٥٠ مسألة وفائدة في الاعتكاف

٥٠ مسألة وفائدة في الاعتكاف

٥٠ مسألة وفائدة في الاعتكاف


الاعتكاف لغةً: ملازمة الشيء والمواظبة عليه. والاعتكاف شرعًا: ملازمة مسجد والإقامة فيه، بنية العبادة والتقرب إلى الله تعالى. يقال لمن لازم المسجد وأقام على العبادة فيه: «عاكف» و «معتكف».

حقيقة الاعتكاف ومقصوده: عُكُوفُ القلب على الله تعالى، والخلوة به، وقَطْعُ المُعتكف العلائق بما سوى الخالق، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق، والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يستولي ذكره وحبه ومناجاته والإقبال عليه على القلب، فيصير أنسه بالله وحده، ولا يفكر إلا في تحصيل مراضيه وما يقرب منه سبحانه.

فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له هم سوى الله وما يُرضيه عنه.

وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به؛ أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال.

الاعتكاف مشروع بالكتاب والسنة والإجماع:
قال الله تعالى: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾[البقرة: ١٢٥]

وقال: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾[البقرة: ١٨٧].

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، أنَّ النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ وترك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتكاف العشر مرَّةً فاعتكف عشرا من شوال قضاء له.

وأجمع العلماء على مشروعية الاعتكاف واستحبابه.

الاعتكاف في المساجد من علامات الإيمان، ومن عمارة المسجد التي وصف الله تعالى بها عباده المؤمنين فقال: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة : ١٨]، فأثبت الله تعالى الإيمان وشهد به لعُمَّارِ المساجد، والعمارة حسية ببناء المساجد وإصلاحها وتنظيفها وتطهيرها)، وعمارة معنوية - وهي الأشرف - بالعبادة فيها صلاة واعتكافا وتلاوة للقرآن وذكر الله وتعلما وتعليما للعلم النافع فيها.

الاعتكاف قربة إلى الله عز وجل، وهو داخل في عموم التقرب إلى الله تعالى بنوافل العبادات، لكن لم يثبت ثواب مخصوص للاعتكاف، والأحاديث الواردة في ذلك إما ضعيفة أو موضوعة، كحديث: "من اعتكف إيمانا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه "وحديث: "من اعتكف عشرا في رمضان كان كحجتين وعمرتين". وقد سأل أبو داود الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: تعرف في فضل الاعتكاف شيئًا ؟ قال: «لا، إلا شيئًا ضعيفا».

الأصل في الاعتكاف أنه سُنَّة وليس بواجب، ولا يجب إلا بالنذر، بالإجماع، وقد سأل عمر رضي اللهُ عَنْهُ رَسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَة فِي المَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ».

لا يختص الاعتكاف بزمن معين؛ بل هو مشروع في كل زمن، في رمضان وفي غيره. لكنه في رمضان أفضل من غيره.

وأفضل الاعتكاف واكده: اعتكاف العشر الأواخر كلها من رمضان؛ لأنَّه فِعْلُ النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التماسا لليلة القدر، وإِلَّا اعتكف ما تيسر منها ولو ليلة واحدة.

اعتكاف العشر الأواخر من السنن المؤكدة المهجورة، التي عمل بها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه وأزواجه، لكن قل العمل بها قديمًا وحديثا، حتى قال ابن شهاب الزهري (ت ١٢٥ هـ ) رحمه الله: عجبا للمسلمين تركوا الاعتكاف والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يَتْرُكه منذ دخل المدينة حتى قبضه الله.

فعن أم المؤمنين عائشة رَضَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ.

اختلف العلماء في أقل زمن للاعتكاف فذهب الجمهور إلى أن أقله لحظة، فيشرع اعتكاف ساعة أو يوم أو ليلة أو أقل أو أكثر، وكل إقامة في مسجد بنية التقرب إلى الله فهي اعتكاف.

لا يُشترط الصوم لصحة الاعتكاف - على الراجح ، فيصح الاعتكاف بلا صوم، لكن الاعتكاف مع الصوم أفضل.

ويدل على الجواز: حديث عمر رضي الله عنه روايته عنه: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ صَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ » ، ولو كان الصوم شرطًا لما صح اعتكافه بالليل؛ لأنه لا صيام فيه.

شروط صحة الاعتكاف: الإسلام والعقل، والتمييز، والنية، وأن يكون في مَسْجِدٍ تُقام فيه الجماعة إلا للمرأة، ففي أي مسجد)، وإذن الزوج لزوجته والولي للمرأة)، والطهارة من الحدث الأكبر الجنابة والحيض والنفاس).

يشترط لصحة الاعتكاف: أن يكون في مَسْجِدٍ تُقام فيه الجماعة، إذا كان يتخلل الاعتكاف صلاة جماعة (كاعتكاف يوم أو يوم وليلة، أو اعتكاف العشر)؛ لأن الجماعة واجبة، وخروجه إليها في مسجد تقام فيه ينافي مقصود الاعتكاف، وهو لزوم المعتكف والإقامة فيه.

لا يشترط لصحة الاعتكاف: أن يكون في مَسْجِدٍ تُقام فيه الجمعة، لكن الأفضل الاعتكاف في المسجد الجامع الذي تقام فيه الجمعة - إن تيسر ، ويجب عليه الخروج لحضورها، ولا يبطل اعتكافه بذلك؛ لأن خروجه من باب الضرورة.

يَصِحُ الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، وهو مذهب جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم، وعليه عمل المسلمين دون نكير؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾[البقرة: ١٨٧]، فلم يخص مسجدا دون مسجد. وخالف في ذلك قلة من أهل العلم.

حديث لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة لا يصح مرفوعًا، وإنَّما هو موقوف على حذيفة بن اليمان رضا اللَّهُ عَنْهُ من قوله، وخالفه في ذلك كبار الصحابة، وحمله بعض العلماء على تقدير صحته - على أنَّ المراد به : أكمل الاعتكاف، أو: لا اعتكاف يُنذر ويُسافر إليه إلا في هذه المساجد الثلاثة.

الاعتكاف في المساجد الثلاثة (المسجد الحرام والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى) أفضل من غيرها من المساجد لشرفها وفضلها. وأفضلها : المسجد الحرام (الصلاة فيه أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه، ثم المسجد النبوي (الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)، ثم المسجد الأقصى.

من نذر الاعتكاف في أحد المساجد الثلاثة؛ لزمه النذر وعليه الوفاء، ولم يجز له الاعتكاف فيما دونها من المساجد. وإن نذر الاعتكاف في الأعلى منها وعينه (كالمسجد الحرام)؛ لم يجز الاعتكاف فيما دونه.

ومن نذر الاعتكاف في الأدنى منها وعينه؛ جاز له الاعتكاف فيه وفي الأعلى؛ فمن نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى مثلا؛ جاز له الاعتكاف فيه أو في المسجد النبوي أو المسجد الحرام، ومن نذر الاعتكاف في المسجد النبوي جاز له الاعتكاف فيه أو في المسجد الحرام.

من نذر الصلاة أو الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؛ فلا يلزمه الصلاة أو الاعتكاف في المسجد الذي عينه، بل يصح الاعتكاف أو الصلاة في أي مسجد آخر.

ما كان في حكم المسجد فيجوز للمعتكف دخوله أو صعوده أو الاعتكاف فيه؛ كساحة المسجد وفنائه، وسطحه، ومنارته الداخلة فيه؛ لأنها من جملة المسجد فتأخذ أحكامه.

يصح خروج المُعتَكِف إلى رحبة المسجد (ساحته)، أو الاعتكاف فيها، إذا كانت الرحبة متصلة بالمسجد محوطة به؛ لأنها من جملة المسجد فتأخذ أحكامه، فإذا كانت منفصلة عنه فليس لها حكمه.

الغرف التي داخل المسجد وأبوابها مفتوحة عليه لها حكم المسجد، فيجوز الاعتكاف فيها أو دخولها؛ لأنها من المسجد. أما إذا كان بناؤها خارج المسجد؛ فلا يصح الاعتكاف فيها، ولو كان لهـا بـاب داخل المسجد.

يجوز للمعتكف احتجاز مكان في المسجد للاعتكاف فيه، كحجرة أو زاوية ونحوها.

الاعتكاف سُنَّةٌ للرجال والنساء، ويكون اعتكاف النساء في مكان مخصص لهنَّ بعيدا عن الرجال، ما لم تُخشَ فتنة الهنَّ أو لغيرهنَّ أو حَرَجٌ من اعتكافهنَّ، فتُمنع منه النساء دَرْءًا للمفسدة.

وقد كانت أمهات المؤمنين رَضَي اللَّهُ عَنْهُنَ يَعْتَكِفْنَ مع النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته، واعتكفن بعد موته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

لا يجوز للمرأة أن تَعْتَكِفَ أو تنذر الاعتكاف إلا بإذن زَوْجِها؛ لأنَّ اعتكافها في المسجد يفوت حق الزوج.

إذا أذن الزوج للمرأة في الاعتكاف؛ فله الرجوع في الإذن وإخراجها من المعتكف إذا كان الاعتكاف تطوعًا، بخلاف اعتكاف النذر فيجب إتمامه - لأنه تعين بالشروع فيه ، ولا يجوز للزوج إخراجها منه بعد أن أذن فيه.

للمرأة أن تعتكف في أي مسجد، ولا يشترط لصحة اعتكافها أن يكونَ في مَسْجِدٍ تُقام فيه الجماعة؛ لأنها غير واجبة عليها.

لا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها؛ لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد، وموضع صلاة المرأة في بيتها ليس بمسجد؛ لأنه لم يُبن للصلاة فيه، فلا يثبت له أحكام المساجد الحقيقية، وكان أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتكفن في مسجده الشريف، ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لأرشدَهُنَّ إِليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونبههنَّ عليه.

من أراد اعتكاف العشر الأواخر من رمضان؛ فإنَّه يدخل المسجد قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين على مذهب الجمهور، ويخرج بعد غروب شمس آخر يوم من رمضــــان : فإن كان رمضان ثلاثين يوما ينتهي الاعتكاف بأذان المغرب، وإلا انتظر حتى ثبوت الرؤية.

استحب بعض السلف لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان أن يبيت ليلة العيد في مُعتكَفه، ثم يغدو إلى مصلَّى العيد من المسجد.

لا يصح الاعتكاف ابتداءً إلا بطهارة المعتكف مما يوجب الغسل (كجنابة أو حيض أو نفاس)؛ لأنه لا يباح اللبث في المسجد للمحدث حدثًا أكبر، واللبث في المسجد هو معنى الاعتكاف.

إذا احتلم المُعتَكِفُ فلا يبطل اعتكافه، ولا يجوز له اللبث في المسجد وعليه جنابة، فيغتسل ويتم اعتكافه.

إذا طرأ الحيض على المرأة المعتكفة؛ حرم عليها اللبث في المسجد، فتخرج من المسجد إلى بيتها، ولا يبطل اعتكافها، فإذا طهرت رجعت إلى المسجد وبنت على ما مضى من اعتكافها.

يبطل الاعتكاف بـ: الخروج من المسجد لغير حاجة، والجماع، والإنزال بمباشرة أو استمناء، وغياب العقل بجنون أو سكر ونحوه، وقطع نية الاعتكاف، والردة - عياذا بالله .

