محتويات المقال
- نشأة النبي ﷺ
- شق قلب محمد ﷺ
- زواج سيدنا محمد من السيدة خديجة
- وضع الحجر الأسود
- الدعوة الى الإسلام
- بيعة العقبة الأولى والثانية
- الهجرة الى المدينة
- فرض الجهاد على المسلمين
- غزوة بدر الكبرى
- غزوة السويق
- غزوة أحد
- غزوة بدر الصغرى
- غزوة الخندق
- غزوة بني قريظة
- فتح مكة
- غزوة خيبر
- غزوة ذات الرقاع
- فتح مكة المكرمة
- قتال الروم
- حجة الوداع
- وفاة رسول الله ﷺ
قصة محمد ﷺ
نشأة النبي ﷺ
في غرب الجزيرة العربية، وفي مكة المكرمة، ولدت (آمنة بنت وهب) ابنها محمد بن عبد الله ﷺ، في الليلة الثانية عشرة من ربيع الأول سنة 571 ميلادية وهو ما يعرف بعام الفيل.وقد ولد محمد ﷺ يتيمًا، فقد مات أبوه، وهو لم يزل جنينًا في بطن أمه، فقد خرج عبدالله بن عبدالمطلب إلى تجارة في المدينة فمات هناك، واعتنى به جده عبدالمطلب، وسماه محمدًا، ولم يكن هذا الاسم مشهورًا ولا منتشرًا بين العرب، وقد أخذته السيدة حليمة السعدية لترضعه في بني سعد بعيدًا عن مكة؛ فنشأ قوىَّ البنيان، فصيح اللسان، ورأوا الخير والبركة من يوم وجوده بينهم.
شق قلب محمد ﷺ
في البادية، وبينما محمد ﷺ يلعب مع الغلمان، إذ جاء إليه جبريل عليه السلام فأخذه، وشق عن قلبه، فاستخرج القلب، واستخرج منه علقة هي حظ الشيطان منه، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاد القلب إلى مكانه، فأسرع الغلمان إلى حليمة فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو متغير اللون، قال أنس بن مالك: كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.[مسلم والحاكم]ولما رأت حليمة السعدية ذلك، أرجعت محمدًا ﷺ إلى أمه آمنة، فكان معها تعتني به حتى بلغ السادسة من عمره، وبعدها توفيت، فأخذه جده عبدالمطلب الذي لم يزل يعتني به منذ ولادته، ولما مات جده وهو في الثامنة من عمره، عهد بكفالته إلى عمه أبى طالب.
وقد شهد رسول الله ﷺ حرب الفجار مع أعمامه، وهذه حرب خاضتها قريش مع كنانة ضد قيس عيلان من هوازن دفاعًا عن قداسة الأشهر الحرم ومكانة بيت الله الحرام، كما شهد حلف الفضول الذي ردت فيها قريش لرجل من زبيد حقه الذي سلبه منه العاص بن وائل السهمى، وكان هذا الحلف في دار عبدالله بن جدعان، وقد اتفقت فيه قريش على أن ترد للمظلوم حقه، وكان لهذين الحدثين أثرهما في حياة النبي ﷺ.
زواج سيدنا محمد من السيدة خديجة
وكان من بين أهل قريش امرأة شريفة تسمى خديجة بنت خويلد، كانت تستأجر الرجال في تجارتها، وقد سمعت بأمانة محمد ﷺ، فأرسلت إليه تعرض عليه أن يخرج بتجارتها إلى الشام، وتعطيه أكثر ما تعطى غيره، فوافق محمد ﷺ، وخرج مع غلامها ميسرة، وتاجرا وربحا، ولما عادا من التجارة، أخبر ميسرة سيدته خديجة بما لمحمد ﷺ من خصائص، وكانت امرأة ذكية، فأرسلت تخطب محمدًا ﷺ.ثم جاء عمه أبو طالب وعمه حمزة وخطباها لمحمد ﷺ، وتزوج رسول الله ﷺ بخديجة، وكانت نعم الزوجة الصالحة، فقد ناصرته في حياتها، وبذلت كل ما تملك في سبيل إعلاء كلمة الله.
وضع الحجر الأسود
عرف رسول الله ﷺ بحسن تدبيره وحكمته ورجاحة عقله في حل المشكلات، فقد أعادت قريش بناء الكعبة، وقد اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود مكانه، حتى كادت أن تقوم حرب بينهم، وظلوا على ذلك أيامًا، واقترح أبو أمية بن المغيرة تحكيم أول من يدخل من باب المسجد، فكان رسول الله ﷺ ، فأمر بإحضار ثوب، ثم أمر بوضع الحجر في الثوب، وأن تأخذ كل قبيلة طرفًا من الثوب، فرفعوه جميعًا، حتى إذا بلغ الموضع، وضعه رسول الله ﷺ بيده الشريفة مكانه، ثم بنى عليه، وكان آنذاك في الخامسة والثلاثين من عمره.اعتزال محمد ﷺ في غار حراء ونزول الوحي
ولما قربت سن محمد ﷺ نحو الأربعين، حببت إليه العزلة، فكان يعتزل في غار حراء، يتعبد فيه، ويتأمل هذا الكون الفسيح، وفي يوم من الأيام كان رسول الله ﷺ يتعبد في غار حراء، فجاء جبريل، وقال له: اقرأ ، فقال له محمد ﷺ: ما أنا بقارئ.
فأخذه جبريل فضمه ضمًّا شديدًا ثم أرسله وقال له: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. فأخذه جبريل ثانية وضمه إليه ضمًّا شديدًا، وقال له: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال له جبريل: ﴿اقرَأ بِاسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَخَلَقَ الإِنسانَ مِن عَلَقٍاقرَأ وَرَبُّكَ الأَكرَمُالَّذي عَلَّمَ بِالقَلَمِعَلَّمَ الإِنسانَ ما لَم يَعلَم﴾ [العلق: ١-٥] [متفق عليه].
فكان هذا الحادث هو بداية الوحي، ولكن رسول الله ﷺ خاف مما حدث له، فذهب إلى خديجة وطلب منها أن تغطيه، ثم حكى لها ما حدث، فطمأنته، وأخبرته أن الله لن يضيعه أبدًا، ثم ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وحكى له ما رأى، فبشره ورقة بأنه نبي هذه الأمة، وتمنى أن لو يعيش حتى ينصره، لكن ورقة مات قبل الرسالة، وانقطع الوحى مدة، فحزن رسول الله ﷺ، ثم نزل الوحى مرة ثانية، فقد رأى رسول الله ﷺ جبريل قاعدًا على كرسى بين السماء والأرض، فرجع مسرعًا إلى أهله، وهو يقول: زملونى، زملونى (أى غطونى) فأنزل الله تعالى قوله: ﴿يا أَيُّهَا المُدَّثِّرُقُم فَأَنذِروَرَبَّكَ فَكَبِّروَثِيابَكَ فَطَهِّروَالرُّجزَ فَاهجُر﴾ [المدثر: ١-٥] ثم تتابع الوحى بعد ذلك [البخارى].
الدعوة الى الإسلام
بدأ رسول الله ﷺ يدعو الأقربين إلى الإسلام، فكان أول من آمن به وبرسالته زوجته خديجة ، وأبو بكر صديقه، وعلي بن أبى طالب ابن عمه، وزيد بن حارثه مولاه، ثم تتابع الناس بعد ذلك في دخول الإسلام، وأنزل الله سبحانه وتعالى على رسوله ﷺ قوله: ﴿وَأَنذِر عَشيرَتَكَ الأَقرَبينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤]فكان الأمر من الله أن يجهر رسول الله ﷺ بالدعوة، فجمع أقاربه أكثر من مرة، وأعلمهم أنه نبي من عند الله عز وجل ، ولما نزل قول الله تعالى: ﴿فَاصدَع بِما تُؤمَرُ وَأَعرِض عَنِ المُشرِكينَ﴾ [الحجر: ٩٤]
قام رسول الله ﷺ يستنكر عبادة الأصنام، وما عليه الناس من الضلالة، وسمعت قريش بما قاله الرسول ﷺ فأخذتهم الحمية لأصنامهم التي لا تضر ولا تنفع، وحاولوا أن يقفوا ضد هذه الدعوة الجديدة بكل وسيلة، فذهبوا إلى أبى طالب، وطلبوا منه أن يسلم لهم الرسول ﷺ فرفض، وكانوا يشوهون صورته للحجاج مخافة أن يدعوهم، وكانوا يسخرون من الرسول ﷺ ومن القرآن، ويتهمونه بالجنون والكذب، لكن باءت محاولاتهم بالفشل، فحاول بعضهم تأليف شيء كالقرآن فلم يستطيعوا، وكانوا يؤذون رسول الله ﷺ وأصحابه أشد الإيذاء كي يردوهم عن الإسلام، فكانت النتيجة أن تمسك المسلمون بدينهم أكثر.
وكان الرسول ﷺ يجتمع بالمسلمين سرًّا في دار الأرقم يعلمهم أمور الدين، ثم أمرهم بعد فترة أن يهاجروا إلى الحبشة، فهاجر عدد من المسلمين إلى الحبشة، فأرسلت قريش إلى النجاشي يردهم، لكن الله نصر المسلمين على الكفار؛ فرفض النجاشي أن يسلم المسلمين وظلوا عنده في أمان يعبدون الله عز وجل، وحاول المشركون مساومة أبى طالب مرة بعد مرة بأن يسلم لهم محمدًا إلا أنه أبى إلا أن يقف معه، فحاولوا قتل النبي ﷺ إلا أن الله منعه وحفظه.
وفي هذه الأوقات العصيبة أسلم حمزة وعمر بن الخطاب، فكانا منعة وحصنًا للإسلام، ولكن المشركين لم يكفوا عن التفكير في القضاء على رسول الله ﷺ، ولما علم أبو طالب بذلك جمع بني هاشم وبني عبدالمطلب واتفقوا على أن يمنعوا الرسول ﷺ من أن يصيبه أذى، فوافق بنو هاشم وبنو عبدالمطلب مسلمهم وكافرهم إلا أبا لهب، فإنه كان مع قريش، فاتفقت قريش على مقاطعة المسلمين ومعهم بنو هاشم وبنو عبدالمطلب، فكان الحصار في شعب أبي طالب ثلاث سنوات، لا يتاجرون معهم، ولا يتزوجون منهم، ولا يجالسونهم ولا يكلمونهم، حتى قام بعض العقلاء، ونادوا في قريش أن ينقضوا الصحيفة التي كتبوها، وأن يعيدوا العلاقة مع بني هاشم وبني عبدالمطلب، فوجدوا الأرضة أكلتها إلا ما فيها من اسم الله وتراكمت الأحزان فيما بعد لوفاة أبى طالب عم النبي ﷺ وزوجه خديجة بنت خويلد، فقد ازداد اضطهاد وتعذيب المشركين، وفكَّر الرسول ﷺ أن يخرج من مكة إلى الطائف يدعو أهلها إلى الإسلام، إلا أنهم كانوا أشرارًا، فأهانوا النبي ﷺ وزيد ابن حارثة الذي كان معه، وأثناء عودته بعث الله عز وجل إليه نفرًا من الجن استمعوا إلى القرآن الكريم، فآمنوا وأراد الله سبحانه وتعالى أن يخفف عن الرسول ﷺ فكانت رحلة الإسراء والمعراج، والتى فرضت فيها الصلاة، خمس صلوات في اليوم والليلة واطمأنت نفس النبي ﷺ بهذه الرحلة، ليبدأ من جديد الدعوة إلى الله، وقد علم أن الله معه لن يتركه ولا ينساه، فكان رسول الله ﷺ يخرج في موسم الحج يدعو الناس إلى الإيمان بالله وأنه رسول الله، فآمن له في السنة العاشرة من النبوة عدد قليل.
بيعة العقبة الأولى والثانية
لما كانت السنة الحادية عشرة من النبوة أسلم ستة أشخاص من يثرب كلهم من الخزرج، وهم حلفاء اليهود، وقد كانوا سمعوا من اليهود بخروج نبي في هذا الزمان، فرجعوا إلى أهليهم، وأذاعوا الخبر بينهم.وعادوا العام القادم وهم اثنا عشر رجلاً، فيهم خمسة ممن حضر العام الماضى وبايعوا رسول الله ﷺ وعرفت هذه البيعة ببيعة العقبة الأولى فرجعوا وأرسل الرسول ﷺ معهم مصعب بن عمير ليعلمهم أمور دينهم، وقد نجح مصعب بن عمير نجاحًا باهرًا، فقد استطاع أن يدعوا كبار المدينة من الأوس والخزرج، حتى آمن عدد كبير منهم، وفي السنة الثالثة عشرة من النبوة، جاء بضع وسبعون نفسًا من أهل يثرب في موسم الحج، والتقوا برسول الله ﷺ وبايعوه بيعة العقبة الثانية، وتم الاتفاق على نصرة الإسلام والهجرة إلى المدينة.
الهجرة الى المدينة
أمر الرسول ﷺ بعدها الصحابة أن يهاجروا إلى يثرب، فهاجر من قدر من المسلمين إلى المدينة، وبقى رسول الله ﷺ وأبو بكر وعلي وبعض الضعفاء ممن لا يستطيعون الهجرة، وسمعت قريش بهجرة المسلمين إلى يثرب، وأيقنت أن محمدًا ﷺ لابد أن يهاجر، فاجتمعوا في دار الندوة لمحاولة القضاء على رسول الله ﷺ لكن الله سبحانه وتعالى نجَّاه من مكرهم، وهاجر هو وأبو بكر بعد أن جعل عليًّا مكانه ليرد الأمانات إلى أهلها.وهاجر الرسول ﷺ هو وأبو بكر إلى المدينة، واستقبلهما أهل المدينة بالترحاب والإنشاد، لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل الدعوة، وهي المرحلة المدنية، بعد أن انتهت المرحلة المكية، وقد وصل الرسول ﷺ المدينة يوم الجمعة (12 ربيع الأول سنة 1هـ/ الموافق 27 سبتمبر سنة 622م) ونزل في بني النجار، وعمل رسول الله ﷺ على تأسيس دولة الإسلام في المدينة، فكان أول ما صنعه أن بنى المسجد النبوى، ليكون دار العبادة للمسلمين، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، كما كتب الرسول ﷺ معاهدة مع اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة.
وبدأ رسول الله ﷺ يعتنى ببناء المجتمع داخليًّا، كي يكون صفًّا واحدًا يدافع عن الدولة الناشئة، ولكن المشركين بمكة لم تهدأ ثورتهم، فقد أرسلوا إلى المهاجرين أنهم سيأتونهم كي يقتلوهم، فكان لابد من الدفاع، فأرسل رسول الله ﷺ عددًا من السرايا، كان الغرض منها التعرف على الطرق المحيطة بالمدينة، والمسالك المؤدية إلى مكة، وعقد المعاهدات مع القبائل المجاورة وإشعار كل من مشركي يثرب واليهود وعرب البادية والقرشيين أن الإسلام قد أصبح قويًّا.
فرض الجهاد على المسلمين
كانت من أهم السرايا التي بعثها رسول الله ﷺ قبل غزوة بدر سرية سيف البحر، وسرية رابغ، وسرية الخرار، وسرية الأبواء، وسرية نخلة، وفي شهر شعبان من السنة الثانية الهجرية فرض الله القتال على المسلمين، فنزلت آيات توضح لهم أهمية الجهاد ضد أعداء الإسلام، وفي هذه الأيام أمر الله سبحانه رسوله ﷺ بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، وكان هذا إيذانًا ببدء مرحلة جديدة في حياة المسلمين خاصة، والبشرية عامة.غزوة بدر الكبرى
بعد فرض الجهاد على المسلمين، وتحرش المشركين بهم، كان لابد من القتال فكانت عدة لقاءات عسكرية بين المسلمين والمشركين، أهمها: غزوة بدر الكبرى في العام الثاني الهجري، وكانت قريش قد خرجت بقافلة تجارية كبيرة على رأسها أبو سفيان بن حرب، وقد خرج رسول الله ﷺ في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً لقصد هذه القافلة، لكن أبا سفيان كان يتحسس الخبر فأرسل رجلا إلى قريش يعلمهم بما حدث، ثم نجح هو بعد ذلك في الإفلات بالعير والتجارة، واستعدت قريش للخروج، فخرج ألف وثلاثمائة رجل، وأرسل أبو سفيان إلى قريش أنه قد أفلت بالعير، إلا أن أبا جهل أصر على القتال، فرجع بنو زهرة وكانوا ثلاثمائة رجل، واتجه المشركون ناحية بدر، وكان المسلمون قد سبقوهم إليها بعد استطلاعات واستكشافات.وبدأت الحرب بالمبارزة بين رجال من المشركين ورجال من المهاجرين، قُتِل فيها المشركون، وبدأت المعركة، وكتب الله عز وجل للمسلمين فيها النصر وللكفار الهزيمة، وقد قتل المسلمون فيها عددًا كبيرًا، كما أسروا آخرين، وبعد غزوة بدر علم الرسول ﷺ أن بني سليم من قبائل غطفان تحشد قواتها لغزو المدينة، فأسرع رسول الله ﷺ في مائتى رجل وهاجمهم في عقر دارهم، ففروا بعد أن تركوا خمسمائة بعير استولى عليها المسلمون، وكانت هذه الغزوة في شوال (2هـ) بعد بدر بسبعة أيام، وعرفت بغزوة بني سليم.
ورأت اليهود في المدينة نصر الرسول ﷺ فاغتاظوا لذلك، فكانوا يثيرون القلاقل، وكان أشدهم عداوة بنو قينقاع، فجمع الرسول ﷺ اليهود بالمدينة ونصحهم وعرض عليهم الإسلام، إلا أنهم أبدوا استعدادهم لقتال المسلمين، فكظم الرسول ﷺ غيظه، حتى تسبب رجل من بني قينقاع في كشف عورة امرأة، فقتله أحد المسلمين، فقتل اليهود المسلم فحاصر رسول الله ﷺ بني قينقاع، ثم أجلاهم عن المدينة بسبب إلحاح عبدالله بن أبى بن سلول.
غزوة السويق
وفي ذي الحجة سنة (2هـ) خرج أبو سفيان في نفر إلى المدينة، فأحرق بعض أسوار من النخيل، وقتلوا رجلين، وفروا هاربين، فخرج الرسول ﷺ في أثرهم، إلا أنهم ألقوا ما معهم من متاع حتى استطاعوا الإسراع بالفرار وعرفت هذه الغزوة بغزوة السويق، كما علم الرسول ﷺ أن نفرًا من بني ثعلبة ومحارب تجمعوا يريدون الإغارة على المدينة، فخرج لهم الرسول ﷺ حتى وصل إلى المكان الذي تجمعوا فيه، وكان يسمى بـ(ذي أمر) ففروا هاربين إلى رؤوس الجبال، وأقام الرسول ﷺ شهرًا ليرهب الأعراب بقوة المسلمين، وكانت هذه الغزوة في أوائل صفر سنة (3هـ)غزوة أحد
وفي جمادى الآخرة سنة (3هـ) خرجت قافلة لقريش بقيادة صفوان بن أمية ومع أن القافلة اتخذت طريقًا صعبًا لا يعرف، إلا أن النبأ قد وصل إلى المدينة وخرجت سرية بقيادة زيد بن حارثة، استولت على القافلة وما فيها من متاع، وفر صفوان بن أمية ومن معه، اغتاظ كفار مكة مما حدث لهم في غزوة بدر، فاجتمعوا على الاستعداد لقتال المسلمين، وقد جعلوا القافلة التي نجا بها أبو سفيان لتمويل الجيش واستعدت النساء المشركات للخروج مع الجيش لتحميس الرجال، وقد طارت الأخبار إلى المدينة باستعداد المشركين للقتال، فاستشار الرسول ﷺ الصحابة، وأشار عليهم -بدءًا- أن يبقوا في المدينة، فإن عسكر المشركون خارجها، فإنهم لن ينالوا منهم شيئًا، وإن غزوا المدينة، قاتلوهم قتالاً شديدًا.إلا أن بعض الصحابة ممن لم يخرج مع الرسول ﷺ للقتال في بدر، أشاروا على الرسول ﷺ الخروج من المدينة، وكان على رأس المتحمسين للخروج حمزة بن عبدالمطلب، ولبس رسول الله ﷺ لبس الحرب، وخرج الجيش وفيه ألف مقاتل، واتخذ رسول الله ﷺ مكانًا قريبًا من العدو عند جبل أحد، وما كاد وقت المعركة أن يبدأ حتى تراجع عبدالله بن أبى سلول بثلث الجيش، بزعم أن الرسول ﷺ قد أكره على الخروج، وما أراد بفعلته إلا بث الزعزعة في صفوف المسلمين، وبقى من الجيش سبعمائة مقاتل، وكان عدد المشركين ثلاثة آلاف مقاتل.
