محتويات المقال
إحسان الظن بالله هدى ورشاد
على المسلم أن يحسن الظن بربه تعالى
ما ظنكم برب العالمين؟ هل سيُبقيكم على ما أنتم فيه من الظلم؟ هل سيتخلَّى عنكم كما تخلَّى عنكم القريبُ والبعيدُ؟ هل سيرفع عنكم ما أنتم فيه من الابتلاءات؛ في أموالكم، وفي أنفسكم، وفي أبنائكم؟
أبشروا، وأيقنوا أن الله معكم، وأحسنوا الظن بربكم، فقد جعل الخير بأمة الإسلام وإن تعثَّرت، وإن كَبَتْ، فالخير فيها إلى يوم القيامة، فالحذرَ الحذرَ يا مرابطون من المنافقين، لا تُوالوهم، ومن الفاسقين، لا تُجارِوُهم، ومن المرتدينَ على أعقابهم، لا تَلحَقوا بهم، أَسِيئوا الظنَّ بكل هؤلاء، وأحسِنوا الظنَّ بالله، الذي له الأمر، من قبلُ ومن بعدُ، واستقيموا، استقيموا على عقائد دينكم التي هي قطعيات، لا تتأولوها جهلًا، ولا تخوضوا فيها اعتباطًا، حقِّقُوا لا إله إلا الله، قولًا وعملًا، ولا تخرجوا من دينكم جهلًا ولا عدوانًا، ولا تنجرفوا وراء ديانة باطلة تحاول أن تخرجكم من دينكم الإسلام، فكل ذلك من سوء الظن بالله، والله قد أكمَل لكم الدينَ، وأتمَّ النعمة عليكم، فَقِفُوا عندَ حدوده، ولا تأتوا بعبادات جديدة، فنحن في عباداتنا نتبع ولا نبتدع، وقد قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أحدَث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ".
ولا تلتفوا إلى الفتاوى الشاذة التي تقوم على الهوى والجهل، أيًّا كان مصدرها، واحذروا أن تمرقوا من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فأحسِنوا الظن بدينكم، وألقوا ما يُسمَّى بالديانة الإبراهيمية خلفَ ظهوركم، لا تلتفوا إليها، ولا تسيروا وراء من يروجها، قال الله -سبحانه-: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾[الرَّعْدِ: 17]، فيا ربَّنا ثبِّتْنا على دينك الإسلام، واهدنا إلى سواء السبيل.
حسنُ الظنِّ بالله عبادةٌ، فأحسِنوا أعمالكم، على منهج القرآن والسُّنَّة النبوية، على منهج النبوة والخلفاء الراشدين، فقد جاء في الأثر: "حسنُ الظنِّ بالله من حُسنِ العبادةِ"، فيا من تُسرِّب العقاراتِ: أحسِن الظنَّ بالله وتُبْ، ويا مَنْ تُعطي ولاءك للكافرين وللمنافقين، أحسِن الظنَّ بالله وارجع إليه، يا مَنْ تأكل أموال الناس بالباطل، أحسِنِ الظنَّ بالله، فكلُّ دينار تأخذه بالحرام كيَّةٌ في نار جهنم، يا مَنْ يتعدَّى حدود الله، أحسِنِ الظنَّ بالله قبل أن تندم يوم لا ينفع الندم.
أيتها المرأة المتبرجة: أحسني الظنَّ بالله، فجسمُكِ وديعةٌ أودَعَكِ اللهُ إيَّاها، فلا تخوني وديعةَ الله، وارتدي الجلبابَ الذي فرَضَه اللهُ؛ ليكون لك زينة ووقارًا.
أيها الشاب الذي يركب رأسه، ويظن أنَّه قادر على كل شيء، أحسِنِ الظنَّ بالله، ولا تجهل، ولا تبارز ربك بالمعاصي، فناصيتك بيده، وهو قادر عليك، وعلى الخلق جميعًا، فكن من السبعة الذين يظلهم الله بظله، قال الحسن البصريّ: "إن قومًا ألهتهم الأمانيُّ حتى خرجوا من الدنيا وما لهم من حسنة، يقول أحدهم: أُحسِنُ الظنَّ بربي، وكذَب، ولو أحسَنَ الظنَّ لَأَحْسَنَ العملَ".
أيها المرابطون: هذا إبراهيم -عليه السلام- يُحسِن الظنَّ بربه، فيلجأ إليه، فحين أُلقي في النار قال: حسبي الله ونعم الوكيل، فأحسَن اللهُ إليه، وقال للنار: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾[الْأَنْبِيَاءِ: 69]، فاللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل، فنجِّنا ممَّا نحن فيه من نار الظالمين، إلى برد الأمن والعافية، كما نَجَّيتَ إبراهيمَ.
وهذه زوجته أم إسماعيل حين يتركها إبراهيم بصحراء مكة، بأمر ربه تسأله: "آللهُ آمَرَكَ بهذا؟"، فيقول لها إبراهيم: "نعم"، فتزداد أمُّ إسماعيلَ ثقةً بربها وتقول لزوجها إبراهيم: "إِذَنْ لا يضيعنا الله"، أحسنَتِ الظنَّ بربها فكانت زمزمُ سُقيَا طُعم وشفاء، حتى تنتهي الدنيا.
وأنتم يا أهل القدس وأكنافها، آلله كتب عليكم أن تكونوا فيها مرابطين؟ آلله كتب عليكم أن تكونوا فيها مجاورين؟ آلله كتَب عليكم أن تكونوا على الحق إلى يوم الدين؟ الجواب: نعم، إِذَنْ لن يضيعكم الله؛ فأحسِنوا الظنَّ به، فكما كان إسماعيل وأبوه وأمه يغدون إلى مكة ويروحون، فقد أحسن الله إليكم، فأنتم وذراريكم تغدون إلى القدس والأقصى وتروحون، وهي نعمة يتمناها ملايين المسلمين، فاشكروا الله على هذه النعمة، وحافظوا عليها، فأنتم الطائفة الظاهرة المنصورة إلى يوم القيامة.
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أحسَنَ الظنَّ بالله، فحين أُخرج من مكة مسقط رأسه، مهاجرًا في سبيله، قال لصاحبه وهما في الغار: "ما ظنُّكَ باثنين الله ثالثهما؟"، فأحسَن اللهُ إليه ونجَّاه من الكافرين، ثم ردَّه إلى بلده مكة، فاتحًا منصورًا عزيزًا.
فأحسِنوا الظنَّ بربكم، فاعملوا على إنهاء النكبة الكبرى التي هي أصل نكباتكم كلها؛ وهي الإعراض عن التحاكم إلى شرع الله، في كل شؤون الحياة، أنهوا هذه النكبة لكي تنتهي نكبة تهجيركم، يقول الله لكم ولأمثالكم من المسلمين: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾[الْحَجِّ: 40]، فيا من أُخرجت من بيتك وهُدِمَ، ويا من هُجِّرْتَ من أرضكَ، وصرتَ لاجئًا أحسِنِ الظنَّ بالله بالعودة إليه، فالعودة إلى الله تعيدك إلى الأرض التي أخرجت منها، وأحسِنِ الظنَّ بالله، بالهجرة إليه؛ فالهجرة إلى الله تردُّكَ إلى بيتك الذي لا زلتَ تحتفظ بمفتاحه، وكلما كنتَ إلى الله أقربَ أحسَنَ اللهُ إليكَ، وتقرَّب منكَ، فهو -سبحانه- يقول في الحديث القدسي: "وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصِر به، ويدَه التي يَبطِش بها، ولئن سألني لأُعطِيَنَّه، ولئن دعاني لأُجِيبَنَّه، ولئن استعاذني لأُعِيذَنَّه".
يا عبدَ اللهِ، يا مسلمُ: إذا كنتَ فقيرًا فأحسِنِ الظنَّ بالله، ولا تتعجل رزقك بالكسب الحرام، واعلم أن الفقر قدر الله فاصبر، والفقر أحيانًا منجاة، أحسِنِ الظنَّ بربك أيها الفقير، فأول من يدخل الجنة الفقراء، والصبر على الفقر عبادة، أحسِنِ الظنَّ بربك أيها المسلم، واسعَ في طلب الرزق، فإن السماء لا تُمطِر ذهبًا ولا فضةً، واللهُ يأمرنا ويقول: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾[الْمُلْكِ: 15].
أيها المريض المبتلى بالأمراض المزمنة، وبعضال الداء: أحسِنِ الظنَّ بالله، فما ابتلاك اللهُ إلا ليرحمك، وليغفر لك ذنوبك، وليرفعك في الجنة أعلى الدرجات، ألا تحب أن تكون من المغفور لهم؟ ألَا تحب أن تكون من أهل الدرجات العليا في الدنيا؟ إِذَنْ أحسِنِ الظنَّ بربك واصبر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله -تعالى- وما عليه خطيئة".
يا أهالي الأسرى، يا أحبابنا: أحسِنوا الظنَّ بربكم؛ فيوسف -عليه السلام- أحسَنَ الظنَّ بربه، وسُجِنَ ظلمًا وعدوانًا، فأحسَن اللهُ إليه، وملَّكَه سلطانَ مصرَ، وجمَع اللهُ شملَه بأهله، فأحسِنوا الظنَّ بالله، فالسجن لا يُغلَق على أحد مهما طال الحبس، والله جاعل لهم فرجًا، معزًا ومَخرجًا، فاجعلوا الصبر والثبات على الدين من حسن ظنكم برب العالمين.
أيها المظلوم: ما أعظم حقَّكَ عند الله، فأحسِنِ الظنَّ به، فإن لم تأخذ حقك في الدنيا، لجبروت الظالم وبغيه، ففي الآخرة تأخذ من منزلته في الجنة، ومن حسناته.
أيها المظلوم: أحسِنِ الظنَّ بربك، وخذ حقكَ من ظالمك بكل أسلوب شرعه الله لكَ، فذاك من حُسن ظنِّكَ بالله، فالله لا يرضى لنا أن نسكت على الظالم، وإن شئتَ تترفع وتعلو فاعفُ عند المقدرة، قال ربنا -سبحانه-: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[آلِ عِمْرَانَ: 133-134].
أيها المسلم العاصي، المرتكب للكبائر: أحسِنِ الظنَّ بالله، وتب إليه توبة نصوحًا، يرحمك ويتوب عليكَ، قال الله في الحديث القدسي: "يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً".
أيها المسلم، أيها الحبيب: إذا أصابك غمٌّ فقل: "يا ذا الجلال والإكرام يا الله"، وإذا أصابتك نكبةٌ فقل: "يا ذا الجلال والإكرام يا الله"، وإذا أصابكَ ضرٌّ فقل: "يا ذا الجلال والإكرام يا الله"، وإذا أصابك مرضٌ فقل: "يا ذا الجلال والإكرام يا الله"، وإذا أعطاكَ ربُّكَ فقل: "يا ذا الجلال والإكرام يا الله"، وإذا حرَمَك ربُّكَ فقل: "يا ذا الجلال والإكرام يا الله"، وفي السراء والضراء قل: يا الله، وفي كل وقت وحين قل: يا الله؛ فالله قريب، والله مجيب، يغفر للتائبين، ويعطي الفقراء المحتاجين، ويشفي المرضى والمبتلين، وينصر المظلومين، ويمنح المحرومين، ويُفرِّج كرباتِ المكروبينَ، وهو وليُّنا ووليُّ المؤمنينَ الصابرينَ، ونحن كما نظنُّ نُحسِن الظنَّ بالله ربنا، نُحسِن الظنَّ برسولنا، الذي لا ينطق عن الهوى، فقد بشَّرنا بالنصر، وإن كانت هناك هزائم، وبشَّرَنا بالتمكين، مهما استضعَفَنا الكافرون، وبشَّرَنا بانتشار الإسلام وبقائه، مهما بلغ جبروت الطغاة، فقال صلى الله عليه وسلم: "بَشِّرْ هذه الأمةَ بالسناء والرفعة والدِّين والنصر والتمكين في الأرض"، فيا ربَّنا، هذا وعدك لنا بالنصر والتمكين، فمكِّن لنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
وأنتم أيها الشباب: أحسِنوا الظنَّ بربكم، وأطيعوه ولا تعصوه، وأنتم يا من دخلتم سن الأربعين وما بعده، جددوا التوبة النصوح، وكونوا على وجل من سوء الخاتمة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أعذَر اللهُ إلى امرئ، حتى بلَّغه ستينَ سنةً"، وفي رواية: "أعذَر اللهُ إلى امرئ حتى بلَّغَه أربعينَ سنةً"، وصدَق رسولُ الله، فمن طال عمرُه حتى بلَغ ستينَ أو أربعينَ عامًا كما في الرواية الأخرى لم يبقَ له عذرٌ في اقتراف الخطايا؛ لأنَّه يجب عليه أن يستعد للقاء الله -عز وجل-، والعاقل هو الذي يَجِدّ ويجتهد في عُمُرِه ليُرضي اللهَ -سبحانه-، وليزرع الخير لنفسه في الدنيا، ولا يلهيه الأمل عن العمل، حتى يباغته الموت، وأفضل الموت ما كان في طاعة الله ورضاه، أنت تموت عابدًا لربك، ومطيعًا له.
فيا أيها المرابطون: أحسِنوا الظنَّ بدينكم، وخذوه جملةً وتفصيلًا من منبعه ومصادره المعروفة، ففيها نجاتكم في الدنيا والآخرة.
على الوالدين إحسان تربية أبنائهم وإعمار البيوت بطاعة الله
اعلموا ايها الوالدين أن الله لم يجعل بيوتكم لتربية الكلاب والقطط، بل جعلها لتربية أولادكم وبناتكم، على الدِّين الحق، فقد أوحى الله إلى موسى وأخيه قائلًا: (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[يُونُسَ: 87]، فالبشرى لمن يقيم الصلاة، ويربي أبناءه عليها، والبشرى لمن يطيع الله ولا يعصيه، والله يريد بيوتكم تبكي من خشيته، وتسهر في سبيله، لا يريدها نُزُلًا للشياطين، فيا قومِ استجيبوا لي وأطيعون، واتقوا الله إن كنتم صادقين.
يا مسلمون، يا مؤمنون، يا مرابطون: كونوا مع قدسكم وأقصاكم، كما عهدناكم، محسنينَ فيهما، ومحسنينَ لهما، وكما كان المسجد الأقصى قبلتكم مِنْ قبلُ، فهو قبلة عزكم ومجدكم، ووجودكم اليومَ ومن بعدُ، فالأقصى أقصاكم، والله مولاكم، وهو ناصركم وكافيكم، وهو -سبحانه- حسبنا ونعم الوكيل.
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: مواضيع دينية منوعة