محتويات المقال
اسم الله الحفيظ
أشرف العلم وأعلاه
هل هناك حديث أحسن من الحديث عن الله -جل جلاله- وعن أسمائه؟ وهل هناك مجلس أروع وأذكى من مجلس يُعظّم فيه الخالق سبحانه؟ وهل ثمة علم أشرف من العلم بأسماء الله وصفاته.
هذا العلم الذي فرّط في طلبه الكثير منا، وقصّرنا في العناية به وفهمه حتى فترت بذلك عباداتنا، وتجرأت على الخطايا جوارحنا، وضعفت صلتنا بالخالق الحكيم -جل وعلا-.
ولأهمية أسماء الله وصفاته كان الحديث عنها في كتاب الله الكريم أكثر من ذكر الجنة ونعيمها والمعاد وأحواله كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، وما ذاك إلا لأن العلم بأسماء الله وصفاته يدعو إلى عبادة الله وتعظيمه وخشيته وشكره ومحبته، قال -تعالى-: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف:180]، وقال سبحانه: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: 65].
معاني اسم الله الحفيظ
"الحفيظ " اسم من أسماء الله الحسنى تضمّن صفة الحفظ، ومعناه يدور على العلم والإحاطة والصيانة والرعاية.
فسمَّى نفسه –سبحانه- بهذا الاسم في مواضع من كتابه، قال -تعالى-: ﴿وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [سبأ:21]، وقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ [الشورى:6]، وعرف هذا الاسم الحسن أنبياء الله -تعالى-، فقال هود -عليه السلام- لقومه: ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [هود:57]، وقال يعقوب لبنيه: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف:64].
من صور حفظ الله للعباد
حفظ الله -تعالى- لدينه وأوليائه يتجلى في صور عدة، ومن ذلك مايلي:
حفظ الله -تعالى- لوحيه وأمره في سمائه من كل مسترق وشيطان ،قال -تعالى-: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ﴾ [الصافات: 6- 7]، كذلك حفظ الحفيظ اللطيف كتابه العظيم الشريف عن كل تغيير وتبديل وتحريف وصانه عن كل تقديم وتأخير وتصحيف ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9].
ومن صور حفظ الحفيظ حفظه لدينه؛ حيث جعله باقيا إلى يوم الدين ،قال -تعالى-: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33].
ومن صور حفظه -تعالى- حفظه لأنبيائه ورسله؛ فحفظ إبراهيم -عليه السلام- يوم أُلقي في النار فجعلها الله له بردًا وسلامًا، هذا الحفظ ناله يوسف عليه السلام حينما راودته زوجة الملك فحفظ الله له دينه فصرف عنه السوء والفحشاء.
وحفظ نبيه يونس بن متى -عليه السلام- حين: ﴿نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ فجاءته العناية الإلهية ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 87- 88].
وتجلت هذه العناية مع سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- فآواه ربه يتيمًا، وأعلى ذِكره كبيرًا، وحفظه من كيد الفجار وتآمر الأشرار حتى بلّغ دعوة ربه وأنزل عليه فيما أنزل ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: 36] ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: 67].
ومن حفظ الله عنايته بخلقه: قال -تعالى-: ﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ [الأنبياء:42]، ومن ذلك أن أمسك سماءه أن تقع على أرضه، وثبّت بعد ذلك هذه الأرض بالجبال الراسيات أن تميد بأهلها، حفظ هذا كله بلا مشقة ولا لُغوب ،قال -تعالى-: ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: 255]، وقال جل ذكره : ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [فاطر: 41].
ومن حفظ الله حفظه أعمال العباد وأقوالهم في كتابٍ عنده، قال -تعالى-: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا﴾ [النبأ: 29]، وقد أوكل هذا الحفظ إلى ملائكة كرام، قال -تعالى-: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ [الطارق: 4] ،وقال -تعالى-: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: 10- 12].
وإذا حفظ المولى سبحانه عبده فهي السعادة التي ليس فوقها شيء، إذا حفظ الله عبده كلأه بعينه التي لا تنام وكساه بصونه الذي لا يرام.
وإذا العناية لاحظتك عيونها
نم فالمخاوف كلهن أمان
وأعظم الحفظ وأكرمه وأشرفه أن يحفظ المولى على عبده قلبه من الزيغان ويحرس عليه دينه من الكفر والنفاق والطغيان، نعمة وأيّ نعمة يوم أن يثبت العبد على صراط الله وهدى رسول الله أمام طوفان الشبهات ورياح الشهوات.