يجوز الخروج من المسجد الحاجة الإنسان التي لا بد منها، ولا يبطل اعتكافه بذلك، كقضاء الحاجة، وإحضار الطعام إذا لم يكن له من يأتيه به، والوضوء، والاغتسال من الجنابة، وإحضار الدواء وليس عنده من يُحضره له، ونحو ذلك. ويختار المكان الأقرب لقضاء حوائجه ولا يجوز له الخروج للمكان الأبعد مع تيسر الأقرب.

لا يجوز طلب الطعام بالجوال من المطعم أثناء الاعتكاف؛ لأنه داخل في النهي عن البيع والشراء في المسجد. لكن يجوز الخروج من المسجد لطلبه، ويدفع قيمته ويتسلمه خارج المسجد.

لا بأس للمعتكف أن يُخرج بعض بدنه من المسجد، ولا يفسد اعتكافه بذلك، كأن يُخرج رأسه أو رِجْلَه؛ لحديث عائشة رضي اللَّه عنها قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأُرَجِّلُهُ».

من جامع زوجته أثناء اعتكافه؛ بطل اعتكافه، ولا قضاء عليه ولا كفارة إلا أن يكون واجبا؛ فعليه القضاء فقط.
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧].

الملامسة والمباشرة من غير شهوة لا تبطل الاعتكاف، كأن تناول المرأة زوجها شيئًا أو تسلم عليه؛ فعن أم المؤمنين عائشة رض الله عنها قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَرَجُلُهُ ».

من باشر زوجته دون الفرج، فأنزل؛ فسد اعتکافه، وإن لم يُنزل لم يفسد. وإذا احتلم أو أنزل بسبب التفكير؛ فلا يبطل اعتكافه، وعليه أن يغتسل ويتم اعتكافه.

لا يجوز للمعتكف أن يزور مريضًا أثناء اعتكافه، أو يشهد جنازة، أو يجيب دعوة أو يقضي حوائج أهله، أو يذهب إلى عمله؛ لأن هذا مما ينافي الاعتكاف. وقد صح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: «السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ : أَن لَا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدَ جَنَازَةً، وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرَهَا، وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ.

أجاز جمهور أهل العلم للمعتكف الاشتراط في الاعتكاف، بشرط أن يكون ما اشترطه مباحًا، وألا يكون منافيًا لمقصود الاعتكاف (كالجماع، والخروج للنزهة أو التجارة، ونحو ذلك).

فيجوز اشتراط الخروج من الاعتكاف إذا عرض له عارض، أو الخروج للأكل في البيت، أو لعيادة مريض قريب، أو لحضور جنازة أحد الوالدين أو الأقارب، ونحو ذلك. وفائدة الاشتراط : أن اعتكافه لا يبطل بفعل ما اشترطه، ويكون في حكم المعتكف.

فإذا كان الاعتكاف واجبًا بنذر؛ فيزاد على ذلك : أنه يسقط عنه قضاء زمن الخروج.

وإن لم يشترط فهو أفضل، خروجًا من الخلاف في المسألة، وهو الأقرب المقصود الاعتكاف، ثم إذا عرض له عارض لا بُدَّ منه خرج ثم استأنف اعتكافه.

لا يبطل الاعتكاف بالمعاصي، كالغيبة والنميمة والكذب وغيرها، فهي محرمة في الاعتكاف وغيره، لكنها تناقض مقصود الاعتكاف وتنقص ثوابه ويأثم بها صاحبها.

من بطل اعتكافه المستحب بعد الشروع فيه؛ استحب له قضاؤه ولا يجب، وقد ثبت أنَّ النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ترك اعتكاف العشر مرة؛ اعتكف عشرا من شوال قضاء له.

من بطل اعتكافه الواجب بالنذر بعد الشروع فيه، وجب عليه قضاء ما بطل منه.

من نذر اعتكافا، ومات قبل الوفاء بنَذْرِه؛ يُستَحَبُّ لوليه أن يقضي الاعتكاف عنه؛ لحديث سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضَ لَهُ عَنْهُ، أَنَّهُ اسْتَفْتَى رَسُولَ الله صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرُ، فَقَالَ: «اقْضِهِ عَنْهَا ».

