أشراط الساعة

أشراط الساعة

أشراط الساعة


الاستعداد ليوم المعاد


إن من المسلَّمات لدى كل ذي لب؛ حتمية حدوث الساعة وقيامها، ومصدر أخبارها يقين لا يقبل الشك، جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن جبريل -عليه السلام- سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ما الإيمان؟ فقال: "الإيمان أن تؤمن باللـه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره"؛ فذكر في هذا الحديث العظيم أن الإيمان بحدوثها من أركان الإيمان وسماها باليوم الأخر الذي من أسمائه الساعة.


حدوث الساعة بغتة


وحتى يعيش المؤمن في يقظة واستعداد لهذه اللحظة جعل الله وقوع ذلك وحدوثه بغتة لا يعلمها إلا هو، إلا أن الله جعل لها لقرب حلولها مقدمات وعلامات، قال -تعالى-: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾[محمد: 18].

إنها مقدمة تمهد لخراب العالم وانصرام الدنيا وفناء الأشياء وسائر المخلوقات من على هذه الحياة؛ فلا تقوم الساعة إلا بعد أن تميد الأرض بالشر، وتضطرب بالكفر؛ فلا يبقى على ظهرها خير أبدًا، وتعم الحياة جاهلية وعناء وشرور عمياء وكفر بالإله وجحود بالرسالات وضلال مطبق شامل مصداقا لقول خير البرية وسيد البشرية محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث قال: "لا تقوم الساعة وعلى ظهر الأرض من يقول: الله"


علامات الساعة الصغرى والكبرى


جاء في الشرع الحنيف الذي ارتضاه الخبير اللطيف؛ ذكر علامات الساعة وأشراطها، فعلامات صغرى وعلامات كبرى ذكرها ورثة الأنبياء والسادة العلماء؛ فأول العلامات الصغرى:

بعثة خير الأنام محمد -عليه أطيب الصلوات وأزكى السلام-؛ كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، ومن العلامة موته -صلى الله عليه وسلم- وفتح بيت المقدس.

ومن علامات الساعة الصغرى: ما جاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي على الناس زمان الصابر على دينه كالقابض على الجمر"، والمعنى كما ذكر ذلك طائفة من أهل العلم، فقالوا: "أنه يأتي عليه من البلايا والمحن والفتن التي تؤذيه وتضره، ما يكون فيها معها كالقابض على الجمر، من شدة صبره على دينه وعلى إيمانه وثباته عليه، كأنه قابض على الجمر من شدة ما يصيبه من الآلام والشدائد في ذلك، وقت الفتن وقت الأذى من الأعداء، والعياذ بالله."

ومنها: رفع العلم وثبات الجهل، وشرب الخمر وانتشار الربا والفاحشة والتباهي بالمساجد، قال -صلى الله عليه وسلم- "إن من أشراط الساعة، أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا"، وجاء من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد"

ومن علامات الساعة الصغر: ضياع الأمانة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة"

تلك علامات الساعة الصغرى أما الكبرى؛ فسنذكرها على سبيل الإجمال:

خروج المهدي والمسيح الدجال ونزول عيسى بن مريم -عليه السلام-، وخروج يأجوج ومأجوج، وهدم الكعبة، والدخان، ورفع القرآن، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وخروج النار من قعر عدن، ثم النفخ في الصُور: نفخة

الفزع، ثم نفخة الصعق، وهلاك الخلق، ثم نفخة البعث والنشور، روى مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "اطَّلَعَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ: مَا تَذَاكَرُونَ؟ قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ"؛ وهذه العلامات يتتابعن بسرعة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "خروج الآيات بعضها على إثر بعض، يتتابعن كما تتابع الخرز في النظام"

وذكر الإمام ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري في تتابعها؛ فقال: "وقد ثبت أن الآيات العظام مثل السلك إذا انقطع تناثر الخرز بسرعة".


ثمار الإيمان بالساعة


بعد الحديث عن الساعة وعلاماتها الصغرى والكبرى؛ نقف وإياكم مع بعض ثمار الإيمان بالساعة والمعاد؛ فمن تلك الثمار:

أن الإيمان بها يدعو العبد إلى الحرص على طاعة الله رغبة في ثواب ذلك اليوم، والبعد عن معصيته خوفا من عقاب ذلك اليوم، قال -تعالى-: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾[الإنسان: 9 - 12].

ومن ثمار الإيمان بعلامات الساعة وأشراطها: تسلية المؤمن عما يفوته من نعيم الدنيا ومتاعها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها، قال -تعالى-: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[الشورى: 36]، وقوله -تعالى-: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾[آل عمران:198].

ومنها: استشعار كمال عدل الله -جل في عليائه- حيث يجازي كل عامل بعمله، قال -تعالى-: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾[الزلزلة: 6 - 8].

ختاما ،إن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وإذا كانت نهاية العالم قد بدأت، وأمارات الساعة قد ظهرت؛ فلنكن على ذكر مستمر لذلك اليوم العصيب، ولنكن على أتم استعداد للموت ولما بعده، ولنحرص على أن نخرج من هذه الدنيا بنفس طاهرة غير متلوثة بالمعاصي وقلب سليم لم يتمكن فيه حب الدنيا؛ فإن أجل الله قريب، ولا يدري المرء متى يلقى ربه، قال -تعالى-: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾[الأحزاب: 63].

فارجع إلى مولاك وتب مما كسبت يداك قبل أن يأتي يوم شديد الأهوال تنكشف فيه الأحوال بين يدي الكريم المتعال؛ فطوبى لعبد تمسك بسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- واستجاب، وعاد إلى ربه وأناب، واستعد ليوم الحساب.


المصدر :
لا تنس ذكر الله
أستغفر الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية