محتويات المقال
الطاعة ... معناها وشروطها وكيفية تحصيلها
خطورة المعاصي والذنوب على الطاعات
أن فَلَاحَ الإنسانِ وفوزَه وسعادتَه في حياته وبعد مماته لا تكون إلا بالطاعة لِرَبِّ العالمينَ، والطاعةُ لا تتحقق إلا بامتثالِ أوامرِ اللهِ -تعالى-، مع تَرْكِ ما نهى اللهُ عنه، والذين يقومون بأوامر الله -عز وجل- ويهجرون النواهيَ ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾[النِّسَاءِ: 69-70]، أمَّا مَنْ عَمِلَ بالطاعة المأمور بها، وَرَكِبَ المعصيةَ، فقد أطاع اللهَ في حال، وعصى اللهَ في حال، والمعصية التي عصى بها ربَّه -تعالى- تضرُّ الطاعةَ، فتُنقص ثوابَها، وقد تُبطل ثوابَ الحسنةِ إذا كانت من الْمُبْطِلَاتِ، فلا بد لمن أراد أن يكون طائعًا لله -تعالى- طاعةً تامةً أن يجمع بين فعل الطاعات، واجتناب المحرَّمات، كما قال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾[مُحَمَّدٍ: 33]؛ أي: لا تُبطلوا الطاعاتِ بالمعاصي، وقال سبحانه: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾[الزُّمَرِ: 11-14]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾[النَّحْلِ: 92]، وهذا في كل طاعة تعقبها معصيةٌ تضرُّها.
وقال المفسِّرون في قول الله -سبحانه-: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾[الْبَقَرَةِ: 266]، قال المفسِّرون: "هذا مَثَلٌ ضَرَبَه اللهُ للطاعات تُذهبها وتُبطلها الذنوبُ" والعياذُ باللهِ. وعن ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لَأَعْلَمَنَّ أقوامًا من أمتي يأتونَ يومَ القيامةِ بأعمالٍ أمثالِ جبالِ تهامةَ بيضاءَ، فيجعَلُها اللهُ هباءً منثورًا، قال ثوبان: يا رسولَ اللهِ، صِفْهُم لنا جَلِّهِمْ لنا، ألَّا نكونَ منهم، قال: أمَا إنهم إخوانُكم وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ويأخذونَ من الليل كما تأخذونَ، ولكنهم أقوامٌ إذا خَلَوْا بمحارمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا"، وهذا الحديث فيه وعيدٌ شديدٌ، وتخويفٌ لمن لم يحجزه خوفُه من الله عن المحرَّمات، وتخويفٌ لمن أتبع الحسناتِ بالسيئات.
وجوب الحذر من الشيطان والسيئات
إن الله -عز وجل- قد مَنَّ عليكم بالمعونة والتوفيق للطاعات والقُرُبات في شهر الخيرات والبركات، وحفظكم فيه من الموبقات، وكفَّ عنكم الشيطانَ الداعيَ إلى المحرمات والغوايات، وقد صَفَتْ لكم في رمضان الأوقاتُ، وطابت لكم فيه الساعاتُ، وتلذذتم بتلاوة وسماع الآيات، وَزَكَتْ قلوبُكم بطاعة الرحمن، وكبتُّم الشيطانَ، وكنتُم على الصالحات من الأعوان، وإن عدوَّ الله الشيطان المذموم المدحور يريد أن يأخذ منكم بثأره بعد فِكاك أَسْرِهِ، فيجعل الأعمالَ هباءً منثورًا، ويريد أن يجعل التقوى فجورا، والخيرات شرورا، ويغوي مَنِ استطاع ليكون معه في جهنم وساءت مصيرا، قال الله -تعالى-: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[فَاطِرٍ: 6]، واتخاذه عدوًّا هو بالثبات على الطاعات وهَجْر المحرَّمات، فطوبى ثم طوبى لمن أَتْبَعَ الحسناتِ الحسناتِ، وسلامٌ لمن أتبع السيئاتِ الحسناتِ، قال الله -تعالى-: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾[هُودٍ: 114]، والمؤمن يُحسن العملَ ويسأل اللهَ دائمًا حسنَ الخاتمةِ، فما دُحِرَ الشيطانُ إلا بسؤال حُسْن الختام. وويلٌ لمن أتبع السيئاتِ السيئاتِ حتى نزَل به الموتُ وهو في غمرات الشهوات، هنالكَ يُحال بينَه وبينَ الدنيا، ولا ينفعُه ما تمتَّع به من الملذَّات فيحل الندمُ ويدوم الألمُ، قال الله -تعالى-: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾[الشُّعَرَاءِ: 205-207]، وقال تعالى: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾[سَبَأٍ: 54]، والحياة شاهدة بمصير الفريقينِ، والسعيدُ مَنِ اعتَبَرَ، والشقي من أعرض عن الهدى ولم يتذكر.
شروط يجب توافرها في الطاعة
إنكَ لن تُقْدِمَ على ربكَ بمالٍ، ولن تقدم على ربك بأهل وأصحاب ولا بأمان من العذاب، وإنما تُقدِمُ على ربك بعملٍ، فإن كان صالحا هُدِيتَ إلى الجواب على سؤال منكَر ونكير، وبُشِّرْتَ بالنعيم المقيم، وإن كان العمل غير صالح ضلَّ جوابُكَ، وبُشِّرْتَ بالعذاب الأليم، قال الله -تعالى-: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾[سَبَأٍ: 37]، تجارَتُكَ هي الطاعة لرب العالمين، فوزُكَ هو الطاعة، سعادتُكَ هي الطاعة، عِزُّكَ هي الطاعة، والطاعة نافعة شافعة إذا اجتمعت فيها أمورٌ:
الأمر الأول: الإخلاص فيها؛ بأن تريد بها وجهَ الله، لا رياءً ولا سمعةً.
الأمر الثاني: أن تكون الطاعةُ على هدي النبيِّ محمد -صلى الله عليه وسلم- وسُنَّتِه.
الأمر الثالث: أن تَسْلَمَ هذه الطاعةُ من الْمُبْطِلَاتِ.
ضرورة المداومة على العمل الصالح
المداوَمة على الطاعة، قال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾[الْحِجْرِ: 99]، قال المفسرون: "اليقينُ هو الموتُ؛ لأنه موقَن به، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أمَّا عثمانُ بنُ مظعون فقد أتاه اليقينُ؛ أي الموتُ"، وَمَنْ قال بأن العبد إذا بلَغ درجةَ اليقين من الإيمان سقطت عنه التكاليفُ فهو شيطانٌ مريدٌ، ضالٌّ مُضِلٌّ، ليس له من الإسلام مثقالُ ذرةٍ، وإن شهد ألا إله إلا الله، فهذا القول مبطِل للشهادتينِ، وهذا القائل وأمثاله من أولياء الشيطان، وليسوا من أولياء الرحمن، وإن ظهرت على أيديهم عجائبُ وغرائبُ، فهي من أعمال الشياطين يُضلون بها الناسَ، وأولياء الله هم المقيمون للصلاة وأركان الإسلام وغيرها، المحقِّقون للتوحيد بإخلاص العبادة والدعاء والذبح والنذر، والاستعاذة والاستعانة بالله -عز وجل-، المثبتون لله -تعالى- أسماءه وصفاته وأفعاله من غير تأويل ولا تعطيل ولا تحريف على ما كان عليه الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان.
وهل سقط التكليف عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؟ وهل كتَم رسولُ اللهِ الحقيقةَ وعَلِمَها هؤلاء الضالونَ الجهلةُ؟ فما أعظم فريتَهم على الله -عز وجل-، وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- في قولهم: "الشريعة لها ظاهر وباطن"، أو قولهم: "الإسلام شريعة وحقيقة"، وهم يعلمون الباطنَ والحقيقةَ، هؤلاء أعداء الملة، بل أعداء الإنسانية الذين يصدُّون عن سبيل الله، ويُبطلون القرآنَ والسننَ، ويُعَادُونَ اللهَ وأولياءَه، وصدَق رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "فَقِيهٌ واحِدٌ أَشَدُّ على الشيطانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ".
فاعبد ربَّكَ أيها المسلمُ ما دام الروحُ في الجسد، واحذر البدعَ التي تضادُّ ما جاء به نبيُّ الهدى سيدُنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[هُودٍ: 112].
أكثر من الصلاة على النبي يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
0
إقرأ المزيد :
الفئة: مواضيع دينية منوعة