يُسْتَحَبُّ للمعتكف :
  • الانشغال بالعبادات والقربات المختصة بالمعتكف كالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله والدعاء والاستغفار والصلاة على النبي صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغيرها من القربات.

  • تجنب الجدال والمراء، وما لا يعنيه من الأقوال والأفعال، وعدم الإكثار من الكلام.

  • الانقطاع عن الدنيا ومشاغلها، والحياة وملهياتها، والتقلل من المباح، والزهد في الدنيا، جاعلا أُنسه بالله تعالى وحده. العناية بأعمال القلوب كالإخلاص والمحبة، والرجاء، والتوكل، والانقياد، والشكر، وغيرها)، وإصلاح الظاهر والباطن فيُسْلِم وَجْهَه الله، مُخْلِصًا له، منيبا إليه، خاضعا ذليلا بين يديه مع كمال الحب والخضوع، يَحْمَدُ الله ويشكره، ومن مساوي عمله يستغفره، يستعيده ويستعينه، ويتوكل عليه، ولا يلجأ إلا إليه، يخاف ربه ويرجوه والخوف والرجاء له كالجناحين للطائر يقوي في الصحة جانب الخوف، ويُغَلِّب الرجاء حال الاحتضار : ﴿ يَحْذَرُ الْآخِرَة ويَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 9]، يرجو رحمته وجنته، ويكون مع رجائه عمل صالح يرضاه ربه ، يحتسب فيه الأجر والثواب.

لا يكون حال المعتكف داخل المعتكف كحاله خارج المسجد، بل يكون اعتكافه: خَلْوَةً بربه، وإصلاحًا لقلبه، ولما لشعبه، ومحاسبة لنفسه، ومحافظة على وقته، وتقوية لعلاقته بربه، وحفظاً لصيامه، وتربية على الإخلاص، وتقللا من المباح، وزُهْدًا في الدنيا.

يباح للمعتكف: ترجيل شعره، وحلق رأسه، وتقليم أظفاره، والاغتسال وتنظيف بدنه، والتطيب، ولبس أحسن الثياب، والأكل والشرب في المسجد . مع الحرص على نظافة المسجد وصيانته عن الأقذار .

يجوز للمرأة أن تزور زوجها في مُعتَكَفه وله أن يخلو بها، ويوصلها إلى بيتها - إن كانت هناك حاجة، ولأهله وأصحابه أن يزوروه للحاجة.

من الأخطاء التي يقع فيها بعض المعتكفين :
  • كثرة النوم بالنهار، والسهر بالليل في غير طاعة، والتثاقل عن الاستيقاظ.

  • عدم ترك فضول الكلام، والإكثار من المزاح والسَّمَر، وخَلْط الجد بالهزل، والوقوع في الغيبة والحرام، وعدم مراعاة حرمة الزمان والمكان الذي هو فيه.

  • المبالغة في استعمال الجوال وتصفح مواقع التواصل وتطبيقات المراسلات ومباشرة الأعمال والتجارات داخل المعتكف.

  • كثرة الزيارات للأهل والأصدقاء داخل المعتكف، واتخاذ المعتكف موضع عشرة ومجلبة للزائرين ! فهذا يُخالف الاعتكاف النبوي.

  • المبالغة في الطعام والشراب، وإيذاء المصلين برائحة الطعام.

  • عدم المحافظة على نظافة المسجد ونظامه.

  • الانشغال في الاعتكاف بقراءة الكتب والأولى الانشغال بالطاعة والتعبد.

  • الإصرار على الاعتكاف ولو على حساب ترك الواجبات؛ كقضاء مصالح الأهل، ورعاية الوالدين، والسعي على الرزق، ونحو ذلك.

المصدر : من كتيّب ٥٠ مسألة وفائدة في الاعتكاف للشيخ محمد صالح المنجد
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية