محتويات المقال
عبادة الستر على المسلمين
الستر من صفات الله تعالى
قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:" إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلْيَتَوَارَ بِشَيْءٍ". وفي رواية:" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ".
ففي هذا النص الشريف يبين النبي -عليه الصلاة والسلام -أن من أسماء الله تعالى: السِتِّير، ومن صفاته السَتر، فهو سبحانه وتعالى يحب الستر على عباده ويكره الفضح، ويأمر بتغطية القبائح والعورات وينهى عن إبدائها وكشفها.
وجوب ستر الإنسان نفسه
يحب الله من عبده إذا عصاه أن يستر نفسه، ولا يجاهر بذنوبه، ومتى فعل العبد ذلك ولم يظهر الله أمره بين الخلق ويفضحْه بينهم؛ فبشراه بقول النبي عليه الصلاة والسلام:" لَا يَسْتُرُ اللهُ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا, إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
ولا ينال الإنسان هذه الفضيلة إلا إذا كان غير مجاهر ولا متمادٍ، ولعله صحبه خوف من الله في السر، وندم بعد الفعل، فهذا ينال هذا الجزاء الكريم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:" يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ-أي: ستره وعفوه-، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ"
إن على المسلم إذا عصى مولاه، وانتصر عليه شيطانه وهواه، فوقع في ترك الواجبات، أو فعل بعض المحرمات؛ أن يستر نفسه، ولا يجاهر بمعاصيه أمام الخلق؛ لأن المجاهرة بالخطايا جرأة على رب البرايا، وتشجيع للناس على ارتكاب الذنوب، وعصيان علام الغيوب، وفي المجاهرة أمارات استهانة وقلة حياء وضعف خوف من الله تعالى، وهذا ليس من المعافاة التي توصل إلى غفران المعاصي، وقد قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:" كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ"
إلا ومن المجاهرة الشديدة : ما يفعله بعض عصاة المسلمين اليوم من تصوير نفسه، وتسجيل فيديو يوثق معصيته ثم ينشر ذلك بين الناس عبر الجوال أو وسائل التواصل الاجتماعي، متعديًا بذلك على قداسة الدين، والخوفِ من عقاب رب العالمين، ونازعًا بذلك الحياء من المخلوقين، وغير مكترث بمشاعر المسلمين.
فيا أيها المسلم إذا أسرفت على نفسك بالخطيئة فاستر نفسك، ولا تحدث بخطيئتك، وتب إلى ربك، ولا تمهل فإن الموت لا يمهل.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا، فَأَنَا هَذَا، فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللهُ، لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ، قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا، فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ، فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا دَعَاهُ، وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114]"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذَا لَهُ خَاصَّةً؟ قَالَ:"بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً"
وابتعد-أيها المسلم- عن التوثيق والنشر لمعاصيك؛ فإن خطر ذلك عليك وعلى غيرك كبير،
وإياك وتجريئ الناس على الذنوب بالمجاهرة ونشر الصور والمقاطيع؛ فمن رأى معصيتك أو سمع عنها فتشجع على فعل مثلها فعليك من أوزاره أوزار، قال تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل:25].
وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام:"...وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا"
عظم التعدي على فضح الناس
ولما كان الله تعالى ستِّيراً يحب السَّتر من عباده على أنفسهم، فإنه كذلك يحب الستر منهم على غيرهم من الناس؛ فإن الناس بخير وأمان، وعز واطمئنان ما داموا مستورين، ولا يزالون متواصلين متحابين متعاونين ما لم تظهر بينهم العثرات والعيوب، وما لم يشهّروا بالهنات والذنوب.
وما أجمله من خلق، وأحسنه من صنع أن يرى الإنسان عيوب الناس فيسترها ولا يشهرها، ويكتمها ولا يظهرها، ويُغضي عنها، كأنه لم يرها ولم يسمعها.
وصاحب هذا الخلق الكريم إذا رأى أخاه المسلم قد وقع في خطيئة وحصلت منه زلة وكشف له منه عيب لا يحب انتشاره؛ فإنه يغض بصره عنه كأنه لم ير منه شيئًا.
هذا إذا لم يعلم به صاحب القصور والزلل والعيب، أما إذا علم بأنه قد رأى منه ذلك فإنه يعظه في السر على التوبة من خطيئته، وستر عيبه، ويعده بأنه لن يحدث أحداً بجريرته.
أسباب كشف الإنسان عيوب غيره وتتبع عثراته
إن حب انتشار الفواحش، والرغبة في فضح الناس ذنب كبير قد توعد الله تعالى أهله بالعذاب الأليم، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النور:19].
فكيف تكون الحال في حق من يتعمد نشر عيوب الناس وفواحشهم، ويتتبع عثراتهم وعوراتهم، ويتجسس عليهم لمعرفة نقائصهم؟ ثم ينشر ذلك في المجالس، وفي وسائل الشبكة العنكبوتية ليصل الخبر والصورة والمقطع إلى أعداد لا يعلمهم إلا الله؟
لقد استهان بعض المسلمين اليوم بهذه القضية بعلم أو بجهل، فراحوا ينشرون أخبار المنكرات عن الناس، ويتداولون المنشورات والصور والمقاطع، وأحيانًا يذكرون أسماء الذين وقعوا في الزلات، ومكان وجودهم!
وبعضهم يفعل ذلك عن قصدٍ لنشر الفساد وإفشاء المنكر، وبعضهم يفعل ذلك عن استنكار وغيرة من حصول ذلك المنكر، وكلا الطرفين على خطأ كبير؛ لأن مثل تلك الجرائم- خاصة الجرائم الخلقية- ينبغي عدم نشرها، وينبغي ستر الناس عن الإخبار عنهم بها.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صَعِد رسولُ الله - -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- - المنبرَ فنادى بصوتٍ رفيعٍ فقال:"يا معشرَ مَنْ أسْلَمَ بِلسانه، ولَمْ يُفضِ الإيمانُ إلى قلْبهِ! لا تُؤذوا المسْلمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ ولا تَتَّبِعوا عَوْراتِهمْ؛ فإنَّه مَنْ تَتَبَّعَ عوْرَةِ أخيهِ المسْلمِ؛ تَتَبَّع الله عورَتَهُ، ومَنْ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ؛ يَفْضَحُه، ولوْ في جَوْفِ رَحْلهِ"
ومن الدواهي العظام، والبلايا الجسام-معشر المسلمين-: أن يسعى بعض الناس للتجسس على أخيه المسلم بوسائل متعددة إما بسمعه وإما ببصره وإما بتفتيش جواله وإما باختراق حسابه، وإما بغير ذلك، وقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا ﴾[الحجرات:12].
وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ لَا يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُسْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ صُبَّ فِي أُذُنَيْهِ الْآنُك يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
فعلى أصحاب المواقع الإخبارية والحسابات الشخصية في وسائل التواصل، وعلى سائر الناس؛ أن يتقوا الله في ستر المسلمين وتركِ نشر أسرارهم وعيوبهم بين العالمين، حتى ولو كانت تلك الأخبار صحيحة، فستر المسلمين عبادة مأجور عليها، وفضحهم وكشف سترهم خطيئة مؤاخذ عليها صاحبها.
ومن الأسباب المؤدية الى كشف الإنسان عيوب غيره :
- الجهل بأن هذا الفعل ذميم في الدين والخلق، وهذا الصنف يحتاج إلى تعليم وتعريف.
- من الناس من يفعل ذلك عن علم ودراية بحرمة فعله ديناً، وذمِّه خلقا، ولكن ضعف إيمانه وقلة صبره سوّلا لنفسه فعل ما فعل، وهذا يحتاج إلى تذكير ووعظ بعظم ذنب هذا السعي، وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة.
- من الناس يسلك طريق كشف مستور الناس وفضحهم بداعي العداوة والحسد، فلا يجد للانتصار لنفسه الحاقدة الحاسدة إلا سلوك هذا الطريق الذميم، وربما كان بينه وبين ذلك الشخص صداقة أو قرابة أو جوار بحيث قد اطلع على بعض أسراره، ووصل إلى شيء من خفيِّ أخباره، فبحصول شيء من الخلاف أو الجفوة يضحي يفشي الأسرار، ويهتك الأستار بدون رادع من دين يمنعه، ولا خلق كريم يحجزه ويزعه.
أما الإنسان المتمسك بدينه، المتحلي بحسن أخلاقه مهما جرى بينه وبين أصدقائه وأقاربه وجيرانه من الشقاق فإنه لا يبوح بالأسرار، ولا يكشف ستر أصدقائه وجيرانه وذوي قرابته.
قال الحسن البصري رحمه الله: " مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ سِتْرٌ فَلَا يَكْشِفْهُ".
وكان من دعاء بعض الصالحين: " اللهم إني أعوذ بك من خليل ماكر عيناه تراني، وقلبه يرعاني، إن رأى حسنة دفنها، وإن رأى سيئة أذاعها ".
فاتق الله أيها الإنسان في أصدقائك أو أقاربك وجيرانك إذا حصلت بينك وبينهم عداوة أو سوء تعامل أن تكشف عنهم ما ائتمنوك على كتمه، أو علمت أن كشفه يضرهم، فخلقك الحميد ودينك يمنعانك من التشهير والفضح. - من الناس من يكشف ستر المسلمين بداعي المزاح، ظانًا أن المزاح في هذه القضية الحساسة يجوز، وبئس ما فهم، ولا حبذا ما جنى، أفلا يدري أن المزاح في شريعتنا الإسلامية، وأخلاقنا الإنسانية له حدود؟
قال بعض السابقين: "يصكُّ أحدُكُم صَاحبَه بأشدَّ من الجندل، ويُنشقه أحرقَ من الْخَرْدَل، ويُفرغ عَلَيْهِ أحرَّ من الْمرجل، ثمَّ يَقُول: إِنَّمَا كنت أمازحك!!". - من الناس من يسلك طريق فضح الناس، وإعلان مستور أحوالهم لطلب الشهرة والسبق الإعلامي وذلك عبر وسائل الإعلام، أو وسائل التواصل، فهذا نذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب"
عواقب كشف الإنسان عيوب غيره وتتبع عثراته
لو فكر المرء في العواقب التي يحدثها التساهل في كشف ستر المسلمين، والسعي في نشر مستور أحوالهم؛ لوجد لذلك عواقب تجعل العاقل يمسك لسانه وقلمه عن كل كلمة في هذا الموضوع.
فمن تلك العواقب: تهوين المعاصي في قلوب الناس وعيونهم، فمتى سمعوا كل يوم فضيحة، وقرأوا عن كشف ستر إنسان؛ تهاونوا بالمعاصي، ولم يعد لديهم من الكراهية والإنكار مثلما لو كانت تلك الأمور نادرة، بل ربما فعل بعضهم مثل تلك الأفعال المشينة ويقول: لست وحدي في المجتمع فهناك أمثالي فيه!.
ومن العواقب الوخيمة لكشف ستر المسلمين: إفساد الناس، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:"إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ"
ومن صور هذا الإفساد: قلة الحياء من المعاصي والعيوب، وحصول القطيعة في المجتمع بين الناس، وربما وصلت الحال إلى العراك والقتال أو القتل، خاصة ما يحدث اليوم من نشر بعض الناس صوراً للنساء، فكم يسبب هذا الفعل من الفساد والإفساد والعداوة!.
ومن العواقب الوخيمة لكشف ستر المسلمين: المشاركة في إثم ذلك الفعل؛ لأن نشره يجرِّئ الناس على فعل أمثاله. قال بعض السلف: "من سمع بفاحشة فأفشاها كان فيها كالذي بداها".
ومن العواقب الوخيمة لكشف ستر المسلمين: أن يعاقب كاشف ستر المسلمين، والساعي في فضيحتهم بمثل فعله، والجزاء من جنس العمل.
قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ"
فضل ستر المسلم غيره من المسلمين
إن الستر على المسلمين، وتغطية عيوبهم، والحرص على عدم كشف أسرارهم وما يستحيون من إشاعته؛ عبادة عظيمة لها فضل كبير، ولها بين الناس خير كثير:
فمن فضل الستر: أنه يعين العاصي على التوبة من عصيانه، ويقلل فشو الشرور في المجتمع المسلم، ويلقي على المذنب رداء السلامة والخير وترك المجاهرة، ويحبب الناس بعضهم إلى بعض.
ومن فضل الستر على الناس: أن ينال الساتر الأجر العظيم، والذكر الحسن الكريم:
قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"من ستر على مؤمنٍ عورةً؛ فكأنما أحيا موؤدةً".
ومن فضل الستر على الناس: أن يستر الله تعالى في الدنيا والآخرة من ستر مسلمًا، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:"وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"
قال بعض العلماء: " فهذا إنما يرجى لعبد مؤمن ستر على الناس عيوبهم واحتمل في حق نفسه تقصيرهم، ولم يحرك لسانه بذكر مساويهم، ولم يذكرهم في غيبتهم بما يكرهون لو سمعوه، فهذا جدير بأن يجازى بمثله في القيامة".
واسمعوا هذه الأخبار لتعلموا حرص الصالحين على ستر المسلمين:
ففي قصة ماعز لما اقترف ما اقترف أشار عليه رجل يقال له: هزَّال بأن يرفع أمره إلى رسول الله، ففعل ماعز ذلك ، فقال رسول الله:"وَاللهِ يَا هَزَّالُ، لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ، كَانَ خَيْرًا مِمَّا صَنَعْتَ بِهِ"
و" إنما قال ذلك؛ حبًا لإخفاء الفضيحة، وكراهية لإشاعتها".
وقال أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "لَوْ أَخَذْتُ سَارِقًا لَأَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتُرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْ أَخَذْتُ شَارِبًا لَأَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتُرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ".
واستعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرحبيل بن السمط على مسلحة دون المدائن؛ فقام شرحبيل فخطبهم , فقال: يا أيها الناس , إنكم في أرضٍ الشرابُ فيها فاشٍ، والنساء فيها كثيرة، فمن أصاب منكم حدًا فليأتنا فنقيم عليه الحد طهوره. قال: فبلغ ذلك عمر فكتب إليه: "لا أم لك؛ أنت تأمر الناس أن يهتكوا ستر الله الذي سترهم؟!".
ودُعي عثمان رضي الله عنه إلى قوم على ريبة فانطلق ليأخذهم، فتفرقوا فلم يدركهم، فأعتق رقبة؛ شكرًا لله تعالى أن لا يكون جرى على يديه خزي مسلم.
وعن زيد بن وهب، قال: أُتي ابن مسعود فقيل له: "هذا فلان تقطر لحيته خمرًا، فقال عبد الله: "إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا منه شيء نأخذه به".
أيها المؤمنون ما سبق ذكره يدعونا إلى الحرص على ستر المسلمين، خصوصًا ما يتعلق بالأعراض والعيوب التي تدعو إلى خزي من كُشفت عنه.
من لا ينبغي الستر عليهم
هناك ناس لا يُستَرون، بل يسعى الناس إلى كشف أمرهم؛ بغية إصلاح حالهم، وتسليمِ الناس من شرهم، ولكن بحكمة وقصد حسن، فمن تلك الأصناف:
الإنسان المعروف بالشر والفساد، المتمادي في الغي والعناد، فهذا ينصح ويوعظ، فإن استمر في فجوره، وأبدى أمارات تكبره وغروره فإنه يرفع أمره إلى أجهزة الدولة.
وصنف آخر وهو المعلن بفسقه، المجاهر بشره، فهذا لا محظور من التحدث عن جرائمه بغية التحذير منه، وإبعاد الناس عن ضرره؛ لأنه لا يبالي بالتحدث عن جرائره، بل ربما يفرح بذلك؛ طلبًا للشهرة.
وصنف ثالث وهو الذي قد عزم على فعل جريمة ولما يفعلها بعد وقد نصح على ترك الإقدام عليها، ولكنه لم يستجب، فهذا أيضًا لابد من رفع أمره إلى السلطة أو من يستطيع كفه عن جريمته.
فستر هؤلاء الأصناف وأمثالهم لا ينبغي؛ لأنه يؤدي إلى تماديهم ونشر فسادهم وأضرارهم بين العباد.
المرجع :
لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: مواضيع دينية منوعة