الجنة وما فيها من نعيم وأنس
كلُّنا مَن آمن بالله، أو بأي رسول من رُسُل الله؛ حتى اليهود والنصارى، يؤمنون أنَّ هناك جنةً ناراً، لذلك بعض الملحدين، وبعض الجهلة من أهل الدين، يهودٍ أو نصارى أو مسلمين جهلةٍ في دينهم، يستهزئون بما في الجنة من نعيم.
وآخر ما قرأته في هذا؛ أن فتاة جاهلةً، اعترضت فيما يسمى التواصل، أو التباعد هذا الاجتماعي قائلة: لو عاش إنسان ساعات بين الويسكي والجنس ، لحصل عنده مللٌ وفتورٌ وزهق، فكيف باستمرار ذلك أبدَ الآبدين، هذا بعض كلامها الذي ذكرته مفصَّلا موضَّحًا مستهزئة بذلك، فهل هي مسلمة جاهلة؟ أم يهوديةٌ تنكرُ دينَها؟ أو نصرانية تنكر اعتقادها في الآخرة؟ أو هي ملحدةٌ لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا بجنة ولا نار؟!
ما علينا من هذا، لكن كلامها هذا هل هو صحيح؟ هذا غير صحيح، الجنة نعيمُها ليس مقتصرا على الويسكي والجنس والسكس كما تقول، لا والله! لأن هذه الكلمة (الويسكي)، تطلَقُ على الخمر؛ خمر الدنيا، التي تسكر وتذهب بالعقول، وتطلق كلمة جنس أو (سكس) على الزنا والدعارة، والعياذ بالله، وعلى المحرمات والمنكرات.
أما الجنة؛ فنعيمُها ليس مقتصرًا على خمر الجنة الذي لا يُسِكر، ولا على البقاء في القصور والغرف بين الحور العين.
بل هناك أمورٌ أخرى، هناك نعيمٌ ولذَّاتٌ متنوعة، تختلف من مكان إلى مكان في الجنة.
والسؤال المثار: هل أهلُ الجنةِ يبقَون في غُرَفِهم وقصورهم لا يخرجون بين النساء؛ الحور العين، وبين الشراب من الخمر التي هي لذة للشاربين؟
الأمر ليس كذلك، فلنستمع إلى ما أخبرناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ من أنّ أهل الجنة لهم سوق يخرجون إليها كلَّ جُمُعة، سوقٌ لا بيعٌ فيها ولا شراء، وإنما يرجع أهلُ السوق بالحسن والجمال، هذا ما أخبر عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا، يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ، وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا". رواه مسلم عن أنس.
بل هناك في الجنة من يخرج من بيته ومسكنه، من وغرفته وقصره؛ ليزرعَ أرضَه، ويحصد حصاده، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح؛ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ) -بدويٌّ يعيش في الصحراء، كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، ماذا كان حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ كان حديثه-: "أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟! قَالَ: بَلَى؛ وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، قَالَ: فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ "، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: (وَاللَّهِ لاَ تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا، أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). رواه البخاري عن أبي هريرة برقم: (2348).
كذلك أهل الجنة لا يبقون في دورهم ولا في قصورهم، بل يخرجون إلى التنزُّهِ على شواطئ الأنهار؛ أنهارِ الجنة في الخيام، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُونَ». والحديث متفق عليه عند البخاري (4879)، ومسلم 24- (2838) عن أبي موسى الأشعري، فسَعَة الخيمة ستون ميلا، سواءٌ بالميل الدنيوي؛ حوالي تسعين كيلو متر تقريبا العرض، وطولها كذلك، أو بميل يعلمه الله أكثر من ذلك بكثير.
في الآخرة؛ لكلِّ مؤمن في الجنة -نسأل الله أن نكون من أهلها- جنتان من فضة، وجنتان من ذهب، جنتان من فضة؛ الأواني الأبواب، والنوافذ والجدران، ليس هناك أسمنت، ولا حديد، ولا (حصمة)، ولا رمل أبدا، من فضة كلُّها، وجنتان من ذهب كلُّها لا يوجد فيها شيء آخر، فعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ». رواه البخاري (7444)، ومسلم 296- (180) عن أبي موسى الأشعري.
وكما جاء في الحديث الآخر، وبين أن ملاطها المسك ولبنة من ذهب، ولبنة من فضة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، بقدرة الله سبحانه وتعالى، فقد سئل صلى الله عليه وآله وسلم: (الْجَنَّةُ مَا بِنَاؤُهَا؟!) قَالَ: "لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَاليَاقُوتُ، وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ وَلَا يَبْأَسُ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ". رواه الترمذي (2526)، وأحمد (9744)، وابن حبان (7387)، والطيالسي (3701)، وانظر الصَّحِيحَة: (2662)، وصَحِيح التَّرْغِيبِ: (3714).
وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفًا؛ تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا"، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: (لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!) قَالَ: "لِمَنْ أَطَابَ الكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ". رواه الترمذي (1984)، (2526)، (1984)، وأحمد (22905)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (2123)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (617)، (2692).
في الجنة هناك البيوت والمنازل ليست متراصَّة، بل البعد بين كلِّ منزلٍ ومنزلٍ كالبعد بين كلِّ كوكبٍ وكوكبٍ في السماء، ومع ذلك يتزاورون يا عباد الله؛ أي: أنهم لا يبقون في بيوتهم، ثبت أنّه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الغُرَفَ فِي الجَنَّةِ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ فِي السَّمَاءِ». متفق عليه عند البخاري (6555)، ومسلم 10- (2830) عن سهل.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ فِي الغُرْفَةِ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الشَّرْقِيَّ أَوِ الْكَوْكَبَ الْغَرْبِيَّ الْغَارِبَ فِي الْأُفُقِ أَوِ الطَّالِعَ، فِي تَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ"، فَقَالُوا: (يَا رَسُولَ اللَّهِ أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ؟!) قَالَ: "بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَأَقْوَامٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ". رواه الترمذي وقال: (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) (2556)، وأحمد (8423).
أما وسيلة المواصلات: التي يركبونها وتوصلهم إلى تلك الأماكن فهي الخيل، الفرس أو الحصان، عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أُحِبُّ الْخَيْلَ، أَفِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ؟!) فَقَالَ: ("إِنْ يُدْخِلْكَ اللهُ الْجَنَّةَ؛ أُتِيتَ بِفَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ لَهُ جَنَاحَانِ، فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طَارَ بِكَ فِيِ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتَ"). رواه الترمذي (2544)، وأحمد (23032).عن بريدة الأسلمي.
فرس من ياقوتة له جناحان، يعني ليس هناك بول أو روث، لا يُخلَق الفرس هناك ليأكل ويشرب هناك، فرس ليس من لحم ولا عظم، فرس يسمع ويطيع من لؤلؤة، من حجر كريم، له جناحان يطير بك في الجنة حيث شئت.
أما بعض المسلمين فليسوا من هواة ركوب الخيل؛ بل من هواة الإبل والجمال والنوق، جاء في رواية أخرى: (فَسَأَلَهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ فِي الْجَنَّةِ إِبِلٌ؟!) فَلَمْ يَقُلْ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ الَّذِي قَالَ لِصَاحِبِهِ، قَالَ: ("إِنْ يُدْخِلْكَ اللهُ الْجَنَّةَ؛ يَكُونُ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَقَرَّتْ عَيْنُكَ"). رواه الترمذي (2543)، وأحمد (23032) عن بريدة الأسلمي، انظر الصَّحِيحَة: (3001)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (3756).
و(جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ) -بخطام يشبه الرسن والزمام- فَقَالَ: (هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُ مِائَةِ نَاقَةٍ؛ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ". رواه مسلم 132- (1892)، والنسائي (3187) عن أبي مسعود الأنصاري.
قال النوويُّ: قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ: لَهُ أَجْرُ سَبْعمِائَةِ نَاقَة، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِه، وَيَكُونُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ بِهَا سَبْعمِائَةٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَخْطُومَة، يَرْكَبُهُنَّ حَيْثُ شَاءَ لِلتَّنَزُّهِ، كَمَا جَاءَ فِي خَيْلِ الْجَنَّةِ وَنُجُبِهَا، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَر، وَاللهُ أَعْلَم. (النووي) (6/ 369).
إذن ليس هناك اقتصار على الجنس والسكس كما تقول تلك المرأة الجاهلة، نسأل الله السلامة، بل هناك استدعاءٌ لبعض أهل الجنة، يستدعيهم الله، ويخصهم بكرامات عنده، وهؤلاء هم المقسطون العادلون، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا". رواه مسلم 18- (1827) عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
وفي رواية: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ للهِ جُلَسَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ، -وَكِلْتَا يَدَيِ اللهِ يَمِينٌ- عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، وُجُوهُهُمْ مِنْ نُورٍ، لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ، وَلَا صِدِّيقِينَ")، قِيلَ: (يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟!) قَالَ: ("الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِ اللهِ تَعَالَى". رواه الطبراني عن ابن عباس برقم: (12686)، صَحِيح الْجَامِع: (4312)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (3022).
وقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الـمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي؛ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ" ... رواه الترمذي برقم: (2390).
وفي رواية: «حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ». رواه أحمد برقم: (22064).
فالقسط والعدل في حكمك إذا كنت حاكما أو مسئولا العدل والقسط في الزوجة والأولاد، تعطيهم حقوقهم وما وليت، كان عندك يتامى أو ما شابه ذلك، وكذلك التحابب والتزاور في الله يمنحك الجلوس على المنابر النورانية عن يمين الرحمن.
أهل الجنة لهم غُرَف خاصة، يستقبلون فيها الزوّار، ليست الغرف الخاصة بالأهل، ولا غرف الخدم، بل هي غرف خاصة بالزوار، فهم ﴿ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الواقعة: 15، 16]، وهذا بعض حديثهم يا عباد الله: ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ [الصافات: 49 - 53]، محاسبون ومجازَون، ونرجع مرة أخرى إلى حياة أخرى؟! الرجل صاحب البيت في الجنة يقول لزواره: ﴿ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ﴾ [الصافات: 54]، فيطلعون من فتحة خاصة على جهنم؛ وهو عبارة عن باب، كما جاء عن بعض السلف: (بَابٌ مُقْفَلٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ النَّارِ، يَفْتَحُهُ إِذَا شَاءَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ؛ لِتَعْظُمَ النِّعْمَةُ عَلَيْهِ). صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني: (2/ 20) (174)، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم: (ص: 61).
وليحسُنَ ظنَّه بربه سبحانه وتعالى، وتكون عنده الراحة بأن الله نجاه من هذا الأمر الخطير في النار، ﴿ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ [الصافات: 55 - 59]، هكذا كان كلامك؟! وهذا كان اعتقادك؟ أنك مكذب بهذا؟! ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الصافات: 60].
﴿ إِنَّ هَذَا ﴾ الذي فيه المؤمن؛ وتلك الغرف، وتلك الجنة، ﴿ لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ ، صدق الله العظيم، إن هذا لهو الفوز العظيم.
فأين ما تدَّعيه وتزعمه تلك المخدوعةُ وأمثالها من الملل والحبس في جدران القصور في الجنة، مقتصرين على الويسكي والسكس كما تقول، معذرة على هذه الكلمات السوقية، فهي كلماتها الساقطة، فلا يوجد في الجنة ويسكي ولا سكس، الذي في ظنها وظنهم اليوم؛ ليس موجودا غداً في الجنة، لكن فيها كما قال الله:
﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ﴾ [محمد: 15]، خمرٌ خاليةٌ من مادة الكحول المسكرة، التي تغطي العقول، ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ﴾ [الصافات: 45- 47]، ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ ﴾ [الواقعة 17- 19].
قال السعدي: ﴿ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ﴾ [الواقعة: 19]؛ أي: لا تصدِّعُهم رءوسهم كما تصدع خمرة الدنيا رأس شاربها، ﴿ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ﴾ [الصافات: 47]، أي: لا تُنزَف عقولهم، ولا تذهب أحلامهم منها، كما يكون لخمر الدنيا. تفسير السعدي أو تيسير الكريم الرحمن (ص: 833).
لذلك أهل الجنة يتبادل الرجال مع زوجاتهم النعيم لا السكس ولا الزنا، بل يتبادلون الطمث والجماع، والنكاح والاستمتاع بما أباح الله سبحانه وتعالى، لا بما حرم، ﴿ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ﴾ [الدخان: 54]، أي: نسوة لا ينظرن إلى غير أزواجهن، ﴿ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ﴾ [الرحمن: 72]، وغضضن بصرهن، وقصرن طرفَهن على أزواجهن فقط، ﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴾ [الرحمن: 56].
عباد الله! أقبِلوا على دينكم فادرسوه، وتعلَّموه، وخذوه من أفواه العلماءِ الثقات، وطلبة العلم الدعاة، لا من المهرِّجين أنصافِ العلماء وأشباهِ الدعاةِ؛ الذين انفصموا عن تاريخهم، وانفصلوا عن إسلامهم، ونابذوا سلَفَهم الصالح، واعتمدوا الآراءَ الضَّالة، والمقالاتِ الباطلةَ، فعليكم بالعتيقِ؛ دين محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، الدين لا نأخذه إلا من كتاب الله ربنا، وهدي وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وما فهمه سلفنا الصالح وما عملوا به.أما دنيانا فنأخذها مما حدث واستحدث.
دعاء
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، لا تعذبنا يا رب فأنت علينا قادر، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء، وتهدي بها من تشاء، فاجعلنا يا رب ممن هديت.
الفئة: مواضيع دينية منوعة