُل : الشديد من كل شيء ويقال رجل عتل جاف غليظ.

فوائد الحديث: النهي عن الغلظة والخيلاء والجفاء، فإنها سمات أهل النار. استحباب التواضع والتذلل للمسلمين. تحمل الأذى في الله تعالى سبب إجابة الدعاء. المرء ليس بمنظره ولكن بمخبره وجوهره.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

83. الجنة أقرب إلى أحدكم من شِرَاكِ نعله، والنار مثل ذلك

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الجنة أقرب إلى أحدكُم من شِرَاكِ نَعْلِه، والنار مِثلُ ذلك».

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الجنة والنار قريبان من الإنسان كقرب السير الذي يكون على ظهر القدم، وهو قريب من الإنسان جدًّا؛ لأنه قد يفعل طاعة من رضوان الله -عز وجل- لا يظن أنها تبلغ ما بلغت، فإذا هي توصله إلى جنة النعيم، وربما يفعل معصية لا يلقي لها بالاً، وهي من سخط الله، فيهوي بها في النار كذا وكذا من السنين وهو لا يدري.

معاني المفردات: شراك نعله : سير النعل على ظهر القدم.

فوائد الحديث: الطاعة موصلة إلى الجنة، والمعاصي تؤدي إلى النار. تحصيل الجنة سهل، إذا صح القصد وعملت الصالحات. الطاعة والمعصية قد تكون في أيسر الأشياء، فينبغي على المرء ألا يزهد في قليل من الخير فيعمله ولافي قليل من الشر فيجتنبه. الترغيب في قليل الخير وإن قلَّ، والترهيب عن قليل الشر وإن قل. ضرب الأمثلة لتقريب المراد للسامع.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

84. السِّواك مَطْهَرَةٌ للْفَم مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ

عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «السِّواك مَطْهَرَةٌ للْفَم مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ».

الصفات: صفة الرضى.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: السِّوَاك يُطَهِّر الفَم من الأوساخ والروائح الكريهة وغير ذلك مما يَضُر، وبأي شيء استاك مما يزيل التَّغَيُّرَ حصلت سنة السَّوَاك، كما لو نظف أسنانه بالفرشاة والمعجون وغيره من المزيلات للأوساخ، وهو مرضاة للرب أي أن الاستياك من أسباب رَضَا الله -تعالى- عن العَبْد. وقد ذكروا للسواك فوائد أخرى، منها: يُطَيِّب الفَم، ويَشُدُّ اللثة، ويَجْلُو البَصَر، ويذهب بالبَلْغَم، ويوافق السنة، ويُفرح الملائكة، ويزيد في الحسنات، ويصحح المعدة.

معاني المفردات: مطهرة : سبب طهارة الفم.مرضاة للرب : سبب رضا الله -عز وجل-.

فوائد الحديث: أن السواك وسيلة لتطهير الفَم. الله -تعالى- يحب النظافة ويحب المتطهرين، ولذلك شرع لهم ما يعينهم على ابتغاء مرضاته. فضيلة السواك. ترغيب النبي -صلى الله عليه وسلم- أمَّته للإكثار من الاستياك. مشروعية السواك للصائم سواء كان أول النهار أو آخره؛ لإطلاق الحديث. الاسْتِيَاك من أسباب رِضَا الله -تعالى- عن العَبْد. إثبات صفة الرِّضَا لله -عز وجل-.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه النسائي وأحمد والدارمي.

85. الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مُكَفِّراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتُنبَت الكبائر

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مُكَفِّراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتُنبَت الكبائر».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الصلوات الخمس تكفر ما بينها من الذنوب -وهي الصغائر- إلا الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة، وكذلك صلاة الجمعة إلى التي تليها، وكذلك صوم رمضان إلى رمضان الذي بعده.

معاني المفردات: الصلوات الخمس : المفروضة في اليوم والليلة. الجمعة : صلاة الجمعة. رمضان : صوم رمضان. مكفرات : ماحيات. الكبائر : الذنوب التي ورد الوعيد بالعقاب الشديد على فعلها؛ كالزنى وشرب الخمر.

فوائد الحديث: أن القيام بهذه الواجبات على خير وجه يكون سببًا لأن يغفر الله عز وجل بفضله ورحمته ما وقع بينها من الذنوب الصغيرة. انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

86. أَمْسِكْ عليك لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيتُك، وابْكِ على خَطِيئَتِكَ

عن عُقْبَة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله ما النَّجَاة؟ قال: «أَمْسِكْ عليك لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيتُك، وابْكِ على خَطِيئَتِكَ».

راوي الحديث: عُقبة بن عامر الجُهَنِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث: سأل عُقْبة بن عامر -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- عمَّا ينجيه في الآخرة، وهذه غاية كل مسلم حَريص على آخرته. فقال له -صلى الله عليه وسلم-: "أَمْسِكْ عليك لِسَانَكَ" أرشده النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُمسك عليه لسَانه؛ وذلك لعظم خطره وكثرة ضرره، فيتعين على المسلم أن يُمْسِك عليه لسانه، ويؤثر الصَّمْتَ على الكلام إلا فيما ينفعه في الآخرة. "وَلْيَسَعْكَ بَيتُك" أي يلزم الإنسان بيته، ولا يخرج منه إلا لضرورة، ولا يَضَّجر من الجلوس فيه، بل يجعله من باب الغنيمة، فإنه سبب الخلاص من الشر والفتنة. "وابْكِ على خَطِيئَتِكَ" أي: ابك إن تَقْدر، وإلا فَتَبَاك نادما على معصيتك، وتب إلى الله -تعالى- مما قد حصل منك، فإن الله -تعالى- يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.

معاني المفردات: ما النجاة؟ : ما سبب الوصول إلى النجاة؟ أمسك عليك لسانك : احفظه. أبك على خطيئتك : اندم على ذنبك باكيًا. وليسعك بيتك : أي اشتغل بما هو سبب في لزوم البيت من طاعة الله تعالى.

فوائد الحديث: حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على معرفة سبيل النَّجَاة، وتعلم الخير؛ فهذا الصحابي يسأل عن النَّجَاة لبلوغها. الحث على حفظ اللسان وانشغال الإنسان بنفسه إذا عجز عن نفع غيره، أو خاف الضرر على دِينه ونفسه إذا خالطه الناس. هذا الحديث من جوامع الكلِم التي أوتيها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد جمع للسائل أسباب نَجَاته في ثلاث كلِمات.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح

التخريج: رواه الترمذي وأحمد.

87. إنَّ في الجنَّة مائة دَرَجَة أعَدَّهَا الله للمُجاهِدين في سَبِيل الله ما بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كما بين السماء والأرض

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ في الجنَّة مائةَ دَرَجَة أعَدَّهَا الله للمُجاهِدين في سَبِيل الله ما بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كما بين السماء والأرض».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث عن فضل المجاهدين في سبيله وأن الله تعالى قد أعَدَّ لهم في الجنة مائة درجة ما بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كما بين السماء والأرض.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: عظيم ما أعد الله للمجاهدين من جزيل الثواب ورفيع المقامات في الجنة. بيان لعظم الجنة، وما فيها من نعيم أعد للمجاهدين في سبيله. بيان منازل الجنة وأنها درجات، كل امرئ يأخذ مكانه فيها على قدر عمله. في الحديث إشارة إلى أن هذه الدرجة قد يحصل عليها غير المجاهد، وذلك إما بالنية أو بالأعمال الصالحة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

88. بأي شيء كان يَبْدَأُ النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل بَيته؟ قالت: بالسِّوَاك

عن شريح بن هانىء، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تخبر عائشة -رضي الله عنها- أن أول ما يبدأ به -صلى الله عليه وسلم- عند دخوله البيت: السواك، ومشروعية السواك عامة في جميع الأوقات، ويتأكد ذلك: في الأوقات التي ندب الشارع إليها ومنها: عند دخول البيت، ولعل ذلك لإزالة ما يحصل عادة بسبب كثرة الكلام الناشئة عن الاجتماع.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: تأكد استحباب الاستياك عند دخول المنزل. جواز الاستخبار عن أحوال الصالحين في شؤنهم الخاصة لأجل الاقتداء بهم. حرص الراوي عن عائشة -رضي الله عنها- على معرفة أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- والعمل بما عَلِم. أن عائشة -رضي الله عنها- أعلم النساء وأحفظهم لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنها كانت تُسأل عن كثير من أحواله -صلى الله عليه وسلم- الخاصة به. أخذ العلم من أهله وممن هو أَعْرف به. حسن معاشرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأهله.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

89. بَلِّغُوا عَنِّي ولو آية، وحَدِّثُوا عن بَنِي إسرائيل ولا حَرَج، ومن كَذَب عليَّ مُتَعَمِدَا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَدَه من النَّار

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فَلْيَتَبَوَّأْ مقعده من النار».

الأنبياء.

راوي الحديث: عبد الله بن عَمْرِو بن العاص -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث انقلوا إلى الناس العلم الموروث عني من كتاب أو سنة، ولو كان الشيء الذي تبلغونه قليلاً كآية من القرآن، بشرط أن يكون ضابطًا لما يبلغه، والأمر بالتبليغ على الوجوب في حال تعيُّن ذلك عليه، فإن لم يتعين عليه ذلك، كأن يكون في البلد دعاة إلى الله يقومون بتعليم الناس وتبصيرهم أمور دينهم، فلا يجب عليه البلاغ، بل يستحب له ذلك، ولا بأس ولا إثم عليكم أن تحدثوا عن بني إسرائيل بما وقع لهم من وقائع حقيقية، كنزول النار من السماء لأكل القربان وكحكاية قتل أنفسهم في توبتهم من عبادة العجل، أو تفصيل القصص المذكورة في القرآن مما فيه عِبر ومواعظ، ومن افترى عليَّ الكذب فليتخذ لنفسه منزلا في النار، وذلك ؛ لأن الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس كالكذب على الناس، الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كَذب على الله -عز وجل-، ثم هو كذب على الشريعة؛ لأن ما يخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي هو من شريعة الله -تعالى-، فكانت عقوبته أشد.

معاني المفردات: لا حرج : لا إثم ولا ذنب. فليتبوأ : أي يتخذ لنفسه منزلا في النار. بنو اسرائيل : هم بنو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فإسرائيل هذه لقب ليعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. النّار : هي دار العذاب والنكال أعدها الله لمن عصاه

فوائد الحديث: وجوب تبليغ شريعة الله، وأن المرء يؤدي ما حفظ وفهم ولو كان يسيرًا. وجوب طلب العلم؛ ليتمكن من تبليغ شريعة الله، وهو من الفروض الكفائية التي إذا قام بها بعض المسلمين سقط الوجوب عن الباقين، وإذا لم يقم بها أحد أثم الجميع. جواز التحدث عما جرى لبني إسرائيل؛ لأخذ العبرة والعظة شريطة أن لا يكون الحديث مما ثبت كذبه، ويتحرى ما كان ثابتا وأقرب إلى الشرع الإسلامي. تحريم الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو من كبائر الذنوب. الحث على الصدق في الكلام والحيطة في الحديث، حتى لا يقع في الكذب، وخاصة في شرع الله -عز وجل-، وهذا يحتاج إلى العلم الصحيح والدقيق.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

90. لو كانت الدنيا تَعدل عند الله جَناح بَعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء

عن سهل بن سعد الساعدي ـرضي الله عنه- قَالَ رَسُول اللَّه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: «لو كانت الدنيا تَعدل عند الله جَناح بَعوضة، ما سَقَى كافراً منها شَرْبَة ماء».

راوي الحديث: سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: في الحديث بيان حَقَارة الدنيا عند الله وأنه لا قيمة لها، ولو كان لها أدنى قيمة عند الله تعالى ما سقى منها كافرًا شربة ماء، فضلا عن تنعمه بها وتلذذه بطيباتها، لذا كانت الدنيا هينة عند الله تعالى، بخلاف الآخرة، فإنها دار نعيم مقيم لأهل الإيمان خالصة لهم من دون الكفار، لذا ينبغي على أهل الإيمان أن يدركوا حقيقة هذه الدنيا وأن لا يركنوا إليها، فإنها دار ممر لا دار قرار، فيأخذون منها ما يتزودن به لآخرتهم التي هي دار القرار. قال تعالى: (وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون، أفمن وعدناه وعدًا حسنًا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين).

معاني المفردات: تعدل : تساوي. بعوضة : حشرة صغيرة، وتسمى البق.

فوائد الحديث: هوان الدنيا على الله وسقوطها عنده وكذلك طُلَّابها الذين أصبحت أكبر همهم ومبلغ عملهم. قيمة الدنيا بأن تجعل طريقاً للدار الآخرة ومستنبتاً للأعمال الصالحة. جواز ضرب المثل لتقريب المعنى للسامع.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي.

91. ما يُصيب المسلم من نَصب، ولا وصَب، ولا هَمِّ، ولا حَزن، ولا أَذى، ولا غَمِّ، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه

عن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «ما يُصيب المسلم من نَصب، ولا وصَب، ولا هَمِّ، ولا حَزن، ولا أَذى، ولا غَمِّ، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه».

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى هذا الحديث: أن ما يُصاب به المسلم من أمراض وهموم وأحزان وكروب ومصائب وشدائد وخوف وجزع إلا كان ذلك كفارة لذنوبه وحطا لخطاياه. وإذا زاد الإنسان على ذلك: الصبر والاحتساب، يعني: احتساب الأجر، كان له مع هذا أجر. فالمصائب تكون على وجهين: تارة : إذا أصيب الإنسان تذكر الأجر واحتسب هذه المصيبة على الله، فيكون فيها فائدتان: تكفير الذنوب، وزيادة الحسنات. وتارة يغفل عن هذا ، فيضيق صدره، ويصيبه ضجر أو ما أشبه ذلك، ويغفل عن نية احتساب الأجر والثواب على الله، فيكون في ذلك تكفير لسيئاته، إذًا هو رابح على كل حال. فإما أن يربح تكفير السيئات، وحط الذنوب بدون أن يحصل له أجر؛ لأنه لم ينو شيئًا ولم يصبر ولم يحتسب الأجر، وإما أن يربح شيئين: تكفير السيئات، وحصول الثواب من الله عز وجل كما تقدم. ولهذا ينبغي للإنسان إذا أصيب ولو بشوكة، فليتذكر احتساب الأجر من الله على هذه المصيبة، حتى يؤجر عليها، مع تكفيرها للذنوب. وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالي وجوده وكرمه، حيث يبتلي المؤمن ثم يثيبه على هذه البلوى أو يكفر عنه سيئاته. تنبيه: الحط للخطايا يحصل للصغائر، دون الكبائر التي لا ترفعها إلا التوبة النصوح.

معاني المفردات: الوصب : المرض . النصب : التعب. الأذى : هو كل ما لا يلائم النفس. الغم : هو أبلغ من الحزن، يشتد بمن قام به، حتى يصير بحيث يغمى عليه. يشاكها : تشكه ، وتدخل في جسده. خطاياه : ذنوبه. المسلم : المسلم هو من التزم لله بشريعة النبي صلّى الله عليه وسلّم فقط ظاهرًا وباطنًا.

فوائد الحديث: فيه أن الأمراض وغيرها من الابتلاءات، التي تُصيب المؤمن: تُطهره من الذنوب والخطايا وإن قلت. فيه البشارة العظيمة للمسلمين ؛ فإنه ما من مسلم إلا ويُصاب بهذه المصائب. فيه رفع الدرجات بهذه الأمور وزيادة الحسنات. تكفير الذنوب مقصورٌ على بعضها، وهي الصغائر، أما الكبائر فلا بد من إحداث توبة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

92. حُجِبت النار بالشهوات، وحُجبت الجنة بالمَكَاره

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «حُجِبت النار بالشهوات، وحُجبت الجنة بالمَكَاره»متفق عليه وهذا لفظ البخاري. وفي رواية لهما: «حُفَّت» بدل «حُجِبت».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: أن الطريق الموصلة إلى الجنة محفوف بأمور يكرهها الإنسان؛ لأن الأصل في النفس أنها تميل إلى الراحة. وهكذا النار لا يدخلها إلا إذا هتك ما بينه وبينها بارتكاب المحرمات والبعد عن الطاعات، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات، فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة والإحسان إلى المسيء والصبر عن الشهوات ونحو ذلك. فالنفس قد تكره المواظبة على الصلاة؛ لأجل ما فيها من بذل الجهد وقطع ما تهواه النفس من أمور الدنيا، قد تكره الجهاد قد تكره الصدقة بالمال؛ لأن النفس مجبولة على حب المال، وغير ذلك من الطاعات، فإذا كسر الإنسان شهوته وخالف ما تهواه نفسه، بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، كان ذلك: سببًا لدخول الجنة والبعد عن النار. وأما الشهوات التي النار محفوفة بها فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبية والغيبة واستعمال الملاهي ونحو ذلك، وأما الشهوات المباحة فلا تدخل في هذه لكن يكره الإكثار منها مخافة أن يجر إلى المحرمة أو يقسي القلب أو يشغل عن الطاعات أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا.

معاني المفردات: حجبت : بمعنى حفت: أي بينه وبينها هذا الحجاب فإذا فعله دخلها. الشهوات : ما يستلذ من أمور الدنيا مما منع الشرع من تعاطيه. المكاره : ما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلا وتركا، كالإتيان بالعبادات على وجهها، واجتناب المنهيات قولا وفعلا، وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه. حفت : أحيطت.

فوائد الحديث: سبب الوقوع في الشهوات هو تزيين الشيطان المنكر والقبيح، حتى تراه النفس حسنا فتميل إليه. قد تكره النفس الشيء مع ما فيه من الخير الكثير، قال تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون). لا بد من مجاهدة هوى النفس وفطامها عن شهواتها، ومألوفاتها. الجنة والنار موجودتان مخلوقتان.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

93. حقُّ المُسلمِ على المُسلمِ خمسٌّ: ردُّ السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدَّعوة، وتَشميتُ العاطِس

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:«حقُّ المُسلمِ على المُسلمِ خمسٌّ: ردُّ السلام، وعِيَادَةُ المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدَّعوة، وتَشميتُ العاطِس».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث بيان بعض حقوق المسلم على أخيه المسلم، وحقوق المسلم على أخيه كثيرة، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحياناً يذكر أشياء معينة من أشياء كثيرة؛ عناية بها واحتفاء بها، فمن ذلك ما ذكره أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- أنه قال: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام" يعني: إذا سلم عليك فرد عليه، وفي الحديث الآخر"حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه". فهذه الحقوق من قام بها في حقّ المسلمين على وجهها، كان قيامه بغيرها أولى، وحصل له أداء هذه الواجبات والحقوق التي فيها الخير الكثير والأجر العظيم من الله إذا احتسب ذلك عند الله. فأول هذه الحقوق: "إذا لقيته فسلم عليه" وفي الحديث الآخر "ردُّ السلام". الحق الثاني: عيادة المريض إذا مرض وانقطع عن الناس في بيته أو في المستشفى أو غيرهما، فإن له حقاً على إخوانه المسلمين في زيارته. أما الحق الثالث: فهو اتباع الجنائز وتشييعها، فإن من حق المسلم على أخيه أن يتبع جنازته من بيته إلى المصلى -سواء في المسجد أو في مكان آخر- إلى المقبرة. الحق الرابع: إجابة الدعوة، فمن حق المسلم على أخيه إذا دعاه أن يجيبه. الحق الخامس: تشميت العاطس: ذلك أن العطاس نعمة من الله؛ لخروج هذه الريح المحتقنة في أجزاء بدن الإنسان، يسر الله لها منفذاً تخرج منه فيستريح العاطس، فشرع له أن يحمد الله على هذه النعمة، وشرع لأخيه أن يقول له: "يرحمك الله"، وأمره أن يجيبه بقوله: "يهديكم الله ويصلح بالكم"، فمن لم يحمد الله لم يستحق التشميت، ولا يلومن إلا نفسه.

معاني المفردات: حق المسلم : الأمر الواجب المتعين. تشميت العاطس : التشميت: الدعاء بالخير والبركة. عيادة المريض : زيارته. المسلم : الإسلام: وهو الاستسلام لله بشريعة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- فقط ظاهراً وباطناً.

فوائد الحديث: بيان حق المسلم على المسلم، فمنها: واجب، ومنها: مندوب، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص. ردُّ السلام فرض عين إذا كان المُسلَّم عليه واحدًا، وفرض كفاية إذا كانوا جميعًا. عيادة المريض فرض كفاية. اتباع الجنازة فرض كفاية، وهو تشييعها من محلها أو محل الصلاة إلى مكان دفنها. إجابة الدعوة إلى وليمة العرس بشروطها المقررة في كتب الفقه واجبة، وفي سائر الولائم سنة مؤكدة. تشميت العاطس بعد أن يحمد الله، قال بعض العلماء: إنه واجب وجوباً عينياً إن لم يكن غيره، ووجوب كفاية على الجماعة، وقال آخرون: إنه مستحب. عظمة الإسلام في توثيق عرى الأخوة والمحبة بين المسلمين. لا يجوز تشميت العاطس، ولا رد السلام، والإمام يخطب؛ لأن كلاً منهما كلام، والكلام محرم في الخطبة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

94. خَيْرُ يومٍ طَلَعَتْ عليه الشمس يومُ الجُمعة: فيه خُلِقَ آدَم، وفيه أُدْخِلَ الجَنة، وفيه أُخْرِجَ منها

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «خَيْرُ يومٍ طَلَعَتْ عليه الشمس يومُ الجُمعة: فيه خُلِقَ آدَم، وفيه أُدْخِلَ الجَنة، وفيه أُخْرِجَ منها».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن خيْر يومٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وهو أبو البَشر خلقه الله -عز وجل- بيده، خلقه من تراب وكان ذلك يوم الجمعة، وفيه أُدخل جنة المأوى التي يأوي إليها البشر، أدخله الله الجنة هو وزوجه، وفي يوم الجمعة أمره الله -تعالى- بأن يخرج من الجنة ولم يكن إخراجه للإهانة، بل لما اقتضته حكمة الله -تعالى-.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: فضل يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع. الحث والإكثار من الأعمال الصالحة في يوم الجمعة، والتأهب لنيل رحمة الله -تعالى-، ودفع نقمته. إثبات وجود الجَنَّة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

95. ذَاكَ رَجُلٌ بَاَلَ الشيطان في أُذُنَيْهِ أو قال: في أُذُنِه

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: ذُكِرَ عند النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل نام ليلة حتى أصبح، قال: «ذاك رجل بال الشيطان في أُذُنَيْهِ - أو قال: في أُذُنِه».

الإيمان - الصلاة.

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ذُكِرَ عند النبي -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ نام ليلة حتى أصبح" أي: استمر نائمًا ولم يَستيقظ للتهجد، حتى طلع عليه الفجر، والقول الثاني: أنه لم يستيقظ لصلاة الفجر حتى طلعت الشمس. فقال: "ذَاكَ رَجُلٌ بَاَلَ الشيطان في أُذُنَيْهِ" هو على ظاهره وحقيقته؛ لأنه ثبت أن الشيطان يأكل ويشرب وينكح، فلا مانع من أن يَبول، وهذا غاية الإذلال والإهانة له، أن يتخذه الشيطان كنيفا. وخص الأذن بالذكر وإن كانت العين أنسب بالنوم إشارة إلى ثِقَل النوم، فإن المَسَامع هي موارد الانتباه وخص البول؛ لأنه أسهل مدخلا في التَجَاويف وأسرع نفوذا في العروق فيُورِث الكَسَل في جميع الأعضاء.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: كراهية ترك قيام الليل وأن ذلك بسبب الشيطان. قيام الليل حرز من الشيطان. إهمال حقوق الله -تعالى- تَنَشأ من تمكن عَدو الله تعالى من النفس والهوى والشيطان من ذلك الإنسان، حتى يحول بينه وبين الطاعات. الشيطان يستخدم كل أساليبه؛ ليبعد العبد عن الطاعة ويلهيه عنها.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

96. رحِم الله رَجُلا سَمْحَا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقْتَضَى

عن جابر -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «رحِم الله رَجُلا سَمْحَا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقْتَضَى».

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: "رحِم الله رَجُلاً" هذا دعاء بالرحمة لكل من اتصف بالسماحة في بيعه وشرائه واقتضائه الثمن، أي أخذ الديون، سواء كان رجلاً أو امرأة، والتنصيص على الرجل خرج مخرج الغالب. "سَمْحاً إذا باع" أي: سهلاً في بيعه، فلا يشدد على المشتري في سعرها، بل ويضع عنه من ثمنها، وفي رواية عند أحمد والنسائي من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: (أدخل الله -عز وجل- الجنة رجلاً كان سهلاً مشترياً وبائعاً..). "وإذا اشترى" أي: سهلاً إذا اشترى، فلا يجادل ولا يماكس في سعرها، بل يكون سهلاً مسامحاً. "وإذا اقْتَضَى" أي: يكون سمحاً سهلاً حال طلب دَيْنِه من غريمه، فيطلبه بالرفق واللطف لا بالعنف. وفي رواية عند ابن حبان، من حديث جابر -رضي الله عنه- زيادة: (سمحاً إذا قضى) أي: سمحاً سهلاً حال قضاء الديون التي عليه، فلا يماطل ولا يتهرب مما عليه من الحقوق، بل يقضيها بسهولة وطيب نفس. فهؤلاء الأصناف الأربعة دعا لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرحمة متى كانوا متسامحين في بيعهم وشرائهم وقضاء ما عليهم واقتضاء ما لهم من ديون على غيرهم.

معاني المفردات: سمحا : سهلاً جواداً سخياً.اقتضى : طلب قضاء حقه.

فوائد الحديث: استحباب المسامحة في البيع والشراء؛ وذلك بأن يترك كل من البائع والمشتري ما يسبب ضجر الآخر وإزعاجه. الحث على الليونة في طلب قضاء الحقوق، واستحباب التنازل عن شيء منها.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

97. رَغِمَ أنْفُ، ثم رَغِمَ أنْفُ، ثم رَغِمَ أنْفُ من أدرك أبويه عند الكِبر أحدهما أو كِليهما فلم يَدخلِ الجنة

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « رَغِمَ أنْفُ، ثم رَغِمَ أنْفُ، ثم رَغِمَ أنْفُ من أدرك أبويه عند الكِبر، أحدهما أو كِليهما فلم يدخل الجنة».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: حق الوالدين عظيم، قرنه الله -سبحانه وتعالى- بحقه الذي خلق من أجله الثقلين: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانًا) فأمر الله بعبادته وأوصى الأولاد وعهد إليهم ببر والديهما والإحسان إليهما قولًا وعملًا؛ وذلك لقيامهما عليهم وتربيتهم والسهر على راحتهم، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. ومعنى هذا الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا ثلاث مرات على من أدرك أبويه أو أحدهما ولم يدخل الجنة لعدم بره بوالديه والإحسان إليهما وطاعتهما بالمعروف، فطاعة الوالدين وبرهما والإحسان إليهما من الأسباب الواقية من دخول النار، وعقوقهما من أسباب دخول النار إن لم تدركه رحمة الله -تعالى-.

معاني المفردات: رغم : لصق بالرغام وهو تراب مختلط برمل.

فوائد الحديث: بر الوالدين واجب ولو في حال شبابهما، وإنما خص كبرهما بالذكر لمزيد التأكيد عليه؛ لأن حاجتهما إلى البر وقت كبرهما تكون أشد. عقوق الوالدين من الكبائر التي يستحق بها الإنسان الطرد من رحمة الله والعذاب في النار. ينبغي على المسلم أن يراعي الضعفاء وكبار السن ويرفق بهم ويرحمهم. البشارة لمن بر بوالديه بدخول الجنة، خصوصًا عند كبرهما وضعفهما.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

98. سَبَقَ المُفَرِّدُونَ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «سبق المُفَرِّدُونَ» قالوا: وما المُفَرِّدُونَ ؟ يا رسول الله قال: « الذاكرون الله كثيرا والذاكراتِ».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: أن الذاكرين الله كثيراً والذاكرات قد انفردوا عن غيرهم وسبقوهم بالأجور بسبب كثرة انشغالهم بِذْكر الله تعالى، فهم قد عملوا أكثر من غيرهم؛ فكانوا أسبق إلى الخير. قال تعالى: (والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً). فقوله "الذاكرين الله كثيراً " أي: في أكثر الأوقات، خصوصاً أوقات الأوراد المقيدة، كالصباح والمساء، وأدبار الصلوات المكتوبات.

معاني المفردات: المفردون : المفردون -بتشديد الراء المكسورة- جمع مُفرِّد، ومعناه المنفرد عن غيره والمتميز، وهم الذاكرون الله كثيرا والذاكرات.

فوائد الحديث: استحباب الذكر والانشغال به عن اتباع الشهوات، فإن السبق في الآخرة إنما يكون بكثرة الطاعات، والإخلاص في العبادات. من لزم الذكر سبق أقرانه ولم يلحقه أحد، إلا رجل جاء بمثله أو بأفضل منه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

99. عَيْنَانِ لاَ تَمسُّهُمَا النَّار: عَيْنٌ بَكَتْ من خَشْيَة الله، عَيْنٌ بَاتَت تَحْرُسُ في سَبِيل الله

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «عَيْنَانِ لاَ تَمسُّهُمَا النَّار: عَيْنٌ بَكَتْ من خَشْيَة الله، وعَيْنٌ بَاتَت تَحْرُسُ في سَبِيل الله».

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: أن النَّار لا تَمَسُّ عينًا بَكَتْ خوفاً من الله تعالى، فعندما يتذكر الإنسان عظمة الله وقدرته على عباده ويتذكر حاله وتقصيره في حق الله تعالى؛ فيبكي رجاء رحمته وخوفاً من عِقَابه وسَخَطه، فهذا موعود بالنجاة من النار. وعين أخرى لا تمسها النار، وهي: من بَاتت تَحرس في سبيل الله تعالى في الثغور ومواضع الاقتتال حفاظاً على أرواح المسلمين. وقوله: "لا تمسهما النار" هذا من إطلاق لفظ الجزء وإرادة الكل، والمراد: أن من بَكَى من خَشية الله تعالى ومن بات يَحرس في سبيل الله، فإن الله تعالى يُحَرِّم جَسَدَهما على النَّار.

معاني المفردات: خشية الله : الخوف من جلاله وعظمته.

فوائد الحديث: فضل البكاء من خشية الله والحراسة في سبيل الله لما فيهما من صدق الإيمان وكمال المراقبة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي.

100. إن لكل أمة فتنة، وفِتنة أُمتي: المال

عن كعب بن عياض -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن لكل أُمَّة فتنة، وفِتنة أُمَّتي: المال».

راوي الحديث: كعب بن عياض -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: قال كعب بن عياض -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن لكل أمة فتنة) وهي ما يمتحنون ويختبرون به من الأشياء. (وفتنة أمتي المال) لأنه مانع عن كمال المآل؛ فاللهو بالمال يشغل البال عن القيام بالطاعة وينسي الآخرة.

معاني المفردات: فتنة : ما يمتحنون ويختبرون به.

فوائد الحديث: بيان لما ابتلى الله به هذه الأمة، وهو المال حيث يظهر به صدق التزامهم وزكاة نفوسهم وتمسكهم بمنهجهم أو غير ذلك. شِدَّة ميل النفوس للمال وهو كما قال الله -تعالى-: (وتحبون المال حباً جماً). (الفجر : 20). الحرص على المال والتعلق به سبب في فساد ذات البين؛ لأنه يورث الشح، والشح يفضي إلى تقطيع الأرحام. مما يجدر ذكره في هذا المقام نصيحة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- التي ذكرها في الوصية الصغرى: "ثم ينبغي له أن يأخذ المال بسخاوة نفس؛ ليبارك له فيه، ولا يأخذه بإشراف وهلع، بل يكون المال عنده بمنزلة الخلاء الذي يحتاج إليه من غير أن يكون له في القلب مكانة، والسعي فيه إذا سعى كإصلاح الخلاء".

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي والنسائي في الكبرى وأحمد.

101. كان رجل يُدَايِنُ الناس، وكان يقول لفَتَاه: إذا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عنه، لعَلَّ الله أن يَتَجَاوَزَ عنَّا، فَلَقِيَ الله فتَجَاوز عنه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «كان رجل يُدَايِنُ الناس، وكان يقول لفَتَاه: إذا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عنه، لعَلَّ الله أن يَتَجَاوَزَ عنَّا، فَلَقِيَ الله فتَجَاوز عنه».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: "كان رجُلٌ يُدَايِنُ النَّاس" أي: يتعامل معهم بالقَرض، أو يَبِيعَهم بالآجل، وكان يقول لغلامه الذي يتقاضى الديون التي عند الناس: إذا أتيت مدِيْنَا ولم يكن عنده ما يقضي به الدَّين الذي عليه لعجزه. "فَتَجَاوَزْ عنه" إما بإمهاله وعدم الإلحاح في المطالبة، أو بقبول ما عنده ولو مع ما فيه من نقص يسير. "لعَلَّ الله أن يَتَجَاوَزَ عنَّا" أي يعفو عنَّا لتجاوزنا عن عباده والتيسير عليها ورفع الحرج عنهم. وهذا لعلمه؛ بأن الله تعالى يكافئ العباد على إحسانهم إلى عباده بما يوافق فعلهم. ولعلمه أن الله تعالى لا يُضِيع أجر من أحسن عملًا. "فَلَقِيَ الله فتَجَاوز عنه" مكافأة له على رحمته بالناس، ورفقه بهم، وتيسيره عليهم، مع أنه لم يعمل خيرا قط كما هي رواية النسائي وابن حبان: "إن رجلا لم يعمل خيرا قط، وكان يُداين الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما عسر وتجاوز، لعل الله تعالى أن يتجاوز عنا" فلما أحسن الظن بالله -تعالى- وأحسن إلى عباد الله -تعالى-، تجاوز الله عن سيئاته والجزاء من جنس العمل.

معاني المفردات: يداين : يكثر من التعامل مع الناس بالقرض. فتاه : وهو الخادم حراً كان أو مملوكاً. أتيت معسراً : لمطالبته بما عليه. فتجاوز عنه : تساهل معه من حط الدين أو التأخير في أجل القضاء. أن يتجاوز عنا : يغفر عن ذنوبنا. فلقي الله : كناية عن الموت.

فوائد الحديث: الأجر يحصل لمن يأمُرُ بالخير ولو لم يتولَّ ذلك بنفسه. شَرعُ من قبلنا شَرْعٌ لنا إذا لم يخالف ما في شرعنا. الحث على إنظار المعسر والإرفاق في المطالبة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

102. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَجْتَهِدُ في رمضان ما لا يَجْتَهِدُ في غيره، وفي العَشْر الأوَاخِر منه ما لا يَجْتَهِدُ في غيره

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَجْتَهِدُ في رمضان ما لا يَجْتَهِدُ في غيره، وفي العَشْرِ الأوَاخِرِ منه ما لا يَجْتَهِدُ في غيره.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تخبر عائشة -رضي الله عنها- في هذا الحديث، عن عبادته -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان، وهو: أنه كان يَجْتَهد فيه ما لا يَجْتَهد في غيره من الشهور؛ لأنه شهر مُبارك، فَضَّله الله على سائر الشهور، فإذا دَخلت العَشْر الأواخر اجتهد فيها أكثر مما كان عليه في أول الشهر؛ لأن فيها ليلة القدر التي هي خَيْرٌ من ألف شهر، ولأنها ختام الشهر المبارك فيختمها بصالح الأعمال.

معاني المفردات: يجتهد : يبذل جهده في العبادة ووجوه الخير والإقبال على الله تعالى.

فوائد الحديث: الحث على الإكثار من البِرِّ ووجوه الطاعات في شهر رمضان عامة والعشر الأخيرة منه خاصة. إحياء ليالي العشر الأخيرة بالعبادة والدعاء رجاء موافقة ليلة القدر. استحباب اغْتِنَام الأوقات الفاضلة بالطاعات. فضل شهر رمضان على غيره من الشهور، وفضل العشر الأخيرة منه على غيره. زيادة النبي -عليه الصلاة والسلام- من أعمال الخير في مواسم البر حرصًا على زيادة الأجر.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

103. كُنَّا نُعِدُّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ الله ما شاء أن يَبْعَثَهُ من الليل، فَيَتَسَوَّكُ، ويتوضَّأ ويُصلي

عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: كُنَّا نُعِدُّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ الله ما شاء أن يَبْعَثَهُ من الليل، فَيَتَسَوَّكُ، ويتوضَّأ ويُصلي.

مواضع تأكد السواك - صلاة التطوع - آداب النوم - خدمة الزوجة لزوجها.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تخبر عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تُهَيِّئ للنبي -صلى الله عليه وسلم- سِواكه والماء الذي يتوضأ به من الليل، ثم يوقظه الله -تبارك وتعالى- من نومه في أي وقت من الليل، فإذا استيقظ شَرَع في دَلْك أسنانه بالسواك؛ ليُزيل به رائحة الفم التي تحدث عادة بسبب النوم، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يصلي صلاة الليل.

معاني المفردات: نعد : نُهيِّئ. طهوره : أي: الماء الذي يتطهر به. يبعثه : يوقظه من نومه. يتسوك : ينظف فمه وأسنانه بالسواك.

فوائد الحديث: استحباب التسوك قبل الوضوء، وقبل الصلاة، وعند القيام من النوم. عناية أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- به، وحرصهن على ما يرضي النبي -صلى الله عليه وسلم- من تهيئة ما يلزمه للطاعة والعبادة. خدمة المرأة لزوجها. جواز الاستعانة بالآخرين لإعداد الطهور. استحباب التأهب للعبادة قبل وقتها والاعتناء بها. أن أرواح العباد بيد الله -تعالى- يُصَرِّفُها كيف شاء، وفي الآية: (فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى). أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يَكن يُوقظ للصلاة بالليل، بل متى ما أيْقَظَه رَبُّه صلَّى. أن النوم ناقض للوضوء، وهذا هو الأصل، لكن من خصوصياته -صلى الله عليه وسلم- أنه لا ينتقض وضوؤه بالنوم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين : "إن عَيْنَيَّ تَنَامان ولا ينام قلبي".وعليه يحمل حديث الباب على الاختيار؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "كان ربما تَوضأ إذا قام من النوم، وربما لم يتوضأ".

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

104. إنه لَيَأتي الرجلُ السَّمين العظيم يوم القيامة لا يَزِن عند الله جَناح بَعُوضة

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنه لَيَأتي الرَّجلُ السَّمين العظيم يوم القيامة لا يَزِنُ عند الله جَناح بَعُوضة».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إن الرجل العظيم صاحب البنية الضخمة المتعاظم على خلق الله في الدنيا المتجبر المتغطرس بأفعاله وأقواله، فإنه يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، ولا تكون له قيمة ولا منزلة.

معاني المفردات: لا يزن عند الله : لا قيمة له عند الله ولا منزلة.

فوائد الحديث: أن قيمة الإنسان بعمله لا بشكله وجسمه يوم القيامة. العبرة بالمقاييس الشرعية لا بالتصورات البشرية . أنَّ ذا القَدْر والجَاه في الدنيا إذا لم يكن ذا تقوى، فليس له قَدْر عند الله -تعالى-.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

105. لا يستُرُ عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا سَتره الله يوم القيامة

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يَستُرُ عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا سَتَره الله يوم القيامة».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: المسلم إذا رأى من أخيه معصية وجب عليه أن يسترها عليه ولا يشيعها بين الناس، فإن ذلك من إشاعة الفاحشة، ومن فعل ذلك ابتغاء مرضات الله، فإن الله تعالى يجازيه يوم القيامة؛ بأن يستر عيوبه ولا يفضحه على رؤوس الأشهاد.

معاني المفردات: الستر : الإخفاء.

فوائد الحديث: أن جزاء من ستر عبدًا في الدنيا الستر يوم القيامة، فالجزاء موافق للعمل، ويكون ستر الله إما بمحو ذنبه فلا يسأله، أو يُسأل من غير أن يطلع عليه أحد ثم يعفو عنه. الجزاء من جنس العمل. الترغيب في ستر أخطاء الآخرين. المسلم مرآة للمسلم. الله سبحانه وتعالى حيي سِتِّيرٌ يحب الحياء وَالسِّتْرِ.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

106. لا يَمُوتَنَّ أحدُكم إلا وهو يُحسنُ الظَّن بالله -عز وجل-

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بثلاثة أيام، يقول: «لا يَمُوتَنَّ أحدُكم إلا وهو يُحسنُ الظَّنَّ بالله -عز وجل-».

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: الواجب على المسلم أن يعيش بين الخوف والرجاء، الخوف من غضب الله وسخطه، والرجاء لعفوه ورحمته، ولكنه عند الاحتضار يغلب جانب الرجاء ويزيد حسن ظنه بالله، ويرجو ويأمل رحمته وعفوه، حتى يكون ذلك مانعًا من القنوط من رحمة الله في تلك الساعة.

معاني المفردات: لا يموتن : أي: يحرص على أن يأتيه الموت وهو على هذه الحال. يحسن الظن : يعتقد أنه يرحمه ويعفو عنه.

فوائد الحديث: التحذير من اليأس والقنوط، والحث على الرجاء وخاصة عند الخاتمة. حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إرشاد أمته، وشدة رأفته بها في جميع أحواله؛ حتى في مرض موته ينصح أمته ويدلها على مسالك النجاة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

107. لم يبقَ من النُّبوَّةِ إلا المُبَشِّرَاتُ

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لم يبقَ من النُّبُوَّةِ إلا المُبَشِّرَاتُ» قالوا: وما المُبَشِّرَاتُ ؟ قال: «الرؤيا الصالحة».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يشير النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن الرؤيا الصالحة هي المبشرات، وهي من آثار النبوة الباقية بعد انقطاع الوحي، ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا الصالحة.

معاني المفردات: المبشرات : هي البشرى، وقد جاءت مفسرة في الحديث. الرؤيا : الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غُلِّبَت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح.

فوائد الحديث: أن من الرؤى ما هو حق يطلع بها الله المؤمن على ما سيكون من خير وشر. وذكر المبشرات خاصة خرج مخرج الأغلب أو اكتفاء بها عما يقابلها من المنذرات. ما يراه العبد في منامه؛ فإما أن يكون رؤيا، وإما أن يكون حلمًا، والأول هو المراد هنا، والثاني من الشيطان. الرؤيا لا يراها إلا المؤمن، وقد تُرى له، وهي في كل حال متعلقة به، وهي إكرام من الله لعبده، وهي قليلة في غيره. الرؤيا جزء من أجزاء النبوة، بمعنى أن أول نبوة النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى الرؤيا فتقع مثل فلق الصبح. لا وحي لأحد بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

108. لو كان لي مِثْلُ أحدٍ ذهبًا، لسرني أن لا تمر عليَّ ثلاث ليالٍ وعندي منه شيءٌ إلا شيء أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لو كان لي مِثْلُ أحدٍ ذهبًا، لسرني أن لا تمر عليَّ ثلاث ليالٍ وعندي منه شيءٌ إلا شيء أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ».

التمني.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: لو كنت أملك من المال مقدار جبل أحد من الذهب الخالص لأنفقته كله في سبيل الله، ولم أبق منه إلا الشيء الذي أحتاج إليه في قضاء الحقوق، وتسديد الديون التي عليّ.

معاني المفردات: أرصده : أعده أو أحفظه.

فوائد الحديث: الحث على الإنفاق في وجوه الخير وفي حال حياة الإنسان وصحته. وجوب وفاء الدين وأنه مقدم على صدقة التطوع. جواز استعمال "لو" عند تمني الخير. زهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح

التخريج: متفق عليه واللفظ للبخاري.

109. ليس الواصل بِالمُكَافِىءِ، ولكنَّ الواصل الذي إذا قَطعت رحِمه وصَلَها

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس الواصل بالمُكَافِئِ ، ولكنَّ الواصل الذي إذا قَطعت رحِمه وصَلَها».

راوي الحديث: عبد الله بن عَمْرِو بن العاص -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الواصل بالمكافىء" أي ليس الإنسان الكامل في صلة الرحم والإحسان إلى الأقارب هو الشخص الذي يقابل الإحسان بالإحسان، بل الواصل حقيقة الكامل في صلة الرحم هو الذي إذا قطعت رحمه وصلها، حتى لو أساؤوا إليه، ثم قابل الإساءة بالإحسان إليهم، فهذا هو الواصل حقا، فعلى الإنسان أن يصبر ويحتسب على أذية أقاربه وجيرانه وأصحابه وغيرهم، فلا يزال له من الله ظهير عليهم، وهو الرابح، وهم الخاسرون. وصلة الرحم تكون بالمال، والعون على الحاجة، ورفع الضرر، وطلاقة الوجه والدعاء لهم، والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وقد أكد الإسلام كثيراً على صلة الرحم، إلا أنه لا يعد من القطيعة من ترك صلة الرحم من باب الهجر الوقائي أو الردعي؛ كمن رأى المصلحة في ترك الصلة رجاء أن يعود رحمه إلى جادة الصواب، وترك المخالفات الدينية، أو خاف على نفسه وأهله أنه متى وصل رحمه وهم على تلك المخالفات الشرعية، لربما انتقلت العدوى إليه وإلى من تحت يده.

معاني المفردات: الواصل : كامل الصلة لأقاربه. المكافئ : الذي يكافئهم على صلتهم له. رحمه : قرابته. وصلها : برها وأحسن إليها.

فوائد الحديث: الحث على صلة الأرحام. وجوب إخلاص الأعمال لله ، ولو لم يأت منها خير عاجل في الدنيا، فهي خير دائم في الآخرة. الإساءة للمسلم لا تجعله يقطع الخير عن المسيء. صلة الرحم المعتبرة شرعًا أن تصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك ، وليست صلة المقابلة والمجازاة. في الحديث بيان : أن الصلة إذا كانت نظير مكافأة من الطرف الآخر لا تكون صلة كاملة، لأنها من باب تبادل المنافع، وهذا مما يستوي فيه الأقارب والأباعد. يستحب في معاملة الأقارب مقابلة الإساءة بالإحسان.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

110. ما اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ في سَبِيل الله فَتَمَسَّهُ النَّار

عن أبي عَبْس عبد الرحمن بن جبر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ في سَبِيل الله فَتَمَسَّهُ النَّار».

راوي الحديث: أبو عَبْس عبد الرحمن بن جبر -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: أن الذي يخرج في طريق ليقاتل في سبيل الله -تعالى- فاغْبَرَّت قَدَمَاه في طريقه كان ذلك سببا في وقَايته من النار، وفي لفظ للبخاري:"مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاه في سبيل الله حَرَّمَهُ الله على النَّار".

معاني المفردات: أغبرت : أصابها الغبار.

فوائد الحديث: البشارة للمجاهد بالنَّجَاة من النار. من عَلَقَ الغُبار في قدميه لم تَمَسه النار. فضيلة المشي على الأقدام في الطاعات وأنها من الأعمال الرابحة التي يستوجب العبد بها رفيع الدرجات.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

111. ما الدنيا في الآخرة إلا مِثْل ما يجعل أحدكم أُصْبُعَهُ في اليَمِّ، فلينظر بِمَ يَرْجع

عن المُسْتَوْرِد بن شَدَّاد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما الدنيا في الآخرة إلا مِثْل ما يجعل أحدكم أُصْبُعَهُ في اليَمِّ، فلينظر بِمَ يَرْجع!».

راوي الحديث: المُسْتَوْرِد بن شَدَّاد ـرضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى هذا الحديث: أنك إذا أردت أن تعرف حقيقة الدنيا بالنسبة للآخرة، فضع إصبعك في البحر، ثم ارفعها، ثم انظر بماذا ترجع؟! لا ترجع بشيء، مقارنة بالبحر، وهذا معنى الدنيا بالنسبة إلى الآخرة في قصر مدتها وفناء لذاتها ودوام الآخرة ودوام لذاتها ونعيمها إلا كنسبة الماء الذي يعلق بالأصبع إلى باقي البحر. وقال تعالى: (فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل). فجميع ما أوتيه الخلق من نعيم الدنيا وملاذها، يتمتع بها العبد وقتاً قصيراً، محشواً بالمنغصات، ممزوجاً بالمكدرات، ويتزين به الإنسان زماناً يسيرا للفخر والرياء، ثم يزول ذلك سريعا، ويعقب الحسرة والندامة: (وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون). فما عند الله من النعيم المقيم، والعيش الهني، والقصور والسرور خير وأبقى في صفته وكميته، وهو دائم أبدًا.

معاني المفردات: اليم : البحر. بما يرجع : بأي شيء يرجع.

فوائد الحديث: بيان حقيقة الدنيا أمام نعيم الآخرة، وأن نسبة نعيم الدنيا وزمانها إلى نعيم الآخرة ليس إلا مثل نسبة الماء اللاصق بإصبع أحدكم إذا غمسها في البحر. الدنيا لا تخدع عاقلاً وإنما تغر من كان جاهلاً، فمتاعها في الآخرة قليل. حسن تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه وذلك بضرب الأمثال المقربة للمقصود.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

112. ما من قَوْمٍ يَقُومُونَ من مجلس لا يَذْكُرُون الله تعالى فيه، إلا قاموا عن مثل جِيفَةِ حمار، وكان لهم حَسْرَةً

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله -تعالى- فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: أن من جلسوا في مجلس لم يذكروا الله -تعالى- فيه فحالهم كمثل حال الذي يجلس في مائدة ضيافتها جِيفَةُ حمار، التي هي غاية في النتانة والقذارة، ويقوم عن ذلك المجلس كمن يقوم عن هذه الجيفة، وهذا مثال للتفريط في ذكر الله، فيتندمون أشد الندم على ما فرطوا في أوقاتهم وأضاعوها فيما لا نفع فيه. فينبغي على المسلمين: أن يحرصوا كل الحرص على أن تكون مجالسهم طاعة وعبادة وأن يفروا من مجالس اللهو كما يفرون من النتانة والقذارة، فإن الإنسان مسؤول عن أوقاته، ومحاسب عليها، فإن كان خيرًا فخير وإن كان شرًا فشر.

معاني المفردات: قَوْمٌ : يطلق على الرجال خاصة، لكن هنا يشمل النساء. جِيفَةُ حمار : أي: جُثَّةُ حمار ميت مُنْتِنَة. حسرة : ندامة.

فوائد الحديث: التحذير من الغفلة عن ذكر الله والتنفير منها. بذكر الله تطيب المجالس وتطمئن القلوب. كل وقت لا يشغل بطاعته عاقبته الحسرة والندامة يوم القيامة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود.

113. إنَّ مما أخاف عليكم من بَعْدِي ما يُفْتَحُ عليكم من زَهرة الدنيا وزِيَنتها

عن أبي سعيد الخُدْرِي -رضي الله عنه- قال: جلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المِنْبَر، وجلسنا حوله، فقال: «إنَّ مما أخاف عليكم من بَعدي ما يُفتح عليكم من زهرة الدنيا وزِيَنتها».

العلم - المساجد.

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يخاف على أمته بعد موته مما سيفتح عليهم من زخارف الدنيا وزينتها. وهذا من كمال رحمته وشفقته -صلى الله عليه وسلم- بأمته أن بين لهم ما يخشاه عليهم من زخرفة الدنيا وزينتها، فيضلوا طريق الهدى والفلاح والنجاة إلى أن يفجأهم الموت، فلا اعتذار بعد ذلك.

معاني المفردات: بعدي : بعد موتي. زهرة الدنيا : حسنها وبهجتها وكثرة خيرها. الْمِنْبَر : مرقاة يرتقيها الخطيب أو الواعظ ليخاطب الجمع.

فوائد الحديث: التعلق بالدنيا يفسد الدين، ويشغل عن الآخرة. شفقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أمته وحرصه على نجاتهم ورحمته بهم. إخبار من النبي -صلى الله عليه وسلم- عن حال أمته، وما سيفتح عليها من زينة الحياة الدنيا وفتنتها.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

114. من أصابته فَاقَة فأنزلها بالناس لم تُسَدَّ فَاقَتُهُ، ومن أنْزَلها بالله، فَيُوشِكُ الله له بِرزق عاجل أو آجل

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أصابته فَاقَة فأنْزَلها بالناس لم تُسَدَّ فَاقَتُهُ، ومن أنْزَلها بالله، فَيُوشِكُ الله له بِرزق عاجل أو آجل».

الصدقات.

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أخبر ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أصابته فاقة" أي: حاجة شديدة، وأكثر استعمالها في الفقر وضيق المعيشة. "فأنزلها بالناس" أي: عرضها عليهم، وأظهرها بطريق الشكاية لهم، وطلب إزالة فاقته منهم. فالنتيجة: "لم تسد فاقته" أي: لم تقض حاجته، ولم تزل فاقته، وكلما تسد حاجة أصابته أخرى أشد منها وأما "من أنزلها بالله" بأن اعتمد على مولاه فإنه "يوشك الله" أن يُعجِّل "له برزق عاجل" قريب بأن يعطيه مالا ويجعله غنيا "أو آجل" في الآخرة.

معاني المفردات: فَاقَة : حاجة. أنْزَلها بالناس : طلب منهم رفعها عنه ؛ بإعانتهم، وركن إليهم. لم تُسَدَّ : لم تُقض. أنْزَلها بالله : سلَّمها لله وشكى حاله لخالقه وفوض أمره إليه. يُوشِكُ الله له برزق : أسرع في غِناه وعجله.

فوائد الحديث: الحث على سؤال الله -عز وجل-، والالتجاء إليه عند الشدائد وهموم الحاجات، فهو الذي يقضيها. الحض على الصبر على العيش الشديد وعدم الشكوى للناس. ترغيب الإنسان الذي ينزل به مكروه أن يكل كشفه إلى خالقه -سبحانه وتعالى-. تنفير العبد من الاعتماد على غير الله في تحقيق سؤله أو دفع كربه. من اعتمد على غير الله ضل، ومن اعتز بغير الله ذل، ومن فوض أمره إلى الله وصل.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي وأحمد.

115. مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرا، أو وضَع له، أظَلَّهُ الله يوم القيامة تحت ظِل عَرشه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرا، أو وضع له، أظَلَّهُ الله يوم القيامة تحت ظِل عرشه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أخبر أبو هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أنظر معسراً) أي أمهل مديوناً فقيراً، فالإنظار التأخير المرتقب نجازه. قوله: (أو وضع عنه) أي حط عنه من دينه، وفي رواية أبي نعيم (أو وهب له). فالجزاء: (أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه) أظله في ظل عرشه حقيقة أو أدخله الجنة؛ فوقاه الله من حر يوم القيامة. وهذا الجزاء يحصل: (يوم لا ظل إلا ظله) أي ظل الله، وإنما استحق المُنظِر ذلك لأنه آثر المديون على نفسه وأراحه فأراحه الله والجزاء من جنس العمل.

معاني المفردات: أَنْظَرَ مُعْسِراً : أمْهَل وأخر. وضَع له : حَطَّ عنه من أصل الدين شيئاً. أظَلَّهُ الله : حَماه الله من حَرِّ الشمس التي تدنو من رؤوس العِباد، حتى يُلجِمهم العَرق يوم القيامة. عرشه : العرش هو المخلوق العظيم الذي استوى عليه الرحمن ولا يقدر قدره إلا الله -عز وجل-.

فوائد الحديث: استحباب القَرض الحَسن ومعاملة المَدِين بلطف ولِين. إنظار المعسر أو الوضع عنه دينه كله أو بعضه من الخصال الموجبة للظلال تحت عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله. فضل الدائن المتسامح وما يناله من عظيم الأجر في الآخرة. فضل التيسير على عباد الله -تعالى-. جواز التعامل بالدَّين. صحة تَبرع الوكيل إذا كان بإذن الموكِّل.

المصدر : رياض الصالحين صحيح.

التخريج: رواه الترمذي والدارمي وأحمد.

116. من رآني في المنام فَسَيَرَانِي في اليقظة -أو كأنما رآني في الْيَقَظَةِ- لا يَتَمَثَّلُ الشيطان بي

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من رآني في المنام فَسَيَرَانِي في اليَقظة -أو كأنما رآني في الْيَقَظَةِ- لا يَتَمَثَّلُ الشيطان بي».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: اختلف العلماء في بيان معنى هذا الحديث، على عدة اتجاهات: الأول: أن المراد به: أهل عصره، ومعناه أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفقه الله تعالى للهجرة ورؤيته -صلى الله عليه وسلم- في اليقظة عيانًا. والثاني: أن الذي يظهر له في المنام هو النبي -صلى الله عليه وسلم- حقيقة، أي في عالم الروح، وأن رؤياه صادقة، بشرط أن يكون بصفته المعروفة -صلى الله عليه وسلم-. والثالث: أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة؛ رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته ونحو ذلك. قوله: "أو فكأنما رآني في اليقظة" هذه رواية مسلم فقد رواها على الشك: هل قال -صلى الله عليه وسلم-: "فسيراني في اليقظة" أو قال: "فكأنما رآني في اليقظة". ومعناه: أن من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام على صفته التي هو عليها فكأنما رآه في حال اليقظة، فهو كقوله -صلى الله عليه وسلم-، كما في الصحيحين: "من رآني في المنام، فقد رآني" وفي رواية في الصحيحين أيضًا: "من رآني في المنام فقد رأى الحق". قوله: "لا يتمثل الشيطان بي"، وفي لفظ آخر: "من رآني في النوم فقد رآني، إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي". والمعنى: أن الشيطان لا يمكنه أن يتمثل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- على هيئته الحقيقية، وإلا فقد يأتي الشيطان ويقول: إنه رسول الله ويكون على هيئة ليست هي هيئته -صلى الله عليه وسلم-، فهذا ليس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا رأى الإنسان شخصا ووقع في نفسه أنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فليبحث عن أوصاف هذا الذي رآه، هل تطابق أوصاف النبي -عليه الصلاة والسلام- أو لا ؟ فإن طابقت: فقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن لم تطابق فليس هو النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما هذه أوهام من الشيطان أوقع في نفس النائم أن هذا هو الرسول -صلى الله عليه وسلم- وليس هو الرسول، وقد روى أحمد والترمذي في الشمائل: عن يزيد الفارسي قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النوم، فقلت لابن عباس: إني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النوم، قال ابن عباس: فإن رسول الله كان يقول: "إن الشيطان لا يسِتطيع أن يتشبَّه بي، فمن رآني في النوم فقد رآني"، فهل تستطيع أن تنعت هذا الرجل الذي رأيتَ؟ قلت: نعم، فلما وصفه، قال: ابن عباس: لو رأيتَه في اليقظة ما استطعتَ أن تنعتَه فوق هذا" والمعنى: أنك لو رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في حال اليقظة لا يمكن أن تصفه بأكثر مما وصفت، وهذا معنى أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حقا.

معاني المفردات: لا يَتَمَثَّلُ بي : لا يَتَشَبَّه بي.

فوائد الحديث: من خصائصه -صلى الله عليه وسلم- أن الشيطان لا يَتَمَثَّل به. تمثل الشيطان في المنام بغيره -صلى الله عليه وسلم– وأن الله تعالى جعل له قدرة على ذلك. رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- أمارة على صحة الرؤيا وخروجها على سبيل الحق. المراد برؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- رؤيته على صفته المعروفة المذكورة في كتب الشمائل، ولذلك كان ابن سيرين -رحمه الله-: إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: صفْ لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها، قال: لم تره. بشارة لمن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرؤيا أنه يراه يوم القيامة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه. مسلم.

117. من سَرَّهُ أَن يُنَجِّيَه الله من كَرْبِ يوم القيامة، فَلْيُنَفِّسْ عن مُعْسِر أو يَضَعْ عنه

عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من سَرَّهُ أَن يُنَجِّيَه الله من كَرْبِ يوم القيامة، فَلْيُنَفِّسْ عن مُعْسِر أو يَضَعْ عنه».

راوي الحديث: أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث : "من سَرَّهُ" أي: أفرحه وأعجبه. "أَن يُنَجِّيَه الله من كَرْبِ يوم القيامة" أي يخلِّصُه من شَدائد ومِحَن يوم القيامة. "فَلْيُنَفِّسْ عن مُعْسِر" أي يؤخر مطالبته بالدَّين عند حلول أجله ويفسح له في الأجل إلى أن يَجد ما يقضي به الدَّيْن. "أو يَضَعْ عنه" أي: يسامحه بالدَّين الذي عليه، كله أو بعضه، قال -تعالى-: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

معاني المفردات: سَرَّهُ : أفرحه. يُنَجِّيَه : يُخلِّصه. كَرْبِ : غَمٌّ تَضِيقُ به النَفْس لشدته. فَلْيُنَفِّسْ : أي يَمُدُّ ويؤخر في المطالبة. المُعْسِر : المُفْتقِر ضَيق الحال. يَضَعْ عنه : يَحُطُّ عنه شيئاً من أصل الدين.

فوائد الحديث: فضل القَرض الحَسَن. استحباب إنظار المُعْسر إلى مَيْسرة. استحباب وضع الدَّين عن المُعْسر، كله أو بعضه. فضل إنظار المُعْسِر، والوَضْع عنه، إما كل الدَّين أو بعضُه. من نَفَّس عن مؤمن من كُرب الدنيا نَفَّس الله عليه من كُرَب يوم القيامة، والجزاء من جِنس العمل.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

118. من صَام رمضان إيِمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِر له ما تَقدَّم من ذَنْبِه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «من صَام رمضان إيِمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِر له ما تَقدَّم من ذَنْبِه».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: أن من صام شهر رمضان إيمانا بالله مصدقا بوعده محتسبا ثوابه قاصدا به وجه الله -تعالى-، لا رياء ولا سُمعة، غُفِر له ما تقدم من ذنبه.

معاني المفردات: إيِمَانًا : أي مُصدقا بما وَرَد فيه من الثواب. احْتِسَابا : مُحْتَسبًا في صيامه قاصدا به وجه الله -تعالى-.

فوائد الحديث: بيان فضل رمضان وعلو منزلته، وأنه شهر الصيام، فمن صامه غفرت خطاياه، وذنوبه ولو كانت كزبد البحر. جواز إطلاق قول رمضان من غير إضافة شهر.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

119. من صلى البَرْدَيْنِ دخل الجنة

عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من صلى البَرْدَيْنِ دخل الجنة».

راوي الحديث: أبو مُوسَى عبد اللَّه بن قيس الأشعري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى هذا الحديث: أن المحافظة على هاتين الصلاتين من أسباب دخول الجنة. والمراد بهما: صلاة الفجر والعصر، ويدل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث جرير: "صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" زاد في رواية لمسلم يعني: " العصر والفجر " ثم قرأ جرير: (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها). وسميتا: "بردين"؛ لأنهما تصليان في بردي النهار وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب شدة الحر. وقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على فضل هاتين الصلاتين، من ذلك ما رواه عمارة بن رُؤيبة عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يلج النار رجلٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب) رواه مسلم (634). ووجه تخصيصها بالذكر أن وقت الصبح يكون عند النوم ولذته، ووقت العصر يكون عند الاشتغال بتتمات أعمال النهار وتجارته، ففي صلاته لهما مع ذلك دليل على خلوص النفس من الكسل ومحبتها للعبادة، ويلزم من ذلك إتيانه بجميع الصلوات الأخر، وأنه إذا حافظ عليهما كان أشد محافظة على غيرهما، فالاقتصار عليهما لما ذكر لا لإفادة أن من اقتصر عليهما؛ بأن أتى بهما دون باقي الخمس يحصل له ذلك؛ لأنه خلاف النصوص. وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (من صلى البردين) المراد صلاهما على الوجه الذي أمر به، ذلك بأن يأتي بهما في الوقت، وإذا كان من أصحاب الجماعة كالرجال فليأت بهما مع الجماعة؛ لأن الجماعة واجبة، ولا يحل لرجل أن يدع صلاة الجماعة في المسجد وهو قادر عليها.

معاني المفردات: البَرْدَين : البردان الصبح والعصر، وسميا بذلك لأنهما يصليان في بردي النهار، وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب شدة الحر. الصلاة : التعبد لله -تعالى- بأقوال وأفعال معلومة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.

فوائد الحديث: فضل المحافظة على هاتين الصلاتين. إيماء إلى حسن خاتمة مصليهما بوفاته على الإسلام. عدم الاشتغال بالنوم وأعمال الدنيا عن أداء الفرائض.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

120. من قام ليلة القَدْر إيِمَانا واحْتِسَابًا غُفِر له ما تَقدم من ذَنْبِه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «من قام ليلة القَدْر إيمَانا واحْتِسَابًا غُفِر له ما تَقدم من ذَنْبِه».

تفاضل الأزمنة.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الحديث وارد في فضل قيام ليلة القدر والحث على ذلك ،فمن وافق قيامه ليلة القدر، مؤمنا بها وبما جاء في فضلها راجيًا بعمله ثواب الله تعالى، لا يقصد من ذلك رياء ولا سُمعة، ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص والاحتساب، فإنه يُغفر له جميع صغائر ذُنوبه، أما الكبائر فلا بد من إحداث توبة صادقة، إن كانت في حق الله تعالى، أما إن كانت متعلقة بحق آدمي، فالواجب أن يتوب إلى الله تعالى وأن يَبْرأ من حق صاحبها.

معاني المفردات: قام ليلة القَدْر : أحياها بالعبادة. إيِمَانا : تصديقًا بالله وبوعده. احْتِسَابًا : طلبًا للثواب والأجر من الله عز وجل. غفر له ما تقدم من ذنبه : أي غفرت الصغائر من ذنوبه أما الكبائر فتشترط لها التوبة بالإجماع.

فوائد الحديث: فضل ليلة القَدْر والحَث على قيامها. أن الأعمال الصالحة لا تزكو ولا تُقبل إلا مع الاحتساب وصدق النيات.

المصدر : رياض الصالحين صحيح

التخريج: متفق عليه.

121. من يُرِدِ الله به خيرا يُصِبْ مِنه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من يُرِدِ الله به خيرا يُصِبْ مِنه».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إذا أراد الله بعباده خيرًا ابتلاهم في أنفسهم وأموالهم وأولادهم؛ ليكون ذلك سببًا في تكفير ذنوبهم ورفعة في درجاتهم، وإذا تأمل العاقل عواقب البلاء وجد أن ذلك خيرٌ في الدنيا وفي الآخرة، وإنما الخيرية في الدنيا؛ لما فيه من اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع وإظهار الحاجة، وأما مآلًا فلما فيه من تكفير السيئات ورفع الدرجات. قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، ولكن هذا الحديث المطلق مقيد بالأحاديث الأخرى التي تدل على أن المراد: من يرد الله به خيراً فيصبر ويحتسب، فيصيب الله منه حتى يبلوه، أما إذا لم يصبر فإنه قد يصاب الإنسان ببلايا كثيرة وليس فيه خير، ولم يرد الله به خيراً، فالكفار يصابون بمصائب كثيرة، ومع هذا يبقون على كفرهم حتى يموتوا عليه، وهؤلاء بلا شك لم يرد بهم خيرًا.

معاني المفردات: يُصِبْ مِنه : يبتليه الله -تعالى- بالمصائب ليثيبه عليها.

فوائد الحديث: أن المؤمن معرَّض لأنواع من البلاء، سواء كان في الدين أو المال. البشارة العظيمة للمسلم؛ لأن كل مسلم لا يخلو عن كونه متأذياً. الابتلاء قد يكون أمارة حب الله لعبده، حتى يرفع درجته، ويعلي مرتبته، ويكفر خطيئته.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

122. إن الله تَجَاوزَ لِي عن أمتي الخطأَ والنِّسْيانَ وما اسْتُكْرِهُوا عليه

عن عبد الله ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «إن الله تَجَاوزَ لِي عن أمتي الخطأَ والنِّسْيانَ وما اسْتُكْرِهُوا عليه».

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: من رحمة الله -تعالى- بهذه الأمة أن عفا عن إثم الخطأ -وهو ما لم يتعمدوه من المعاصي- والنسيان للواجبات أو فعل المحرمات، لكن إذا تذكر الواجب لاحقًا أتى به، وكذلك ما استكرهوا عليه وأرغموا على فعله من المعاصي والجنايات، فقال -تعالى-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.

معاني المفردات: تجاوز : رفع. عن أمتي : أمة الإجابة، الذين آمنوا بالله وبنبيه -صلى الله عليه وسلم-. الخطأ : أن يقصد بفعله شيئا فيصادف غير ما قصد. والنسيان : ضد الذكر. استكرهوا عليه : حملوا عليه قهرا.

فوائد الحديث: رفع الإثم عن المخطىء والناسي والمستكره. سعة رحمة الله -عزّ وجل- ولطفه بعباده حيث رفع عنهم الإثم إذا صدرت منهم المعصية على هذه الوجوه الثلاثة، ولو شاء الله لعاقب من خالف أمره على كل حال. فضل الله على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-. من صفات الله التجاوز، وهو العفو وترك المؤاخذة.

المصدر : الأربعون النووية. صحيح لطرقه.

التخريج: رواه ابن ماجه.

123. توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما في بَيْتِي من شيء يأكُلُه ذُو كَبدٍ إلا شَطْرُ شعير في رَفٍّ لي، فأكَلتُ منه حتى طال عليَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: تُوُفِّيَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما في بيتي من شيء يَأكُلُهُ ذُو كَبدٍ إلا شَطْرُ شَعير في رَفٍّ لي، فأكَلتُ منه حتى طال عليَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تخبر عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توفي وما في بيتها إلا شطر شعير، ومعناه: شيء من شعير، كما فسره الترمذي، فظلت تأكل من الشعير الذي تركه -صلى الله عليه وسلم- زمنًا، فلما وزنته نفد، وهذا دليل على استمرار بركته -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الطعام القليل، مع عدم الكيل الدال على التوكل، فالكيل عند المبايعة مطلوب من أجل تعلق حق المتابعين، أما الكيل عند الإنفاق فغير مستحب.

معاني المفردات: ذُو كَبدٍ : شمل جميع الحيوان، وعبر بالكبد عن الحياة؛ لأنه من الأعضاء الرئيسية في الجسم. شَطْرُ شَعير : شيء من شعير، والشطر يطلق على النصف وما قاربه وليس مرادًا هنا. الرَّفُّ : خشبٌ يُرفع عن الأرض يوضع فيه ما يراد حفظه، أو شبه طاق في الحائط، والأخير أقرب إلى المراد. كِلْتُهُ : أخذت منه بالكيل والمقدار. فَنِيَ. : فرَغَ ونَفَد.

فوائد الحديث: إعراض النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الدنيا وقد دانت له الجزيرة العربية، ومع ذلك فلم يكن في بيت أحب الناس إليه إلا هذا الشيء اليسير من الشعير. استحباب الاقتصاد في النفقة. من رزقه الله شيئًا، أو أكرمه بكرامة، أو لطف به في أمر، فعليه أن يشكر الله -تعالى-. الكيل عند المبايعة مطلوب من أجل تعلق حق المتابعين، أما الكيل عند الإنفاق فغير مستحب؛ لأن الباعث عليه الشح، وقد فني الشعير بعد كيله؛ لأن كيله مناف للتسليم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

124. يتبع الميت ثلاثة: أهلُه ومالُه وعملُه، فيرجع اثنان ويَبقى واحد: يرجع أهلُه ومالُه، ويَبقى عمله

عن أنس -رضي الله عنه- مرفوعاً: «يَتْبَعُ الميتَ ثلاثةٌ: أهْلُه ومَالُه وعَمَلُه، فيرجع اثنان ويَبْقى واحد: يرجع أهْلُه ومَالُه، ويبقى عَمَلُه».

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: إذا مات الإنسان تبعه المشيعون له؛ فيتبعه أهله يشيعونه إلى قبره، ويتبعه ماله: أي عبيده وخدمه المماليك له، ويتبعه عمله معه، فيرجع اثنان، ويبقى معه عمله، فإن كان خيرًا فخير وإن كان شرًّا فشر.

معاني المفردات: يَتْبَعُ الميت : أي: يلحقه إلى قبره.

فوائد الحديث: الحث على فعل ما يبقى مع الإنسان، وهو العمل الصالح ليكون أنيسه في قبره، إذا رجع أهله وماله.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

125. يُسَلِّمُ الراكِبُ على الماشي، والماشي على القاعد، والقليلُ على الكثير

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « يُسَلِّمُ الراكِبُ على الماشي، والماشي على القاعد، والقليلُ على الكثير».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث: بيان من هو الأولى بالتسليم. الأول: يسلِّم الراكب على الماشي؛ لأن الراكب يكون مُتَعَلِّيَا، فالبدء من جهته دليل على تواضعه لأخيه المسلم في حال رفعته، فكان ذلك أجلب لمحبته ومودته. ثانيًا: يسلم الماشي على القاعد لتشبيهه بالداخل على أهل المنزل، وحكمة أخرى: أن القاعد قد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم: فسقطت البداءة عنه دفعا للمشقة. ثالثًا: تسليم القليل على الكثير تعبيرا عن الاحترام والإكرام لهذه الجماعة. رابعًا: الصغير يسلم على الكبير؛ لأن الكبير له حق على الصغير. ولكن لو قُدِّر أن القليلين في غفلة ولم يسلموا، فليسلم الكثيرون ولو قُدِّر أن الصغير في غفلة، فليسلم الكبير ولا تترك السنة. وهذا الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس معناه: أنه لو سلم الكبير على الصغير كان حرامًا ولكن المعنى الأولى: أن الصغير يسلم على الكبير، فإنه لولم يسلم فليسلم الكبير، حتى إذا بادرت بالسلام لما تقدم في حديث أبي أمامة: "إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام". وهكذا لو حصل التلاقي، فإن أولاهم بالله من بدأ بالسلام، وفي الحديث الآخر: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".

معاني المفردات:

فوائد الحديث: تعليم آداب التسليم وإعطاء كل ذي حق حقه. استحباب التسليم على ما جاء به الحديث.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

126. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يَنَام أول اللَّيل، ويقوم آخره فَيُصلِّي

عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يَنَام أول اللَّيل، ويقوم آخره فَيُصلِّي.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تُخبر عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينام أول الليل، وذلك بعد صلاة العشاء، ويقوم آخره، وهو: الثلث الثاني من الليل، فإذا فَرَغ من صلاته، رجع إلى فراشه ليَنَام، وذلك في السُدس الأخير من الليل؛ ليستريح بَدَنه من عَنَاء قيام الليل، وفيه من المصلحة أيضاً استقبال صلاة الصبح، وأذكار النهار بنشاط وإقبال، ولأنه أقرب إلى عدم الرياء؛ لأن من نام السدس الأخير أصبح ظاهر اللون سليم القوى، فهو أقرب إلى أن يخفي عمله الماضي عمن يراه. ولهذا جاء أن الأذان الأول؛ ليوقظ النائم ويرجع القائم، فالقائم يرجع إلى النوم؛ ليَكتَسِب بدنه قوة ونشاطاً، وأما النائم، فيستيقظ حتى يَستعد للصلاة، وحتى يصلي وتره إذا لم يوتر أول الليل.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: كراهية قيام الليل كله، وأن الأفضل أن ينام جزءاً من الليل، ويقوم جزءا منه؛ دفعًا للملل والكسل. الأفضل أن يكون القيام في الجزء الأخير من الليل؛ ليكون أنشط في العبادة. آخر الليل أرْجَى في إجابة الدعاء. بيان الوقت الذي كان يقوم فيه -صلى الله عليه وسلم- من الليل.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

127. يا رسولَ اللهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فإلى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قال: إلى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسولَ اللهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فإلى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قال: «إلى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: سألت عائشة -رضي الله عنها- النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن لي جارين وقد أمرت بإكرام الجار مطلقًا؛ ولا أقدر على الإهداء إليهما معًا، فإلى أيهما أهدي ليحصل لي الدخول في جملة القائمين بإكرام الجار؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إلى أقربهما منك بابًا".

معاني المفردات: أقربهما منك باباً : أي: الجار القريب.

فوائد الحديث: استحباب تقديم الجار الأقرب فالأقرب إذا لم يقدر على الإحسان إلى الجميع. ينبغي مراعاة شعور الجار الأقرب؛ لأنه يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها بخلاف الأبعد، وكذلك هو الأسرع إجابة لما يقع لجاره. القرب المعتبر هو قرب الأبواب. يؤخذ من الحديث تقديم العلم على العمل، ولذلك سألت عائشة -رضي الله عنها- عن حكم المسألة قبل المباشرة في الفعل.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

128. دَعُونِي ما تَرَكْتُكُم، إنما أَهْلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُم كَثْرَةُ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فإذا نَهَيْتُكُم عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «دَعُونيِ ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم كثرة سُؤَالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نَهَيتُكم عن شيء فاجتَنِبُوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»

التفسير: تفسير قوله -تعالى-: (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم).

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كان الصحابة -رضي الله عنهم- يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أشياء قد لا تكون حراماً فتحرم من أجل مسألتهم، أو قد لا تكون واجبة، فتجب من أجل مسألتهم، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتركوا ما تركه ما دام لم يأمرهم ولم ينههم، ثم علل ذلك بأن من قبلنا أكثروا المسائل على الأنبياء، فشُدِّدَ عليهم كما شددوا على أنفسهم، ثم خالفوا أنبياءهم. ثم أمرنا بأن نجتنب أي شيء ينهانا عنه، وما أمرنا بفعله فإننا نأتي منه ما استطعنا، وما لا نستطيعه يسقط عنا.

معاني المفردات: دعوني : اتركوني من كثرة السؤال عن تفاصيل الأمور. استطعتم : قدرتم وأطقتم.

فوائد الحديث: ينبغي الانشغال بالأهم المحتاج إليه عاجلاً وترك ما لا يحتاج إليه حرمة السؤال الذي ربما أوصل إلى تعقيد المسائل، وفتح باب الشبهات المفضية إلى كثرة الاختلاف. وجوب ترك كل منهي عنه إذا كان النهي جازما؛ لأنه لا مشقة في تركه، ولذلك كان النهي عنه عاما. فعل المأمور به قد يلزم منه مشقة؛ ولذا كان الأمر به على قدر الاستطاعة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

129. الدين النصيحة

عن أبي رقية تميم بن أوس الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم».

العقيدة.

راوي الحديث: أبو رقية تميم بن أوس الداري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: جاء الدين الحنيف بإخلاص النصيحة وبذلها، وبأن نؤمن ونعترف بوحدانية الله -عز وجل-، وننزهه عن النقائص ونصفه بصفات الكمال، وأن القرآن كلامه منزل غير مخلوق، نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه، ونصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما جاء به ونمتثل أمره ونجتنب ما نهى عنه، وننصح لأئمة المسلمين بمعاونتهم على الحق وإرشادهم إلى ما جهلوه ونذكرهم ما نسوه أو غفلوا عنه، ونرشد عامة المسلمين إلى الحق، ونكف عنهم الأذى منا ومن غيرنا على حسب الاستطاعة، ونأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، والجامع للنصح لهم: أن نحب لهم ما يحب كل منا لنفسه.

معاني المفردات: الدين : دين الإسلام، أي عماد الدين وقوامه النصيحة. النصيحة : تصفية النفس من الغش للمنصوح له وبذل التوجيه المفيد له. لله : بالإيمان به ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، وتنزيهه عن جميع النقائص، والرغبة في محابه بفعل طاعته، والرهبة من مساخطه بترك معصيته، والاجتهاد في رد العصاة إليه. ولكتابه : بالإيمان بأنه كلامه وتنزيله، وتلاوته حق تلاوته وتعظيمه، والعمل بما فيه والدعاء إليه. ولرسوله : بتصديق رسالته، والإيمان بجميع ما جاء به وطاعته، وإحياء سنته بتعلمها وتعليمها، والاقتداء به في أقواله وأفعاله، ومحبته ومحبة أتباعه. ولأئمة المسلمين : الولاة بإعانتهم على ما حملوا القيام به وطاعتهم في الحق وجمع الكلمة عليهم، وأمرهم بالحق ورد القلوب النافرة إليهم، وتبليغهم حاجات المسلمين، والجهاد معهم والصلاة خلفهم، وأداء الزكاة إليهم وترك الخروج عليهم بالسيف إذا ظهر منهم حيف، والدعاء لهم بالصلاح، وأما أئمة العلم فالنصيحة لهم بث علومهم ونشر مناقبهم، وتحسين الظن بهم. وعامتهم : بالشفقة عليهم، وإرشادهم إلى مصالحهم، والسعي فيما يعود نفعه عليهم، وكف الأذى عنهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه.

فوائد الحديث: الأمر بالنصيحة. عظم منزلة النصيحة من الدين، لذا سميت دينا. أن الدين يشمل الأقوال والأعمال. للعالم أن يكل فهم ما يلقيه إلى السامع، ولا يزيد له في البيان حتى يسأله السامع لتتشوق نفسه حينئذ إليه، فيكون أوقع في نفسه مما إذا أخبره به مباشرة. حسن تعليم الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث يذكر الشيء مجملاً ثم يفصّله. حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على العلم، وأنهم لم يدعوا شيئاً يحتاجون إلى بيانه إلا وسألوا عنه. البداءة بالأهم فالأهم، حيث بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنصيحة لله، ثم للكتاب، ثم للرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم لأئمة المسلمين، ثم عامتهم. تأكيد الكلام بالتكرار للاهتمام والإفهام، كما جاء في رواية الإمام أحمد: "الدين النصيحة" ثلاثاً. شمول النصيحة للجميع.

المصدر : الأربعون النووية. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

130. الرَّضاعة تحرم ما تحرم الولادة

عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الرَّضاعة تحرم ما تحرم الولادة».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: المحرمات من النساء بسبب النسب كالأم والأخت يحرم مثلهن بسبب الرضاعة كالأم المرضعة والأخت من الرضاعة؛ لذا جاء في حديث آخر: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، سواء من قبل الزوجة أو من قبل الزوج، فكل ما يحرم على الإنسان من قراباته من النسب بأن يتزوجها كأخته وخالته وعمته، فحرام عليه أن يتزوج بهؤلاء إذا كانت قرابتهن بالرضاع، وكذلك الزوجة يحرم عليها أن تتزوج بولدها وأخيها وعمها وخالها، فكذلك حرام عليها أن تتزوج بهؤلاء إذا كانوا من الرضاع. ونوع التحريم هو تحريم النكاح وانتشار الحرمة بين الرضيع والأولاد المرضعة، وتنزيلهم منزلة الأقارب في حل نظر وخلوة وسفر، لا في باقي الأحكام، كتوارث ووجوب الإنفاق ونحو ذلك، ثم التحريم المذكور بالنظر إلى المرضع فإن أقاربه أقارب للرضيع وأما أقارب الرضيع ما عدا أولاده فلا علاقة بينهم وبين المرضع، فلا يثبت لهم شيء من الأحكام.

معاني المفردات: الرضاعة : بفتح الراء، الإرضاع. ما تحرم الولادة : مثل ما تحرمه.

فوائد الحديث: الرضاع كالنسب في التحريم، وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم التناكح وتوابعه، كما في المعنى الإجمالي. إثبات حكم التحريم بالرضاع تحريماً مؤبداً. الأصل في سبب التحريم الولادة. إجمال المحرمات في النكاح من النسب والرضاع، وتفصيل المحرمات في آيتي النساء، قال -تعالى-: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) (22) (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) (23). دلت الأحاديث الأخرى أن التحريم يثبت بخمس رضعات مشبعات معلومات.

المصدر : تتمة الأربعين النووية لابن رجب. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

131. إن الله كتب الإحسانَ على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتلةَ وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة، وليحد أحدُكم شَفْرَتَه ولْيُرِحْ ذبيحتَهُ

عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- مرفوعًا:« إن الله كتب الإحسانَ على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتلةَ وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة، وليحد أحدُكم شَفْرَتَه ولْيُرِحْ ذبيحتَهُ».

راوي الحديث: شداد بن أوس -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: المسلم مطالب بإحسان نيته وسريرته، ومطالب بإحسان طاعته وعبادته، ومطالب بإحسان عمله وصنعته، ومطالب بالإحسان إلى الناس والحيوان؛ بل وإلى الجماد أيضا. ولا شك أن ذابح الحيوان سيؤلمه بالذبح، ولا بد من ذبحه للانتفاع به، إذا فالمقصود من ذلك هو تربية الرحمة والرأفة والشفقة والرفق في نفس المؤمن حتى لا يغفل عن تلك المعاني ولو كان ذابحا أو قاتلا بحق، وهو تنبيه على أن الإحسان إذا طلب في القتل والذبح فطلبه في غيره من الأعمال آكد وأشد، ومن الإحسان تحديد السكين وإراحة الحيوان.

معاني المفردات: كتب : أوجب. على كل شيء : "على" هنا بمعنى "في" أو "إلى". فإذا قتلتم : قصاصًا أو حدًا. فأحسنوا القِتلة : بأن تختاروا أسهل الطرق وأخفها وأسرعها زهوقا، القتلة بكسر القاف. وإذا ذبحتم : ما يحل ذبحه من البهائم. فأحسنوا الذِّبحة : بأن ترفقوا بالبهيمة وبإحداد الآلة، وتوجيهها القبلة والتسمية، ونية التقرب بذبحها إلى الله. وليُحِدَّ : بضم الياء، من حد السكين، وبفتحها من حد. الشفرة : السكينة العريضة. لِيُرِحْ : بإحداد السكين وتعجيل إمرارها وغير ذلك. ذبيحته : مذبوحته.

فوائد الحديث: الأمر بالإحسان وهو في كل شيء بحسبه، فالإحسان في الإتيان بالواجبات الظاهرة والباطنة: الإتيان بها على وجه كمال واجباتها، فهذا القدر من الإحسان فيها واجب، وأما الإحسان بإكمال مستحباتها فمستحب.والإحسان في ترك المحرمات: الانتهاء عنها وترك ظاهرها وباطنها، وهذا القدر منه واجب، والإحسان في الصبر على المقدورات، الصبر عليها من غير تسخط، ولا جزع، والإحسان الواجب في معاملة الخلق ومعاشرتهم: القيام بما أوجب الله من حقوقهم. والإحسان الواجب في ولاية الخلق: القيام فيهم بواجبات الولاية المشروعة، والإحسان في قتل ما يجوز قتله من الدواب: إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها وأرجاها، من غير زيادة في التعذيب، فإنه إيلام لا حاجة إليه. رأفة الله -عزّ وجل- بالعباد، وأنه كتب الإحسان على كل شيء. الله -عزّ وجل- له الأمر وإليه الحكم، لقوله: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ" وكتابة الله -تعالى- نوعان: كتابة قدرية، وكتابة شرعية. الإحسان شامل في كل شيء، كل شيء يمكن فيه الإحسان لقوله: "إِنَّ الله كَتَبَ الإِحسَانَ عَلَى كِلِّ شَيء". حسن تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- بضرب الأمثال؛ لأن الأمثلة تقرّب المعاني في قوله: إِذَا قَتَلتُمْ.. إِذَا ذَبَحْتُمْ. وجوب إحسان القِتلة؛ لأن هذا وصف للهيئة لا للفعل. إحسان الذبحة، بأن نذبحها على الوجه المشروع. تحريم تعذيب الحيوان كاتخاذه غرضاً وتجويعه وحبسه بلا طعام ولا شراب. كمال هذه الشريعة واشتمالها على كل خير، ومن ذلك رحمة الحيوان والرفق بالحيوان.

المصدر : الأربعين النووية. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

132. من صام يومًا في سبيل الله بَعَّدَ الله وجهه عن النار سبعين خريفًا

عن أبي سعيد الخُدْرِي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من صام يومًا في سبيل الله بَعَّدَ الله وجهه عن النَّار سَبْعِين خريفا».

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من صام يوما واحدا في سبيل الله كان جزاؤه أن يُبَعِّد الله تعالى وجهه عن النار سبعين عاماً؛ لأنه جمع بين مشقة الجهاد والمرابطة ومشقة الصيام، وإبعاده عن النار، يقتضي تقريبه من الجنة، إذ ليس هناك إلا طريق للجنة وطريق للسعير.

معاني المفردات: في سبيل الله : في الجهاد في سبيل الله -تعالى-. بَعَّدَ الله وجهه : جعل الله وجهه بعيدا، ومتى بعد وجهه بعد جميع البدن، وخص الوجه بالذكر لشرفه. سبعين : مسافة سبعين. خَريفا : أي: سنة، والخريف هو: الفصل الثالث من فصول السنة.

فوائد الحديث: استحباب الصوم حال الجهاد، إلا أن يضعفه فالمستحب له تركه. أجر الصيام في حال الجهاد أن يباعد الله بينه وبين النار سبعين عاما.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

133. لا يزال الناس بخير ما عَجَّلُوا الفطر

عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يزال الناس بخير ما عَجَّلُوا الفطر».

راوي الحديث: سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن الناس لا يزالون بخير، ما عجلوا الفطر؛ لأنهم ـ بذلك يحافظون على السنة. فإذا خالفوا وأخروا الفطر، فهو دليل على زوال الخير عنهم ؛ لأنهم تركوا تمسكهم بالسنة التي ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها أمته وأمرهم بالمحافظة عليها .

معاني المفردات: لا يزال الناس بخير : أي: في خير، الخيرية هنا متعلقة بتعجيل الفطر. أي: ما داموا متصفين بتعجيل الفطر. ما عَجَّلُوا الفطر : أي: بادروا بالإفطار عند تحقق غروب الشمس.

فوائد الحديث: استحباب تعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس برؤية، أو خبر ثقة. أن تعجيل الفطر دليل على بقاء الخير عند من عجله، وزوال الخير عمن أجله. الخير المشار إليه في الحديث هو اتباع السنة، مع أنه من محبوبات النفوس. أن الخير كل الخير في التقيد بالأوامر الشرعية . مخالفة لأهل الكتاب، فإنهم يؤخرون الإفطار. تأخير الإفطار عمل به الشيعة، الذين هم إحدى الفرق الضالة، وليس لهم قدوة في ذلك إلا اليهود، الذين لا يفطرون إلا عند ظهور النجم. تيسير الله على عباده؛ لأن تعجيل الإفطار من التيسير عليهم.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

134. لا يَصُومَنَّ أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يَصوم يومًا قبله أو بعده

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يَصُومَنَّ أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصومَ يومًا قبله أو بعده».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم الجمعة، إلا أن يُقرن به صوم يومٍ قبله أو بعده، أو يكون ضمن صوم معتاد.

معاني المفردات: يومًا قبله : أي: مواليًا له، من غير فصل. يومًا بعده : أي: مواليًا له، من غير فصل. الصيام : الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

فوائد الحديث: النهي عن صوم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده. حكمة التشريع الإسلامي ، حيث فُرق بين صوم يومي العيدين ويوم الجمعة.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح

التخريج: متفق عليه.

135. تَسَحَّرْنَا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قام إلى الصلاة. قال أنس: قلت لزيد: كم كان بين الأذان وَالسَّحُورِ ؟ قال: قَدْرُ خمسين آية

عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت -رضي الله عنهما- قال: «تَسَحَّرْنَا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قام إلى الصلاة. قال أنس: قلت لزيد: كم كان بين الأذان وَالسَّحُورِ؟ قال: قدر خمسين آية».

راوي الحديث: زيد بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر زيد بن ثابت -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- لما تسحر قام إلى صلاة الصبح، فسأل أنس زيدًا: كم كان بين الإقامة والسحور؟ قال: "قدر خمسين آية" أي مدة قراءة خمسين آية، والظاهر أن هذا التقدير يكون من الآيات الوسط التي هي بين الطويلة جدًّا كما في آخر سورة البقرة وأول سورة المائدة والقصيرة جدًّا كما في سورة الشعراء والصافات والواقعة وما أشبه ذلك.

معاني المفردات: تَسَحَّرْنَا : أَكلْنَا وفي وقت السحر قبيل الفجر. إلى الصلاة : أي: صلاة الفجر. كم كان بين الأذان والسَّحُور : أي: المدة التي يمكن أن تكون بينهما. الأذان : الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة. قدر خمسين : قدر قراءة خمسين آية قراءة متوسطة. آية : طائفة مستقلة من القرآن ، والمراد: آية متوسطة الطول.

فوائد الحديث: استحباب بالسحور . أفضلية تأخير السحور إلى قبيل الفجر؛ لأنه إذا أخر كانت منفعة البدن منه أعظم وكان نفعه له في اليوم أكثر. أن التأخير يحصل به إقامة صلاة الفجر. فيه تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة. كرم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتواضعه. حرص الصحابة بالاجتماع بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ليتعلموا منه. فيه الاجتماع على السحور. فيه رفق النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمته ؛ لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم . فيه جواز المشي بالليل للحاجة؛ لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-. المبادرة بصلاة الصباح، حيث قربت من وقت الإمساك. أن وقت الإمساك هو طلوع الفجر، كما قال الله -تعالى-: (كُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يَتَبَيَّنَ لكُمُ الخَيْطٌ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ). مخالفة أهل الكتاب في أكلة السحر.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

136. تَسَحَّرُوا؛ فإن في السَّحُورِ بَركة

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «تَسَحَّرُوا؛ فإن في السَّحُورِ بَركة».

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتَّسَحُّرِ، الذي هو الأكل والشرب وقت السحر، استعدادًا للصيام، ويذكر الحكمة الإلهية فيه، وهى حلول البركة، والبركة تشمل منافع الدنيا والآخرة. فمن بركة السَّحُورِ، ما يحصل به من الإعانة على طاعة الله -تعالى- في النهار. ومن بركة السَّحُورِ أن الصائم إذا تسحر لا يمل إعادة الصيام، خلافا لمن لم يتسحر، فإنه يجد حرجا ومشقة يثقلان عليه العودة إليه. ومن بركة السَّحُورِ، الثواب الحاصل من متابعة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ومخالفة أهل الكتاب. ومن بركته إذا قام للسحور ربما صلى وربما تصدق على بعض المحاويج الذين يعلمهم، بل وربما قرأ شيئاً من القرآن. ومن بركة السَّحُورِ، أنه عبادة، إذا نوي به الاستعانة على طاعة الله -تعالى-، والمتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولله في شرعه حكم وأسرار. ومن أعظم الفوائد فيه الاستيقاظ لصلاة الفجر ولهذا أمر بتأخير السَّحُورِ حتى لا ينام بعده فتفوت عليه صلاة الفجر بخلاف من لم يتسحر، وهذا مشاهد، فإن عدد المصلين في صلاة الصبح مع الجماعة في رمضان أكثر من غيره من أجل السَّحُورِ.

معاني المفردات: السَّحُورِ : بفتح السين: ما يؤكل ويشرب في آخر الليل، وبضمها: الفعل، والبركة مضافة إلى كلٍّ من الفعل وما يتسحر به جميعاً. بَركة : خيرًا كثيرًا ثابتًا، والبركة قد تكون حسية وقد تكون معنوية ولعلها هنا شاملة للجميع.

فوائد الحديث: استحباب السَّحُورِ وامتثال الأمر الشرعي بفعله. أن في السَّحُورِ بركة دينة، ودنيوية. أن السَّحُورِ لا يختص بنوع من الطعام. كمال الشريعة الإسلامية في مراعاة العدل. حسن تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث يقرن الحكم بالحكمة؛ لينشرح به الصدر ويعرف به سمو الشريعة.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

137. أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصيام في السفر فقال: إن شئتَ فصُم، وإن شئت فَأَفْطِرْ

عن عائشة -رضي الله عنها- : "أن حَمْزَةَ بن عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أصوم في السفر؟ - وكان كثير الصيام- فقال: "إن شئتَ فصُم، وإن شئت فَأَفْطِرْ".

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: أخبرت عائشة -رضي الله عنها- أن حَمْزَةَ بن عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ -رضي الله عنه- سأل النبي -صلى لله عليه وسلم- عن الصوم في السفر؟ فخيره النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الصيام والفطر، فقال: "إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر". ومراده بالصوم هنا: صوم الفريضة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "هي رُخْصَةٌ من الله". وهذا يشعر ؛ بأنه سأل عن صيام الفريضة، ويدل لذلك ما أخرجه أبو داود ، قال رضي الله عنه : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي صَاحِبُ ظَهْرٍ أُعَالِجُهُ أُسَافِرُ عَلَيْهِ وَأَكْرِيهِ وَإِنَّهُ رُبَّمَا صَادَفَنِي هَذَا الشَّهْرُ يَعْنِي رَمَضَانَ وَأَنَا أَجِدُ الْقُوَّةَ.." الحديث. ويحتمل أنه سؤال عن الصوم مطلقًا الواجب والنفل؛ لقولها: (وكان كثير الصيام). ومن هذا يتبين، أن الفطر في السفر رخصة من الله ، فمن أخذ بالرخصة أصاب ومن صام جاز له ذلك، واعتبر صيامه مؤدياً للواجب عليه.

معاني المفردات: أصوم : حذفت همزة الاستفهام ، فالصحابي يستفهم من النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الصوم الواجب في السفر. أصوم في السفر : المراد به: صوم رمضان. والصوم : إمساك عن المفطرات حقيقة أو حكما في وقت مخصوص من شخص مخصوص مع النية.

فوائد الحديث: التخيير بين الصيام والفطر، لمن عنده قوة على الصيام. صحة صوم رمضان في السفر. يسر الشريعة الإسلامية. إثبات المشيئة للعبد. الرخصة في الفطر في السفر؛ لأنه مظنة المشقة. حرص الصحابة رضي الله عنهم على أخذ العلم ليعملوا به.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

138. لا تَقَدَّمُوا رمضان بصوم يوم، أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صومًا فَلْيَصُمْهُ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَقَدَّمُوا رمضان بصوم يوم، أو يومين إلا رجلًا كان يصوم صومًا فَلْيَصُمْهُ».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث يخبر أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن التقدم في صيام رمضان بصوم يوم أو يومين قبله متصلا به إلا أن يكون له عادة بصوم يوم معين كيوم الاثنين مثلا، فيصادف ذلك قبل رمضان بيوم أو يومين، فلا بأس بذلك حينئذ؛ لزوال المحذور؛ وهو إدخال ما ليس من العبادة فيها.

معاني المفردات: لا تَقَدَّمُوا : لا تسبقوا. رمضان : أي شهر رمضان ، وهو : ما بين شعبان وشوال. سمي بذلك ؛ لشدة الرمضاء فيه . بيوم أو يومين : أي : بصوم يوم ولا يومين ، وهو كذلك في صحيح مسلم. الصيام : الإمساك بنية عن المفطرات في نهار الصيام. كان يصوم : أي كان من عادته أن يصوم. صومًا : أي :صوما معينا : كصوم يوم الاثنين والخميس مثلا. فَلْيَصُمْهُ : أي : فليصم ذلك الصوم المعين ، وإن صادف ما قبل رمضان بيوم أو يومين.

فوائد الحديث: النهي عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين. جواز سبقه بثلاثة أيام فأكثر. الرُّخْصَة في ذلك لمن صادف قبل رمضان له عادة صيام، كيوم الخميس والاثنين. مراعاة الشارع للتقيد بالحدود الشرعية وعدم تعديلها. من حكمة ذلك -والله أعلم- تمييز فرائض العبادات من نوافلها، والاستعداد لرمضان بنشاط ورغبة، وليكون الصيام شعار ذلك الشهر الفاضل المميز به. جواز قول: رمضان بدون إضافة الشهر إليه.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

139. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يُدْرِكُهُ الفجر وهو جُنٌبٌ من أهله، ثم يغتسل ويصوم

عن عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يُدْرِكُهُ الفجر وهو جُنٌبٌ من أهله، ثم يغتسل ويصوم ».

راوي الحديث: أم سلمة -رضي الله عنها- عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تخبر عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجامع في الليل، وربما أدركه الفجر وهو جنب لم يغتسل، ويتم صومه ولا يقضي، وكان إخبارهما بذلك جوابا لمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ حين بعث إليهما؛ ليسألهما عن ذلك. وهذا الحكم في رمضان وغيره.

معاني المفردات: كان يُدركه الفَجر : يعني يطلع عليه الفجر، وهو جنب من جماع أهله. الفجر : بياض الصبح. وهو جُنٌبٌ : أي: ذو جنابة، والجنابة: كل ما أوجب الغسل بجماع أو إنزال بغير جماع. من أهله : من جماع أهله، والمراد بالأهل: الزوجات. ثم يغتسل : يعمم الماء الطهور على جميع البدن. يصوم : الصوم: هو الإمساك عن المفطر على وجه مخصوص.

فوائد الحديث: صحة صوم من أصبح جُنُبًا، من جماع في الليل. يقاس على الجماع الاحتلام بطريق الأولى؛ لأن الاحتلام بغير اختياره. التصريح بأن الجنابة من جماع الأهل رفعت شك حصول الاحتلام؛ لِتَنَزُّه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم عن تلاعب الشيطان الذي هو سبب الاحتلام. فيه دليلٌ على جواز تأخير الغسل إلى بعد طلوع الفجر، ويقاس على ذلك الحائض والنفساء إذا انقطع دمها ليلاً ثم طلع الفجر قبل اغتسالها صحَّ صومها. عدم وجوب المبادرة بالاغتسال من الجنابة. فيه جواز الجماع في ليالي رمضان، ولو كان قبيل طلوع الفجر. فضل نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وإحسانهن إلى الأمة، فقد نقلن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من العلم الشيء الكثير النافع، لا سيما الأحكام الشرعية المنزلية التي لا يطلع عليها غيرهن، فرضي الله عنهن وأرضاهن. الرجوع في العلم إلى من هو أقرب إحاطة به فإن إخبارهما بذلك (عائشة وأم سلمة -رضي الله عنها- ) كان جوابا لمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ حين بعث إليهما؛ ليسألهما عن ذلك. جواز التصريح بما يستحيا منه للمصلحة. فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

140. نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يومين: الفطر والنحر، وعن اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وأن يَحْتَبِيَ الرَّجُل في الثوب الواحد، وعن الصلاة بعد الصبح والعصر

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يومين: الفطر والنحر، وعن اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وأن يَحْتَبِيَ الرجل في الثوب الواحد، وعن الصلاة بعد الصبح والعصر».

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث، عن صيام يومين، وعن لبستين، وعن صلاتين. فأما اليومان المحرم صومهما، فيوم الفطر، ويوم النحر، وحكمة تحريم الصيام فيهما أنه لا يناسب الصوم في يوم الأكل والسرور. وأما اللبستان، فاشتمال الصَّمَّاءِ، والِاحْتِبَاء بثوب واحد، وهو أن يقعد الرجل على إليتيه وينصب ساقيه ويشدهما بيديه أو بثوب واحد، وأما اشتمال الصماء فهو أن يرتدي الرجل ثوبًا ليس له منافذ، وقد قُيد في رواية البخاري: " إذا لم يكن على فرجه منه شيء". وأما الصلاتان، فالصلاة بعد صلاة الصبح، والصلاة بعد صلاة العصر؛ لسد الذريعة عن التشبه بالكفار الذين يسجدون للشمس عند طلوعها وعند غروبها، ولكن يجوز أن يصلي فيهما الفريضة إذا لم يصلها وكذلك ذوات الأسباب.

معاني المفردات: الفطر والنحر : أي: يومي عيد الفطر والنحر. الثوب الواحد : أي: الذي ليس عليه غيره. الاحْتِبَاء : هو أن يقعد الرجل على إليتيه وينصب ساقيه ويشدهما بيديه أو بثوب واحد. الصَّمَّاء : هو أن يرتدي الرجل ثوبًا ليس له منافذ.

فوائد الحديث: النهي عن هذه الأشياء الأربعة التي جاء بها الحديث. النهي عن صيام العيدين، وعن الصلاة بعد الصبح والعصر، من باب التحريم. النهي عن اللبستين، للكراهة، ما لم تنكشف معه العورة فيحرم. النهي عن التطوع بالصلاة بعد صلاتي الظهر والعصر، مالم تكن من ذوات الأسباب، كتحية المسجد ونحوها. مراعاة الشارع مصالح العباد في كل شيء. الحكمة في التشريع الإسلامي. حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على البعد عن مشابهة الكفار.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

141. من نَسِيَ وهو صَائِمٌ فأَكل أو شَرِب، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ الله وَسَقَاهُ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فأَكل أو شَرِب، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ الله وَسَقَاهُ».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: بُنيت الشريعة الإسلامية على اليسر والسهولة، والتكليف بقدر الطاقة، وعدم المؤاخذة بما يخرج عن الاستطاعة أو الاختيار. ومن ذلك : أن من أكل أو شرب، أو فعل مفطراً غيرهما في نهار رمضان، أو غيره من الصيام، فَلْيُتِمَّ صَومه، فإنه صحيح؛ لأن هذا ليس باختياره، فما فعله الإنسان ناسياً من غير نية فإنه لا يقدح في صومه ولا يؤثر فيه وإنما هو من الله الذي أطعمه وسقاه.

معاني المفردات: من نَسِيَ : من غاب عن ذهنه. فأَكل أو شَرِب : أو هنا للتنويع، ويحتمل أن تكون عاطفة، وقد ورد الحديث باللفظين. فَلْيُتِمَّ : أي: فليكمل صومه، واللام للأمر. صومه : الصوم: هو الإمساك عن المفطرات من الفجر إلى الغروب. أطعمه الله : أي: رزقه طعاما، أي مأكولا. وسقاه : أي: رزقه شرابا، ونسب ذلك إلى الله -تعالى-؛ لأنه حصل دون قصد من الفاعل.

فوائد الحديث: صحة صوم من أكل أو شرب ناسياً. ليس على من أكل أو شرب ناسيا إثم؛ لأنه ليس باختياره. من فعل في عبادته مُبطِلاً معفوًا عنه، فهو مأمور بالْمُضِيِّ في عبادته وجوبا إن كانت واجبة واستحبابا إن كانت تطوعا. معنى إطعامه من الله -تعالى- وسقيه، أنه وقع من غير اختيار، وإنما الله الذي قدر له ذلك بنسيانه صيامه. سعة رحمة الله -تعالى- بعباده. يسر الشريعة الإسلامية.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

142. هذان يومان نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صِيَامِهِمَا: يوم فِطْرِكُمْ من صِيَامِكُمْ، واليوم الآخَرُ: تَأْكُلُونَ فيه من نُسُكِكُمْ

عن أبي عبيد، مولى ابن أزهر، قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال: هذان يومان نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نُسُكِكُم.

راوي الحديث: عمرُ بنُ الخطَّاب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: جعل الله -عز وجل- للمسلمين يومين عيدين للمسلمين، وكل منهما مرتبط بشعيرة دينية، فيوم عيد الفطر مرتبط بتمام الصيام، فكان الواجب على المسلم أن يفطر هذا اليوم شكراً لله عز وجل على تمام نعمة الصوم وإظهاراً لنعمة الفطر التي أمر الله بها بعد الصوم، قال -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، وأما اليوم الثاني فهو يوم عيد الأضحى وهو مرتبط بشعيرة الهدايا والأضاحي، فإن الناس يهدون ويضحون ويظهرون شعائر الله -تعالى- بالأكل من ذلك فوجب على المسلم إفطار هذين اليومين وحرم عليه صومهما.

معاني المفردات: شَهِدْتُ : حضرت. العيد : أي: صلاة العيد، وهي: صلاة عيد الأضحى، كما في صحيح البخاري. فِطْركُمْ : أي فطركم من رمضان، وهو أول يوم من شوال. اليوم الآخَرُ : أي اليوم الثاني، وهو العاشر من ذي الحجة. نسُككُمْ : ذبيحتكم التي تتعبدون لله -تعالى- بها، وهي الأضحية والْهَدْيُ.

فوائد الحديث: تحريم صوم يَوْمَيْ عيد الفطر والأضحى. أن الصوم فيهما لا ينعقد، فلا يصح، سواء كان لقضاء أو نَفْلٍ أو نَذْرٍ. أن حكمة النهي عن ذلك: الأكل من النسك في عيد الأضحى، وتميز الصوم من الفطر في عيد الفطر. يستحب للخطيب أن يذكر في خطبته ما يتعلق بوقته من الأحكام ويتحرى المناسبات. مشروعية الأكل من النُّسك.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

143. أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث: صيام ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ من كل شهر، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وأن أُوتِرَ قبل أن أنام

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث: صيام ثَلاثَةِ أَيَّامٍ من كل شهر، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وأن أُوتِرَ قبل أن أنام».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: اشتمل هذا الحديث الشريف على ثلاث وصايا نبوية كريمة: الأولى: الحث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فيصير صيام ثلاثة الأيام كصيام الشهر كله. والأفضل أن تكون الثلاثة، الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، كما ورد في بعض الأحاديث. الثانية: أن يصلي الضحى، وأقلها ركعتان، لاسيما في حق من لا يصلي من الليل، كأبي هريرة الذي اشتغل بدراسة العلم أول الليل. وأفضل وقتهما، حين تَرْمَضُ الْفِصَالُ ،كما جاء في حديث آخر. الثالثة: أن من لا يقوم آخر الليل، فليوتر قبل أن ينام، كيلا يفوت وقته.

معاني المفردات: أوصاني : عهد إليَّ باهتمام. خليلي : الصديق الخالص، الذي تخلَّلت محبَّته القلب فصارت في خلاله؛ أي: في باطنه. ركعتي الضُّحَى : أي: الركعتين اللتين تصليان في الضحى . وهو : ما بعد ارتفاع الشمس إلى قبيل الزوال.

فوائد الحديث: تعاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بما ينفعهم. استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر. والأولى أن تكون الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر. استحباب صلاة الضحى والمواظبة عليها لمن لم يقم لصلاة الليل، لئلا تفوته صلاة الليل والنهار. الوتر قبل النوم في حق من يغلب على ظنه أنه لا يقوم آخر الليل، أما من غلب على ظنه القيام، فيؤخره إليه، وإن فاته بنوم أو نسيان، فالمستحب أن يقضيه شفعًا ما بين ارتفاع الشمس وقبيل الزوال. أهمية هذه الأعمال الثلاثة؛ لوصية النبي -صلى الله عليه وسلم عددًا من أصحابه بها. جواز اتخاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- خليلًا.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

144. تَحَرَّوْا ليلة القَدْر في الوِتْرِ من الْعَشْرِ الأوَاخِرِ

عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «تَحَرَّوْا ليلة القَدْر في الوِتْرِ من الْعَشْرِ الأوَاخِرِ».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تخبر أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرشد لطلب إصابة ليلة القدر والاشتغال فيها بالعمل الصالح وقيام الليل، فتحري ليلة القدر يكون بذلك، وذلك في أوتار العشر الأواخر من رمضان.

معاني المفردات: تَحَرَّوْا ليلة القَدْر : اطلبوا مصادفتها بالعمل الصالح والقيام فيها. في الوِتْرِ من العشر : هي: ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين. من العَشْر الأواخر : أي: البواقي من رمضان، وتبدأ من ليلة إحدى وعشرين.

فوائد الحديث: فضل ليلة القَدْر. أن ليلة القَدْر في رمضان. الإرشاد إلى تَحَرِّي ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان. أوتار العشر أرجى من أشفاعها. محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- للتيسير على أمته.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

145. إذا أقبل الليل من هَهُنا، وأدْبَر النهار من ههنا؛ فقد أفطر الصائم

عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أقبل الليل من هَهُنا، وأَدْبَرَالنهار من ههنا، فقد أفطر الصائم».

راوي الحديث: عمرُ بنُ الخطَّاب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: وقت الصيام الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. ولذا، فقد أفاد النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته: أنه إذا أقبل الليل من قِبل المشرق، وأدبر النهار من قِبل المغرب -بغروب الشمس، كما في رواية: (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ)- فقد دخل الصائم في وقت الإفطار الذي لا ينبغي له تأخيره عنه، بل يُعاب بذلك، امتثالاً لأمر الشارع، وتحقيقًا للطاعة، وتمييزًا لوقت العبادة عن غيره، وإعطاء للنفس حقها، من مُتَعِ الحياة المباحة. قوله: "فقد أفطر الصائم" يحتمل معنيين: أ- إما أنه أفطر حكماً بدخول الإفطار ولو لم يتناول مفطراً، ويكون الحث على تعجيل الفطر في بعض الأحاديث معناه الحث على فعل الإفطار حسًّا ليوافق المعنى الشرعي. ب- وإما أن يكون المعنى : دخل في وقت الإفطار ويكون الحث على تعجيل الفطر على بابه وهذا أولى، ويؤيده رواية البخاري "فقد حلَّ الإفطار".

معاني المفردات: أقبل الليل : بان ظلامه. من هَا هُنَا : أي: من المشرق. أفطر الصائم : حل له الفطر بدخول وقته أو قد أفطر حكماً وإن لم يفطر شرعاً، الصوم شرعا: التعبد لله -سبحانه وتعالى- بالإمساك عن الأكل والشرب، وسائر المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

فوائد الحديث: دخول وقت الإفطار بغروب الشمس، وإن كان ضياء النهار باقيًا. استحباب تعجيل الفطر، إذا تحقق غروب الشمس. لابد من وجود إقبال الليل الذي يقارنه إدبار النهار للإفطار، أما لو وقعت الظلمة لسبب يندر وقوعه فإنه لا يكون مفطراً بذلك.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

146. ليس فيما دُون خمس أَوَاقٍ صدقة، ولا فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة، ولا فيما دُونَ خمسة أَوْسُقٍ صدقة

عن أبي سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ليس فيما دون خمس أَوَاقٍ صدقة، ولا فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة، ولا فيما دُونَ خمسة أَوْسُقٍ صدقة».

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الزكاة، مواساة بين الأغنياء والفقراء، ولذا فإنها لا تؤخذ ممن ماله قليل لا يُعدَّ به غنيا. فالشارع بين أدنى حد لمن تجب عليه، وأما من يملك دون الحد الأدنى، فإنه فقير لا يؤخذ منه شيء. فصاحب الفضة، لا تجب عليه حتى يكون عنده خمس أَوَاقٍ، وكل أوقية أربعون درهما، فيكون نصابه منها مائتي درهم ، تعادل: خَمْسَمائَةٍ وتسعين جرامًا. وصاحب الإبل لا تجب عليه الزكاة، حتى يكون عنده خمسٌ فصاعدا، وما دون ذلك ليس فيها زكاة. وصاحب الحبوب والثمار، لا تجب عليه، حتى يكون ما عنده خمسة أَوسُقٍ، و"الوَسْقُ" ستون صاعا، فيكون نصابه ثَلاثُمِائةِ صاعٍ.

معاني المفردات: دُونَ : أقل، وقد بينتها رواية مسلم "ليس في حَبٍّ ولا تمر صدقة حتى تبلغ خمسة أوسق". أَوَاقٍ : جمع أوقية، وهي: أربعون درهما. فعلى هذا يكون نصابُ الفضة مائتي درهم.وهي تعادل بالريالات السعودية الفضية: (56 ريالاً سعودياً ).وأما بالجِرَامات فتعادل: خَمْسِمِائَةٍ وخمس وتسعين جراماً . ذَوْدٍ : الذود، ليس له مفرد من لفظه، ويطلق على الثلاث من الإبل إلى العشر. أَوْسُقٍ : جمع وَسْقٍ، وأصله في اللغة: الحمل من الحب والثمر. وقدره ستون صاعًا بالصاع النبوي. فالخمسة الأوسق: ثَلَاثُمِائَةِ صاعٍ بالصاع النبوي، والصاع النبوي: أربعة أمداد، والمُد: مِلْء كَفَّي الرجُل المتوسط، ويقدر بـ900 كلغ.

فوائد الحديث: وجوب الزكاة في الفضة، والإبل، والحبوب والثمار، إذا بلغت نصابًا. فيه مقدار نصاب الأشياء الثلاثة. سقوط الزكاة فيما دون تلك المقادير من هذه الأعيان. أن النقصان اليسير في الوزن يمنع وجوب الزكاة. حكمة التشريع بإسقاط الزكاة عما دون النصاب؛ حيث لا يحتمل أن تؤخذ منه.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

147. يا رسول الله، إني كُنْتُ نَذَرْتُ في الجَاهِلِيَّةِ أن أَعْتَكِفَ لَيْلَةً في المسجد الحَرَامِ ؟ قال: فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ

عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، إني كنت نَذَرْتُ في الجَاهلية أن أعتكف ليلة -وفي رواية: يومًا- في المسجد الحرام ؟ قال: «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ».

راوي الحديث: عمرُ بنُ الخطَّاب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: نذر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في الجاهلية أن يَعتكف ليلة في المسجد الحرام، فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن حكم نَذْرِهِ الذي حصل منه في الجاهلية فأمره -عليه الصلاة والسلام- أن يوفي بِنَذْرِهِ .

معاني المفردات: في الجاهلية : أي: في زمن الجاهلية، وهي: ما قبل الإسلام، سميت بذلك لغلبة الجهل على أهلها. اعتكف ليلة وفي رواية يوما : لا منافاة بين الروايتين؛ لأن الليل يدخل فيه اليوم، والعكس بالعكس. المسجد الحرام : المسجد ذي الحُرْمَة، وهو: الذي فيه الكعبة. أَوْفِ بِنَذْرِكَ : أي: أَدِّه كاملًا وافيًا.

فوائد الحديث: الاعتكاف يجب بِالنَّذْرِ، ويلزم الوفاء به. صحة نذر العبادة من الكافر حال كفره. وجوب الوفاء بِالنَّذْرِ إذا أسلم الكافر، إن لم يوف به حال كفره. إذا عيَّن لاعتكافه المسجد الحرام تعيَّن، فإن عيَّن ما دونه من المساجد أجزأه عنها، وكل مسجد فاضل يجزئ عما دونه بالفضل. صحة الاعتكاف بدون صوم. جواز الاعتكاف ليلة. حرص عمر -رضي الله عنه- على أخذ العلم.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

148. إذا رَأَيْتمُوه فَصُومُوا، وإذا رَأَيْتُمُوه فَأفْطِروُا، فإن غُمَّ عليكم فَاقْدُرُوا له

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا رَأَيْتمُوه فَصُومُوا، وإذا رَأَيْتُمُوه فَأفْطِروُا، فإن غُمَّ عليكم فَاقْدُرُوا له».

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: أحكام الشرع الشريف تُبْنَى على الأصل، فلا يُعْدَل عنه إلا بيقين. ومن ذلك: أن الأصل بقاء شعبان، وأن الذمة بريئة من وجوب الصيام، ما دام أن شعبان لم تُكْمَلْ عدته ثلاثين يوما، فيعلم أنه انتهى، أو يُرَى هلال رمضان، فيُعْلَمُ أنه دخل. ولذا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم-، علّق صيام شهر رمضان وفطره برؤية الهلال. فإن كان هناك مانع من غيم، أو قَتَرٍ، أو نحوهما، فيُكْمل عدة شعبان ثلاثين يوما؛ لأن الأصل بقاؤه فلا يُحْكَم بخروجه إلا بيقين، والقاعدة: "أن الأصل بقاء ما كان على ما كان".

معاني المفردات: إذا رأيتموه : أبصرتموه، أي هلال رمضان، والمراد رآه من تثبت به رؤيته. فصوموا : فابتدئوا الصوم من الغد، والصوم: إمساك عن المفطرات بنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. فأفطِروا : أي: فاتركوا الصوم من الغد. غُمَّ عليكم : استُتِر عليكم بحاجب، من غيم وغيره. فاقدِروا له : أبلغوه قدره، وهو : تمام ثلاثين يومًا.

فوائد الحديث: وجوب صوم رمضان، إذا ثبتت رؤية الهلال شرعًا. من انفرد برؤيته في بر ونحوه لزمه العمل بمقتضى رؤيته. أن صيام شهر رمضان معلق برؤية الناس أو بعضهم للهلال. وجوب إكمال شعبان ثلاثين يوما، إذا حال دون مَنْظَره غَيْمٌ أو نحوه . وجوب الفطر إذا ثبتت رؤية هلال شوال شرعًا. وجوب إكمال رمضان ثلاثين يومًا إذا حال غيم أو نحوه دون هلال شوال. إبطال الاعتماد على قول أهل الحساب في دخول الشهر.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

149. إنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إلى أَجْسامِكُمْ، ولا إلى صُوَرِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمَالِكُمْ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «إنَّ الله لا ينْظُرُ إِلى أجْسَامِكُمْ، ولا إِلى صُوَرِكمْ، وَلَكن ينْظُرُ إلى قُلُوبِكمْ وأعمالكم».

البر والصلة - المراقبة.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إن الله لا يثيبكم ولا يجازيكم على أجسامكم وصوركم ولا يحصل لكم القرب منه سبحانه بذلك، ولكن تحصل المجازاة على ما في قلوبكم من الإخلاص والصدق وعلى الأعمال الصالحة التي تقومون بها

معاني المفردات: لاينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم : أي لا يثيبكم عليها، لأنَّ الأجر والثواب متعلق بعمل الإنسان.

فوائد الحديث: الاعتناء بحال القلب وصفاته، وتصحيح مقاصده، وتطهيره عن كل وصف مذموم. ثواب الأعمال يكون بما انعقد عليه القلب من إخلاص وحسن نية. الاعتناء بإصلاح القلب وبصفاته مقدم على عمل الجوارح، لأن عمل القلب هو المصحح للأعمال الشرعية ولا يصح العمل من الكافر. مسؤولية الفرد على نيته وعمله، وهذا ما يحمله على تصويب العمل القلبي لكل ما يرضي الله ورسوله.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

150. إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت

عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- مرفوعاً: «إنَّ مما أدرَكَ الناسُ من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنعْ ما شِئْتَ».

راوي الحديث: أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إن مما أُثِرَ عن الأنبياء السابقين الوصية بالحياء, والحياء صفة في النفس تحمل الإنسان على فعل ما يجمل ويُزين، وترك ما يُدَنِّس ويشين، وهو من خصال الايمان فإذا لم يمنع المرءَ الحياءُ الذي هو من الإيمان من ارتكاب ما يشينه فما الذي سيمنعه؟

معاني المفردات: من كلام النبوة الأولى : مما وصل إليهم من مبادئ الأنبياء والمأثور من كلامهم.

فوائد الحديث: فيه تهديد ووعيد لمنزوع الحياء، فإن الحياء يكف صاحبه عن ارتكاب القبائح، ودناءة الأخلاق، ويحثه على مكارم الأخلاق ومعاليها. أن هذا مأثور عن الأنبياء المتقدمين. أن الحياء هو الذي يجعل المرء المسلم يفعل ما يجمل ويزين، ويترك ما يدنس ويشين.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

151. دَعْ ما يَرِيبك إلى ما لا يَرِيبك

عن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «دَعْ ما يَرِيبك إلى ما لا يَرِيبك».

الطهارة - البيوع - الأطعمة والأشربة - الرقائق.

راوي الحديث: الحسن بن علي -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: على المؤمن أن يترك ما يشك في حله خشية أن يقع في الحرام وهو لا يشعر؛ بل عليه أن ينتقل مما يشك فيه إلى ما كان حِله متيقنًا ليس فيه شبهة ليكون مطمئن القلب، ساكن النفس، راغبًا في الحلال الخالص، متباعدًا عن الحرام والشبهات وما تتردد فيه النفس.

معاني المفردات: دع : اترك. يريبك : بفتح ياء المضارعة وضمها، والفتح أفصح وأشهر: أي ما تشك فيه. إلى مالا يريبك : ما لا تشك فيه.

فوائد الحديث: على المسلم بناء أموره على اليقين، وأن يكون في دينه على بصيرة. النهي عن الوقوع في الشبهات، والحديث أصل عظيم في الورع. إذا أردت الطمأنينة والاستراحة فاترك المشكوك فيه واطرحه جانبًا. المشتبهات تورث قَلقًا في النفس. الترغيب في الصدق والتحذير من الكذب. رحمة الله بعباده إذ أمرهم بما فيه راحة النفس والبال ونهاهم عمّا فيه قلق وحيرة. النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصارا.

المصدر : الأربعون النووية. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي والنسائي وأحمد والدارمي.

152. أن رجلًا قال للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: أوصني، قال لا تَغْضَبْ فردَّدَ مِرارًا، قال لا تَغْضَبْ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رجلًا قال للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: أوصني، قال لا تَغْضَبْ فردَّدَ مِرارًا، قال لا تَغْضَبْ».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: طلب أحد الصحابة -رضوان الله عليهم- من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأمره بشيء ينفعه في الدنيا والآخرة، فأمره ألا يغضب، وفي وصيته "لا تغضب" دفع لأكثر شرور الإنسان.

معاني المفردات: أوصني : يقال: أوصى فلانا بالشيء: أمره به وفرضه عليه. لا تغضب : لا تتعرض لما يجلب الغضب، ولا تفعل ما يأمرك به، والغضب: ضد الرضا. فردد : كرر ذلك الرجل قوله: (أوصني).

فوائد الحديث: حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على ماينفع، لقوله: "أَوصِنِيْ". معالجة كل ذي مرض بما يناسب مرضه، إن صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خص هذا الرجل بهذه الوصية؛ لأنه كان غضوباً. التحذير من الغضب فإنه جماع الشر، والتحرز منه جماع الخير. الأمر بالأخلاق التي إذا تخلق بها المرء وصارت له عادة دفعت عنه الغضب عند حصول أسبابه، كالكرم والسخاء، والحلم والحياء، وغير ذلك. من محاسن الدين الإسلامي أنه ينهى عن مساوئ الأخلاق. جواز طلب الوصية من العالم. جواز الاستزادة من الوصية. فيه شاهد لقاعدة سد الذرائع. فيه شاهد لما خُص به النبي من جوامع الكلم. النهي عن الشيء نهي عن أسبابه، وأمر بما يعين على تركه.

المصدر : الأربعون النووية. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

153. لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله وعليه وسلم- قال: «لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ».

مقاصد الشريعة.

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الحديث يمثل قاعدة الإسلام في الشرائع وقواعد الأخلاق والتعامل بين الخلق، وهي دفع الضرر عنهم بمختلف أنواعه ومظاهره، فالضرر محرم وإزالة الضرر واجب، والضرر لا يزال بالضرر، والمضار محرمة.

معاني المفردات: لا ضرر : لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه. ولا ضرار : لا يجازي من ضره بأكثر من المقابلة بالمثل، والانتصار بالحق.

فوائد الحديث: الرسول أوتي جوامع الكلم وشواهد هذا كثيرة، وهو من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-. الضرر يُزال. النهي عن المجازاة بأكثر من المثل. لم يأمر الله عباده بشيء يضرهم. ورود النفي بمعنى النهي. تحريم الضرار بالقول أو الفعل أو بالترك. دين الإسلام هو دين السلامة. هذا الحديث يعتبر قاعدة من قواعد الشريعة، وهي أن الشريعة لا تقر الضرر، وتنكر الإضرار. هل بين الضرر والضرار فرق أم لا؟ فمنهم من قال: هما بمعنى واحد على وجه التأكيد، والمشهور أن بينهما فرقا، ثم قيل: إن الضرر هو الاسم، والضرار الفعل، فالمعنى أن الضرر نفسه منتف في الشرع، وإدخال الضرر بغير حق كذلك، وقيل: الضرر: أن يدخل على غيره ضررا بما ينتفع هو به، والضرار: أن يدخل على غيره ضررا بلا منفعة له به، كمن منع ما لا يضره ويتضرر به الممنوع، ورجح هذا القول طائفة، منهم ابن عبد البر، وابن الصلاح، وقيل: الضرر: أن يضر بمن لا يضره، والضرار: أن يضر بمن قد أضر به على وجه غير جائز، وبكل حال فالنبي -صلى الله عليه وسلم- إنما نفى الضرر والضرار بغير حق.

المصدر : الأربعون النووية. صحيح.

التخريج: رواه ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- ومن حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-. ورواه أحمد من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-. ورواه مالك من حديث عمرو بن يحي المازني مرسلا.

154. لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثَّيِّبُ الزاني، والنفسُ بالنفس، والتاركُ لدينه المفارقُ للجماعة

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثَّيِّبُ الزاني، والنفسُ بالنفس، والتاركُ لدينه المفارقُ للجماعة».

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: دم المسلم حرام لا يحل إلا بإحدى الخصال الثلاث المذكورة في الحديث، من تزوج ووطئ في نكاح صحيح ثم زنى بعد ذلك، و من قتل مسلما عمدا بغير حق، والتارك للإسلام المفارق لجماعة المسلمين، وما في معناها، فلا يجوز إراقة دم المسلم بغير هذه الثلاث، وما يرجع إليها ويجري مجراها مما لم يُذكر في الحديث نصا، ومن ذلك: قتل اللوطي ومن أتى ذات محرم، فمرده إلى الخصلة الأولى، كما يرجع قتل الساحر ونحوه إلى الخصلة الثالثة، وهكذا.

معاني المفردات: لا يحل دم امرئ : لا تجوز إراقة دمه، والمراد النهي عن قتله ولو لم يرق دمه. امرئ : المرء: الإنسان. إلا بإحدى ثلاث : أي: ثلاث خصال يجب على الإمام القتل بها لما فيه من المصلحة العامة، وهي حفظ النفوس والأنساب والدين. الثيب الزاني : من تزوج ووطئ في نكاح صحيح ثم زنى بعد ذلك. والنفس بالنفس : من قتل عمدا بغير حق. والتارك لدينه : التارك للإسلام بالارتداد. المفارق للجماعة : جماعة المسلمين.

فوائد الحديث: دم المسلم لا يباح إلا بإحدى ثلاثة أنواع: ترك دين الإسلام، وقتل النفس بالشروط المتقدمة، وانتهاك حرمة الفرج المحرم بالزنى بعد الوطء في نكاح صحيح. احترام دماء المسلمين، لقوله: "لايَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلمٍ"، وهذا أمر مجمع عليه دلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع. غير المسلم يحلّ دمه ما لم يكن معَاهَدًا، أومستأمنًا، أو ذميًّا، فإن كان كذلك فدمه معصوم. حسن تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث يرد كلامه أحيانًا بالتقسيم، لأن التقسيم يحصر المسائل ويجمعها وهو أسرع حفظًا وأبطأ نسيانًا. فضل المسلم على الكافر. تحريم العدوان على بدن المسلم بجرح أو ضرب بغير حق. جواز وصف الشخص بما كان عليه أولا، وانتقل عنه لاستثناء المرتد من المسلمين، اعتبارا لما كان عليه قبل مفارقة دينه.

المصدر : الأربعون النووية. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

155. يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا، فبابٌ نتمسك به جامع؟ قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله -عز وجل-

عن عبد الله بن بسر -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل، فقال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا، فبابٌ نتمسك به جامع؟ قال: «لا يزال لسانك رَطْبًا من ذكر الله -عز وجل-».

راوي الحديث: عبد الله بن بُسْرٍ الأسلمي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث أن رجلاً من الصحابة الكرام طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدله على أمر سهل جامع شامل لخصال الخير، فأرشده الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذكر الله، فقال: لا يزال لسانك رطباً، أي غضًا من ذكر الله، تديم تكراره آناء الليل والنهار، فاختاره له صلى الله عليه وسلم الذكر لخفته وسهولته عليه ومضاعفة أجره ومنافعه العظيمة التي لا تُعَد.

معاني المفردات: شرائع الإسلام : جمع شريعة بمعنى مشروعة، أي: مشروعاته من واجب أو مستحب التي شرعها الله لعباده من الأحكام. فباب نتمسك به جامع : ليسهل أداؤها، ولم يرد الاكتفاء به عن الفرائض والواجبات. جامع : شامل سهل العمل به. رطبا : أي: دائم الذكر. من ذكر الله : أي: الألفاظ التي حثت الشريعة عليها كالتهليل والتكبير.

فوائد الحديث: فضل المداومة على ذكر الله تعالى. كثرة أنواع العبادات وأبواب الخير. من عظيم فضل الله تيسير أسباب الأجر. تفاضل العباد في نصيبهم من أبواب البر والخير. حب الصحابة للخير وحرصهم على ما يقربهم إلى الله. فضل ذكر الله. كثرة ذكر الله باللسان تسبيحاً وتحميداً وتهليلاً وتكبيرًا وغير ذلك مع مواطأة القلب يقوم مقام كثير من نوافل الطاعات. من ذكر الله بلسانه يؤجر. مراعاته -صلى الله عليه وسلم- للسائلين بإجابة كلٍّ بما يناسبه.

المصدر : الأربعون النووية. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.

156. لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه».

الرقائق - الزهد.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: على المؤمن كامل الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، ومعنى هذه المحبة هي مواساته أخاه بنفسه في جميع الأمور التي فيها نفع، سواء دينية أو دنيوية، من نصح وإرشاد إلى خير وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وغير ذلك مما يوده لنفسه، فإنه يرشد أخاه إليه، وما كان من شيء يكرهه وفيه نقص أو ضرر فإنه يبعده عنه.

معاني المفردات: لا يؤمن : يفسر هذا النفي رواية أحمد بلفظ (لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير) وكثيرا ما يأتي هذا النفي لانتفاء بعض واجبات الإيمان وإن بقي أصله. أحدكم : أحد هنا بمعنى واحد، أي الواحد منكم. لأخيه : أي: في الإسلام. ما يحب لنفسه : من الخير، والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدينية والدنيوية، وتخرج المنهيات.

فوائد الحديث: من خصال الإيمان أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه، ويستلزم ذلك أن يبغض له ما يبغض لنفسه. وجوب محبة المرء لأخيه ما يحب لنفسه، لأن نفي الإيمان عمن لايحب لأخيه ما يحب لنفسه يدل على وجوب ذلك. جواز نفي الشيء لانتفاء كماله، لقوله: "لايُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيْهِ". الأخوة في الله، فوق أخوة النسب فحقّها أوجب. تحريم كل ما ينافي هذه المحبة من الأقوال والأفعال كالغش والغيبة والحسد والعدوان على نفس المسلم أو ماله أو عرضه، ولكن لا يحرم الربح على المسلم في البيع بلا غبن ولا تدليس ولا كذب. ينبغي صياغة الكلام بما يحمل على العمل به، لأن من الفصاحة صياغة الكلام بما يحمل على العمل به، والشاهد لهذا قوله: "لأَخِيهِ"، لأن هذا يقتضي العطف والحنان والرّقة.

المصدر : الأربعون النووية. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

157. لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا

عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لو أنكم كنتم توَكَّلُون على الله حق توَكُّلِهِ لرزقكم كما يرزق الطير، تَغْدُو خِمَاصَاً، وتَرُوحُ بِطَاناَ».

راوي الحديث: عمرُ بنُ الخطَّاب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يرشدنا هذا الحديث إلى أن نتوكل على الله تعالى في جميع أمورنا، وحقيقة التوكل: هي الاعتماد على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار في أمور الدنيا والدين؛ فإنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع إلا هو سبحانه وتعالى، وأن على الإنسان فعل الأسباب التي تجلب له المنافع وتدفع عنه المضار مع التوكل على الله {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}, {وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}،فمتى فعل العبد ذلك رزقه الله كما يرزق الطير التي تخرج صباحا وهي جياع ثم تعود مساءً وهي ممتلئة البطون.

معاني المفردات: توكلون : التوكل: اعتماد القلب على الله في طلب المصالح ودفع المضار مع فعل الأسباب المأذون فيها. حق توكله : بالاعتماد على الله عز وجل دون غيره في أمور الدنيا والآخرة، مع الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا ينفع سوى الله تعالى. تغدو : تذهب أول النهار. خماصا : خاوية البطون من الجوع. تروح : ترجع آخر النهار. بطانا : ممتلئة البطون.

فوائد الحديث: فضيلة التوكل، وأنه من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق. التوكل لا ينافي النظر إلى الأسباب، فإنه أخبر أن التوكل الحقيقي لا يضاده الغدو والرواح في طلب الرزق. اهتمام الشريعة بأعمال القلوب؛ لأن التوكل عمل قلبي. التوكل على الله سبب معنوي في جلب الرزق ولا ينافيه فعل السبب الحسي. مشروعية التوكل على الله في كل المطالب، وهو من واجبات الإيمان، قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

المصدر : تتمة الأربعين النووية لابن رجب. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.

158. مَن عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَد

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي رواية " مَن عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ".

العبادات - الأعياد.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: كل عمل أو قول لم يوافق الشريعة في وجوهها كافة؛ بحيث لم تدل عليه أدلتها وقواعدها فهو مردود على صاحبه غير مقبول منه.

معاني المفردات: أحدث : أنشأ واخترع. أمرنا : ديننا. هذا : إشارة لجلالته ومزيد رفعته وتعظيمه. ما ليس منه : من الدين، بأن لا يشهد له شيء من أدلة الشرع وقواعده العامة. فهو : أي هذا الأمر المحدث. رد : مردود غير مقبول، أي: باطل

فوائد الحديث: حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر، لقوله (ليس عليه أمرنا) والمراد به الدين. الدين مبناه على الشرع. كل البدع الاعتقادية والعملية باطلة، كبدعة التعطيل والإرجاء ونفي القدر والتكفير بالذنوب والعبادات البدعية. أن الدين ليس بالرأي والاستحسان. الإشارة إلى كمال الدين. رد كل محدثة في الدين لا توافق الشرع، وفي الرواية الثانية التصريح بترك كل محدثة سواء أحدثها فاعلها أو سبق إليها. إبطال جميع العقود المنهي عنها، وعدم وجود ثمراتها المترتبة عليها. النهي يقتضي الفساد، لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين فيجب ردها.

المصدر : الأربعون النووية. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

159. مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَلَيْهِ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَلَيْهِ».

التفسير: تفسير قوله -تعالى- (يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل).

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يفيد الحديث أن الله -سبحانه وتعالى- يقبل التوبة من عبده المذنب ما لم تطلع الشمس من مغربها؛ لأنها نهاية وقت قبول التوبة وهي من علامات الساعة الكبرى.

معاني المفردات: من تاب : رجع عن المعصية. تاب الله عليه : أي: قَبِلَ توبته.

فوائد الحديث: الله تعالى يقبل التوبة من عباده تفضلا منه إذا كانت مستجمعة لشروطها، ومن شروطها: أن تقع من التائب قبل طلوع الشمس من مغربها. الله- سبحانه وتعالى- يقبل توبة العبد وإن تأخرت، لكن المبادرة بالتوبة هي الواجب. بقي من شروط التوبة:- الندم على الذنب.- العزم على عدم العودة إليه.- الإقلاع والترك للذنب.- إن كان لآدمي حق أن يعيده لصاحبه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

160. وَاللهِ إني لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إليهِ في اليومِ أَكْثَرَ من سَبْعِينَ مَرَّةً

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «وَاللهِ إني لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إليهِ في اليومِ أَكْثَرَ من سَبْعِينَ مَرَّةً».

التوبة.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر: يقسم أنه يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة، واستغفار النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يلزم أن يكون لذنوب ارتكبها ولكن ذلك لكمال عبوديته وتعلقه بذكره -سبحانه-، واستشعاره عظم حق الله -تعالى- وتقصير العبد مهما عمل في شكر نعمه، وهو من باب التشريع للأمة من بعده، إلى غير ذلك من الحكم.

معاني المفردات: أستغفر : أي: أطلب المغفرة، وهي الصفح عن الذنب. وأتوب إليه : أي: أعزم على التوبة.

فوائد الحديث: جواز القسم على الشيء تأكيدا له، وإن لم يكن عند السامع فيه شك. حض الأمة على التوبة والاستغفار اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- مع كونه معصوما، وخير الخلق، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة. الإكثار من الاستغفار والتوبة؛ فإن العبد لا ينفك عن ذنب أو تقصير. استغفار النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يلزم أن يكون لذنوب ارتكبها ولكن ذلك لكمال عبوديته وتعلقه بذكره -سبحانه-، واستشعاره عظم حق الله -تعالى- وتقصير العبد مهما عمل في شكر نعمه، وهو من باب التشريع للأمة من بعده، إلى غير ذلك من الحكم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح

التخريج: رواه البخاري.

161. يا أيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إلى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ، فَإنِّي أَتُوبُ في اليَّومِ مائةَ مَرَّةٍ

عن الأغر بن يسار المزني -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا أيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إلى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ، فَإنِّي أَتُوبُ في اليَّومِ مائةَ مَرَّةٍ».

التوبة.

راوي الحديث: الأغر بن يسار المزني -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر: يأمر الناس بالتوبة والاستغفار، ويخبر عن نفسه -صلى الله عليه وسلم- أنه يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرة وهو بذلك يحث الأمة على هذا العمل الصالح، واستغفار النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يلزم أن يكون لذنوب ارتكبها ولكن ذلك لكمال عبوديته وتعلقه بذكره سبحانه، واستشعاره عظم حق الله تعالى وتقصير العبد مهما عمل في شكر نعمه، وهو من باب التشريع للأمة من بعده، إلى غير ذلك من الحكم.

معاني المفردات: توبوا إلى الله : أي: ارجعوا إلى الله تعالى واتركوا المعاصي واندموا على ما وقع منها. واستغفروه : أي: اطلبوا منه المغفرة.

فوائد الحديث: وجوب التوبة من كل أحد لأن الأمر يقتضي الوجوب، والمخاطَب الناس كافة دون استثناء. الإخلاص في التوبة شرط في قبولها، فمن ترك ذنبا لغير الله لا يكون تائبا باتفاق. الإكثار من الاستغفار والمسارعة إلى التوبة. التنبيه على أن استغفار النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يلزم أن يكون لذنوب ارتكبها ولكن ذلك لكمال عبوديته وتعلقه بذكره -سبحانه-، واستشعاره عظم حق الله -تعالى- وتقصير العبد مهما عمل في شكر نعمه، وهو من باب التشريع للأمة من بعده، إلى غير ذلك من الحكم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

162. كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مِنَ الليلِ مِن وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ، صَلَّى من النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مِنَ الليلِ مِن وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ، صَلَّى من النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ترك قيام الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يوتر بإحدى عشر ركعة، فإذا مضى الليل ولم يوتر لنوم أو شبهه؛ فإنه يقضي هذه الصلاة، لكن لما فات وقت الوتر صار المشروع أن يجعله شفعا.

معاني المفردات: فاتته الصلاة : مضى وقتها. وجع : مرض أو ألم. أو غيره : كغلبة نوم أو عذر أهم منه.

فوائد الحديث: صلاة النهار هنا عِوض عن صلاة الليل لجَبْر فضيلتها. الدليل على جواز قضاء النوافل. الوتر يقضى في النهار بزيادة ركعة، فيصير شفعا.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

163. أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بَرِيءٌ من الصَّالِقَةِ وَالحَالِقةِ وَالشَّاقَّةِ

عن أبي مُوسَى عبد اللَّه بن قيس -رضي الله عنه- «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بَرِيءَ من الصَّالِقَةِ وَالحَالِقةِ وَالشَّاقَّةِ».

راوي الحديث: أبو مُوسَى عبد اللَّه بن قيس الأشعري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: لله -عز وجل- الحكمة التامة والتصرف الرشيد في ما أخذ وما أعطى، ومن عارض في هذا ومانعه فكأنما يعترض على قضاء الله وقدره الذي هو عين المصلحة والحكمة وأساس العدل والصلاح. ولذا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أنه من تسخطَ وجزع من قضاء الله فهو على غير طريقته المحمودة، وسنته المنشودة، إذ قد انحرفت به الطريق إلى ناحية الذين إذا مسهم الشر جزعوا وهلعوا؛ لأنهم متعلقون بهذه الحياة الدنيا فلا يرجون بصبرهم على مصيبتهم ثواب الله ورضوانه. فهو بريء ممن ضعف إيمانهم؛ فلم يحتملوا وَقعَ المصيبة حتى أخرجهم ذلك إلى التسخط القلبي، أو القولي: بالنياحة والندب والدعاء بالويل والثبور، أو الفعلي: كنتف الشعور وشق الجيوب؛ إحياءً لعادة الجاهلية. وإنما أولياؤه الذين إذا أصابتهم مصيبة سلَّموا بقضاء الله -تعالى-، وقالوا: {إِنَّا لله وإِنا إليه رَاجعُونَ. أولئِكَ عَلَيهِم صَلَوات مِنْ رَبِّهِم وَرَحمَة وَأولئِكَ هُمُ المُهتدُونَ}.

معاني المفردات: بَرِيء : أي: تبرأ بمعنى تخلى. الصَّالِقَة : التي ترفع صوتها عند المصيبة، بالنَّوْح والعويل. الحَالِقة : التي تحلق شعرها، أو تنتفه؛ من شدة الجزع والهلع. الشَّاقَّة : التي تشق جيبها أو ثوبها؛ تَسَخُّطاً من قضاء الله.

فوائد الحديث: أن هذا الفعل وهذا القول من الكبائر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- تَبَرَّأ ممن عمل ذلك، ولا يتبرأ إلا من فعل كبيرة. لا نهي عن الحزن والبكاء دون نياحة ورفع صوت، فهو لا ينافي الصبر على قضاء الله. تحريم التسخط من أقدار الله المؤلمة، وإظهار ذلك: بالنياحة أو الندب أو الحلق أو الشق أو غير ذلك، كَحَثي التراب على الرأس أو التزام لبس السواد وعدم خلعه. تحريم تقليد الجاهلية بأمورهم التي لم يقرهم الشارع عليها، مثل عاداتهم الباطلة عند المصائب. ضعف النساء وقلة تحملهن.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

164. يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يُصَلُّونَ لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم".

الصلاة - الآداب.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هناك أئمة يعني أمراء يصلون لكم، فإن أحسنوا فلكم ولهم الأجر، وإن أساءوا فلكم الأجر على الصلاة وعليهم وزر الإساءة فيها، وهذا وإن كان في الأمراء فإنه يشمل أيضًا أئمة المساجد، كل منهم على حسب إحسانه للصلاة أو إساءتها، وفي الحديث إشارة إلى أنه يجب الصبر على ولاة الأمر وإن أساءوا في الصلاة وإن لم يصلوها على وقتها، فإن الواجب ألا نشذ عنهم وأن نؤخر صلاة الجماعة كما يؤخرون، وحينئذ يكون تأخيرنا للصلاة عن أول وقتها يكون تأخيرًا بعذر لأجل موافقة الجماعة وعدم الشذوذ ويكون بالنسبة لنا كأننا صلينا في أول الوقت، والتأخير مشروط بألا يخرج وقت الصلاة، وأن الشذوذ عن الناس وعن ولاة الأمور والبعد عنهم وإثارة الناس عليهم ونشر مساوئهم كل هذا مجانب للدين الإسلامي.

معاني المفردات: يصلون لكم : يصلي الأئمة لإقامة الجماعة لكم. فلكم : الأجر لكم ولهم أيضًا. فلكم وعليهم : إن أخطأوا فلكم الأجر وعليهم الوزر.

فوائد الحديث: الرد على من يزعم أنه إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأموم، وصحة صلاة المأمومين قال بها الجمهور من الفقهاء. في الحديث إشارة إلى أنه يجب الصبر على ولاة الأمر وإن أساءوا في الصلاة وإن لم يصلوها على وقتها فإن الواجب ألا نشذ عنهم وأن لا نؤخر الصلاة كما يؤخرونها. بيان فضل صلاة الجماعة. الإمام ضامن بمعنى أنه يتحمل خطأ بعض المأمومين خلفه، ولا يحملون خطأه فتصح صلاتهم دونه عند وجود خلل في الصلاة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

165. إن المقسطين عند الله على منابر من نور: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا

عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن المُقْسِطين عند الله على منابر من نور: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولَوُاْ».

القضاء - الفضائل - الآداب - الإيمان.

راوي الحديث: عبد الله بن عَمْرِو بن العاص -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: في الحديث بشارة للذين يحكمون بالحق والعدل بين الناس الذين تحت إمرتهم وحكمهم، وأنهم على منابر من نور حقيقة إكرامًا لهم يوم القيامة عند الله -عز وجل-. وهذه المنابر عن يمين الرحمن -تعالى-، وفيه إثبات اليمين واليد له -سبحانه- دون تعطيل أو تكييف أو تشبيه أو تحريف.

معاني المفردات: المقسطين : العادلين. عند الله : عند الله يوم القيامة. في حكمهم : في قضائهم. ما وَلُوا : الذي كانت لهم عليه ولاية.

فوائد الحديث: فضل العدل والحث عليه. بيان منزلة العادلين يوم القيامة. تفاوت منازل أهل الإيمان يوم القيامة كل حسب عمله. أسلوب الترغيب من أساليب الدعوة التي ترغب المدعو في الطاعة. إثبات اليد واليمين لله -تعالى- دون تعطيل أو تكييف أو تشبيه أو تحريف.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم. ملحوظة: في صحيح مسلم زيادة على ما في رياض الصالحين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن -عز وجل-، وكلتا يديه يمين».

166. من يحرم الرفق، يحرم الخير كله

عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّه -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- يقُولُ: «من يُحْرَمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الخير كله».

البر والصلة.

راوي الحديث: جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الحديث حث على الرفق في جميع الأمور، وأن من تصرف بالعنف والشدة فإنه يحرم الخير فيما فعل.

معاني المفردات: من يحرم : من الحرمان وهو المنع من الشيء. الرفق : التمهل في الأمر والتأني فيه، فيحرمه فلا يوفق له، بل يكون فيه العنف والشدة. يحرم الخير كله : يخسر كل الخير الناشئ عن الرفق.

فوائد الحديث: أن الله يُعطي على الرفق ويثيب عليه. من حرم الرفق حرم الخير العميم. أن الرفق به انتظام خير الدارين واتساع أمرهما، وفي العنف ضد ذلك. إن الحرمان من الخير من أشد أساليب الترهيب. أنه ينبغي للإنسان الذي يريد الخير أن يكون دائما رفيقا حتى ينال الخير.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم بدون قوله: (كله) فهي عند أبي داود.

167. ألا أخبركم بمن يحرم على النار؟ أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب، هين، لين، سهل

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعاً: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار؟ أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هَيِّنٍ لَيِّنٍ سهل».

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: ألا أخبركم بمن يُمنع عن النار، أو تُمنع عنه، تمنع على كل قريب من الناس بمجالستهم في أماكن الطاعة وملاطفتهم قدر الاستطاعة، وكل حليم لين الجانب، سَمْحٍ في معاملة الناس.

معاني المفردات: بمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ : هو الذي لا يقرب منها. كل قريب : أي محبب إلى الناس لحسن معاملته لهم. هين : متواضع. لين : حسن المعاملة. سهل : أي يقضي حوائجهم ويسهل أمورهم.

فوائد الحديث: مكانة الأخلاق الحسنة وأنها منجاة من النار. استحباب ملاطفة الناس، وتسهيل الجانب لهم وقضاء حوائجهم. حسن الأخلاق مع الناس من الإيمان. استخدام الداعي أسلوب الترغيب يؤدي إلى قبول الحق والثبات عليه. ينبغي تنبيه المتعلم أو السامع على الأمور التي لها شأن.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وأحمد.

168. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دَخَلَ العَشْرُ أَحْيَا الليلَ، وأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دَخَلَ العَشْرُ أَحْيَا الليلَ، وأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل كله بأنواع الطاعات، وأيقظ أهله للصلاة، واجتهد في العبادة زيادة على عادته، وتفرغ لها واعتزل نساءه.

معاني المفردات: العشر : المراد: العشر الأواخر من شهر رمضان. أحيا الليل : أي: بأنواع الطاعات. أيقظ أهله : أي: للصلاة تنبيها لهم على فضل تلك الأوقات. وجَدَّ : أي: اجتهد في العبادة. شدَّ المِئزر : المئزر: الإزار، وهو كناية عن اعتزال النساء.وقيل: المراد تشميره للعبادة.

فوائد الحديث: الترغيب باغتنام الأوقات الفاضلة بالأعمال الصالحة. يستحب إحياء الليل في رمضان لا سيما العشر الأواخر منه. من أراد الاجتهاد في العبادة فعليه صون نفسه عما يثبطه أو يضعفه أو يصرفه عنها. الحكيم من جعل الخير يَعُمُّ أهله. ينبغي على العبد أن يكون حريصًا على أهله بأمرهم بالعبادة، ويصطبر عليهم، ويقيهم نار جهنم بذلك.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

169. كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى، قِيلَ: وَمَنْ يَأْبَى يا رسولَ اللهِ؟ قال: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أَبَى». قيل: ومَنْ يَأْبَى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أَبَى».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يحدِّث أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بشّر أمته فقال: (كل أمتي يدخلون الجنة) أي أمة الإجابة ثم استثنى عليه الصلاة والسلام فقال: (إلا من أبى) أي: من عصى منهم بترك الطاعة التي هي سبب لدخولها؛ لأن من ترك ما هو سبب لشيء لا يوجد بغيره فقد أبى أي امتنع؛ فاستثناؤهم تغليظًا عليهم، أو أراد أمة الدعوة: ومن أبى من كفر بامتناعه عن قبولها. فقال الصحب الكرام: (ومن يأبى يا رسول الله): فأجابهم عليه الصلاة والسلام: (من أطاعني) أي انقاد وأذعن لما جئت به (دخل الجنة). وأما (ومن عصاني) بعدم التصديق أو بفعل المنهي (فقد أبى): أي فله سوء المنقلب بإبائه. وعليه: فمن أبى إن كان كافرًا لا يدخل الجنة أصلاً، وأما من كان مسلمًا فإنه لا يدخلها حتى يطهر بالنار، وقد يدركه العفو فلا يعذب أصلاً وإن ارتكب جميع المعاصي.

معاني المفردات: أمتي : أمة الدعوة والآبي هو الكافر بامتناعه عن قبول الدعوة.أو: أمة الإجابة والآبي هو العاصي منهم ويكون المراد: أن لا يدخلها ابتداء. أَبَى : امتنع.

فوائد الحديث: خلق الله العباد ليرحمهم، ويدخلهم دار رحمته. الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن ربه. من عصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد رحمة الله. مشاقة الله ورسوله توجب النار. نجاة المرء في الدنيا والآخرة باتباع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم. في هذا الحديث: أعظم بشارة للطائعين من هذه الأمة، وأن كلهم يدخلون الجنة إلا من عصى الله ورسوله واتبع شهواته وهواه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

170. لما خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ كَتَبَ في كِتَابٍ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «لما خلق اللهُ الخَلْقَ كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تَغْلِبُ غضبي». وفي رواية: «غَلَبَتْ غضبي» وفي رواية: «سَبَقَتْ غضبي».

الرقاق - الرجاء.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: لما خلق الله -عز وجل- الخلق كلهم كتب في كتاب عنده فوق العرش: إن رحمتي أكثر وأغلب عليَّ من غضبي. قال -تعالى-: (ورحمتي وسعت كل شيء)، وهذا يحمل المسلم على عدم اليأس والقنوط.

معاني المفردات: العرش : سرير الملك، وعرش الرحمن: سرير الله أعلم به. غضبي : الغضب من الله صفة واضحة نؤمن بها، وهو إنكاره على من عصاه، وسخطه عليه، وإعراضه عنه، ومعاقبته له.

فوائد الحديث: فيه دليل على علو الله -عز وجل- على خلقه، وأنه فوق عرشه بائن من خلقه. إثبات صفتي الرحمة والغضب لله -عز وجل-، ولا يجوز تأويلهما بإرادة الثواب والعقاب. سعة رحمة الله بعباده كافة، وأن رحمته سبقت غضبه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

171. ما زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالجَارِ حَتَّى ظَنَنتُ أَنَه سَيُورثه

عن عائشة -رضي الله عنها-, وعبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورِّثه».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: ما زال جبريل يوصيني بالاعتناء بالجار، حتى ظننت أنه سينزل الوحي الذي يأتي به جبريل بتوريث الجار.

معاني المفردات: يوصيني بالجار : أي: بالاعتناء به. ظننت أنه سيورثه : اعتقدت وترقبت أن يأتيني ويجعل الجوار سببا للإرث.

فوائد الحديث: عظم حق الجوار ووجوب مراعاة ذلك. التأكيد على حقه بالوصية يقتضي ضرورة إكرامه والتودد والإحسان إليه، ودفع الضر عنه، وعيادته عند المرض، وتهنئته عند المسرة، وتعزيته عند المصيبة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، ورواه مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها-.

172. ما عَابَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ما عاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعاما قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: لم يعب النبي -صلى الله عليه وسلم- أبدا فيما مضى طعاما، ولكنه إن اشتهاه أكله وإلا تركه ولا يعيبه.

معاني المفردات: ما عاب : أي: ما جعله ذا عيب. طعاما : ما يطعمه من مأكول ومشروب. اشتهاه : اشتهى الشيءَ: اشتدت رغبته فيه. قط : أي: في زمن من الأزمنة.

فوائد الحديث: ينبغي أن لا يعب المسلم طعامًا تأسيا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-. في مدح الطعام دليل الرغبة، وفي ذمه دليل احتقار النعمة. حسن خلق الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه لم يعب طعاما قط. بيان حسن الأدب؛ لأن المرء قد لا يشتهي طعاما ويشتهيه غيره. في تعييب الطعام كسر لقلب صاحبه، وفي مدحه الثناء على الله -سبحانه وتعالى-, وجبر لقلب صاحبه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

173. العبادة في الهَرْج كهجرة إليَّ

عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «العبادة في الهَرْج كهجرة إليَّ».

أشراط الساعة - الرقاق - الأدب.

راوي الحديث: مَعْقِلُ بن يَسار -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث أنَّ من ابتعد عن مواطن الفتن والقتل واختلاط الأمور وفساد الدين، ثم أقبل على عبادة ربه، والتمسك بسنة نبيه كان له من الأجر والمثوبة كمن هاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

معاني المفردات: العبادة : هي : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. الهَرْج : الفتنة واختلاط أمور الناس، والقتال. كهجرة إليَّ : أي : لها مثل ثواب من هاجرإلى المدينة النبوية حين كانت الهجرة إليها واجبة.

فوائد الحديث: الحث على التزام السنة والتمسك بشرع الله -عز وجل- تحصناً من الفتن، وحفظاً من الفساد. بيان فضل العبادة في الهرج. الناس في الفتن ينشغلون عن الطاعات، ولا يتفرغ لها إلا الأفراد، لذلك كان فضل العبادة في الهرج كبير.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

174. كُنّا نتكلم في الصلاة، يُكَلِّمُ الرجل صاحبه، وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت {وقوموا لله قانتين}؛ فَأُمِرْنَا بالسكوت و نُهِينَا عن الكلام

عن زَيْد بن أَرْقَمَ رضي الله عنه قال: «كُنّا نتكلم في الصلاة، يُكَلِّمُ الرجل صاحبه، وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت ((وقوموا لله قانتين))؛ فَأُمِرْنَا بالسكوت ونُهِينَا عن الكلام».

راوي الحديث: زيد بن أرْقَم -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الصلاة صِلة بين العبد وربه؛ فلا ينبغي أن يتشاغل المصلي بغير مناجاة الله ،فيخبر زيد بن أرقم رضي الله عنه أن المسلمين كانوا في بدء أمرهم يتكلمون في الصلاة بقدر حاجتهم إلى الكلام، فقد كان أحدهم يكلم صاحبه بجانبه في حاجته، وكان على مسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليهم. ولما كان في الصلاة شغل بمناجاة الله عن الكلام مع المخلوقين، أمرهم الله تبارك وتعالى بالمحافظة على الصلاة وأمرهم بالسكوت ونهاهم عن الكلام، فأنزل الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصّلاةِ الوُسطى وَقُومُوا لله قَانِتِينَ}. فعرف الصحابة منها نهيهم عن الكلام في الصلاة فانتهوا، رضي الله عنهم.

معاني المفردات: قانتين : للقُنُوت عدة معان، منها: الطاعة، والخشوع، والدعاء وطول القيام والسكوت، وهو المراد هنا، فقد فهم منه الصحابة نهيهم عن الكَلام في الصلاة، وأمرهم بالسكوت. كنا نتكلم : أي خلف النبي صلى الله عليه وسلم. يكَلِّمُ الرجل صاحبه : أي في حاجته. وقوموا لله : أي لأجله. فأُمِرنا : أمرنا الله أو رسوله تنفيذًا للآية. بالسكوت : الكف عن كلام الناس لا كل الكلام؛ لأن الصلاة فيها قراءة وذكر ودعاء. نُهِينا : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم. الكلام : أي كلام الناس.

فوائد الحديث: كان الكلام في الصلاة أول الإسلام مباحًا بقدر الحاجة إليه. الاحتجاج بقول الصحابي في سبب النزول، كما أنه حجة في غيره. تحريم الكلام في الصلاة بعد نزول قوله تعالى: {وَقُومُوا لله قَانِتِينَ}. من العامد، وهو الذي يعلم أنه في صلاة، وأن الكلام فيها محرم. أن الكلام -مع حرمته- مُفْسِد للصلاة؛ لأن النهي يقتضي الفساد. أن القنوت المذكور في هذه الآية، مراد به السكوت، كما فهمه الصحابة، وعملوا بمقتضاه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. أن المعنى الذي حرم من أجله الكلام، هو طلب الإقبال على الله في هذه العبادة، والتلذُذ بمناجاته فَليُحْرَصْ على هذا المعنى السامي. صراحة النَّسْخ في مثل هذا الحديث الذي جمع بين الناسخ والمنسوخ. الحكمة في التشريع حيث كان الكلام مباحًا ثم حرم.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

175. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلَّى على قبر بعد ما دُفِنَ, فَكَبَّرَ عليه أَرْبَعاً

عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلَّى على قبر بعدَ ما دُفِنَ, فَكَبَّرَ عليه أَرْبَعاً».

شفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأمة.

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: قد جُبلَ النبي -صلى الله عليه وسلم- على محاسن الأخلاق، ومن ذلك ما اتصف به من الرحمة والرأفة، فما يَفْقِدُ أحداً من أصحابه حتى يسأل عنه، ويتفقد أحواله. فقد سأل عن صاحب هذا القبر، فأخبروه بوفاته، فأحب أنهم أخبروه ليصلي عليه، فإن صلاته سكنٌ للميت، ونور يزيل الظلمة التي هو فيها، فصلى على قبره كما يصلى على الميت الحاضر. صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على القبر لا يفهم منها صعوده على القبر, وإنما المعنى الوقوف بجانبه واستقباله والصلاة عليه صلاة الجنازة.

معاني المفردات: صلّى على قبر : أي على صاحب قبر. بعد ما دفن : أي بساعات لأن الصلاة كانت صبيحة دفنه. كَبَّرَ أربعا : صلى عليه فقال: الله أكبر أربع مرات, كما يفعل في صلاة الجنازة على الميت الحاضر.

فوائد الحديث: مشروعية الصلاة على القبر، ولا يلتفت إلى من منعه، لرَدِّه النصوص بلا حجة. أن صفة الصلاة على القبر، مثل صفة الصلاة على الميت الحاضر. ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- من الرحمة والرأفة، وتفقد الواحد من أصحابه, مهما كانت منزلته. صلاة الجنازة جائزة في المقبرة؛ لأنها ليس فيها ركوع ولا سجود، والنهي عن الصلاة في المقبرة مخصص بالصلاة ذات الركوع والسجود المعروفة.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

176. أن الشمس خَسَفَتْ على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعث مُناديا ينادي: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، وتقدم، فكبر وصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات

عن عائشة -رضي الله عنها- «أن الشمس خَسَفَتْ على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعث مُناديا ينادي: الصلاة جامعة، فاجْتَمَعوا، وتقَدَّم، فكَبَّر وصلَّى أربعَ ركعات في ركعتين، وأربعَ سجَدَات».

الأذان.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: خسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعث مُنادياً في الشوارع والأسواق ينادى الناس (الصلاة جامعة) ليصلوا ويدعو الله -تبارك وتعالى- أن يغفر لهم ويرحمهم وأن يديم عليهم نعمه الظاهرة والباطنة. واجتمعوا في مسجده -صلى الله عليه وسلم- وتقدم إلى مكانه حيث يصلي بهم، فصلى بهم صلاة لا نظير لها فيما اعتاده الناس من صلاتهم؛ لآية كونية خرجت عن العادة، فهي بلا إقامة، فكبر وصلى ركعتين في سجدتين، وركعتين في سجدتين يعني في كل ركعة ركوعان وسجودان.

معاني المفردات: خَسَفَت : ذهب ضوؤها كليا أو جزئيا. عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- : أي زمنه. فبعث : أرسل. الصلاةَ جامعةً : أحضروا للصلاة في حال كونها جامعة. أربع ركعات في ركعتين : أي يصلي في كل ركعة ركوعين. سجدات : جمع سجدة: بمعنى أن ينزل إلى الأرض واضعا عليها الجبهة والأنف والكفين والركبتين وأطراف القدمين -في الصلاة-. ركعات : جمع ركعة والمقصود به هنا الركوع بأن يحني المصلي ظهره في الصلاة.

فوائد الحديث: وجود خسوف الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. استحباب الصلاة عند الخسوف، ونقل النووي الإجماع على أنها سنة. مشروعية الاجتماع لها لأجل التضرع والدعاء، والمبادرة بالتوبة والاستغفار لأن سبب ذلك الذنوب. أنه ليس لها أذان، وإنما ينادى لها بـ"الصلاة جامعة"؛ لأن الكسوف والخسوف يأتيان مفاجأة فشرع النداء لهما بخلاف العيد والاستسقاء يأتيان على موعد فلم يناد لهما. أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجودان. سرعة امتثال الصحابة وتركهم لأعمالهم لأجل صلاة الكسوف دلالة على فضلهم.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

177. من كلِّ الليل أَوْتَرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من أول الليل، وأوسطه، وآخره، وانتهى وِتْرُهُ إلى السَّحَرِ

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «من كلِّ الليل أَوْتَرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من أول الليل، وأوسطه، وآخره، وانتهى وِتْرُهُ إلى السَّحَرِ».

الوتر - التنويع في العبادات.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تخبر عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- عن الوقت الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الوتر فيه من الليل، وأنه لا يتقيد بساعة دون أخرى، ففي كل ساعات الليل كان يوتر، أحيانا من أوله حين يصلي العشاء وما شاء الله بعدها، وأحيانا من أوسطه بعد مُضِي ثلثه الأول، وأحيانا من آخره حين يمضي ثلثاه حتى تكون آخر ساعة من الليل.

معاني المفردات: من كلّ الليل : أي من كل ساعة من الليل، في ليالي مختلفة. قد أوتر : قد صلى الوِتْر. من أول الليل : من بعد صلاة العشاء. انتهى وِتْرُهُ : أي وقت وتره. السَّحر : هو آخر جزء من الليل.

فوائد الحديث: جواز صلاة الوِتْر في أول الليل، وأوسطه، وآخره، لأن الجميع وقتها. أن الأفضل أن يكون وِتْر في آخر الليل، لمن وثق من نفسه بالقيام. الوِتْر من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

178. إن الرقى والتمائم والتِّوَلَة شرك

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الرقى والتمائم والتِّوَلَة شرك".

الطب.

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخبر أن استعمال هذه الأشياء لقصد دفع المضار وجلب المصالح من عند غير الله شركٌ بالله لأنه لا يملك دفع الضر وجلب الخير إلا الله سبحانه، وهذا الخبر معناه النهيُ عن هذا الفعل. فالرقى -وتسمى العزائم- والتمائم وهي التي تعلق على الأطفال من الخرز ونحوها، والتولة وهي التي تصنع لتحبب أحد الزوجين إلى الآخر بأنها شرك بالله -تعالى-، والجائز من الرقى ما تضمن ثلاثة شروط: الأول: أن لا يعتقد أنها تنفع بذاتها دون الله، فإن اعتقد أنها تنفع بذاتها من دون الله فهو محرم، بل شرك، بل يعتقد أنها سبب لا تنفع إلا بإذن الله، الثاني: أن لا تكون مما يخالف الشرع، كما إذا كانت متضمنة دعاء غير الله، أو استغاثة بالجن، وما أشبه ذلك، فإنها محرمة، بل شرك، الثالث: أن تكون مفهومة معلومة، فإن كانت من جنس الطلاسم والشعوذة، فإنها لا تجوز.

معاني المفردات: الرقى : هي القراءة على المريض ونحوه، سواء مع النفث أو بدونه، والمشروع منها ما توفرت فيه ثلاثة شروط كما سبق. التمائم : جمع تميمة، وهي ما يعلقونه من الخرز ونحوها على الصبيان اتقاء العين. التولة : شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى زوجته.

فوائد الحديث: الحث على صيانة العقيدة عما يخل بها وإن كان يتعاطاه كثيرٌ من الناس. تحريم استعمال هذه الأشياء المذكورة فيه. الشرك الموصوف به في الحديث هل هو شرك أصغر أو أكبر؟ نقول: بحسب ما يريد الإنسان منها: إن اتخذها معتقدا أن المسبب للمحبة هو الله; فهي شرك أصغر، وإن اعتقد أنها تفعل بنفسها; فهي شرك أكبر. تحريم الرقى وأنها من الشرك إلا ما كان منها مشروعا.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد.

179. إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِذا تَثَاءبَ أحَدُكمْ فَلْيمْسِكْ بيدهِ على فِيهِ؛ فَإنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخل».

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في الحديث أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عند التثاؤب بوضع اليد على الفم، والأفضل أن ترد التثاؤب ما استطعت، ولو بوضع اليد على الفم؛ "فإن الشيطان يدخل فيه"، أي: في الإنسان عند انفتاح فمه حال التثاؤب؛ فيضحك منه ويدخل في جوفه، فيمنعه من ذلك بوضع اليد على الفم؛ سداً لطريقه، ومبالغة في منعه وتعويقه، وفيه كراهية صورة التثاؤب المحبوبة للشيطان.

معاني المفردات: التثاؤب : التثاؤب: ما يصيب الإنسان عند الكسل والنعاس والهم من فتح الفم والتمطي.

فوائد الحديث: استحباب وضع اليد على الفم عند التثاؤب؛ لأن الشيطان يدخل الجوف مع التثاؤب. التزام آداب الإسلام في جميع الحالات؛ لأنها عنوان الكمال والأخلاق. الشيطان يرقب غفلة ابن آدم حتى يسخر منه، ويدخل في فيه. في الحديث دلالة للمسلم على أن يحارب الشيطان بكل وسيلة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

180. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة الفجر يوم الْجمعَةِ: الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ وهَلْ أتى على الإنسان

عن أبي هُرَيْرة -رضي الله عنه- قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يَقْرأ فِي صلاة الفجر يَومَ الجُمُعَةِ: الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ وهَلْ أتى على الإنسَان».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كان من عادة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة سورة السجدة كاملة، وذلك في الركعة الأولى بعد الفاتحة، ويقرأ في الركعة الثانية بعد الفاتحة سورة الإنسان كاملة؛ تذكيرا بما اشتملت عليه السورتان من أحداث عظيمة وقعت وستقع في هذا اليوم, كخلق آدم، وذكر المعاد وحشر العباد، وأحوال القيامة, وغيرها.

معاني المفردات: كان : هنا تدل على الاستمرار. "الم تنزيل" السجدة : السورة التي اسمها السجدة. هل أتى على الإنسان : السورة التي اسمها الإنسان.

فوائد الحديث: استحباب قراءة هاتين السورتين في صلاة فجر يوم الجمعة. من السنة المواظبة على قراءة هاتين السورتين في صلاة الفجر يوم الجمعة. فيه تذكير للناس بما كان وسيكون في هذا اليوم.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

181. الظلم ظلمات يوم القيامة

عن ابن عمر-رضي الله عنهما- مرفوعا: «الظلم ظلمات يوم القيامة». عن جابر-رضي الله عنهما- مرفوعا: «اتقوا الظلم, فإن الظلم ظلمات يوم القيامة, واتقوا الشُّحَ؛ فإنه أَهْلَكَ من كان قبلكم».

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: الحديثان من أدلة تحريم الظلم، وهو يشمل جميع أنواع الظلم، ومنه الشرك بالله تعالى، وقوله في الحديثين: "الظلم ظلمات يوم القيامة" معناه أنه ظلمات متوالية على صاحبه بحيث لا يهتدي يوم القيامة سبيلا. وقوله في الحديث الثاني: (واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم) فيه التحذير من الشح وبيان أنه إذا فشا في المجتمع فهو علامة الهلاك، لأنه من أسباب الظلم والبغي والعدوان وسفك الدماء.

معاني المفردات: اتقوا : ابتعدوا عنه. الظلم : وضع الشيء في غير موضعه أو مجاوزة حد الشارع. الشح : البخل بما عنده والحرص على ما ليس عنده.

فوائد الحديث: التحذير من الظلم، والأمر باجتنابه، فإنه خطِر العاقبة. التحذير من الشح والبخل، فإنه سبب هلاك الأمم السابقة. الجزاء من جنس العمل، فلما ظلم الناس في الدنيا أظلم الله عليه يوم القيامة. أن ما كان سببًا للهلاك في الأمم السابقة يكون سببًا لهلاك في هذه الأمة. تحريم الظلم والشح.

المصدر : بلوغ المرام. صحيحان.

التخريج: حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: متفق عليه. حديث جابر -رضي الله عنه-: رواه مسلم.

182. اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئا, فشَقَّ عليهم، فاشْقُقْ عليه

عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: «اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً, فشَقَّ عليهم؛ فاشْقُقْ عليه».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: في الحديث وعيد شديد لمن ولي أمرًا من أمور المسلمين صغيرًا كان أم كبيرًا وأدخل عليهم المشقة، وذلك بدعاء رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عليه بأن الله -تعالى- يجازيه من جنس ما عمل.

معاني المفردات: اللهم : هي بمعنى: يا الله.فشَقَّ عليهم : صعّب عليهم الأمر.

فوائد الحديث: الحديث فيه وعيد شديد على الأمراء والعمال الذين يشقون على الناس. يجب على من تولى شيئا من أمور المسلمين أن يرفق بهم ما استطاع. أن الجزاء من جنس العمل.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

183. إن رجالًا يَتَخَوَّضُون في مال الله بغير حق, فلهم النار يوم القيامة

عن خولة الأنصارية -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن رجالاً يَتَخَوَّضُون في مال الله بغير حق, فلهم النار يوم القيامة».

راوي الحديث: خولة الأنصارية -رضي الله عنها-

المعنى الإجمالي: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أناس يتصرفون في أموال المسلمين بالباطل، وأنهم يأخذونها بغير حق، ويدخل في ذلك أكل أموال اليتامى وأموال الوقف من غير مستحقها وجحد الأمانات والأخذ بغير استحقاق ولا إذن من الأموال العامة، وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن جزاءهم النار بذلك يوم القيامة.

معاني المفردات: يتخوضون في مال الله : يتصرفون في أموال المسلمين بالباطل.

فوائد الحديث: يحرم على الإنسان أن يكتسب المال إلا من الوجه الحلال، لأن اكتسابه من الحرام من التخوض فيه والتصرف بالباطل. المال بيد المسلمين وبيد ولاتهم هو مال الله استخلفهم عليه لينفقوه في الطرق المشروعة، والتصرف فيه بالباطل حرام، وهذا عام في الولاة وغيرهم من سائر المسلمين.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

184. إيَّاكم والظنَّ, فإن الظنَّ أكذب الحديث

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: «إيَّاكم والظنَّ, فإن الظنَّ أكذبُ الحديث».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في الحديث تحذير من الظن الذي لم يُبن على دليل، بحيث يعتمد الإنسان على هذا الظن المُجرد ويبني عليه الأحكام، وأن هذا من مساوئ الأخلاق، وأنه من أكذب الحديث لأن الظان إذا اعتمد على ما لا يُعتمد عليه وجعله أصلا وجزم به صار كذباً بل أشد الكذب.

معاني المفردات: إياكم والظن : أسلوب تحذير، ومعناه: حذروا أنفسكم من الظن، واحذروا الظن. الظن : هو التهمة، وهو ظن السوء بالمسلم من غير برهان.

فوائد الحديث: التحذير من الظن الذي لم يُبن على دليل. لا يضر الظن السيء بمن ظهرت منه علاماته، كأهل السوء والفسوق. المراد التحذير من التهمة التي تستقر في النفس، ومن الإصرار عليها، أما ما يعرض في النفس ولا يستقر فهذا لا يُكلف به.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

185. سِبابُ المسلم فسوق, وقتاله كفر

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «سِبابُ المسلم فسوق, وقتاله كفر».

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الحديث دليل على عظم حق المسلم حيث حكم على سب المسلم أخاه بالفسوق وهو الخروج عن طاعة الله، وأن من قاتل أخاه المسلم فإنه يكفر كفرًا يخرجه عن الملة إذا كان يعتقد حل قتال المسلم، وأما إذا قاتله لشيء في نفسه أو لدنيا دون أن يعتقد حل دمه فإنه يكون كافرًا كفرًا أصغر لا يخرجه عن الملة، ويكون إطلاق الكفر عليه مبالغة في التحذير.

معاني المفردات: سِباب : السب هو الشتم وهو التكلم في عرض الإنسان بما يعيبه. فسوق : فجور وخروج عن الحق. قتاله : مقاتلته. كفر : لم يُرد حقيقة الكفر الذي هو خروج عن الملة، بل إنما أُطلق عليه الكفر زجرا؛ للتحذير.

فوائد الحديث: مفهوم الحديث جواز سب الكافر، وهذا إذا كان كافرا محاربا، أما من بيننا وبينه عهد فقد جاءت النصوص بتحريم أذيته، ومن أذيته سبه. وجوب احترام عرض المسلم. لم يُرد حقيقة الكفر الذي هو خروج عن الملة، بل إنما أُطلق عليه الكفر زجرا؛ للتحذير، فالإجماع منعقد من أهل السنة على أن المؤمن لا يكفر بالقتال، ولا بفعل معصية أخرى. سب المسلم من المعاصي التي نهى الله عنها وحرمها.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

186. كل معروف صدقة

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل معروف صدقة».

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: كل معروف يفعله الإنسان صدقة، والصدقة هي ما يعطيه المتصدّق من ماله، وهذا يشمل الصدقة الواجبة والمندوبة، فبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن فعل المعروف له حكم الصدقة في الأجر والثواب.

معاني المفردات: معروف : المعروف اسم جامع لكل ما فيه نفع للآخرين من قول أو فعل.

فوائد الحديث: الحديث يدل على أن الصدقة لا تنحصر فيما أخرجه الإنسان من ماله، بل كل شيء يفعله الإنسان أو يقوله من الخير يكتب له به صدقة. فيه الترغيب في بذل المعروف وكل ما فيه نفع للآخرين.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

187. لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام, وإذا لقيتموهم في طريق, فاضطروهم إلى أضيقه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تَبْدَؤوا اليهود والنصارى بالسَّلام، وإذا لَقِيتُمُوهُمْ في طريق، فاضْطَّرُّوهُمْ إلى أَضْيَقِهِ».

الجهاد.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بدء أهل الكتاب بالسلام؛ وذلك لأن تسليمنا عليهم فيه نوع من الإكرام لهم؛ -والكافر ليس أهلاً للإكرام، ولا بأس أن يقول للكافر ابتداءً كيف حالك، كيف أصبحت، كيف أمسيت؟ ونحو ذلك إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن النهي عن السلام، وكذلك أمرنا أن لا نوسع لهم الطريق، فإذا قابل المسلم الكتابي في الطريق، فإن المسلم يُلجئه إلى أضيق الطريق، ويكون وسط الطريق وسعته للمسلم، وهذا عند ضيق الطريق، وحيث لا يتسبب في إلحاق الضرر بالكتابي، وجملة القول في ذلك: أن ما كان من باب البر والمعروف ومقابلة الإحسان بالإحسان قمنا به نحوهم لتأليف قلوبهم، ولتكن يد المسلمين هي العليا، وما كان من باب إشعار النفس بالعزة والكرامة ورفعة الشأن فلا نعاملهم به؛ كبدئهم بالسلام تحية لهم، وتمكينهم من صدر الطريق تكريمًا لهم.

معاني المفردات: فاضطروهم إلى أضيقه : أي: ألجئوهم أن يسيروا على حافة الطريق، وهذا عند الزحام.

فوائد الحديث: لا يجوز للمسلم أن يبتدئ أحدًا من اليهود والنصارى بالسلام. يُفهم من النهي عن ابتدائهم أنه لا يُنهى عن رد السلام عليهم، وهذا ما صرحت به أحاديث أخرى، ففي الصحيحين عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم". إذا قابل الكتابيُّ المسلمَ في الطريق فإن المسلم يُلجئه إلى أضيق الطريق، ويكون سعة الطريق للمسلم، وهذا عند الزحام، فإن خلت الطريق عن الزحمة فلا حرج، ويكون التضييق بحيث لا يوقع بهم ضررا. إظهار عزة المسلمين وصغار غيرهم، دون ظلم أو بذاءة في القول. التضييق على الكفار بسبب ما هم عليه من كفر بالله -تعالى-، قد يكون ذلك سببًا في إسلامهم؛ فينجوا من النار، إذا حملهم ذلك على معرفة السبب، وهذا عندما يكون المسلمون ملتزمون بكل أحكام دينهم، ومنها ما جاء في هذا الحديث.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

188. لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئا, ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق

عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- مرفوعاً: «لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئا, ولو أن تَلْقَى أخاك بوجه طَلْق».

راوي الحديث: أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الحديث دليل على استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء، وأن هذا من المعروف الذي ينبغي للمسلم أن يحرص عليه ولا يحتقره لما فيه من إيناس الأخ المسلم وإدخال السرور عليه.

معاني المفردات: لا تحقرنّ : احتقار الشيء: الاستهانة بقدره.طَلْق : سهل منبسط مشرق.

فوائد الحديث: طلب التواد والتحاب بين المؤمنين، وطلاقة الوجه وابتسامته والبِشر. كمال هذه الشريعة وشمولها، وأنها جاءت بكل ما فيه صلاح المسلمين وتوحيد كلمتهم. الحرص على فعل المعروف خاصة ما كان متعلقا بالآخرين، وألا يحتقر من المعروف شيئا. استحباب إدخال السرور على المسلمين؛ لما في ذلك من تحقيق الألفة بينهم.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

189. ليس الشديد بالصُّرَعة, إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «ليس الشديد بالصُّرَعة, إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: القوة الحقيقية ليست هي قوة العضلات والجسد، وليس الشديد القوي هو الذي يصرع غيره من الأقوياء دائمًا، وإنما القوي الشديد بحق هو الذي جاهد نفسه وقهرها حينما يشتد به الغضب؛ لأن هذا يدل على قوة تمكنه من نفسه وتغلبه على الشيطان.

معاني المفردات: الشديد : القوي في بدنه.الصُّرَعة : هو القوي الذي يصرع الناس.

فوائد الحديث: فضيلة الحلم، قال تعالى: "وإذا ما غضبوا هم يغفرون". مجاهدة النفس عند الغضب أشد من مجاهدة العدو. تغيير الإسلام لمفهوم القوة الجاهلي إلى أخلاق كريمة تبني شخصية مسلمة متميزة؛ فأشد الناس قوة هو من ملك زمام نفسه وفطمها عن شهواتها. وجوب الابتعاد عن الغضب؛ لما فيه من الأضرار الجسمية والنفسية والاجتماعية. الغضب صفة بشرية تنصرف بأمور منها مِلك النفس.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

190. من دلَّ على خير, فله مثل أجر فاعله

عن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من دلَّ على خير, فله مثلُ أجرِ فاعلِه».

راوي الحديث: أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: هذا حديث عظيم، يدل على أن من أرشد غيره إلى خير كان له من الأجر مثل ما للفاعل، وهذا يشمل الدلالة بالقول كالتعليم، والدلالة بالفعل وهو القدوة الحسنة.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: الحث على الدلالة على الخير.الوسائل لها أحكام المقاصد.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

191. إذا انْتَعَل أحدكم فليبدأ باليمين, وإذا نزع فليبدأ بالشمال, ولْتَكُن اليُمنى أولَهُما تُنْعَل, وآخرَهُما تُنْزَع

عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مرفوعاً: «إذا انْتَعَل أحدكم فليبدأ باليمين, وإذا نَزَعَ فليبدأ بالشمال, ولْتَكُن اليُمنى أولَهُما تُنْعَل, وآخِرَهُما تُنْزَع».

راوي الحديث: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: المستحب في لبس النعل البدء في اللبس أن يكون للرِّجل اليمنى، والمستحب في الخلع العكس وهو البدء باليسرى، لما في ذلك من تكريم الرجل اليمنى.

معاني المفردات: انْتَعَلَ : لبس النعل.

فوائد الحديث: استحباب البدء بالرِّجل اليمنى عند لبس النعل وتأخير اليسرى. استحباب البدء بخلع نعل الرِّجل اليسرى وتأخير خلع اليمنى.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

192. لا تسبوا الأموات; فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا

عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: «لا تسبوا الأموات; فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: الحديث دليل على تحريم سب الأموات والوقوع في أعراضهم، وأن هذا من مساوئ الأخلاق، وحكمة النهي جاءت من قوله في بقية الحديث: "فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" أي وصلوا إلى ما قدموه من أعمالهم صالحة أو طالحة، وهذا السب لا يبلغهم وإنما يؤذي الأحياء.

معاني المفردات: أفضوا إلى ما قدموا : صاروا إلى ما قدموا من أعمالهم.

فوائد الحديث: الحديث دليل على تحريم سب الأموات، وعمومه يفيد أنه سواء أكانوا مسلمين أم كفارًا. يستثنى من النهي عن سب الأموات إذا كان في ذكر معايبهم فائدة. الحكمة من النهي عن سبهم جاءت في الحديث، وهي أنهم وصلوا إلى ما قدموا من خير أو شر فلا ينفع سبهم، وأيضا لما فيه من إيذاء أقاربه الأحياء. أنه لا ينبغي للإنسان أن يقول ما لا فائدة فيه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

193. لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان: فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام

عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان: فيُعرض هذا، ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».

راوي الحديث: أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في الحديث نهي عن هجر المسلم أخاه المسلم أكثر من ثلاث ليال، يلتقي كل منهما بالآخر فيعرض عنه ولا يسلم عليه ولا يكلمه، ويُفهم منه إباحة الهجر في الثلاث فما دونها، مراعاة للطباع البشرية؛ لأن الإنسان مجبول على الغضب، وسوء الخلق، فعُفي عن الهجر في الثلاث ليذهب ذلك العارض، والمراد بالهجر في الحديث الهجر لحظ النفس، أما الهجر لحق الله تعالى كهجر العصاة، والمبتدعة، وقرناء السوء، فهذا لا يؤقت بوقت، وإنما هو معلق بسبب يزول بزواله، وأفضل هذين المتخاصمين من يحاول إزالة الهجر، ويبدأ بالسلام.

معاني المفردات: يهجر : الهجر الترك، والمراد أن يترك المؤمن السلام والكلام مع أخيه المؤمن إذا تلاقيا، ويعرض كل واحد منهما عن صاحبه.

فوائد الحديث: تحريم هجر المسلم أكثر من ثلاثة أيام، فيما يتعلق بالأمور الدنيوية. فضيلة الذي يبدأ صاحبه بالسلام، ويزيل ما بينهما من التهاجر والتقاطع. فضل السلام، وأنه يُزيل ما في النفوس، وأنه علامة على المحبة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

194. لا يدخل الجنة قاطع

عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- مرفوعاً: «لا يدخل الجنة قاطع».

راوي الحديث: جُبير بن مُطعم -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الحديث دليل على تحريم قطيعة الرحم، وأن ذلك من كبائر الذنوب، ومعنى الحديث: نفي الدخول الذي لا يسبقه عذاب، وليس نفيا لأصل الدخول؛ لأن قاطع الرحم ليس كافرا تحرم عليه الجنة، بل مآله إلى الجنة قطعاً ما دام موحدا، لكنه دخول يسبقه عذاب بقدر ذنبه.

معاني المفردات: قاطع : قاطع الرحم: الذي لم يصلها.

فوائد الحديث: قطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب.خطورة قطيعة الرحم، وبيان أضرارها.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

195. لا يدخل الجنة قَتَّات

عن حذيفة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يدخل الجنة قَتَّات».

الإيمان - الوعيد.

راوي الحديث: حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر -صلى الله عليه وسلم- بوعيد شديد على فاعل النميمة -نقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد-، وهو أنه لا يدخل الجنة أي ابتداءً، بل يسبقه عذاب بقدر ذنبه، والقتات هو النمام، وفعله من الكبائر؛ لهذا الحديث.

معاني المفردات: قَتَّات : هو الذي ينقل الكلام من شخص لشخص، أو أشخاص، بقصد الإفساد. الجنة : هي الدار التي أعدها الله لمن اطاعه، فيها من النعيم المقيم ما لا يخطر على بال. لا يدخل الجنة : أي لَا يدْخل الْجنَّة ابْتِدَاء وَقد يدْخل النَّار.

فوائد الحديث: النميمة من كبائر الذنوب؛ لما يحصل فيها من الأثر السيء، والعاقبة الوخيمة. أن هذه الشريعة مبنية على كل ما يكون فيه التآلف بين المسلمين.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

196. لا يمش أحدكم في نعل واحدة، وليُنْعِلهما جميعًا، أو ليخلعهما جميعًا

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمش أحدكم في نعل واحدة، لِيُنْعِلهما جميعًا، أو لِيَخْلَعْهُمَا جميعًا».

الأمور المنهي عنها.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المشي في نعل واحدة، فإما أن يلبس النعلين جميعا، أو يخلعهما جميعا ويكون حافيا، وهذا الأدب دليل من الأدلة على دقة الشريعة الإسلامية وشمولها لجميع مناحي الحياة.

معاني المفردات: لينعلهما جميعا : يلبس النعلين في كلتا رجليه. ليخلعهما : أي ينزع رجليه من النعلين.

فوائد الحديث: الإسلام كامل، ويدعو إلى الكمال، وجميل يحب الجمال؛ فإن مشي الإنسان في نعل واحدة، أو خفٍّ واحدة، ففيه مُثْلَةٌ وتشهير، ومخالفة للمعتاد؛ لذا نهى عن المشي في نعل واحدة، فإما أن ينعل الرجلين جميعًا، وإما أن يتركهما، ويكون حافيًا، وكان صلى الله عليه وسلم تارة ينتعل، وتارة يمشي حافيًا. النهي عن المشي في نعل واحدة، وهذا النهي عند جمهور العلماء للكراهة لا للتحريم. جواز لبس النعلين وعدمه. اهتمام الإسلام بالمظهر الطيب الموافق لجميل المروءة؛ لأن المشي بنعل واحدة يخالف سجية المشي، ولا يأمن من العثار.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

197. لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا ينظر الله إلى من جَرَّ ثوبه خُيَلَاءَ».

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: الحديث فيه وعيد شديد لمن جر ثوبه على الأرض تكبرا ًوترفعاً على الخلق، بأن الله تعالى يُعرض عنه، ولا ينظر إليه نظرة رحمة، ولاينفي هذا إثبات نظر الله العام لجميع الخلائق، ومن المعلوم تحريم إسبال الثياب مطلقاً، ويشتد التحريم حين يكون ذلك تكبراً.

معاني المفردات: خيلاء : الخُيَلاء: التكبُّر والعجب بالنفس. لا ينظر الله : لا ينظر يعني نظرة رحمة وعطف، وإن كان النظر العام شامل لكل أحد، لكن النظر الخاص -نظر الرحمة- ينتفي عن مثل هذا المتكبر. جرّ : سحب على وجه الأرض بسبب طول الإزار ونحوه. ثوبه : يشمل جميع الثياب.

فوائد الحديث: تحريم إسبال الثياب مطلقا، ويشتد التحريم حين يكون ذلك تكبرا. هذا الحكم عام في الثياب والسراويل وغيرها. إثبات صفة النظر لله -سبحانه وتعالى-. الإسبال فيه مفاسد كثيرة، ومنها الوقوع في الإسراف، لأن الثوب الزائد على قدر لابسه يتسخ ويتمزق فهو داخل في الإسراف.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

198. من أحبَّ أن يُبْسَطَ عليه في رزقه، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رحمه

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من أحبّ أن يُبْسَطَ عليه في رزقه، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رحمه».

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث حث على صلة الرحم، وبيان بعض فوائدها بالإضافة لتحقيق رضا الله -تعالى-، فإنها سبب أيضًا للثواب العاجل بحصول أحب الأمور إلى العبد، وأنها سبب لبسط رزقه وتوسيعه، وسبب لطول العمر. وقوله -تعالى-: (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها) معناه الأجل الذي ستبلغه بعد فعل الأسباب التي تطيل العمر، فلو قُدِّر أن عمر شخصٍ خمسون سنة، وأنه قبل أن يموت سيصل رحمه ويصبح عمره ستون سنة، فلن يُؤخَّر عن الستين، وكل ذلك يعلمه الله تعالى ابتداء، لكن قد يخفى على بعض الملائكة، وقوله -تعالى-: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) أي من صحف الملائكة (وعنده أم الكتاب) الذي كُتب فيه تفصيل كلِّ شيء، فلا يتغير منه شيء.

معاني المفردات: يُبْسَط : يوسّع. يُنْسَأ : يُؤخر. أَثَره : الأثر: الأجل. فليصل رحمه : صلة الرحم: الإحسان إلى الأقربين سواء بالزيارة أو الإكرام البدني أو بالمال عند حاجته وغير ذلك بحسب العرف.

فوائد الحديث: الحث والحرص على صلة الرحم. صلة الرحم سبب قوي جعله الله في سعة رزق الواصل وطول عمره. الجزاء من جنس العمل، فمن وصل رحمه بالبر والإحسان، وصله الله في عمره ورزقه. إثبات الأسباب؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أثبت سببًا -وهو: صلة الرحم- ومسببًا -وهو: طول الأجل وسعَة الرزق-.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

199. من تَسَمَّع حديث قوم, وهم له كارهون, صُبَّ في أذنيه الآنُكُ يوم القيامة

عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من تَسَمَّع حديث قوم وهم له كارهون؛ صُبَّ في أذنيه الآنُكُ يوم القيامة».

الإيمان - الأمور المنهي عنها.

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: في الحديث الوعيد الشديد لمن يستمع حديث قوم وهم لا يحبون أن يسمع حديثهم، وهو من الأخلاق السيئة التي هي من كبائر الذنوب، والجزاء من جنس العمل؛ لأنه لما تَسَمَّعَ بأذنه عُوِقَب فيها، وهو أنه يُلقى في أذنه الرصاص المذاب، وسواء كانوا يكرهون أن يسمع لغرض صحيح أو لغير غرض؛ لأن بعض الناس يكره أن يسمعه غيره؛ ولو كان الكلام ليس فيه عيب أو محظور ولا فيه سب، ولكن لا يريد أن يسمعه أحدٌ.

معاني المفردات: الآنُك : الرصاص المذاب. القيامة : هو اليوم الذي يبعث فيه الناس ويقومون لرب العالمين للحساب. من تسمَّع : من اجتهد في سماع حديث قوم. صُبَّ : سُكب.

فوائد الحديث: تحريم سماع حديث من يكره استماع حديثه. تُعرف الكراهة إما بالتصريح، أو بدلائل الأحوال. مفهوم الحديث أن من تسمع إلى حديث قوم وهم يُسَرُّون باستماعه فلا شيء عليه. الجزاء من جنس العمل. تحريم الاطلاع على عورات الناس من الأماكن المرتفعة فهو أشد من الاستماع.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري. ملحوظة: لفظ البخاري: "من استمع إلى حديث قوم"، و"من تَسَمَّعَ" رواه الخرائطي في مساويء الأخلاق (ح720).

200. ليس مِنَّا من ضرب الْخدُودَ، و شَقَّ الْجيوبَ، ودعا بِدَعْوَى الجاهلية

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: «ليس مِنَّا من ضرب الْخُدُودَ، وشَقَّ الْجُيُوبَ، ودعا بِدَعْوَى الجاهلية».

التوحيد.

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: لله ما أخذ، وله ما أعطى وفي ذلك الحكمة التامة، والتصرف الرشيد، ومن عارض في هذا ومانعه، فكأنما يعترض على قضاء الله وقدره الذي هو عين المصلحة والحكمة، وأساس العدل والصلاح. ولذا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أنه من تسخطَ وجزع من قضاء الله فله هذا الوعيد الشديد الذي يدل على أن هذه المعصية من الكبائر؛ ليفيد الوعيد والزجر.

معاني المفردات: ليس مِنَّا : هذا وعيد شديد يدل على أن هذه المعصية من الكبائر يفيد الوعيد والزجر. ضرب الْخُدُودَ : لطمها، وقد جاء بالجمع مناسبة لما بعده. الجيوب : الجَيْب ما شق من الثوب لإدخال الرأس. دَعْوَى الجاهلية : وذلك بالتفجع على الميت، والنياحة عليه بأنه: قاتل النفوس، وكهف العشيرة، وكافل الأيتام، ... إلى غير ذلك من المناقب التي كانوا يعددونها، ومثله الندبة كـ"يا سنداه" و "انقطاع ظهراه" وكل قول ينبئ عن السخط والجزع من قدر الله -تعالى- وحكمته.

فوائد الحديث: أن هذا الفعل وهذا القول من الكبائر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- تَبَرَّأ ممن عمل ذلك، ولا يتبرأ إلا من فعل كبيرة. تحريم التسخط من أقدار الله المؤلمة، وإظهار ذلك: بالنياحة أو الندب أو الحلق أو الشق أو غير ذلك، كَحَثي التراب على الرأس. تحريم تقليد الجاهلية بأمورهم التي لم يقرهم الشارع عليها، ومن جملتها دعاويهم الباطلة عند المصائب. الدعاء بالويل والثبور من الجهل؛ إذ لا يستفيد الداعي به سوى الدعاء على نفسه، وإشعال حرارة الأحزان، وعدم الرضا بالقضاء. لا بأس من الحزن والبكاء، فهو لا ينافي الصبر على قضاء الله -تعالى-، وإنما هو رحمة جعلها الله في قلوب الأقارب والأحباب. على المسلم الرضا بقضاء الله، فإن لم يرض فالصبر واجب عليه.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

201. أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أقْرَبُ ما يَكون العبد مِنْ رَبِّهِ وهو ساجد، فَأَكْثروا الدُّعاء».

السجود.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، وذلك لأن الإنسان إذا سجد، فإنه يضع أشرف ما به من الأعضاء في أماكن وضع الأقدام التي توطأ بالأقدام، وكذلك أيضاً يضع أعلى ما في جسده حذاء أدنى ما في جسده -يعني: أن وجهه أعلى ما في جسده وقدميه أدنى ما في جسده-، فيضعهما في مستوى واحد خضوعاً وتذللاً وتواضعاً لله -عز وجل-، ولهذا كان أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من الدعاء في حال السجود، فيجتمع في ذلك الهيئة والمقال تواضعاً لله -عز وجل-، ولهذا يقول الإنسان في سجوده: سبحان ربي الأعلى، إشارة إلى أنه -جل وعلا- وهو العلي الأعلى في ذاته وفي صفاته، وأن الإنسان هو السافل النازل بالنسبة لجلال الله -تعالى- وعظمته.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: استحباب كثرة الدعاء في السجود، لأنه من مواطن الإجابة. الطاعة تزيد العبد قرباً من الله -سبحانه وتعالى-. كلما ازداد العبد طاعة استجاب الله دعاءه. حرص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على تعليم أمته الخير وأسبابه وأبوابه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

202. أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم

عن أبي الخطاب قتادة، قال: قُلْتُ لأَنَسٍ: أكَانَتِ المصَافَحَةُ في أصْحَابِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-؟، قَالَ: نَعَم.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: قوله: أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله، أي: ثابتة وموجودة فيهم حال ملاقاتهم بعد السلام زيادة للمودة والإكرام، والمصافحة تكون باليد اليمنى، وإذا حصل ذلك فإنه يغفر لهما قبل أن يفترقا، وهذا يدل على فضيلة المصافحة إذا لاقاه، وهذا إذا كان لاقاه ليتحدث معه أو ما أشبه ذلك، أما مجرد الملاقاة في السوق فما كان هذا من هدي الصحابة، يعني إذا مررت بالناس في السوق يكفي أن تسلم عليهم.

معاني المفردات: المصافحة : الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد.

فوائد الحديث: مشروعية المصافحة؛ لأنها كانت موجودة فيما بين الصحابة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

203. من جاء منكم الجمعة فلْيَغْتَسِل

عن عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من جاء منكم الجمعة فلْيَغْتَسِل».

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: الاجتماع لصلاة الجمعة مشهد عظيم، ومجمع كبير من مجامع المسلمين، حيث يأتون لأدائها من أنحاء البلد، التي يسكنونها. ومثل هذا المحفل، الذي يظهر فيه شعار الإسلام، وأَبَّهة المسلمين، يكون الآتي إليه على أحسن هيئة، وأطيب رائحة، وأنظف جسم. وكان الصحابة رضوان الله عليهم في أول الإسلام يعانون من الفقر والحاجة، يلبسون الصوف، ويخدمون أنفسهم، فيأتون إلى الجمعة عليهم الغبار، وفيهم العرق، وكان المسجد ضيقاً، فيزيد عليهم العرق في المسجد، ويؤذي بعضهم بعضاً بالروائح الكريهة؛ لذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسلوا عند الإتيان لها، ولئلا يكون فيهم أوساخ وروائح يؤذون بها المصلين والملائكة الحاضرين لسماع الخطبة والذكر.

معاني المفردات: من جاء : أراد المجيء. منكم : من البالغين. الجمعة : صلاة الجمعة. فليغتسل : فليعم بدنه بالماء غسلًا.

فوائد الحديث: أن الأفضل أن يكون الغسل قبيل الذهاب إلى صلاة الجمعة مباشرة. ينبغي للإنسان أن يأتي إلى مواطن العبادة والصلاة على أحسن حال وأجل هيئة {يا بَني آدَمَ خُذُوا زينتكُم عِنْدَ كلِّ مَسجدٍ}، ففيه اهتمام الإسلام بالطهارة والنظافة. أن مشروعية الغَسل لمن أراد إتيان الصلاة، أما غيره فلا يشرع له الغسل، وقد صرح بذلك لفظ الحديث عند ابن خزيمة، وهو" ومن لم يأتها فليس عليه غسل". الغسل يوم الجمعة يكون للصلاة، ويقدَّم عليها؛ لأنه مقصود لها لإزالة الروائح الكريهة حتى لا يتأذى الحاضرون، لا مقصود ليومها. يستحب لمن يأتي الجمعة أن يكون نظيفًا، فيغتسل حتى تزول الروائح من جسده ويتطيب، وإن توضأ فقط أجزأه ذلك؛ لما ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل».

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

204. ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟ إن أحب الكلام إلى الله سبحان اللهِ وبحمدِهِ

عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ؟ إنَّ أَحَبَّ الكلام إِلى الله: سبحان اللهِ وبحمدِهِ».

راوي الحديث: أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: دل الحديث على أنَّ التسبيح أحب الكلام إلى الله -عز وجل-؛ لأن معنى التسبيح التنزيه له سبحانه عن كل ما لا يجوز عليه من المثل والشبه والنقص، وكل ما ألحد فيه الملحدون من أسمائه، وقول القائل (بحمده) اعتراف بأن ذلك التسبيح إنما كان بحمده سبحانه فله المنة فيه، ويجوز أن يكون المعنى: أسبحه متلبسًا بحمدي له من أجل توفيقه لي، فكانت سبحان الله وبحمده أحب الكلام إلى الله، لاشتمالها على التقديس والتنزيه، والثناء بأنواع الجميل.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: أحب الكلام إلى الله ذكره المشتمل على تنزيهه وتقديسه والثناء عليه بما هو أهله. عظيم ثواب هذه الأذكار. التعليم بصيغة السؤال والجواب.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

205. البخيل من ذكرت عنده، فلم يصل علي

عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ، فَلَمْ يصَلِّ عَلَيَّ».

راوي الحديث: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: البخيل" أي: الكامل في البخل، "من ذُكرت عنده" أي: ذُكر اسمي بمسمع منه، "فلم يصل علي"؛ لأنه بامتناعه من الصلاة عليه قد شح وامتنع من أداء حق يتعين عليه أداؤه، ولأنه بخل على نفسه حين حرمها صلاة الله عليه عشراً إذا هو صلى واحدة، فهو كمن أبغض الجود حتى لا يحب أن يجاد عليه، شبه تركه الصلاة عليه ببخله بإنفاق المال في وجوه البر.

معاني المفردات: البخيل : كامل البخل، وأصل البخل: منع الشيء عن مستحقه. ذكرت عنده : سمع ذكري.

فوائد الحديث: ترك الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- عنوان الشح، ودليل خبث النفس، وسوء الطوية. أمر لمن ذكر عنده النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي عليه. من لم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو محروم الأجر.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وأحمد والنسائي في الكبرى وهو عندهم من حديث الحسين بن علي مسندًا، وذكر النسائي أنه من حديث علي بن أبي طالب مرسلا.

206. مَن خَافَ أَدْلَجَ، ومَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، ومَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من خاف الله تعالى فليبتعد من المعاصي وليجتهد في طاعته سبحانه؛ فالمتاع التي عند الله غالية، وهي الجنة التي لا يليق بثمنها إلا بذل النفس والمال.

معاني المفردات: من خاف : أي: من البيات خارج المنزل. أدلج : ذهب وسار في أول الليل. غالية : رفيعة القيمة.

فوائد الحديث: الحث على الاهتمام بالطاعة، والمبادرة إلى الخلاص من المعصية، والإكثار من البذل والمال والنفس قدر ما يليق بالجنة للحصول عليها.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي.

207. مَنْ غَدَا إلى المسجدِ أو رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ له في الجنةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ غَدَا إلى المسجدِ أو رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ له في الجنةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ».

الفضائل.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من ذهب إلى المسجد أول النهار أو بعد زوال الشمس، سواء للصلاة، أو لطلب العلم، أو لغير ذلك من مصادر الخير هيأ الله له جزاءَ عمله نُزلا في الجنة كلما ذهب إلى المسجد.

معاني المفردات: غدا : يعني ذهب غدوة، أي ذهب أول النهار، وذلك مثل أن يذهب إلى المسجد لصلاة الفجر. راح : الرواح يطلق على ما بعد الزوال، مثل الذهاب إلى صلاة الظهر أو العصر. أعدَّ : هيأ. نُزلا : النزل: ما يقدم للضيف من طعام ونحوه على وجه الإكرام.

فوائد الحديث: فضل الذهاب إلى المسجد، والحث على المحافظة على صلاة الجماعة فيه. أعمال العباد كلها محصية عند الله. فيه بيان فضل الله عز وجل على العبد.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

208. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصْمُت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكْرِم جارَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضَيْفَه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصْمُت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكْرِم جارَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضَيْفَه».

الضيافة - الرقائق.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: حدث أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بأصول اجتماعية جامعة، فقال: "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ" هذه جملة شرطية، جوابها: "فَليَقُلْ خَيْرَاً أَو لِيَصْمُتْ"، والمقصود بهذه الصيغة الحث والإغراء على قول الخير أو السكوت كأنه قال: إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فقل الخير أو اسكت. "فَلَيَقُلْ خَيرَاً" كأن يقول قولاً ليس خيراً في نفسه ولكن من أجل إدخال السرور على جلسائه، فإن هذا خير لما يترتب عليه من الأنس وإزالة الوحشة وحصول الألفة. "أو لِيَصْمُتْ" أي يسكت. "وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ" أي جاره في البيت، والظاهر أنه يشمل حتى جاره في المتجر كجارك في الدكان مثلاً، لكن هو في الأول أظهر أي الجار في البيت، وكلما قرب الجار منك كان حقه أعظم. وأطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- الإكرام فقال: "فليُكْرِم جَارَهُ" ولم يقل مثلاً بإعطاء الدراهم أو الصدقة أو اللباس أو ما أشبه هذا، وكل شيء يأتي مطلقاً في الشريعة فإنه يرجع فيه إلى العرف. فالإكرام إذاً ليس معيناً بل ما عدّه الناس إكراماً، ويختلف من جار إلى آخر، فجارك الفقير ربما يكون إكرامه برغيف خبز، وجارك الغني لا يكفي هذا في إكرامه، وجارك الوضيع ربما يكتفي بأدنى شيء في إكرامه، وجارك الشريف يحتاج إلى أكثر. والجار: هل هو الملاصق، أو المشارك في السوق، أو المقابل أو ماذا؟ هذا أيضاً يرجع فيه إلى العرف. وأما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: "وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فَليُكرِمْ ضَيْفَهُ" الضيف هو النازل بك، كرجل مسافر نزل بك، فهذا ضيف يجب إكرامه بما يعد إكراماً. قال بعض أهل العلم -رحمهم الله-: إنما تجب الضيافة إذا كان في القرى أي المدن الصغيرة، وأما في الأمصار والمدن الكبيرة فلا يجب؛ لأن هذه فيها مطاعم وفنادق يذهب إليها، ولكن القرى الصغيرة يحتاج الإنسان إلى مكان يؤويه. ولكن ظاهر الحديث أنه عام: "فَليُكْرِمْ ضَيْفَهُ".

معاني المفردات: يؤمن : الإيمان الكامل المنجي من عذاب الله الموصل إلى رضاه. يؤمن بالله : أي: أنه الذي خلقه, وبأنه هو المستحق للعبادة. ويؤمن باليوم الآخر : أي: أنه سيجازى فيه بعمله. فليقل خيرا : كالإبلاغ عن الله وعن رسوله، وتعليم الخير والأمر بالمعروف عن علم وحلم، والنهي عن المنكر عن علم ورفق، والإصلاح بين الناس، والقول الحسن لهم. ليصمت : ليسكت. فليكرم جاره : أي: المجاور له، بالإحسان إليه وكف الأذى عنه، وتحمل ما يصدر منه، والبشر في وجهه، وغير ذلك من وجوه الإكرام. فليكرم ضيفه : بالبشر في وجهه، وطيب الحديث معه، وإحضار المتيسر.والضيف: هو القادم على القوم النازل بهم، سواء غنيا أو فقيرا.

فوائد الحديث: التحذير من آفات اللسان، وأن على المرء أن يتفكر فيما يريد أن يتكلم به. وجوب السكوت إلا في الخير. تعريف حق الجار، والحث على حفظ جواره وإكرامه. الأمر بإكرام الضيف، وهو من آداب الإسلام وخلق النبيين. دين الإسلام دين الألفة والتقارب والتعارف بخلاف غيره. الإيمان بالله واليوم الآخر أصل لكل خير، ويبعث على المراقبة والخوف والرجاء، ويتضمن المبدأ والمعاد، وأقوى البواعث على الامتثال. الكلام فيه خير، وشر، وما ليس بخير, ولا شر في نفسه. أن هذه الخصال من شعب الإيمان ومن الآداب السامية. أن الأعمال داخلة في الإيمان. أن الإيمان يزيد وينقص.

المصدر : الأربعين النووية. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

209. مَنْ لا يَرْحَمُ النَّاسَ لا يَرْحَمُهُ اللهُ

عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- مرفوعاً: «مَنْ لا يَرْحَمِ النَّاسَ لا يَرْحَمْهُ اللهُ».

راوي الحديث: جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الذي لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل، والمراد بالناس: الناس الذين هم أهل للرحمة كالمؤمنين وأهل الذمة ومن شابههم، وأما الكفار الحربيون فإنهم لا يرحمون، بل يقتلون لأن الله تعالى قال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (أشداء على الكفار رحماء بينهم) [سورة الفتح:29].

معاني المفردات: من لا يرحم الناس : الرحمة من الخلق بمعنى اللطف ولين الجانب. لا يرحمه الله : لا ينال رحمة الله وهي صفة حقيقية له سبحانه على معناها الظاهر على ما يليق بجلاله.

فوائد الحديث: خص الناس بالذكر اهتمامًا بهم؛ وإلا فالرحمة مطلوبة لسائر المخلوقات. الرحمة خُلق عظيم حرص الإسلام على تعزيزه في النفس البشرية. التراحم بين الناس سبب في رحمة الله لهم. إثبات رحمة الله وهي صفة حقيقية له سبحانه على معناها الظاهر على ما يليق بجلاله.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

210. نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ، والفراغُ

عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ، والفراغُ».

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: نعمتان من نعم الله على الإنسان لا يعرف قيمتهما، ويخسر فيهما أشد الخسارة، وهما صحة البدن وفراغ الوقت؛ فإن الإنسان لا يتفرغ للطاعة إلا إذا كان مكفيا صحيح البدن، فقد يكون مستغنيا، ولا يكون صحيحا، وقد يكون صحيحا ولا يكون مستغنيا، فلا يكون متفرغا للعلم والعمل؛ لشغله بالكسب، فمن حصل له الأمران وكسل عن الطاعة فهو المغبون، أي: الخاسر في التجارة.

معاني المفردات: نعمتان : النعمة: الحالة الحسنة التي يكون عليها الإنسان. مغبون : الغبن: هو الشراء بأضعاف الثمن، أو البيع بأقل من الثمن، والمراد هنا الخسارة.

فوائد الحديث: تشبيه المكلَّف بالتاجر، والصحة والفراغ برأس المال؛ فمن أحسن استخدام رأس ماله نال وربح، ومن ضيعه خسر وندم. الحرص على الاستفادة من الصحة والفراغ للتقرب إلى الله -عز وجل-، وفعل الخيرات قبل فواتهما. كثير من الناس لا يُقدِّرون هذه النعمة؛ فيضيعون أوقاتهم بما لا فائدة فيه، ويفنون أجسامهم بما يضرهم، والإسلام حريص على الوقت وسلامة البدن. الدنيا مزرعة الآخرة؛ فينبغي التزود بالتقوى واستغلال نعمة الله في طاعة الله -تعالى-. شكر نعم الله يكون باستخدامها في طاعة الله -تعالى-.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

211. والذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لو لم تُذْنِبُوا، لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ تَعَالَى، فَيَغْفِرُ لَهُمْ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، وجاء بقوم يُذْنِبُونَ، فيستغفرون اللهَ تعالى، فيغفر لهم».

الصفات.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يقسم النبي -صلى الله عليه وسلم- بربه ثم يقول: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يستغفرون عقب الذنب بنية صادقة وقلب موقن؛ لكي يغفر لهم.

معاني المفردات: يستغفرون الله -تعالى- : أي: يطلبون المغفرة من الله.

فوائد الحديث: بيان فضل الله -تعالى- على عباده بالعفو والمغفرة؛ فعلى المؤمن أن يبادر إلى الاستغفار ليغفر الله له. ليس في الحديث تحريض على المعصية؛ ولكن فيه تبشير بالمغفرة وإزالة لشدة الخوف واليأس من النفوس. الله -تعالى- يحب التوبة والإنابة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

212. يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يُبْعَثُ كلُّ عبدٍ على ما مات عليه».

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يُبعث كل عبد يوم القيامة على الحالة التي مات عليها.

معاني المفردات: يُبعث كل عبد : يقوم بعد موته يوم القيامة. كل عبد : أي: كل مكَلَّفٍ حرا كان أو عبدا، رجلا او امرأة. على ما مات عليه : أي: على الحالة التي مات عليها.

فوائد الحديث: ينبغي ملازمة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في عباداته وأخلاقه وسائر أحواله. الازدياد من الطاعات في سائر الأوقات؛ لاحتمال قُرب الموت. حث الإنسان على حسن العمل ليكون أنيسه يوم المحشر؛ لأنه يُبعث على ما مات عليه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

213. يؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لها سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعاً: «يُؤْتَى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زِمَامٍ مع كل زمام سبعون ألف ملك يَجُرُّونَهَا».

اليوم الآخر.

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف حبل تقاد به، وفي كل حبل سبعون ألف ملك يجرونها به.

معاني المفردات: يومئذ : هو يوم القيامة. زمام : هو ما تقاد به الدابة من حبل وغيره.

فوائد الحديث: عِظم خلق جهنم. تفصيل لخَلق جهنم، وأن لها أزمة تقاد بها، ولها من يقودها من الملائكة. بيان عدد الملائكة الذين يجرون جهنم. يجب الإيمان بخبر الواحد المتعلق بالعقائد والأحكام كهذا الحديث. تخويف الله لعباده ليتقوه ويعبدوه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

214. اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانَ يقولُ في سجودِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي كُلَّهُ: دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في سجوده: "اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه وجله، وأوله وآخره، علانيته وسره"، وهذا من باب التبسط في الدعاء والتوسع فيه؛ لأن الدعاء عبادة فكل ما كرره الإنسان ازداد عبادة لله -عز وجل-، ثم إنه في تكراره هذا يستحضر الذنوب كلها السر والعلانية، وكذلك ما أخفاه، وكذلك دقه أي: صغيره، وجله أي: كبيره، وهذا هو الحكمة في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فصل بعد الإجمال، فينبغي للإنسان أن يحرص على الأدعية الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها أجمع الدعاء وأنفع الدعاء.

معاني المفردات: دقه : قليله وصغيره. جله : كثيره وكبيره. علانيته : المعلن عنه.

فوائد الحديث: استحباب هذا الذكر حال السجود. يستحب الترقي في السؤال الدال على التدرج في ترجي الإجابة. الكبائر تنشأ عادة من الإدمان على الصغائر، ولذلك قدم الاستغفار من الصغائر على الكبائر. التضرع إلى الله تعالى، وطلبه المغفرة من جميع الذنوب. التوبة واجبة من الصغائر والكبائر لا فرق.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

215. أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: إن الله -تبارك وتعالى- يبغض شديد الخصومة ودائم الخصومة الذي لا يقبل الانقياد للحق.

معاني المفردات: الألد : الأَلَدّ هو الشديد الخصومة، الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل. الخَصِم : أي دائم الخصومة أو شديد الخصومة، فهو يخصم غيره بالباطل.

فوائد الحديث: أن الله -تعالى- يبغض الرجل كثير الخصومة والجدل. أن الذي يحاج عن حق له وهو مظلوم بطريق الحجاج الشرعي، وأصول المرافعات الشرعية، فهذا لا بأس به، ولا تدخل في باب الخصومات المذمومة. أن الإنسان إذا خاصم فإنه لابد أن تكون عنده بينة، ليتوصل إلى حقه، ولا يشد في الخصومة. (أبغض الرجال) هذا من باب التغليب وإلا فإن المرأة مثل الرجل في الحكم. أن الذي يغلب غيره ويخصمه لكن بالحق فهذا حق وصاحبه محبوب عند الله غير مبغوض. في الحديث إثبات صفة البغض لله -عزو جل- على الوجه اللائق به -سبحانه-.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

216. أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ، لَا يَضُرُّك بِأَيِّهِنَّ بَدَأْت: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ

عن سَمُرة بن جُنْدَب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أحب الكلام إلى الله أربع لا يَضُرُّك بِأَيِّهِنَّ بدأت: سُبْحَانَ الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر».

الدعوات.

راوي الحديث: سَمُرة بن جُنْدَب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الحديث دليل على فضل هذه الجمل الأربع، وأنها من أحب كلام البشر إلى الله تعالى، لاشتمالها على أمور عظيمة، وهي تنزيه الله تعالى، ووصفه بكل ما يجب له من صفات الكمال، وإفراده بالوحدانية والأكبرية، وأن فضلها وحصول ثوابها لا يقتضي ترتيبها كما جاءت في الحديث.

معاني المفردات: سُبْحَانَ اللَّهِ : التسبيح: هو التنزيه، معناه تنزيهاً لك يارب عن كل نقص في الصفات أو في مماثلة المخلوقات. الْحَمْدُ لِلَّهِ : التحميد: هو ذكر أوصاف المحمود الكاملة وأفعاله الحميدة مع محبته وتعظيمه. وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ : هذه هي كلمة التوحيد، ومعناها لا معبود بحق إلا الله تعالى. اَللَّهُ أَكْبَرُ : التكبير يعني التعظيم، أي الله تعالى أعظم من كل شيء.

فوائد الحديث: إثبات المحبة لله عزو جل، وأنه يحب الأعمال الصالحة. شرف هذه الكلمات الأربع على غيرها، وأنها أحب إلى الله. الحث على لزوم هذه الكلمات الأربع، لأن العبد إذا علم بمحبة الله لشيء لزمه وحافظ عليه. تيسير الشرع على الناس "لا يضرك بأيهن بدأت".

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

217. الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «الْحَيَاء مِنْ الْإِيمَانِ».

الإيمان.

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: الحياء من الإيمان لأن المستحيي يُقْلِع بحيائه عن المعاصي، ويقوم بالواجبات، وهذا من تأثير الإيمان بالله -تعالى- إذا امتلاْ به القلب، فإنه يمنع صاحبه من المعاصي ويحثه على الواجبات، فصار الحياء بمنزلة الإيمان، من حيث أثر فائدته على العبد.

معاني المفردات: الحياء : هو خلق يبعث على فعل الحسن، وترك القبيح.

فوائد الحديث: الحث على التخلق بخلق الحياء كونه من الإيمان. أن الحياء: هو خلق يبعث على فعل الجميل، وترك القبيح. أن ما يمنعك من الخير لا يسمى حياء بل يسمى خجلًا وعجزًا وذلًا وخورًا وجبنًا. أن الحياء قد يكون من الله، ويكون بفعل المأمورات، وترك المحظورات، وقد يكون الحياء من الخلق، ويكون باحترامهم، وإنزالهم منازلهم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

218. الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: «الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد».

الدعوات - التفسير.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يدل هذا الحديث على فضل الدعاء بين الأذان والإقامة، فمن أُلهِم الدعاء ووفق له فقد أُريد به الخير وأُرِيدتْ له الإجابة. ويستحب الدعاء في هذا الوقت؛ لأن الإنسان ما دام ينتظر الصلاة فهو في صلاة، والصلاة موطن لاستجابة الدعاء؛ لأن العبد يناجي ربه فيها، فهذا الوقت على المسلم أن يجتهد فيه بالدعاء.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: الحث على الدعاء. فضيلة هذا الوقت، وهو بين الأذان والإقامة. أن الدعاء: إما مطلق في كل وقت، أو مقيد بأوقات فاضلة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه النسائي وابن حبان.

219. اللَّهُمَّ إنِّي أَعوذُ بك مِنْ زوالِ نعمتِكَ, وتحوُّلِ عافيتِكَ, وفُجَاءةِ نقْمتِكَ, وجَميعِ سَخَطِكَ

عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعوذُ بك مِنْ زوالِ نعمتِكَ, وتحوُّلِ عافيتِكَ, وفُجاءةِ نقْمتِكَ, وجَميعِ سَخَطِكَ».

الإيمان - الصفات.

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: هذا دعاء عظيم يقول فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك) أي ألتجئ وأعتصم بك من ذهاب النعم من غير بدل (وتحول عافيتك) انتقال عافيتك بمرض أو فقر أو غيرهما، فهو يسأل الله السلامة من جميع مكاره الدارين. (وفجاءة نقمتك وجميع سخطك) وكذلك نعتصم بك من المكافأة بالعقوبة والأخذ بغتة، وختم الدعاء بالتعوذ من جميع ما يغضب الله ويسخطه جل وعلا.

معاني المفردات: أَعوذ بك : أي ألتجئ وأعتصم بك. وفُجَاءةِ : ضُبطتْ: بفتح الفاء وسكون الجيم، وبضم الفاء وفتح الجيم، وهي الأخذ بغتة. نقْمتِكَ : النقمة من الانتقام، وهو المكافأة بالعقوبة، والأخذ بغتة.

فوائد الحديث: دليل على افتقار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الله -تعالى-. أن النعم قد تزول حتى عن الأنبياء. تعوذ النبي من مفاجأة الانتقام. إثبات السخط لله -عزو جل-.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

220. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ, وغَلَبَةِ العَدُوِّ, وشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ

عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من غَلَبَةِ الدَّيْنِ, وغَلَبَةِ العدو, وشَمَاتَةِ الأعداء».

الدعوات.

راوي الحديث: عبد الله بن عَمْرِو بن العاص -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يستعيذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالله ويعتصم به من ثِقل الدَّين وشدته بحيث يعجز عن قضائه، ومن انتصار العدو عليه ومن قهره وتحكمه فيه، ومن فرح الأعداء وسرورهم بما يصيبه من نكبات في بدنه أو أهله أو ماله.

معاني المفردات: غلبة الدَّيْن : الدين: هو القرض، وكل ما لزمك لغيرك من مال أو نحوه. شماتة الأعداء : الشماتة: هي الفرح بما ينزل بالمعادي ويصيبه من المصائب.

فوائد الحديث: تفضيل الأدعية النبوية على غيرها من الأدعية. افتقار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ربه تعالى فهو عبد من عباد الله أكرمه الله بالنبوة. أن من الأدعية ما يكون في المال، ومنها ما يكون في الحياة والشرف والسيادة، ومنها ما يكون في أمر خارج. أن مطلق الدَّيْن لا حرج فيه، إنما الحرج فيمن ليس لديه وفاء للدين وهذا هو الدَّيْن الغالب. استحباب التعوذ من غلبة العدو. أن كل من سره مساءة شخص وغمه فهو له عدو. أن الإنسان عليه أن يتجنب الأمور التي يُشْمَتُ بها ويعاب فيها.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه النسائي وأحمد.

221. إِنَّ اللَّعَّانِين لا يَكُونُونَ شُفَعَاءَ, وَلا شُهَداءَ يَوْمَ القِيَامةِ

عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللَّعَّانِين لا يَكُونُونَ شُفَعَاءَ, وَلا شُهَداءَ يَوْمَ القِيَامةِ».

راوي الحديث: أبو الدَّرْدَاء -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في الحديث التحذير من كثرة اللَّعن، وأنَّ من يكثر اللَّعن ليس له منزلة عند الله -تعالى-، ولا تقبل شفاعتهم في الدنيا؛ لأنهم غير عدول، والشهادة لا تقبل إلا من العدل، ولا تقبل شفاعتهم في إخوانهم لدخول الجنة ولا شهادتهم في الآخرة، وأيضاً لا تقبل شفاعتهم على الأمم السابقة في أن رسلهم بلغوا الرسالة.

معاني المفردات: اللَّعَّانين : جمع لَّعَّان، واللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، واللَّعَّان: هو كثير اللَّعن. شُفَعَاء : جمع شفيع، والشفيع هو الذي يُعِين صاحبُهُ في تحصيل مطلبه. شُهَداء : جمع شهيد، بمعنى شاهد. يوم القيامة : يوم القيامة هو يوم البعث، سمي بهذا لأن الناس تقوم من قبورهم، وقيل غيره.

فوائد الحديث: تحريم الَّلعن، وأن كثرته من كبائر الذنوب. نفى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مُكْثِر اللَّعن قبول شهادته بالتنبيه. أنَّ كَثِير اللَّعن فاسق، لأنَّ شهادة المؤمن مقبولة وشهادة الفاسق مردودة، وكثير اللَّعن شهادته مردودة. إثبات شفاعة المؤمنين يوم القيامة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

222. إنَّ رَبَّكُمْ حَييٌّ كَرِيمٌ, يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إذا رَفَعَ إِلَيْهِ يَديْهِ أنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً

عن سلمان -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن ربكم حَييٌّ كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه، أن يَرُدَّهُمَا صِفْراً».

الإيمان - الأسماء والصفات.

راوي الحديث: سلمان الفارسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: دل هذا الحديث على مشروعية رفع اليدين في الدعاء، وأن هذا الفعل سبب من أسباب الإجابة، لما في هذه الهيئة من إظهار الحاجة والذل من العبد أمام الغني الكريم، وتفاؤلاً في أن يضع فيهما حاجته التي سأل ربه، لأنه سبحانه من جوده وكرمه يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه يسأله أن يردهما صِفْراً خاليتين من العطاء، لأنه هو الجواد الكريم.

معاني المفردات: حَييٌّ : أي ذو حياء، فالله يوصف بالحياء على ما يليق به -سبحانه وتعالى-. كَرِيمٌ : الكريم: هو الذي يعطي بغير سؤال، فكيف بعد السؤال؟ صفرًا : أي خاليتين، ليس فيهما شيء.

فوائد الحديث: إثبات الربوبية لله -عزوجل- "إن ربكم". إثبات صفة الحياء لله -تعالى- "إن ربكم حيي". إثبات الكرم لله -عزوجل- "كريم". أنه كلما أظهر الإنسان الافتقار إلى الله تعالى والتعبد، كان أرجى له وأقرب للإجابة. استحباب رفع اليدين في الدعاء تحرياً للإجابة.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

223. كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان أكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

الصلاة - التفسير.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو بهذا الدعاء، ويكثر من الدعاء به لجمعه معاني الدعاء كله من أمر الدنيا وأمر الآخرة، فالحسنة هنا هي النعمة، فسأل نعيم الدنيا والآخرة، والوقاية من النار، فمن حسنة الدنيا سؤال كل مطلوب ومرغوب، ومن حسنة الآخرة النعمة الكبرى وهي رضا الله ودخول جنته، وأما الوقاية من النار فإنها كمال النعيم وذهاب الخوف والكرب.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: استحباب الإكثار من هذا الدعاء؛ تأسياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. لا حرج على الإنسان أن يدعو بخير الدنيا لكن ليس على حساب الآخرة، بل يجعل لها نصيباً من دعائه. الأكمل أن يجمع الإنسان في دعائه بين صلاح الدنيا والآخرة. إثبات الآخرة وإثبات النار.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

224. كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كَلِمَتَانِ خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن ربنا الرحمن -تبارك وتعالى- يحب هاتين الكلمتين القليلات الحروف مع ثقلهما في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم؛ لما تضمنتاه من تسبيح الله تعالى وتنزيهه عن النقائص وعما لا يليق بجلاله -تبارك وتعالى-، والتأكيد على هذا التنزيه بالوصف بالعظمة.

معاني المفردات: كلمتان : أي جملتان. حبيبتان : صفة لله تعالى أي محبوبة. سبحان الله : التسبيح: هو التنزيه، معناه تنزيهاً لك يارب عن كل نقص في الصفات أو في مماثلة المخلوقات. وبحمده : التحميد: هو ذكر أوصاف المحمود الكاملة وأفعاله الحميدة مع محبته وتعظيمه. العظيم : أي الله تعالى أعظم من كل شيء.

فوائد الحديث: جواز استعمال السجع بشرط عدم التكلف. فضل هاتين الكلمتين من ذكر الله -عز وجل-. إثبات صفة المحبة لله -عزوجل- على الوجه اللائق بالله -تعالى-. إثبات اسم الرحمن لله -عز وجل-. الحث على هذا الذكر القليل الكلمات الكثير الحسنات. أن الذكر يتفاضل، ويتبع ذلك تفاضل الأجور. إثبات الميزان وأنه حق. يستحب لمن رغّب غيره في عمل ما أن يذكر له شيئا من فوائده.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

225. مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما قعد قوم مقعداً لم يذكروا الله, ولم يصلوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: هذا الحديث يدل على ندامة وخسارة القوم الذين يقعدون مقعداً ثم يقومون منه، ولم يجرِ على قلوبهم ولا على ألسنتهم ذكر الله تعالى ولا ذكر رسوله ولا الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-، فهذه المجالس ستكون حسرة عليهم يوم القامة؛ لأنهم لم يستفيدوا منها. وهذا إذا كانت هذه المجالس مباحة فما بالك بالمجالس المحرمة التي فيها الغيبة وغيرها. فينبغي أن تعمر المجالس بذكر الله تعالى والصلاة على رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

معاني المفردات: حسرة : الحسرة هي شدة التلهف، والتأسف، والحزن على ما فرط فيه.

فوائد الحديث: الحث على الذكر وفضله. فضل المجالس التي فيها ذكر الله تعالى، وذكر رسوله -صلى الله عليه وسلم-. أن المجلس الذي ليس فيه ذكر هو مجلس شؤم على أهله يوم القيامة. أن المجالس ينبغي أن تعمر بذكر الله عزوجل والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا القيل والقال.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي.

226. مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله -عز وجل-»

مكارم الأخلاق.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: (ما نقصت صدقة من مال) المعنى أن الصدقة إذا أخرجت فإنها لا تنقص المال بل تزيده، وتبارك فيه، وتدفع عنه الآفات، الزيادة للمال إما كمية: بأن يفتح الله للعبد أبواباً من الرزق، أو كيفية: بأن ينزل الله تعالى البركة التي تزيد على مقدار ما أخرجه من الصدقة. وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، أي أن من عرف بالعفو وترك المؤاخذة والمعاتبة، فإنه يسود ويعظم في القلوب، ويزداد عزة وكرامة، ورفعة في الدنيا والآخرة. وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله، المعنى أن من تذلل لله، وانكسر بين يديه سبحانه وتعالى، وكان لين الجانب للخلق، وأظهر الخمول للمسلمين، فإن هذه الصفات لا تزيد المتحلي بها إلا رفعة في الدنيا ومحبة في القلوب، ومنزلة علية في الجنة.

معاني المفردات: الصَدَقَةٌ : ما يخرج من المال تقرباً إلى الله تعالى.

فوائد الحديث: الحث على الصدقة. أن الصدقة سبب لحماية المال وزيادته وبركته. الزيادة في المال قد تكون معنوية كأن يفتح الله له أبواباً من الرزق، وقد تكون حسية بأن ينزل الله البركة على المال فيزيد على المقدار الذي أخرجه للصدقة. الحث على العفو عن المسيء. الحث على التواضع. أن التواضع ليس ذلًا كما يتصوره بعض الناس، بل هو عز كما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-. هذا الفضل في التواضع لمن تواضع مخلصاً لله ليس رياءً (من تواضع لله). أن العزة والرفعة بيد الله سبحانه وتعالى يعطيها من يشاء ممن حصل أسبابها.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

227. مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

راوي الحديث: أبو الدَّرْدَاء -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في الحديث فضيلة من دافع عن عرض أخيه المسلم، فإذا أغتابه أحد الحاضرين في مجلس، فإنه يجب عليك الدفاع عن أخيك المسلم، وإسكات المغتاب، وإنكار المنكر، أما إذا تركته فإن هذا يعتبر من الخذلان لأخيك المسلم, ومما يدل على أن المراد بذلك في غيبته حديث أسماء بنت يزيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ذب عن لحم أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار". رواه أحمد وصححه الألباني.

معاني المفردات: مَنْ رَدَّ : أي من دفع عنه وحفظه في غيبته.عِرْضِ أَخِيهِ : العرض هو ما يُمْدَح به الإنسان أو يذم.

فوائد الحديث: هذا الثواب خاص في حال عدم وجود أخيك المسلم الذي أُغتيب أن الجزاء من جنس العمل، فمن رد عن عرض أخيه رد الله عنه النار إثبات النار، وإثبات يوم القيامة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وأحمد.

228. مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ في يوم مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ في يومٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في الحديث دليل على فضل هذا الذكر المشتمل على التسبيح بهذه الصيغة، وأن من أتى بذلك فإن الله يمحو خطاياه مهما بلغت من الكثرة ولو كانت مثل رغوة البحر في الكثرة، فضل من الله لعباده الذاكرين. وهو من أذكار الصبح لما في هذا الحديث: "في يوم"، ومن أذكار المساء أيضًا، لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال: حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة، بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه" رواه مسلم.

معاني المفردات: سُبْحَانَ اللَّهِ : التسبيح: هو التنزيه، معناه تنزيهاً لك يارب عن كل نقص في الصفات أو في مماثلة المخلوقات. وبحَمْدِهِ : التحميد: هو ذكر أوصاف المحمود الكاملة وأفعاله الحميدة مع محبته وتعظيمه. حُطَّتْ : مُحيت، ووُضعت، وأُزيلت بالعفو والمغفرة. زَبَدِ الْبَحْرِ : رغوته عند هيجانه، والمراد الكثرة.

فوائد الحديث: فضل هذا الذكر المشتمل على تسبيح الله، وتنزيهه عما لا يليق به من النقائص والعيوب. ظاهر الحديث أن هذا الأجر يحصل لمن قالها في اليوم سواء أقالها متوالية أم متفرقة، أم بعضها في النهار وبعضها الآخر في الليل. في قوله: (من قال...) رد على من قال العبد مجبور على فعله ولا اختيار له.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

229. مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ

عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من يُرِدِ الله به خيرا يُفَقِّهْهُ في الدين».

راوي الحديث: معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: من أراد الله به نفعاً وخيرًا يجعله عالمًا بالأحكام الشرعية ذا بصيرة فيها، والفقه له إطلاقان: الأول: العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، كأحكام العبادات والمعاملات، والثاني: العلم بدين الله تعالى مطلقًا، فيشمل أصول الإيمان وشرائع الإسلام ومعرفة الحلال والحرام والأخلاق والآداب.

معاني المفردات: يفقهه : أي يجعله عالمًا بالأحكام الشرعية.

فوائد الحديث: في الحديث دليل على عظمة التفقه في الدين والحث عليه. أن الفقه له إطلاقان: العلم بالأحكام الشرعية التفصيلية، من أدلتها التفصيلية، والثاني العلم بدين الله تعالى مطلقًا أصول الإيمان، وشرائع الإسلام، وحقائق الإحسان، ومعرفة الحلال والحرام. يستفاد من الحديث أيضا أن من أعرض عن الفقه في الدين فإن الله تعالى لم يرد به خيرًا. من حرص على العلم فإن الله يحبه؛ لأن الله أراد له الخير بتوفيقه للعلم والفقه في الدين. أن الفقه في الدين يُحمد، أما الفقه في غير الدين فلا يحمد ولا يذم، إلا إذا كان وسيلة لمحمود فيحمد، وإن كان وسيلة للمذموم فيذم.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

230. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يقول الله تعالى: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ».

الدعوات - التفسير "فاذكروني أذكركم...".

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الحديث يدل على أن من ذكر الله كان الله قريباً منه، وكان معه في كل أموره، فيوفقه ويهديه ويعينه ويجيب دعوته. ومعنى هذا الحديث جاء في حديث آخر في صحيح البخاري قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم).

معاني المفردات: أنا مع عبدي : أي معه معية إعانة وهداية وتوفيق.

فوائد الحديث: إثبات رواية النبي عن الله -تبارك وتعالى-. فضيلة ذكر الله -تبارك وتعالى-. أن المسلم ينبغي أن يكون ذاكرا لله دائما وأبداً. أن الله -جل وعلا- مع الذاكر طال ذكره أو قصر. إثبات معية الله الخاصة بالمؤمنين، وهي أن الله معهم بتأييده وتوفيقه.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح لغيره.

التخريج: رواه ابن ماجه وأحمد، ورواه البخاري تعليقاً.

231. إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي

عن سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- مرفوعاً: "إنَّ اللهَ يُحبُّ العَبدَ التقيَّ الغنيَّ الخفيَّ".

الفتن.

راوي الحديث: سعد بن أبي وقَّاص -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: بين النبي عليه الصلاة والسلام صفة الرجل الذي يحبه الله عز وجل فقال: "إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي"، التقي: الذي يتقي الله عز وجل فيقوم بأوامره ويجتنب نواهيه، فيقوم بالفرائض ويجتنب المحرمات، وهو مع ذلك وصف بأنه غني استغنى بنفسه عن الناس غنى بالله عز وجل عمن سواه لا يسأل الناس شيئاً ولا يتعرض للناس بتذلل بل هو غني عن الناس مستغن بربه، لا يلتفت إلى غيره.، وهو خفي لا يظهر نفسه ولا يهتم أن يظهر عند الناس أو يشار إليه بالبنان أو يتحدث الناس عنه .

معاني المفردات: التقي : الممتثل للأوامر، والمجتنب للنواهي. الغني : غني النفس. الخفي : الخامل الذكر الذي لا يعرف بين الناس، المعتزل لهم، المنقطع لعبادة ربه.

فوائد الحديث: فضل اعتزال الناس مع لزوم طاعة الله عند خوف الفتنة وفساد الناس. بيان الصفات المقتضية لمحبة الله لعباده، وهي التقوى والتواضع والرضى بما قسم الله. إثبات صفة المحبة لله –وهي على الوجه اللائق به-، وأنه يحب العبد الطائع.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

232. من عرض عليه ريحان، فلا يرده، فإنه خفيف المحمل، طيب الريح

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «من عُرِضَ عليه رَيْحَانٌ فلا يرده، فإنه خفيف الْمَحْمِلِ، طيب الريح».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من أُهدي إليه طيب أو عُرِض عليه التطيب به فينبغي قبوله، فإنه لا مشقة في حمله وكذلك ريحه طيب.

معاني المفردات: ريحان : نبت له ريح طيب. المحمل : الحمل.

فوائد الحديث: استحباب قبول هدية الريحان؛ فإنه لا تكثر المنة بأخذه، وقد جرت العادة بالتسامح في بذله. ينبغي على المسلم أن يكون طيب الريح ويستعمل الطيب. استحباب عرض المسلم على إخوانه الطيب ولاسيما عند حضور الجمع والجماعات.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

233. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يرد الطيب

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعاً: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يَرُدُّ الطيب.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يرد الطيب ولا يرفضه؛ لأنه خفيف المحمل وطيب الرائحة، كما جاء في الرواية الأخرى.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: استحباب قبول عطية الطيب؛ لأنه لا مؤنة لحمله ولا منة في قبوله. كمال خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- في رغبته بالطيب وعدم رده. ينبغي للإنسان أن يستعمل الطيب دائما لأنه علامة على طيب العبد فالطيبات للطيبين والطيبون للطيبات.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

234. إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور

عن أبي علي طلق بن علي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فَلْتَأتِهِ وإن كانت على التَّنُور».

راوي الحديث: أبو علي طلق بن علي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إذا طلب الرجل امرأته للجماع فيجب عليها أن تجيبه ولو كانت مشغولة شغلًا لا يقوم به غيرها، كأن تكون تخبز أو تطبخ.

معاني المفردات: حاجته : أي: الجماع. فلتأته : أي لتجب حاجته. التنور : الذي يخبز فيه الخبز.

فوائد الحديث: حق الزوج على الزوجة عظيم فينبغي أن تعد نفسها لذلك. حث المرأة أن تعمل على إرضاء زوجها وإسعاده بكل ما يحبه في غير معصية الله -تعالى-. الأمور تتفاوت في الأهمية.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي.

235. الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة».

راوي الحديث: عبد الله بن عَمْرِو بن العاص -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: الدنيا بما فيها شيء يتمتع به حيناً من الوقت ثم يزول، ولكن أفضل متاع هذه الدنيا الزائلة المرأة الصالحة، التي تعين على الآخرة، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله)).

معاني المفردات: متاع : ما ينتفع به ويستمتع.

فوائد الحديث: يجوز التمتع بطيبات الدنيا التي أحلها الله لعباده دون سرف أو مخيلة. الترغيب في اختيار المرأة الصالحة لأنها عون للزوج على طاعة ربه. خير متاع الدنيا ما كان في طاعة الله أو أعان عليها.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

236. إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه

عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: صاحب الرفق يدرك حاجته أو بعضها أما صاحب العنف لا يدركها وإن أدركها فبمشقة.

معاني المفردات: الرفق : لين الجانب بالقول والفعل.زانه : حسنه وجمله.شانه : عابه وقبحه.

فوائد الحديث: ضرورة التحلي بالرفق، فإنه يزين المرء ويجمله في أعين الناس وعند الله -تعالى-. البعد عن العنف والشدة والغلظة؛ لأنها تشين صاحبها عند الناس وعند الله -سبحانه-.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

237. إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، أو يشرب الشَّربة، فيحمده عليها

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعاً: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، أو يشرب الشَّربة، فيحمده عليها».

التوحيد.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إن من أسباب مرضاة الله سبحانه شكره على الأكل والشرب فهو سبحانه وحده المتفضل بهذا الرزق.

معاني المفردات: الأَكْلَة : هي المرة الواحدة من الأكل كالغداء والعشاء، والقول الثاني أنها اللقمة الواحدة. الشَّرْبة : هي المرة الواحدة من الشراب، وفيه قولان كالأكلة.

فوائد الحديث: إثبات صفة الرضى لله -سبحانه وتعالى-. أن رضى الله قد ينال بأدنى سبب كالحمد بعد الأكل والشرب. الحث على شكر الله -عز وجل- وأنه سبب لرضاه, وأن الشكر طريق للنجاة والقبول. بيان أدب من آداب الطعام والشراب. بيان كرم الله عز وجل فقد تفضل عليك بالرزق ورضي عنك بالحمد. السنة تحصل بقول: الحمد لله.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

238. إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم

عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم»

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: فضيلة حسن الخلق وأنه يبلغ بصاحبه في المنزلة عند الله وفي الجنة منزلة المداوم على الصيام وقيام الليل، وهما عملان عظيمان وفيهما مشقة على النفوس، وحسن الخلق أمر يسير.

معاني المفردات: بحسن خلقه : بسط الوجه وبذل الندى وكف الأذى.

فوائد الحديث: حسن الخلق يضاعف الثواب والأجر، حتى يبلغ العبد به درجة الصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يتعب.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود وأحمد.

239. إن من خياركم أحسنكم أخلاقا

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- مرفوعاً: قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: «إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا».

راوي الحديث: عبد الله بن عَمْرِو بن العاص -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- صاحب قول فاحش ولا فعل سيء ولا متعمداً لذلك متكلفاً له بل كان ذا خلق عظيم, وأخبر أن أفضل المؤمنين أحسنهم خلقاً لأن حسن الخلق يدعو إلى المحاسن وترك المساوئ.

معاني المفردات: فاحشاً : صاحب الفحش وهي القبائح.متفحشاً : الذي يتكلف الفحش ويتعمده.

فوائد الحديث: ينبغي على المؤمن أن يبتعد عن الكلام السيء والفعل القبيح. تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلقه فلم يصدر عنه إلا العمل الصالح والقول الطيب. حسن الخلق ميدان للتنافس بين المؤمنين فمن سبق فيه كان من خيار المؤمنين وأكملهم إيماناً.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

240. قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم ينفق عليك

عن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه- مرفوعاً: .«قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم ينفق عليك».

العقيدة.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أنفق ينفق عليك، أي لا تخش الفقر ببذل المال وإخراجه ولا تكن شحيحًا، فإنك إذا أنفقت على غيرك سوف ينفق الله تعالى عليك، فما عندكم ينفد وما عند الله باق، وهذا الحديث بمعنى قوله تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه) فتضمن الحث على الإنفاق في وجوه الخير والتبشير بالخلف من فضل الله تعالى.

معاني المفردات: أنفق : أنفق المال في وجوه الخير بالطرق المأذون به شرعاً إيماناً واحتساباً. ينفق عليك : أي يوسع عليك ويأتيك عوض ما تنفقه ويبارك لك فيه.

فوائد الحديث: الإنفاق سبب لسعة الرزق. إعطاء الله لعبده على قدر إعطاء العبد للفقراء والمحتاجين. خزائن الله ملأى لا تنفد والمولى كريم لا يمسك خشية الإنفاق.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

241. أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- مرفوعاً: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف».

راوي الحديث: عبد الله بن عَمْرِو بن العاص -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: سأل الصحابة أي الإسلام خير؟ أي: أي آداب الإسلام أو أي خصال أهله أفضل ثواباً أو أكثر نفعاً؟ فأجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إطعام الطعام للناس والسلام على الناس من تعرفه ومن لا تعرفه.

معاني المفردات: أي الإسلام : أي خصاله. تطعم الطعام : على وجه الصدقة أو الهدية أو الضيافة ونحو ذلك. تقرأ السلام : تقول وتلقي السلام.

فوائد الحديث: الحث على البذل والعطاء بإطعام الطعام للفقراء وابن السبيل والضعيف والإهداء إلى الجيران. ينبغي إفشاء السلام دون تخصيص أحد فيه لأنه من الحقوق العامة للمسلم. حرص الصحابة على معرفة الخصال التي تنفع في الدنيا والآخرة من أمور الدين.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

242. إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته

عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- مرفوعاً: «إن الله ليُمْلِي للظالم، فإذا أخذه لم يُفْلِتْهُ»، ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).

راوي الحديث: أبو مُوسَى عبد اللَّه بن قيس الأشعري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الله -عز وجل- يمهل الظالم ويدعه يظلم نفسه؛ حتى إذا أخذه لم يتركه حتى يستوفي عقابه، ثم تلا -صلى الله عليه وسلم- قوله -تعالى-: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).

معاني المفردات: يملي للظالم : أي: يمهل ويؤخر ويطيل له في المدة. لم يفلته : أي:لم يخلصه ولم يتركه حتى يستوفي عقابه. أخذ ربك : أي: مؤاخذة ومعاقبة ربك لأهلها.

فوائد الحديث: العاقل لا يأمن من مكر الله إذا ظلم ولم يصبه أذى بل يعلم أن ذلك استدراج فيسارع إلى إعادة الحقوق لأهلها. يستدرج الله الظالمين ليزدادوا إثماً فيضاعف لهم العذاب. خير ما يفسر به الحديث أو القرآن هو كلام الله ورسوله.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

243. ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء

عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء».

راوي الحديث: أسامة بن زيد بن حارثة -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم أن النساء سبب عظيم للفتنة، وذلك بإغرائهن وإمالتهن عن الحق إذا خرجن واختلطن بالرجال, وإذا حصلت خلوة بهن، والضرر هنا يكون في الدين والدنيا.

معاني المفردات: فتنة : ابتلاء واختبار.

فوائد الحديث: فتنة النساء أخطر من غيرها على الرجال.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

244. ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعاً: «ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم - عز وجل - ليس بأعور، مكتوب بين عينيه ك ف ر»

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كل نبي أرسله الله أنذر أمته وحذرها من المسيح الدجال؛ لأنهم علموا بخروجه وشدة فتنته, وبينوا لهم شيئاً من صفاته, وذكر في هذا الحديث أنه أعور والله سبحانه منزه عن هذا, ومن صفاته كذلك أنه مكتوب بين عينيه ك ف ر.

معاني المفردات: نبي : هو الذي أنبأ عن الله أي: يخبر عن الله. أنذر : أي: خوفه وحذره. الأعور : ذهاب بصر إحدى العينين. كَ فَ رَ : أي المسيح الدجال كفر بالله وجحد عبادة الله -تعالى-.

فوائد الحديث: حرص الأنبياء على أممهم. خطر فتنة الدجال. المسيح الدجال كافر. بيان أن الدجال أعور والله سبحانه ليس كذلك. إثبات صفة العين لله وأن الله له عينان إذ العور يكون لمن له عينان.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

245. من ظلم قيد شبر من الأرض؛ طوقه من سبع أرضين

عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ ظَلَم قِيدَ شِبْرٍ مِن الأرْضِ؛ طُوِّقَهُ مِن سَبْعِ أَرَضِين».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: مال الإنسان على الإنسان حرام، فلا يحل لأحد أخذ شيء من حق أحد، إلا بطيبة نفسه، وأشد ما يكون ذلك ظلم الأرض، لطول مدة استمرار الاستيلاء عليها ظلماً. ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من ظلم قليلا أو كثيراً من الأرض جاء يوم القيامة بعذاب شديد، بحيث تغلظ رقبته، وتطول، ثم يطوق الأرض التي غصبها وما تحتها، إلى سبع أرضين، جزاء له على ظلمه صاحب الأرض بالاستيلاء عليها. ولا يدخل في الوعيد استعمال الأراضي العامة دون تملك واستيلاء.

معاني المفردات: ظلم : الظلم: وضع الشيء في غير موضعه. قِيد : بكسر القاف وسكون الياء، أي قَدْرَ. طُوِّقه : بضم الطاء وتشديد الواو المكسورة، مبنى للمجهول، بمعنى أن يجعل طوقاً في عنقه. أرضين : بفتح الراء ويجوز إسكانها, جمع أرْض. شِبْر : الشبر: ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر, وذكر الشبر في الحديث إشارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد.

فوائد الحديث: تحريم الغصب، لأنه من الظلم الذي حرمه الله على نفسه، وجعله بيننا محرماً. أن الظلم حرام، في القليل والكثير، وهنا فائدة ذكر الشبر. أن من ملك ظاهر أرض، ملك باطنها وما فيها، فلا يجوز أن ينقب أحد من تحته، أو يجعل نفقا أو سرباً ونحو ذلك إلا بإذنه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

246. إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة: غفر له ما تقدم من ذنبه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «إذا أَمَّنَ الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة: غفر له ما تقدم من ذنبه».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نؤمن إذا أمن الإمام، لأن ذلك هو وقت تأمين الملائكة، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه.

معاني المفردات: أمن الإمام : قال آمين بعد قراءة الفاتحة. فأمنوا : فقولوا آمين. من وافق : في القول والزمان. تأمين الملائكة : الذين شهدوا تلك الصلاة.

فوائد الحديث: مشروعية التأمين للإمام والمأموم والمنفرد. أن الملائكة تؤمن على دعاء المصلين، والأظهر أن المراد منهم الذين يشهدون تلك الصلاة من الملائكة في الأرض والسماء، واستدل لذلك بما أخرجه البخاري من أنه صلى الله عليه وسلم قال:" إذا قال أحدكم آمين، قالت الملائكة في السماء: آمين، فوافق أحدهما الآخر، غفر الله له ما تقدم من ذنبه ". فضيلة التأمين، وأنه سبب في غفران الذنوب، لكن عند محققي العلماء أن التكفير في هذا الحديث وأمثاله، خاصُّ بصغائر الذنوب، أما الكبائر فلا بد لها من التوبة. أنه ينبغي للداعي والمؤمّن على الدعاء أن يكون حاضر القلب. استدل البخاري بهذا الحديث على مشروعية جهر الإمام بالتأمين،لأنه علق تأمين المؤتمين بتأمينه ولا يعلمونه إلا بسماعه، وهذا قول الجمهور. من الأفضل للداعي أن يشابه الملائكة في كل الصفات التي تكون سبباً في الإجابة، كالتضرع والخشوع والطهارة وحضور القلب، والإقبال على الله في كل حال.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

247. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، نهى البائع و المبتاع

عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- مرفوعاً: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، نهى البائع و المُبْتَاعَ».

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الثمار حتى يظهر نضجها، ونهى عن ذلك البائع والمشترى.

معاني المفردات: الثمرة : جنى الشجر وثمر النخل، فكل ما يسمى ثمرًا كالتمر والعنب والتين والرمان والخوخ وغيرها مما يسمى ثمارًا. يبدو صلاحها : يبدو بمعنى: يظهر صلاح كل شيء بحسبه، فمنها ما يكون صلاحه باللون، ومنها ما يكون بالطعم ، ومنها ما يكون باللمس، ومنه ما يكون بالرائحة، وصلاحه: أن يطيب أكله ، ويكون مهيئا لما ينتفع به فيه. البائع والمبتاع : البائع: الباذل للثمر، المبتاع: الآخذ لها.

فوائد الحديث: المنع من بيع الثمار قبل بدو صلاحها وذلك لأنها معرضة للعاهات، فإذا طرأ عليها شيء منها حصل الإجحاف بالمشتري في الثمن الذي بذله ، وفي منع الشرع هذا البيع قطع للنزاع والتخاصم. النهي عن بيعها قبل بدو الصلاح يقضي بطلان البيع،لأن النهي يقتضي الفساد. حكمة الشرع في المعاملات بين الناس والحفاظ على أموالهم،لأن بيع الثمر قبل بدو الصلاح يؤدي إلى أحد أمرين:إما إلى ضياع المال،وإما إلى النزاع والخصومة،وهذا لا شك أنه من حفظ المال من وجه،ومن حفظ المودة بين المسلمين،ومن الإبقاء عليها. جواز بيعها بعد بُدُو صلاحها، وكذلك لو باعها قبل بدو صلاحها بشرط القطع في الحال، وهو قول الجمهور.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

248. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبيت الليالي المتتابعة طاوياً، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير

عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبيت الليالي المتتابعة طَاوِياً، وأهلُهُ لا يجِدُون عَشَاءً، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير.

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينام الليالي المتتابعة المتوالية من غير أكل، وكذلك زوجاته وعياله؛ لأنهم لا يجدون طعام العَشاء، وكان أكثر خبزهم من الشعير، وهو أقل كلفة من البر وغيره.

معاني المفردات: طاوياً : خالي البطن لم يأكل.

فوائد الحديث: بيان لزهده -صلى الله عليه وسلم- وتقلله من الدنيا وصبره على لأوائها. فضيلة لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- لتحملهم المشاق معه. بيان لخشونة العيش التي كانوا عليها.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.

249. من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يُرَبِّيها لصاحبها كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يُرَبِّيها لصاحبها كما يُرَبِّي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل»

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من تصدق بمثل قيمة تمرة حلالاً خال عن الغش والخديعة, ولا يقبل الله إلا الحلال الطيب, فإن الله يقبلها بيمينه وهذا على ظاهره كما يليق به -سبحانه- من غير تأويل ولا تحريف, والمراد أخذها منه كما في رواية مسلم, فينميها ويضاعف أجرها كما يربي أحدكم مهره وهو ولد الحصان حتى يكبر.

معاني المفردات: بعدل : أي: بقيمتها من رزق حلال خال من الغش والخديعة. كسب : جمعٍ. يربيها : ينميها ويضاعف أجرها. فلوه : هو المُهر بضم الميم، أي: الصغير من الخيل.

فوائد الحديث: لا يقبل الله الصدقة إلا من الحلال الطيب لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. يضاعف الله الصدقة من الكسب الطيب حتى تصبح كالجبل. إثبات صفة اليدين لله -تعالى-، وكلتا يديه يمين، كما يليق بجلاله وعظمته، وقد دل على هذا نصوص الكتاب والسنة، كقوله -تعالى-: (والسماوات مطويات بيمينه) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وكلتا يديه يمين) رواه مسلم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

250. يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعاً: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاءٌ».

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: بما أن التحصن والتعفف واجب، وضدهما محرم، وهو آتٍ من قبل شدة الشهوة مع ضعف الإيمان، والشباب أشد شهوة، خاطبهم النبى -صلى الله عليه وسلم- مرشدا ًلهم إلى طريق العفاف، وذلك أن من يجد منهم مؤنة النكاح من المهر والنفقة والسكن، فليتزوج لأن الزواج يغض البصر عن النظر المحرم ويحصن الفرج عن الفواحش، وأغرى من لم يستطع منهم مؤنة النكاح وهو تائق إليه بالصوم، ففيه الأجر، وقمع شهوة الجماع وإضعافها بترك الطعام والشراب، فتضعف النفس وتنسد مجارى الدم التي ينفذ معها الشيطان، فالصوم يكسر الشهوة كالوجاء للبيضتين اللتين تصلحان المنى فتهيج الشهوة.

معاني المفردات: يا معشر : المعشر: هم الطائفة الذين يشلمهم وصف. الشباب : جمع شاب، وهو اسم لمن بلغ حتى يكمل ثلاثين ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين ثم شيخ.وخص الشباب بهذا الخطاب لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح بخلاف الشيخ وإن كان المعنى معتبراً إذا وجد السبب في الكهول والشيوخ أيضًا. من استطاع : من أطاق منكم . الباءة : المراد بالباءة هنا القدرة على مؤن النكاح، وهو في اللغة الجماع، أي من استطاع منكم مؤنة النكاح فليتزوج ،ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته. أغض للبصر : أشد حفظاً للبصر من النظر في الحرام وأحصن للفرج : أشد منعاً له من الوقوع في الفاحشة ومن لم يستطع : من لم يقدر على مؤن النكاح أو نفس النكاح مع توقان إليه فعليه بالصوم : بمعنى: ليلزم الصوم. فإنه : الصوم. الوجاء : وِجاء هو رض عروق الخصيتين، فتذهب بذهابهما شهوة الجماع، وكذلك الصوم، فهو مُضعِف لشهوة الجماع، ومن هنا تكون بينهما المشابهة.

فوائد الحديث: حث الشباب القادر على مؤنة النكاح وهي المهر والنفقة ، وعلى النكاح لأنه مظنة القوة وشدة الشهوة. قال شيخ الإسلام: واستطاعة النكاح هو القدرة على المؤنة وليس هو القدرة على الوطء، فإن الخطاب إنما جاء للقادر على الوطء, ولذا أمر من لم يستطع بالصوم، فإنه له وجاء. من المعنى الذي خوطب لأجله الشباب، يكون الأمر بالنكاح لكل مستطيع لمؤنته وقد غلبته الشهوة، من الكهول والشيوخ. التعليل في ذلك أنه أغض للبصر وأحصن للفرج عن المحرمات. حث من لم يستطع مؤنة النكاح بالصوم، لأنه يضعف الشهوة، لأن الشهوة تكون من الأكل، فتركه يضعفها. من لا مال له لا يستحب له أن يقترض ويتزوج وقد قال -تعالى-: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله). وفي الحديث إرشاد العاجز عن مؤن النكاح إلى الصوم، لأن شهوة الجماع تابعة لشهوة الأكل ، تقوى بقوة الأكل وتضعف بضعفه. عدم التكليف بغير المستطاع. المقصود من النكاح هو الوطء، وهو الجماع للإعفاف، ولذلك شرع الخيار في حالة ما إذا عجز الزوج عن جماع أهله بسبب مرض مزمنٍ أو لا يحصل منه وصول إلى امرأته.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

251. يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعاً: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا».

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب التخفيف واليسر على الناس فما خير -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن محرماً, فقوله: يسروا ولا تعسروا أي: في جميع الأحوال, وقوله: وبشروا ولا تنفروا, البشارة هي الإخبار بالخير عكس التنفير، ومن التنفير الإخبار بالسوء والشر.

معاني المفردات: بشروا : من البشارة وهي الإخبار بخير. ولا تنفروا : ولا تباعدوهم عن الخير وتصرفوهم عنه. يسروا : أي: سهلوا. ولا تعسروا : أي: ولا تضيقوا.

فوائد الحديث: واجب المؤمن أن يحبب الناس بالله ويرغبهم في الخير. ينبغي على الداعي إلى الله أن ينظر بحكمة إلى كيفية تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس. التبشير يولد السرور والإقبال والاطمئنان للداعي ولما يعرضه على الناس. التعسير يولد النفور والإدبار والتشكيك في كلام الداعي. سعة رحمة الله بعباده وأنه رضي لهم ديناً سمحاً وشريعة ميسرة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

252. إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إذا صلى أحدكم للناس فَلْيُخَفِّفْ فإن فيهم الضعيف والسَّقِيمَ وذَا الحاجة، وإذا صلى أحدكم لنفسه فَلْيُطَوِّلْ ما شاء».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الأئمة أن يخففوا الصلاة على حسب ما جاءت به السنة، وعلل ذلك أن وراءهم ضعيف البنية، وضعيف القوة، وفيهم مريض، وفيهم ذو حاجة، وأما إذا صلوا بمفردهم فلو شاء أحدهم طول ولو شاء خفف.

معاني المفردات: للناس : إمامًا للناس. فليخفف : لا يطوِّل تطويلًا يشق على الناس، وذلك مع التمام. الضعيف : ضعيف الخلقة كالنحيف، وتفسير الضعيف هنا بضعيف الخلقة لهزال أو كبر أو صغر، لأن الضعف خلاف القوة. السقيم : المريض. وذا الحاجة : أي صاحب الحاجة وهو المحتاج للتخفيف لحاجة له، والغالب أنها أمور الدنيا كما في قصة الرجل الذي صلى خلف معاذ -رضي الله عنه-، واعتذر بأنهم أصحاب نواضح.

فوائد الحديث: استحباب تخفيف صلاة الجماعة مع الإتمام. جواز تطويل صلاة المنفرد ما شاء، ولكن في الفريضة لا يطيل حتى يخرج الوقت وهو في الصلاة، وذلك كيلا تصطدم مصلحة المبالغة بالتطويل من أجل كمال الصلاة مع مفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها. وجوب مراعاة العاجزين وأصحاب الحاجات في الصلاة. أنه لا بأس بإطالة الصلاة، إذا كان عدد المأمومين ينحصر وآثروا التطويل. أنه ينبغي للإنسان أن يسهل على الناس طريق الخير، ويحببه إليهم، ويرغبهم فيه، لأن هذا من التأليف، ومن بيان محاسن الإسلام.

المصدر : بلوغ المرام - رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

253. الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ لَهُ وَلاَ مُؤْوِيَ

عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشه، قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ له وَلاَ مُؤْوِيَ».

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي. يحمد الله -عز وجل- الذي أطعمه وسقاه بأنه لولا أن الله -عز وجل- يسر لك هذا الطعام وهذا الشراب ما أكلتَ ولا شربتَ، فتحمد الله الذي أطعمك وسقاك، قوله: أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا كفانا يعني يسر لنا الأمور، وكفانا المؤونة وآوانا أي جعل لنا مأوى نأوي إليه فكم من إنسان لا كافي له ولا مأوى أو ولا مؤوي، فينبغي لك إذا أتيت مضجعك أن تقول هذا الذكر.

معاني المفردات: كفانا : أغنانا. آوانا : ردنا إلى سكن ومأوى، ولم يجعلنا منتشرين كالبهائم. مؤوي : راحم وعاطف، وقيل: لا وطن له ولا سكن يأوي إليه.

فوائد الحديث: استحباب قول هذا الدعاء قبل النوم. وجود مأوى ومسكن يسكن فيه الإنسان نعمة من الله -تعالى- ينبغي شكره عليها. ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الطعام والشراب عند النوم ؛ لأن النوم لا يحصل إلا بعد حصول الكفاية منهما. الله تعالى هو الذي يكفي العباد شر بعض ويهيئ لهم أرزاقهم وأقواتهم. ينبغي على العبد أن يشكر الله -تعالى- على كثرة نعمه على عبيده، وينظر إلى من هو دونه في أمور الدنيا ممن لا كافي له ولا مؤوي؛ ليعظم عنده ويعلم نعمة ربه عليه فيزداد شكرا. ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- لبعض هذه النعم دعوة للعبد للتفكر ومعرفة نعم الله عليه، فإن العبد إذا عرف النعمة شكر الله عليها ، فلن يشكر العبد ربه إلا إذا عرف النعمة ، فعلى العبد التأمل والتفكر في نعم الله تعالى ، فهذا هو الذي يوصله لشكر الله تعالى.يقول ابن القيم: " قال الهروي: الشكر: اسم لمعرفة النعمة؛ لأنها السبيل إلى معرفة المنعم ؛ ولهذا سمى الله تعالى الإسلام والإيمان في القرآن شكرا، فمعرفة النعمة ركن من أركان الشكر، لأنها جملة الشكر والاعتراف بنعمة المنعم. وضمير الجمع المتصل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أطعمنا- وسقانا- وكفانا- وآوانا" إشارة إلى عموم الفضل، وعظيم الخير الذي أفاضه الله تعالى على عبيده؛ لأن جميع البشر يرفلون بنعم الله -تعالى- ويتمتعون بها ولكن الشاكر قليل. فضيلة الحمد والشكر على النعم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

254. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَحِبُّ الجَوَامِعَ من الدعاء، ويَدَعُ ما سوى ذلك.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دعا يختار من الدعاء أجمعه، فيختار كلمات جامعة عامة ويختار كذلك دعاء قليل اللفظ كثير المعنى، وهذا ليس عاما في كل الأحوال، وإنما أخبر الراوي بما علمه، ووردت أدعية أخرى فيها تفصيل وإسهاب، وكلا الأمرين مشروع.

معاني المفردات: يستحب : أي: يحب، وصيغة الافتعال للمبالغة. الجوامع من الدعاء : اختلف أهل العلم في معناها على قولين: أ‌- قيل: هي التي تجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة، أو تجمع الثناء على الله -تعالى- وآداب المسألة. ب‌- وقيل: هي ما كان لفظه قليلا ومعناه كثيرا. يدع : يترك.

فوائد الحديث: استحباب الدعاء بالألفاظ اليسيرة الجامعة لمعاني الخير، ليصل الداعي إلى مطلوبه بأسهل طريق خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوامع الكلم ، فقد جمع له شتات الحكم والعلوم في كلمات يسيرة خير الكلام ما قل ودل ، ولذلك يستحب الإيجاز للوصول إلى المطلوب بأسهل طريق ، وأيسر لفظ

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود وأحمد.

255. الذهب بالذهب ربا، إلا هاء وهاء، والفضة بالفضة ربا، إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا، إلا هاء وهاء. والشعير بالشعير ربا، إلا هاء وهاء

عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مرفوعاً: «الذهب بالذهب رِباً، إلا هَاءَ وَهَاءَ، والفضة بالفضة ربا، إلا هَاءَ وهَاءَ، والبُرُّ بالبُرِّ ربا، إلا هاء وهاء. والشعير بالشعير ربا، إلا هاء وهاء».

راوي الحديث: عمرُ بنُ الخطَّاب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يبين النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث، كيفية البيع الصحيح بين هذه الأنواع، التي يجرى فيها الربا، فمن باع شيئًا ربويًا بجنسه، كالذهب بالذهب أو البر بالبر، فيجب أن يكونا متساويين وبلا تأجيل، ولو كانا مختلفين في الجودة أو النوع، ومن باع ذهبًا بفضةٍ فلا بد من الحلول والتقابض في مجلس العقد، وبدونه لا يصح العقد، لأن هذه مصارفة يشترط لصحتها التقابض، ولا يشترط التساوي لاختلاف الجنس. كما أن من باع برا بشعير فلابد من التقابض بينهما في مجلس العقد لاتفاق البدلين في علة الربا. الخلاصة: إذا اتفق الجنس فلا بد من التقابض والمساواة كالذهب بالذهب، ولو اختلفت الجودة. وإذا اختلف الجنس واتفقت العلة فلا بد من التقابض ولا تشترط المساواة كالذهب بالعملات النقدية. وإذا اختلفت العلة أو لم يكن المال ربويا فلا يشترط شيء، ويجوز التأجيل والمفاضلة.

معاني المفردات: الذهب : بيع الذهب فحذف المضاف للعلم به، أو المعنى: الذهب يباع، ويشمل اسم الذهب جميع أنواعه السبائك والحلي والدنانير وغيرها. بالورق : بفتح الواو وكسر الراء ويجوز إسكانها: الفضة بجميع أنواعها أيضا. إلا هاء وهاء : بمعنى: خذ وهات والمراد التقابض وعدم تأجيل أحد البدلين. البر : بيع البر، والبر-بضم الموحدة- من أسماء الحنطة

فوائد الحديث: تحريم بيع الذهب بالفضة أو العكس، وفساده إذا لم يتقابض المتبايعان قبل التفرق من مجلس العقد، وهذه هي المصارفة. تحريم بيع البر بالبر، أو الشعير بالشعير، وفساده، إذا لم يتقابض المتبايعان قبل التفرق من مجلس العقد ولم يتساويا. صحة العقد إذا حصل القبض في المصارفة. أو بيع البر بالبر، أو الشعير بالشعير، في مجلس العقد. يراد بمجلس العقد مكان التبايع، سواء أكانا جالسين، أم ماضيين، أم راكبين، ويراد بالتفرق ما يُعَد تفرقا عرفًا بين الناس. أن اشتراط التقابض لا يختص باتحاد الجنس، فإن الذهب بالورق جنسان منع فيهما التأجيل كما منع في البر بالبر والشعير بالشعير وهما جنس واحد .

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

256. تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا مِنَ الإبلِ فِي عُقُلِهَا

عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تعاهدوا هَذَا القُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أشَدُّ تَفَلُّتاً مِنَ الإبلِ فِي عُقُلِهَا». .

راوي الحديث: أبو مُوسَى عبد اللَّه بن قيس الأشعري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: تعاهدوا القرآن" أي: حافظوا على قراءته وواظبوا على تلاوته، وقوله: "فوالذي نفس محمد بيده لهو أشدّ تفلتاً" أي تخلصاً، "من الإبل في عقلها" جمع عقال، وهو حبل يشد به البعير في وسط الذراع، شبه القرآن في كونه محفوظاً عن ظهر القلب بالإبل النافرة وقد عقل عليها بالحبل، واللّه تعالى بلطفه منحهم هذه النعمة العظيمة فينبغي له أن يتعاهده بالحفظ والمواظبة عليه، فيجعل له حزباً معيناً يتعاهده كل يوم، حتى لا ينساه، وأما من نسيه بمقتضى الطبيعة فإنه لا يضر، لكن من أهمل وتغافل عنه بعد أن أنعم الله عليه بحفظه فإنه يخشى عليه من العقوبة، فينبغي الحرص على القرآن بتعاهده بالقراءة وتلاوته ليبقى في الصدر، وكذلك أيضا بالعمل به؛ لأن العمل بالشيء يؤدي إلى حفظه وبقائه.

معاني المفردات: تعاهدوا : حافظوا على قراءته. تفلتاً : التفلت: التخلص من الشيء فجأة من غير تمكّث. عُقُلها : جمع عِقَالٍ، وهو حبل يشد به البعير في وسط الذراع.

فوائد الحديث: الحث على المواظبة على قراءة القرآن ومذاكرته. أن حافظ القرآن إن واظب على تلاوته مرة بعد مرة بقي محفوظاً في قلبه، و إلا ذهب عنه ونسيه؛ لأنه أشد ذهاباً من الإبل.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

257. ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «ثلاثةٌ لا يُكلمهم الله يوم القيامة، ولا يُزَكِّيهم، ولا يَنظُر إليهم، ولهم عذابٌ أليم: شَيخٌ زَانٍ، ومَلِكٌ كذَّاب، وعَائِل مُسْتكبر».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: ثلاثة أصناف من الناس لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يطهرهم من ذنوبهم، ولهم عذاب أليم: رجل كبير طعن في السن يزني، وإمام يكذب، وفقير يستكبر ويحتقر غيره.

معاني المفردات: لا يزكيهم : لا يطهرهم من الذنوب، ولا يقبل أعمالهم فيمدحهم بها. شيخ : من طعن في السن. عائل : فقير.

فوائد الحديث: إثبات صفة الكلام لله -تعالى-، على الوجه اللائق به سبحانه، لا كما يتأوله بعضهم قائلاً لا يكلمهم لا يظهر الرضى عنهم. الزنا والكذب والكبر من الذنوب الكبيرة. إذا وقعت المعصية ممن انتفت عنه دواعيها كانت أكبر وأعظم. إثبات صفة النظر لله -سبحانه- على ما يليق بجلاله وعظمته.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

258. خيركم من تعلم القرآن وعلمه

عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «خَيرُكُم من تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ».

المفاضلة بين الأعمال.

راوي الحديث: عثمان بن عفان -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: خيركم من تعلم القرآن وعلمه" هذا الخطاب عام للأمة، فخير الناس من جمع بين هذين الوصفين من تعلم القرآن وعَلَّمَ القرآن، تعلمه من غيره وعلمه غيره؛ لأن تعلم القرآن من أشرف العلوم، والتعلم والتعليم يشمل التعلم اللفظي والمعنوي، فمن حفظ القرآن يعني: صار يعلم الناس التلاوة، ويحفظهم إياه فهو داخل في التعليم، وكذلك من تعلم القرآن على هذا الوجه فهو داخل في التعلم، والنوع الثاني: تعليم المعنى يعني: تعليم التفسير أن الإنسان يجلس إلى الناس يعلمهم تفسير كلام الله -عز وجل- كيف يفسر القرآن، فإذا علم الإنسان غيره كيف يفسر القرآن وأعطاه القواعد في ذلك فهذا من تعليم القرآن.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: فضل تعلم القرآن الكريم وتجويده، وفضل تعليمه. فضل العمل بما فيه من الأحكام والآداب والأخلاق. ينبغي على العالم بذل العلم بعد تعلمه. تشريف لمن تعلم شيئاً من القرآن، ورفع منزلته بما تعلم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

259. قل: اللهم اهدني وسددني

عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قل: اللهم اهْدِنِي، وسَدِّدْنِي». . وفي رواية: «اللهم إني أسألك الهُدَى والسَّدَادَ».

راوي الحديث: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: هذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، ففي هذا الحديث مع قلة العبارة عظيم الفائدة والأثر، حيث جمع هذا الحديث جماع الخير كله ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا رضي الله عنه أن يدعو به ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «قل: اللهم اهدني، وسددني». "اهدني": دعاء ورجاء أن ينال الهداية، أي الرشاد ، فكأنه سأل الله تعالى كمال الهداية والرشاد. "وسددني": أي: وفقني واجعلني مصيبا في كل أموري وشؤوني الدينية والدنيوية، ففي اللفظ معنى تقويم الخطأ، وتعديل الخلل، ولذا فقد جمع هذا الدعاء بين أمرين: أ‌- التوفيق للهداية ب‌- طلب الاستمرار على الهداية والرشد، وعدم الخروج عنهما بالزيغ والضلال. فمن وفقه الله تعالى لهذا الدعاء فهو على الهداية ثابت، وعلى طريقها سائر، وعن الزيغ والضلال بائن.

معاني المفردات: اللهم : دعاء وتضرع إلى الله تعالى باسمه العَلَم الذى تفرد به الرب سبحانه، وهو الاسم الذي يتضمن جميع أسماء الله الحسنى سددني : وفقني، واجعلني في جميع أموري مستقيما ، وأصل السداد : الاستقامة والقصد في الأمور.

فوائد الحديث: الداعي ينبغي أن يحرص على تسديد عمله وتقويمه بلزوم السنة وإخلاص النية. استحباب الدعاء بهذه الكلمات الجامعة للتوفيق والسداد. ينبغي على العبد الاستعانة بالله تعالى في جميع أموره. هذا الدعاء العظيم قد جمع بين طلب الهداية (وهي صلاح الحال)، والاستمرار عليها وعدم الزيغ عنها طرفة عين (وهو صلاح المآل)، فقوله: "اهدني" بأن يكون سائرا على درب الهداية، وقوله: "وسددني": من الإصابة وعدم الزيغ عند الهداية التي اعتلاها.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح

التخريج: رواه مسلم بروايتيه، بزيادة: "وَاذْكُرْ، بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَادِ، سَدَادَ السَّهْمِ".

260. نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الذهب بالورق دَينًا

عن أبي المنهال قال: «سألت البراء بن عازب، وزيد بن أرقم، عن الصَّرْفِ؟ فكل واحد يقول: هذا خير مني. وكلاهما يقول: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الذهب بالوَرِقِ دَيْنَاً».

فضائل الصحابة - الفتوى.

راوي الحديث: الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- زيد بن أرْقَم -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: سأل أبو المنهال، البراء بن عازب، وزيد ين أرقم، عن حكم الصرف، الذي هو بيع الأثمان بعضها ببعض. فمن ورعهما -رضي الله عنهما-، أخذا يتدافعان الفتوى، ويحتقر كل واحد منهما نفسه بجانب صاحبه. ولكنهما اتفقا على حفظهما: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الذهب بالفضة دَيناً، لاجتماعهما في علة الربا، فحينئذ لابد فيهما من التقابض في مجلس العقد، وإلا لما صح الصرف، وصار ربا بالنسيئة. تنبيه: الربا معاملة مالية محرمة، وتنقسم إلى قسمين: الأول ربا الديون، وهي أن يزيد في مقدار الدين الثابت مسبقًا مقابلة الزيادة في الأجل، والثاني ربا البيوع، وهي الزيادة أو التأجيل في أصناف معينة، تسمى الأصناف الربوية، مثل الذهب بالذهب والبر بالبر.

معاني المفردات: الصرف : بيع الدراهم بالذهب أو عكسه. الورق : الفضة.

فوائد الحديث: النهي عن بيع الذهب بالفضة، أو الفضة بالذهب، مع تأجيلهما أو تأجيل أحدهما، فلابد من التقابض في مجلس العقد. صحة بيع أحد النقدين بالآخر مع التقابض في مجلس العقد، لأنه صرف. ما كان عليه السلف -رضى الله عنهم- من الورع، وتفضيل بعضهم بعضًا. استظهار العالم في الفتيا بنظيره في العلم.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

261. أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يومَ القيامة الذين يُضَاهِئُون بخَلْقِ الله

عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يومَ القيامة الذين يُضَاهِئُون بخَلْقِ الله».

كتاب اللباس - التصوير.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يُخْبِرُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- خَبَرًا معناه النَّهْيُ والزَّجْرُ: أن أولئك الـمُصَوِّرين لذوات الأرواح، الذين في تصويرهم مُشَابَهَة الله في خَلْقه، هم أَشَدُّ النَّاس عَذَابًا يوم القيامة، وأَعْظَمُهم عُقُوبةً؛ لأنهم أَقْبَحُ النَّاس أَدَبًا مع الله، وأَجْرَأهم على مَحَارِم الله؛ لذا استَحَقُّوا ما ذُكِرَ مِن العذاب جَزَاءً وِفَاقًا.

معاني المفردات: أشد : أَعْظَم وأَقْوَى. الناس : المراد: الذين يُعَذَّبُون. عذابا : العذاب: يُطْلَقُ على العقاب، ويُطْلَقُ على ما يُؤْلِـمُ ويُؤْذِي وإن لم يكن عِقَابًا. يضاهئون بخلق الله : يشابهون خَلْق الله. يوم القيامة : هو اليوم الذي يُبْعَث فيه الناس. بخلق الله : بمخلوقات الله -سبحانه وتعالى-.

فوائد الحديث: التغليظ في تحريم التصوير بجميع أشكاله وبأي وسيلة وجد، وأنه مضاهاة لخلق الله -تعالى-. أن العذاب يوم القيامة يتفاوت بحسب الجرائم. أن التصوير من أعظم الذنوب، وأنه من الكبائر. المضاهاة حصلت سواء كانت بقصد أو غير قصد؛ لأن العلة هي المشابهة، وليست العلة قصد المشابهة. من حِكم تحريم التصوير مضاهاة خلق الله -تعالى-.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

262. مَن نزَل مَنْزِلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التَّامَّات من شرِّ ما خلَق، لم يَضُرَّه شيءٌ حتى يَرْحَلَ مِن مَنْزِله ذلك

عن خولة بنت حكيم -رضي الله عنها- مرفوعًا: «مَن نزَل مَنْزِلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التَّامَّات من شرِّ ما خلَق، لم يَضُرَّه شيءٌ حتى يَرْحَلَ مِن مَنْزِله ذلك».

كتاب الأدعية.

راوي الحديث: خولة بنت حكيم -رضي الله عنها-

المعنى الإجمالي: يرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أُمَّتَه إلى الاستعاذة النافعة التي يندفع بها كل محذور يخافه الإنسان عندما ينزل بقعة من الأرض سواء في سفر أو نزهة أو غير ذلك: بأن يستعيذ بكلام الله الشافي الكافي السالم من كل عيب ونقص؛ لِيَأْمَنَ في منزله ذلك ما دام مقيمًا فيه مِن كل ما يؤذي.

معاني المفردات: من نزل منزلا : أي: نَزَل مكانًا. أعوذ : أَعْتَصِم وأَلْتَجِئ. بكلمات : المراد بها هنا القرآن. التامات : الكاملات التي لا يلحقها نقص ولا عيب. من شر ما خلق : أي: من كل شر في أي مخلوق قام به الشر من حيوان أو غيره. لم يضره شيء : لم يصبه أذى ولا ما يؤدّي إلى الأذى. يرحل : ينتقل.

فوائد الحديث: أن الاستعاذة عبادة. أن الاستعاذة المشروعة هي ما كانت بالله -تعالى- أو بأسماء الله وصفاته. أن كلام الله غير مخلوق؛ لأن الله شرع الاستعاذة به، والاستعاذة بالمخلوق شرك، فدل على أنه غير مخلوق. فضيلة هذا الدعاء مع اختصاره. أن نواصي المخلوقات بيد الله -تعالى-. بيان بركة هذا الدعاء. بيان شمول القرآن وكماله.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

263. ألا أَبْعَثُك على ما بَعَثَني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تَدْعَ صُورَةً إلا طَمَسْتَها، ولا قَبْرًا مُشْرِفًا إلا سَوَّيْتَه

عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي -رضي الله عنه-: «ألا أَبْعَثُك على ما بَعَثَني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ أن لا تَدْعَ صُورَةً إلا طَمَسْتَها، ولا قَبْرًا مُشْرِفًا إلا سَوَّيْتَه».

كتاب الجنائز.

راوي الحديث: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الإسلام حريص على سَدِّ كلِّ باب يُؤَدِّي إلى الشرك خَفِيًّا أو ظاهرًا، وقد أخبرنا عليٌّ -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَرْسَله وأَمَرَه بأن يَمْحُوَ كلَّ صُورَة وَجَدَها؛ لما فيها من الـمُشابهة لخَلْق الله -تعالى-، والافتِتَان بها بتعظيمها؛ مما يَؤُول بأصحابها إلى الوَثَنِيَّة. وأن يَهْدِم كلَّ بِنَاءٍ بُنِيَ على قَبْرٍ أو رفع أكثر من القدر المشروع؛ لما في تَعْلِيَتها من الافتتان بأصحابها، واتخاذهم شركاء لله في العبادة والتعظيم. وذلك ليَبْقَى للمسلمين إسلامُهم، وتَصْفُوَ عقيدتُهم؛ وذلك لأن تصوير الصُّوَر والبِنَاءَ على القَبْر يُؤَدِّي إلى تعظيمها وتقديسها ورَفْعها فوق مَنْزِلَتها، وإعطائها حقًّا مِن حُقُوق الله -تعالى-.

معاني المفردات: ألا : أداة تنبيه. أبعثك : البَعْث: الإرسال بأَمْرٍ مُهِمٍّ; كالدعوة إلى الله -تعالى-. لا تدع : لا تَتْرُكْ. إلا طمستها : أَزَلْتَها ومَحَوْتَها. مُشْرِفًا : مُرْتَفِعًا عن القَدْر المشروع، وهو شِبْرٌ. إلا سويته : أي: هَدَمْتَ ما عليه من البِناء، وسَوَّيْتَه بالأَرْض.

فوائد الحديث: تحريم التصوير ووجوب إزالة الصور ومحوها بجميع أنواعها. التواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبليغ العلم. تحريم رفع القبور ببناء أو غيره؛ لأنه من وسائل الشرك. وجوب هدم القباب المبنية على القبور. إن التصوير مثل البناء على القبور وسيلة إلى الشرك. يدخل في الإشراف زيادة على ما سبق أن يكون القبر عليه أعلام كبيرة، أو أعلام ملونة مزخرفة، وتسمى عند الناس (نصائل) أو (نصائب).

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

264. الحَلِفُ مَنْفَقَةٌ للسِّلْعة، مَمْحَقَةٌ للكَسْب

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الحَلِفُ مَنْفَقَة للسلعة، مَمْحَقَة للكسب».

كتاب البيوع.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يُحَذِّر -صلى الله عليه وسلم- من التّهاون بالحَلِف، وكثرة استعماله؛ لترويج السِلع، وجلب الكسب؛ فإن البائع إذا حلف على سلعة وهو كاذب؛ فقد يظنه المشتري صادقا فيما حلف عليه، فيأخذها بزيادة على قيمتها تَأَثُّرًا بيمين البائع، فيُعَاقَب بمحق البركة، وربما ذهب رأس المال والربح معا؛ فإن ما عند الله لا يُنَالُ بمعصيته، والإكثار من الحلف تنقص لتعظيم الله، وذلك ينافي التوحيد.

معاني المفردات: الحلف : اليمين والقسم وهو تأكيد الشيء بذكر معظم بصيغة مخصوصة. منفقة : النّفاق: هو الرَّوَاج والمعنى: أن الحَلِفَ سبب لرَوَاج السّلعة وربحها في الحاضر. ممحقة للكسب : الـمَحْق: هو النّقص والـمَحْو والإتلاف، والإتلاف يشمل الإتلاف الحسي بأن يسلط الله على ماله شيئا يتلفه من حريق أو نهب أو مرض يلحق صاحب المال فيتلفه في العلاج، والإتلاف المعنوي بأن ينزع الله البركة من ماله فلا ينتفع به لا دينا ولا دنيا. السلعة : المتاع.

فوائد الحديث: التحذير من استعمال الحَلِف لأجل ترويج السِّلَع؛ لأن ذلك امتهان لاسم الله -تعالى-، وهو يُنْقِص التوحيد. بيان ما يترَتّب على الأَيْمان الكاذبة من الـمضارّ. إن الكسب الحرام وإن كَثُرَت كِمِّيّته؛ فإنه منزوع البركة لا خير فيه. تحريم الإكثار من الحَلِف. تحريم ترويج السِّلَع بالحرام.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: متفق عليه، وهذا لفظ أبي داود.

265. ألا هل أُنَبِّئُكم ما العَضْهُ؟ هي النَّمِيمَةُ القَالَةُ بينَ النَّاس

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا هل أُنَبِّئُكم ما العَضْهُ؟ هي النَّميمة القَالَةُ بين النّاس».

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحذِّر أُمَّتَه مِن الـمَشْي بينَ النَّاس بالنَّمِيمَة، بنَقْل حديث بعضهم في بعض على وَجْه الإفساد بينَهم، فافتتح النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثه بصيغة الاستفهام والسؤال؛ ليكون أَوْقَع في النُّفُوس، وأَدْعَى للانتباه، فسألهم: «ما العَضْهُ» أي: ما الكذب والافتراء؟ وفُسر أيضا بالسحر. ثم أجاب عن هذا السؤال: بأن العَضْهَ هو نَقْلُ الخُصُومة بين الناس؛ لأن ذلك يَفْعَلُ ما يَفْعَلُه السِّحْرُ مِن الفساد، والإضرار بالناس، وتَفْريق القُلُوب بين الـمُتَآلِفَيْنِ، وقَطْع الصِّلَة بين الـمُتَقَارِبَيْنِ، ومَلْء الصُّدُور غَيْظًا وحِقْدًا، كما هو الـمُشَاهَدُ بين النَّاس.

معاني المفردات: ألا : أداة استِفْتَاح، والغَرَض تَنْبِيهُ الـمُخاطَب، والاعتناءُ بما يُلْقَى إليه؛ لأهمِّيته. أنبئكم : أي: أُخْبِرُكم. العضه : العَضْهُ في الأصل: البَهْت وهو افتراء الكذب، وفسَّرها النبي -صلى الله عليه وسلم- هنا بالنَّمَيمَة؛ لأنَّ النَّمِيمَة غالبًا لا تَخْلُو مِن البُهْت. النميمة : نَقْلُ الكلام مِن شَخْص إلى آخرَ على وَجْهِ الإفساد. القالة : هي كثرة القَوْل، وإيقاع الخُصُومة بينَ النَّاس بما يُحْكَى للبعض عن البعض.

فوائد الحديث: أن النَّمِيمَة تَفْعَلُ ما يَفْعَلُه السِّحْر مِن التفريق بين القُلُوب والإفساد بين الناس، لا أنَّ النَّمَّام يَأْخُذُ حُكْمَ الساحر مِن حيثُ الكفر وغيره. تحريم النميمة، وأنها من الكبائر. التعليم على طريقة السؤال والجواب، لأن ذلك أَثْبَتُ في الذِّهْن، وأَدْعَى للانتباه، وأنه من أساليب التربية الإسلامية. حرص الإسلام على حسن العلاقة بين المسلمين والنهي عما يفسدها.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

266. ثلاثة لا يَدْخُلُون الجَنَّة: مُدْمِنُ الخَمْر، وقاطع الرَّحِم، ومُصَدِّقٌ بالسِّحْر

عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة لا يدخلون الجنة مُدْمِنُ خمر، وقاطع الرحم، ومُصَدِّق بالسِّحْر».

كتاب الأشربة - صلة الأرحام.

راوي الحديث: أبو مُوسَى عبد اللَّه بن قيس الأشعري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يُخْبِرُنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: أن ثلاثة أصناف مِن الناس لن يدخلوا الجنة؛ وذلك لما يرتكبونه من كبائر الذنوب التي تعود بالضرر على الفرد والمجتمع: فأولها: المداومة على شُرْب الخمر؛ وذلك لما فيه من ذهاب العقل، ومسخ إنسانية الشخص، وسقوط مُرُوءَته. وثانيها: عدم صلة الأقارب؛ وذلك لما يترتب عليه من العداوة والفُرْقة بين أفراد الأُسْرة، الأمر الذي قد يجعل الإنسان يعيش منفردًا مَنْبُوذًا من أقرب الناس إليه. وثالثها: التصديق بالسِّحْر؛ وذلك لما فيه من تشجيع الشَّعْوَذَة والتدجيل، وابتزاز أموال الناس بالباطل، والمصدق بما يخبر به السحرة من علم الغيب يشمله الوعيد هنا، وأما المصدق بأن للسحر تأثيرًا، فلا يلحقه هذا الوعيد إذ لا شك أن للسحر تأثيرا، وكذلك من صدق بأن السحر يؤثر في قلب الأعيان بحيث يجعل الخشب ذهبًا أو نحو ذلك فلا شك في دخوله في الوعيد؛ لأن هذا لا يقدر عليه إلا الله -عز وجل-.

معاني المفردات: لا يدخلون الجنة : هذا من نصوص الوعيد التي تمر كما جاءت. الجنة : هي الدار التي أعدَّها الله لأوليائه المتقين، وسميت بذلك؛ لكثرة أشجارها لأنها تَجِنُّ مَن فيها؛ أي: تَسْتُرُه. مدمن الخمر : المداوم على شُرْبها حتى مات ولم يَتُبْ. قاطع الرحم : أي: الذي لا يقوم بواجب القَرَابة. مصدق بالسِّحْر : هو العامل بأنواع السِّحْر، والـمُصَدِّق بما يُخْبِرُ به الـمُنَجِّمُون.

فوائد الحديث: تحريم شُرْب الخمر، والوعيد الشديد في حقّ من مات ولم يَتُبْ مِن شُرْبها. وجوب صِلَة القرابة، وتحريم قطيعتها. وجوب التكذيب بالسِّحْر بجميع أنواعه.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح لغيره.

التخريج: رواه أحمد وابن حبان.

267. لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتى أَكُونَ أَحَبَّ إليه مِن وَلَدِه، ووالَدِه، والناس أجمعين

عن أنس وأبي هريرة -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتى أَكُونَ أَحَبَّ إليه مِن وَلَدِه، ووالِدِه، والناس أجمعين».

حب النبي -صلى الله عليه وسلم- وعظم مكانته.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يُخْبِرُنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: أنه لا يَكْمُل إيمانُ المسلم، ولا يَتَحَصَّل على الإيمان الذي يَدْخُلُ به الجَنَّة بلا عذاب، حتى يُقَدِّم حُبَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حُبِّ وَلَدِه ووالده والناس أجمعين، وذلك أن حُبَّ رسول الله يعني: حُبَّ الله؛ لأن الرسول هو المبلِّغ عنه، والهادي إلى دينه، ومحبَّة الله ورسوله لا تَصِحُّ إلا بامتثال أوامر الشرع واجتناب نواهيه، وليس بإنشاد القصائد، وإقامة الاحتفالات، وتلحين الأغاني.

معاني المفردات: لا يؤمن أحدكم : أي: لا يَحْصُلُ له الإيمان الكامل الذي تَبْرَأُ به ذِمَّتُه، ويَدْخُل الجَنَّة بلا عذاب. من ولده : يَشْمَل الذَّكَر والأُنْثَى، وبدأ بمحبَّة الولد؛ لأن تَعَلَّق القلب به أشدّ مِن تعلُّقه بأبيه غالبًا. ووالده : يَشْمَل أباه، وجَدَّه وإن علا، وأُمَّه وجَدَّتَه وإن عَلَتْ. والناس أجمعين : يَشْمَل إِخْوَته، وأعمامه، وأبناءهم، وأصحابه، ونَفْسَه؛ لأنه من الناس.

فوائد الحديث: وجوب محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتقديمها على محبَّة كل مخلوق. أن الأعمال من الإيمان؛ لأن المحبة عمل القلب، وقد نُفِي الإيمان عمن لم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحبَّ إليه مما ذكَر. أن نفي الإيمان لا يَدُلُّ على الخروج من الإسلام. أن الإيمان الصادق لا بدَّ أن يَظْهَرَ أَثَرُه على صاحبه. وجوب تقديم محبة رسول الله على محبَّة النَّفْس، والوَلَد، والوالد، والناس أجمعين. فداء الرسول بالنفس والمال؛ لأنه يَجِبُ أن تُقَدِّم محبَّتَه على نَفْسِك ومالك. أنه يجب على الإنسان أن يَنْصُر سنة رسول الله، ويَبْذُل لذلك نَفْسَه وماله وكل طاقته؛ لأن ذلك من كمال محبة رسول الله، ولذلك قال بعض أهل العلم في قوله: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} أي: مُبْغِضَك، قالوا: وكذلك مَن أَبْغَضَ شريعته؛ فهو مقطوع لا خير فيه. جواز المحبة التي للشَّفَقَة والإكرام والتعظيم؛ لقوله: «أحب إليه من وَلَدِه ووالده ...». فأَثْبَتَ أصل المحبَّة، وهذا أمر طبيعي لا يُنْكِرُه أحد. وجوب تقديم قول الرسول على قول كل الناس: لأن مِن لازم كونه أحبَّ مِن كل أحد أن يكون قوله مُقَدَّمًا على كل أحد مِن الناس، حتى على نَفْسِك.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: حديث أنس -رضي الله عنه-: متفق عليه.حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: رواه البخاري.

268. من أتَى عرَّافًا فسأله عن شيء، فصدَّقه لم تُقْبَلْ له صلاةٌ أربعينَ يومًا

عن حفصة بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أتَى عرَّافًا فسأله عن شيء، فصدَّقه لم تُقْبَلْ له صلاةٌ أربعينَ يومًا".

راوي الحديث: حفصة بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن من جاء إلى عرّاف من العرافين -وهو من يدعي معرفة المغيبات- فسأله عن شيء من أمور الغيب، وصدّقه بما يقول فإن الله سيحرمه من ثواب صلاته أربعين يومًا، وذلك عقوبة له على ما أقدم عليه من الإثم والذنب الكبير، وأما من صدّقهم فقد كفر بما أنزل على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما جاء في الحديث الآخر، وإذا كان هذا جزاءُ من أتى الكاهن فكيف بجزاء الكاهن نفسه! نعوذ بالله من ذلك ونسأل الله العافية.

معاني المفردات: العراف : هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك. لم تقبل له صلاة أربعين يوما : أي لم يكن له ثواب صلاته أربعين يوما، لكن لا يلزمه إعادة صلاة أربعين يوما.

فوائد الحديث: المنع من الذهاب إلى الكهان وسؤالهم عن المغيبات وتصديقهم في ذلك، وأنه كفر. تحريم الكهانة، وأنها من الكبائر. قد يحرم الإنسان من ثواب الطاعة عقوبة له على فعل المعصية.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

269. من اقتَبَس شُعْبَة من النُّجوم؛ فقد اقتَبَسَ شُعْبة من السِّحْر، زاد ما زاد

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من اقتَبَس شُعْبَة من النُّجوم؛ فقد اقتَبَسَ شُعْبة من السِّحْر، زاد ما زاد".

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: لما كان الغيب من الأشياء التي استأثر الله -تعالى- بها أبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- كل محاولة للاستكشاف والاطلاع على أسراره، ومن ذلك التنجيم الذي هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية، فقد بين -صلى الله عليه وسلم- أن تعلم هذا ضرب من السحر، وأنه كلما أكثر الإنسان منه فقد أكثر من السحر.

معاني المفردات: من اقتبسَ : من تعلّم. شعبة : طائفة وقطعة. من النجوم : قسم من علم النجوم. زاد ما زاد : كلما زاد تعلمه من علم النجوم زاد تعلمه للسحر.

فوائد الحديث: تحريم التنجيم الذي هو الإخبار عن المستقبل اعتماداً على أحوال النجوم؛ لأنه من ادعاء علم الغيب. أن التنجيم من أنواع السحر المنافي للتوحيد. أنه كلما زاد تعلّمه للتنجيم زاد تعلّمه للسحر. أن السحر يتجزأ.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد.

270. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل على من يعوده قال: لا بأس طهور إن شاء الله

عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- دخلَ على أعرابيٍّ يَعُودُه، وكان إذا دَخَلَ على مَن يَعودُه، قال: «لا بأس؛ طَهُور إن شاء الله».

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل على أعرابي يزوره في مرضه، وكان إذا دخل على مريض يزوره، قال: "لا بأس؛ طهور إن شاء الله"، يعني: لا شدة عليك ولا أذى، وأن يكون مرضك هذا مطهرا ًلذنبك، مكفراً لعيبك، وأيضًا سبباً لرفع الدرجات في العقبى.

معاني المفردات: طهور : أي: مطهر لك من ذنوبك.

فوائد الحديث: استحباب الدعاء للمريض بما يبشره بالأجر، والتكلم بما يطمئنه. كمال تواضعه –صلى الله عليه وسلم- المتضمن لرأفته ورحمته وتعليمه لأمته. لا نقص على الإمام في عيادة بعض رعيته ولو أعرابياً جافياً.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

271. دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يوعك فمسسته

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: دخلتُ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وهو يُوعَكُ، فَمَسَسْتُهُ، فقلتُ: إنّكَ لَتُوعَكُ وَعَكًا شَدِيدًا، فقالَ: «أجَلْ، إنِّي أُوعَكُ كما يُوعَكُ رَجُلانِ منكُم».

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يذكر ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه دخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يتألم من شدة المرض، فمد يده فقال له: إنك ليشدد عليك في المرض يا رسول الله، فأخبره أنه يشدد عليه -صلى الله عليه وسلم- في المرض، كما يشدد على الرجلين منا؛ وذلك من أجل أن ينال -صلى الله عليه وسلم- أعلى درجات الصبر.

معاني المفردات: يوعك : يتألم من الحمى وغيرها.

فوائد الحديث: جواز إخبار المريض لمن سأله بما يجده من الألم. الأنبياء ينالهم الوجع، والحكمة فيه زيادة في درجاتهم عند ربهم. جواز مس المريض لمعرفة حاله. المرض إذا اشتد عَظُم الأجر.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

272. رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أنْفُ رجل ذُكِرْتُ عنْده فلم يُصَلِّ عَلَي».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث بيان أمر مهم وهو وجوب الصلاة على النبي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، بحيث دعا -عليه الصلاة والسلام- على من سمع اسمه الكريم ولم يصل عليه أن يلتصق أنفه بالرغام وهو التراب، كناية على هوانه وحقارته لما ترك الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قدرته على ذلك.

معاني المفردات: رغم أنف : لصق بالتراب، دلالة على الذل والحقارة والامتهان. ذكرت عنده : أي سمع ذكر اسمي.

فوائد الحديث: وجوب الصلاة والسلام على الرسول –صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر. ذم من لم يُصل عليه -عليه الصلاة والسلام- إذا ذُكِر عنده.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وأحمد.

273. صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «صَوْمُ ثلاثةِ أيامٍ من كُلِّ شهرٍ صَومُ الدَّهرِ كُلِّه».

راوي الحديث: عبد الله بن عَمْرِو بن العاص -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: كان الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قد أخذ بالعزيمة في الصوم وأراد أن يستمر عليها، فأرشده النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؛ لأنه يعدل صيام سنة كاملة في الأجر، وذلك لأن الحسنة بعشرة أمثالها، فتكون ثلاثين يوماً، فإذا صام من كل شهر ثلاثة أيام فكأنه صام الدهر كله.

معاني المفردات: الدهر : السَّنة.

فوائد الحديث: استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر. صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر كله، وذلك بمضاعفة الحسنات، فالحسنة بعشر أمثالها. من أساليب الدعوة إلى الله الترغيب في العمل وذكر ثوابه وثواب المواظبة عليه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

274. إن أحق الشروط أن توفوا به: ما استحللتم به الفروج

عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- مرفوعاً: «إن أحَقَّ الشُّروط أن تُوفُوا به: ما استحللتم به الفروج».

راوي الحديث: عُقبة بن عامر الجُهَنِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: لكل واحد من الزوجين مقاصد وأغراض في إقدامه على عقد النكاح، فيشترط على صاحبه شروطًا ليتمسك بها ويطلب تنفيذها، وتسمى الشروط في النكاح، وهي زائدة على شروط النكاح التي لا يصح بدونها. وجاء التأكيد على الوفاء بها؛ لأن الشروط في النكاح عظيمة الحرمة قوية اللزوم؛ لكونها استحق بها استحلال الاستمتاع بالفروج.

معاني المفردات: أحق الشروط : أولى الشروط المشروعة. أن توفوا : بالتوفية والالتزام. ما استحللتم به الفروج : لأن التوفية به أحوط وبابها أضيق.

فوائد الحديث: وجوب الوفاء بالشروط التي التزم بها أحد الزوجين لصاحبه، وذلك كاشتراط زيادة في المهر أو السكنى بمكان معين من جانب المرأة، وكاشتراط البكارة والنسب، من جانب الزوج. يقيد عموم هذا الحديث بوجوب الوفاء بالشروط، بمثل حديث [لا يحل لامرأة أن تسأل طلاق أختها]. أن الوفاء بشروط النكاح آكد من الوفاء بغيرها، لأنها في مقابل استحلال الفروج. أن ما يلزم لكل واحد من الزوجين على الآخر كالنفقة والاستمتاع والمبيت للمرأة وكالاستمتاع للزوج ليس بمقدر، بل المرجع في ذلك إلى العرف. الشروط في النكاح قسمان: صحيح وهو: مالا يخالف مقتضى العقد، وأن يكون للمشترط من الزوجين غرض صحيح.ب- وباطل وهو: ما كان مخالفا لمقتضي العقد.والميزان في هذه الشروط ونحوها، قوله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالا أو أحل حراماً" ولا فرق بين أن يقع اشتراطها قبل العقد أو معه.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح

التخريج: متفق عليه.

275. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: اللهم إني أعوذ بك مِنَ البَرَصِ، والجُنُونِ، والجُذَامِ، وَسَيِّيءِ الأسْقَامِ

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اللهم إني أعوذ بك من البَرَصِ، والجُنُونِ، والجُذَامِ، وَسَيِّئِ الأسْقَامِ».

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في الحديث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من أمراض معينة، وهذا يدل على خطرها، وعظيم أثرها، ثم سأل السلامة والعافية من قبيح الأمراض عموما، فقد تضمن هذا الدعاء: التخصيص والإجمال، فقال:" اللهم إني أعوذ بك من البرص"، وهو بياض يظهر في الجسم، يُوَلِّدُ نُفرة الخلق عن الإنسان، فيورث الإنسان العزلة التي قد تودي به إلى التسخط والعياذ بالله. "والجنون": وهو ذهاب العقل، فالعقل هو مناط التكليف وبه يعبد الإنسان ربه، وبه يتدبر ويتفكر في خلائق الله -تعالى-، وفي كلامه العظيم، فذهاب العقل ذهاب بالإنسان. و"الجذام": وهو مرض تتآكل منه الأعضاء حتى تتساقط -والعياذ بالله– . "وسيء الأسقام": أي قبيح الأمراض: وهي العاهات التي يصير المرء بها مُهاناً بين الناس، تنفرُ عنه الطباع، كالشلل والعمى والسرطان، ونحو ذلك؛ لأنها أمراض شديدة تحتاج إلى كلفة مالية، وصبر قوي لا يتحمله إلا من صبره الله -تعالى- وربط على قلبه. وهنا تظهر عظمة هذا الدين الذي يحافظ ويرعى بدن المسلم ودينه.

معاني المفردات: البرص : بياض يظهر في ظاهر الجسد لعلة. الجذام : علة تتآكل منها الاعضاء وتسقط. الأسقام : جمع سُقم: الأمراض. الجنون : زوال العقل. سيء الأسقام : قبيح الأمراض كالفالج والعمى.

فوائد الحديث: الاستعاذة من الأمراض القبيحة المهلكة، التي قد تذهب بصبر الإنسان، فلا تبقي له شيئا من الأجر. استعاذة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من سيء الأسقام خشية ضعف الطاقة عن الصبر والوقوع في الضجر فيفوت الأجر. هذه الأمراض المنصوص عليها في الحديث مفسدة للخِلْقَةِ والخُلُقِ، وتؤدي إلى نفور الخلق من صاحبها. لم يستعذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من جميع الأمراض؛ لأن الأمراض مطهرة للآثام مع الصبر عليها، ولا يخلو منها العباد، بل أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل. قد يستدل بالحديث على مشروعية الحجر الصحي؛ لما أودعه الله في الجذام من سرعة العدوى، إضافة إلى سرعة فتكه بالمصابين به، زيادة على كونه محل نُفُور الطباع السليمة. تعوُّذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من سيئ الأمراض، يدخل فيه ما يعرف بالأمراض المستعصية الآن كالسرطان، فتكون مثل هذه الأحاديث محل الحرص؛ لأثرها في الصحة الوقائية.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والنسائي وأحمد.

276. أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مَكْرِ الله، والقُنُوطُ من رحمة الله، واليَأْسُ من رَوْحِ الله".

الرجاء والخوف - التحذير من القنوط واليأس - التحذير من الأمن من مكر الله -تعالى-.

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الحديث ذنوبًا تعتبر من كبائر الذنوب، وهي: أن يُجعل لله -سبحانه- شريكٌ في ربوبيته أوعبوديته وبدأ به؛ لأنه أعظم الذنوب، وقطع الرجاء والأمل من الله؛ لأن ذلك إساءة ظنٍّ بالله وجهل بسعة رحمته، والأمن من استدراجه للعبد بالنعم حتى يأخذه على غفلة، وليس المراد بهذا الحديث حصر الكبائر فيما ذكر؛ لأن الكبائر كثيرة، لكن المراد بيان أكبرها.

معاني المفردات: الكبائر : جمع كبيرة، وهي: كل ذنب توعّد الله صاحبه بنارٍ أو لعنةٍ أو غضبٍ أو عذابٍ أو نفي الإيمان أو رتب الله عليه حداً في الدنيا. واليأس من روح الله : أي قطع الرجاء والأمل من الله، فيما يقصد الإنسان ويخافه ويرجوه. الأمن من مكر الله : أي: من استدراجه للعبد، أو سلبه ما أعطاه من الإيمان. الشرك بالله : عبادة غير الله معه، أو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله -تعالى-.

فوائد الحديث: انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر. أن الشرك أعظم الذنوب وأكبر الكبائر. تحريم الأمن من مكر الله -سبحانه- واليأس من رحمته، وأنهما من أكبر الكبائر. جواز وصف الله -تعالى- بالمكر في مقابلة الماكرين، وهذه صفة كمال، والمذموم هو المكر بمن لا يستحق أن يُمكر به. أن الواجب على العبد أن يكون بين الخوف والرجاء، فإذا خاف لا ييأس، وإذا رجا لا يأمن. إثبات صفة الرحمة لله -تعالى- على وجه يليق بجلاله. وجوب إحسان الظن بالله -عز وجل-.

المصدر : كتاب التوحيد. إسناده صحيح.

التخريج: رواه عبد الرزاق.

277. اقرأ: قل هو الله أحد، والمُعَوِّذَتَيْنِ حين تمسي وحين تصبح، ثلاث مرات تكفيك من كل شيء

عن عبد الله بن خُبَيْب -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اقرأ: قل هو الله أحد، والمُعَوِّذَتَيْنِ حين تمسي وحين تصبح، ثلاث مرات تكفيك من كل شيء».

فضائل المعوذتين - فضائل الصحابة - أسماء سور القرآن - ما يعتصم به المسلم - علاج السحر والحسد.

راوي الحديث: عبد الله بن خُبَيْب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: جاء هذا الحديث بهذا التوجيه النبوي الفريد، والذي يحث المسلم على الاعتصام بذكر الله -تعالى-، فمن حفظ الله -تعالى- حفظه الله ، فهنا يرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن خبيب -رضي الله عنه- وأمته كلها من خلفه أن من حافظ على قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات حين يصبح وحين يمسي فإن الله -تعالى- يكفيه كل شيء، وفي هذا الحديث فضيلة عظيمة، ومنقبة جليلة لكل مؤمن يسعى لتحصين نفسه من سائر الشرور والمؤذيات، وقد تضمن هذا الحديث الكلام على ثلاث سور عظيمة، وهي: أ‌- سورة الإخلاص {قل هو الله أحد} التي أخلصها الله -تعالى- لنفسه فلم يذكر فيها شيئا إلا يتعلق بنفسه -جل وعلا- كلها مخلصة لله -عز وجل- ثم الذي يقرأها يكمل إخلاصه لله -تعالى- فهي مُخْلَصة ومُخَلِّصة، تخلص قارئها من الشرك، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها تعدل ثلث القرآن ولكنها لا تجزئ عنه. ب- سورة الفلق، وقد تضمنت الاستعاذة من شر ما خلق الله -تعالى-، والاستعاذة من شر الليل وما حوى من المؤذيات، ومن شر السحرة والحسد، فجمعت أغلب ما يستعيذ منه المسلم ويحذره. ج- سورة الناس، وقد استوعبت أقسام التوحيد {رب الناس} توحيد الربوبية {ملك الناس} الأسماء والصفات؛ لأن الملك لا يستحق أن يكون ملكا إلا بتمام أسمائه وصفاته {إله الناس} الألوهية {من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس} فختمت بالاستعاذة من شر وساوس الشيطان.

معاني المفردات: المعوذتين : أي: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. تكفيك كل شيء : عن بقية الأذكار وتكفيك الشرور التي يمكن أن تطرأ للعبد، فهي حرز وحصن له من الله -تعالى-.

فوائد الحديث: استحباب قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين في الصباح والمساء، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرؤها في كفيه إذا أخذ مضجعه، ويمسح بهما من من جسمه جميع ما وصلت إليه يداه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي والنسائي.

278. لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، فكيف إذنها قال: أن تسكت

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «لا تنُكْحَ ُالأيُّم حتى تُستأمر، ولا تنكح البكر حتى تُستَأذن، قالوا: يا رسول الله، فكيف إذنها قال: أن تسكت».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: عقد النكاح عقد خطير، يستبيح به الزوج أشد ما تحافظ عليه المرأة، هو: بضعها، وتكون بهذا العقد أسيرة عند زوجها، لهذا جعل لها الشارع العادل الرحيم الحكيم أن تختار شريك حياتها، وأن تصطفيه بنظرها، فهي التي تريد أن تعاشره، وهى أعلم بميولها ورغبتها. فلهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تزوج الثيب حتى يؤخذ أمرها فتأمر. كما نهى عن تزويج البكر حتى تستأذن في ذلك أيضا فتأذن. ولأنه يغلب الحياء على البكر اكتفى منها بما هو أخف من الأمر، وهو الإذن، كما اكتفى بسكوتها، دليلا على رضاها.

معاني المفردات: لاتنكح : لا تزوج. الأيم : الثيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق. تستأمر : أصل الاستئمار: طلب الأمر، فالمعنى لا يعقد عليها إلا بعد طلب الأمر منها، وأمرها به. تستأذن : يطلب منها الإذن. إذنها : إذن البكر. أن تسكت : وذلك لأنها تستحي أن تفصح، ويستحب إعلامها أن سكوتها إذن.

فوائد الحديث: النهي عن نكاح الثيب قبل استئمارها وطلبها ذلك وقد ورد النهى بصيغة النفي، ليكون أبلغ، فيكون النكاح بدونه باطلا. النهْيُ عن نكاح البكر قبل استئذانها، ومقتضى طلب إذنها أن نكاحها بدونه باطل أيضا. البكر تستأذن لغلبة الحياء عليها، فلا تكون موافقتها بأمر كالثيب. يكفي في إذنها السكوت لحيائها -غالبا- عن النطق، والأحسن أن يجعل لموافقتها بالسكوت أجلا، تعلم به أنها بعد انتهاء مدته يعتبر سكوتها إذنا منها وموافقة. لا يكفي في استئمار الثيب واستئذان البكر مجرد الإخبار بالزواج، بل لا بد من تعريفها بالزوج تعريفا تاما، عن سنه، وجماله، ومكانته، ونسبه، وغناه، وعمله، وضد هذه الأشياء، وغير ذلك مما فيه مصلحة لها، خبرا مطابقا للواقع. قال شيخ الإسلام: من كان لها ولي من النسب وهو العصبة فهذه يزوجها الولي بإذنها، ولا يفتقر ذلك إلى حاكم باتفاق العلماء، وأما من لا ولي لها فإن كان في القرية أو المحلة نائب حاكم زوجها، وهو أمير الأعراب ورئيس القرية وإذا كان فيهم إمام مطاع زوجها أيضا بإذنها. -والله أعلم- ومثل ذلك في زماننا ممثل المراكز الإسلامية في البلاد الكافرة. الأحسن الاستشارة في أمر النكاح لعظيم خطره ومكانته.

المصدر : عمدة الأحكام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

279. ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، إلا لم يضره شيء

عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- مرفوعاً: «ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، إلا لم يَضُرَّهُ شيء».

راوي الحديث: عثمان بن عفان -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة أي بعد طلوع الفجر وبعد غروب الشمس، وفي رواية أحمد: "قال في أول يومه أو في أول ليلته ": (بسم الله) أي: أذكر اسمه على وجه التعظيم والتبرك، (الذي لا يضر مع اسمه) أي: مع ذكره باعتقاد حسن ونية خالصة، (لم يضره شيء) كائن (في الأرض ولا في السماء) أي: من البلاء النازل منها (وهو السميع) أي: بأقوالنا (العليم) أي: بأحوالنا. وفي الحديث دليل على أن هذه الكلمات تدفع عن قائلها كل ضر كائنًا ما كان، روى هذا الحديث عن عثمان بن عفان –رضي الله عنه- ابنه أبان وهو من ثقات التابعين، وكان أبان قد أصابه الفالج (شلل) فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه متعجبًا، فقال له أبان: مالك تنظر إلي فوالله ما كذبت على عثمان ولا كذب عثمان على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن اليوم الذي أصابني غضبت فنسيت أن أقولها"، ويستفاد من ذلك ما يلي: أ‌- الغضب آفة تحول بين المرء وعقله. ب‌- إذا أراد الله إنفاذ قدره صرف العبد عما يحول بينه وبين ذلك. ت‌- الدعاء يرد القضاء. ث‌- قوة يقين السلف الأول بالله وتصديقهم بما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

معاني المفردات: صباح : أي: بعد طلوع الفجر. مساء : أي: بعد غروب الشمس. باسم الله : أحتمي بكل اسم هو لله -تعالى- من كل سوء من جماد أو دابة أو جن أو شيطان أو حيوان عاقل أو غير عاقل، فهو العليم بأحوال الكائنات، القدير على تصريفها حيث يشاء. الذي لا يضر مع اسمه : أي: مع ذكر اسمه باعتقاد حسن ونية صالحة. ولا في السماء : أي: من البلاء النازل منها. وهو السميع : بأقوالنا. العليم : أي: عليم بأحوالنا.

فوائد الحديث: تأكيد الإتيان بهذا الذكر ليتقي الإنسان بقدرة الله -تعالى- من جميع البأس والضرر. الاعتماد على الله -تعالى- وحده في طلب النجاة والسلامة والعافية من جميع النوائب والمصائب والنوازل، فإنه -سبحانه وتعالى- هو الواقي والحافظ للإنسان، وبقدرته تعالى يصرف كل أذى وبلاء. روى هذا الحديث عن عثمان بن عفان –رضي الله عنه- ابنه أبان وهو من ثقات التابعين، وكان أبان قد أصابه الفالج (شلل) فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه متعجبًا، فقال له أبان: مالك تنظر إلي فوالله ما كذبت على عثمان ولا كذب عثمان على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن اليوم الذي أصابني غضبت فنسيت أن أقولها"، ويستفاد من ذلك ما يلي: أ‌- الغضب آفة تحول بين المرء وعقله. ب‌- إذا أراد الله إنفاذ قدره صرف العبد عما يحول بينه وبين ذلك. ت‌- الدعاء يرد القضاء. ث‌- قوة يقين السلف الأول بالله وتصديقهم بما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قوله صلى الله عليه وسلم :" يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة" دليل على عدم انقطاع سبب الحماية الربانية للعبد إذا قال هذا الذكر كما ورد في الحديث ، لأن اتصال الصباح باليوم ، والمساء بالليلة يدل على ما تقدم . من فوائد تقييد الذكر بالصباح والمساء قطع الغفلة عن المسلم واستحضاره الدائم بأنه عبد لله -تعالى- حتى لا يخرج عن وظيفته الأصلية وأيضا ليستحضر المسلم أهمية الوقت والزمان ، يبرز الحديث قيمة الثواب وما جبلت عليه النفس البشرية من طلبها للثواب والعوض عما تقوم به، ولذا علق النبي -صلى الله عليه وسلم- الأجر العظيم من الحماية ودفع الشرور بمجرد كلمات يسيره يقولها المسلم في صباحه ومسائه. أن جزاء هذا الذكر إنما يكون لمن أتى به في أول الليل والنهار.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي في الكبرى وأحمد.

280. فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر

عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وصِيَامِ أهْلِ الكِتَابِ، أكْلَةُ السَّحَرِ».

راوي الحديث: عمرو بن العاص -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث عن الفارق المميز بين صيامنا وصيام اليهود والنصارى، وهو الطعام الذي يأكله المسلمون وقت السحور، لأنَّ أهل الكتاب لا يتسحرون، والمسلمون يستحب لهم السحور؛ مخالفة لأهل الكتاب وتحقيقاً للسنة وفيه بركة وخير كما ثبت في السنة، وأهل الكتاب يصومون من نصف الليل، فيأكلون قبل منتصف الليل ولا يأكلون في السحر، والتمييز بين المسلمين والكفار أمر مطلوب في الشرع.

معاني المفردات: فصل : فاصل وفارق. أهل الكتاب : اليهود والنصارى. أكلة السحر : السحور، وأكلة بفتح الهمزة، عبارة عن المرة الواحدة من الأكل كغدوة، والمراد هنا الطعام الذي يؤكل وقت السُّحور.

فوائد الحديث: السحور من خصائص الأمة الإسلامية، والله تفضل به وبغيره من الرخص رأفة ورحمة بها. مخالفة أهل الكتاب مقصد من مقاصد الشرع، وهدف من أهداف البعثة النبوية تمييزاً لهذه الأمة الإسلامية.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

281. قال الله -عز وجل- العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني بشيء منهما عذبته

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قَال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني بشيء منهما عذبته».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: العزّ والكبرياء صفتان مختصتان بالله لا يشاركه فيهما غيره؛ كما لا يشارك الرجل في ردائه وإزاره اللذين هما لباساه غيره، فجعل الله -تعالى- هاتين الصفتين ملازمتين له، ومن خصائصه التي لا تقبل أن يشاركه فيها أحد، فمن ادعى العزة والكبرياء فقد نازع الله في ملكه، ومن نازع الله عذبه.

معاني المفردات: العز : العز: فهو تبارك وتعالى العزيز، وللعز معان، منها: القهر والغلبة والقوة، والعظمة في أسمائه ونعوته وصفاته -تبارك وتعالى-. إزاري : الإزار ما يستر أسفل الجسم. الكبرياء : أي العلو والعظمة والتعالي والرفعة، فهي كلها من معاني الكبرياء. ردائي : معنى الرداء: ما يستر أعلى الجسم، وهذا من الأحاديث التي تمر كما جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يتعرض لمعناها بتحريف أو تكييف، وإنما يُقال هكذا قال الله -تعالى- فيما رواه النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه، فمن نازع الله في عزته وأراد أن يتخذ سلطاناً كسلطان الله، أو نازع الله في كبريائه وتكبر على عباد الله، فإن الله يعذبه على ما صنع ونازع الله -تعالى- فيما يختص به.

فوائد الحديث: العزة والكبرياء من صفات الله -سبحانه وتعالى-. من عرف عظمة الله -تعالى- استأصل الكبر من نفسه. من نازع الله في صفة من صفاته ألقاه في النار.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم وفي لفظه اختلاف يسير، وهذا لفظ البخاري في الأدب المفرد.

282. قلت: يا رسول الله، علمني دعاء، قال: قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي

عن شكل بن حميد -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، عَلِّمْنِي دعاء، قال: (قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر مَنِيِّي).

المناقب - الإيمان - العلم.

راوي الحديث: شكل بن حميد -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث يذهب شكل بن حميد -رضي الله عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- باحثًا عن خيري الدنيا والآخرة، إنه لم يطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- دنيا فانية، ولا حفنة من مال، ولا صاعا من طعام، ولكنه ذهب يطلب الدعاء، يريد من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعلمه دعاء ينتفع به في دينه ودنياه، فهذه هي حقيقة الصحابة يبتغون فضلا من الله ورضوانا، فأرشده النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا الدعاء العظيم الجليل، فقال له: "قل: اللهم إني": دعا الله -تعالى- وتوجه إليه باسمه الجامع لكل أسماء الله الحسنى "الله"، "أعوذ بك من شر سمعي": أعوذ أي: أحتمي بالله -تعالى- من شر السمع، وهو ما يقع فيه سمع الإنسان من المحرمات: كشهادة الزور، وكلام بالكفر والبهتان، والانتقاص من الدين وسائر ما يصل إلى سمع الإنسان من المحرمات، "ومن شر بصري": وهو أن يستعمله في النظر إلى المحرمات من الأفلام الخليعة ، والمناظر القبيحة، "ومن شر لساني": أي ومن كل محرم قد يخرج من اللسان كشهادة الزور، والسب، واللعن، والانتقاص من الدين وأهله، أو التكلم فيما لا يعني الإنسان، أو ترك الكلام فيما يعنيه، "ومن شر قلبي": وهو أن يعمر القلب بغير ذكر الله -تعالى-، أو أن يتوجه إلى غير الله -تعالى- بالعبادات القلبية من الرجاء والخوف، والرهبة، والتعظيم، أو يترك ما يجب عليه من صرف العبادات القلبية للرب -سبحانه وتعالى-، "ومن شر منيي": أي ومن شر الفرج وهو أن يقع فيما حرم الله عليه ، أو يوقعني في مقدمات الزنى من النظر، واللمس، والمشي، والعزم، وأمثال ذلك، فهذا الدعاء المبارك فيه حفظ الجوارح والتي هي من نعم الله -تعالى-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أمره هنا أن يستعيذ بالله من شر هذه النعم ، ولم يأمره أن يستعيذ من هذه النعم كأن يقول: "أعوذ بالله من سمعي"، لأن هذه نعم ، وبها يعبد الله -تعالى-، فليست هي شر محض حتى يستعاذ منها ولكن يستعاذ من الشر الذي قد يتولد عنها، وحفظها يكون برعاية ما خلقت له، و أن لا يباشر بها معصية، ولا ينشر بها رذيلة، لأنه مسؤول يوم القيامة عن هذه النعم مصداقا لقوله -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].

معاني المفردات: اللَّهُمَّ : يا الله. أعوذ : ألتجئ وأحتمي. شر سمعي : أي: بأن أسمع كلام الزور والبهتان والغيبة وسائر ما حرم الله -تعالى- سمعه، أو أن لا اسمع الحق. شر بصري : وذلك بالنظر إلى عورات الناس أو إلى ما حرم الله -تعالى-. شر قلبي : بأن أشغله بغير ذكر الله -تعالى-. شر لساني : هو التكلم بالباطل أو ما لا يعنيني ، أو السكوت عن الحق شر منيَّي : المني: ما يخرج من الرجل من ماء بشهوة ولذة ، والمراد هنا الفرج كما ورد عند الترمذي ، ويكون شره إذا وضعه في غير محله المشروع.

فوائد الحديث: الحث على حفظ السمع والبصر واللسان والقلب والفرج ، وذلك باستعمالها فيما يرضي الله -تعالى-. التنويه بمسؤولية الإنسان عن حواسه كما أخبر -سبحانه وتعالى-: "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا". حواس الإنسان وأعضاؤه نعم ينبغي على العبد شكر الله -تعالى- عليها بوضعها فيما خلقت له ، وبذلك يحقق العبودية لله -سبحانه وتعالى-. قول شكل بن حميد -رضي الله عنه-: "قلت: يا رسول الله، علمني دعاء" يدل على حرص الصحابة على كل ما ينفعهم في الدنيا والآخرة ، ويبين أنهم أصحاب همة عالية لمحافظتهم على ما ينفعهم في العاجل والآجل. خص النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الجوارح بالدعاء؛ لانها مناط الشهوة ومثار اللذة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد.

283. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا

عن أنس -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أحسنَ النَّاس خُلُقاً.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: بيان ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه من حسن الخلق وكرم الشمائل والتواضع، لحيازته جميع المحاسن والمكارم وتكاملها فيه.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: ما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من كمال الخُلق. الحث على حسن الخلق تأسيا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

284. لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تجعلوا بيوتكم مَقَابر، إنَّ الشيطان يَنْفِرُ من البيت الذي تُقْرَأُ فيه سورةُ البقرة».

كتاب الصلاة.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر أبو هريرة –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن جعل البيوت مقابر بأن تكون مثلها في عدم اشتغال من فيها بالصلاة والقراءة، وإنما سمى البيوت في حال عدم الصلاة فيها مقابر؛ لأن المقبرة لا تصح الصلاة فيها، ثم أخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه أهله سورة البقرة، ليأسه من إغوائهم وإضلالهم ببركة قراءتها وامتثالهم لما فيها.

معاني المفردات: لا تجعلوا بيوتكم مقابر : أي لا تكن كالمقابر خالية من القراءة والعمل، فتكونوا كالموتى. ينفر : يصد ويعرض إعراضاً بالغاً.

فوائد الحديث: بيان فضل سورة البقرة. الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة، ولا يقربه. لا تجوز الصلاة في المقابر. يستحب الإكثارمن العبادات وصلاة النافلة في البيوت.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

285. لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لَأَنْ أَقُولَ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عليْه الشمسُ».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الحديث فيه الحث على ذكر الله -تعالى- بتنزيهه وحمده وتعظيمه وتوحيده وتكبيره, وهذه الأذكار خير من الدنيا وما فيها؛ لأنها من أعمال الآخرة, وهي الباقيات الصالحات, وثوابها لايزول, وأجرها لا ينقطع, بينما الدنيا صائرة إلى زوال وآيلة إلى فناء.

معاني المفردات: سبحان الله : تنـزيه الله عما لا يليق. الحمد لله : ثناء عليه بصفات الكمال، ونعوت الجلال. لا إله إلا الله : لا معبود بحق إلا الله. الله أكبر : التكبير التعظيم. مما طلعت عليه الشمس : كناية عن الدنيا كلها.

فوائد الحديث: الحث على ذكر الله بتنزيهه وحمده وتعظيمه وتوحيده وتكبيره. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هن الباقيات الصالحات. متاع الدنيا قليل وشهواتها زائلة. نعيم الآخرة لا يزول ولا يحول.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

286. لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم مِنْ شهر أكثر من شعبان، فإنّه كان يصوم شعبان كله. وفي رواية: كان يصوم شعبان إلا قليلا.

تفاضل الأزمنة.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم من شهر أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله. وفي رواية: كان يصوم شعبان إلا قليلاً. الثاني تفسير للأول وبيان أن قولها: كله، أي: غالبه، وقيل: كان يصومه كله في وقت، ويصوم بعضه في سنة أخرى، وقيل: كان يصوم تارة من أوله، وتارة من آخره، وتارة بينهما، وما يخلي منه شيئاً بلا صيام لكن في سنين، فلهذا ينبغي للإنسان أن يكثر من الصيام في شهر شعبان أكثر من غيره؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصومه، والحكمة من ذلك أنه يكون بين يدي رمضان كالرواتب بين يدي الفريضة، وقيل: في تخصيص شعبان بكثرة الصوم لكونه ترفع فيه أعمال العباد، كما دلت عليه السنة.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: فضل صيام شعبان. الحكمة في تفضيله أنه بمثابة الاستعداد لرمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله -تعالى-. أنه لا يشرع صومه كله، وإنما الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- صوم أكثره كما هو مقتضى الروايات، وبه تفتي اللجنة الدائمة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

287. لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع

عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَئِن بَقِيتُ إلى قابلٍ لأصومنّ التاسِع».

أقسام السنة النبوية- العزم على الفعل.

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: لئن بقيت"، أي: لئن عشت، "إلى قابل"، أي عشت إلى المحرم الآتي، "لأصومن"، اليوم "التاسع" مع عاشوراء؛ مخالفة لليهود، فلم يأت المحرم القابل حتى مات، فيسن صومه وإن لم يصمه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن ما عزم عليه فهو سنة، والسبب في صوم التاسع مع العاشر أن لا يتشبه باليهود في إفراد العاشر، وقيل: للاحتياط في تحصيل عاشوراء، والأول أولى فقد جاء النص في ذلك، والله أعلم.

معاني المفردات: قابل : العام المقبل.

فوائد الحديث: ندب صيام يوم التاسع والعاشر من شهر المحرم. يشرع مخالفة أهل الكتاب من اليهود والنصارى.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

288. ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما أذنَ الله لشيء ما أَذِنَ لنبي حسن الصوت يَتَغَنَّى بالقرآن يجهر به».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث الحث على تحسين الصوت عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها، بحيث أنه يحسّن به صوته جاهرًا به، مترنمًا على طريق التحزن، مستغنيًا به عن غيره من الأخبار، طالبًا به غنى النفس، راجيًا به غنى اليد، والمقصود بالتغني في الحديث هو التحسين وليس جعله مثل إيقاعات الأغاني الموسيقية.

معاني المفردات: يتغنى بالقرآن : يحسن صوته بالقرآن. أَذِن : اسْتَمَعَ، وَهُوَ يدل كذلك على الرِّضَا والقَبولِ.

فوائد الحديث: استحباب تحسين الصوت بالقراءة القرآن وترتيلها، وهو متفق عليه. يعطي الله سبحانه الأجر العظيم على حسن الصوت في تلاوة القرآن.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

289. ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما بَعَثَ اللهُ نبياً إلا رَعَى الغَنَمَ"، فقالَ أصحابُهُ: وأنتَ؟، قال: "نعم، كُنتُ أرعَاها على قَرَارِيطَ لأهلِ مكةَ".

الإجارة.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كل الأنبياء رعوا الغنم في حياتهم، وظاهر الحديث أن ذلك قبل النبوة، لذلك قال العلماء: الحكمة من ذلك أن يتمرن الإنسان على رعاية الخلق وتوجيههم إلى ما فيه الصلاح؛ لأن الراعي للغنم تارة يوجهها للمرعى وتارة يبقيها واقفة وتارة يردها إلى المراح، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- سيرعى الأمة ويوجهها إلى الخير عن علم وهدى وبصيرة كالراعي الذي عنده علم بالمراعي الحسنة، وعنده نصح وتوجيه للغنم إلى ما فيه خيرها، وما فيه غذاؤها وسقاؤها. واختيرت الغنم لأن صاحب الغنم متصف بالسكينة والهدوء والاطمئنان بخلاف الإبل، فإن أصحابها في الغالب عندهم شدة وغلظة، لأن الإبل كذلك فيها الشدة والغلظة، فلهذا اختار الله -سبحانه وتعالى- لرسله أن يرعوا الغنم حتى يتعودوا ويتمرنوا على رعاية الخلق.

معاني المفردات: قراريط : جمع قيراط، وهو جزء من الدينار أو الدرهم.

فوائد الحديث: تواضع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- باشتغالهم بأبسط الحِرَف. يستحب للعبد أن يتكسب ويطلب الرزق وإن قل، ففيه البركة لمن قنع، ويجب أن يتحرى في ذلك أن يكون حلالًا. الحكمة من رعي الأنبياء الغنم؛ ليتمرنوا بذلك على سياسة الأمم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

290. معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة

عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مُعَقِّباتٌ لا يخيب قائلهنَّ -أو فاعلهنَّ- دُبُرَ كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة».

راوي الحديث: كعب بن عجرة -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث مشروعية قول هذه الأذكار عقب الصلوات الخمسة، وحكمته أن وقت الفرائض تفتح فيه الأبواب وترفع فيه الأعمال فالذكر حينئذ أرجى ثواباً وأعظم أجراً.

معاني المفردات: معقبات : تسبيحات تقال أعقاب الصلاة، أي بعدها. لا يخيب : من الخيبة، وهي الحرمان والخسران. دبر كل صلاة : أي آخرها، والمراد بعد السلام. مكتوبة : أي مفروضة، والمراد الصلوات الخمس.

فوائد الحديث: التسبيح والتحميد والتكبير هن الباقيات الصالحات. فاعل الخير وقائل الكلم الطيب لا يخيب سعيه، ولا يضيع عمله. الذكر بعد الصلوات المفروضة فيه صيغ كثيرة، وهو من باب اختلاف التنوع، هذا يدل على سعة رحمة الله بعباده.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

291. من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله

عن بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من تَرَكَ صلاةَ العصرِ فقد حَبِطَ عَمَلُهُ».

مفسدات الأعمال - الصلاة الوسطى.

راوي الحديث: بُرَيْدَة بن الحُصَيب الأَسْلَمِيّ -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أفاد الحديث عقوبة من ترك صلاة العصر متعمداً، وخص العصر لأنها مظنة التأخير بالتعب من شغل النهار؛ ولأن فوتها أقبح من فوت غيرها؛ لكونها الصلاة الوسطى المخصوصة بالأمر بالمحافظة عليها في قوله -تعالى-: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) [البقرة: 238]، والعقوبة المترتبة على ذلك حبوط عمل من تركها, ببطلان ثوابه، وقيل: المراد مَنْ تركها مستحلاً لذلك، أو جاحداً لوجوبها، فيكون المراد بحبوط العمل الكفر، واستدل بهذا بعض العلماء على أن من ترك صلاة العصر كفر؛ لأنه لا يحبط الأعمال إلا الردة، وقيل: هو وارد على سبيل التغليظ؛ أي: من تركها فكأنما حبط عمله، وهذا من فضائل صلاة العصر خاصة أن من تركها فقد حبط عمله؛ لأنها عظيمة.

معاني المفردات: حبط عمله : بطل ثوابه.

فوائد الحديث: الحث على المحافظة على صلاة العصر في وقتها. حرمة ترك الصلاة، وخاصة صلاة العصر. من ترك صلاة العصر متعمدًا فقد بطل أجره وقيد التعمد قد ورد في رواية صحيحة: (متعمدًا).

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

292. من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده

عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من توضَّأ فَأَحْسَن الوُضُوءَ، خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُج مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِه».

راوي الحديث: عثمان بن عفان -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يدل الحديث على أن الوضوء من أفضل العبادات، ومن فضائله التي جاءت في هذا الحديث أن من توضأ فأحسن الوضوء, بحيث حافظ على سننه وآدابه، كان وضوؤه هذا سببًا لخروج ما اقترفه من صغائر الذنوب المتعلقة بحق الله -تعالى-, حتى تخرج هذه الذنوب والخطايا من أدق مكان وهو ما تحت الأظفار، وعلى هذا ينبغي للإنسان أن ينوي بوضوئه التقرب إلى الله -عز وجل-، ويستشعر بأنه يمتثل أمر الله في قوله: "إذا قمتم إلى الصلاة، فاغسلوا وجوهكم" المائدة: 6، ويستشعر أيضاً أنه متبع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وضوئه، ويستحضر أيضاً أنه يريد الثواب، وأنه يثاب على هذا العمل حتى يتقنه ويحسنه.

معاني المفردات: أحسن الوضوء : المقصود الوضوء المشتمل على سننه وآدابه. خرجت : ذهبت ذنوبه وغُفرت. خطاياه : المراد بها الصغائر المتعلقة بحق الله -تعالى-.

فوائد الحديث: الحث على الاعتناء بتعلم آداب الوضوء وشروطه، والعمل بذلك. بيان فضل الوضوء، وأنه كفارة للذنوب. شرط خروج الخطايا هو تحسين الوضوء والإتيان به كما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته. الحث على الاعتناء بتعلم شروط الوضوء وسننه وآدابه والعمل بذلك.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

293. من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من الدجال

عن أبي الدرداء –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ». وفي رواية: «مِنْ آخِرِ سُورَةِ الكَهْف».

الفتن - المسيح الدجال.

راوي الحديث: أبو الدَّرْدَاء -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من حفظ عن ظهر قلب عشر آيات من أول سورة الكهف, أو من آخرها, على روايتين، حفظه الله -تعالى- من شر الدجال، وفتنته، فلا يتسلط عليه ولا يضره بإذن الله -تعالى-.

معاني المفردات: عصم : مُنِع وحُمِي وحُفظ. الدجال : هو المسيح الدجال الكذاب، الذي يخرج في آخر الزمان، ويكون ظهوره فتنة عظيمة للناس، ويدعي الألوهية، وتظهر على يديه بعض الخوارق.

فوائد الحديث: بيان فضل سورة الكهف، وأن فواتحها تعصم من فتنة الدجال. الإخبار عن أمر الدجال، وبيان ما يعصم منه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

294. من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ سُئِلَ عن عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ يوم القيامةِ بِلِجَامٍ مِنْ نارٍ».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: هذا الحديث فيه التحذير الشديد من كتمان العلم, وأن من سُئل عن علم يحتاج إليه السائل في أمر دينه، ويلزم المسؤول عنه بيانه، فلم يبيِّن ذلك العلم بعدم الجواب, أو بمنع الكتاب، عاقبه الله تعالى يوم القيامة بأن يدخل في فمه لجاما من نار؛ مكافأة له حيث ألجم نفسه بالسكوت، والجزاء من جنس العمل, والوعيد في هذا الحديث يلحق من عَلم أن السائل يسأل للاسترشاد، أما إذا علم من السائل أنه يسأل امتحاناً وليس بقصد أن يسترشد فيعلم ويعمل، فالمسؤول بالخيار بين الإجابة وعدمها, ولا يلحقه الوعيد الوارد في الحديث.

معاني المفردات: ألجم : من اللجام، وهو ما يوضع في فم الفرس. علم : يحتاجه الناس ويلزمه تعليمه. كتمه : لم يبينه.

فوائد الحديث: كتمان العلم من الكبائر التي يستحق عليها الوعيد الشديد. وجوب تبليغ العلم إذا كان متعينًا، وخاصة في أمور الدين. أن الجزاء من جنس العمل حيث عوقب من وجب عليه تبليغ العلم, فأمسك فمه عن بيان الحق في الدنيا, بأن يُدخل في فمه لجام من نار يوم القيامة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد.

295. من عاد مريضًا لم يحضره أجله، فقال عنده سَبعَ مراتٍ: أسأل الله العظيم، ربَّ العرشِ العظيم، أن يَشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض

عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «مَن عادَ مَريضا لم يحضُرهُ أجلُه، فقال عنده سَبعَ مراتٍ: أسأل الله العظيم، ربَّ العرشِ العظيم، أن يَشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض».

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- معناه أن الإنسان إذا زار مريضاً، لم يحضر أجله أي: ليس الذي فيه مرض الموت، فقال: "أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يشفيك سبع مرات إلا شفاه الله من هذا المرض"، هذا إذا لم يحضر الأجل أما إذا حضر الأجل، فلا ينفع الدواء ولا القراءة؛ لأن الله تعالى قال: "لكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة، ولا يستقدمون" الأعراف: 34.

معاني المفردات: لم يحضره أجله : لم تتم مدة عمره ولم يأت وقت موته، وليس ذلك المرض هو مرض الموت.

فوائد الحديث: استحباب الدعاء للمريض بهذا الدعاء، وتكراره سبع مرات. تحقق الشفاء لمن قيل عنده هذا الدعاء بإذن الله -تعالى-، إن صدر عن صدق وصلاح. وعد الله -تعالى- باستجابة الدعاء من عباده.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي وأحمد.

296. من فطر صائمًا كان له مثل أجره

عن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ فَطَّرَ صائمًا، كان له مِثْلُ أجْرِهِ، غَيْرَ أنَّهُ لاَ يُنْقَصُ مِنْ أجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ».

راوي الحديث: زيد بن خالد الجُهني -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث بيان لفضل تفطير الصائم, والندب إلى ذلك والترغيب فيه, وأن من فعل ذلك يُكتب له مثل أجر الصائم من غير أن ينقص شيء من أجر الصائم, وهذا من فضل الله -تعالى- على عباده, لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى, وإيجاد المحبة والتكافل بين المسلمين, وظاهر الحديث أن الإنسان لو فطر صائماً ولو بتمرة واحدة فإنه له مثل أجره، ولهذا ينبغي للإنسان أن يحرص على إفطار الصائمين بقدر المستطاع لاسيما مع حاجة الصائمين وفقرهم, أو حاجتهم لكونهم لا يجدون من يقوم بتجهيز الفطور لهم.

معاني المفردات: فطَّر : قدم له شيئًا يفطر عليه, ولو تمرة أو شربة ماء، وقال بعض العلماء: المراد بتفطيره أن يشبعه. مثل أجره : المراد أن له ثواباً مثلَ ما أن لفاعله ثواباً، ولا يلزم أن يكون قدرهما سواء، وذهب بعضهم إلى أن المثلية في أصل الثواب دون التضعيف المزيد للعامل، واختار بعض العلماء أنه مثله حتى في التضعيف، وفضل الله واسع.

فوائد الحديث: الحث على تفطير الصائم. أجر من فطر صائماً كأجر الصائم، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا. إكرام الله -تعالى- لعباده المؤمنين بتكثيره أجورهم على أعمالهم الصالحة، وهذا من لطفه -سبحانه- بهم. في الحث على تفطير الصائمين إيجاد المحبة والتكافل بين المسلمين.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي في الكبرى والدارمي وأحمد.

297. من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه

عن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخر سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتَاه».

راوي الحديث: أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في الليل قبل نومه فإن الله يكفيه الشر والمكروه، وقيل في معنى كفتاه: أي عن قيام الليل، أو كفتاه عن سائر الأوراد، أو أراد أنهما أقل ما يجزىء من القراءة في قيام الليل، وقيل غير ذلك، وكل ما ذكر صحيح يشمله اللفظ.

معاني المفردات: الآيتان من آخر سورة البقرة : وهما تبدأن بقوله -تعالى-: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه"، إلى آخر السورة. كفتاه : أي كفَتَاه المَكْرُوهَ تِلك اللَّيْلَة، وقِيلَ: كفَتَاه مِنْ قيامِ اللَّيْلِ، ويجوز أن يراد كل ما تقدم.

فوائد الحديث: بيان فضل أواخر سورة البقرة. أواخر سورة البقرة تدفع عن صاحبها السوء والشر والشيطان إذا قرأها من الليل.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

298. من لم يتغن بالقرآن فليس منا

عن أبي لبابة بشير بن عبد المنذر -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن لَم يَتَغنَّ بِالقُرآنِ فَليسَ مِنَّا».

راوي الحديث: أبو لبابة بشير بن عبد المنذر -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: حث النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث على التغني بالقرآن، وهذه الكلمة لها معنيان؛ الأول: من لم يتغن به، أي: من لم يحسن صوته بالقرآن، والمعنى الثاني: من لم يستغن به عن غيره بحيث يطلب الهدى من سواه فليس منا، وهذا وعيد شديد يدل على أن هذه المعصية من الكبائر يفيد الوعيد والزجر، ولا شك أن من طلب الهدى من غير القرآن أضله الله والعياذ بالله، فيدل الحديث على أنه ينبغي للإنسان أن يحسن صوته بالقرآن، وأن يستغنى به عن غيره.

معاني المفردات: فليس منا : هذا وعيد شديد يدل على أن هذه المعصية من الكبائر يفيد الوعيد والزجر. يتغن : يُحَسِّنُ صَوْتَهُ بِالقُرْآنِ.

فوائد الحديث: الحث على تحسين الصوت بالقرآن، دون تمطيط أو تلحين يخرجه إلى حد الغناء المذموم, وأن يستغنى به عن غيره.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود.

299. الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- موقوفًا عليه: «الكُرسِيُّ مَوْضِع القَدَمَين، والعَرْش لا يَقْدِرُ أحدٌ قَدْرَه».

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: «الكُرسِيُّ مَوْضِع القَدَمَين» أي: الكرسي الذي أضافه الله إلى نفسه هو موضع قدميه -تعالى-، وهذا المعنى الذي ذكره ابن عباس -رضي الله عنهما- في الكرسي هو المشهور بين أهل السنة، وهو المحفوظ عنه، وما رُوي عنه أن الكرسي هو العلم؛ فغير محفوظ، وكذلك ما رُوي عن الحسن أن الكرسي هو العرش؛ ضعيف لا يصح عنه، وفي ذلك إثبات صفة القدمين لله -تعالى- على ما يليق بعظمته دون تكييف أو تمثيل أو تأويل أو تعطيل، «والعَرْش لا يَقْدِرُ أحدٌ قَدْرَه» أي: العرش الذي استوى الله -تعالى- عليه مخلوق عظيم، وأما مقدار حجمه وسعته فلا يعلمها إلا الله -تعالى-.

معاني المفردات: الكرسي : في اللغة: السرير وما يُقعد عليه.

فوائد الحديث: الكرسي الذي أضافه الله إلى نفسه هو موضع قدميه -تعالى-. تفسير الكرسي بالعلم لا يُعرف في اللغة، ولا يصح عن السلف. إثبات القدمين لله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل العرش والكرسي مخلوقان عظيمان.

المصدر : السنة لعبد الله بن أحمد. صحيح موقوفًا على ابن عباس -رضي الله عنهما-.

التخريج: رواه عبد الله بن أحمد في السنة، وابن خزيمة في التوحيد.

300. اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال، قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سيستمر في الناس خصلتان من خصال الكفر، لا يسلم منهما إلا من سلَّمه الله -تعالى-. الأولى: عيب الأنساب وتنقصها. الثانية: رفع الصوت عند المصيبة تسخطاً على القدر. وهذا كفر أصغر، وليس من قام به شعبةٌ من شعب الكفر يكون كافرا الكفر المخرج من الملة حتى يقوم به حقيقة الكفر الأكبر.

معاني المفردات: بهم كفر : أي: هاتان الخصلتان كفرٌ قائم بالناس، حيث كانتا من أعمال الكفار. الطعن في النسب : أي: الوقوع في أنساب الناس بالعيب والتنقص. والنياحة على الميت : أي: رفع الصوت بتعديد شمائل الميت؛ لما في ذلك من التسخط على القدر.

فوائد الحديث: تحريم الطعن في الأنساب وتنقصها. تحريم النياحة وأنها من خصال الكفر ومن الكبائر. وجوب الصبر؛ لأنه إذا حرمت النياحة دل على وجوب ضدها وهو الصبر. أن من الكفر ما لا ينقل عن الملة. نهي الإسلام عن كل ما يؤدي إلى الفرقة.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

301. من حلف فقال في حلفه: باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «من حَلَفَ فقال في حَلِفِهِ: بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ».

كتاب الأيمان.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من حلف بغير الله -تعالى- كاللات والعزى أو غيرها أن يقول: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: أراهنك أن هذا كذا وكذا؛ أن يتصدق.

معاني المفردات: أُقَامِرْكَ : أراهنك. اللات : صنم كان بالطائف لثقيف. العزى : صنم كان بوادي نخلة لقريش وبني كنانة.

فوائد الحديث: وجوب الرجوع عن المعصية في حال اقترافها بغير علم أو سبق لسان. حرمة الحلف بالأصنام وأنه مما يخرج العبد من الملة. تحريم القمار بكل صوره وأشكاله. الدعوة إلى المعاصي معصية أخرى. من وقع في سيئة عليه أن يتبعها حسنة؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات. كفارة الحلف بالأصنام قول: لا إله إلا الله. كفارة الدعوة إلى المراهنة الصدقة.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

302. من عَلِمَ الرمي، ثم تركه، فليس منا، أو فقد عصى

عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- مرفوعاً: «من عَلِمَ الرمي، ثم تركه، فليس منا، أو فقد عصى».

راوي الحديث: عُقبة بن عامر الجُهَنِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أن من تعلم الرمي بالسهام ومثله الرمي بآلات الجهاد الحديثة كالرصاص، ثم تركه وأهمله، فقد عرض نفسه للإثم والبعد عن الهدي النبوي "فليس منا"، هذا وعيد شديد يدل على أن هذه المعصية من الكبائر يفيد الوعيد والزجر. "أو قد عصى" وهذا شك من الراوي، هل قال -صلى الله عليه وسلم-: "فليس منا أو فقد عصى".

معاني المفردات: من عَلِمَ الرمي : أي رمي النشاب والسهم ونحوهما. ثم تركه : أي بغير عذر. فليس منا : هذا وعيد شديد يدل على أن هذه المعصية من الكبائر يفيد الوعيد والزجر

فوائد الحديث: التشديد العظيم في نسيان الرمي بعد تعلمه؛ بغير عذر. فنون القتال وأساليب الحرب واستعمال الأسلحة لا تتقن إلا بالتعلم. الأمة الإسلامية حذرة يقظة، فمن غفل أو تغافل؛ فقد اتبع غير سبيل المؤمنين.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

303. مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْز وَلَمْ يُحَدِّث نَفْسَهُ بِالْغَزْو مَاتَ عَلَى شُعْبَة مِنْ نِفَاق

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «من مات ولم يَغْزُ، ولم يُحدث نفسه بالغزو، مات على شُعْبَةٍ من نِفَاقٍ»

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كل رجل قادر على الغزو يبلغه الأجل ولم يغز ولم يحدث نفسه بذلك أي لم يكلم بالغزو نفسه، والمعنى لم يعزم على الجهاد ففيه شيء من النفاق، ومن علاماته في الظاهر إعداد آلة الغزو، قال تعالى: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة). وقوله: (مات على شعبة من نفاق): أي: نوع من أنواع النفاق ، أي: من مات على هذا فقد أشبه المنافقين والمتخلفين عن الجهاد، ومن تشبه بقوم فهو منهم، فيجب على كل مؤمن أن ينوي الجهاد. وكونه يغزو أي: بشروط الغزو والجهاد، فإذا توفرت عُمل به وإلا بقيت النية موجودة إلى حين توفر دواعي الجهاد.

معاني المفردات: مَنْ لَمْ يَغْزُ : أي لم يباشر القتال في سبيل الله. لم يُحَدِّث نَفْسَهُ بِالغَزْو : لم ينو الغزو. شعبة : خصلة.

فوائد الحديث: أن من لم يغز ولم يحدث نفسه به فقد أشبه المنافقين في تخلفهم عن الجهاد. تحديث النفس بالغزو بصدق يرفع العبد إلى مقام أهل الايمان. حث الإمام رعيته على الاستعداد للجهاد، وعدم تعوّد الجبن والخوف من لقاء العدو. أقل الجهاد إشغال الفكر والنفس فيه

المصدر : رياض الصالحين. صحيح

التخريج: رواه مسلم.

304. إِذَا أَنْفَقَ الرجلُ على أَهْلِهِ نَفَقَةً يَحْتَسِبُهَا فهي له صَدَقَةٌ

عن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- مرفوعاً: «إذا أَنْفَقَ الرجلُ على أهله نَفَقَةً يَحْتَسِبُهَا فهي له صَدَقَةٌ».

الإخلاص (باب إنما الأعمال بالنيات).

راوي الحديث: أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إذا أنفق الرجل على أهله الذين تلزمه نفقتهم كزوجه وولده، وغيرهم كذلك، وهو يتقرب بذلك إلى الله -تعالى- ويحتسب عنده أجر ما ينفق فإنه يُجزى بهذه النفقة كأجر الصدقة على الفقراء ونحوهم من وجوه البر.

معاني المفردات: يحتسبها : يطلب بها الأجر من الله -تعالى-.صدقة : الصدقة: مَا يعْطى على وَجه الْقُرْبَى لله -تعالى-.

فوائد الحديث: حصول الأجر والثواب بالإنفاق على الأهل.المؤمن يبتغي في عمله وجه الله وما عنده من الأجر والثواب.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

305. أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، فأرسل رسولا أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر -أو قلادة- إلا قطعت

عن أبي بشير الأنصاري -رضي الله عنه- "أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، فأرسل رسولا أن لا يَبْقَيَنَّ في رقبة بَعِيرٍ قِلادَةٌ من وَتَرٍ (أو قلادة) إلا قطعت".

الجهاد والسير.

راوي الحديث: أبو بشير الأنصاري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث في بعض أسفاره من ينادي في الناس بإزالة القلائد التي في رقاب الإبل التي يُراد بها دفع العين ودفع الآفات، لأن ذلك من الشرك الذي تجب إزالته.

معاني المفردات: أرسل رسولا : هو زيد بن حارثة. وتر : مفرد أوتار، وهو ما يشد به القوس كانت العرب تعلقه تتقي به العين. قلادة : ما يعلق في رقبة البعير وغيره.

فوائد الحديث: أن تعليق الأوتار -لدفع الآفات- محرم، ويعتبر من تعليق التمائم. تبليغ الناس ما يصون عقيدتهم. وجوب إنكار المنكر بحسب الاستطاعة. قبول خبر الواحد. إبطال اعتقاد النفع في القلائد من أي نوع كانت. نائب الإمام يقوم مقامه فيما أسند إليه. ينبغي لكبير القوم أن يكون مراعيا لأحوالهم، فيتفقدهم وينظر في أحوالهم. يجب على كبير القوم رعايتهم بما تقتضيه الشريعة، فإذا فعلوا محرما منعهم منه، وإن تهاونوا في واجب حثهم عليه.

المصدر : كتاب التوحيد. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

306. مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ، وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ

عن طارق بن أشيم الأشجعي مرفوعاً: "من قال لا إله إلا الله، وكَفَرَ بما يُعْبَدُ من دون الله حَرُمَ مالُه ودمُه وحِسابُه على الله".

راوي الحديث: طارق بن أشيم الأشجعي والد أبي مالك سعد -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يبين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الحديث أنه لا يحرُم قتلُ الإنسان وأخذُ ماله إلا بمجموع أمرين: الأول: قول لا إله إلا الله -تعالى-. الثاني: الكفر بما يُعبد من دون الله -تعالى-، فإذا وُجد هذان الأمران وجب الكفُّ عنه ظاهرًا وتفويضُ باطنه إلى الله -تعالى-، ما لم يأت بما يستحل دمه كالردة أو ماله كمنع الزكاة أو عرضه كالمماطلة في دفع الدين.

معاني المفردات: حرم ماله ودمه : مُنع أخذ ماله وقتله بناء على ما ظهر منه. وحسابه على الله : أي أن الله -تعالى- هو الذي يتولى حسابَ من تلفَّظ بهذه الكلمة، فيجازيه على حسب نيته واعتقاده. من قال لا إله إلا الله : نطق بها وعرف معناها وعمل بمقتضاها. وكفر بما يعبد من دون الله : أنكر كل معبود سوى الله بقلبه ولسانه.

فوائد الحديث: أن معنى: لا إله إلا الله هو الكفر بما يعبد من دون الله من الأصنام والقبور وغيرها. أن مجرد التلفظ بلا إله إلا الله مع عدم الكفر بما يُعبد من دون الله لا يحرِّم الدم والمال ولو عرَف معناها وعمل به، ما لم يضف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله. أن من أتى بالتوحيد والتزم شرائعه ظاهرًا وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك. وجوب الكف عن الكافر إذا دخل في الإسلام، ولو في حال القتال حتى يعلم منه خلاف ذلك. أن الإنسان قد يقول: لا إله إلا الله ولا يكفر بما يُعبد من دونه. أن الحكم في الدنيا على الظاهر، وأما في الآخرة فعلى النيات والمقاصد. حرمة مال المسلم ودمه إلا بحق. فضيلة الإسلام حيث يعصم دم معتنقه وماله. تحريم أخذ مال المسلم إلا ما وجب في أصل الشرع كالزكاة، أو تغريمه ما أتلف.

المصدر : التوحيد. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

307. نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِع مِنَّا شيئا، فَبَلَّغَهُ كما سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِن سَامِعٍ».

راوي الحديث: عبد الله بن مَسعود -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث للإنسان الذي يسمع حديثاً عنه -صلى الله عليه وسلم- فيبلغه كما سمعه من غير زيادة ولا نقص أن يحسن الله -تعالى- وجهه يوم القيامة، ثم علل ذلك بأنه "رب مبلغ أوعى من سامع"؛ لأن الإنسان ربما يسمع الحديث ويبلغه فيكون المبلَّغ أفقه وأفهم وأشد عملاً من الإنسان الذي سمعه وأداه، وهذا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- معلوم تجد مثلاً من العلماء من هو راوية يروي الحديث يحفظه ويؤديه، لكنه لا يعرف معناه فيبلغه إلى شخص آخر من العلماء يعرف المعنى ويفهمه ويستنتج من أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحكاماً كثيرة فينفع الناس.

معاني المفردات: نضّر الله امرأً : دعاء له بالحسن، والمراد حسّن الله خلقه. شيئاً : من العلم. أوعى : أكثر حفظاً وفهماً.

فوائد الحديث: فضل العلم والحث عليه. الحث على تبليغ العلم، وتعليم الناس الخير. الأمانة في نقل العلم، والاحتياط في حفظه وفهمه. فهوم الناس متفاوتة، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه ليس بفقيه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.

308. يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يُوشَكُ أنْ يكونَ خيرَ مالِ المسلمِ غَنَمٌ يَتَّبعُ بها شَعَفَ الجبالِ، ومواقعَ القطرِ يَفِرُّ بدينِهِ من الفتنِ".

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في الحديث فضل العزلة في أيام الفتن إلا أن يكون الإنسان ممن له قدرة على إزالة الفتنة، فإنه يجب عليه السعي في إزالتها إما فرض عين وإما فرض كفاية بحسب الحال والإمكان، وأما في غير أيام الفتنة فاختلف العلماء في العزلة والاختلاط أيهما أفضل؟، والمختار: تفضيل الخلطة لمن لا يغلب على ظنه الوقوع في المعاصي. "يفر بدينه من الفتن" يعني: يهرب خشية على دينه من الوقوع في الفتن، ولهذا أمر الإنسان أن يهاجر من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، ومن بلد الفسوق إلى بلد الاستقامة، فكذلك إذا تغير الناس والزمان.

معاني المفردات: يوشك : يقرب. شعف الجبال : أعلاها. مواقع القطر : مواضع العشب التي ينزل فيها المطر. الفتن : ما ينال الإنسان من البلاء والاختبار.

فوائد الحديث: فضيلة العزلة لمن خاف على دينه. الحديث من دلائل النبوة، فقد وقع ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم-، فلا يكاد المسلم ينجو بنفسه في الليل أو النهار. الفرار من الفتن سبيل المؤمنين الخُلّص؛ لأنه صيانة للدين. من خير مال المسلم غنم يرعاها في العشب المباح، حيث يكسب منها قوتاً طيباً.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

309. من حدَّث عني بحديث يُرَى أنه كذب فهو أحد الكاذِبَين

عن سَمُرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «من حدَّث عني بحديث يُرَى أنه كَذِبٌ فهو أحد الكاذِبَين».

راوي الحديث: سَمُرة بن جُنْدَب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يحذر هذا الحديث الشريف من رواية شيء عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يعلم أو يظن أن هذا الحديث الذي يرويه وينقله عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه كذب عليه، يحذره أنه إذا فعل ذلك فهو بمنزلة من تعمد الكذب على النبي- صلى الله عليه وسلم-.

معاني المفردات: يرى أنه كذب : أي يُعلم، وقيل: يُظن أنه كذب.

فوائد الحديث: التثبت من الأحاديث المروية عن النبي- صلى الله عليه وسلم-، والتأكد من صحتها قبل روايتها. صفة الكذب تطلق على كل من اخترع الكذب وعلى من قام بنقله ونشره بين الناس.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح

التخريج: رواه مسلم.

310. خُلِقَت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم

عن عائشة -رضي الله عنه- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجَانُّ من مَارِجٍ من نار، وخُلق آدم مما وُصِفَ لكم».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن بدء الخلق، فذكر أن الملائكة خلقوا من النور، ولذلك كانوا كلهم لا يعصون الله ولا يستكبرون عن عبادته، أما الجن فخلقوا من نار، ولهذا يتصف كثير منهم بالطيش والعبث والعدوان، وخلق آدم مما ذكر لكم يعني خلق من طين من تراب من صلصال كالفَخار؛ لأن التراب صار طينًا ثم صار فخارًا فخلق منه آدم -عليه الصلاة والسلام-.

معاني المفردات: المارج : اللهب الذي يعلو النار، فيختلط بعضه ببعض: أحمر، وأصفر، وأخضر. مما وصف لكم : من الطين.

فوائد الحديث: تنبيه على عظيم قدرة الله -تعالى-. بيان أصل تكوين خلقة الملائكة والجن والإنسان. خلق الله الملائكة من نور. خلق الله الجان من نار. خلق الله آدم من طين. في الحديث دليل على أن الجن هم ذرية الشيطان الأكبر الذي أبى أن يسجد لآدم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

311. كان خلق نبي الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان خُلُقُ نَبي اللِه -صلى الله عليه وسلم- القرآن.

الآداب - العمل بالقرآن - السيرة.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- يتخلق بأخلاق القرآن، ما أمر به القرآن قام به وما نهى عنه القرآن اجتنبه، سواء كان ذلك في عبادات الله -تعالى- أو في معاملة عباد الله، فخلق النبي -صلى الله عليه وسلم- امتثال القرآن، وفي هذا إشارة من أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أننا إذا أردنا أن نتخلق بأخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعلينا أن نتخلق بالقرآن.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: الحث على التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في تخلقه بأخلاق القرآن. مدح أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنها كانت من مشكاة الوحي. تنبيه على منزلة الأخلاق في الإسلام وأنها من مقتضيات كلمة التوحيد التي تثمر العمل الصالح.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم في جملة حديثٍ طويلٍ.

312. وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب، ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي

عن أبي أمامة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «وَعَدَني ربِّي أنْ يُدْخِلَ الجنةَ من أُمَّتي سبعين ألفًا بغير حسابٍ ولا عذابٍ، مع كلِّ ألفٍ سبعون ألفًا، وثلاثُ حَثَيَاتٍ مِن حَثَيَاتِ ربِّي».

الشفاعة.

راوي الحديث: أبو أمامة صُدي بن عجلان الباهلي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله -تعالى- وعده أنه سيُدخِل الجنةَ سبعين الفًا من هذه الأمة من غير حساب ولا عذاب، وسيُدخِل مع كل ألف سبعين ألفًا آخرين، وسيقبض الله بيده الكريمة ثلاث قبضات ويدخلهم الجنة.

معاني المفردات: حثيات : جمع حثية وحثوة، وهي تستعمل فيما يعطيه الإنسان بكفيه دفعة واحدة من غير وزن وتقدير.

فوائد الحديث: إثبات الشفاعة. سيدخل الجنة من هذه الأمة سبعون ألفًا بغير حساب ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفًا. إثبات الحثو لله -تعالى- وهي صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله -عَزَّ وجَلَّ- بالسنة الصحيحة، وهي دليل واضح على إثبات اليد والكف لله -تعالى-، من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.

المصدر : مسند الإمام أحمد. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.

313. إن الرحم شجنة آخذة بحجزة الرحمن، يصل من وصلها، ويقطع من قطعها

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «إنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ آخذةٌ بحُجْزَةِ الرَّحمنِ، يَصِلُ مَن وَصَلَها، ويقطعُ مَن قَطَعَها».

البر والصلة.

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: الرَّحِم لها تعلُّق بالله -عز وجل-، فقد اشتُقَّ اسمها من اسم الرحمن، وهذا الحديث في الجملة من أحاديث الصفات، التي نص الأئمة على أنه يُمر كما جاء، وردوا على من نفى موجبه، والحُجزة على ذلك من الصفات التي يجب الإيمان بها من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، فنؤمن بأن الرحم وهي القرابة تعتصم بها، وأن الله عز وجل يصل من وصلها، ومن قطع رحمه ولم يصل قرابته، قطعه الله، ومن قطعه الله فهو المقطوع مع عدو الله الشيطان الطريد الرجيم، ولو أراد الخلق كلهم صلته ونفعه، لم يفده ذلك.

معاني المفردات: الرَّحِم : القرابة. شِجْنة : قرابة مشتبكة كاشتباك العروق. حُجْزة : أصل الحجزة: موضع شد الإزار، ثم قيل للإزار حجزة للمجاورة.

فوائد الحديث: الرحم اشتق اسمها من اسم الرحمن فلها به تعلق. الإيمان بأن الحُجزة والحقو صفتان ذاتيان خبريَّتان ثابتتان بالسنة الصحيحة، نؤمن بها من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل. جعل الله -تعالى- للرَّحِم حقًّا عظيمًا، وأن وصلها من أكبر أفعال البر، وأن قطعها من أكبر المعاصي.

المصدر : مسند الإمام أحمد. صحيح.

التخريج: رواه أحمد.

314. ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة

عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: «ما مِن يومٍ أكثر مِن أنْ يُعْتِقَ اللهُ فيه عبدًا مِن النارِ، مِن يومِ عرفة، وإنَّه ليدنو، ثم يُباهي بهم الملائكةَ، فيقول: ما أراد هؤلاء؟».

تفاضل الأزمنة - فضل يوم عرفة.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: ليس يوم من الأيام أكثر من يوم عرفة في أن يُخَلِّص وينجِّي الله من يشاء من النار، وإنه -سبحانه- يقرب من عباده الحجيج قُربًا حقيقيًّا، ويباهي بهم الملائكة، ويُظهر على الملائكة فضل الحُجَّاج وشرفهم، وأهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله عز وجل قريب من عباده حقيقة كما يليق بجلاله وعظمته، وهو مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، وأنه يتقرب إليهم حقيقة، ويدنو منهم حقيقة.، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ أي: أي شيء أراد هؤلاء؟ حيث تركوا أهلهم وأوطانهم، وصرفوا أموالهم، وأتعبوا أبدانهم، أي: ما أرادوا إلا المغفرة، والرضا، والقرب، واللقاء، وما أرادوه فهو حاصل لهم، ودرجاتهم على قدر نياتهم وصيام هذا اليوم يكفر الله به السنة التي قبلها والتي بعدها

معاني المفردات: يعتق : يُخَلِّص ويُنَجِّي. يدنو : يقرب. يباهي : يُظهر فضل الحجاج وشرفهم على الملائكة.

فوائد الحديث: هذا الحديث ظاهر الدلالة في فضل يوم عرفة. أن الله -عز وجل- قريب من عباده حقيقة كما يليق بجلاله وعظمته، وهو مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، وأنه يتقرب إليهم حقيقة، ويدنو منهم حقيقة. أن الله -تعالى- يباهي بالحجيج ملائكته، فيجب الإيمان بذلك. إثبات صفة الكلام لله -تعالى- على ما يليق بجلاله وعظمته.

المصدر : صحيح مسلم. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

315. الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء

عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الرَّاحمون يرحَمُهمُ الرحمنُ، ارحموا أهلَ الأرضِ، يرحمْكم مَن في السماءِ».

البر والصلة.

راوي الحديث: عبد الله بن عَمْرِو بن العاص -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: «الراحمون» الذين يرحمون من في الأرض من آدمي وحيوان محترم بشفقة وإحسان ومواساة «يرحمهم الرحمن» من الرحمة وهي مفهومة، ومن ذلك أن يحسن إليهم ويتفضل عليهم والجزاء من جنس العمل «ارحموا من في الأرض» أتى بصيغة العموم ليشمل جميع أصناف الخلق فيرحم البر والفاجر والوحوش والطير «يرحمكم من في السماء» أي: يرحمكم الله تعالى الذي في السماء، ولا يجوز تأويله بأن المراد من في السماء ملكه وغير ذلك؛ فإن علو الله على خلقه ثابت في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وليس المراد بقولنا: «الله في السماء» أن السماء تحويه وأنه داخل فيها، تعالى الله عن ذلك، بل «في» بمعنى «على» أي: فوق السماء عالٍ على جميع خلقه.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: الرحمة مقيدة باتباع الكتاب والسنة فإقامة الحدود والانتقام لحرمة الله لا ينافي كل منهما الرحمة. الله في السماء عالٍ على جميع خلقه. إثبات صفة الرحمة لله -تعالى-.

المصدر : سنن أبي داود. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي وأحمد.

316. يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، فيبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقا واحدا

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعاً: «يكشِف ربُّنا عن ساقِه، فيسجدُ له كلُّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ، فيبقى كلُّ مَن كان يسجدُ في الدنيا رياءً وسُمْعةً، فيذهبُ ليسجدَ، فيعودَ ظهرُه طبقًا واحدًا».

الصلاة.

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يكشف الرب -سبحانه وتعالى- عن ساقه الكريمة، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، وأما المنافقون الذين كانوا يسجدون في الدنيا ليراهم الناس، فمُنعوا من السجود، وجُعلت ظهورهم فقارًا واحدًا، لا يستطيعون الانحناء ولا السجود؛ لأنهم ما كانوا في الحقيقة يسجدون لله في الدنيا، وإنما كانوا يسجدون لأغراضهم الدنيوية، ولا يجوز تأويل الساق بالشدة أو الكرب أو غيرها، بل يجب إثباتها صفة لله -تعالى- من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل.

معاني المفردات: رياء : أي: ليراه الناس. سُمْعة : أي: ليسمعه الناس. طبقًا : الطبق فقار الظهر والمعنى صار فقاره وَاحِدًا كالصحيفة فَلَا يقدر على السُّجُود. يعود : يصير.

فوائد الحديث: الساق صفة لله -تعالى- حيث عرفه المؤمنون بذلك فسجدوا له. التحذير من الرياء.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

317. ليس أحد، أو: ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا، وإنه ليعافيهم ويرزقهم

عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- مرفوعاً: «ليس أحد، أو: ليس شيء أصبر على أذًى سمعَه مِن الله، إنَّهم لَيَدْعُون له ولدًا، وإنَّه ليُعافِيهم ويرزُقُهم».

الرقاق.

راوي الحديث: أبو مُوسَى عبد اللَّه بن قيس الأشعري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: قوله: «ليس أحدٌ، أو: ليس شيءٌ أصبرَ» أي: الله تعالى أشد صبرًا من أي أحد، ومن أسمائه الحسنى «الصبور»، ومعناه: الذي لا يعاجل العصاة بالعقوبة، وهو قريب من معنى الحليم، والحليم أبلغ في السلامة من العقوبة. قوله: «على أذى سمعه من الله» لفظ الأذى في اللغة هو لما خف أمره، وضعف أثره من الشر والمكروه، وقد أخبر سبحانه أن العباد لا يضرونه، كما قال تعالى: {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللهَ شَيْئاً}، وقال في الحديث القدسي: (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) فبين أن الخلق لا يضرونه، لكن يؤذونه. قوله: «إنَّهم لَيَدْعُون له ولدًا» أي: أن ابن آدم يؤذي الله تعالى ويسبه، بإضافة ما يتعالى ويتقدس عنه، مثل نسبة الولد إليه تعالى والند والشريك في العبادة، التي يجب أن تكون خالصة له وحده. وقوله: «وإنَّه ليُعافِيهم ويرزُقُهم» أي: أنه تعالى يقابل إساءتهم بالإحسان، فهم يسيئون إليه تعالى بالعيب والسب، ودعوى ما يتعالى عنه ويتقدس، وتكذيب رسله ومخالفة أمره، وفعل ما نهاهم عن فعله، وهو يحسن إليهم بصحة أبدانهم، وشفائهم من أسقامهم، وحفظهم بالليل والنهار مما يعرض لهم، ويرزقهم بتسخير ما في السماوات والأرض لهم، وهذا غاية الصبر والحلم والإحسان، والله أعلم.

معاني المفردات: أذى : لفظ الأذى في اللغة هو لما خف أمره، وضعف أثره من الشر والمكروه. يدعون : ينسبون.

فوائد الحديث: إثبات صفة الصبر لله، وصبره تعالى لا يماثل صبر المخلوق. العباد لا يضرون الله ولكن يؤذونه. إثبات السمع لله عز وجل.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

318. لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول: قط قط وعزتك، ويزوى بعضها إلى بعض

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعاً: «لا تزالُ جهنَّمُ تقول: هل مِن مَزِيد، حتى يضعَ ربُّ العِزَّةِ فيها قَدَمُه، فتقولُ: قَطٍ قَطٍ وعِزَّتِك، ويُزوَى بعضُها إلى بعضٍ».

اليوم الآخر- تفسير قوله -تعالى-: (وتقول هل من مزيد).

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر الله تعالى أنه يقول لجهنم: هل امتلأت؟ وذلك أنه وعدها أن سيملؤها من الجِنة والناس أجمعين، فهو سبحانه يأمر بمن يأمر به إليها، ويلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد؟ أي: هل بقي شيء تزيدني؟ حتى يضع رب العزة قدمه فيها، فتقول: هذا يكفيني وتُقبض ويُجمع بعضها إلى بعض. ولا يجوز تأويل صفة القدم إلى من قدَّمهم الله إلى النار ولا غير ذلك من التأويلات الباطلة، بل يجب إثبات القدم صفة لله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.

معاني المفردات: قَط قَط : يكفيني. يُزوى : يُجمع ويُقبض.

فوائد الحديث: القدم صفة لله تعالى حقيقة على ما يليق بعظمته. إثبات العزة لله تعالى

المصدر : صحيح البخاري. صحيح

التخريج: متفق عليه.

319. إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا

عن أبي موسى -رضي الله عنه- مرفوعاً: «إن للمؤمن في الجنة لَخَيْمَةٌ من لُؤْلُؤَةٍ واحدة مُجَوَّفَةٍ طُولُها في السماء ستون مِيلًا، للمؤمن فيها أَهْلُونَ يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا».

كتاب الإيمان.

راوي الحديث: أبو مُوسَى عبد اللَّه بن قيس الأشعري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلًا، وأن له فيها أهلين لا يرى بعضهم بعضًا، وذلك والله أعلم لسعتها وحسن غرفها وسترها.

معاني المفردات: الميل : ستة آلاف ذراع، وهو بطول 1500 متر. الخيمة : أصلها بيت مربع من بيوت الأعراب. مجوفة : مفرغة من داخلها، أي مثقوبة. لا يرى بعضهم بعضا : أي في تلك الخيمة لمزيد سعتها وكمال تباعد ما بين أهلها.

فوائد الحديث: بيان عظم خلق الله في الجنة حيث يتمتع المؤمن بمظاهر باهرة من النعيم المقيم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح .

التخريج: متفق عليه.

320. لقاب قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس أو تغرب

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَقَابُ قَوْسٍ في الجنة خيرٌ مما تَطلُع عليه الشمس أو تَغْرُب».

الإيمان.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في الحديث بيان عظم ثواب المؤمن في الجنة، وحقارة الدنيا، حيث إن هذا القدر من الجنة وهو قاب القوس خير مما في الدنيا من النعيم أجمع، لنفاسته ولدوامه وبقائه، جعلنا الله من أهلها.

معاني المفردات: لقاب قوس : قدر ما بين المقبض والسية من القوس، ولكل قوس قابان، والسية: طرفها المنحني.

فوائد الحديث: تعظيم نعمة الجنة، وتحقير للدنيا وما فيها؛ فنعيم الجنة دائم لا ينقطع ومتاع الدنيا قليل حقير زائل. أن هذا القدر اليسير من الجنة -المذكور في الحديث- خير مما في الدنيا أجمع، لنفاسته ولدوامه وبقائه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

321. إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سُئِلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الماء وما يَنُوبُهُ من الدواب والسِّبَاعِ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان الماء قُلَّتين لم يحمل الخَبَثَ».

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الماء الكثير لا ينجس بمجرد ملاقاته للنجاسة إن لم يتغير أحد أوصافه، بعكس ما إذا كان قليلاً فإنه ينجس غالبا لأنه مظنة تغير أوصافه ؛ وعلى هذا فإن كان الماء كثيراً وتغيرت أوصافه بنجاسة خرج عن كونه طهوراً إلى كونه نجساً وإن كان قلتين، وذكر ذلك في معرض السؤال عن سؤر السباع والدواب؛ دل ذلك على عدم طهارة سؤرهم غالباً، إلا إذا كان كثيراً لم تتغير أوصافه بسببها.

معاني المفردات: قلتين : تثنية قلة، وهي الجرة الكبيرة من الفخار. لم يحمل : لم يقبل ولم يتأثر. الخبث : النجس.

فوائد الحديث: الماء إذا بلغ قلتين، فإنه يدفع النجاسة عن نفسه، فتضمحل فيه، ما لم تغيره. نقل الإجماع على أن الماء إذا غيرته النجاسة نَجِسَ مطلقاً، سواء أكان قليلاً أم كثيراً.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي والنسائي والدارمي وأحمد.

322. أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالحوت والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أُحِلَّتْ لكم مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فأما الميتتان: فَالْجَرَادُ والْحُوتُ، وأما الدَّمَانِ: فالكبد والطحال».

الطهارة - الصيد.

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يخبر ابن عمر بحكم شرعي فقهي يتعلق بحل أكل بعض الأشياء الأول: تحليل أكل ميتة الجراد والحوت، والثاني: حل أكل نوعين من الدماء وهما: الكبد والطحال، وهذان الحكمان مستثنيان من تحريم أكل الميتة والدم.

معاني المفردات: الْجَرَادُ : حيوان صغير طائر معروف، والواحدة جرادة، الذكر والأنثى سواء. الحوت : هو السمك، وقيل: ما عَظُمَ منه، والجمع حيتان. أُحِلَّتْ لكم : معناه أن الشارع أذن لنا وأباح لنا. مَيْتَتَانِ : تثنية ميتة، والميتة : ما فارقته الحياة بغير ذكاة شرعية. الكبد : عضو في الجانب الأيمن من البطن تحت الحجاب الحاجز، وهو مخزن هام للدم. الطحال : هو عضو يقع بين المعدة والحجاب الحاجز في يسار البطن، وظيفته تكوين الدم، وإتلاف القديم من كرياته.

فوائد الحديث: الحديث دليل على تحريم الميتة، واستثني منها الجراد والسمك، فكل منهما حلال. أن ميتة الجراد والحوت طاهرة وحلال. الكبد والطحال حلالان وطاهران. الحديث دليل على أن السمك والجراد إذا ماتا في ماء فإنه لا ينجس. في الحديث دليل على تحريم الدم، وهذا مجمع عليه.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه ابن ماجه وأحمد.

323. إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، ثم لينزعه؛ فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، ثم لينزعه؛ فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء». وفي رواية: «وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء».

الطب.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر النبي-صلى الله عليه وسلم- عن الذباب إذا وقع في الشراب فإنه لا يؤثر فيه، بل عليه أن يغمسه كاملا فيه ؛ وذلك لأن في أحد جناحيه مرضًا -وهو الجناح الذي يغمسه في الماء- وفي الآخر شفاء من ذلك المرض. وقد أثبت الطب الحديث صحة هذه المعلومة التي عرفها المسلمون منذ قرون، فالحمد لله على نعمة الإسلام.

معاني المفردات: الذباب : اسم يطلق على كثير من الحشرات المجنحة، ومنها الذبابة المنزلية ذات الأجنحة الشفافة صاحبة الأرجل المغطاة بالشعر، وهو مفرد، وجمعه أذِبَّة وذِبَّان . الشراب : ما شرب من أي نوع من السوائل، جمعه أشربة. فليغمسه : في الشراب، ثم لينزعه منه، يقال: انغمس في الماء: إذا غاب كله فيه. ثم لينزعه : أي ليجذبه ويقلعه من إناء الشراب. جناحيه : الجناح: هو ما يطير به الطائر ونحوه، وهما جناحان، جمعه أجنحة وأجنُح. الداء : هو المرض ظاهراً أو باطناً، والمراد هنا: وجود سبب الداء في أحد جناحي الذبابة. شفاء : البرء من المرض، والمراد هنا: وجود سبب الشفاء في أحد جناحي الذباب.

فوائد الحديث: الحديث دليل على طهارة الذباب، وأنه لا ينجس ما وقع فيه من طعام أو شراب أو ماء ولا يفسده؛ لأن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أمر بغمسه ولم يأمر بإراقة ما وقع فيه. في الحديث الأمر بغمس الذباب كله فيما وقع فيه من طعام أو شراب ثم نزعه، والانتفاع بما وقع فيه. يقاس على الذباب كل ما أشبهه مما لا دم له يسيل، وليس متولداً من النجاسات. هذا الحديث يدل على سبق الإسلام للعلم الحديث في بيان ضرر الذباب، وأنه يحمل الأمراض والجراثيم، كما يدل على طريقة التخلص من ضرر الذباب إذا وقع في الطعام والشراب، وهذه الطريقة جاء في الاكتشافات ما يوافقها ويؤيدها، وذلك بإثبات أن الذباب يحمل المكروبات، ويحمل معها مكروبات قاتلة لهذه المكروبات، تسمى (بكتريوفاج) يعني: اكل البكتيريا، تظهر بكثرة على جناح الذبابة مع قليل من البكتيريا، وعند غمس الذبابة فإننا نساعد على ترك أكبر كمية من المادة القاتلة لمكروب المرض، وأثبت الاكتشاف العلمي أن الذباب إذا وقع في الطعام أو في الشراب ثم طار فإن الجراثيم التي يخلفها بعده تتزايد وتتكاثر، فإذا غُمس فإن الجراثيم التي يخلفها بعده في الطعام السائل أو الشراب لا تبقى كما خلفها فحسب، بل تبدأ بالانحسار والتناقص، فالحمد لله على كمال هذه الشريعة وسموِّ تعاليمها، والله أعلم في الحديث دليل على اتخاذ أسباب الوقاية. في الحديث جواز قتل المؤذيات من الحشرات وغيرها. الأمر في الحديث للإرشاد وبيان كيفية التخلص من ضرر الذباب، وليس للوجوب، فالذي لا تقبل نفسه ذلك بإمكانه تركه لغيره أو سكبه.

المصدر : صحيح البخاري وسنن أبي داود ومسند أحمد. صحيح، وزيادة أبي داود صحيحة.

التخريج: رواه البخاري، والرواية الأخرى لأبي داود وأحمد.

324. من شرب في إناء من ذهب أو فضة، فإنما يجرجر في بطنه نارًا من جهنم

عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ شَرِبَ وفي رواية: «إنَّ الذي يَأكُل أو يَشرَب» في إناءٍ من ذهبٍ أو فضةٍ، فإنما يُجَرْجِرُ في بطنه نارًا مِن جهنَّم».

الوعيد على كبائر الذنوب.

راوي الحديث: أم سلمة -رضي الله عنها-

المعنى الإجمالي: الحديث فيه الوعيد الشديد لمن استعمل أواني الذهب والفضة التي صنعت منهما أو طُلِيت أو زيِّنت بهما, وأنَّ من ارتكب هذه المعصية سَيُسْمَعُ لوقوع عذاب جهنَّم في جوفه صوتٌ مرعب منكر؛ لما في ذلك من التشبه بالكفار, والخيلاء وكسر قلوب الفقراء؛ ولأن الإِسلام يصون المسلم عن الانحلال والترف, ومن الحكم في تحريم استعمالهما -أيضا- كونهما نقدين إلى زمن قريب؛ فاتخاذهما واستعمالهما أواني أو تحفًا ونحو ذلك، هو شَلٌّ للحركة التجارية، وتعطيلٌ لقيم الحاجات والضرورات، بدون وجود مصلحة راجحة. وهذا النهي -في الحديث- عن استعمالهما في الأكل والشرب يعم استعمالهما لأي منفعة، إلاَّ ما أذن فيه الشرع كحليِّ المرأة.

معاني المفردات: يُجَرْجِر : من الجرجرة, أصلها صوت وقوع الماء في جوف البعير, والمراد هنا صوت جرع الإنسان للماء؛ شُبه نزول العذاب في بطن الشارب في إناء الذهب أو الفضة بهذا الصوت المخيف. إناء : الإناء: الوعاء, ويكون من الحديد والنحاس والخزف والخشب والجلود، وغير ذلك. جهنم : اسم من أسماء النار وهي مستقر عذاب الكافرين والعصاة.

فوائد الحديث: أن استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب محرم ومن كبائر الذنوب؛ لما في ذلك من الوعيد الشديد. النَّهي عن استعمالهما في الأكل والشرب يعم استعمالهما لأي منفعة، إلاَّ ما أذن فيه كحليِّ المرأة. إثبات الجزاء في الآخرة، وإثبات عذاب النَّار يوم القيامة، وهو أمرٌ واجب الاعتقاد معلومٌ من الدِّين بالضرورة. أنَّ الجزاء يكون موافقًا للعمل؛ فهذا الذي أتبع نفسه هواها وتمتَّع بالشرب بإناء الفضة سيتجرَّع عذاب جهنَّم، في تلك المواضع من بدنه التي تمتعت واستلذت بالمعصية في الدُّنيا؛ وهكذا فالجزاء من جنس العمل. النهي في الحديث عام في الإناء الخالص من الذهب والفضة, والإناء المخلوط بهما كالمطلي والمموه بهما ونحو ذلك. الحديث يشمل الرجال والنساء بالتحريم, فلا يجوز للمرأة أن تتخذ الأواني من الذهب والفضة، كما لا يجوز ذلك للرجل.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

325. لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَوْلا أنْ أَشُقِّ على أُمَّتِي لَأَمَرْتُهم بالسِّواكِ مع كلِّ وُضُوء».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أنه لولا ما خشيَه من لُحوق الجهد والمشقة والشدة بأمته وأتباعه الذين آمنوا به: لأمرهم أمر إلزام وفرض بأن يستاكوا مع كل وضوء, ولكنه امتنع عن ذلك رحمة بهم وشفقة عليهم, ولم يجعله من الفرائض المتحتمة, وإنما من السنن المستحبة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.

معاني المفردات: لولا : حرف امتناع لوجود, أي امتناع حصول شيء لوجود شيء يمنع، والمعنى هنا لولا خوف المشقة على أمتي لأمرتهم بالسواك أمرًا لازمًا. أشُقَّ : أُثقِل عليهم, من المشقة وهي الشدة. أُمَّتي : جماعتي, والمراد بهم أمة الإجابة, وهم من آمن به واتبعه. لأمرتهم : لألزمتهم. بالسواك : باستعمال السواك, وهو اسم للعود الذي يستاك به من الأراك وغيره.

فوائد الحديث: تأكد استحباب السواك مع كلِّ وضوءٍ، وأنَّ ثوابه قريبٌ من ثواب الواجبات. أنَّ السِّواك عند الوضوء -وعند غيره من العبادات من باب أولى- ليس بواجب، فقد منعه -صلى الله عليه وسلم- من إيجابه على أُمَّته مخافة مشقتهم. أنَّ الذي منع الأمر بوجوبه هو المشقة، وذلك خشية عدم القيام به، ممّا يترتَّب عليه الإثمُ بتركه. هذا الحديث العظيم دليلٌ على القاعدة الشرعية، وهي: "درء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح"؛ فمفسدة الوقوع بالإثم من ترك الواجب، مَنَعَتْ من مصلحة وجوب السِّواك عند كل وضوء. هذا الحديث الشريف من أدلَّة القاعدة الكبرى: "المشقَّة تجلب التيسير"؛ فخشية المشقَّة سبب عدم فرضيته. شفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته, فكثير من العبادات الفاضلة يترك النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فعلها مع أمته، أو أَمْرَهُمْ بها، خشيةَ فرضها عليها. سعة هذه الشريعة وسماحتها، ومسايرتها للحالة البشرية الضعيفة؛ قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. الحكمة في الأمر بالسواك أن يكون المسلم في حالة كمال النظافة؛ لإظهار شرف العبادة, ولئلا يؤذي الملائكة والمصلين. لم يرد في الحديث موضع الاستياك لكن العلماء ذكروا أنه عند المضمضة لمناسبته. يدل الحديث على قاعدة أصولية، وهي: أن الأمر المطلق يفيد الوجوب، ووجهه: أنَّه لو كان الأمر يفيد الاستحباب، لما امتنع -صلى الله عليه وسلم- من أمرهم بالسواك؛ ولكن ما يقتضيه الأمر، وما يفهمه الصحابة والعلماء من الأمرِ المجرَّدِ عن قرينة صارفة، هو الوجوب، وهو الذي منعه من أمرهم بالسواك. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- له أن يجتهد في الأحكام, ثم إن أقرَّه الله تعالى فالحكم شرعي بإقرار الله, وإن لم يقرَّه الله -تعالى- ارتفع الحكم. استحباب إزالة الروائح الكريهة عند الصلاة وعند دخول المساجد.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مالك والنسائي في الكبرى وأحمد.

326. إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا اسْتَيقظَ أحدُكم من منامه فتوضأَ فليَستنثرْ ثلاثا، فإن الشيطان يبيت على خَيشُومه».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فتوضأ": أي: أراد الوضوء. "فليستنثر": أي: ليغسل داخل أنفه " ثلاثا "، وجاء التعليل النبوي لهذا الاستنثار للقائم من نوم ليله؛ بقوله: "فإن الشيطان" الفاء للسببية "يبيت على خيشومه": يعني: أن الشيطان إذا لم يمكنه الوسوسة عند النوم لزوال الإحساس يبيت على أقصى أنفه؛ ليلقي في دماغه الرؤيا الفاسدة، ويمنعه عن الرؤيا الصالحة، لأن محله الدماغ فأمر -صلى الله عليه وسلم- أن يغسلوا داخل أنوفهم لإزالة لوث الشيطان ونتنه منها، وبيتوتة الشيطان حقيقية، فإن الأنف أحد المنافذ إلى القلب وليس عليه ولا على الأذنين غلق، وفي الحديث: إن الشيطان لا يفتح الغلق وجاء الأمر بكظم الفم في التثاؤب من أجل عدم دخول الشيطان في الفم.

معاني المفردات: فليستنثر : ليخرج من أنفه الماء الذي استنشقه، واللام للأمر. ثلاثاً : أي يكون الاستنثار ثلاثاً. يبيت : يمكث بالليل نام أو لم ينم. الشيطان : الشيطان: واحد الشياطين، من مخلوقات الله شرير مفسد، وهم عالم غيبي، الله أعلم بكيفية خلقهم، وهم من ذرية إبليس مخلوقون من نار، وقد جعل الله لهم القدرة على التكيف والتشكل؛ لحكمة أرادها -جلَّ وعلا-. خيشومه : هو أعلى الأنف من داخله.

فوائد الحديث: يشرع الاستنثار عند الاستيقاظ من النوم وإن لم يصادف وضوءاً، إما لمرض أو لكونه عادماً الماء، ولكن عنده ما يستنثر به، فإن لم يتيسر ذلك كفى استنثاره في الوضوء، فإنه حاصل به فعل المشروع. الاستنثار فرع عن الاستنشاق. تقييده بنوم الليل، أخذاً من لفظ "يبيت"؛ فإن البيتوته لا تكون إلا من نوم الليل، ولأنه مظنة الطول والاستغراق. في الحديث دليل على ملابسة الشيطان للإنسان وهو لا يشعر بذلك. الاحتراس من الشيطان؛ فإنه يريد الولوج إلى ابن آدم مع كل طريق، وهو يجري منه مجرى الدم.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

327. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ، فمسح بناصيته، وعلى العمامة والخفين

عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ، فمسح بِنَاصِيَتِهِ، وعلى العِمَامة والخُفَّين.

راوي الحديث: المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على ناصيته وهي: مقدَّم شعر الرأس، ثم أكمل المسح على العمامة، ولم يقتصر على المسح على بعض الرأس، بل كمل المسح على العمامة، ومن هديه -صلى الله عليه وسلم- أيضا المسح على الخفين، كما في هذا الحديث وغيره.

معاني المفردات: بِنَاصِيَتِهِ : النَّاصية الشعر الذي يكون في مقدم الرأس. العِمَامة : ثوبٌ يُلَف ويُدَار على الرَّأس. الخُف : ما يلبس في الرجلين، ويكون من الجلد.

فوائد الحديث: الجمع بين المسح على النَّاصية وعلى العمامة. جواز المسح على الخفين ونحوهما، إذا لبسهما بعد كمال طهارة.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

328. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ أدار الماء على مِرْفَقَيْهِ.

التفسير.

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يبين الحديث أن من واجبات الوضوء غسل اليدين إلى المرفقين، والتأكيد على تعميم المرفقين يبين دخولهما في غسل اليدين.

معاني المفردات: أدار الماء : أجرى الماء، وعممه على جميع المرفقين. مرفقيه : تثنية مرفق، وهو: موصل الذراع في العضد.

فوائد الحديث: الحديث دليل على وجوب غسل المرفقين في الوضوء؛ لأن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كان يدير الماء على مرفقيه.

المصدر : بلوغ المرام من أدلة الأحكام. صحيح.

التخريج: رواه الدارقطني والبيهقي.

329. لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا صلاةَ لِمن لا وُضوءَ له، ولا وُضوءَ لِمن لم يَذْكر اسم الله -تعالى- عليه».

الصلاة.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر أبو هريرة -رضي الله عنه- في هذا الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه حكم بعدم صحة صلاة من لم يتوضأ، كما حكم بعدم صحة وضوء من لم يذكر اسم الله عليه, فلم يقل: بسم الله. قبل الوضوء، فالحديث نص في وجوب التسمية عند الوضوء، ومن تركها عمدا فوضوءه باطل, ومن توضأ بدون تسمية ناسيا أو جاهلا بالحكم الشرعي فوضوءه صحيح.

معاني المفردات: لا صلاة : لا: لنفي الجنس، والتقدير: لا صلاة صحيحة، لأن الوضوء شرط الصلاة. لا وضوء : لا: نافية للجنس، وتقديره: لا وضوء صحيح أو كامل. اسم الله : أي التسمية على الوضوء بأن يقول: بسم الله.

فوائد الحديث: الوضوء شرط من شروط صحة الصلاة. ظاهر الحديث نفي صحة وضوء الذي لم يذكر اسم الله عليه متعمدا. وجوب التسمية عند الوضوء مع الذكر، وسقوطها مع النسيان. لم يرد في أذكار الوضوء شيء صحيح سوى التسمية قبله، والذكر الذي يكون عقب الانتهاء منه، وهو أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأن محمدًا عبده ورسوله.

المصدر : سنن أبي داود. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد.

330. ارجع فأحسن وضوءك

عن عمر بن الخطاب: أن رجلا توضأ، فتَرك مَوْضِع ظُفُر على قَدَمِه، فَأَبْصَرَهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «ارْجِع فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ» فرجَع، ثم صلَّى.

راوي الحديث: عمرُ بنُ الخطَّاب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رجلا توضأ ولم يتم وضوؤه كما أمره الله، بل تَرك مَوْضِع ظُفُر على قَدَمِه، فتجاوزه من غير أن يَمُرَّ عليه الماء، فرأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرجع فيتوضأ وضوءا يأتي به على الوجه المشروع، بحيث لا يترك أي جزء من أجزاء الأعضاء التي يجب استيعابها بالماء، فرجع الرجل فتوضأ ثم صلى.

معاني المفردات: قَدَمه : القَدَم ما يَطأُ الأرضَ من رِجْلِ الإنسان.

فوائد الحديث: تعيُّن الماء في الوضوء؛ فلا يقوم غيره مقامه. وجوب المبَادَرة إلى الأمرِ بالمعروف، وإرشادِ الجاهلِ والغَافل؛ لتصحيحِ عبادته. حسن طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في إنكار المنكر. وجوب تعميم أعضاء الوضوء بالماء، وأنَّ من ترك جزءًا من العضو -ولو يسيرا- لم يصح معه الوضوء ولزمته الإعادة إذا كان الفاصل طويلا. مشروعية إحسان الوضوء، وذلك بإتمامه وإسْبَاغه على الوجه المأمور به شرعا. أنَّ القدمين من أعضاء الوضوء، وأنَّه لا يكفي فيهما المسح، بل لابدَّ من الغسل؛ كما جاء صريحًا (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهَكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكم إلى الكعبين) [المائدة: 6] الأرجل معطوفة على الوجوه لذلك نصبت. وجوب الموالاة بين أعضاء الوضوء؛ فإنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بأنْ يرجع ليحسن وضوءه كله، من أجل تأخير غسل الرِّجْلِ عن بقيَّة الأعضاء، ولو لم تعتبر الموالاة لاقتصر على أمره بِغَسْلِ ما تركه فقطْ. والموالاة: أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله في زمن معتدل. أن الجهل والنسيان لا يسقطان الواجب، وإنما يسقطان الإثم؛ فهذا الرجل الذي لم يُسْبِغ وضوءه لجهله لم يسقط عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- الواجب، وهو الوضوء، وإنما أمره أن يحسِّنه، أي: يعيده كما جاء صريحا في الرواية الأخرى.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

331. كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل، أو كان يغتسل، بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد

عن أنس -رضي الله عنه- قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل، أو كان يغْتَسِل، بالصَّاع إلى خَمْسة أمداد، ويَتَوضأ بالمُدِّ».

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يحدث أنس -رضي الله عنه- فيقول: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد" أي كان يقتصد في الماء الذي يتطهر به، فغالباً ما كان يقتصر في غسله على قدر صاع من الماء، وهو أربعة أمداد، وربما زاد على ذلك، فاغتسل بخمسة أمداد على حسب حاجة جسمه. وقوله "ويتوضأ بالمد" وهو رطل وثلث.

معاني المفردات: الصاع : مكيال معروف، والمراد به الصاع النبوي، ويبلغ وزنه(480) مثقالاً من البر الجيد، وباللتر (3 لترات). المد : وحدةُ كيلٍ شرعية، وهي ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومد يده بهما، والمد ربع الصاع باتفاق الفقهاء، ومقداره ( 750 ) ملل .

فوائد الحديث: يدل على مشروعية الاقتصاد في ماء الوضوء والغسل، وعدم الإسراف ولو كان الماء متيسراً. الحديث دليل على استحباب التقليل في ماء الوضوء ومثله الغسل، وأن هذا هو هدي النبي -صلّى الله عليه وسلّم-. ينبغي للإنسان أن يكون مقتصداً في العبادة، لا يزيد عليها لا كمية ولا كيفية.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

332. رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه

عن عبد خير، عن علي -رضي الله عنه-، قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخُفِّ أولى بالمسح من أعلاه، وقد «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظَاهر خُفَيْهِ».

راوي الحديث: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر علي -رضي الله عنه- أنه لو كان الدين يؤخذ بالعقل دون النقل، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه؛ لأن أسفل الخف يباشر الأرض والقاذورات والأوساخ، فهو أولى بالمسح من ناحية العقل ولكن الشرع جاء بخلاف ذلك، فلزم العمل به وترك الرأي المخالف للنصوص، وأنه قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخفِّ، وما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- موافق للعقل من جهة أخرى؛ لأنه إذا مسح أسفل الخف بالماء تسبِّب في حمله للنجاسة، فجعل المسح أعلاه ليزيل ما علق به من غبار؛ لأنَّ ظاهر الخف هو الذي يُرَى، فكان مسحه أولى، وكل الأحكام الشرعية لا تخالف العقول السليمة، لكنها في بعض الأحيان قد تخفى على بعض أصحاب العقول.

معاني المفردات: الرأي : المراد به العَقل والنظر، ولكن الدِّين ليس بالعقل، بل يثبت بدليل الشرع.

فوائد الحديث: بيان موضع المسح من الخف ونحوه وأنه أعلى الخف. وجوبُ كون المسح على أعلى الخف، أما أسفله فلا يجزئ مسحه. لا يشرع مسح أسفل الخف أو جوانبه؛ لأن الدِّين مبناه على النَّقْلِ عن الله تعالى، أو عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وليس الرأي هو المُحْكَمَ فيه، فالواجبُ الاتباعُ، لا الابتداع. الذي يتبادر للذِّهْن هو أنَّ الأولى بالمسح هو أسفل الخف، لا أعلاه؛ لأنَّ الأسفل هو الذي يباشر الأرض، وربمَّا أصابته النجاسة، فكان أولى بالإزالة، ولكن الواجب تقديمُ النَّقل الصحيحِ على الرأي. أن ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- موافق للعقل من جهة أخرى؛ لأنه إذا مسح أسفل الخف بالماء تسبِّب في حمله للنجاسة، فجعل المسح أعلاه ليزيل ما علق به من غبار؛ لأنَّ ظاهر الخف هو الذي يُرَى، فكان مسحه أولى، وكل الأحكام الشرعية لا تخالف العقول السليمة، لكنها في بعض الأحيان قد تخفى على بعض أصحاب العقول.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود.

333. إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما, وليصل فيهما, ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة

عن عمر -موقوفا- وعن أنس -رضي الله عنه- مرفوعا: «إذا توضأ أحدكم ولبِس خُفَّيْه فَلْيَمْسَحْ عليهما, وليُصَلِّ فيهما, ولا يخلعْهُما إن شاء إلا من جَنابة».

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه- عمرُ بنُ الخطَّاب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إذا لبس المَرء خُفيه بعد أن توضأ، ثم بعد ذلك أحدث وأراد الوضوء، فله المسح عليه، ويصلي فيهما ولا ينزعهما، لما في ذلك من المشقة والحرج، بل له المسح عليهما، تيسيرًا وتخفيفا على هذه الأُمَّة؛ إلا إذا أجْنَب لزمه خَلع الخُف والاغتسال ولو كانت المدة باقية، وعلى هذا يكون المسح خاص في حال الوضوء فقط.

معاني المفردات: لا يخلعْهُما : أي: لا ينزع الخُفين من الرِّجْلين.

فوائد الحديث: اشتراط الطهارة في المسح على الخفين، وأنه لا يجوز المسح عليهما إلا إذا لُبسَا بعد كمال الطهارة. دليل على أنه لا يجب المسح على الخفين، بل له خلعهما وغسل القدمين؛ لقوله: "إن شاء"، وحديث ثوبان في الأمر بالمسح عليهما محمول على الاستحباب أو الإباحة. ظاهر الحديث: جواز المسح من غير تقييد بمدة؛ لقوله: "ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة" لكن هذا الإطلاق مُقَيد بأحاديث أُخرى، ومنها حديث علي، وصفوان -رضي الله عنهما- في توقيت المسح على الخفين، للمقيم المسحُ يومًا وليلةً وللمسافر ثلاثةَ أيام بلياليها. أن المسح على الخفين يختص بالحدث الأصغر لا الأكبر، أما الحدث الأكبر فلا يجوز المسح معه، بل لابد من خلع الخفين وغسل القدمين؛ لقوله: "إلا من جَنابة". مشروعية الصلاة في الخفين ونحوهما؛ لقوله: "وليصل فيهما"، وقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصلي في نعليه.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: حديث عمر -رضي الله عنه-: رواه الدارقطني. حديث أنس -رضي الله عنه-: رواه الدارقطني.

334. أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ

عن عروة، عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضَّأ»، قال: قلت: من هي إلا أنت؟ فَضَحِكت.

عشرة النساء.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تخبر عائشة -رضي الله عنها- في هذا الحديث، أنه -صلى الله عليه وسلم- قَبَّلَ إحدى زوجاته، ثم ذهب إلى الصلاة ولم يتوضأ. ثم إن عروة -رضي عنه الله- وهو الراوي عن عائشة -رضي الله عنها- تَفَطَّن لهذا الأمر وعلم بأن الزوجة المبهمة في الحديث هي عائشة -رضي الله عنها- فلما أخبرها بذلك ضَحِكَت -رضي الله عنها- إقرارا منها على فهمه. "ولم يتوضأ" وهذا هو الأصل: أن مسَّ الرجل زوجته أو تقبيلها لا ينقض الوضوء مطلقا، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة؛ لأن الأصل سلامة الوضوء وسلامة الطهارة، فلا يجوز القول بأنها منتقضة بشيء إلا بحجة قائمة لا معارض لها، وليس هنا حجة قائمة تدل على نقض الوضوء بلمس المرأة مطلقًا والأصل بقاء الطهارة، أما قوله -تعالى-: (أو لامستم النساء) فالصواب في تفسيرها: أن المراد به الجماع وهكذا القراءة الأخرى "أو لمستم النساء" فالمراد بها الجماع، كما قال ابن عباس وجماعة من أهل العلم. ولأن الغالب في تقبيل الرجل زوجته يكون عن شهوة، فدل ذلك على أن مسَّ المرأة بشهوة لا ينقض الوضوء، إلا إذا صاحب ذلك إنزال، فهنا ينتقض الوضوء بسبب الإنزال.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: ظاهر الحديث يدل على أن تقبيل المرأة ولمسها لا ينقض الوضوء، وهو الأصل، والحديث مقرر لهذا الأصل من عدم الوجوب. فيه جواز الإخبار بالأمور الخاصة بين الزوجين من غير تعرض لكيفيته إذا كان لمصلحة كتعليم جاهل أو نحو ذلك. ولا يعتبر هذا من الإفشاء المنهي عنه. فِطْنَة عروة بن الزبير -رحمه الله-.

المصدر : سنن أبي داود. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وأحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى وابن ماجه.

335. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحْيَانِه».

الأذكار - الطهارة.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله" بجميع أنواع الذكر من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد ومن ذلك قراءة القرآن؛ لأن القرآن من ذِكْر الله، بل هو أفضل أنواع الذِّكْر . "على كل أحْيَانِه" أي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يذكر الله في جميع أوقاته ولو كان مُحدثا حَدَثا أصغر أو أكبر، إلا أن العلماء استثنوا من ذِكْر الله تعالى قراءة القرآن حال الجنابة، فالجُنُب ليس له أن يقرأ القرآن حال الجَنَابة مطلقا، لا نَظَرا ولا عن ظَهر قَلْب؛ لحديث علي -رضي الله عنه- قال: "كان النَّبي -صلى الله عليه وسلم- يُقْرِئُنَا القرآن ما لم يَكُن جُنباً" أحمد وأصحاب السنن الأربعة. واختلف العلماء في الحائض والنفساء هل تلحقان بالجُنب؟ والأظهر أنه تجوز لهما القراءة عن ظهر قلب؛ لأنهما تطول مدتهما، وليس الأمر في أيديهما كالجنب. ويستثنى من جواز قراءة القرآن على أي حال: قراءته حال البول والغائط والجماع وفي المواطِن التي لا تليق بعَظَمَته، كالحمامات ودورات المياه وغير ذلك من المواضِع النجسة.

معاني المفردات: كل أحْيَانِه : جميع أوقاته.

فوائد الحديث: لا تشترط الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر لذِكْر الله -تعالى-، فيجوز للمسلم أن يُسَبِّح الله -تعالى- ويحمدَه ويُهَلِلَه ويستغفره، ويقرأ القرآن ما لم يكن جنبا لورود السُّنة بذلك. عموم الحديث يدل على أن للحائض والنفساء قراءة القرآن لكن من غير مسٍّ له، بل من وراء حائل كالقفاز ونحوه. مداومة النبي -صلى الله عليه وسلم- لذِكْر الله -تعالى-. معرفة عائشة -رضي الله عنها- بأحوال النبي -صلى الله عليه وسلم-.

المصدر : صحيح مسلم. صحيح.

التخريج: رواه مسلم والبخاري معلقا.للفائدة: التعليق حذف الإسناد.

336. إنك إن اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ المسلمين أفْسَدْتَهُم، أو كِدْتَ أن تُفْسِدَهُم

عن معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنك إن اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ المسلمين أفْسَدْتَهُم، أو كِدْتَ أن تُفْسِدَهُم».

راوي الحديث: معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: إنك إن اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ المسلمين بالتَّجَسُسِ عن أحوالهم والبحث عن عيوبهم والتنقيب عن معايبهم التي يخفونها وجَاهَرتهم بها، فضحتهم وكشفت سترهم فقَلَّ حياؤهم، فيجترئون على ارتكاب أمثالها من المعاصي مُجَاهرة، بعد أن كانوا مُتَخَفِّين لا يعلم عنهم إلا الله -تعالى-.

معاني المفردات: تتبعت عورات المسلمين : البحث بالتجسس واكتشاف ما يُخْفونه. كدت : قاربت.

فوائد الحديث: النهي عن التَّجَسُّس عن المسلمين، وتتبع عوراتهم؛ لأن ذلك يؤدي إلى إفسادهم وإصرارهم عليه. جواز التَّجَسُّس على الكفار المحاربين، فقد قيد النهي في هذا الحديث بالمسلمين، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرسل العيون ليخبروه بأحوال أهل الكفر قبل غزوهم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود.

337. لا يَرْمِي رَجُل رَجُلًا بِالفِسْقِ أو الكُفْر إلا ارْتَدَّتْ عليه، إن لم يَكُنْ صَاحبه كذلك

عن أبي ذر -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يَرْمِي رَجُل رَجُلًا بِالفِسْقِ أو الكُفْر إلا ارْتَدَّتْ عليه، إن لم يَكُنْ صَاحبه كذلك».

الحدود - العدل.

راوي الحديث: أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: حرم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقول الرجل لصاحبه يا فاسق أو ياكافر؛ لأنه لو لم يكن صاحبه هكذا؛ لرجَعت تلك الكلمة على قائلها.

معاني المفردات: الفِسْقِ : الترك لأمر الله والخروج عن الحق. ارْتَدَّتْ عليه : رجَعت عليه.

فوائد الحديث: التنبيه على تحريم تكفير الناس بغير مُسَوِّغ شرعي. أن من رمَى غيره بالفسق أو الكفر وكان كما قال، فلا يفسق بذلك ولا يَكفر. تفسيق من رمى غير الفاسق بالفسق. تكفير من رمَى المؤمن بالكفر، إن قصد به ظاهره واستحل ذلك، فإلم يقصد فهو كفر أصغر.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

338. من خَبَّبَ زوجة امْرِئٍ أو مَمْلُوكَهُ فليس مِنَّا

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «من خَبَّبَ زوجة امْرِئٍ أو مَمْلُوكَهُ فليس مِنَّا».

النكاح - ملك اليمين.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من سَعى في إفساد امرأة على زوجها، سواء كان المُفسد رجلا أو امرأة، وذلك بأن يُذكر عندها مساوئ زوجها وسوء أخلاقه حتى تكره زوجها وتتمرد عليه وتسعى إلى التخلص منه بالطلاق أو الخلع، أو أفسد مملوك رجل عليه وعمل معه أعمالا جعلته يتمرد على سيده ويعامله معاملة سيئة؛ فقد جاء في حقه هذا الوعيد الشديد الذي يدل على أن هذه المعصية من الكبائر ويفيد الوعيد والزجر.

معاني المفردات: خَبَّبَ : خَدَع وأفْسَد.

فوائد الحديث: تحريم إفساد الزوجات أو الخدم أو إيقاع الشقاق بينهم وبين أزواجهن وأسيادهم. شأن المؤمن قائم على التعاون والتناصر. فيه أن تَخبيب الزوجة على زوجها من كبائر الذنوب، كما نص على ذلك صاحب كتاب الزواجر.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود.

339. من هَجَر أخَاه سَنَة فهو كَسَفْكِ دَمِهِ

عن أبي خِراش حَدْرَدِ بن أبي حَدْرَدٍ الأسْلَمِي -رضي الله عنه- مرفوعاً: «من هَجَر أخَاه سَنَة فهو كَسَفْكِ دَمِهِ».

راوي الحديث: أبو خِراش حَدْرَدِ بن أبي حَدْرَدٍ الأسْلَمِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من هجر أخاه لغير مقصد شرعي واستمر هجره إياه مُدة سنة وجَبَت عليه العقوبة، كما أن سفك دمه يُوجب العقوبة وهو التعزير بما يراه القاضي، ردعًا له وزجرًا لغيره، أما إذا كان الهَجْر لمقصد شرعي، فإن هجر أهل البدع والفسوق ينبغي أن يدوم على مرور الزمان ما لم تظهر منهم توبة ورجوع إلى الحق.

معاني المفردات: كَسَفْكِ دَمِه : كإراقته.

فوائد الحديث: فيه بيان حق المسلم على أخيه المسلم. بيان عظم إثم الهَجْر، وتمثيله بالقاتل؛ لأن الهَجْر قتل مَعْنَوي لا يقل سوءًا عن القتل المحَسُوس.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود وأحمد.

340. إن الشَّيطان قد يَئِسَ أن يَعْبُدَه المُصَلُّون في جَزيرة العَرب، ولكن في التَّحْرِيشِ بينهم

عن جابر -رضي الله عنه- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الشَّيطان قد يَئِسَ أن يَعْبُدَه المُصَلُّون في جَزيرة العَرب، ولكن في التَّحْرِيشِ بينهم».

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: إن الشيطان يَئِسَ أن يَعود أهل الجزيرة إلى عِبادة الأصنام، كما كانوا عليه قبل فتح مكة، ولكنه رضي واكتفى بالتَّحْرِيشِ بينهم، وذلك بالسعي في زرع الخصومات والشحناء والحروب والفتن ونحوها.

معاني المفردات: يَئِسَ : من اليأس، وهو القُنُوط. التَّحْرِيش : الإفساد، وتغيير قلوبهم وتقاطعهم.

فوائد الحديث: هذا الحديث من معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه أخبر عن مُغَيَّب، فكان كما أخبر. أن الشيطان يسعى في إيقاع الخصومات والشحناء والحروب والفتن بين المسلمين. للشيطان أساليب متنوعة يستعملها ضد المسلمين؛ لتفريق شملهم، وتشتيت جمعهم. من فوائد الصلاة في الإسلام أنها تحفظ المودة بين المسلمين، وتقوي روابط الإخوة بينهم. الصلاة أعظم شعائر الدين بعد الشهادتين، ولذلك أطلق على المسلمين المُصَلِّين. جزيرة العرب لها خصائص دون غيرها من البلاد.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

341. لَعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرَّجُل يَلبَسُ لِبْسَة المرأة، والمرأة تَلْبَس لبْسَة الرَّجُل

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرجل يلبس لِبْسَةَ المرأة، والمرأة تلبس لِبْسَةَ الرجل.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من تشبه بالنساء فهو ملعون على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن تشبهت بالرجال فهي ملعونة على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك أن الله -سبحانه وتعالى- خلق الذكور والإناث وجعل لكل منهما مزية، الرجال يختلفون عن النساء في الخِلقة والخَلق والقوة والدِّين وغير ذلك والنساء كذلك يختلفن عن الرجال فمن حاول أن يجعل الرجال مثل النساء أو أن يجعل النساء مثل الرجال، فقد حاد الله في قَدَرِه وشرعه ؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- له حكمة فيما خلق وشرع ولهذا جاءت النصوص بالوعيد الشديد باللعن وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله لتشبه الرجل بالمرأة أو المرأة بالرجل.

معاني المفردات: لِبْسَة المرأة : على هيئة لبسها وحالها.

فوائد الحديث: يحرم على الرجل أن يلبس ما هو خاص بالنساء من اللباس، كما يحرم على المرأة أن تلبس ما هو خاص بالرجال. تقليد الرَّجل المرأة في لِباسها وتقليد المرأة الرَّجُل في لباسه خروج عن هدي الإسلام وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-. يدخل في الحديث العمامة والنعال، فلا يجوز للرَّجُل أن يَعْتَمَّ بثوب المرأة ولا أن ينتعل بنعلها وكذا المرأة لا يجوز لها أن تنتعل نَعل الرَّجُل. تحرم تقليد المرأة الرجل في الهيئة والكلام والحركات وكذا العكس.

المصدر : رياض الصالحين صحيح

التخريج: رواه النسائي في الكبرى، وابن ماجه بمعناه، وأحمد.

342. إن اليهود والنصارى لا يَصْبغُونَ، فخَالِفُوهم

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم».

اللباس - أهل الذمة.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرهم بأن اليهود والنصارى أي لا يصبغون شعر رؤوسهم ولِحاهم، بل يتركون الشَّيب فيها على حاله، فأمر أن يخالفوهم بصبغ الشَّعر، وخضب اللحية والرأس.

معاني المفردات: لا يَصْبغُونَ : المراد: خِضاب شعر اللحية والرأس الأبيض بصُفرة أو حُمرة؛ وأما السَّواد، فمنهي عنه. اليهود : اليهود هم المنتسبون إلى دين موسى -عليه الصلاة والسلام-. النَّصارى : هم أتباع عيسى -عليه الصلاة والسلام-.

فوائد الحديث: استحباب صبغ الشَّيب بالحناء وغيره، سواء كان في اللحية أم في غيرها. الحث على مخالفة اليهود والنصارى في عوائدهم وما كان من شأنهم من مظهر ولباس وغير ذلك. للمسلم شخصية متميزة عن غيره في مَلْبَسِه وهنْدَامِه وسُلوكِه، فليحرص كل مسلم على التزام السنة النبوية المطهرة، ولا يليق به تقليد غير المسلمين في شؤونهم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

343. نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن القَزَع

عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن القَزَع.

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض، وهو عام في كل أحد.

معاني المفردات: القَزَع : حَلْق بعض الشَّعر وترك بعضه.

فوائد الحديث: النهي عن حلق بعض الرأس وترك بعضه.

المصدر : رياض الصالحين صحيح

التخريج: متفق عليه.

344. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يَتَطَيَّر

عن بُريدة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يَتَطَيَّر.

راوي الحديث: بُرَيْدَة بن الحُصَيب الأَسْلَمِيّ -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يتشاءم من شيء مطلقًا، والمراد التشاؤم الذي يصد عن عمل شيء كما كان يفعله أهل الجاهلية، وقد جاء الإسلام بالنهي عن التشاؤم والتطير والاستقسام بالأزلام، وشرع لهم بديلًا منها وهو الاستخارة.

معاني المفردات: لا يَتَطَيَّر : لا يَتَشَاءَم.

فوائد الحديث: عدم التَّطير، والحث على الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم- في عدم التَّطير من أي شيء، والتفاؤل في كلِّ شيء.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود.

345. لا تَتْرُكُوا النَّار في بُيُوتِكُم حين تَنَامُون

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «لا تَتْرُكُوا النار في بيوتكم حين تنامون».

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى أمَّته عن النوم قبل إطفاء النار التي أوقدوها.

معاني المفردات: حين تنامون : إذا جاء وقت نومكم.

فوائد الحديث: كراهية ترك النار مشتعلة حال النوم؛ لأن ذلك ربما يؤدي إلى الاحتراق، سواء كانت النار للإضاءة ،كالمصباح والشمعة والسِّراج، أم للاستدفاء، كالمدفأة والموقِد وغيرها، وتنتفي الكراهة إذا كانت العاقبة مأمونة. يكره الاشتغال بأمر يُلهي عن مراقبة النار.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

346. نُهِيَنا عن التَّكَلُّف

عن عمر -رضي الله عنه- قال: نُهِيَنا عن التَّكَلُّف.

النهي عن التكلف.

راوي الحديث: عمرُ بنُ الخطَّاب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر عمر -رضي الله عنه- في هذا الحديث: أنهم "نهوا عن التَّكلف" والناهي هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الصحابي إذا قال: "نهينا" فإن هذا له حكم الرفع يعني كأنه قال: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن التكلف. والتكلف: هو كل فعل وقول يحاول صاحبه الظهور به أمام الآخرين وليس فيه . فمثال القول: كثرة السؤال، والبحث عن الأشياء الغامضة التي لا يجب البحث عنها، والأخذ بظاهر الشريعة وقبول ما أتت به، وعن أنسٍ -رضي الله عنه- قال: كنَّا عند عمر وعليه قميصٍ في ظهرِه أربع رقاع، فقرأ (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا)، فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأَب؟ ثم قال: "قد نهينا عن التكلّف". والفعل: كأن ينزل به ضَيف فيتكلف له بما يَشق عليه، بل وربما يحمله ذلك على الاستدانة وقد لا يجد لهذا الدين وفاء، فيلحق بنفسه الضرر في الدنيا والآخرة. فعلى المسلم أن لا يتكلف في الأمور، بل يجعل الأمور وسطا كما كان حاله -صلى الله عليه وسلم- لا يُمسك موجودًا ولا يتكلف معدومًا.

معاني المفردات: التكلف : محاولة الظهور بمظهر غير حقيقي، أو هو كل فعل أو قول يحاول صاحبه التجمل به أمام الآخرين، ولا مصلحة فيه، وهو مضر بالعقل أو البدن، أو الدِّين.

فوائد الحديث: النهي عن التَّكلف والحَثِّ على البُعد عنه في كلِّ شيء.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

347. الجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيطَان

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيطَان».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الأجراس التي تُعلق على البهائم: آلة من آلات الشيطان التي يُشغل بها الناس ويصرفهم عما خُلقوا من أجله، وأما أجراس التنبيه فقد أفتت اللجنة الدائمة بما يلي: (الأجراس المستعملة في البيوت والمدارس ونحوها جائزة ما لم تشتمل على محرم، كشبهها بنواقيس النصارى، أو لها صوت كالموسيقى، فإنها حينئذ تكون محرمة لذلك.).

معاني المفردات: مَزَامِيرُ : المِزْمَار: الآلة التي يُزَمَّر بها.

فوائد الحديث: تحريم تعليق الأجراس، حتى لا تفوت بركة حضور الملائكة، وخاصة تعليقها على وسائل الركوب في السفر. الجَرَس فيه تَشَبُّه بناقوس النصارى. تحريم المعازف كلها؛ لأنه مزمار الشيطان.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

348. إن الذين يَصْنَعُون هذه الصُّور يُعَذَّبُونَ يوم القيامة، يُقال لهم: أَحْيُوا ما خَلَقْتُم

عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الذين يَصْنَعُون هذه الصُّور يُعَذَّبُونَ يوم القيامة، يُقال لهم: أَحْيُوا ما خَلَقْتُم».

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: أن الذين يصنعون الصُّور -سواء كانت الصورة نحْتًا أو رسْمًا أو تصويرًا فوتوغرافيًّا- مما له روح، كتصوير آدمي أو حيوان، وسواء كانت الصورة ممتهنة أو غير ممتهنة، فإنهم يُعذبون بفعلهم ذلك يوم القيامة؛ لمضاهاتهم خلق الله -تعالى-، ويقال لهم: "أَحْيُوا" أوجدوا فيها الروح كما أوجدتم الجَسد "ما خَلَقْتُم" ما صورتم من الصُّور المشابهة لخلق الله -تعالى-، فإذا كنتم قد شابهتهم خلق الله -تعالى- في الصورة، فابعثوا فيها الروح، وهذا من باب التهكم والتقريع والتوبيخ. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من صوَّر صورة في الدنيا كُلِّف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة، وليس بنافخ)، وفي رواية البخاري: (من صور صورة فإن الله مُعَذِّبه حتى ينفخ فيها الروح). قال النووي -رحمه الله-: "قال العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره، فصنعته حرام بكل حال؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله -تعالى-".

معاني المفردات: الصُّور : صور ذات الرُّوح. أَحْيُوا ما خَلَقْتُم : اجعلوا روحًا لما صَنَعْتُم مُشَابِها لخلق الله -تعالى-.

فوائد الحديث: النهي الشديد والتحريم الأكيد لصنع الصُّور، وهو مقصور على ذوات الأرواح. تحريم التصوير بكافة أشكاله، سواء كان يدوياً أو فوتوغرافياً؛ لأن النَّص مطلق، فلا يخصص إلا بدليل، فالتصوير الفوتوغرافي الشمسي من أنواع التصوير المحرم، فهو والتصوير عن طريق النسيج والصبغ بالألوان والصور المجسمة سواء في الحكم، والاختلاف في وسيلة التصوير وآلته لا يقتضي اختلافاً في الحكم، وكذا لا أثر للاختلاف فيما يبذل من جهد في التصوير صعوبة وسهولة في الحكم أيضًا، وإنما المعتبر الصورة فهي محرمة وإن اختلفت وسيلتها وما بذل فيها من جهد. أن من يصنع الصُّور يُعَذَّب بها يوم القيامة، ويأمرهم أمر تعجيز بنفخ الروح فيما صوَّروا، وأنى لهم ذلك. إذا اقتضت الحاجة إلى التصوير في التعليم أو تشخيص المرض ونحو ذلك، فإن في الأمر سعة، لكن بشرط ألا تتخذ هدفاً، وغايةً في ذاتها، فإن الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها، فما جاوزها إلى حَدِّ المُبَاهَاة والمتعة بالتصوير فذلك حرام. علة تحريم الصور هي مضاهاة خلق الله -تعالى-.

المصدر : رياض الصالحين صحيح

التخريج: متفق عليه.

349. لا تَصْحَبُ الملائكة رُفْقَةً فيها كلب أو جَرَسٌ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَصْحَبُ الملائكة رُفْقَةً فيها كلب أو جَرَسٌ».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إذا خرج جماعة في سفر، وكان في صُحبتهم كلب أو جَرَسٌ، فإن ملائكة الرَّحمة والاستغفار تمتنع من مصاحبتهم؛ لأن الكلب نجس. وأما الجرس، فلأنه مزمار الشيطان كما أخبر بذلك -صلى الله عليه وسلم-. وقيده بعض العلماء بالجرس الذي يعلق على الدواب؛ لأنه إذا عُلِّق على الدَّواب يكون له رنَّة معينة تجلب النَّشوى والطَّرب والتمتع بصوته ولذلك سماه -صلى الله عليه وسلم-: (مزامير الشيطان) . وأما ما يكون في المُنَبِهات من الساعات وشبهها فلا يدخل في النهي؛ لأنه لا يُعَلَّق على البهائم وإنما هو مؤقت بوقت معين للتنبيه وكذلك ما يكون عند الأبواب يستأذن به، فإن بعض الأبواب يكون عندها جرس للاستئذان هذا أيضًا لا بأس به ولا يدخل في النهي؛ لأنه ليس معلقا على بهيمة وشبهها ولا يحصل به الطَّرب الذي يكون مما نهى عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

معاني المفردات: لا تَصْحَبُ : لا ترافق الملائكة غير الحفظة، وهم ملائكة الرحمة والاستغفار والحفظ. رُفْقَة : صُحْبَة . فيها كلب : معهم كلب. جَرَسٌ : الذي يُعلق على الدواب فيُحْدِث صوتا ًإذا تحركت.

فوائد الحديث: النهي عن اقتناء الكلاب واستصحابها. تحريم تعليق الأجراس وما شابهها مما يُحدث مِثْل صوتها، حتى لا تفوت بركة حضور الملائكة، وخاصة تعليقها على وسائل الركوب في السفر. الملائكة تَنْفُر من الرُّفْقَة التي فيها كلب أو جَرَس. فيه أن المعصية وإن كانت من أحدهم، فإن الحِرمان يَشْمَل جميع الرُّفقة. الملائكة الذين يمتنعون عن المرافقة هم ملائكة الرحمة، أما الحفظة فهم لا يفارقون العِبَاد في حِلِّهم وتِرْحَالهم. الجَرَس فيه تَشَبُّه بناقوس النصارى. تحريم الغناء؛ لأنه مزمار الشيطان. على المسلم أن يحرص على صحبة الملائكة ويبتعد عن كل ما من شأنه إبعاد الملائكة عنه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

350. مَنْ كان له ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فإذا أُهِلَّ هِلال ذِي الحِجَّة، فلا يَأْخُذَنَّ من شَعْرِه ولا من أظْفَارِه شيئًا حتى يُضَحِّي

عن أم سلمة -رضي الله عنها-، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كان له ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فإذا أُهِلَّ هِلال ذِي الحِجَّة، فلا يَأْخُذَنَّ من شَعْرِه ولا من أظْفَارِه شيئا حتى يُضَحِّي».

راوي الحديث: أم سلمة -رضي الله عنها-

المعنى الإجمالي: تخبر أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى من أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره أو ظفره شيئا حتى يضحي. فإذا دخل العَشْر من ذي الحِجَّة وأنت تريد أن تضحي أضحية عن نفسك أو عن غيرك من مالك فلا تأخذ شيئًا من شعرك لا من الإبِط ولا من العَانة ولا من الشَّارب ولا من الرأس حتى تضحي، وكذلك لا تأخذن شيئًا من الظُفر -ظُفر القَدَم أو ظُفر اليد- حتى تضحي. وفي رواية مسلم الأخرى: "فلا يَمَسَّ من شعره وبَشَرِه شيئًا" أي جلده، لا يأخذ شيئا حتى يضحي وذلك احترام للأضحية ولأجل أن ينال غير المحرمين ما ناله المحرمون من احترام الشعور؛ لأن الإنسان إذا حج أو أعتمر، فإنه لا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله، فأراد الله -عز وجل- أن يجعل لعباده الذين لم يحجوا ويعتمروا نصيبًا من شعائر النسك.

معاني المفردات: الذبْح : بكسر الذال: ما يذبح في الأضاحي من بهيمة الأنعام. لا يَأْخُذَنَّ : لا يَقُصَّنَّ.

فوائد الحديث: نهي من أراد الأضحية ورأى هلال ذي الحجة أن يأخذ شيئا من أظفاره وشعره.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

351. لا تحلفوا بِالطَّوَاغِي، ولا بآبَائِكُم

عن عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تحلفوا بِالطَّوَاغِي، ولا بآبَائِكُم».

الأيمان - الإيمان.

راوي الحديث: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث ينهى النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث عن الحَلف بِالطَّوَاغِي، والطَّواغِي: هي الأصنام التي كانت تُعبد في الجاهلية، وسميت بذلك؛ لأنها سبب طغيانهم وكفرهم وكل ما جاوز الحدَّ في تعظيم أو غيره ، فقد طغى فالطغيان المجاوزة للحدِّ ومنه قوله -تعالى-: (لما طغا الماء حملناكم في الجارية) أي جاوز الحدَّ، وكانت العرب في جاهليتهم يحلفون بآلهتهم وبآبائهم فنهوا عن ذلك، كما في حديث الباب، وفي سنن أبي داود وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (لا تحلفوا بآبائكم وأمهاتكم ولا بالأنداد) والنِّد: المثل والمراد به هنا: أصنامهم وأوثانهم التي جعلوها لله تعالى أمثالا لعبادتهم إياها وحلفهم بها نحو قولهم: "واللات والعزى"، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فليَحْلِف بالله أو ليَصْمُت). قوله: "ولا بآبَائِكُم" يعني ولا بإخوانكم ولا بأجدادكم ولا برؤسائكم، لكن خص الآباء بالذكر؛ لأن هذا هو المعتاد عندهم : "من كان حالفا، فليَحْلِف بالله أو ليَصْمُت" والمعنى: إما ليحلف بالله أو لا يحلف، أما أن يحلف بغير الله فلا . قال العلماء -رحمهم الله-: الحكمة في النهي عن الحلف بغير الله تعالى أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى فلا يضاهي به غيره.

معاني المفردات: الطَّوَاغِي : جَمْعُ طَاغِيَةٍ، وهِيَ الأصنَامُ. وَمِنْهُ الحَدِيثُ: «هذِهِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ» ،أيْ: صَنَمُهُمْ وَمَعْبُودُهُمْ. وَرُوِيَ في غير مسلم: «بِالطَّوَاغِيتِ» . ويجوز أن يكون المراد بالطَّواغِي من طغى في الكفر وجاوز القَدْر في الشَّر، وهم عظماؤهم ورؤساؤهم. الطَّاغُوت : وَهُوَ الشَّيْطَانُ وَالصَّنَمُ ،ويطلق على كل باطل.

فوائد الحديث: تحريم الحلف بالطواغيت، والآباء والرؤساء والأصنام، وما شابهها من كل باطل، وهو كفر إن قَصد تعظيمها، لا سيما إذا كانت مما يقدس، ويعبد من دون الله.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

352. لا تقولوا للمُنَافق سَيِّدٌ، فإنه إن يَكُ سَيِّدًا فقد أسْخَطْتُمْ ربكم -عز وجل-

عن بُريدة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقولوا للمُنَافق سَيِّدٌ، فإنه إن يَكُ سَيِّدًا فقد أسْخَطْتُمْ ربكم -عز وجل-».

راوي الحديث: بُرَيْدَة بن الحُصَيب الأَسْلَمِيّ -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث أن المنافق إن كان سيدًا كبيرًا في قومه وأطلقتم عليه لقب: سيد، فقد أسخطتم الله؛ لأنه يكون تعظيمًا له، وهو ممن لا يستحق التعظيم، وإن لم يكن سيدًا في قومه أو كبيرًا في قومه، فإنه يكون كذبًا ونفاقًا، ففي الحالين ينهى عن إطلاق لفظ السيد على المنافق، ومثله الكافر والفاسق والمبتدع، فهو لا يستحق وصف السِّيادة مطلقًا، وهذا النهي عام للصحابة ومن بعدهم، وقد كان المنافقون في عهدهم على قسمين، الأول: منافقون لا يعلمهم إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحب السر وهو حذيفة -رضي الله عنه-، والثاني: منافقون عرف الصحابة نفاقهم، كعبد الله بن أبي، وهذا ينطبق عليه الحديث.

معاني المفردات: أسْخَطْتُمْ : أغْضَبْتُم. إن يَكُ سَيِّدًا : أي مرتفع القَدْر على من سِواه.

فوائد الحديث: تحريم وصف المنافق بأوصاف الاحترام والتقدير، وأن وصفه بذلك يستدعي غضب الله -عز وجل-؛ لأنه تعظيم لعدوِّه الخارج عن طاعته المستحق للإهانة والتحقير. يلحق بالمنافق: الفاسق والكافر والمبتدع. لا يستحق الاحترام والتقدير إلا من تواضع لله -تعالى- بطاعته، والتزام حدوده. ينبغي على المجتمع المسلم ألا يجعل للمنافقين ثَغرة يلجؤون منها لتوجيه شؤون المسلمين، بل ينبغي إذلالهم؛ لأنهم خالفوا أمر الله ورسوله. جواز تَسْييد غير المنافق، إن كان أهلاً لذلك، كالعلماء وأهل الفضل.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والنسائي في الكبرى وأحمد.

353. من حَلَفَ بالأمَانة فليس مِنَّا

عن بريدة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حَلَفَ بالأمَانة فليس مِنَّا».

الإيمان.

راوي الحديث: بُرَيْدَة بن الحُصَيب الأَسْلَمِيّ -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث التحذير من الحلف بالأمانة؛ لأن الحلف بالأمانة حَلِف بغير الله والحلف بغير الله شرك، كما في الحديث: (من حلف بغير الله فقد كَفَر أو أشرك) والمراد بالشرك هنا: الشرك الأصغر؛ والحلف بغير الله شرك أصغر إلا أن يعتقد الحالف أن المحلوف به بمنزلة الله -تبارك وتعالى- في التعظيم والعبادة وما أشبه هذا فيكون شركًا أكبر. والمسلم لا يحلف إلا بالله -تعالى- أو بصفة من صفاته، وليست الأمانة من صفاته، وإنما هي أَمْرٌ من أمْرِه، وفَرْض من فروضه.

معاني المفردات: الأمَانة : المراد بها: الفرائض، أي: لا تحْلِفُوا بالصلاة والحج والصوم، ونحوها. ليس مِنَّا : هذا وعيد شديد يدل على أن هذه المعصية من الكبائر يفيد الوعيد والزجر.

فوائد الحديث: تحريم الحلف بغير الله -تعالى-، ومنه: الأمانة. اليمين لا تنعقد إلا بالله -تعالى- أو بصفة من صفاته، وليست منها الأمانة، وإنما هي من أمره؛ فالحلف بها يوهم مساواتها لأسماء الله -تعالى- وصفاته.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود وأحمد.

354. من حَلف فقال: إنِّي بَرِيءٌ من الإسلام، فإن كان كاذبا، فهو كما قال، وإن كان صَادقا، فَلَنْ يَرْجِعَ إلى الإسلام سَالِمًا

عن بريدة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من حَلف فقال: إنِّي بَرِيءٌ من الإسلام، فإن كان كاذبا، فهو كما قال، وإن كان صَادقا، فَلَنْ يَرْجِعَ إلى الإسلام سَالِمًا».

الأيمان.

راوي الحديث: بُرَيْدَة بن الحُصَيب الأَسْلَمِيّ -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من حلف فقال: هو بَرِيءٌ من الإسلام، أو قال: هو يهودي أو نصراني أو كافر أو ملحد، فأمره لا يخلو من حالين: الحال الأولى: أن يكون كاذبًا فيما حلف عليه، كأن يحلف مثلا: هو بريء من الإسلام إن كان الأمر كذا وكذا، وهو كاذب فيما يخبر به، كما لو أخبر بأن زيدا قدم اليوم من السَّفر وحلف على البراء من الإسلام أو هو يهودي أو نصراني أو مشرك، وهو يعلم كَذب نفسه، فهو كما قال أي من البراءة من الإسلام أو يهودي أو نصراني. الحال الثانية: أن يكون صادقا فيما قال، كما لو حلف على البراءة من الإسلام أو هو يهودي أو نصراني أن زيدًا قَدِم اليوم من سفره أو أنه لم يفعل هذا الشيء، وهو صادق فيما حلف عليه، فإنه في هذه الحال لنْ يَرْجِعَ إلى الإسلام سَالِمًا، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل ينقص كمال إسلامه بما صَدَر منه من هذا اللفظ لشناعته وقبحه.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: النهي عن الحلف بهذه الصيغة وأشباهها، كأن يقول: هو كافر إن فعل كذا، وهو على دِين كذا إن كان كذا.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود وأحمد والنسائي في الكبرى.

355. كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا

عن أم عطية، نُسيبة بنت الحارث الأنصارية -رضي الله عنها- قالت: «كنا لا نعد الْكُدْرَة وَالصُّفْرَة بعد الطهر شيئًا».

الإقرار في زمن التشريع.

راوي الحديث: أم عطية نُسيبة بنت الحارث الأنصارية -رضي الله عنها-

المعنى الإجمالي: نقلت أم عطية -رضي الله عنهما- سنة نبوية تقريرية فيما يخرج من أرحام النساء من دماء فقالت -رضي الله عنها-: "كنا لا نعد الكدرة" أي: ما هو بلون الماء الوسخ الكدر. و"الصفرة" هو: الماء الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار. "بعد الطهر" أي بعد رؤية القصة البيضاء والجُفُوف. "شيئا" أي لا نعده حيضا، وقولها: " كنا:" أشهر الأقوال فيها أنها تأخذ حكم الرفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن المراد كنا في زمانه -صلى الله عليه وسلم- مع علمه، فيكون تقريرا منه، وهو دليل على أنه لا حكم لما ليس بدم غليظ أسود يعرف، فلا يعد حيضا، بعد الطهر، وللطهر علامتان: الأولى: القَصَّة، قيل: إنه شيء كالخيط الأبيض، يخرج من الرحم بعد انقطاع الدم. الثانية: الجفوف، وهو أن يخرج ما يحشى به الرحم جافا. ومفهوم قولها: "بعد الطهر" أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض تعتبر حيضا.

معاني المفردات: كنا : هذه الصيغة لها حكم الرفع إذا قالها الصحابي وأضافها إلى زمن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، على القول الصحيح. الْكُدْرَةُ : اللون الأحمر الذي يضرب إلى السواد، والمراد أن الدم يكون متكدراً بين الصفرة والسواد. الصُّفْرَةَ : هي اللون الأحمر الذي يميل إلى البياض. الطهر : انقطاع خروج دم الحيض . شيئاً : أي: لا نعتبر الصفرة والكدرة بعد الطهر حيضاً تقعد فيه المرأة عن الصلاة والصيام وغيرها من العبادات.

فوائد الحديث: الماء الذي ينزل من فرج المرأة -بعد الطهر من الحيض- لا يعتبر ولو كان فيه الكدرة والصفرة المكتسبة من الدم . أما إذا كان نزول هذه الكدرة والصفرة زمن الحيض والعادة فإنه يعتبر حيضاً؛ لأنه دم في وقته، إلا أنه ممتزج بماء . فيه الاحتجاج بالقاعدة الشرعية وهي قول الصحابي: كنا نفعل كذا على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن هذا له حكم المرفوع، ويحتج به .

المصدر : سنن أبي داود. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود بهذا اللفظ، ورواه البخاري بدون زيادة (بعد الطهر) .

356. امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي

عن عائشة -رضي الله عنها- أن أم حبيبة بنت جحش شكت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدم، فقال: «امكُثِي قَدْرَ ما كانت تَحبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثم اغتَسِلِي». فكانت تغتسل كل صلاة.

الصبر.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يبين الحديث حكم المستحاضة وهو أنها تمكث أيام حيضتها المعتادة إن كانت لها عادة معروفة لا تصلي ولا تصوم، فإذا ما انتهت عادتها تغتسل وإن استمر الدم، ثم تصلي وتصوم، والمستحاضة المرأة التي يستمر معها نزول الدم ولا يتوقف.

معاني المفردات: شَكَتْ : أخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- على وجه التَّأَلُّم مما أَلَمَّ بها من هذا المرض. امكثي : توقفي وانتظري قدر عادة حيضتك.

فوائد الحديث: أن المستحاضة تعتبر نفسها حائضاً قدر الأيَّام التي كان يأتيها فيها الحيض، قبل أن يصيبها ماأصابها من الاستحاضة. إذا مضت قدر أيَّام عادتها الأصلية، فإنَّها تعتبر طاهرةً من الحيض -ولو أن دم الاستحاضة معها- فتغتسل من الحيض، فقد أصبحت طاهرة من الحيض. أن المستحاضة لا يجب عليها الغسل؛ لأن اغتسالها -رضي الله عنها- كان باجتهاد منها، ولو كان واجباً لبينه لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. المستحاضة يلزمها أن تتوضأ لكل صلاة؛ لأن حدثها دائم لا ينقطع، ومثلها كل من حدثه دائم كالذي به سلس بول، أو خروج ريح مستمر. أم حبيبة من حرصها -رضي الله عنها- على كمال الطهارة للعبادة فإنها تغتسل لكل صلاة. سؤال أهل العلم عما يشكل في أمور الدين، حيث إن هذه المرأة شكت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسألته عن كثرة الدم الذي يصيبها. أن الشكوى للمخلوق جائزة بشرط عدم كونها على وجه التسخط.

المصدر : صحيح مسلم. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

357. إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا

عن أبي سعيد الخُدْرِي -رضي الله عنه- مرفوعاً: «إذا أَتَى أحَدُكُم أهله ثم أرَاد أن يَعود فَلْيَتَوَضَّأْ بينهما وضُوءًا». وفي رواية الحاكم: «فإنه أَنْشَطُ لِلْعَوْد».

عشرة النساء.

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الحديث سِيقَ لبيان الهدي النبوي فيمن أراد تكرار جماع أهله، حيث يقول عليه الصلاة والسلام: "إذا أَتَى أحَدُكُم أهله ثم أرَاد أن يَعود" أي: إذا جامع الرجل أهله، ثم رغِبَ أن يُعَاوِد الجماع مرَّة ثانية وثالثة. والإرشاد النبوي تمثل في قوله عليه الصلاة والسلام: "فَلْيَتَوَضَّأْ بينهما وضُوءًا" أي: بعد الجماع الأول وقبل الثاني. والمراد بالوضوء هنا: الوضوء للصلاة؛ لأن الوضوء إذا أطلق فالأصل حَمله على الوضوء الشرعي، وقد جاء مصرحًا به عند ابن خزيمة والبيهقي، وفيه: " فتوضَّأ وضُوءك للصلاة"، وهذا الوضوء مستحب.

معاني المفردات: لِلْعَوْدِ : من الرُّجوع، والمراد به هنا: عَاد إلى إتيان امرأته.

فوائد الحديث: فيه استعمال الكناية في الألفاظ التي يُسْتَحَيا منها؛ حيث عبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ب"الإتيان" عن الجماع. استحباب الوضوء لمن اراد أن يُعاود الجِماع مرَّة أخرى. عموم الحديث يُفيد استحباب الوضوء عند إرَادَة الجِماع مرَّة ثانية، سواءٌ كانت التي يُريد العَود إليها هي الموطوءة، أو الزوجة الأخرى لمن عنده أكثر من واحدة. الحكمةُ من الوضوء أو الغسل قبل معاودة الجماع مرة ثانية ما أشارَت إليه زيادة الحاكم: "فإنَّه أنشَطُ للعَود". تعليل الأحكام الشرعية بعلل تعود إلى مصلحة بدن الإنسان، وأن ملاحظتها بفعل الطاعة لا يؤثر. فيه أن الشريعة الإسلامية شَامِلة لما يتعلق بالأديان وما يتعلق بالأبدان؛ لأن الوضوء عبادة، وهذا فيه مصلحة في الأديان، هو أيضًا مُنشط للإنسان، وهو مصلحة للأبْدَان. فيه أن الزوجة تسمى أهلا، وهذا أمرٌ مُستفيض دَلَّ عليه الكتاب والسنة.

المصدر : صحيح مسلم. صحيح.

التخريج: رواه مسلم، والرواية الثانية عند الحاكم.

358. الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن، وأن يمس طيبا إن وجد

عن عمرو بن سليم الأنصاري قال: أشهد على أبي سعيد قال: أشهد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الغُسْل يوم الجمعة واجِب على كل مُحْتَلِمٍ، وأن يَسْتَنَّ، وأن يَمَسَّ طِيبًا إن وجَد».

البلوغ - الجمعة.

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يقول أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-:" أشهد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أي أخبركم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خبراً أكيداً صادراً عن يقين وعلم قاطع، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" أي: الغسل يوم الجمعة متأكد على كل ذكر بالغ من المسلمين مطلقاً، جامع أو لم يجامع، أجنب أو لم يجنب، ويخرجه من الوجوب حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه- مرفوعا: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل"، أي: من اكتفى يوم الجمعة بالوضوء فقد أخذ بالرخصة، وأجزأه الوضوء، ونعمت الرخصة، ومن اغتسل، فالغسل أفضل؛ لأنه سنة مستحبة. قوله: "وأن يستن" أي: وأن يستاك، من الاستنان وهو الاستياك. وأما قوله: "وأن يمس طيباً إن وجد" فيعني: وأن يتطّيب بأي رائحة عطرية، والجملتان معطوفتان على الجملة الأولى.

معاني المفردات: واجِب : متأكد، وليس المراد هنا اللزوم، ولكن أصل معنى واجب ما يُثابُ فاعله امتثالًا، ويستحقُّ العقابَ تاركه. مُحْتَلِم : بالِغ، سواء كان ذكرًا أو أنْثَى. يَسْتَنّ : يَسْتَاك.

فوائد الحديث: غسل الجمعة لا يجزئ قبل طلوع الفجر؛ لقوله: "يوم الجمعة". تأكد استحباب غُسل يوم الجمعة على كلِّ رجل بالغ، شريطة أن يكون قاصدا الجمعة. لما كان المقصود الأول من الاغتسال التَّنَظف والتَّجمل والتَّهيؤ لحضور هذا الجَمْع العظيم، كان من المُنَاسب الاغتسال قبلها لا بعدها، وهو وقتها الشرعي. أن النَّظافة وإزالة الروائح الكَريهة مطلوبة شرعا للمسلم خاصة عندما يَحضر الاجتماعات الدينية، كيوم الجمعة ويوم العيد وصلاة الجماعة، فالإسلام دِين النَّظافة والجَمال والآداب الطَّيبة الحَسنة. تعظَيمِ هذا اليوم الجَليل، ويكونُ تعظيمُهُ بشعور القَلب بذلك، وبالاستعدادِ للصلاةِ، واجتماعِهِ بالغُسلِ والطيب واللباسِ الحَسن، والتفرُّغِ للعِبَادة فيه. استحباب الاسْتِيَاك للجمعة، وأنه من الأمور المؤكدة. يُخص من الحديث المرأة إذا راحت للجمعة فإنه لا يجوز لها التَّطَيب؛ لدلالة السُّنة على ذلك.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

359. استنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «اسْتَنْزِهوا من البول؛ فإنَّ عامَّة عذاب القبر منه».

اليوم الآخر: عذاب القبر ونعيمه.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يبين لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أحد أسباب عذاب القبر، وهو الأكثر شيوعاً، ألا وهو عدم الاستنزاه والطهارة من البول.

معاني المفردات: استنزهوا : اطلبوا النزاهة بابتعادكم عن البول.عامة : أكثر.

فوائد الحديث: الحرص على التنزه والابتعاد من البول، بأن لا يصيبه في بدنه ولا ثوبه . الأفضل المبادرة بغسله، والطهارة منه بعد إصابته؛ لئلا تصاحبه النجاسة، أما وجوب إزالتها فيكون عند الصلاة. أن البول نجس، فإذا أصاب بدناً أو ثوباً أو بقعة، نجسها؛ فلا تصح بذلك الصلاة؛ لأن الطهارة من النجاسة أحد شروطها. أن ترك التنزه من البول من كبائر الذنوب. ثبوت عذاب القبر، وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع. إثبات الجزاء في الآخرة، فأول مراحل الآخرة هي القبور، فالقبر: إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه الدارقطني.

360. اتقوا اللعانين قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «اتقوا اللَّعَّانَيْن» قالوا: وما اللَّعَّانَانِ يا رسول الله؟ قال: «الذي يَتَخَلَّى في طريق الناس، أو في ظِلِّهم».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: اجتنبوا الأمرين الجَالِبَين لِلَّعْنِ من الناس، الدَّاعيين إليه؛ وذلك أن من فعلهما شُتم ولُعِن في العادة؛ يعني أن عادة الناس أن تَلْعَنه، فهو سَبب في اللَّعن، فلما كان كذلك أُضيف اللَّعن إليهما، وهما التخلَّي في طريق النَّاس أو ظِلِّهم، وهذا مثل قوله -تعالى-: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ). [الأنعام:108] أي: أنتم تتسببون في أنهم يَسُبُّون الله؛ لأنكم سببتم آلهتهم، وأيضا: نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن سَبِّ الرَّجل أبَاه وأُمَّه: قالوا: وهل يَسُب الرَّجُل والِدَيه؟ قال: نعم، يَسُبُّ الرَّجُلُ أبَا الرَّجُل، فَيَسُبُّ أبَاهُ، ويَسُبُّ أَمَّهُ) فيكون كأنه هو الذي سَبَّ أبَاه؛ لأنه تسبب في ذلك. وقوله: "الذي يتخلَّى في طريق النَّاس"، أي: يقضي حاجته ببول أو غائط في الأماكن التي يَسلكها الناس ويطرقونها، ولا شك في حُرمته، سواء كان ذلك في حَضَر أو سَفر؛ لأن في ذلك أذية لهم، وقد قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب : 58] أما إذا كانت الطريق غير مسلوكة، فلا حرج في قضاء حاجَته فيها؛ لانتفاء العلة. وقوله: "أو في ظِلِّهم" أي: يقضي حاجته في الظِّل الذي يتخذه الناس مقيلاً ومناخاً ينزلونه ويقعدون فيه، أما الظِل في الأماكن الخالية التي لا يأتيها الناس ولا يقصدونها، فلا حرج من قضاء الحاجة تحته؛ لانتفاء العلة؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَعد تحت حائش النَّخل لحاجته وله ظِل.

معاني المفردات: اتَّقُوا : احذروا. اللَّعَّانَيْن : اللَّعَانَان: هما الأمران الجَالبان لِلعْنِ النَّاس.واللَّعن: هو الطَّرد والإبْعَاد عن الخير، وعن رحمة الله -تعالى-. يَتَخَلَّى : التخلَّي الذَّهاب إلى الخَلاء، والمراد به هُنا: قضاء الحَاجة.

فوائد الحديث: جواز إطلاق اللَّعنة على من فَعَلَ ما فيه أذيَّةُ المسلمين، لكن الأولى أن لا يلعنه بعينه، بل يقوله :"اللهم العن من فعل كذا"؛ لأن لَعْن المُعَيَّن حرام ولو كان كافرا. أنَّ التغوَّط أو البول في طريق الناس وظلهم وغيرهما مما يحتاجه الناس يسبِّب لَعْنَ النَّاس لفاعلها، وربَّما لحقته لعنتهم؛ لأنَّه هو المتسبِّب في ذلك؛ لما روى الطبراني في الكبير بإسنادٍ حسن؛ أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من آذى المسلمين في طُرقهم، وجبَتْ عليه لَعْنَتهم". تحريمُ البول أو التغوُّط في طرق النَّاس التي يعبرون منها، أو ظلهم الذي يجلسون ويستظلون فيه، ويقاس عليهما كلُّ ما يحتاج إليه النَّاس من النَّوادي والأفْنِيةِ، والحدائقِ والمَيادينِ العامَّة، وغير ذلك، ممَّا يرتاده الناس، ويجتمعون فيه، ويَرْتَفِقُون به. فيه أن كل ما يؤذي المسلمين فهو حرام؛ قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58]. البُعد عن الألفاظ المُسْتَقْبَحة؛ حيث عدل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتعبير بـ "يتخلَّى" عن التغوُّط وما شابهه مما يُستقبح. كمالُ الشريعة الإسلاميَّة وسمُّوها، من حيث النظافة والنَّزاهة، وبُعْدُهَا عن القَذارة والوسَاخة، وتحذيرُها عمَّا يَضُرُّ النَّاس في أبْدَانِهم وأديانهم وأخلاقهم. شمولُ الشريعة؛ فإنَّها لم تترك خيرًا إلاَّ دَعَتْ إليه، ولا شرًّا إلاَّ حذَّرَتْ منه، حتى في أمور التخلِّي فقد بيَّنَتْ لهم الأمْكِنة التي يجبُ بُعدهم عنها. رعاية الشريعة الإسلامية لحفظ حقوق الناس؛ لذلك مَنَعت من التخلِّي فيما لهم فيه حَق. الحديث يشير إلى قاعدةٍ شرعية، هي أنَّه إذا اجتمَعَ متسبِّبٌ ومباشر:فإنْ كان عمل كلِّ واحدٍ منهما مُستقلاًّ عن الآخر، فالضَّمان والإثم على المباشر. وأَمَّا إذَا كانت المُباشرةُ مبنيَّهً على السبب، صار المتسبِّب هو المتحمِّل؛ كهذا المثال في الحديث؛ فالدعاء فيه إثم، والذي قام به من لعن المتخلِّي عن الطريق مثلاً، ولكن المتسبِّب في هذا الدعاء هو المتخلِّي، فهنا يكون الدعاء مباحًا في حقِّ المباشر، وهو الدَّاعي، والذي تحمَّل إثمَهُ المتسبِّبُ منه، وهذا المتخلِّي في الطريق.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

361. إذا جاء رمضان فُتِحَتْ أبْوَاب الجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ وَصفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِحَتْ أبْوَاب الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ، وَصفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أخبر أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين"، فهذه ثلاثة أشياء تكون في رمضان: أولاً: تفتح أبواب الجنة ترغيباً للعاملين لها بكثرة الطاعات من صلاة وصدقة وذكر وقراءة للقرآن وغير ذلك. ثانياً: تغلق أبواب النيران، وذلك لقلة المعاصي فيه من المؤمنين. ثالثاً: تصفد الشياطين، يعني: المردة منهم؛ كما جاء ذلك في رواية أخرى -أخرج هذه الرواية النسائي في سننه، وأحمد في مسنده، قال الألباني: هو حديث جيد لشواهده، والمَرَدةُ: هم أشد الشياطين عداوة وعدواناً على بني آدم، والتصفيد معناه الغَلُّ، يعني: تُغَلُّ أيديهم حتى لا يخلصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، وكل هذا الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- حق أخبر به نصحاً للأمة، وتحفيزاً لها على الخير وتحذيراً لها من الشر.

معاني المفردات: صفِّدت : شُدّت بالأصفاد، وهي الأغلال، وهو بمعنى سُلسلت.

فوائد الحديث: إكرام شهر رمضان. بشارة للصائمين فيه بأن هذا الشهر المبارك موسم عبادة وخير. ليس لباغي الشر عذر في رمضان؛ لأن أسباب الشر قد كفت عنه أو قلت، فلا يحرم الخير فيه إلا محروم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

362. ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ؟ قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس

عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ هذِهِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ؟ (قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس)».

تفاضل القرآن.

راوي الحديث: عُقبة بن عامر الجُهَنِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألم تر"، أي: ألم تعلم، وهو خطاب خاص للراوي، والمراد به عام للجميع، وهي كلمة تعجب، وأشار إلى سبب التعجب، بقوله: "لم ير مثلهن"، أي: في بابها وهو التعوذ، وقوله: "قط"، لتأكيد النفي، قوله: "قل أعوذ برب الفلق"، و "قل أعوذ برب الناس"، أي: لم توجد آيات سورة كلهن تعويذ للقارىء من شر الأشرار مثل هاتين السورتين، ما تعوذ بهما متعوذ عن إيمان وصدق إلا أعاذه الله عز وجل، فالحاصل أن الإنسان ينبغي أن يتعوذ بهاتين السورتين.

معاني المفردات: ألم تر : استفهام يفيد تعجبًا. لم يُر مثلهن : لم يوجد آيات مثلهن، ومما اختصتا به أنه لا توجد سورة كلها تعويذ غير هاتين السورتين. الفلق : الصبح.

فوائد الحديث: فضل سورتي الفلق والناس، وأنهن من خير ما أنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. اقتصار النبي –صلى الله عليه وسلم- عليهما في التعويذ؛ لاشتمالهما على الجوامع في المستعاذ به والمستعاذ منه.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

363. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صام يوم عاشوراء

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه.

مخالفة أهل الكتاب.

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء سنة وليس بواجب، واختلفوا في حكمه في أول الإسلام حين شرع صومه قبل صوم رمضان، هل كان صيامه واجباً أم لا؟، فعلى تقدير صحة قول من يرى أنه كان واجباً، فقد نسخ وجوبه بالأحاديث الصحيحة، منها: عن عائشة -رضي الله عنها- أن قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصيامه حتى فرض رمضان، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من شاء فليصمه ومن شاء أفطر" وصيامه يكفر السنة التي قبله . رواه البخاري (3/24 رقم1893)، ومسلم (2/792 رقم1125).

معاني المفردات: عاشوراء : هو اليوم العاشر من شهر المحرم.

فوائد الحديث: استحباب صوم يوم عاشوراء، وأنه سُنَّةٌ. يسن أن يصوم يومًا قبله معه، وأن يكثر من صيام شهر الله المحرم.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

364. لله تسعة وتسعون اسما، مائة إلا واحدا، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- روايةً قال: «للهِ تسعةٌ وتسعون اسمًا، مائةً إلَّا واحدًا، لا يحفظُها أحدٌ إلَّا دخل الجنةَ، وهو وِترٌ يحبُّ الوِتر».

الإيمان - الفضائل.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إن اللهَ تعالى له تسعة وتسعون اسمًا، لا يحفظها أحد إلَّا دخل الجنةَ، والمراد بالحفظ القراءة بظهر القلب، وقيل: معناه الإيمان بها، والعمل بها، والطاعة بمعنى كل اسم منها، ودعاء الله تعالى بها، وفي هذا الحديث إثبات هذه الأسماء، وليس فيه نفي ما عداها من الزيادة عليها، وإنما وقع التخصيص لهذه الأسماء لأنها أشهر الأسماء وأبينها معاني، وهذا بمنزلة قولك: إن لزيد مائة درهم أعدها للصدقة، فلا يدل ذلك على أنه ليس عنده من الدراهم أكثر من ذلك، وإنما يدل على أن الذي أعده للصدقة هذا، ويدل على هذا التفسير حديث ابن مسعود: «أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك» فهذا يدل على أن لله أسماء لم ينزلها في كتابه حجبها عن خلقه. «وهو وتر» أي: الله واحد لا شريك له «يحب الوتر» يعني: يفضله في الأعمال وكثير من الطاعات ولهذا جعل الله الصلوات خمسًا، والطواف سبعًا، وندب التثليث في أكثر الأعمال، وخلق السموات سبعًا والأرضين سبعا وغير ذلك.

معاني المفردات: وِتر : واحد لَا شريك لَهُ في ذاته وأسمائه وصفاته. الجنة : الجنة هي الدار التي أعد الله فيها من النعيم ما لا يخطر على بال لمن أطاعه. رواية : أي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فوائد الحديث: أشهر أسمائه تعالى هو الله؛ لإضافة الأسماء إليه، وقيل: هو الاسم الأعظم. إثبات هذه الأسماء، وليس فيه نفي ما عداها من الزيادة عليها، وإنما وقع التخصيص لهذه الأسماء لأنها أشهر الأسماء وأبينها معاني. الوتر وهو العدد المفرد، مفضَّل في الأعمال وكثير من الطاعات.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

365. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَنَام وهو جُنُب من غِير أن يَمَسَّ ماء».

آداب النوم.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينام بعد الجماع من غير أن يَمَسَّ الماء بَشَرَته، لا ماء الوضوء ولا ماء الاغتسال ولا حتى ماء لغسل فَرْجِه؛ لأن " ماء " نكرة في سِياق النَّفي فتعُمُّ جميع استعمالات الماء. الاحتمال الثاني: لا يَمَسُّ ماءَ الغُسل، دون ماء الوضوء، ويوافق أحاديث الصحيحين المصرِّحة بأنَّه يغسل فَرْجَه ويتوضَّأ لأجل النوم والأكل والشرب والجماع. ومنها: حديثُ ابن عمر؛ أنَّ عمر قال: يا رسولَ الله، أيَنَام أحُدنا وهو جُنب؟ قال: "نعم، إذا توضَّأ". متفق عليه. وعن عمَّار بن ياسر: "أنَّ النبَّي -صلى الله عليه وسلم- رخَّص للجُنب إذا أراد أنْ يأكُلَ أو يشرَبَ أو يَنام: أن يتوضَّأ وضوءه للصلاة" رواه أحمد والترمذي وصححه. لكن هذا التأويل يَرُدُّه عموم الحديث. والأحسن أن يقال: أنه كان -صلى الله عليه وسلم- في بعض الأوقات لا يَمَسَّ ماء أصلاً لبيان الجواز، إذ لو واظب عليه لتُوهِّم وجوبه، تيسيرا وتخْفِيَفا على الأُمَّة.

معاني المفردات: جنب : الجنابة: حال من ينزل منه مني، أو يكون منه جماع ولو بغير إنزال.

فوائد الحديث: أنه لا يُسْتَحيا من الحَق؛ لأن عائشة -رضي الله عنها- ذَكَرت ما يتعلق بالجِماع والفَرَج، ومن عادة المرأة أن تَسْتَحِي أن تتكلم بهذا الأمر، وهي أم المؤمنين وأكمل النساء علما وعقلا وحياء، لكن لما كان الأمر مُتَعَلِقَا بِحكم شَرعي ذَكَرت ذلك. جوازالنوم على جَنَابة، إلا أنه يُستحب له أن يتوضأ قبل أن ينام وإن اغتسل فهو أفضل. حِرص عائشة -رضي الله عنها- في تتبع، وبيان أحواله -صلى الله عليه وسلم- فقد بَيَّنت أحكاما كثيرة خاصة، لا يَطَّلِع عليها إلا الخَاصة، ولولاها -رضي الله عنها-؛ لما حَصَل التَّأسِي به في كثير من الأحكام.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجه وأحمد.

366. على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «على أَنْقَابِ المدينةِ ملائكةٌ لا يدخلُها الطَّاعونُ، ولا الدَّجَّالُ».

فضائل المدينة - الفتن - الإيمان بالغيب.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث أن من فضائل المدينة وجود ملائكة على مداخلها وطرقها يحرسونها، فلا يدخلها الطاعون -وهو وباء معد سريع الانتشار يصحبه الموت الذريع الفاشي- ولا يدخلها المسيح الدجال.

معاني المفردات: أنقاب المدينة : مداخل المدينة وأبوابها وطرقها التي يُدخل إليها منها. الطاعون : وباء معد سريع الانتشار يصحبه الموت الذريع الفاشي.

فوائد الحديث: فضيلة المدينة وفضيلة سكناها وحمايتها من الطاعون والدجال. أن الله -تعالى- يوكل ملائكته بحفظ بنى آدم من الآفات والفتن والعدو إذا أراد حفظهم.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

367. إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث

عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:«إنَّ هذه الحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فإذا أتى أحدُكم الخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أعوذُ باللهِ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائث».

الطهارة.

راوي الحديث: زيد بن أرْقَم -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إن موضع قضاء الحاجة تحضره الجن والشياطين، يترصدون فيه لبني آدم بالأذى والفساد؛ لأنه موضع تُكشف فيه العورة، ولا يُذكر اسم الله فيه، فإذا أتى المسلم إلى موضع قضاء الحاجة فليقل: «أعوذُ باللهِ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائث» أي: أعتصم بالله وأحتمي به من شر ذكران الشياطين وإناثهم.

معاني المفردات: الحُشُوش : جمع حُشّ، وهو الكنيف، موضع قضاء الحاجة. مُحْتَضَرة : يحضرها الجن والشياطين. الخَلاء : موضع قضاء الحاجة. أعوذ : أعتصم وألتجئ. الخُبُث : جمع الخبيث، وهم ذكران الشياطين. الخبائث : جمع الخبيثة، وهم إناث الشياطين.

فوائد الحديث: أنَّ الأمكنة النجسة والقذرة هي أماكنُ الشياطين التي تأوي إليها وتُقِيمُ فيها. الالتجاءُ إلى الله -تعالى- والاعتصامُ به من الشياطين وشرورِهِمْ، فهو المُنْجِي منهم، والعاصمُ من شرِّهم. فضيلة هذا الدعاء والذكر, ومشروعية قوله عند دخول الخلاء. إثباتُ وجود الجنِّ والشياطين، فإِنْكارُهُمْ ضلالٌ وكفرٌ؛ لأنَّه ردٌّ لصريح النصوص الصحيحة، وهو نقصٌ في العقل، وضيقٌ في التفكير؛ فإنَّ الإنسان لا يُنْكرُ ما لم يصلْ إليه علمه. الأمكنة الطيبة كالمساجد يُشْرَعُ عندها أذكارٌ وأدعية، تناسب ما يرجى فيها من رحمة الله وفضله، والأمكنةُ الخبيثة كالحشوش يناسب دخولها أذكارٌ بالبعد عمَّا فيها من خبائثِ الجنِّ وَمَرَدَةِ الشياطين. الشياطين نوعان ذكور وإناث.

المصدر : سنن أبي داود. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد.

368. لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار

عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا يَقْبَل الله صلاة حَائض إلا بِخِمَار».

الطَّهَارَةِ وَسُنَنِهَا - علامات البلوغ.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: لا يجوز للمرأة البَالغة العاقلة أن تُصلي بغير خِمار، أي كاشفة لرأسها وعُنقها، فإن صلَّت كذلك فإن صلاتها باطلة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يقبل الله) ونفي القَبول المُراد به هنا : نفي الصحة والإجزاء. والمقصود بالحائض هنا: المرأة البَالغة التي بَلغت سِنَّ المحيض بأية علامة من علامات البلوغ، وهي: الحيضُ، أو نزولُ المنيِّ، أو نَباتُ شَعْر العَانة، أو بإتمام خمسة عشر عاماً، وعَبَّر بالحيض؛ لاختصاصه بالنساء؛ ولأنه هو الغالب، وليس المقصود به مَن هي مُتَلَبِّسة بالحيض؛ لأن المرأة ممنوعة من الصلاة في زمن الحيض؛ لثُبوت السُّنة بذلك وإجماع العلماء.

معاني المفردات: خِمَار : من التَّخْمِير، وهو: التَّغْطِية؛ ومنه: خِمَار المرأة، الَّذي تُغَطِّي به رأَسَها وعُنقها.

فوائد الحديث: أنَّ ستر العورة في الصلاة شرطٌ لصحَّتها، والعورةُ في الصَّلاة تختلفُ باختلاف المصلِّين، من حيث الجِنس، ومن حيث السِّنُّ. أن الحَيض للأُنثى من علامات بُلوغها، ولو لم تَبْلُغ خمسة عشر عامًا. أنَّ الجارية إذا بلغَت كُلِّفت بالأحكام الشرعية كلِّها. أن المرأة إذا بَلغَت وجب عليها عند الصلاة أن تَستر رأسها. مفهومُ الحديث: أنَّ من دون البلوغ تَصِحُّ صلاتها بغير خِمار.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد.

369. لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه شيء

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا يصلِّي أحَدُكُم في الثَّوب الواحد ليس على عَاتِقَيْه شيء».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: المطلوب من المصلي أن يكون على أحسن هيئة؛ فقد قال -تعالى-: {يا بني آدم خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كل مَسجدٍ} . ولذا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- حثَّ المصلي، أن لا يصلي وعاتقاه مكشوفان مع وجود ما يسترهما أو أحدهما به، ونهى عن الصلاة في هذه الحال وهو واقف بين يدي الله يناجيه. وستر العاتقين كليهما لهذا الحديث واجب مع القدرة، ورواية: (عاتقه) جنس المراد به العاتقين.

معاني المفردات: عَاتِقَيْه : العَاتق: ما بين المِنْكَب والعنق، وهو موضعُ الرداء.

فوائد الحديث: جَوَاز الصلاةِ في الثوب الواحد إذا جعل على عاتقه منه شيء، وأجمعوا على أنَّ الصَّلاة في الثَّوبين أفضل. وجوب سَتر العَاتقين أو أحدهما في الصلاة، إذا أمْكَنه ذلك. الحديث دليل على وجوب ستر العورة في الصلاة. قلة ما في أيدي الصحابة -رضي الله عنهم- من المال، حتى إن بعضهم لا يملك ثَوبين كما في الحديث الآخر: (أَولِكُلِّكُم ثَوبان).

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

370. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته، حيث توجهت فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة

عن جابر -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُصلِّي على راحِلَته، حيث تَوَجَّهَت فإذا أراد الفَرِيضة نَزل فاسْتَقبل القِبْلة».

صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ - تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بالسنة - المشقة تجلب التيسير.

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يَتكلف النُّزول من فوق راحِلته، بل يصلي عليها، وهذا إذا كان في سَفَر، ويؤيده ما رواه ابن عمر وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُصلي في السَّفر على راحِلته، حيث تَوَجَهت به. رواه البخاري، فإذا كان -صلى الله عليه وسلم- على راحلته، فإنه يُصلي حيث كان وجْه رِكَابه، سواء كان في جَهة القبلة أو غير جهة القِبلة، فإذا كانت الصلاة مفروضة، وهي الصلوات الخمس فإنه يَنزل عن دَابته، ويصلي على الأرض مُستقبلًا القِبْلة، وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: (ولم يكن يَصْنَعُه -أي الصلاة على الدَّابة- في المكْتُوبة) متفق عليه. فصلاة الفريضة لا بد من إيقاعها على الأرض، إلا لعُذر شَرعي كمَطر أو خَوف عدو فلا بأس أن يؤديها على راحِلته، أو مرض فيصليها على سريره جالسًا، وبالأخص إذا خشي خروج وقتها، ويؤيده أدلة التيسير والتخفيف ورفع الحرج عن هذه الأُمَّة ومن ذلك قوله -تعالى-: (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).

معاني المفردات: راحِلَته : الرَّاحلة من الإبل: ما يُرحل ويركب عليه، سواء كانت ذكرًا أو أُنثى.

فوائد الحديث: جوازُ صلاة النَّافلة على الرَّاحلة في السَّفر، ولو بلا عُذر. التَّسهيلُ والتَّخفيف في النَّوافل ترغيبًا في الإكثار منها. أنه لا يلزمُ المصلِّي على الرَّاحلة استقبالُ القِبْلة، بل يتوجَّه حيث جهة سَيره. أن المُصلي على الرَّاحِلة يُصلي إلى الجِهة التي تَوَجَهت به راحِلته، فلو صلَّى إلى غير الجِهة التي اتجهت به راحِلَته لم تصح صلاته. أن فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة؛ لأن جابرا -رضي الله عنه- ذَكَره للاستدلال به. فيه أن فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مُخصِّص للدليل القَولي، وهو قوله تعالى: (ومن حيث خرجت فَوَلِّ وجهك شَطر المسجد الحَرام)، [ البقرة : 149]. أن صلاة المكتوبة لا تجوز على الراحلة إلا مع وجود العذر.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

371. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة, فكبر، ثم صلى حيث كان وجَّهه رِكابه

عن أنس -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سافر فَأراد أن يَتَطَوَّع استقْبَل بِنَاقَتِه القِبْلَة, فكبَّر، ثم صلَّى حيث كان وجَّهَه رِكَابُهُ.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سافر وأراد أن يصلي نافلة استقبل القِبلة بناقته عند تكبيرة الأحرام، ثم يُصلِّي حيث كانت جِهة سَفَرِه.

معاني المفردات: يتطوع : يصلي نافلة.

فوائد الحديث: جوازُ صلاة النَّافلة على الرَّاحلة في السَّفر، ولو قصيرًا، ولو بلا عُذر. استحباب استقبال القِبْلة عند افتتاح الصلاة على الرَّاحلة، ثم لا بأس أن يصلي إلى جهة سَيْره. أن المُصلِّي على الرَّاحِلة يُصلِّي إلى الجِهة التي تَوَجَهت به راحِلته فلو صلَّى إلى غير الجِهة التي اتجهت به راحِلَته لم تصح صلاته. التَّسهيلُ والتَّخفيف في النَّوافل ترغيبًا في الإكثار منها. أن فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حُجة؛ لأن أنسًا -رضي الله عنه- ذَكَرَه للاستدلال به. أن فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مخصص للدليل القولي، وهو قوله -تعالى-: (ومن حيث خرجت فَوَلِّ وجهك شَطر المسجد الحَرام) [ البقرة : 149] عدم جواز صلاة الفريضة على الرَّاحلة، بل الواجب عليه أن يُصلِّيها مستقرًّا في الأرض إلا لعذر شرعي كمرض أو مطر أو خوف عدو.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود.

372. الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعًا: «الأرض كُلُّها مسجد إلا المَقْبَرة والحَمَّام».

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الأرض كلها موضع للصلاة؛ إلا المكان الذي يدفن فيه الموتى، وتشمل كل ما يحوطه سور المقبرة، والموضعُ الَّذي يُغْتَسَل فيه بالماء الحَمِيم من أجل الاستشفاء. وقال النووي -رحمه الله-: "الصَّلاَةُ في مأوى الشيطان مكروهٌ بالاتفاق، وذلك مثل مواضع الخمر، والحَانَةِ، ومواضعِ المُكُوس، ونحوها من المعاصي الفاحشة، والكنائس، والبِيَعَ، والحُشُوش، ونحو ذلك". والحشوش أماكن قضاء الحاجة.

معاني المفردات: المَقْبَرة : ما يُدفن فيه الموتَى. الحَمَّام : أصله موضع الاغتسال بالماء الحَار، ثم قيل لموضع الاغتسال بأي ماء كان.

فوائد الحديث: جواز الصلاة في جميع بقاع الأرض إلا ما يستثنى. فضل الله -تعالى- على هذه الأُمَّة حيث رخَصَّ لها بالصلاة في كل بُقعة من بقاع الأرض. تشريف النبي -صلى الله عليه وسلم- وتفضيله على سائر الأنبياء، أن أباح الله له ولأمَّته الصلاة في أي بقعة من بقاع الأرض، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (فُضِّلت على الأنبياء بستٍّ) وذَكَر منها: (وجعلت لي الأرض مسجدا). النَّهي عن الصلاة في المَقْبرة التي هي مَدْفَن المَوتى؛ وفي مسلم أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تصلُّوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها). يستفاد من النَّهي عن الصلاة في المقبرة، النَّهيُ عن كلِّ مكانٍ فيه أشياء يخشى أنَّ تعظيمَهَا يؤدِّي إلى عبادتها كالصَّلاة عند التماثيل، والصور، والكَنَائس. العمل بقاعدة سَدِّ الذَّرائع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة في المقبرة سدَّا لذريعة الشِّرك. أن كل ما دخل في اسم المَقْبَرة فإنه لا تجوز الصلاة فيه، ولو كانت القُبور بعيدة عن المُصلي أو خلف ظَهره. ظاهر الحديث: أنه لا فرق بين أن يكون في المقْبَرة ثلاثة قُبور أو قبران أو قَبر واحد، ما دام يُطلق عليها اسم المقْبَرة، فإن الصلاة فيها ممنوعة، أما إذا أُعِدَّت المَقْبَرة، ولم يُدفن فيه أحد فلا بأس من الصلاة فيها؛ لأنه لا يصدق عليها أنها مقْبَرة. النَّهي عن الصَّلاة في الحَمَّام، وهو الموضعُ الذي يُغْتَسَلُ فيه بالماء الحَميم، والكنيف والمرحاض من باب أولى؛ لأنه أخبث، حتى لو قُدر أن المرحاض كبير وجانب منه طاهر؛ لأن هذه الأماكن مَأوى للشيطان. يستفاد من النَّهْي عن الصلاة في الحَمَّام النَّهْيُ عمَّا شابهه من مواطن الشياطين؛ كمجالس اللهو المحرَّم منَ الأفلام الخليعة، والأغاني الماجنة، والألعاب المحرَّمة، ومجالس المجون، ونحو ذلك، فكلُّها مواطن شياطين، تتنزَّه عنها طاعة الله وعبادته.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد والدارمي.

373. لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها

عن مَرْثَد الغَنَويّ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:«لا تصلُّوا إلى القُبُور، ولا تجلِسُوا عليها».

الجنائز.

راوي الحديث: أبو مَرْثَد الغَنَويّ -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة إلى القبور؛ بأن يكون القبر في جهة المصلي، وكذلك نهي عن الجلوس على القبر، ومن ذلك إهانتها بوضع القدم عليها، أو قضاء الحاجة عليها، وكل ذلك محرم.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: النَّهي عن الصلاة إلى القُبور، بأنْ تكون المقْبَرة في جهة المُصَلِّي، والنَّهي يقتضي فساد المنهي عنه. إغلاق جميع الأبواب المُوصلة للشِّرك. النَّهْي عن الجُلوس على القُبور؛ لأنَّ فيه نوعًا من امْتِهان لصاحب القَبْر. الجمع بين النَّهي عن الغُلو بالقبور، وعن امْتِهانها؛ وذلك لأن الصلاة إلى القبر تؤدي إلى تعظيم القَبر والغُلو فيه، والجلوس يؤدي إلى امْتِهانها، فنهى الإسلام عن الغُلو فيها وعن امْتِهانها، لا إفْرَاط ولا تفريط. أن حُرمة الميت المُسلم باقية بعد موته، ويؤيده قوله -صلى الله عليه وسلم-: (كسر عظم الميت كَكَسره حيًا). ويتفرع على هذا: أن أولئك الذين يَمْتَهِنُون الموتى بقطع أعضائهم بعد موتهم قد أخطئوا؛ لأن هذا نوع امتهان للميت، وفيه تعذيب له؛ ولهذا نص الفقهاء على أنه يحرم قطع عضو من الميت ولو أوصى به؛ لأنه ليس له الحق في التصرف في نفسه. جواز الاتكاء على القبر وهذا غير الجلوس، لكن إذا عَدَّه الناس عرفا امْتِهانًا فإنه لا ينبغي الاتكاء عليه؛ لأن العَبرة بالصورة، وما دَامت الصورة تُعد امْتِهانًا في عُرف الناس، فإنه وإن كانت مُباحة ينبغي تَجَنُّبها.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

374. التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «التَّسْبِيحُ للرجال، والتَّصْفِيق للنساء».

أَبْوَابُ العَمَلِ فِي الصَّلاَةِ - السَّهْوِ - إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةُ فِيهَا.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث: "التَّسْبِيحُ للرجال، والتَّصْفِيق للنساء"، وفي رواية لمسلم: (في الصلاة)، والمعنى: أن مَن نَابه شيء في الصلاة، يقتضي إعلامَ غيره بشيء، مِن تنبيه إمامه على خَلَلٍ في الصَّلاة، أو رؤية أعمى يقع في بئر، أو استئذان داخل، أو كون المصلِّي يريد إعلامَ غيره بأمر -فإنَّهُ في هذه الأحوال وأمثالها يُسبِّح، فيقول: "سبحان الله"؛ لإفهام ما يُريد التنبيهَ عليه، وهذا في حق الرَّجل، أما المرأة إذا نَابها شيء في صلاتها، فإنها تُصَفِّق، وكيفيته: أن تَضرب إحدى يديها بالأخرى بأي طريقة، وكل هذا إبعاد للصَّلاة عمَّا ليس منها مِنَ الأقوال؛ لأنَّهَا موضعُ مُنَاجَاة مع الله -سبحانه وتعالى-، فلمَّا دَعت الحاجةُ إلى الكلام، شُرِعَ ما هو مِن جِنْسِ أقوال الصلاة، وهو التَّسبيح.

معاني المفردات: التَّسْبِيح : المُراد بالتَّسبيح هنا: قولُ المصلِّي: سُبحان الله. التَّصْفِيق : معناه: أنْ تضرب المرأةُ إحدى يديها بالأخرى؛ للتنبيه على شيء نابها في الصَّلاة.

فوائد الحديث: استحبابُ التَّسبيح في حقِّ الرِّجال، إذا نَابهم شيءٌ في صلاتهم، وذلك بقول: سبحان الله. استحبابُ التصفيق للنِّساء، إذا نابهنَّ شيءٌ في صلاتهن؛ وذلك أستر لهنَّ، لاسيَّمَا وهنَّ في عبادة. الأصل تساوي الأحكام بين الرَّجل والمرأة في الصلاة، إلا ما استثني، كما في هذا الحديث الدال على التفريق بين الرَّجل والمرأة في التنبيه في الصلاة، فشُرع له التَّسبيح ولم يُشرع لها، بل التَّصفيق. فيه بيان أن صوت المرأة فَتنة ولهذا شُرع لها التَّصفيق ولم يُشرع لها التَّسبيح . فيه دليل على عدم جواز التَّصفِيق للرجال؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرشَد إليه النَّساء ولم يُرشد إليه الرَّجال، فدل على أنه من خصائِصهِن ولا يجوز للرجل التَّشَبه بالنِّساء، وفيه تَشبه بالكُفَّار في عبادتهم، قال -تعالى- : (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) [الأنفال: 35].المُكَاء: الصفير.والتَّصْدِية: التَّصفِيق.ففيه تَشَبه بالنِّساء وتَشَبه بالكفَّار؛ لذلك لا يصلح التَّصْفِيق للرجال في أي حال من الأحوال.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

375. إن كان لينزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغداة الباردة، ثم تفيض جبهته عرقًا

عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: «إنْ كانَ لَيَنْزِلُ على رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في الغَدَاةِ الباردةِ، ثم تَفِيضُ جَبْهَتُه عَرَقًا».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تخبر أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في هذا الحديث أن الوحي كان ينزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصباح البارد، فيسيل العرق من مقدمة رأسه بكثرة؛ لشدة الوحي عليه.

معاني المفردات: الغَداة : أول النهار. تَفِيض : تسيل بكثرة. جَبْهته : مقدمة الرأس.

فوائد الحديث: ما كان يحصل للنبي -صلى الله عليه وسلم- من الشدة أثناء نزول الوحي؛ حتى كان جبينه يسيل من العرق في اليوم البارد. في هذا الحديث بيان أحد الصفات التي كان ينزل بها الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم-.

المصدر : صحيح مسلم. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

376. زينوا القرآن بأصواتكم

عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «زَيِّنُوا القرآنَ بأصواتِكم».

راوي الحديث: الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: المراد زينوا القرآن بتحسين أصواتكم عند القراءة، فإن الكلام الحسن يزداد حسنًا وزينةً بالصوت الحسن, والحكمة في ذلك المبالغة في تدبر المعاني، والتفطن لما تضمنته الآيات من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد؛ لأن النفس ميّالة طبعًا إلى استحسان الأصوات، وربما يتفرغ الفكر مع حسن الصوت عن الشوائب، فيكون الفكر مجتمعًا، وإذا اجتمع حصل المطلوب من الخشوع والخضوع, والمراد بتحسين الصوت -في الحديث- التحسين الذي يبعث على الخشوع، لا أصوات ألحان الغناء واللَّهو التي تخرج عن حدّ القراءة.

معاني المفردات: زينوا : من التزيين وهو التحسين, والمراد هنا تزيينه بالترتيل، والجهر به، وتحسين الصوت بالقراءة.

فوائد الحديث: استحباب تزيين القرآن بتحسين الصوت. الحكمة في ذلك المبالغة في تدبر المعاني، والتفطن لما تضمنته الآيات؛ لأن النفس ميّالة طبعًا إلى استحسان الأصوات الجميلة. التزيين في الحديث هو التحسين الذي يبعث على الخشوع، لا أصوات ألحان الغناء واللَّهو التي تخرج عن حدّ القراءة.

المصدر : سنن أبي داود. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد.

377. لا تجادلوا في القرآن فإن جدالًا فيه كفر

عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تُجادِلوا في القرآن؛ فإنَّ جِدالًا فيه كُفرٌ».

راوي الحديث: عبد الله بن عَمْرِو بن العاص -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الجدال في القرآن؛ لأنه يؤدي إلى كفر؛ وذلك لأن الإنسان قد يسمع قراءة آية أو كلمة لم تكن عنده, ولا علم له بها فيتسرع ويخطِّئ القارئ وينسِب ما يقرؤه إلى أنه غير قرآن، أو يجادله في معنى آية لا علم له بها ويضلله، والجدال ربما صرفه عن الحق وإن ظهر له وجهه، فلذلك حُرِّم وسُمِّي كفرًا؛ لأنه يؤدي بصاحبه إلى الكفر، ومتى سلم الإنسان من ذلك كله فهو مباح أو محمود، كمن يسأل للتعلم أو لإظهار الحق, كما قال -تعالى-: {وجادلهم بالتي هي أحسن}.

معاني المفردات: الجدال : المناظرة والمخاصمة، والمراد هنا الجدل على الباطل.

فوائد الحديث: النهي عن الجدال في القرآن. الجدال في القرآن بما يؤدي إلى رده أو رد بعضه أو تكذيب ما جاء فيه من الحق يؤدي بصاحبه إلى الكفر. المراد بالجدل المنهي عنه في الحديث: الجدال على الباطل, وأما طلب المغالبة لإظهار الحق, فإنه محمود كما قال -تعالى-: {وجادلهم بالتي هي أحسن}. ينبغي على صاحب القرآن والسنة صيانتهما عن ذكر أدلتهما لمن لا يُنصِفُ من كافرٍ ومبتدع, ولا يعرضهما لمن هو أحذقُ منه بالجدل، وأبرعُ في المراء؛ لأن ذلك قد يكون سببًا في خذلان الحق.

المصدر : مسند أبي داود الطيالسي. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود الطيالسي.

378. نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي الرجل مختصرا

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: «نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي المرء وهو جاعل يده على خاصرته.

معاني المفردات: مختصرًا : يعني: واضعًا يده على خاصرته، اْو يديه على خاصرتيه، والخاصرة من الإنسان هي ما بين الوَرِك، وأسفل الأضلاع، وهما خاصرتان. الرجل : لا مفهوم له، فالمرأة مثله.

فوائد الحديث: النهي أن يصلي المصلِّي واضعًا يده على خاصرته، وهي ما بين رأس الوَرِك، وأسفل الأضلاع. الحكمة في النّهي هو الابتعاد عن مُشابهة اليهود؛ فإنَّهم يضعون أيديهم على خواصرهم في الصلاة. وقيل: الحكمة أنَّه فعل المتكبرين، ولا منافاة، فإنَّ من طبيعة اليهود الكبر، واحتقار الناس، ولا يرون شعبًا، ولا جنسًا أفضل منهم، فهم يقولون: إنَّهم شعب الله المختار. المطلوب في الصلاة الخشوع والخضوع؛ لأنَّ المصلي واقف بين يدي الله -تعالى-، متذلِّلًا بعيدًا عن صفات المتكبرين وسيماهم. الواجبُ البعد عن مشابهة أهل الضلال؛ سواء أكان هذا التشبه مما يُخرج من الملة، أو كان يفضي إلى المعصية؛ فإنَّ من تشبه بقوم، فهو منهم. جمهور العلماء حملوا النهي على التنزيه، قالوا: لأنَّه لا يعود على الصلاة ببطلان.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

379. أميطي عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان قِرَام لعائشة سَترت به جانب بَيتها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أَمِيطِي عنَّا قِرَامَكِ هذا، فإنه لا تَزال تصاوِيُره تَعْرِض في صلاتي».

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كان لعائشة -رضي الله عنها- ثوب رقيق من صُوف ذِي ألوان ونُقوش, تستر به فَتحة كانت في حُجرتها, فأمرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بإزالته ووضّح لها سبب ذلك وأن نقوشه وألوانه لا تزال تظهر أمام عينيه في الصلاة فخاف أن تشغله عن كَمَال حضُور القلب في الصلاة، وتَدَبّر أذكارها وتلاوتها ومَقَاصِدها من الانقياد والخضوع لله -تعالى-.

معاني المفردات: قِرَام : ثوب رقيق من صُوف ذِي ألوان ونُقوش. أَمِيطِي : أزِيلي. تَصاوِيُره : ألوَانُه، وزخَارِفه، ونُقوشه. تَعْرِضُ : تَلُوح وتَظهر.

فوائد الحديث: استحباب إزالة كل ما يُشغل المُصلِّي ويلهيه عن صلاته، من ألوان وزَخَارف تكون في قِبلته, وغير ذلك مما يُشغل. الأفضل للمُصلِّي أن يقصد الأماكن التي لا يكون بها ما يُلهيه، أو يُشغله عن صلاته، وحضور قلبه فيها. مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، بإزالة ما قَدر على إزالته، من الأمور المنافية للشرع، والمبادرة إلى ذلك. حُسن خُلق النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث لم يزل القَرِام بنفسه؛ لأنه لو أزاله بنفسه لكان في ذلك تحزينًا لها. أن للصور والأشياء الظاهرة، تأثيرًا في القُلوب والنُّفوس الزِّكية، فضلا عمَّا دونها. كراهة زَخْرَفة المساجد وتَزويقها، وجعل الكتابات والنُّقوش فيها، مما يلُهي المُصلِّين، ويشغلهم عن تَدَبُّر صلاتهم، بِتتبع هذه النُّقوش والزَخَارف، وكذلك الصلاة على المفارش المنقوشة المُزَخرفة. أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَعْرض له ما يَعْرض لغيره من البَشر من الخَواطر، إلاَّ أنَّها لا تتمكن منه، كما هي إلاَّ خطرات بَسيطة، حتى يعود إلى مُنَاجاة الله تعالى، والاتصال بِربِّه. أنَّ الخواطر والوساوس التي تَعْرِض للمصلِّي لا تبطل صلاته ولو كَثرت؛ لقوله: (لا تزال تَعْرِض لي في صلاتي). إضافة البيت الذي تَسكنه عائشة إليها؛ لقوله: (جَانب بيتها).

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

380. التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «التَّثَاؤُبُ في الصلاة من الشَّيطان؛ فإذا تَثَاءَبَ أحدكم فَليَكْظِم ما اسْتَطاع».

الآداب الشرعية.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: التَّثَاؤُبُ في الصلاة من الشَّيطان؛ لأنه يكون مع ثِقل البَدن واسترخائه وامتلائه، ومَيله إلى الكَسَل والنوم، فالشيطان هو الدَّاعي إلى إعطاء النَّفْس شَهواتها، وتوسعها في المآكل والمَشارب، فإذا شَرع المصلي بالتثاؤب أو أراد أن يتثاءب؛ فإنه يَدفعه ويحبسه ما استطاع، وذلك بأن يَكْظِمه بإطباق أسنانه وشَفتيه ما استطاع؛ لئلا يَبلغ الشَّيطان مراده من تشويه صورته، ودخوله فَمه وضحكه منه، فإلم يستطع فإنه يضع يده.

معاني المفردات: التَّثَاؤُبُ : حرَكة للفَم ليست إرادية، تكون هذه الحَركة من كَسل أو نوم. فلْيَكْظِم : الكَظْم سَد الفَم بإطباق الشَفتين.

فوائد الحديث: أنه ينبغي للمُتثائب أن يرد تثاؤبه ما استطاع؛ وذلك بإطباق فَمِه وضَم شَفتيه. أنه لا يُشرع عند التثاؤب الاستعاذة من الشَّيطان؛ لأنها لو كانت مشروعة لأرشد إليها النبي -صلى الله عليه وسلم-. أن عَداوة الشيطان تكون في الأمر بالمعصية، وفي إيجاد الكَسل في الطَّاعة. إثبات القُدرة ونَفيها على الإنسان؛ لقوله: (ما استطاع). أن الله يريد من المسلم القوة والنشاط في العبادة، فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف؛ وهذا حتى يتباعد المؤمن عن صفات المنافقين، حيث إن الفتور والكسل من أهم سماتهم.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي.

381. البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها

عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «البُزَاق في المسجد خَطيئة، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُها».

الكفارات - التعليم والدعوة.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: البزاق -وفي رواية: (البُصاق)- على أرضية المسجد أو جدرَانه ذَنْب وإثم، يستحق فاعله عقوبة الله -تعالى-، فلا يجوز للمسلم بحال من الأحوال أن يَبصق في المسجد؛ لأن فيه إهانة لبيوت الله وتلويثها وتَقْذِيرها، بل الواجب صَوْنها من كل ما يُنجسها ويُقَذِّرها؛ لأن ذلك من تعظيم شعائر الله -تعالى-، قال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج: 30]، أما إذا بَصق في ثوبه أو شماغه أو منديله فلا شيء عليه؛ لانتفاء العلة. والبُصاق إذا وقع خطأً من غير إرادة فهو خطيئة معفو عن إثمها، وليس المعنى أن يتعمد البصق في المسجد ثم يقوم بدفنها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل مجرد البصاق في المسجد خطيئة، ويؤيد هذا التقييد: ما جاء في البخاري (414)، ومسلم (548): "من أنَّه -صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في جدار المسجد، فشَقَّ عليه، فقام فَحكه بيده". ومن بَصق في المسجد من غير قَصد منه، وأراد أن يعفو الله عنه ويمحو عنه سيئته هذه؛ فليبادر إلى إزالتها من المسجد، بِدفنها إن كان المسجد من حَصباء، أما إذا كان المسجد مفروشا؛ فإن كفارتها فركها حتى تزول، أما إذا بقيت فإنها خطيئة يأثم بها ما بقيت، وقد ورد عن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (عُرضت عليَّ أعمال أمَّتي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فوَجَدْت في مَحَاسن أعمالها الْأَذَى يُماط عن الطريق، ووجدت في مَسَاوِي أعمالها النُّخاعة تكون في المسجد لا تُدفن) رواه مسلم.

معاني المفردات: البُزَاق : إخراج الرِّيق الغَليظ من الفم، سواء كان نُخَامة أو غير نُخامة، وأما الرِّيق الخفيف الذي لا يؤثر فهذا لا يُسمى بُزاقا.

فوائد الحديث: أن البُصاق في المسجد خطيئة ولو أراد دَفنها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصفها بأنها خطيئة، ثم ذَكَر كفارتها، ومن المعلوم أنه لا يجوز للمسلم أن يفعل المعصية ثم يكفّرها، لكن الكَفارة تكون إذا وقعت الخطيئة دون قصد، أما إذا فُعلت الخطيئة بنية التَّكفير فهذا لا يجوز، وإن كان الواجب عليه دفْنُها. أن المعصية ولو كانت صغيرة تُسمى خطيئة؛ لأن الخطأ: ما جانب الصَّواب، ومعلوم أن المعصية وإن قلَّت تُجانب الصواب. وجوب العِنَاية بالمساجد وتنظيفها واحترامها، وتحريم الاستهانة بها. أن البُصاق أو البُزاق طاهر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بدفنها ولم يأمر بغسلها، كما قال في بول الأعرابي: (أريقوا على بوله سَجْلا من ماء). أن مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان مَفروشا بالحَصْبَاء، ويؤيده قوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ مَسَّ الحصا فقد لغَا).

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

382. ما أمرت بتشييد المساجد

عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما أُمِرْتُ بِتَشْيِيد المساجد»، قال ابن عباس: لتُزَخْرِفُنَّها كما زَخْرَفَت اليهود والنصارى.

النبوة - تعظيم الصلاة.

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: المراد بتشييد المساجد هنا رفع البناء وتطويله، كما قال البغوي، والمبالغة في زخرفته، والزخرفة كما في كلام ابن عباس -رضي الله عنهما- من فعل اليهود والنصارى. وأما تشييد المسجد وإحكام بنائه بما يستحكم به الصنعة من غير تزيين وتزويق وزخرفة فليس بمكروه إذا لم يكن مباهاة ورياء وسمعة؛ لما في حديث عثمان بن عفان: "من بنى لله مسجداً بنى الله له مثله في الجنة". كان مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- باللَّبِن، وسقفه بالجريد، وعُمُده خشب النخيل، ولم يزد فيه أبو بكر -رضي الله عنه-، ولما نخرت خشبه وجريده زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، أعاده على بنائه الأول، وزاد فيه، ولما كان في عهد عثمان -رضي الله عنه- زاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جدرانه بالأحجار والجص، وجعل عُمُده من الحجارة، وسقفه الساج، فأدخل فيه ما يفيد القوة، ولا يقتضي الزخرفة، وكل ما صنعه كان من باب الإحكام والتجصيص من غير تزويق وزخرفة، وأما الحجارة المنقوشة فلم يكن نقشها بأمره بل حصلت له كذلك منقوشة، ولم يكن عند الذين أنكروا عليه من الصحابة دليل يوجب المنع إلا الحث على اتباع ما فعله -صلى الله عليه وسلم- وعمر في بناء المسجد من ترك الرفاهية، وهذا لا يقتضي منع التشييد بمعنى إتقان البناء ولا كراهته.

معاني المفردات: بتشييد المساجد : تشييد البناء أيضًا بإعلائه وتطويله، ورفع سقوفه، وطلائه بالجِصِّ أو النُورَة أو الرخام أو الدهان. لتُزَخْرِفُنَّها : اللام للقسم، والزخرفة: كل ما تحصل به الزنية سواء كان من ذهب أو غيره.

فوائد الحديث: قول ابن عباس: لتزخرف كما زخرفت اليهود والنصارى معابدهم، هذا الإدراج عن ابن عباس مهم، له حكم الأخبار النبوية؛ فإنَّ فيه من أنباء الغيب، فلا يكون بالرأي، وقد وقع هذا الأمر. دلَّ ظاهر الحديث على تحريم الزخرفة والتزويق في المساجد؛ لأنَّه من عمل أهل الكتاب، والتشبُّه بهم محرَّم. زخرفة المساجد من البدع في الدين، علاوة على ما فيه من المحاذير الشرعية، كـ: الإسراف في النفقة، وإشغال القلوب عن الخشوع الذي هو روح ولبّ العبادة. لا يدخل في النهي عن تشييد المساجد العناية بتوسعتها وإحكام بنائها في كل أجزائها، وتجهيزها بكل ما هو من مستلزمات العصر على الوجه المشروع.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود.

383. إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك

عن البَرَاء بن عَازب -رضي الله عنهما- مرفوعًا: «إذا سَجَدت فضَع كفَّيك وارْفَع مِرْفَقَيْك».

راوي الحديث: الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث إذا سَجَدت على الأرض فَمَكِّن كفَّيك من الأرض وارفع الذِّراعين من الأرض مع مُجَافاة الجَنْبَين؛ لأنه أشبه بهيئة المتواضع وأبْعد عن هيئة الكُسَالى ومُشابهة الحيوانات، فإن المُنبسط يشبه سِباع الحيوانات، حال افتراشها ويُشعر حاله بالتهاون بالصلاة وقِلَّة الاعتناء بها، والإقبال عليه، وفي حديث ميمونة -رضي الله عنها- عند مسلم: "كان -صلى الله عليه وسلم- يُجَافي يديه فلو أن بهيمة أرادت أن تَمر لمَرت".

معاني المفردات: مِرْفَقَيْك : هو مَوْصِل الذِّراع بالعَضُد.

فوائد الحديث: أنَّ الواجب على المصلِّي أن يَضع كفَّيه على الأرض، والكفان عُضوان من أعضاء السُّجود السَّبعة. هذا الحديث أيَّد الأصل من أنَّ المراد باليدين هما: الكفَّان. استحباب تمكين باطِن الكَفَّين من الأرض. استحباب رفع الذِّراعين عن الأرض، وكراهة افتراشهما كما يَفترش السَّبع ذِراعيه. مشروعية البُعد عن مُشابهة الحيوانات في الصلاة، التي هي مُنَاجاة ودخول على الله -تبارك وتعالى-. مشروعية إظهار النَّشاط والقوَّة، والرَّغبة في العَبادة. أن المُصلِّي إذا اعتمد على جميع أعضاء السُّجود، أخذ كلُّ عُضوٍ حقَّه من العبادة.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

384. رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعًا

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلِّي متربِّعًا.

فقه: صلاة التطوع - قواعد فقهية: لا واجب مع العجز.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: التربُّع: أن يجعل باطِن قَدَمه اليُمنى تحت الفَخِذ اليُسرى، وباطِن اليُسرى تحت الفَخِذ اليُمنى، ويجلس على مقعدته، وقد فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا لما سَقط من فرسِه، وانفكت قدمه. فإذا عجز المصلِّي في صلاة الفريضة عن القيام صلى جالسا مُتَرَبِّعا استحبابا، وهذا في حال قعوده المُقابل للقيام، أما في حال جلوسه بين السجدتين وقعوده في التشهدين، فيستحب أن يجلس مفترشا في التشهد الأول ومُتَوَرِّكَا في التشهد الثاني. وكل هذه الصفات من باب الاستحباب والأفضلية، فلو خالف وجلس على غير الهيئات المتقدمة أجزأه؛ لأن المطلوب هو: الجلوس للتشهد وهذه الهيئات قَدْر زائد على الواجب.

معاني المفردات: متربِّعًا : التَّرَبُع: هو أن يجلس قابِضًا سَاقيه، مخالفًا بين قَدميه، جاعلاً سَاقيه إحداهما فوق الأخرى، ويكون القَدَم اليُمنى في مَقْبَض فَخْذِه اليُسرى، والقَدَم اليُسرى في مَقْبَض فَخْذِه اليُمنى.

فوائد الحديث: 1- استحباب جلوس العَاجز عن القيام مُتربِّعا. 2- يُسْر وسهولة الشَّريعة الإسلامية، فإن من عَجَز عن القيام صلَّى جالسا ولا يُكلف الله نفسا إلا وسعها . 3- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بَشَر يُصيبه ما يُصيب البَشر من الإعْيَاء والعَجز والمرض.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه النسائي.

385. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السَّجدتَين: «اللَّهمَّ اغْفِرْ لي، وارْحَمْنِي، وعافِني، واهْدِني، وارزقْنِي».

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يخبر ابن عباس -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كان يقول بين السَّجدتَين: اللَّهمَّ اغْفِرْ لي.." أي: كان يَدعُو بين السَّجدتين بهذا الدعاء ولا فرق بين صلاة الفَرض وصلاة النفل، فالصلاة كلها ذِكْر وقراءة للقرآن، ومعنى قوله: "اللَّهمَّ اغْفِرْ لي": أي: اسْتُرنِي، مع التجاوز عن المؤاخذة. "وارْحَمْنِي"، أي: هَات لي من لدُنْك رَحمة تشتمل على سَتر الذَّنب وعدم المؤاخذة، مع التَّفَضُل عليَّ من خَيري الدُّنيا والآخرة. "وعافِني" أي: اعطني سَلامة وعافية، في دِيني من السَّيئات والشُّبهات، وفي بَدني من الأمراض والأسْقَام، وفي عقلي من العَتَه والجُنون، وأعظم الأمراض هي أمراض القلب، إما بالشُّبهات المُضلَّة، وإما بالشهوات المُهلكة، "واهْدِني" الهِداية نوعان: أحدهما: هداية دلالة وإرشاد إلى طريق الحق والصواب، وهذه حاصلة للمسلم والكافر: (وأما ثمود فهديناهم) [فصلت : 17] ، يعني: دللناهم على الحق. الثاني: هداية توفيق وقبول، وهذه لا يحصل عليها إلا أهل الإيمان، وهي: المطلوبة هنا، ومعناها: اهْدِني للحقِّ وثَبِّتنِي عليه. "وارزقْنِي" أي: أعطني رزقًا، يُغنيني في هذه الحياة الدنيا عن الحاجة إلى خلقِك، وأعطني رزقًا واسعًا في الآخرة، مثل ما أعددته لعِبادك الَّذين أنْعَمت عليهم.

معاني المفردات: اغْفِرْ لي : أي: اسْتُرني، مع التَّجَاوز عن المؤاخذة. ارْحَمْنِي : هَات لي من لدُنْك رَحمة تشتمل على سَتر الذَّنب وعدم المؤاخذة، مع التَّفَضُل عليَّ من خَيري الدُّنيا والآخرة. عَافِني : اعطني سَلامة وعافية، في دِيني من السَّيئات والشُّبهات، وفي بَدني من الأمراض والأسْقَام. اهْدِني : أي: اهْدِني للحقِّ وثَبِّتنِي عليه. ارزقْنِي : أعْطِني رزقًا، يُغنيني في هذه الحياة الدنيا عن الحاجة إلى خلقِك، وأعطني رزقًا واسعًا في الآخرة.

فوائد الحديث: مشروعية الطُمأنينة في الجلسة التي بين السَّجدتين، كما ثبت ذلك في أحاديث أخرى أيضًا. وجوب الدعاء وقول: رب اغفر لي، أو اللهم اغفر لي. بين السجدتين. الأفضل أن يأتي بالدعاء بين السجدتين كما ورد، فإن زاد أو نقص فيه لم تبطل صلاته.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود

386. إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إذا سجد أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُك كَمَا يَبْرُكُ البَعِير، وَلْيَضَعْ يديه قبل ركبتيه».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يبين الحديث الشريف طريقة النزول للسجود، وهي أن يبدأ بوضع اليدين قبل الركبتين، وجاءت أحاديث أخرى في النزول بالركبتين قبل اليدين، فكلا الأمرين جائز ولا يُنكر على من فعل هذا أو فعل هذا.

معاني المفردات: فلا يبرك : يقال: برك البعير بركًا: وقع على بركه، والبَرَك: ما يلي الأرض من صدر البعير.

فوائد الحديث: في الحديث بيان صفة الهوي في السجود، وهو أن يضع يديه قبل ركبتيه. اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن المصلي يهوي إلى السجود بتقديم الركبتين ثم اليدين. والقول الثاني: أن المصلي يهوي إلى السجود بتقديم يديه قبل ركبتيه. القول الثالث: أنه مخير في تقديم أيهما شاء، وقد أجمعوا على أن الصلاة بكلتا الصفتين جائزة، وإنما الخلاف في الأفضل.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي مختصرًا والنسائي والدارمي وأحمد.

387. أن ابن عمر كان يضع يديه قبل ركبتيه، وقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك

كان ابن عمر يَضع يديه قبل رُكْبَتَيِه، وقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَفعل ذلك.

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: الحديث يدل على أن المصلي يضع يديه قبل ركبتيه عند النزول للسجود، لكن يعارضه حديث وائل بن حجر -رضي الله عنه- في أنَّ المصلي حين يهوي للسجود فإنه يضع ركبتيه قبل يديه. والمسألة اجتهادية والأمر فيها واسع؛ ولذا خير بعض الفقهاء المصلي بين الأمرين، إما لضعف الأحاديث من الجانبين وإما لتعارضها وعدم رجحان بعضهما على بعض في نظره؛ ونتيجة هذا: السعة والتخيير بين الهيئتين.

معاني المفردات: لا توجد : --

فوائد الحديث: تقديم اليَدين على الرُّكبتين عند الهوي إلى السُّجود.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه ابن خزيمة.

388. صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله

عن وائل بن حُجْرٍ -رضي الله عنه- قال: صلَّيت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان يُسلِّم عن يَمينه: «السَّلام عليكم ورحْمَة الله وبَرَكَاتُه»، وعن شِمَاله: «السَّلام عليكم ورحْمَة الله».

راوي الحديث: أبو هنيدة وائل بن حجر -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الحديث يدل على أنَّ المصلي لا يخرج من صلاته إلا بتسليمتين عن اليمين والشمال، فيقول في الأولى «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، في الثانية: «السلام عليكم ورحمة الله»، وزيادة (بركاته) تكون أحيانًا؛ لورود أحاديث أخرى ليس فيها هذه الزيادة، والغالب عدم الزيادة ولكنها جائزة.

معاني المفردات: لا توجد : --

فوائد الحديث: مشروعية التَّسليم من الصلاة وهو من أركانها؛ لفعله -صلى الله عليه وسلم- المستمر مع حديث علي -رضي الله عنه- مرفوعًا: (تحليلها التَّسليم). رواه أبو داود وغيره. استحباب الإتيان بزيادة و"بركاته"، لكن في بعض الأحيان؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يَداوم عليه، والأغلب عدم قولها. يستحب أن تكون التَّسليمة الأولى إلى جهة اليمين والثانية إلى جهة الشّمال. فيه أنه لا يخرج من الصلاة إلا بالتَّسليم، فلو خرج منها بدون تسليم متعمدا بطلت صلاته، وإن كان ناسيا يَعود ويجلس إذا تَذَكَّر ذلك عن قُرب، ثم يُسَلِّم عن يمينه وعن شِماله ثم يسجد للسَّهو.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود.

389. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا، وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام

عن ثَوْبَان -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انْصَرف من صلاته اسْتَغْفَر ثلاثا، وقال: «اللهُمَّ أنت السَّلام ومِنك السَّلام، تَبَارَكْتَ يا ذا الجَلال والإكْرَام».

الأدعية والأذكار.

راوي الحديث: ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم ورضي عنه-

المعنى الإجمالي: في الحديث بيان استحباب قول المصلي بعد الانتهاء من الصلاة: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. ثم يقول هذا الدعاء: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. وهناك أدعية أخرى وردت في أحاديث أخرى مما يقال عقب الصلاة.

معاني المفردات: السَّلام : السَّالم من التَّغيُّرات والآفَات. تَبَارَكْتَ : أي: ثَبَت الخَير عندك وكَثُر. الجَلال : التَّنَاهي في عِظم القَدْر والشَّأن.

فوائد الحديث: فيه الرَّد على من قال: أن المصلِّي يُكبر بعد الصلاة. فيه إثبات اسم: "السَّلام" لله -تعالى- وصفته، فهو السَّالم من كل نقص وعَيب، وهو واهب السَّلامة لعباده من شُرور الدُّنيا والآخرة.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

390. من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا إلا أن يموت

عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت». وفي رواية: «وقل هو الله أحد».

راوي الحديث: أبو أمامة صُدي بن عجلان الباهلي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يبين الحديث الشريف فضل قراءة آية الكرسي، وهي في سورة البقرة: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] دبر كل صلاة، والفضل هو دخول الجنة أو أن دخول الجنة يكون إن مات من ساعته تلك.

معاني المفردات: الكرسي : قد جاءت الأحاديث أنه موضع القدمين للرب -تبارك وتعالى-. الآية : العلامة الظاهرة، وتطلق على طائفة حروف من القرآن، علم بالتوقيف انقطاعها عما قبلها، وعما بعدها من الكلام.

فوائد الحديث: فضل هذه الآية العظيمة؛ لما اشتملت عليه من الأسماء الحسنى، والصفات العلى، والوحدانية، والحياة الكاملة، والقيومية الدائمة، والعلم الواسع، والملكوت المحيط، والقدرة العظيمة، والسلطان القويم، والإرادة النافذة. المراد بالدبر هنا ما بعد السلام؛ لأن ما قبل السلام ليس محلاً للقرآن، وإنما محله القيام، فهذه قرينة على أن المراد ما بعد السلام. استحباب قراءة تلك الآية العظيمة، وهذه السورة الشريفة بعد كل صلاة مفروضة؛ ليكتمل بهما ذكره لربه، ويرفع بهما ما نقص من صلاته، وليجدد إيمانه كل يوم خمس مرات، بتلاوة أسماء الله الحسنى، وصفاته العلى. إثبات الجزاء الأخروي، وأنَّ أوله نعيم القبر، أو عذابه، وأنَّ نعيم القبر جزء من نعيم الجنة، كما أنَّ عذاب القبر جزء من عذاب النار؛ لقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} سورة غافر. انَّ الأعمال الصالحة سبب لدخول الجنة، كما قال تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} سورة السجدة.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه النسائي، والرواية الأخرى أخرجها الطبراني.

391. صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب

عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- قال: كانت بي بَوَاسيرُ، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة، فقال: «صَلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جَنْبٍ».

قواعد فقهية: 1. لا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة - 2. المشقة تجلب التيسير.

راوي الحديث: أبو نُجَيد عمران بن حصين الخزاعي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يبين الحديث الشريف كيفية الصلاة لمن كان به مرض من بواسير أو ألم عند القيام ونحو ذلك من الأعذار، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الأصل القيام، إلا في حال عدم الاستطاعة فيصلي جالساً وإن لم يستطع الصلاة جالساً فله أن يصلي على جنبه.

معاني المفردات: جنب : الجنب مصدر، ويطلق على عدة معانٍ متعددة، ومنها: شق الإنسان وجانبه، وجمعه: جنوب وأجناب، وهو المراد هنا. بواسير : جمع باسور، وهو ورم يكون في مقعدة الإنسان.

فوائد الحديث: وجوب مراعاة مراتب صلاة المريض المكتوبة، فيجب عليه القيام إن قدر عليه؛ لأَنَّه ركن من أركان الصلاة المكتوبة، ولو معتمدًا، أو مستندًا إلى شيء من عصا، أو جدار، أو نحو ذلك. فإن لم يستطع القيام، أو شقَّ عليه، فتلزمه قاعدًا، ولو مستندًا أو متكئًا، ويركع ويسجد مع القدرة عليه، فإن لم يستطع القعود، أو شقَّ عليه فيصلي على جنبه، والجنب الأيمن أفضل، فإن صلى مستلقيًا إلى القبلة صحَّ، فإن لم يستطع أومأ إيماء برأسه، ويكون إيماؤه للسجود أخفض من إيمائه للركوع، للتمييز بين الركنين، ولأنَّ السجود أخفض من الركوع. لا ينتقل من حال إلى حال أقل منها إلاَّ عند العجز، أو عند المشقة عن الحالة الأولى، أو في القيام بها؛ لأنَّ الانتقال من حال إلى حال مقيد بعدم الاستطاعة. حد المشقة التي تبيح الصلاة المفروضة جالسًا، هي المشقة التي يذهب معها الخشوع؛ ذلك أنَّ الخشوع هو أكبر مقاصد الصلاة. الأعذار التي تبيح الصلاة المكتوبة قاعدًا كثيرة، فليس خاصًّا بالمرض فقط، فقِصر السقف الذي لا يستطيع الخروج منه، والصلاة في السفينة، أو الباخرة، أو السيارة، أو الطيارة عند الحاجة إلى ذلك، وعدم القدرة على القيام، كلها أعذار تبيح ذلك. الصلاة لا تسقط ما دام العقل ثابتًا، فالمريض إذا لم يقدر على الإيماء برأسه أومأ بعينيه، فيخفض قليلاً للركوع، ويخفض أكثر منه للسجود، فإن قدر على القراءة بلسانه قرأ، وإلاَّ قرأ بقلبه، فإن لم يستطع الإيماء بعينه صلَّى بقلبه. مقتضى إطلاق الحديث أنَّه يصلي قاعدًا، على أيَّةِ هيئة شاء، وهو إجماع، والخلاف في الأفضل، فعند الجمهور أنَّه يصلي متربعًا في موضع القيام، وبعد الرفع من الركوع، ويصلي مفترشًا في موضع الرفع من السجود. أنَّ أوامر الله تعالى يؤتى بها حسب الاستطاعة والقدرة، فلا يكلف الله نفسًا إلاَّ وسعها. سماحة ويُسر هذه الشريعة الإسلامية، وأنَّها كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78], {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء]، فرحمة الله تعالى بعباده واسعة. ما تقدم هو حكم الصلاة المكتوبة، أما النافلة فتصح قاعدًا، ولو من دون عذر، لكن إن كانت بعذر فأجرها تام، وبدون عذر على النصف من أجر صلاة القائم كما ثبت في السنة.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

392. قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورأسه بين سحري ونحري، فلما خرجت نفسه، لم أجد ريحًا قط أطيب منها

عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: «قُبِض رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ورأسُه بين سَحْري ونَحْري»، قالت: «فلمَّا خَرَجَتْ نفْسُه، لم أَجِدْ ريحا قَطُّ أطْيَبَ منها».

فضائل الصحابة.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تخبر عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مات وهو مستند إلى صدرها، فلما خرجت روحه، شمت رائحة طيبة، لم تشم رائحة أطيب منها.

معاني المفردات: قُبِض : مات. سَحْري : السحر: الرئة. نَحْري : النحر: أعلى الصدر, عند موضع القلادة.

فوائد الحديث: فيه معجزة واضحة للنبي -صلى الله عليه وسلم- عند موته، حيث شمت عائشة عند موته رائحة طيبة لم تشم رائحة أطيب منها. مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مستند إلى صدر عائشة. في الحديث فضيلة ظاهرة لعائشة، وأن الله اختارها ليموت النبي -صلى الله عليه وسلم- عندها وعلى صدرها.

المصدر : مسند أحمد. صحيح.

التخريج: رواه أحمد.

393. لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك

عن أنس -رضي الله عنه-، قال: «لم يكن شخصٌ أَحَبَّ إليهم مِن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رَأَوْه لم يقوموا لِمَا يَعْلَمون مِن كَرَاهِيَته لذلك».

الأخلاق.

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر أنس -رضي الله عنه- أنه لم يكن أحد أشد حبًّ إلى الصحابة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومع حبهم الشديد له -صلى الله عليه وسلم- كانوا إذا رأوه مقبلًا عليهم لم يقوموا له؛ لأنهم يعلمون أنه -صلى الله عليه وسلم- يكره أن يقوم له أحد.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: شدة تواضع النبي -صلى الله عليه وسلم- وكراهيته للقيام له. كان الصحابة -رضي الله عنهم- يحبون النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من حب أي أحد. كراهية القيام للقادم, ما لم يكن هناك سبب للقيام كتلقي القادم من السفر أو التهنئة أو نحو ذلك من الأسباب.

المصدر : سنن الترمذي. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي.

394. سئلت عائشة: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل في بيته؟ قالت: كان بشرًا من البشر يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه

عن عائشة -رضي الله عنها-، أنها سُئلتْ ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَعْمل في بيته؟ قالت: «كان بشرًا مِن البشر يَفْلي ثوبَه، ويَحْلِب شاتَه، ويَخْدِم نفْسَه».

محاسن الأخلاق.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: سُئلت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما الذي كان يعمله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته؟ فقالت: كان بشرًا من البشر، يلتقط القمل والأذى من ثوبه، ويحلب شاتَه، ويخدم نفسَه، وذكرت هذه الأعمال من باب التمثيل.

معاني المفردات: يَفْلي ثوبه : يلتقط الشيء المؤذي من الثوب كالبرغوث والقمل ونحوه.

فوائد الحديث: تواضع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يباشر أعماله الخاصة في بيته بنفسه. أن الأئمة والعلماء يتناولون خدمة أمورهم بأنفسهم، وأن ذلك من فعل الصالحين. استحباب مساعدة الزوج لامرأته في عمل البيت. النبي -صلى الله عليه وسلم- بشر كسائر البشر ولكن الله خصه بالرسالة.

المصدر : مسند أحمد. صحيح.

التخريج: رواه أحمد.

395. لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد، ذهبًا ما بلغ مد أحدهم، ولا نصيفه

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَسُبُّوا أصحابي، فلو أنَّ أحدَكم أَنْفَقَ مثل أُحُد، ذهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحدهم، ولا نَصِيفَه».

الصدقة.

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم عن سب أي أحد من الصحابة، وأخبر أنه لو أنفق أَحد الناس مثل جبل أُحد ذهبًا ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد الصحابة بملأ كفيه طعامًا ولا نصف ذلك؛ وذلك لأن الصحابة كلهم أفضل من جميع من جاء بعدهم، وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال، ولأن إنفاقهم كان في نصرته -صلى الله عليه وسلم- وحمايته وذلك معدوم بعده وكذا جهادهم وسائر طاعتهم، مع ما كان في أنفسهم من الشفقة والتودد والخشوع والتواضع والإيثار والجهاد في الله حق جهاده، وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل، والفضائل لا تؤخذ بقياس، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

معاني المفردات: مُد : المد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعامًا. نَصيفه : نصفه. أصحابي : الصحابي وهو من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا به ومات على الإسلام، ولو تخللت ردة في الأصح.

فوائد الحديث: سب الصحابة -رضي الله عنهم- حرام من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون. فضل نفقات الصحابة على نفقات غيرهم، وأن القليل منهم لا يساويه الكثير من غيرهم. تفضيل الصحابة كلهم على جميع من بعدهم. فضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ولا تنال درجتها بشيء.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

396. لن يدخل النار رجل شهد بدرًا والحديبية

عن جابر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لن يدخلَ النارَ رجلٌ شَهِد بدرًا والحُدَيْبِيَة».

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث أنه لن يدخل النار رجل حضر غزوة بدر وصلح الحديبية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذه بشارة عظيمة لهم -رضي الله عنهم-.

معاني المفردات: الحُدَيْبِيَة : بئر بقرب مكة على طريق جدة.

فوائد الحديث: فيه فضيلة أهل بدر والحديبية وأنهم لن يدخلوا النار.

المصدر : مسند أحمد. صحيح.

التخريج: رواه أحمد، وأصله في صحيح مسلم.

397. هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين

عن أنس -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر: «هذان سَيِّدا كُهُول أهل الجنة من الأوَّلِين والآخِرين إلا النبيِّين والمرسلين».

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- هما سيِّدا كُهُول أهل الجنة، والمقصود كل من دخل الجنة إلا النبيين والمرسلين، ما قال الشراح، والكهول جمع الكهل وهو من جاوز الثلاثين أو أربعًا وثلاثين إلى إحدى وخمسين سنة، فاعتبر ما كانوا عليه في الدنيا حال هذا الحديث، وإلا فإنه ليس في الجنة كهل، بل من يدخلها ابن ثلاث وثلاثين سنة.

معاني المفردات: كُهُول : جمع الكهل، وهو من جاوز الثلاثين أو أربعًا وثلاثين، إلى إحدى وخمسين سنة.

فوائد الحديث: أبو بكر وعمر سيدا أهل الجنة إلا النبيين والمرسلين.

المصدر : سنن الترمذي. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي.

398. الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الحَسَن والحُسَيْن سَيِّدا شَباب أهْل الجنة».

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الحسن والحسين ابنا فاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- هما أفضل شباب أصحاب الجنة، أو أنهما سيدا أهل الجنة سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين، وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن واحد وهو الشباب, ويمكن أن يراد أنهما سيدا كل من مات شابا ودخل الجنة.

معاني المفردات: شباب : جمع شاب وهو من بلغ إلى أن يكون عمره ثلاثين سنة. سيدا : من ساد يسود سيادة, والاسم السؤدد, وهو المجد والشرف, والمراد هنا بيان فضلهما على غيرهما.

فوائد الحديث: فيه فضيلة ظاهرة للحسن والحسين -رضي الله عنهما-, وأنهما سيدا شباب أهل الجنة.

المصدر : سنن الترمذي. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وأحمد.

399. أخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم الحسن، فصعد به على المنبر، فقال: ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين

عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: أخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم الحسن، فصعد به على المنبر، فقال: «ابني هذا سيِّد، ولعلَّ اللهَ أن يُصلحَ به بين فئتين من المسلمين».

علامات النبوة - الصلح - الفتن - المناقب.

راوي الحديث: أبو بكرة نُفَيع بن الحارث الثقفي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم الحسن معه إلى المسجد وهو غلام صغير، فصعد به على منبر مسجده الشريف، وأخبر الناس أن ابنه الحسن سيد، كريم الأصل، شريف النسب، ينتمى إلى أشرف بيت وُجد على وجه الأرض، وأن الله -سبحانه- سيصلح به بين جماعتين متخاصمتين متقاتلتين من المسلمين، فيجمع الله به بين تلك الجماعتين خاصة، ويلتئم بذلك شمل المسلمين عامة. ولا شك أن في هذا الحديث الشريف علامة من علامات نبوته -صلى الله عليه وسلم- حيث أخبر فيه -صلى الله عليه وسلم- على ما يقوم به هذا السيد الكريم الحسن بن علي -رضي الله عنهما- من جمع كلمة المسلمين، والإِصلاح بينهم، ورفع النزاع بين الطائفتين، ووقع ذلك بتنازله عن الخلافة لمعاوية، مما أدى إلى التئام الشمل، وحقن الدماء، وذلك في عام الجماعة سنة 40 أو 41.

معاني المفردات: فئتين : الفئة: الجماعة.

فوائد الحديث: فضيلة الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-. السيادة إنما يستحقها من انتفع به الناس؛ لأنه علق السيادة بالإصلاح بين الناس ونفعهم، هذا معنى السيادة. الصلح على الانخلاع من الخلافة، والعهد بها على أخذ مال جائز للمختلع، والمال له طيب. قتال المسلم للمسلمين لا يخرجه من الإسلام إذا كان على تأويل. في هذا الحديث علامة من علامات نبوته -صلى الله عليه وسلم- حيث أخبر فيه على ما يقوم به هذا السيد الكريم الحسن بن علي -رضي الله عنهما- من جمع كلمة المسلمين، والإِصلاح بينهم، ورفع النزاع بين الطائفتين بتنازله عن الخلافة لمعاوية.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

400. من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن أحبَّ الحسن والحُسين فقد أحبَّني، ومَن أبغضهما فقد أبغضني».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: من أحب الحسن والحسين سبطي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن كرههما فقد كره النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا دليل على مكانتهما.

معاني المفردات: أبغض : كره.

فوائد الحديث: أن محبة الحسن والحسين فرض لا يتم الإيمان بدونها. فيه منقبة عظيمة للحسن والحسين أبناء علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم-.

المصدر : سنن ابن ماجه. صحيح.

التخريج: رواه ابن ماجه وأحمد.

401. أشرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أطم من آطام المدينة، فقال: هل ترون ما أرى، قالوا: لا، قال: فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر

عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: أشرفَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على أُطُم من آطام المدينة، فقال: «هل ترون ما أرى؟» قالوا: لا، قال: «فإنِّي لأرى الفتنَ تقع خِلال بيوتكم كوَقْع القَطْر».

الفتن - المناقب - المظالم.

راوي الحديث: أسامة بن زيد بن حارثة -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: نظر النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكانٍ عالٍ فوق حصن من حصون المدينة فقال لأصحابه: هل ترون ما أرى؟ إني أرى الفتن تقع وسط بيوتكم كما يقع المطر بكثرة وغزارة. وهو إشارة إلى الحروب والفتن الواقعة في المدينة، كمقتل عثمان، ووقعة الحرة وغيرها.

معاني المفردات: أشرفَ : نظر من مكان عال. أُطُم من آطام المدينة : حصن لأهل المدينة. خِلال : وسط. القَطْر : المطر.

فوائد الحديث: فيه إشارة إلى الحروب الجارية بينهم، كقتل عثمان -رضي الله عنه- ويوم الحرة. وفيه معجزة ظاهرة للنبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أخبر بشيء فوقع كما أخبر. هذا الحديث مما أنذر النبي -صلى الله عليه وسلم- به أمته، وعرفهم قرب الساعة لكي يتوبوا قبل أن يأتي عليهم وقت غلق باب التوبة. وفيه إثبات أشراط الساعة وعلاماتها.

المصدر : صحيح مسلم. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

402. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: بعثت أنا والساعة هكذا، ويشير بإصبعيه فيمد بهما

عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «بُعِثْتُ أنا والساعةَ هكذا»، ويُشير بإصبعيه فيَمُدُّ بهما.

الرقاق.

راوي الحديث: سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قرب مجيء يوم القيامة، فإن بعثته -صلى الله عليه وسلم- ويوم القيامة متقاربان كتقارب ما بين إصبعيه -صلى الله عليه وسلم-، ومد -صلى الله عليه وسلم- إصبعيه ليميزهما عن سائر الأصابع. وقد ورد في بعض الأحاديث الأخرى أن الإصبعين هما: السبابة والوسطى، السبابة: هي التي بين الوسطى والإبهام، وأنت إذا قرنت بينهما وجدتهما متجاورين، ووجدت أنه ليس بينهما إلا فرق يسير، ليس بين الوسطى والسبابة إلا فرق يسير مقدار الظفر أو نصف الظفر، وتسمى السبابة؛ لأن الإنسان إذا أراد أن يسب أحد أشار إليه بها، وتسمى السباحة أيضاً؛ لأن الإنسان عند الإشارة إلى تعظيم الله -عز وجل- يرفعها، ويشير بها إلى السماء، والمعنى أن أجل الدنيا قريب وأنه ليس ببعيد.

معاني المفردات: بُعِثْتُ أنا والساعةَ هكذا : مثل الزمن الذي بين بعثته وقيام الساعة، بما بين الأصبع الوسطى والسبابة من الفرق في الطول، والمراد أنه زمن يسير وقليل.

فوائد الحديث: الحديث يدل على تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها. ضرب الأمثلة الحسية لإيصال المعنى المراد.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

403. والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل، ولا يدري المقتول على أي شيء قتل

عن أبي هريرة، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يدري القاتلُ في أيِّ شيء قَتَل، ولا يدري المقتولُ على أيِّ شيء قُتِل».

الفتن.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يحلف النبي -صلى الله عليه وسلم- بالله الذي يملك نفسه -صلى الله عليه وسلم- أنه سيأتي على الناس زمانٌ لا يدري القاتلُ لماذا قَتَل، ولا يدري المقتولُ لماذا قُتِل، وذلك لكثرة القتل.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: في هذا الحديث من الفقه أن هذا القاتل والمقتول يكونان في زمان ليس فيه إمام يُعرف به الحق من الباطل. من علامات الساعة كثرة القتل. الحديث علامة من علامات النبوة؛ إذ أخبر عن شيء فوقع كما أخبر. إثبات صفة اليد لله -تعالى- على ما يليق به -سبحانه-.

المصدر : صحيح مسلم. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

404. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ركعتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر

عن حفصة -رضي الله عنها- «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُصلي ركعتين خَفيفتين بعد ما يَطلع الفجر»، وفي رواية: قبل أن تُقام الصلاة.

راوي الحديث: حفصة بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تخبر حفصة -رضي الله عنها- في هذا الحديث عن حاله -صلى الله عليه وسلم- وأنه كان يُصلي ركعتين، وهي راتبة الفجر، ولا يَزيد عليهما؛ لما رواه مسلم من حديث حفصة -رضي الله عنها- أنها قالت: (إذا طلع الفجر، لا يصلي إلا ركعتين خَفيفتين). وقولها في هذا الحديث "خَفيفتين" تعني: يخفف في القيام والرُّكوع والسُّجود، ومن شِدَّةِ تخفيفه -صلى الله عليه وسلم- تقول عائشة -رضي الله عنها- كما في البخاري: "هل قرأ بأم الكتاب؟" وفي رواية في الموطأ: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُخفف ركعتي الفجر، حتى إني لأقول: أقرأ بأم القرآن أم لا؟" وليس معنى هذا أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يُسرع فيهما بحيث يخل بأركانها، من القيام والرُّكوع والسُّجود، والمعنى الصحيح: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يخففهما مقارنة ببقية التطوعات، التي عُهد عنه الإطالة فيها. "بعد ما يَطلع الفجر" تعني: إذا طلع الفجر بَادر بهاتين الركعتين"قبل أن تُقام الصلاة" وهذا يعني أن وقت ركعتي الفَجر من وقت طلوع الفجر إلى صلاة الصُّبح.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: سنية راتبة الفجر. أن وقت راتبة الفجر بعد طلوع الفجر وقبل الصلاة المفروضة. استحباب التَّخفيف في راتبة الفَجر، لكن بحيث لا يُخل بأركانها. أن الرَّاتبة تصلى في البيت، وذلك هو الأفضل والأحسن.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

405. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدع أربعًا قبل الظهر وركعتين قبل الغداة

عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يَدع أربعا قَبل الظهر وركعتين قبل الغَدَاة.

المداومة على العمل الصالح.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُداوم ويحافظ على صلاة أربع ركعات قبل صلاة الظهر، وهذا لا ينافي حديث ابن عمر -رضي الله عنه- وفيه: "ركعتين قبل الظهر"، ووجه الجمع بينهما أنه تارةً يصلي ركعتين، وتارةً أربعًا، فأخبر كل منهما عن أحد الأمرين، وهذا موجود في كثير من نوافل العبادات. ويصلي أربعًا قبل الظهر بتسليمتين، وإن صلاها أربعًا بتسليمة واحدة جاز. كما كان يُداوم ويحافظ على صلاة ركعتين قبل صلاة الفجر، وهي الغداة.

معاني المفردات: لا يدع : لا يترك، وأصل الودع الترك.

فوائد الحديث: المحافظة على أربع ركعات قبل صلاة الظهر، وركعتين بعد طلوع الفجر. أن الرَّواتب تصلى في البيت، ولولا ذلك ما أخبرت به عائشة -رضي الله عنها-.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

406. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر: ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ و﴿قل هو الله أحد﴾

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر: ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ و﴿قل هو الله أحد﴾.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يبين الحديث هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في القراءة في راتبة الفجر، وهي قراءة سورة الكافرون في الركعة الأولى، وسورة الإخلاص في الركعة الثانية . ففي قوله -رضي الله عنه-: (قرأ في ركعتي الفجر) أي في سنة الفجر وهي المشهورة بهذا الاسم. قوله: "{قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد}" أي كل سورة بعد الفاتحة؛ إلا أن الراوي ترك ذكرها -أي الفاتحة- لظهورها، وهذا شائع كثير في الأحاديث المرفوعة القولية والفعلية ذكر فيها السور دون الفاتحة؛ لظهورها وشهرتها، وهذا يدل على تأكد وجوب الفاتحة.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: استحباب قراءة هاتين السورتين بعد الفاتحة (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) في الركعة الأولى، و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في الركعة الثانية. كان عليه الصلاة والسلام يصلي سنة الفجر بسورتي "الإخلاص"، و"الكافرون" لأنهما جامعتان لأصول التوحيد، وفيهما براءة من الشرك. لما كان لهاتين السورتين العظيمتين من الأهمية، وما جمعتاه من العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة -كان -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بهما في ركعتي الفجر، وفي الوتر، اللَّتين هما فاتحة العمل وخاتمته؛ ليكون مبتدأ النهار توحيدًا، وخاتمة الليل توحيدًا.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

407. صلاة الليل والنهار مثنى مثنى

عن ابن عمر-رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «صلاة الليل والنَّهار مثْنَى مثْنَى».

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: هذا الحديث: أصله في الصحيحين: بلفظ:(صلاة الليل مثْنَى مثْنَى) زاد بعض الرواة: (والنَّهار) وهي زيادة ضعيفة، والمعنى: أن من أراد أن يتطوع في الليل أو النَّهار، فليُسَلِّم من كل ركعتين؛ كما جاء مُصرحا به في صحيح مسلم عن ابن عمر-رضي الله عنهما- لما سئل: "ما مثْنَى مثْنَى؟" قال: "أن تُسلِّم في كل ركعتين". وهذا قول أكثر العلماء في صلاة الليل أي: لا يجوز التطوع بأكثر من ركعتين في صلاة الليل، إلا ما كان من صلاة الوتر، فله الزيادة لثبوت السُّنة بذلك. أما صلاة النَّهار فلا بأس بالزيادة على ركعتين والأفضل مثْنَى مثْنَى.

معاني المفردات: صلاة الليل : أي عددها. مثنى مثنى : يسلم من كل ركعتين.

فوائد الحديث: أن صلاة الليل والنَّهار مثْنَى مثْنَى، والصحيح الليل فقط.

المصدر : سنن أبي داود. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.

408. أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة، بعد الفريضة، صلاة الليل

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أفضل الصِّيام، بعد رمضان، شَهر الله المُحَّرم، وأفضل الصلاة، بعد الفَريضة، صلاة الليل».

صوم التطوع.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أن صوم شهر مُحرم، وهو أول شهور السنة الهجرية أفضل الصيام بعد صوم رمضان؛ لأنه أول السَّنة المستأنفة فافتتاحها بالصوم الذي هو ضياء أفضل الأعمال؛ فينبغي للمسلم أن يحرص عليه ولا يَدعه إلا لعُذر. وقوله: "شَهر الله" هذا مما يدل على تعظيمه ومَزيته على غيره من الشَّهور. وأن صلاة الليل أفضل التَّطوعات بعد الفريضة؛ لأن الخشوع فيه أوفر لاجتماع القلب والخلو بالرَّب قال تعالى:{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}، [ سورة المزمل : 6 ]، ولأن الليل وقت السُّكون والرَّاحة فإذا صُرف إلى العِبادة كانت على النَّفْس أشد وأشق وللبدن أتَعب وأنْصَب فكانت أدخل في معنى التكليف وأفضل عند الله.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: التَّرغيب في صيام التطوع. التَّرغيب في صلاة التطوع. التَّرغيب في قيام الليل. أن صلاة الليل أفضل من غيرها من التَّطوعات في النَّهار؛ لظاهر النَّص. أن أفضل الصيام المستحب ما كان في محرم كصيام عاشوراء وغيره.

المصدر : صحيح مسلم. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

409. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر، وركعتا الفجر

عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوِتر، وركعتا الفجر».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: تخبر عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يداوم على صلاة ثلاث عشرة ركعة في الليل ومنها الوتر سواء أكان ذلك في رمضان أو غيره، وكذلك كان يداوم على ركعتي الفجر، والمراد بالمداومة الإكثار، لما ورد من أنه -صلّى الله عليه وسلّم- إذا دخل العشر الأواخر من رمضان يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره، فهو محمول على التطويل في الركعات دون الزيادة في العدد، وقد كان -صلّى الله عليه وسلّم- يصلي ثلاث عشرة، ويصلي إحدى عشرة، وجاء أنه يصلي أقل من ذلك.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: الأفضل العمل بجميع الروايات الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قيام الليل، وما ورد في هذا الحديث أحد هذه الصفات. أن هذا الحديث يبين إحدى كيفيات صلاة الليل التي فعلها -عليه السلام-، فقد صلى عشر ركعات مثنى مثنى وصلى ثلاث ركعات وتراً.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

410. أوتروا قبل أن تصبحوا

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَوْتِرُوا قبل أن تُصبحِوُا».

راوي الحديث: أبو سعيد الْخُدْرِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: الوتر من صلاة الليل، وهو الذي يختم به قيام الليل؛ كما تختم صلاة النهار بصلاة المغرب؛ لتوترها، فيبين الحديث الشريف أن وقت الوتر يكون قبل أن يصبح الإنسان أي قبل طلوع الفجر الثاني.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: الوتر يختم به صلاة الليل؛ كما تختم صلاة النهار بصلاة المغرب؛ لتوترها. أنَّ آخر وقت الوتر هو طلوع الفجر الثاني، فإذا طلع الفجر، فقد فات وقت الوتر، فمن أوتر بعد طلوع الصبح فلا وتر له. للوتر وقتان: اختياري واضطراري، فالاختياري ينتهي بطلوع الفجر الثاني، والاضطراري لا ينتهي إلاَّ بصلاة الصبح. ظاهر الحديث: أنَّ الوتر الذي فات وقته إذا كان تركه من عمد، فإنَّ تاركه فوَّت أجره.

المصدر : صحيح مسلم. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

411. من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل, فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل

عن جابر-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من خاف أن لا يقوم من آخِرِ الليل فليوتر أوله، ومن طَمِعَ أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل, فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل».

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يبين الحديث جواز صلاة الوتر في أول الليل، ويكون الجواز أولى في حق من خشي ألا يقوم آخر الليل، كما بين أفضلية صلاته في آخر الليل وذلك لكونها مشهودة من الملائكة.

معاني المفردات: طمع : أمل ورجا. مشهودة : أي تحضرها الملائكة, ولأنَّ الله -تعالى- ينزل آخر الليل، فينادي خلقه ويجيب سؤالهم.

فوائد الحديث: أنَّ الوتر يجوز في أول الليل وفي آخره، فوقته من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني، ومن كل الليل أوتر النبي -صلى الله عليه وسلم-. أنَّ تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن قوي على القيام، وطمع في أن يستيقظ قبل الفجر. أنَّ من يخشى ألا يقوم آخر الليل؛ يشرع له الوتر قبل أن ينام, ويكون في حقه أفضل.

المصدر : صحيح مسلم. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

412. من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من سمِع النِّدَاء فلم يَأتِه؛ فلا صلاة له إلا من عُذْر».

راوي الحديث: أبو الفضل العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يدعو هذا الحديث إلى العناية بصلاة الجماعة والاهتمام بها غاية الاهتمام، فقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من كان بمكان بحيث يسمع الأذان لصلاة الجماعة، فإنَّه يجب عليه الحضور، فإن لم يحضر فصلاته صلاة ناقصة، قليلة الثواب، إلاَّ أنَّها مجزئة للذمة، مع الإثم الذي حمله المتخلف عن الجماعة بلا عذر، وأما من كان تخلفه بعُذر شرعي، كمرض أو مطر أو خوف على نفس أو مال أو ولد وما أشبه ذلك، فلا شيء عليه.

معاني المفردات: النِّدَاء : الأذان. العذر : العذر: الحجة التي يعتذر بها، وما يرفع اللوم عما حقه أن يلام عليه، فيقال: معذور؛ أي: غير ملوم فيما صنع. فلا صلاة : فلا صلاة: أي لا صلاة كاملة، فصلاة المنفرد بلا عذر صلاة ناقصة، قليلة الثواب، إلاَّ أنَّها مجزئة للذمة.

فوائد الحديث: أن صلاة الجماعة واجبة وجوبًا عينيًّا. أن وجوب صلاة الجماعة في حق من سمع النِّداء، أما من لا يسمعه لبُعد مسافة فلا تجب عليه. وجوب صلاة الجماعة في المسجد؛ لقوله: (من سمِع النِّدَاء فلم يَأتِه) فدل على أن الواجب الحضور للمسجد؛ ملبيا داعي الله. أن صلاة الجماعة تسقط بالأعذار، كالخوف والمرض والمطر.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه ابن ماجه.

413. خير صفوف الرجال أولها, وشرها آخرها, وخير صفوف النساء آخرها, وشرها أولها

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُ صفوف الرِّجال أوَّلُها, وشرُّها آخرُها, وخَيْرُ صفوف النِّساء آخِرُها, وشَرُّها أولها».

صلاة المرأة.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أفضل صفوف الرِّجال وأكثرها أجرا الصف الأول؛ لقربهم من الإمام وبُعدهم عن النساء، وأقلها أجرا وفضلا الصف المؤخر؛ لبُعد المصلِّي عن سماع القراءة، وبُعده من حرَم الإمام، والدلالة على قِلَّة رغْبَة المتأخر في الخير والأجر، وأفضل صفوف النساء، وأكثرها أجرا: الصَّف المُؤَخر؛ وذلك؛ لأنه أستر للمرأة؛ لبُعدها عن صفوف الرِّجال، وأقلها أجرا وفضلا الصفوف الأولى؛ لقُربها من الفتنة، أو التعرض لها. وهذا إذا صلت النساء مع الرجال في مكان واحد وتحت سقف واحد، أما إذا صَلين وحدهن أو منفصلات عن الرجال فحكم صفوفهن حكم صفوف الرجال، ويكون خير صفوف النَّساء أولها، وشرها آخرها. وبناء على هذا: فمصليات النساء التي قد سترت بساتر بحيث لا يرين الرجال ولا يرونهن، فتكون صفوفهن الأولى أفضل من الصفوف المؤخرة لانتقاء المحظور.

معاني المفردات: لا يوجد : -

فوائد الحديث: فضيلة الصَّف الأول، وأنَّه أفضل الأمْكِنة، وأنَّ شَرَّ الصفوف المؤخرة؛ لبُعد المصلي عن سماع القراءة، وبُعده من حرَم الإمام، والدلالة على قِلَّة رغبة المتأخر في الخير والأجر . الحث والترغيب في الصَّف الأول بالنِّسبة للرجال، والأول : هو الذي له الأولوية المطلقة، وهو ما يلي الإمام، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (لو يعلم الناس ما في الصِّف الأول، لاسْتَهموا عليه). أن أفضل صفوف النِّساء وأكثرها أجرا الصف المؤخر، وهذا إذا صلين مع الرجال تحت سقف واحد؛ لأن المطلوب منهن السِّتر، والبُعد عن نظر الرجال، وأما إذا صَلَّين لوحْدِهن أو في مكان لا يرين الرجال فحكم صفوفهن حكم صفوف الرجال، فأفضلها أولها. جواز صلاة النساء في المسجد مع الرِّجال في صفوف مستقلة، لكن مع التَّستُّر والحِشْمَة. أن النَّساء إذا اجتمعن في المسجد، فإنهن يَكُنَّ صفوفا، كصفوف الرِّجال، ولا يتفرقن ولو كانت مقتدية بالإمام، بل عليهن التَّراص في الصّف وسدّ الخلل، كما في صفوف الرجال. ثبوت التفاضل بين الأعمال، أي أن الأعمال تتفاضل فيكون بعضها أفضل من بعض. أن الناس يتفاضلون بحسب أعمالهم، وهذا فيه رد على طائفتين مبتدعتين، وهما: الخوارج، والمعتزلة؛ لأن هؤلاء يقولون: أن الإيمان لا يتفاضل، إما أن يوجد كله أو يُعدم كله، وهذا لا شك أن فيه ضلالًا وخطأ. أن الشارع يَتَشوَّف إلى صَرف النِّساء عن الرِّجال حتى في مواطن العبادة. أن النساء في أول الإسلام لم يكن بين صفوفهن وصفوف الرجال سَاتر، ولعل ذلك لضيق الحال أو لغير ذلك مما يتعذر معه جعل السَّاتر.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

414. إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال، فليصنع كما يصنع الإمام

عن علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- مرفوعًا: «إذا أتى أحدُكم الصلاةَ والإمامُ على حال، فلْيصنعْ كما يصنع الإمامُ».

راوي الحديث: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-معاذ بن جبل -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال من قيام أو ركوع أو سجود أو قعود فليوافق الإمام فيما هو فيه من القيام أو الركوع أو غير ذلك، ولا ينتظر حتى يقوم الإمام كما يفعله بعض العوام.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: مشروعية دخول اللاحق مع الإمام في أي جزء من أجزاء الصلاة أدركه، من غير فرق بين الركوع والسجود والقعود. أن إدراك الركعة التي لحق الإمام فيها يكون بإدراك ركوعها، كما دلت عليه النصوص الأخرى.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي.

415. لا نكاح إلا بولي

عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا نِكاح إلا بِوَلِيّ».

راوي الحديث: أبو مُوسَى عبد اللَّه بن قيس الأشعري -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: دل الحديث على اعتبار الولي في عقد النكاح وأنه شرط لصحته، فلا يصح النكاح إلاَّ بولي، يتولى عقد النكاح، ويشترط في الولي: التكليف، والذكورية، والرشد في معرفة مصالح النكاح، واتفاق الدين بين الولي والمولى عليها، فمن لم يتَّصف بهذه الصفات فليس أهلاً للولاية في عقد النكاح، فإن تعسر فوليها السلطان.

معاني المفردات: لا نكاح : لا نكاح صحيح ومعتبر شرعًا. الوَلِيُّ : هو أقرب الرجال إلى المرأة من عصبتها الذين يرثونها، كالأب والأخ.

فوائد الحديث: وجود الولي شرط في صحة النكاح. الولي هو أقرب الرجال إلى المرأة، فلا يزوجها ولي بعيد مع وجود أقرب منه. فساد النكاح بدون ولي، ويعتبر نكاحًا غير شرعيّ ويجب فسخه عند الحاكم أو بطلاق شرعي. إذا لم يوجد للمرأة وليٌّ من أقاربها أو مواليها، فوليها الإِمام أو نائبه، فإنَّ السلطان ولي من لا ولي له. لا بد أن يكون الولي ذا رشد؛ لأنه لا يمكن أن تتحقق المصلحة للمرأة إلا إذا كان الولي رشيدًا.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد.

416. أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها، فنكاحها باطل

عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعًا: «أيُّما امرأةِ نَكَحَت بغير إذن مَواليها، فنِكاحها باطل»، ثلاث مرات «فإن دخلَ بها فالمهرُ لها بما أصاب منها، فإن تَشاجروا فالسلطان وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ له».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث بين النبي -صلى الله عليه وسلم- اشتراط إذن الولي في صحة النكاح, وأن المرأة إذا تزوجت بغير إذن وليها, بحيث باشرت عقد النكاح بنفسها, فنكاحها غير صحيح, فإن حصل وطء في هذا الزواج فُرِّق بين الرجل والمرأة, واستحقت المرأة المهر بذلك الوطء, ثم بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الأولياء إذا تنازعوا في تزويج المرأة, أو اختلفت هي مع أوليائها انتقل أمرها إلى السلطان, وأن السلطان يعتبر ولي من لا ولي له.

معاني المفردات: أيُّما : من ألفاظ العموم، فهي تفيد طلب الولاية عن المرأة مطلقًا من غير تخصيص. نكحت : بفتح النون، أي تولت عقد زواجها بنفسها. مواليها : جمع مولى, والمراد به الولي, وهو أقرب الرجال إلى المرأة من عصبتها. فنكاحها : المراد به العقد لا الوطء؛ لأن الكلام في صحة النكاح وبطلانه. باطل : غير صحيح. فإن دخل بها : أي الذي نكحته بغير إذن وليها, والمراد بالدخول الوطء. تشاجروا : تنازعوا, والمراد به هنا منع الأولياء للعقد عليها. السُلْطانُ : هو الملك أو الوالي, ويقوم مقامه القاضي؛ لأنه النائب عنه في هذه المسائل.

فوائد الحديث: اشتراط الولي لصحة النكاح. بطلان النكاح بدون ولي، ويعتبر نكاحًا غير شرعيّ. أن المهر تستحقه المرأة بالدخول في النكاح الباطل. إذا اختل ركن من أركان النكاح فهو باطل مع العِلم والجهل. أن السلطان ولي من لا ولي لها من النساء, سواء كان ذلك بسبب عدم وجوده أصلًا, أو بسبب امتناعه عن تزويجها. أن الأولياء إذا اختلفوا في تزويج المرأة انتقل أمرها إلى السلطان. الإشارة إلى أن الأمة لا يمكن أن تبقى بدون سلطان, وأن نصب الإمام فرض كفاية على الأمة منعا للتشاجر والاختلاف.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد.

417. لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تُزوِّجُ المرأةُ المرأةَ، ولا تُزوج المرأةُ نفسَها، فإنَّ الزَّانية هي التي تُزوجُ نفسَها».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: دل الحديث على أن المرأة لا يثبت لها ولاية في النكاح لا لنفسها، ولا لغيرها, وأن النكاح الذي زوّجت فيه المرأةُ نفسها هو نكاح باطل، وأما قوله: (فإن الزانية هي التي تزوج نفسها) فهو من كلام أبي هريرة -رضي الله عنه-, ويريد من ذلك أن مباشرة المرأة للعقد من شأن الزانية فلا ينبغي أن يقع النكاح إلا بولي.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: دل الحديث على أنه لا نكاح إلا بولي. المرأة لا يثبت لها ولاية في النكاح. عدم أهلية المرأة لإنكاحها نفسها. فساد النكاح بدون ولي، ويعتبر نكاحًا غير شرعيّ. مراعاة الأهلية في الولاية, فلا يتولى الأمور إلا من كان أهلًا لها. الإشارة إلى قصور المرأة وأنها إذا كانت لا يصلح أن تكون ولية على نفسها في التزويج فإنه لا يصح أن تكون ولية على غيرها في الحكم.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح، دون الجملة الأخيرة (فإن الزانية...).

التخريج: رواه ابن ماجه.

418. لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في دبر

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ينظر الله إلى رجل أَتَى رجلًا أو امرأةً في دُبُرٍ».

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: الحديث يدل على حرمة من أتى رجلًا بحيث فعل اللواط وهو إتيانه من دبره، وكذلك من يأتي امرأة في دبرها سواء كانت زوجته أو غيرها، فعقوبتهما أن الله لا ينظر إليهما نظر شفقة ورحمة ورأفة، وذلك لوقوعهما في كبيرة من كبائر الذنوب، ولما في فعلهما هذا من المفاسد العظيمة.

معاني المفردات: لا ينظر الله : أي نَظَرَ رَحْمَةٍ ورأفة، وليس المراد النظر العام؛ لأن الله -تعالى- لا يخفى عليه شيءٌ. أتى رجلًا : أَي: لَاطَ بِهِ. امرأة في دبر : جامع امرأته في دبرها، وكذلك لو فعل ذلك بامرأة أجنبية لعد ذلك من الزنا.

فوائد الحديث: إثبات النظر لله -تعالى-؛ لأن نفيه عن هؤلاء يدل على ثبوته لغيرهم. أن إتيان الرجلُ الرجلَ -وهو اللواط- من كبائر الذنوب. أنّ من أتى امرأة في دبرها فإن الله -تعالى- لا ينظر إليه. للمرأة حق على الزوج في الوطء، والوطء في دبرها يفوتها حقها، ولا يقضي وطرها، ولا يحصِّل مقصودها. الوطء بالدبر مضرٌّ بالرجل، ولهذا ينهى عنه الأطباء.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي والنسائي في السنن الكبرى.

419. إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عليها لَعَنَتْهَا الملائكة حتى تصبح».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث دلالة أنَّ على المرأة إذا دعاها الرجل إلى حاجته في الجماع أن تجيبه، وإلا عرضت نفسها للعن الملائكة، لكن هذا مقيدٌ بما إذا غضب الزوج كما ورد في رواية البخاري، أما إذا رضي بذلك فلا بأس، وكذلك إذا كان هناك عذر شرعي كما لو كانت مريضة لا تستطيع معاشرته أو كان عليها عذر يمنعها من الحضور إلى فراشه فهذا لا بأس به، وإلا فإنه يجب عليها أن تحضر وأن تجيبه وإذا كان هذا في حق الزوج على الزوجة فكذلك ينبغي للزوج إذا رأى من أهله أنهم يريدون التمتع فإنه ينبغي أن يجيبهم ليعاشرها كما تعاشره فإن الله -تعالى- قال: (وعاشروهن بالمعروف).

معاني المفردات: دعا الرجل امرأته : أي طلبها. إلى فراشه : بكسر الفاء، وهو هنا كناية عن الجماع. لعنتها الملائكة : دعت عليها الملائكة باللعنة. حتى تصبح : حتى يطلع الصباح، لكن هذا القيد أغلبي، لأن أكثر طلب الجماع يكون في الليل، فإذا طلب الرجل جماع زوجته نهارا وامتنعت يلحقها الوعيد أيضًا.

فوائد الحديث: عِظم حق الزوج على زوجته، وأنه يجب له عليها السمع والطاعة في المعروف. أنَّه يحرم على المرأة أن تمتنع أو تماطل أو تتكرَّه على زوجها إذا دعاها إلى فراشه من أجل الجماع، وأنَّ امتناعها هذا يُعتبر كبيرةً من كبائر الذنوب؛ فإنَّه يترتب عليه أنَّ الملائكة تلعنها حتى تصبح. أنَّ العشرة الحسنة والصُحبة الطيبة هي أنْ تسعى المرأة في قضاء حقوق زوجها الواجبة عليها، وتلبية رغباته، وأن تؤديها على أكمل وجه ممكن. جواز لعن العصاة ولو كانوا مسلمين، لكنه مقيد بكونه لعنًا عامًّا ولا يجوز توجيهه للمعين. في الحديث دليل على قبول دعاء الملائكة للآدميين من خير أو شر.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

420. لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: «لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- الوَاصِلَةَ والمُسْتَوْصِلَةَ، والوَاشِمَةَ والمُسْتَوشِمَةَ».

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: الحديث دلَّ على تحريم وصل المرأة شعرها بشعرٍ آخر، وكذلك تحريم الوشم، طلبا للزينة والجمال، لأنَّ هذه الأعمال من كبائر الذنوب؛ لما فيها من الغش والتشبه باليهود، وكذلك الوشم لما فيه من تغيير خلق الله -تعالى-؛ لأنهم أول من فعل الوصل، وعليه فالفاعل لهذه الأمور والمفعول به يشملهما اللعن.

معاني المفردات: لعن : طرده وأبعده عن الخير والرحمة. الوَاصِلَة : هي المرأة التي تصل شعرها أو شعر غيرها، بشعرٍ غيره. المستوصلة : هي المرأة التي تطلب أن يوصل شعرها بشعر غيره. الواشمة : الوشم يكون من غرز الإبرة في البدن، وذر شيء عليه، حتى يزرق أثره، أو يخضر، والواشمة هي المرأة التي تعمل هذا العمل. المستوشمة : هي المرأة التي تطلب أن يُعمل في بدنها الوشم.

فوائد الحديث: تحريم وصل الشعر بشعر آخر، وأن هذا من كبائر الذنوب؛ لأن الشارع لعن الواصلة، والمستوصلة، واللعن هو الطرد عن رحمة الله، ولا يكون إلا في حق صاحب كبيرة. تحريم فعل ذلك أو أن يُفعل ذلك بشخص آخر. تحريم تغيير خلق الله لأنه تزوير وتدليس. جواز لعن من لعنه الله ورسوله على سبيل العموم. يدخل في الوصل المحرم في زمننا هذا لبس الباروكة، وهي محرمة لما فيها من التشبه بالكفار والغش والتدليس.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

421. لا آكل وأنا متكئ

عن أبي جُحَيْفَة -رضي الله عنه- قال: كنتُ عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده: «لا آكُلُ وأنا مُتَّكِئ».

راوي الحديث: أبو جُحيفة وَهْبُ بن عبد الله السُّوائي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي -رضي الله عنه- في هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن من هديه أن يأكل متكئًا, بأن يعتمد على أحد جنبيه بمتكإ من وسادة أو غيرها، أو بأن يضع إحدى يديه على الأرض ويعتمد عليها, بل كان -عليه الصلاة والسلام- يتوقى هذه الجلسة, لأن هذه الهيئة تستدعي كثرة الأكل الذي يوجب الثقل وعدم النشاط, ولما يترتب عليها من المضار الجسمية؛ لأنه إذا أكل متكئًا يكون مجرى الطعام متمايلًا ليس مستقيمًا, فلا يكون على طبيعته فربما حصل ضرر من ذلك, كما أن الاتكاء أثناء الأكل من الهيئات التي تدل على الكبر وتنافي التواضع.

معاني المفردات: متَّكِئ : الاتِّكَاءً: الميل في القعود معتمدًا على أحد الشقين, أو بأن يعتمد على يده اليسرى من الأرض.

فوائد الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن من هديه الأكل وهو متكئ. أن هذه الهيئة تكره عند الأكل لما فيها من استدعاء كثرة الأكل الذي يوجب الثقل وعدم النشاط, ولما يترتب عليها من المضار الجسمية. أنها من الهيئات التي تدل على الكبر.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

422. إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أَكَلَ أحدُكم فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِه، وإذا شَرِب فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِه فإنَّ الشيطان يأكلُ بِشِمَالِه، ويَشْرَب بِشِمَالِه».

الوليمة.

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: هذا الحديث فيه الأمر بالأكل باليمين، والشرب باليمين؛ والنهي عن الأكل والشرب بالشمال, وفيه بيان سبب الحكم, وهو أن الشيطان يأكل ويشرب بشماله, وهذا يدل على أنَّ الأمر هنا للوجوب، وأن الأكل والشرب بالشمال محرم, لأنه علل ذلك بأنه فعل الشيطان وخُلُقُهُ, والمسلم مأمور بتجنب طريق أهل الفسوق, فضلًا عن الشيطان, ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم.

معاني المفردات:

فوائد الحديث: وجوب الأكل والشرب باليمين, وأن الأمر في الحديث للوجوب. تحريم الأكل والشرب بالشمال. فيه إشارة إلى أنه ينبغي اجتناب الأفعال التي تشبه أفعال الشيطان. أن للشيطان يدين وأنه يأكل ويشرب. إكرام اليمين؛ لأننا أمرنا أن نأكل بها, ومعلوم أن الأكل غذاء للبدن, والأفعال الكريمة تكون باليد اليمنى. النهي عن التشبه بالكفار؛ لأننا نهينا عن التشبه بالشيطان, والشيطان رأس الكفر. نصح النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة حين أرشدهم إلى هذا الأمر الذي يخفى عليهم.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

423. نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتنفس في الإناء، أو ينفخ فيه

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يُتَنَفَّسَ في الإناء، أو يُنْفَخَ فيه».

باب الوليمة في النكاح.

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: هذا الحديث فيه بيان أدب من آداب الأكل والشرب, وهو النهي عن التنفس والنفخ في الإناء الذي يؤكل أو يشرب منه, فأما النهي عن التنفس في الإناء فلما في ذلك من المضار: كتقذير الإناء؛ والشراب على الشارب، بعد المتنفس، كما أنَّه يتنفس ويشرب في آنٍ واحد، فربَّما سبَّب له الاختناق، فالشرب -كما جاء في السنة- من ثلاثة أنفاس خارج الإناء أمرأُ، وألذُّ، وأهنأُ, وفي هذا الحديث أيضا النهي عن النفخ في الطعام والشراب لأي سبب كسخونة, أو لإزالة شيء؛ وذلك حمايةً للطعام والشراب؛ لئلا يتقذر به من البزاق, أو أثر رائحة كريهة تعلق بالماء.

معاني المفردات: يتنفس : التنفس إدخال النفس إلى الرئتين، وإخراجه منهما. ينفخ : النفخ: إخراج الريح من الفم.

فوائد الحديث: النَّهي عن التنفس في الإناء؛ لما في ذلك من المضار والمفاسد, والسنة التنفس خارج الإناء. النهي عن النفخ في الطعام والشراب؛ لئلا يتقذر به من البزاق أو أثر رائحة كريهة تعلق بالماء. أن السنة لمن أراد أن يتنفس أثناء شربه أن يفصل الإناء عن فمه, بحيث يتنفس خارجه. أن الشريعة شاملة كاملة, ضبطت جميع التصرفات والأفعال بالأحكام والآداب المناسبة.

المصدر : سنن أبي داود. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي.

424. من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل

عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ كانت له امرأتان فَمَالَ إلى إحْداهُما جاء يومَ القيامةِ وشِقُّهُ مَاِئلٌ».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يبين هذا الحديث أنَّ القَسْمَ واجب على الرجل بين زوجتيه أو زوجاته، وأن الميل إلى إحداهنَّ عن الأخرى محرم، كما وضَّح جزاء من حاد مع إحدى زوجاته في القسمة, وجار في حق غيرها, وأن الله يعاقبه بأن يفضحه يوم القيامة, فيأتي للحشر وجنبه مائل جزاء وفاقا, والجزاء من جنس العمل. والعدل بين الزوجات واجب فيما يقدر عليه الرجل من النفقة، والمبيت، وحسن المقابلة، ونحو ذلك, أما ما لا يقدر عليه مما يتعلَّق بالقلب من المحبة، والميل القلبي، فليس بواجب لأن هذه الأمور ليست في طوق الإنسان.

معاني المفردات: من كانت له امرأتان : زوجتان أو أكثر. فمال إلى إحداهما : فلم يعدل بينهما. شِقُّهُ : جانبه ونصفه. مائل : من الميل ضد الاعتدال والاستقامة, بأن يصاب بالفالج, وهو مرض يحدث في أحد شقي البدن يبطل حركته وإحساسه.

فوائد الحديث: أنَّ القَسْمَ واجب على الرجل بين زوجتيه أو زوجاته، ويحرم عليه الميل إلى إحداهنَّ عن الأخرى، فيما يقدر عليه من النفقة، والمبيت، وحسن المقابلة، ونحو ذلك. أنَّ الجزاء يكون من جنس العمل فإنَّ الرجل لما مال في الدنيا من زوجةٍ إلى أخرى، جاء يوم القيامة مائلاً أحد شِقيه عن الآخر؛ فكما تدين تدان. إثبات البعث وعذاب الآخرة. تعظيم حقوق العباد، وأنه لا يسامح فيها؛ لانَّها مبنيةٌ على الشح والتقصي. استحباب الاقتصار على زوجةٍ واحدةٍ، إذا خاف الرجل أن لا يعدل بين زوجاته؛ لئلا يقع في التقصير في الدين؛ قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3].

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحمد.

425. إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله تَجَاوَزَ عن أمتي ما حَدَّثَتْ به أَنْفُسَهَا، ما لم تَعْمَلْ أو تتكلم» قال قتادة: «إذا طَلَّقَ في نفسه فليس بشيء».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث بيان أن العبد لا يؤاخذ بحديث النفس والهواجس التي تمر في خاطره، قبل التكلم به والعمل به، وهو أيضًا حجة في أن الطلاق لا يقع بحديث النفس؛ لأنه ليس كلامًا، وهذه الأحكام مرتبة على اللفظ وليس على عمل القلب.

معاني المفردات: تجاوز : عفا وصفح وسامح. أمتي : أمة الإجابة. حدَّثت به أنفسها : ما يخطر بالقلب من الوسوسة. ما لم تعمل : أي : بذلك الخاطر إذا طلق في نفسه فليس بشيء. : أي إذا طلق سراً في نفسه فليس بطلاق واقع.

فوائد الحديث: أن الله -تبارك وتعالى- تجاوز وعفا عن الأفكار والهواجس التي تطرأ على النفس، فيحدّث الإنسان بها نفسه، وتمر على خاطره. أنَّ الطلاق إذا فكَّر فيه الإنسان، وعرض في خاطره، ولكنه لم يتكلم به ولم يكتبه، فإن حديث نفسه به وتفكيره فيه لا يعتبر طلاقًا. مفهوم الحديث أن الإنسان إذا تكلم بالحكم الشرعي، كأن يلفظ بالطلاق، أو يفعل بأن يكتبه؛ أنه يقع عليه، ولا يعذر حينئذٍ.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

426. رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل

عن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رُفِعَ الْقَلَمُ عن ثلاثة: عن النائم حتى يَسْتَيْقِظَ، وعن الصبي حتى يَحْتَلِمَ، وعن المجنون حتى يَعْقِلَ".

أصول الفقه: عوارض الأهلية - موانع التكليف.

راوي الحديث: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في الحديث دليل على أنَّ الصغر والنوم والجنون من أسباب فقد الأهلية، والأهلية صلاحية الشخص للحقوق المشروعة التي تثبت له أو عليه، وعلى هذا فهؤلاء الصغير والمجنون والنائم غير مكلفين بالأوامر والنواهي، وهذا من رحمة الله ولطفه بهم، ويزول عذر الصغير بالاحتلام أي البلوغ، والنائم بالاستيقاظ، والمجنون بالإفاقة والوعي.

معاني المفردات: رُفِعَ : بالبناء للمجهول، يُقال: رفع يرفع رفعًا، خلاف خفض، والقلم لم يوضع على الصغير، وإنَّما معناه: لا تكليف، فلا مؤاخذة. القلم : هو ما يكتب به، والمراد هنا: القلم الذي بيد الملائكة الكتبة، والله أعلم بكيفيته. عن ثلاثة : ثلاثة أنواع من الناس. النائم : المغطى على عقله. حتى يحتلم : حتى يبلغ. المجنون : فاقد العقل خِلقة أو لآفة. يفيق : يرجع إليه عقله.

فوائد الحديث: أنه لا عقاب على الصبي في فعل المحذور أو ترك واجب. أن الصبي لا يقع طلاقه؛ لأنه رُفع عنه القلم. أن النائم لو طلق زوجته أثناء نومه لم يقع طلاقه. أن المجنون لو طلق زوجته لم يقع الطلاق. أن السكران لو طلق امرأته لم يقع طلاقه. الأهلية: هي صلاحية الشخص للحقوق المشروعة التي تثبت له أو عليه؛ فلابد من اعتبارها في التصرفات. فقد الإنسان الأهلية يكون إما بسبب النوم الذي أفقده الاستيقاظ لأداء واجباته، أو بسبب حداثة السن والصغر الذي هو معها فاقد للأهلية، أو بسبب الجنون الذي اضطربت معه وظائفه العقلية، أو ما يلحق به كالسكر، فمن فقد التمييز والتصور الصحيحين، فانتفت عنه الأهلية بسبب من هذه الأسباب الثلاثة؛ فإن الله -تبارك وتعالى- بعدله، وحلمه، وكرمه، قد رفع عنه المؤاخذة بما يصدر عنه من تعدٍّ أو تقصير في حق الله -تعالى-. أن كل شخص يقع الطلاق منه بغير اختيار حقيقي فليس عليه طلاق.

المصدر : سنن أبي داود. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد.

427. ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب، إلا أن يكون ناكحًا أو ذا محرم

عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يَبِيتَنَّ رجل عند امرأة ثيِّب، إلا أنْ يكون ناكِحًا أو ذا مَحْرَم».

راوي الحديث: جابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: ينهى -صلى الله عليه وسلم- الرجل عن البيات والمكوث ليلًا عند أي امرأة أجنبية عنه، وخص الثيب؛ لأنها التي يدخل عليها غالبًا، وأما البكر فهي متصونة في العادة مجانبة للرجال أشد مجانبة، ولأنه يعلم بالأولى أنه إذا نهى عن الدخول على الثيب التي يتساهل الناس في الدخول عليها فبالأولى البكر. واستثنى الزوج ومن حرمت عليه بالنسب كالأم والبنت والأخت، أو بالرضاعة، كأمه من الرضاع، أو بالمصاهرة كأم زوجته. ومفهوم قوله (لا يَبِيتَنَّ) غير مراد، وهو أنه يجوز له البقاء عند الأجنبية في النهار خلوة، أو غيرها؛ لأنه جاء في صحيح البخاري نهي عام دون تقييد بالليل. لكن إن كان المحرم لايؤمن فلا بد من وجود نساء مع المرأة.

معاني المفردات: يَبِيتَنَّ : لا يمكث عندها بالليل خاليًا بها. ثَّيِّب : يطلق على من تزوج من ذكر وأنثى، وهو ضد البكر. ناكحًا : زوجًا لها. مَحْرَم : هو الذي لا يجوز له الزواج بالمرأة؛ لأنها حرمت عليه بالنسب كالأم والبنت والأخت، أو حرمت عليه بالرضاعة، كأمه من الرضاع، أو حرمت عليه بالمصاهرة كأم زوجته.

فوائد الحديث: تحريم الخلوة بالأجنبية بالإجماع. يباح خلوة المرأة بالمَحْرم بالإجماع. خطورة الخلوة بالمرأة الأجنبية؛ وإن كان الرجل صالحًا. المرأة مظنة الشهوة والطمع، وهي لا تكاد تقي نفسها؛ لضعفها ونقصها، ولا يغار عليها مثل محارمها، الَّذين يرون النيل منها نيلاً من كرامتهم وشرفهم؛ لذا تحتم وجود المحرم عند حضور الأجنبي. الأصل في المرأة هنا البالغة؛ لكن تشمل المرأة التي تشتهى وإن لم تبلغ. عناية الشرع بالأخلاق.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

428. من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه

عن عرفجة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أتاكم وأمرُكُم جَمِيْعٌ على رجل واحد، يُريد أن يَشُقَّ عَصَاكُم، أو يُفَرِّقَ جَمَاَعَتَكُم، فاقتُلُوهُ".

الْإِمَارَةِ - قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ.

راوي الحديث: عرفجة -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: مضمون هذا الحديث في قتال أهل البغي ومن يريد تفريق كلمة المسلمين بعد اجتماعهم وإذعانهم لحاكم، وقد أفاد أنَّ المسلمين إذا اجتمعوا على خليفة واحد ثم جاءهم من يريد أن يعزِلَ إمامَهم الذي اتفقُوا على إمامته وجب عليهم وضع حد له ولو بقتله؛ دفعًا لشره وحقنًا لدماء المسلمين.

معاني المفردات: وأمركم جميع : كلمتكم مجتمعة على إمام واحد، وأنتم يد واحد. يشق عصاكم : أصل العصا الاجتماع والائتلاف، والمراد هنا أنه يريد تفريق جماعتكم التي اجتمعت على إمام واحد. فاقتلوه : أي حدًّا ودفعًا لِشَرِّه وتفريقه لكلمة المسلمين.

فوائد الحديث: وجوب السمع والطاعة لولي أمر المسلمين، وتحريم الخروج عليه. من خرج على إمام قد اجتمعت عليه كلمة المسلمين فإنه يجب قتله مهما كان كانت منزلته شرفا ونسبًا. الحديث يشمل بظاهره ما إذا كان الخارج واحدا أو جماعة فإنهم يقتلون, لكن الجماعة إن كان لها شوكة ومنعة وخرج أفرادها بتأويل سائغ فهم بغاة, أما إن لم يكن لهم تأويل وأرادوا السيطرة على الحكم, فإن حكمهم حكم قطاع الطريق. الحث على الاجتماع وعدم التفرق والاختلاف.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

429. من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله، أو دون دمه، أو دون دينه فهو شهيد

عن سعيد بن زيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قُتِلَ دُون مَالِهِ فهو شَهيدٌ، ومن قُتِلَ دُون أهْلِهِ، أو دُونَ دَمِهِ، أو دُون دِيْنِهِ فهو شَهيدٌ».

راوي الحديث: سعيد بن زيد -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أفاد الحديث أنَّ من تعرّض له لصٌ أو غاصب ٌوحاول أخْذَ ماله منه غصباً قوةً واقتداراً بغير حق شرعي، فإنّ عليه أن يقاتله دفاعاً عن ماله، فإن قُتِلَ في الدفاع عن ماله فهو شهيد في حكم الله -تعالى- وثوابه، وليس القصد أنه كشهيد المعركة لا يغسل، وكذلك من قُتل دفاعاً عن نفسه، أو دفاعا عن عرضه ممن أراد بامرأته ومحارمه سوءاً مما حرمه الله فدافع عنهم فله عند الله -تعالى- أجر الشهداء، وهذا الحديث أصل عند الفقهاء فيما يسمى دفع الصائل وهو المعتدي.

معاني المفردات: دون ماله : قتل لأجل حفظه له. ومن قتل دون أهله : أي في الدفع عن بضع امرأته أو قريبته. أو دون دمه، أو دون دينه : أي في نصرة دين الله -تعالى- والذب عنه وفي قتال المرتدين عن الدين. فهو شهيد : إن قتله من جاءه ليأخذ ماله بغير حق أو لينال من عرضه أو دينه فدافعه حتى قتل فله حكم الشهداء في الآخرة في الإثابة.

فوائد الحديث: الجاني هو المعتدي على نفس، أو طرف، أو عرض، أو مال، فمن اعتدى على شيء من ذلك، فللمعتدي عليه الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به، فإن لم يندفع إلا بالقتل، فلا ضمان على المدافع. مشروعية الدفاع عن المال؛ لأن المقتول دفاعا عن ماله لم ينل مرتبة الشهادة، إلا لأن قتاله دون ماله قتال مشروع. أما الشهادة التي نالها فهي مرتبة الشهداء، الذين قتلوا ظلمًا دون حقوقهم، وهي من جنس الشهادة التي قتل صاحبها وهو يقاتل؛ لتكون كلمة الله هي العليا.

المصدر : سنن أبي داود. صحيح.

التخريج: رواه أبوداود والترمذي والنسائي وأحمد.

430. إذا ضرب أحدكم أخاه فليجتنب الوجه

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ أخاه فَلْيَجْتَنِب الوجْهَ».

كتاب الآداب.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: معنى الحديث أنه إذا ضرب أحدكم شخصاً تأديباً أو تعزيراً له أو في حد من حدود الله -تعالى- أو لخصومة أو غير ذلك فليحذر أن يضربه على وجهه، وليبتعد عن ذلك كل البعد، ولو في إقامة حد من حدود الله؛ لما لوجه بني آدم من الكرامة، فهو أشرف الأعضاء، وهو الَّذي تحصل به المواجهة، وضربه عليه إمَّا أن يتلف منه عضوًا، وإمَّا أنْ يُحْدِثَ فيه شَيْئًا؛ فالواجب اجتنابه، ويحرم الضرب فيه، سواء أكان الضرب بحقٍّ، أو عن طريق الاعتداء.

معاني المفردات: إذا ضرب أحدكم : في حدٍ أو تعزير أو غيرهما. أخاه : خادمه ومملوكه وكل من له ولاية عليه لتأديبه أو غيره. فليجتنب الوجه : فليحذر أن يضربه على وجهه، وليبتعد عن ذلك كل البعد، ولو في إقامة حد من حدود الله -تعالى-.

فوائد الحديث: وجوب اتقاء الوجه عند الضرب في أي حال من الأحوال. أنَّ إقامة الحدود لا يقصد بها إهانة المسلم، ولا يقصد إتلافه وقتله، وإنما يراد بها تطهيره من الذنب الذي وقع منه، كما يقصد بها ردعه عن أن يعود إليه، ولينزجر من تسوَّل له نفسه أن يعمل عمله. مشروعية الضرب وجوازه إذا وجد سببه، وهو عقوبة مشروعة. اجتناب الضرب في المواضع التي فيها خطورة.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

431. لقد أنزل الله الآية التي حرم الله فيها الخمر وما بالمدينة شراب يشرب إلا من تمر

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «لقد أَنْزَلَ الله الآية التي حَرَّمَ الله فيها الخمر، وما بالمدينة شَرَابٌ يُشْرَبُ إلا من تَمْرٍ».

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث يخبر أنس -رضي الله عنه- أنه لما أنزل الله آية تحريم الخمر لم يكن في المدينة النبوية شراب يُصنع منه الخمر سوى التمر، مما يدل على أن علة تحريم الخمر هي الإسكار دون النظر إلى المادة التي صنع منها.

معاني المفردات: الخمر : ما خامر العقل؛ وسميت: خمرًا لأنَّها تخمر العقل؛ أي: تغطيه. التمر : هو الجاف من ثمر النخل.

فوائد الحديث: أن المتخَذ من التمر يسمى خمراً، وأن الخمر ليست خاصة بالمتخذ من عصير العنب. أنَّ الذي كان يُشرب من الخمر وقت نزول القرآن كان من التمر. أن الخمر كان مباحاً أول الأمر. أن التحليل والتحريم إلى الله -عز وجل-؛ لقوله: "لقد أنزل الله تحريم الخمر". إثبات علو الله -تعالى-؛ لأن النزول يكون من العلو.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

432. كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب، لم يشربها في الآخرة

عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكل مُسْكِرٍ حرام، ومن شرِب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا في الآخرة».

راوي الحديث: عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث يخبر ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل كل شيء مسكر من أي نوع كان خمرًا يترتب على من تناوله ما يترتب على من شرب الخمر من الحرمة والعقوبة، ثمَّ بين -عليه الصلاة والسلام- أنَّ من أصرَّ على شرب الخمر في الدنيا فلم يتب منها فإن جزاءه أن يُحرم شربها في الآخرة عقوبة له, أو لأن الخمر من شراب الجنة فإذا لم يشربها في الآخرة لم يدخل الجنة، وقيل يدخل الجنة ويحرم عليه شربها فإنها من فاخر أشربة الجنة، فيحرمها هذا العاصي بشربها في الدنيا، وقيل: إنه ينسى شهوتها؛ لأن الجنة فيها كل ما تشتهي الأنفس، ويمكن أن يقيد الحرمان بمقدار مدة عيش العاصي في الدنيا أو المراد أنه لم يشربها في الآخرة مع الفائزين السابقين في دخول الجنة، أو لم يشربها شربا كاملا في الكمية والكيفية بالنسبة إلى التائبين.

معاني المفردات: مسكر : السُّكر: اختلاط العقل. خمر : اسم لكل ما خامر العقل وغطاه. وهو يدمنها : وهو مُصِرٌّ عليها. لم يشربها في الآخرة : جزاؤه أن يحرم شربها في الآخرة عقوبة له.

فوائد الحديث: أنَّ ما أسكر كثيره فقليله حرام، من أي نوع من أنوع المسكرات؛ سواء كان من العنب، أو التمر أو العسل أو الحنطة أو الشعير أو غير ذلك، فهو كله خمر حرام، يحرم كثيره وقليله، ولو لم يسكر القليل منه. أن الله -تعالى- حرَّم الخمر لما تشتمل عليه من الأضرار والمفاسد العظيمة. أنَّ ما لا يسكر فهو حلال.

المصدر : صحيح مسلم. صحيح.

التخريج: رواه مسلم وأخرج البخاري الجملة الأخيرة منه.

433. سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر، فنهاه أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: «إنه ليس بدواء، ولكنه داء»

عن وائل الحضرمي أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر، فَنَهَاهُ -أو كره- أن يَصْنَعَهَا، فقال: إنما أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فقال: «إنه ليس بِدَوَاءٍ، ولكنه دَاءٌ».

كتاب الطب - كتاب الآداب.

راوي الحديث: طارق بن سويد الجعفي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث أنَّ طارق بن سويد -رضي الله عنه- سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر يصنعها للدواء وليس للشرب، فأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها مرض لا شفاء فيها، فدل هذا على تحريم الخمر، وعلى أنها تورث المرض والأسقام، وأنها لا فائدة منها البتة، فيجب إتلافها وإراقتها.

معاني المفردات: الخمر : اسم لكل ما خامر العقل وغطاه، من أي نوع من الأشربة. للدواء : ما يتداوى به ويعالج، جمعه: أدوية. داء : مرض ظاهرًا كان أو باطنًا.

فوائد الحديث: أنَّ الشارع الحكيم إنما ينهى عمَّا مفسدته خالصة أو راجحة. أنَّه يحرم التداوي بشرب الخمر، وأنَّها داء وليست بدواء. أن الخمر داء معنوي؛ لأنها محرمة، تمرض القلب، وداء حسي؛ لأنه يحصل من المضارّ بشربها أكثر مما يحصل من المنافع. حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على أن يتعلموا أمور دينهم قبل أن يقعوا فيها.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

434. جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم

عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «جَاهِدُوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم».

راوي الحديث: أَنَس بن مالك -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المؤمنين بالجهاد الذي يكون تحت سلطة إمام، وتحت راية مؤمنة واحدة، ويكون لإعلاء كلمة الله لا لأغراض دنيوية، ويكون بالآتي: المال: وذلك بإنفاقه على شراء السلاح، وتجهيز الغزاة، ونحو ذلك. وأما النفس: فبمباشرة القتال للقادر عليه، والمؤهل له، وهو الأصل في الجهاد، كقوله -تعالى- :(وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم). وأما اللسان: فبالدعوة إلى دين الله -تعالى- ونشره، والذود عن الإسلام، ومجادلة الملاحدة، والرد عليهم، وبث الدَّعوة بكل وسيلة من وسائل الإعلام، لإقامة الحجة على المعاندين، وبالأصوات عند اللقاء والزجر ونحوه من كل ما فيه نكاية للعدو (ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح)، وبالخطب التي تحث على الجهاد، وبالأشعارفقد قال -صلى الله عليه وسلم- «اهجوا قريشا فإنه أشد عليهم من رشق النبل» رواه مسلم.

معاني المفردات: جاهدوا : فعل أمر من الجهاد، وهو شرعًا قتال الكفار لإعلاء كلمة الله، وحماية المسلمين.

فوائد الحديث: وجوب جهاد الكفار بالمال، والنفس، واللسان. أنَّ الجهاد يكون بالمال، فإعطاء الزكاة في الدَّعوة إلى الله -تعالى- من مصرف "في سبيل الله". الأمر بالجهاد للوجوب, وقد يكون واجبًا عينيًّا وقد يكون واجبًا كفائيًّا. قتال المشركين مشروع في الإسلام لأجل شركهم، وليس لأجل بلادهم وأموالهم، وإنما لإخلاء الأرض من الشرك ومنع ضررهم عن المسلمين. ذكر المشركين على وجه التمثيل؛ ولذلك يشمل الجهاد الكفار والمنافقين. الجهاد يكون بالنفس واللسان والمال على التخيير بحسب الأنفع والمصلحة.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبوداود والدارمي والنسائي وأحمد.

435. قول عائشة: استأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد، فقال: «جهادكن الحج»

عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: استأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد، فقال: «جهادكن الحج».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها طلبت من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأذن لها أن تجاهد معه طلبًا لفضل الجهاد، فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن مباشرة الجهاد وقتال الأعداء ليست مشروعة في حق النساء؛ لما يتصفن به غالبًا من ضعف البدن، ورِقة القلب، وعدم تحمل الأخطار، ولا يمنع ذلك قيامهن بعلاج الجرحى، وسقي العطشى، ونحو ذلك من الأعمال. فقد جاء في الصحيح من حديث أم عطية -رضي الله عنها- قالت: غزوت مع رسول -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأُداوي الجرحى، وأقوم على المرضى. وقال بأن جهادهن يكون في الحج، و تشبيه الحج والعمرة بالجهاد بجامع الأسفار، والبعد عن الأوطان، ومفارقة الأهل، وخطر الأسفار، وتعب البدن، وبذل الأموال. وأخرج مسلم من حديث أنس «أن أم سليم اتخذت خنجرًا يوم حنين وقالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه» فهو يدل على جواز القتال وإن كان فيه ما يدل على أنها لا تقاتل إلا مدافعة، وليس فيه أنها تقصد العدو إلى صفه وطلب مبارزته.

معاني المفردات: جهادكن : الجهاد شرعًا: قتال الكفار خاصة؛ لإعلاء كلمة الله، والمراد العبادة التي تعدل الجهاد في حق النساء الحج.

فوائد الحديث: الجهاد واجب: فهو إما فرض كفاية، أو فرض عين في حق الرجال في بعض الحالات. لا يجب الجهاد على المرأة، وأن جهادهن الحج. فضل الحج والعمرة، إذْ جعل ثوابهما كثواب الجهاد في سبيل الله -تعالى-. فضيلة عائشة -رضي الله عنها- لأنَّ رغبتها في الخير والأعمال الصالحة جعلتها تريد منافسة الرجال فيما خصص لهم من أعمال. أنَّ الله -تبارك وتعالى- لما خلق الصنفين من البشر، هيَّأ كل صنف منهما وأعده للعمل الذي يناسبه ويتحمله، لما في ذلك من المصالح العظيمة. توزيع الأعمال بين خلقه، فكل منهم يقوم بجانب من الأعمال. أنَّ الصنف الواحد إذا تخصَّص بعمل من الأعمال وحده أجاده وأتقنه، فجاء على المراد. أن يكون كل صنف مطالبًا بما يخصه، وما هيّء له من الأعمال، وبهذا التوزيع العادل يكون إعمار الكون، وسير الأعمال ونجاحها. حسن تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- وجمال إجابته، فهو لم ينفِ عن عائشة تشوفها واشتياقها إِلى فضيلة الجهاد في سبيل الله، وإنما دلَّها على جهاد من نوع آخر، يرضي طموحها ويُطَمْئِنُ قلبَها. حكمة الإسلام في إبعاد المرأة عن مواطن يخشى عليها فيها كمواطن الحرب، خاصة مع كثرة العدو أوالخوف من فتنتها لجمالها.

المصدر : صحيح البخاري. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

436. لأخرجن اليهود، والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلمًا

عن عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لأُخْرِجَنَّ اليهودَ والنصارى مِن جَزِيرة العرب حتى لا أدَعَ إلا مُسلما».

راوي الحديث: عمرُ بنُ الخطَّاب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: يخبر عمر -رضي الله عنه- عن عزم النبي -صلى الله عليه وسلم- على إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب, لئلا يجتمع فيها دينان, ولتبقى الجزيرة عامرة بالتوحيد, ليس فيها مَعْلَمٌ من معالم الشرك, لأنّ مجاورةَ الكفار، ومعاشرتهم شرٌّ، وتجر إلى شرور كبيرة، من خشية التشبه بهم، واستحسان عقائدهم، والرغبة في تقليدهم، من بسطاء المسلمين، وقليلي الإدراك منهم, فيجب تميز المسلمين، واستقلالهم في بلادهم، وبُعدهم عن مخالطة غيرهم، ممن يخالفهم في العقيدة، لذا يجب إخراج اليهود والنصارى والمجوس وسائر أصحاب الملل من الكفار من جزيرة العرب, فجزيرة العرب خاصة بالمسلمين، وهي مهبط الوحي، فلا يصح بحال من الأحوال أن يقيم فيها غير المسلمين.

معاني المفردات: لأخرجنّ : أي: لئن عشت إلى السنة القابلة لأخرجن. اليهودَ : هم الذين ينتسبون في ديانتهم إلى شريعة موسى -عليه الصلاة والسلام-, سموا بذلك إما نسبة إلى يهوذا أكبر أولاد يعقوب -عليه الصلاة والسلام-, أو لأنهم هادوا, أي: رجعوا وتابوا من اتخاذ العجل إلها. النصارى : هم من ينتسبون في ديانتهم إلى شريعة عيسى -عليه الصلاة والسلام-, سموا بذلك إما لأنهم نزلوا قرية تُسمى ناصرة, أو لأن الحواريين منهم قالوا: نحن أنصار الله. جَزِيرة العرب : جَزِيرَة الْعَرَب من أقْصَى عدن أبين إِلَى ريف الْعرَاق فِي الطول، وَأما الْعرض فَمن جدة وَمَا والاها من سَاحل الْبَحْر إِلَى أطراف الشَّام، و إلى الساحل الشرقي لجزيرة العرب.وأضيفت إلى العرب لأنها كانت أوطانهم قبل الإسلام وأوطان أسلافهم وهي تحت أيديهم. حتى لا أدع : لا أترك.

فوائد الحديث: لا يجوز أن يكون المسلم وغير المسلم في بلدةٍ واحدةٍ، وهذا مختصٌّ بجزيرة العرب. لا يجوز أن يُمَكَّن أحدٌ من الكفار من اليهود أو النصارى أو غيرهم من دخول جزيرة العرب للاستيطان بها. يجب إخراج الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم من جزيرة العرب وصيانة هذه الأرض المباركة من كل دين يخالف دين الإسلام. وجوب منع أي كافر من التملك في جزيرة العرب, لأنه إذا حُرِّمت الإقامة والاستيطان حَرُمَت الأسباب المؤدية إليها. تحريم إقامة الكنائس وغيرها من معابد الكفار ووجوب هدم ما أحدث منها؛ لأن الكنيسة معبد كفري تقام فيه شعائر الكفار, وكل معبد يعد للعبادة على غير دين الإسلام فهو بيت كفر وضلال. احترام هذه الجزيرة, لأن منها بدأ الإسلام, وفيها البيت الحرام وفيها مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا جرم أن يكون لها من الحرمة ما يجب أن تطهر به من المشركين واليهود والنصارى. أنهم إذا لم يخرجوا ويكفوا عن الاستيطان إلا بقتال فإننا نقاتلهم حتى يخرجوا. أن المراد بإخراجهم أن لا يُمكَّنوا من الاستقرار فيها والتملُّك, وأما أن يأتوا لعمل أو يأتوا لأمانٍ مدة محددة, ثم يذهبوا, فلا مانع من ذلك, فهذا ليس استيطاناً.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

437. من قتل معاهدًا لم يَرَحْ رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا

عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قَتَلَ مُعَاهَدًا لم يَرَحْ رَائحَةَ الجنة، وإن رِيْحَهَا تُوجَدُ من مَسِيرَة أربعين عامًا».

راوي الحديث: عبد الله بن عَمْرِو بن العاص -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: أفاد الحديث أن من قتل معاهدًا بغير حق، والمعاهد هو من دخل أرض الإسلام بعهد وأمان، أو كان من أهل الذمة، من الكفار، لم يمكنه الله من دخول الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين سنة، وهذا دلالة على بعده عنها، وهو يفيد حرص الإسلام على الحفاظ على الدماء المعصومة من المعاهدين والذميين، وأن قتلهم بغير حق من كبائر الذنوب.

معاني المفردات: معاهدًا : المعاهد هو الذمي الذي أعطي عقدًا مستمرًا للبقاء في دار الإسلام على أن يدفع الجزية مقابل حمايته والتزام أحكام الإسلام، كما يشمل أيضًا الكافر الذي بين دولته ودولة المسلمين عهد وهدنة بترك القتال. يَرَحْ : بفتح الياء والراء: لَمْ يَجِدْ. رائحة الجنة : الرائحة: النسيم، ورائحة الجنة: ريح نسيمها الطيب العَطِر. من مسيرة أربعين عاما : أي إن ريح الجنة وطيبها يجده المؤمن يوم القيامة من مسافة سير أربعين عامًا.

فوائد الحديث: تحريم قتل المعاهد، وأنه كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأنه رتب عليه حرمانه من دخول الجنة في ظاهر الحديث. جاء في بعض روايات الحديث بأن القتل "بغير جرم"، و"بغير حق"، وهذا التقييد معلوم من قواعد الشرع. وجوب الوفاء بالعهد. إثبات أن للجنة رائحة. أن ريح الجنة يوجد من مسافات بعيدة.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

438. لا سَبَق إلا في خف أو في حافر أو نصل

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا سَبَقَ إلا في خُفٍّ أو في حَافِرٍ أو نَصْلٍ».

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أفاد الحديث أن الجعل وهو العوض من مال ونحو ذلك لا يُستحقّ إلا في سباق الخيل والإبل وما في معناهما، وفي النصل، وهو الرمي، وذلك لأن هذه الامور عُدّة في قتال العدوّ، وفي بذل الْجُعْل عليها ترغيبٌ في الجهاد، وتحريض عليه، ويدخل في معنى الخيل البغال والحمير؛ لأنها كلها ذوات حوافر، وقد يُحتاج إلى سُرعة سيرها؛ لأنها تحمل أثقال العساكر، وتكون معها في المغازي، ويدخل في الحديث كل ما في معنى ما ذُكر من آلات حربية ونحو ذلك.

معاني المفردات: لا سبق : السبق بفتح الباء: هو الجعل، والعوض الذي يوضع لذلك. خف : بضم الخاء، ثم فاء مشددة، المراد بالخف: الإبل؛ لأنها ذوات الأخفاف. نصل : بفتح النون، وسكون الصاد المهملة، آخره لام، المراد به: السهم. حافر : المراد بالحافر: الخيل؛ لأنها من ذوات الحافر.

فوائد الحديث: المغالبات والمراهنات والمخاطرات ممنوعة كلها، لاسيما إذا كانت بعوض؛ لأنها من أنواع الميسر الذي قال -تعالى- فيه: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) الشرع أجاز الجعل في المغالبات إذا كانت مما يعين على الجهاد في سبيل الله ونصر دينه. - يدل هذا الحديث على أن المراهنة والمخاطرة لا تجوز إلا في ثلاثة أشياء هي: 1 - الخف: والمراد بها: الإبل. 2 - النصل: هو الرمي بالنشاب ونحوه. 3 - حافر: والمراد بها: الخيل، وهي أمور يستعان بها على حرب الكفار والجهاد في سبيل الله، ويدخل في الحديث كل ما في معناها من آلات حربية ونحو ذلك.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد.

439. ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي

عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر، يقول: "{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال: 60]، ألا إن القُوَّةَ الرَّميُ، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي".

الْإِمَارَةِ - الصَّيْد وَالذَّبَائِح.

راوي الحديث: عُقبة بن عامر الجُهَنِي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: أفاد الحديث تفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- للقوة المأمور باتخاذها في مجابهة الأعداء والكفرة، وهي الرمي؛ لأنه أنكى، وأبعد عن خطر العدو، وكان الرمي وقت نزول الآية الكريمة بالسهام، ولكن الآية بإعجازها أطلقت القوة؛ لتكون قوة كل زمان ومكان، وكذلك الحديث الشريف جاء إعجازه العلمي بإطلاق الرمي، الذي يشتمل الرمي بأنواعه، وأن يفسر بكل رمي يتجدد وبأي سلاح يحدث.

معاني المفردات: أعدوا : أمر من: الإعداد، وهو تهيئة الشيء للمستقبل. ما استطعتم : لفظ عام يشمل جميع إمكانات الإنسان حسب الظروف والأوضاع. رباط الخيل : بكسر الراء، هو في الأصل: حبسها، واقتناؤها، ثم سمي الإقامة في ثغور البلاد، وحدودها: رباطا. ألا إن القوة الرمي : يعني: أن الآية الكريمة تشير إلى أن القوة هي في الرمي؛ لأنه أنكى، وأبعد عن خطر العدو، وكان الرمي وقت نزول الآية الكريمة بالسهام، ولكن الآية بإعجازها أطلقت القوة؛ لتكون قوة كل زمان ومكان، وكذلك الحديث الشريف جاء إعجازه العلمي بإطلاق الرمي، الذي يشتمل الرمي بأنواعه، وأن يفسر بكل رمي يتجدد وبأي سلاح يحدث.

فوائد الحديث: قال الله -تعالى-: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال: 60] في هذه الآية الكريمة يأمر -تعالى- عباده المؤمنين أن يقوموا بالجهاد في سبيل الله تعالى، وأن يستعدوا له بكل ما يقدرون عليه من أسباب القوة في وجه أعداء الإسلام، والقوة تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فكانت الآية مطلقة التفسير في كل زمان بما يناسبها. كل ما يقدر عليه المسلمون من القوة العقلية والبدنية والعلمية داخل في ذلك كله، فيدخل في هذه القوة أنواع الأسلحة من المدافع والرشاشات والطائرات المقاتلة والمدرعات والدبابات وجميع آلات القتال المناسبة. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يفسر القرآن، ومن ذلك تفسيره لهذه الآية في سورة الأنفال. يستفاد من الحديث طلب تعلم الرمي، لأنه داخل في الأمر بإعداد العدة.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه مسلم.

440. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَقَّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا

عن ابن عباس «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَقَّ عن الحسن والحسين كَبْشًا كَبْشًا».

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث يخبر ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذبح عن الحسن والحسين لكل واحد منهما كبشاً كبشًا، أي كبشين، فدلَّ هذا على مشروعية العقيقة عن المولود.

معاني المفردات: عق : من العقيقة: وهي ذبيحة تُذبَحُ عن المولود يوم السابع عند حلق شعره. كبشًا : الكبش ذكر الضأن في أي سنٍّ كان.

فوائد الحديث: أنَّ العقيقة من ذبائح القرب والعبادة، وهي شكر لله -تعالى- على نعمة تجدد الولد؛ من ذكر أو أنثى. استحباب العق عن الأبناء وكذلك عن البنات. أنه لا يشترط في العقيقة أن يتولاها الأب. أنَّ ذبح العقيقة أفضل من الصدقة بثمنها.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود.

441. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة

عن عائشة «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يُعَقَّ عن الغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وعن الْجَارِيَةِ شَاةٌ».

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث تخبر عائشة -رضي الله عنها- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يعقوا -أي يذبحوا عند الولادة- عن المولود الذكر شاتان متشابهتان في السِّن والكِبَر والسِّمن والجودة، وكذلك أمرهم أن يعقوا عن المولودة الأنثى شاة واحدة.

معاني المفردات: الغلام : بضم الغين، وفتح اللام وتخفيفها، هو من الولادة حتَّى البلوغ، وبعد البلوغ إنْ سمي به، فهو مجاز باعتبار ما كان. شاتان : تثنية شاة: وهي الواحدة من الضأن والمعز، يُقَال للذكر والأُنْثَى، والجمع شاء وشياه. مكافئتان : بكسر الفاء، وبعدها همزة، أي: متساويتان في السنِّ والإجزاء، فلا تكون إحداهما مسنَّة، والأخرى غير مسنَّة، ويكونان ممَّا يجزىء في الأضحية. الجارية : الفتيَّة من النساء، والمراد هنا: الطفلة من النِّساء.

فوائد الحديث: في الحديث دليل على أن العقيقة مشروعة في حق الذكر والأنثى. فيه أنَّ عقيقة الغلام شاتان، وعقيقة الجارية شاةٌ واحدة. فيه استحباب أنْ تكون الشاتان اللتان يعق بهما عن الغلام متكافئتين متشابهتين في السن والسمنة، فلا تكون إحداهما أكبر من الأخرى كثيرًا، وأنْ تكونا بلونٍ واحدٍ، وحجمٍ واحد.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وأحمد.

442. الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع، ويسمى، ويحلق رأسه

عن سمرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الغلام مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ يُذْبَحُ عنه يوم السابع، ويُسَمَّى، ويُحْلَق رأسه».

راوي الحديث: سَمُرة بن جُنْدَب -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: في هذا الحديث يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المولود يكون محبوساً بعقيقته تذبح عنه في اليوم السابع من ولادته، ويُستحب في نفس اليوم تسمية المولود، وحلق شعر رأسه، والحلق خاص بالمولود الذكر.

معاني المفردات: الغلام : بضم الغين، وفتح اللام وتخفيفها، هو من الولادة حتَّى البلوغ، وبعد البلوغ إنْ سمي به، فهو مجاز باعتبار ما كان. مرتهن بعقيقته : أي شبَّه المولود في لزوم العقيقة عنه، وعدم انفكاكه منها، بالرهن في يد المرتهن. بعقيقته : الأصل في العقيقة: الشعر الَّذي على رأس المولود، فسميت الذبيحة عند حلق ذلك الشعر عقيقة، فاشتهر حتَّى صار لا يفهم من العقيقة عند الإطلاق إلاَّ الذبيحة. يوم السابع : أي من يوم الولادة.

فوائد الحديث: أن قوله "مرتهن بعقيقته" يدل على تأكيد هذه الشعيرة، وأنَّه لا ينبغي إهمالها، فمن أحياها، فقد أحيا سنَّة أمر بها النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، وعمل بها. معنى ارتهان الغلام بعقيقته أنها لازمة لزوم الرهن في يد المرتهن. أن وقت ذبح العقيقة هو اليوم السابع استحبابًا لا وجوبًا. أن تسمية المولود تكون في اليوم السابع. مشروعية حلق رأس المولود في اليوم السابع.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي.

443. إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن لله تِسْعَةً، وتِسْعِينَ، اسْمًا، مِائَةً إلا واحدا مَنْ أَحْصَاهَا دخل الجنة».

الاستثناء - الجنة.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: هذا الحديث فيه بيان أنَّ أسماء الله الحسنى منها 99 اسمًا من حفظها وآمن بها وعمل بمدلولها فيما لا يختص به -سبحانه- فله الجنة، ويجوز القسم بأي واحدٍ منها، وانعقاده بها، فاليمين التي تجب بها الكفارة إذا حنث فيها هي اليمين بالله -تعالى-، والرحمن الرحيم، أو بصفة من صفاته تعالى؛ كوجه الله -تعالى- وعظمته وجلاله وعزته.

معاني المفردات: من أحصاها : المراد بإحصائها هو حفظها، والإيمان بها، وبمقتضاها، والعمل بمدلولاتها فيما لا يختص به -سبحانه-. الجنة : هي الدار التي أعد الله فيها مِن النَّعيم ما لا يخطر على بال لمن أطاعه.

فوائد الحديث: اليمين بالله -تعالى- منعقدة بأسماء الله الحسنى، كالرحمن والرحيم والحي، وغيرها باتفاق. الحديث ليس فيه حصرٌ لأسمائه -تعالى- بالاتفاق، وإنَّما المقصود منه أنَّ هذه التسعة والتسعين اسمًا مَنْ أَحْصاها دخل الجنَّة. فيه عظمة الله -تعالى- لأن تعدد الأسماء يدل على عظمة المسمى. فيه التشجيع على الاجتهاد في طلب الأسماء الحسنى؛ لأنها أبهمت. من إحصاء الأسماء الحسنى الدعاء بها.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

444. لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي في الحكم

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «لَعَن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِي والمُرْتَشِي في الحُكْم».

الأَقْضِيَة - الأحْكَامِ.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: لما كانت حقيقة الرشوة بذل المال ليتوصل به إلى باطل, دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالطرد والإبعاد من رحمة الله على معطيها وآخذها؛ لما فيها من أضرار جسيمة على الفرد والمجتمع, والرشوة محرمة مطلقًا, وجاء تخصيصها بالحكم في الحديث؛ لأن الرشوة لأجل الحكم أعظم لما في ذلك من تبديل حكم الشرع, بأن يعطى القاضي ما يكون له أثر في تغيير الحكم أو تخفيفه واعتباره في صالح الراشي.

معاني المفردات: لعن : حقيقة اللعن الطرد والإبعاد عن رحمة الله -تعالى-. الراشي : هو الذي يبذل المال -ونحوه من المنافع-؛ ليتوصل به إلى إبطال حق، أو الوصول إلى باطل، وهو مأخوذٌ من الرشا، وهو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء في البئر, والرشوة: بكسر الراء وضمها: هي بذل المال ليتوصل به إلى باطل. المرتشي : آخذ الرشوة، وهو الحاكم الَّذي يأخذ الرشوة؛ ليحكم بإسقاط حقٍّ، أو إثبات باطل. في الحكم : في القضاء.

فوائد الحديث: يَحْرُمُ بذل الرشوة، وأخذُهَا، والتوسُّطُ فيها، والإعانةُ عليها؛ لما فيها من التعاون على الباطل. الرشوة من كبائر الذنوب؛ لأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن آخذها ومعطيها، واللعنُ لا يكون إلاَّ على كبيرةٍ من كبائر الذنوب، وقد أجمع العلماء على تحريمها. الرشوة في باب القضاء والحكم أعظم جرمًا, وأشد إثمًا؛ لما فيها من أكل أموال النَّاس بالباطل وتغيير حكم الله -تعالى-، والحكم بغير ما أنزل الله؛ وآخذها قد ظَلَمَ بأخذها نفسه، وظَلَمَ المحكومَ له، وظَلَمَ المَحكومَ عليه.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: رواه الترمذي وأحمد.

445. لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم

وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يرثُ المسلمُ الكافرَ، ولا يَرِثُ الكافرُ المسلمَ».

راوي الحديث: أسامة بن زيد بن حارثة -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنَّه لا توارث بين المسلم والكافر، ذلك أنَّ الإِسلام أقوى رابطة، فإذا اختل هذا الرباط المقدس بين القرابة في النسب، فقد فُقِدت الصلات والعلاقات، فاختلت قوة رابطة القرابة فمنَع التوارث، الذي بني على الموالاة والنصرة.

معاني المفردات: الكافر : هو فاعل الكفر، والكفر شرعًا: قول أو اعتقاد أو فعل يعتبر به الإنسان خارجًا من الإِسلام ابتداءً أو بعد أن كان مسلمًا. يرث : فعل مصدره الميراث، وهو قدر معلوم يعطى لأ شخاص معينين من مال الميت.

فوائد الحديث: لا توارث بين المسلم والكافر، ولو بالوَلاء أي العتق. إثبات أصل التوارث بين الأقارب، ما لم يمنع من ذلك مانعٌ من موانع الإرث. أنَّ الكفر أحد موانع الإرث مع وجود سببه. أنَّ العقيدة الإِسلامية أقوى من رابطة النسب والنكاح والولاء، فإن فقدت العقيدة انفصمت عرى رابطة القرابة، فمَنَع التوارث بينهم. لا فرق بين الكافر الأصلي والمرتد لأن الحديث عام. المباينة التامة بين المسلم والكافر حتى في الميراث الذي هو ملك قهري. لايرث الكافر المسلم ولو أسلم قبل توزيع التركة لعموم الحديث ولتحقق سبب المنع عند الموت.

المصدر : بلوغ المرام. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

446. عمرة في رمضان تعدل حجة - أو حجة معي

عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعاً: «عمرة في رمضان تعدل حجة - أو حجة معي».

تفاضل الأزمنة.

راوي الحديث: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: أداء عمرة في شهر رمضان يماثل أجرها أجر حجة تطوع أو حجة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمقصود في الشرف والأجر، لا أن العمرة في رمضان يحصل بها فريضة الحج.

معاني المفردات: تعدل : تماثل وتساوي. حجة : تقوم مقامها في الثواب والأجر لا أنها تماثلها في كل شيء.

فوائد الحديث: فضيلة العمرة في شهر رمضان. العمرة في رمضان تساوي حجة في الثواب، لا في إسقاط فرض الحج. ثواب الأعمال يزيد بزيادة شرف الأوقات، ومن ذلك الأعمال في رمضان. العمرة في رمضان أفضل منها في كل وقت؛ لأنه لم يرد مثل هذا الفضل في وقت غير رمضان.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

447. كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه اعتكف عشرين يوماً.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: كان النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- يلزمُ المسجدَ مُنقطِعَاً لعبادة الله في كل رمضان عشرة أيامٍ، وكان يعتكف في العشر الأوسط منه رجاء إدراك ليلة القدر، فلما عَلِمَ أنها في العشر الأواخر منه اعتكفها، ثم اعتكف في العام الذي ماتَ فِيهِ عِشرين يوماً زيادة في الطاعة والتقرب لله -تعالى-.

معاني المفردات: يعتكف : يمكث في المسجد ويلازمه للعبادة. قبض : توفي.

فوائد الحديث: جواز الاعتكاف أكثر ِمن عشرة أيام وقبل العشر الأواخر من رمضان. حرص النبِي -عليه السلام- على اعتكاف العشر الأواخر من رمضان. مشروعية الازدياد من الطاعة والعبادة في آخر العمر ليختم للعبد بخير.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

448. من حج، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: «مَنْ حَجَّ، فلَمْ يَرْفُثْ، وَلم يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدْتُهُ أُمُّهُ».

مكفرات الذنوب.

راوي الحديث: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي -رضي الله عنه-

المعنى الإجمالي: مَنْ حَجَّ لله -تعالى- ولم يَصْدُرْ منه كلامٌ قبيحٌ ولا فعلٌ سيءٌ أثناء المناسك، ولم يأتِ بمعصيةٍ رَجَعَ مِنْ حَجِّهِ مَغْفُوراً له، كما يُولَدُ الصَّبِيُّ سَالماً من الذُّنُوب، وتكفيرُ الحجِّ للذُّنُوب والخطايا خاصٌّ بصغائر الذنوب، أما الكبائرُ فلا بُدَّ لها من التوبة.

معاني المفردات: فلم يرفث : الرفث كلمة شاملة لكل ما يريده الرجل من المرأة، ويشمل القبيح من القول. لم يفسق : لم يأت بسيئة ولا معصية. كيوم ولدته أمه : أي رجع من حجه بغير ذنوب.

فوائد الحديث: الحجُّ يزُكَيِّ النَّفْسَ من أعمال الرَّفَثِ والفُسُوق. الحج مُكفِّرٌ للذُّنوب والآثام التي كانت قبله. الفُسُوق وإن كان ممنوعاً في جميع الأحوال، فيتأكد النهيُ عنه في الحج تعظيماً لمناسك الحج في بيت الله الحرام. الإنسان يولد بدون خطايا مبرءاً من الذنوب؛ فهو لا يحمل خطيئة غيره.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: متفق عليه.

449. لَكُنَّ أفضل الجهاد: حج مبرور

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قُلتُ: يا رَسُولَ الله، نَرَى الجهادَ أفضلَ العمل، أفلا نُجاهِد؟ فقال: «لَكُنَّ أفضلُ الجهادِ: حجٌّ مبرور».

المفاضلة بين الأعمال.

راوي الحديث: عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-

المعنى الإجمالي: كانت أم المؤمنين عائشةُ -رضيَ الله عنها- والنساءُ معها يعتقدن أنَّ أفضل الأعمال وأكثرها أجراً الجهاد في سبيل الله ومقاتلة الأعداء، فأرشَدَهُنَّ -عليه الصلاة والسلام- إلى جهادٍ أفضل في حقهن من القتال، وهو الحج الذي لا إثم يخالطه، سُمِّيَ الحجُّ جهاداً لأنه جهادٌ للنفس، وفيه بذلٌ للمال وطاقة البدن.

معاني المفردات: نَرى : نعتقد. لكن : الأرجح في ضبطها أن تكون بضم الكاف على أنها خطاب للنسوة، والمعنى أي الذي يناسبكن الحج المبرور. مبرور : المقبول الذي لا يخالطه شيء من الإثم.

فوائد الحديث: أنَّ الحجَّ مِنْ أفضل الجهاد وأنه من سبيل الله -تعالى-. الحجُّ للنِّساء أفضلُ من الجهاد. أنَّ الأعمال تتفاضلُ وتتفاوت بحسب العامل.

المصدر : رياض الصالحين. صحيح.

التخريج: رواه البخاري.

شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية