محتويات المقال
الخلفاء الراشدون (أبو بكر الصديق)
خليفة رسول الله ابو بكر الصديق رضي الله عنه
أبو بكر الصديق خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسمه: عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، القرشي، التيمي، يلتقي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرة.
قال النووي في تهذيبه: وما ذكرناه -من أن اسم أبي بكر الصديق عبد الله- هو الصحيح المشهور، وقيل: اسمه عتيق، والصواب الذي عليه كافة العلماء أن عتيقًا لقب له لا اسم، ولقّب عتيقًا لعتقه من النار، كما ورد في حديث رواه الترمذي وقيل: لعتاقة وجهه -أي: حسنه وجماله- قاله مصعب بن الزبير، والليث بن سعد، وجماعة. وقيل: لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به.
قال مصعب بن الزبير وغيره: وأجمعت الأمة على تسميته بالصديق؛ لأنه بادر إلى تصديق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولازم الصدق، فلم تقع منه هناة، ما، ولا وقفة في حال من الأحوال، وكانت له في الإسلام المواقف الرفيعة مخنها قصته ليلة الإسراء، وثباته، وجوابه للكفار في ذلك، وهجرته مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وترك عياله وأطفاله، وملازمته في الغار وسائر الطريق، ثم كلامه يوم بدر ويوم الحديبية حين اشتبه على غيره الأمر في تأخر دخول مكة، ثم بكاؤه حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عبدًا خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة"، ثم ثباته يوم وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخطبته الناس وتسكينهم، ثم قيامه في قضية البيعة لمصلحة المسلمين، ثم اهتمامه وثباته في بعث جيش أسامة بن زيد إلى الشام وتصميمه في ذلك، ثم قيامه في قتال أهل الردة ومناظرته للصحابة حتى حجهم بالدلائل، وشرح الله صدورهم لما شرح له صدره من الحق -وهو قتال أهل الردة- ثم تجهيزه الجيوش إلى الشام لفتوح وإمدادهم بالأمداد، ثم ختم ذلك بمهمّ من أحسن مناقبه وأجل فضائله، وهو استخلافه على المسلمين عمر -رضي الله عنه- وتفرسه فيه، ووصيته له، واستيداعه الله الأمة، فخلفه الله -عز وجل- فيهم أحسن الخلافة، وظهر لعمر الذي هو حسنة من حسناته وواحدة من فعلاته تمهيد الإسلام، وإعزاز الدين، وتصديق وعد الله تعالى بأنه يظهره على الدين كله، وكم للصديق من مناقب ومواقف وفضائل لا تحصى؟ هذا كلام النووي.
وأقول: قد أردت أن أبسط ترجمة الصديق بعض البسط، ذاكرًا فيه جملة كثيرة مما وقفت عليه من حاله، وأرتب ذلك فصولاً.
اسمه ولقبه
تقدمت الإشارة إلى ذلك. قال ابن كثير: اتفقوا على أن اسمه عبد الله بن عثمان، إلا أن ما روى ابن سعد عن ابن سيرين أن اسمه عتيق، والصحيح أنه لقبه، ثم اختلف في وقت تلقيبه به وفي سببه، فقيل: لعتاقة وجهه -أي: لجماله- قاله الليث بن سعد، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وغيرهم. وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: لقدمه في الخير، وقيل: لعتاقة نسبه -أي: طهارته، إذ لم يكن في نسبه شيء يعاب به- وقيل: سمي به أولاً، ثم سمي بعبد الله. وروى الطبراني عن القاسم بن محمد أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن اسم أبي بكر، فقالت: عبد الله. فقال: إن الناس يقولون: عتيق. قالت: إن أبا قحافة كان له ثلاثة أولاد سماهم: عتيقًا، ومعتقًا، ومعيتقًا، وأخرج ابن مَنده، وابن عساكر عن موسى بن طلحة، قال: قلت لأبي طلحة: لِمَ سمّي أبو بكر عتيقًا؟ قال: كانت أمه لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، ثم قالت: اللهم إن هذا عتيق من الموت فهبه لي. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: إنما سمي عتيقًا لحسن وجهه. وأخرج ابن عساكر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: اسم أبي بكر الذي سماه به أهله عبد الله، ولكن غلب عليه اسم عتيق، وفي لفظ: ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه عتيقًا. وأخرج أبو يعلى في مسنده، وابن سعد، والحاكم وصححه، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: والله إني لفي بيتي ذات يوم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في الفناء والستر بيني وبينهم إذ أقبل أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر" ، وإن اسمه الذي سماه أهله عبد الله، فغلب عليه اسم عتيق. وأخرج الترمذي والحاكم، عن عائشة -رضي الله عنها- أن أبا بكر دخل على رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فقال: "يا أبا بكر، أنت عتيق النار" ، فمن يومئذ سمي عتيقًا، وأخرج البزار، والطبراني بسند جيد عن عبد الله بن الزبير، قال: كان اسم أبي بكر عبد الله، فقال له رسول الله عليه الصلاة والسلام: "أنت عتيق الله من النار" فسمي عتيقًا.
وأما الصديق فقيل: كان يلقب به في الجاهلية؛ لما عرف منه من الصدق ذكره ابن مسدي.
وقيل: لمبادرته إلى تصديق رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فيما كان يخبر به. قال ابن إسحاق عن الحسن البصري وقتادة: وأول ما اشتهر به صبيحة الإسراء. وأخرج الحاكم في المستدرك عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاء المشركون إلى أبي بكر، فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟ يزعم أنه أسريَ به الليلة إلى بيت المقدس، قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، فقال: لقد صدق، إني لأصدقه بأبعد من ذلك -بخبر السماء غدوة وروحة، فلذلك سمي الصديق،
قال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا أبو معشر عن وهب مولى أبي هريرة، قال: لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسري به، فكان بذي طوىً، قال: "يا جبريل، إن قومي لا يصدقوني"، قال: "يصدقك أبو بكر، وهو الصديق"
وأخرج الحاكم في المستدرك عن النزال بن سبرة قال: قلنا لعلي: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أبي بكر، قال: ذاك امرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل، وعلى لسان محمد، كان خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الصلاة، رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا.
وأخرج الدارقطني والحاكم عن أبي يحيى، قال: لا أحصي كم سمعت عليًّا يقول على المنبر: إن الله سَمّى أبا بكر على لسان نبيه صديقًا
وأخرجه الطبراني بسند جيد صحيح عن حكيم بن سعد قال: سمعت عليًّا يقول ويحلف: لأنزل الله اسم أبي بكر من السماء الصديق، وفي حديث أحد: "اسكن فإنما عليك نبي وصديق، وشهيدان".
وأم أبي بكر بنت عم أبيه، اسمها: سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب، وتكنى أم الخير، قاله الزهري، أخرجه ابن عساكر.
مولده، ومنشئه
ولد بعد مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنتين وأشهر؛ فإنه مات وله ثلاث وستون سنة.
قال ابن كثير: وأما ما أخرجه خليفة بن الخياط، عن يزيد بن الأصم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لأبي بكر: "أنا أكبر أو أنت؟ " قال: أنت أكبر وأنا أسنّ منك. فهو مرسل غريب جدًّا، والمشهور خلافه، وإنما صح ذلك عن العباس.
وكان منشؤه بمكة، لا يخرج منها إلا لتجارة، وكان ذا مال جزيل في قومه، ومروءة تامة، وإحسان، وتفضل فيهم، كما قال ابن الدّغنّة: إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتكسب المعدوم، وتحمل الكَلّ وتعين على نوائب الدهر، وتقري الضيف.
قال النووي: وكان من رؤساء قريش في الجاهلية، وأهل مشاورتهم، ومحببًا فيهم، وأعلم لمعالمهم، فلما جاء الإسلام آثره على ما سواه، ودخل فيه أكمل دخول.
وأخرج الزبير بن بكار وابن عساكر عن معروف بن خربوذ قال: إن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- أحد عشرة من قريش اتصل بهم شرف الجاهلية والإسلام فكان إليه أمر الدّيات والغرم، وذلك أن قريشًا لم يكن لهم ملك ترجع الأمور كلها إليه، بل كان في كل قبيلة ولاية عامة تكون لرئيسها، فكانت في بني هاشم السقاية، والرفادة، ومعنى ذلك أنه لا يأكل ولا يشرب أحد إلا من طعامهم وشرابهم، وكانت في بني عبد الدار: الحجابة، واللواء، والندوة -أي: لا يدخل البيت أحد إلا بإذنهم- وإذا عقدت قريش راية حرب عقدها لهم بنو عبد الدار، وإذا اجتمعوا لأمر إبرامًا أو نقصًا لا يكون اجتماعهم إلا بدار الندوة، ولا ينفذ إلا بها، وكانت لبني عبد الدار.
أبو بكر رضي الله عنه أعف الناس في الجاهلية
أخرج ابن عساكر بسند صحيح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: والله ما قال أبو بكر شعرًا قط في جاهلية ولا إسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية.
وأخرج أبو نعيم بسند جيد عنها، قالت: لقد حرّم أبو بكر الخمر على نفسه في الجاهلية.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن الزبير قال: ما قال أبو بكر شعرًا قط.
وأخرج ابن عساكر عن أبي العالية الرياحيّ، قال: قيل لأبي بكر الصديق في مجمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل شربت الخمر في الجاهلية؟ فقال: أعوذ بالله، فقيل: ولِمَ؟ قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيعًا في عرضه ومروءته، قال: فبلغ ذلك رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فقال: "صدق أبو بكر، صدق أبو بكر" مرتين، مرسل غريب سندًا ومتنًا.
صفته رضي الله عنه
أخرج ابن سعد عن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلاً قال لها: صِفي لنا أبا بكر، فقالت:رجل أبيض، نحيف، خفيف العارضين ، أجنأ ، لا يستمسك إزاره يسترخي على حقويه، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة ، عاري الأشاجع. هذه صفته.
وأخرج عن عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر كان يخضب بالحناء والكتم.
وأخرج عن أنس قال: قدم رسول الله -عليه الصلاة والسلام- المدينة وليس في أصحابه أشمط غير أبي بكر، فلفّها بالحناء والكتم.
إسلام أبو بكر رضي الله عنه
أخرج الترمذي وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال أبو بكر: ألست أحق الناس بها؟ أي الخلافة، ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب كذا؟ ألست صاحب كذا؟ ألست صاحب كذا.
وأخرج ابن عساكر من طريق الحارث عن علي رضي الله عنه، قال: أول من أسلم من الرجال أبو بكر الصديق.
وأخرج ابن سعد عن أبي أروى الدوسي الصحابي -رضي الله عنه- قال: أول من أسلم أبو بكر الصديق.
وأخرج الطبراني في الكبير، وعبد الله بن أحمد في زوائده الزهد، عن الشعبي، قال: سألت ابن عباس: أي الناس كان أول إسلامًا؟ قال: أبو بكر الصديق، ألم تسمع قول حسان:
إذا تذكرت شجوًا من أخي ثقة
فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية، أتقاها وأعدلها
إلا النبي، وأوفاها بما حملا
والثانيَ التاليَ المحمود مشهده
وأول الناس منهم صدّق الرسلا
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن فرات بن السائب قال: سألت ميمون بن مهران، قلت: عليّ أفضل عندك أم أبو بكر وعمر؟ قال: فارتعد حتى سقطت عصاه من يده، ثم قال: ما كنت أظن أن أبقى إلى زمان يعدل بهما، لله درهما! كانا رأس الإسلام. قلت: فأبو بكر كان أول إسلامًا أم علي؟ قال: والله لقد آمن أبو بكر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- زمن بحيرا الراهب حين مرّ به، واختلف فيهما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه، وذلك كله قبل أن يولد عليّ.
وقد قال: إنه أول من أسلم خلائق من الصحابة والتابعين غيرهم، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه. وقيل: أول من أسلم علي، وقيل: خديجة. وجمع بين الأقوال بأن أبا بكر أول من أسلم من الرجال، وعلي أول من أسلم من الصبيان، وخديجة أول من أسلمت من النساء، وأول من ذكر هذا الجمع الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- أخرجه عنه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن عساكر، عن سالم بن أبي الجعد، قال: قلت لمحمد بن الحنفية: هل كان أبو بكر أول القوم إسلامًا؟ قال: لا، قلت: فبمَ علا أبو بكر وسبق حتى لا يذكر أحد غير أبي بكر؟ قال: لأنه كان أفضلهم إسلامًا من حين أسلم حتى لحق بربه.
وأخرج ابن عساكر بسند جيد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أنه قال لأبيه سعد: أكان أبو بكر الصديق أولكم إسلامًا؟ قال: لا، ولكنه أسلم قبله أكثر من خمسة، ولكن كان خيرنا إسلامًا.
قال ابن كثير: والظاهر أن أهل بيته صلى الله عليه وسلم آمنوا قبل كل أحد: زوجته خديجة، ومولاه زيد، وزوجة زيد أم أيمن، وعلي، وورقة، انتهى.
وأخرج ابن عساكر عن عيسى بن يزيد، قال: قال أبو بكر الصديق، كنت جالسًا بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نفيل قاعدًا، فمرّ به أمية بن أبي الصلت، فقال: كيف أصبحت يا باغي الخير؟ قال: بخير، قال: وهل وجدت؟ قال: لا، فقال:
كل دين يوم القيامة إلا ... ما قضى الله في الحقيقة بور
أما إن هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم، قال: ولم أكن سمعت من قبل ذلك بني ينتظر ويبعث، قال: فخرجت إلى ورقة بن نوفل، وكان كثير النظر إلى السماء، كثير همهمة الصدر، فاستوقفته ثم قصصت عليه الحديث، فقال: نعم يابن أخي، إنا أهل الكتب والعلوم، إلا أن هذا النبي الذي ينتظر من أوسط العرب نسبًا -ولي علم بالنسب- وقومك أوسط العرب نسبًا، قلت: يا عم وما يقول النبي؟ قال: يقول ما قيل له، إلا أنه لا يظلم، ولا يظلم، ولا يظالم، فلما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آمنت به وصدقته.
وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر، ما عتم عنه حين ذكرته، وما تردد فيه" عتم: أي لبثَ.
قال البيهقي: وهذا لأنه كان يرى دلائل نبوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويسمع آثاره قبل دعوته، فحين دعاه كان قد سبقه له فيه تفكر ونظر، فأسلم في الحال؛ ثم أخرج عن أبي ميسرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا برز سمع من يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت وَلَّى هاربًا، فأسر ذلك إلى أبي بكر، وكان صديقًا له في الجاهلية.
وأخرج أبو نعيم وابن عساكر، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كلمت في الإسلام أحدًا إلا أَبَا عليّ، وراجعني الكلام، إلا ابن أبي قحافة، فإني لم أكلمه في شيء إلا قبله واستقام عليه".
وأخرج البخاري عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ إني قلت: أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعًا، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت".
المرجع :
الفئة: مواضيع دينية منوعة