فتن وأهواء لا يثبت أمامها ولا ينجو من حبائلها إلا من حفظه الله بالإيمان وعصمه بالتقوى، وتأمل أخي في حال كل هالك، وانظر شأن من سقط في تلك المهالك تجد من غوى بأدنى شبهة أو ضل بأقل شهوة، فرحماك رحماك ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 64].
ومن عجيب حفظ الله -تعالى- لعبده: أن يحفظه في ذريته من المكاره والأذى والشرور والردى، قال -تعالى- ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [النساء: 9]، وقد قص علينا ربنا خبر الغلامين اليتيمين الذين حفظ الله لهما كنزهما بسبب صلاح أبيهما.. قال سعيد بن المسيب لابنه ناصحا ومذكرا: "إني لأزيد في صلاتي من أجلك رجاء أن أحفظ فيك".
وقال الخليفة العادل في مملكته: عمر بن عبدالعزيز: "ما من مؤمن يموت إلا حفظه الله في عقبه وعقب عقبه".
وقال ابن المنكدر: "إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده، فما يزالون في حفظ الله وستره".
كيف يحفظ العبد ربه؟
من حفظ الله في حال القوة والشباب حفظه ربه إذا كبر وشاب، أبو الطيب الطبري عالم عابد همام قد جاوز المائة عام متعه الله بالعقل والقوة وحسن القعود والقيام، فسُئل عن ذلك فقال: "هذا جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظهما الله -تعالى- علينا في الكبر، ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 64].
متى يستحق العبد حفظ ربه
إن أراد العبد حفظ الله فليحفظ حق الله وليحفظ أوامر الله، وليحفظ حدود الله.. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس: "احفظ الله يحفظك" ، وأعظم ما يحفظ العبد من حق ربه هو تجريد التوحيد لرب العالمين فلا يشرك مع ربه أحدًا، ولا يصرف شيئًا من أنواع العبادة لغيره -سبحانه- .. قال -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا".
احفظ الله بالمحافظة على ما أمرك الله بالمحافظة عليه، وأخصها هذه الصلاة ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238].
واحفظ الله في طهورك إسباغا وإتماماً فقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن".
واحفظ الله في لسانك وسمعك وبصرك، فلا تسخرها في الحرام، فإنها جوارح مستردة ونعم مستوفاة ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36].
واحفظ الله في فرجك فصُنه عن الآثام فقد أمرك به ربك وخاطب فيك إيمانك بقوله: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ..﴾ [النور: 30].
ووعد الله الحافظين لفروجهم بالأجر العظيم والمغفرة الواسعة فقال جل ذكره : ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35].
واحفظ الله بالتقرب إلى الله بأنواع النوافل وسائر المستحبات، ففي الحديث القدسي يقول ربك جل جلاله: "وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ورجله التي يمشي بها ويده التي يبطش بها".
والمعنى: أن الله -تعالى- يحفظ لعبده جوارحه فلا يسمع ولا يبصر إلا في الحلال ولا تمتد يده ولا تسعى رجله إلا فيما يرضي الله.
فاحفظ الله في خلواتك وجلواتك فلا تجعل الله أهون الناظرين إليك واستح من نظر الواحد القهار وتذكر دائمًا قوله -تعالى-: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [العلق: 14]، وألح في مسألتك لرب البشر أن يحفظ عليك دينك من الفتن والشبهات ويصون إيمانك؛ فقد كان من دعوات المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام قاعدًا، واحفظني بالإسلام راقدًا".
لماذا خُذلت الأمة وكيف تستعيد عزها ومكانتها؟
وإذا حفظت الأمة دين ربها وعظّمت شرعه وحكّمت شريعته حفظ الله لها عزها وقوتها ومكنها في أرضه ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128]، هذا وعد من الله ومن أوفى بعهده من الله، قال -تعالى-: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا..﴾ [النور: 55].
وبقدر تضييع الأمة لأوامر الله ودينه وشرعه وشريعته تتخلى عنهم عناية الله ومدد السماء وما ذلّت أمة الإسلام في دهرنا يوم ذلت إلا حينما استنصرت ولاذت بالآخر ونسيت أوامر الأول والآخر وتعامت عن حساب اليوم الآخر.. وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40].
المرجع :
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: أسماء الله الحسنى