واتخذ الرسول ﷺ مكانًا متميزًا في المعركة، وجعل بعض المقاتلين في الجبل، وهو ما عرف فيما بعد بجبل الرماة، وأمّر عليهم عبدالله بن جبير وأمرهم أن يحموا ظهور المسلمين، وألا ينزلوا مهما كان الأمر، سواء انتصر المسلمون أم انهزموا، إلا إذا بعث إليهم الرسول ﷺ، بدأت المبارزة بين الفريقين، وقتل فيها المسلمون عددًا من المشركين، وكان معظمهم ممن كانوا يحملون لواء المشركين، حتى ألقى اللواء على الأرض، واستبسل المسلمون وقاتلوا قتالا شديدًا، واستبسل من كانوا على الجبل.
إلا أنهم لما رأوا المسلمين يجمعون الغنائم نزلوا، فذكرهم قائدهم عبدالله بن جبير إلا أنهم لم يسمعوا له، ولاحظ خالد بن الوليد، فرجع بمن كان معه، وطوق جيش المسلمين، واضطربت الصفوف، وقتل المشركون من المسلمين سبعين رجلاً واقتربوا من رسول الله ﷺ الذي أصيب ببعض الإصابات، والذي حاول المشركون قتله لولا بسالة بعض الصحابة ممن دافع عنه، وقد أشيع قتل النبي ﷺ ثم انتشر بين المسلمين كذب الخبر، فتجمعوا حوله ﷺ، واستطاع الرسول ﷺ أن يخترق طريقًا وينجو بمن معه، وصعدوا الجبل، وحاول المشركون قتالهم، إلا أنهم لم يستطيعوا، فرجعوا وخشى رسول الله ﷺ أن يرجع المشركون، فخرج بمن كان معه في غزوة أحد فحسب، ولم يقبل غيرهم إلا عبدالله بن جابر فقد قبل عذره.
وخرج الرسول ﷺ والصحابة حتى وصلوا إلى حمراء الأسد، وقد أقبل معبد بن أبى معبد الخزاعي وأسلم، فأمره الرسول ﷺ بمخادعة أبى سفيان إن كان قد أراد الرجوع لحرب المسلمين، وفي طريق العودة اتفق المشركون على الرجوع، فقابلهم معبد بن أبى معبد الخزاعي، ولم يكن أبو سفيان قد علم بإسلامه، فقال له: إن محمدًا ﷺ قد جمع جيشًا كبيرًا لقتالكم، كى يستأصلكم، فارجعوا، وأحدثت هذه الكلمات زعزعة في صفوف المشركين.
وبعد غزوة أحد، بعث رسول الله ﷺ بعض السرايا لتأديب من يريد أن يعتدي على المسلمين، كسرية أبى سلمة في هلال شهر المحرم سنة (4هـ) إلى بني أسد بن خزيمة، وبعث عبدالله بن أنيس لخالد بن سفيان الذي أراد حرب المسلمين، فأتى عبدالله بن أنيس برأسه لرسول الله ﷺ، وفي بعث الرجيع قتل بعض الصحابة، وفي السنة نفسها، بعث الرسول ﷺ بعض الصحابة لأهل نجد، ليدعوهم إلى الإسلام، وفي الطريق عند بئر معونة
, أحاط كثير من المشركين بالمسلمين، وقتلوا سبعين من الصحابة، ولما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الخبر، حزن حزنًا شديدًا، ودعا على المشركين.
وكانت يهود بني النضير يراقبون الموقف، ويستغلون أي فرصة لإشعال الفتنة وكان بعض الصحابة قد قتلوا اثنين خطأ معهما عهد من رسول الله ﷺ، وكان من بنود الميثاق بين الرسول ﷺ وبين اليهود، أن يساعد كل من الطرفين الآخر في دفع الدية، فلما ذهب الرسول ﷺ إليهم حاولوا قتله، إلا أن الله سبحانه حفظه وأرسل إليه جبريل، يخبره بما يريدون، فبعث إليهم الرسول ﷺ أن يخرجوا، ولكن عبدالله بن أبى وعدهم بالمساعدة، فرفضوا الخروج، وحاصرهم رسول الله ﷺ بضعة أيام، وبعدها قرروا الخروج على أن يأخذوا متاعهم، واستثنى رسول الله ﷺ سلاحهم، فأخذه، وأخذ أرضهم وديارهم، فتفرق يهود بني النضير في الجزيرة.
غزوة بدر الصغرى
في شعبان من العام الرابع الهجري خرج الرسول ﷺ في ألف وخمسمائة من أصحابه، لملاقاة أبى سفيان والمشركين، كما اتفقوا في غزوة أحد إلا أن أبا سفيان خاف، فتراجع هو وجيشه خوفًا من المسلمين، ويسمى هذا الحادث بغزوة بدر الصغرى أو بدر الآخرة، وطارت الأنباء إلى الرسول ﷺ أن القبائل حول دومة الجندل تحشد جيشًا لقتال المسلمين، فخرج رسول الله ﷺ في جيش من أصحابه، وفاجأهم، ففروا هاربين وكان ذلك في أواخر ربيع الأول سنة (5هـ) وبذا فقد استطاع الرسول ﷺ أن يصد كل عدوان، حتى يتسنى له الأمر لتبليغ دعوة الله.غزوة الخندق
لم تنس اليهود تلك الهزائم التى لحقت بها، لكنها لا تستطيع مواجهة الرسول ﷺ فأخذت يهود بني النضير يقلبون المشركين في مكة وغيرها على رسول الله ﷺ، حتى اجتمع عشرة آلاف مقاتل، وقد علم الرسول ﷺ بذلك، فاستشار الصحابة، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق، فحفر الرسول ﷺ والصحابة الخندق شمال المدينة، لأنه الجهة الوحيدة التى يمكن أن يأتى الأعداء منها.وذهب زعيم بني النضير حيى بن أخطب إلى زعيم بني قينقاع المتحالفة مع الرسول ﷺ، وجعله ينقض العهد، إلا أن الله حمى المسلمين وحفظهم فقد أسلم نعيم بن مسعود الذي أوقع الدسيسة بين اليهود وقريش، وجعل كلا منهم يتشكك في الآخر، وأرسل الله عليهم ريحًا شديدة دمرت خيامهم، وأطفأت نيرانهم؛ فاضطروا إلى الرحيل والفرار، وقال بعدها الرسول ﷺ : (الآن نغزوهم ولا يغزوننا) وسميت هذه الغزوة بغزوة الخندق أو الأحزاب، وكانت في العام الخامس الهجرى.
غزوة بني قريظة
بعد غزوة الخندق وقبل أن يخلع رسول الله ﷺ وأصحابه ملابس الحرب، جاءه جبريل، وأمره بأن يذهب لغزو بني قريظة هو وأصحابه، فتحرك الجيش الإسلامى وكان عدده ثلاثة آلاف مقاتل وحاصر الرسول ﷺ بني قريظة فعرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد ثلاث اقتراحات؛ إما أن يسلموا فيأمنوا على أنفسهم، وإما أن يقتلوا أولادهم ونساءهم، ثم يخرجوا لقتال المسلمين، وإما أن يهجموا على رسول الله ﷺ وأصحابه يوم السبت؛ لكنهم لم يجيبوه إلى شىء من ذلك.ولم يبق لهم بعد الرفض إلا أن ينزلوا على حكم رسول الله ﷺ فبعثوا إلى أبى لبابة بن المنذر-وكان من حلفائهم قبل إسلامه- ليخبرهم عن حكم رسول الله ﷺ، فلما رأى أبو لبابة بني قريظة رق قلبه إليهم، وأشار إليهم بيده إلى حلقه كناية عن القتل، وعلم أبو لبابة أنه خان الله ورسوله، فذهب إلى مسجد النبي ﷺ وربط نفسه، وأقسم ألا يفكه أحد إلا الرسول ﷺ.
ونزلت اليهود على حكم رسول الله ﷺ، واتفق أن يحكم فيهم سعد بن معاذ، فحكم سعد بأن يقتل الرجال، وتسبى النساء والذراري، وكان هذا حكم الله فيهم، وكانت الغزوة في ذي القعدة من العام الخامس الهجري، وبعد غزوة بني قريظة بعث رسول الله ﷺ جماعة من الأنصار قتلوا سلام بن أبى الحقيق، وذلك أنه كان من اليهود الذين أثاروا الأحزاب ضد المسلمين.
وفي شعبان من العام السادس الهجري علم رسول الله ﷺ أن زعيم بني المصطلق جمع قومه ومن قدر عليه من العرب لقتال المسلمين، فتأكد رسول الله ﷺ من الخبر، وخرج في عدد من الصحابة، حتى وصل ماء المريسيع، ففر المشركون، واستولى المسلمون على أموالهم وذراريهم، وفي هذه الغزوة كانت حادثة الإفك التى افتُرى فيها على السيدة عائشة، واتهمت بالخيانة، فأنزل الله سبحانه وتعالى براءتها في قرآن يتلى إلى يوم القيامة.
وقد أراد المنافقون أن يدسوا الفتنة بين المسلمين بعد الانتهاء من الحرب، فقال عبدالله بن أبي: ليخرجن الأعز منها الأذل (يعنى الأعز هو، والأذل رسول الله ﷺ) فقام ابنه عبدالله بن عبدالله بن أبى بالاعتذار لرسول الله ﷺ ومنع أباه من دخول المدينة، وقال له: رسول الله هو الأعز وأنت الأذل.
فتح مكة
في العام السادس من الهجرة رأى رسول الله ﷺ في المنام أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا فكانت بشرى من الله، بفتح مكة فيما بعد، واستعد الرسول ﷺ للعمرة وخرج معه عدد كبير من المسلمين، ولما سمعت بذلك قريش، استعدت للحرب وساق الرسول ﷺ الهدي؛ دلالة على عدم نية الحرب، وبعث الرسول ﷺ عثمان بن عفان، ليرى رأي قريش.واحتجزت قريش عثمان فترة، وأشيع نبأ قتله، وبايع الصحابة الرسول ﷺ بيعة الرضوان، وظلت المراسلات بين الرسول ﷺ وبين قريش، انتهت بأن أرسلت قريش سهيل بن عمرو ليعقد صلح الحديبية مع رسول الله ﷺ، وكان من ضمن بنوده وقف الحرب بين الفريقين عشر سنين، وللقبائل أن تدخل في حلف النبي ﷺ، أو في حلف قريش، وأنه من فر من المسلمين إلى قريش لا ترده قريش، ومن فر من قريش إلى الرسول ﷺ يرده الرسول ﷺ.
ومع أن الظاهر في بعض بنود هذه المعاهدة الظلم، إلا أنها أتاحت الفرصة لانتشار الإسلام، واعتراف قريش بالمسلمين كقوة، فدخل عدد كبير الإسلام.. بعد هذه الهدنة، أسلم بعض أبطال قريش؛ كعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة، وأرسل رسول الله ﷺ إلى الأمراء والملوك يدعوهم إلى الإسلام، ليعلن أن الإسلام جاء للناس جميعًا، وليس مقصورًا على شبة الجزيرة العربية.
غزوة خيبر
بعد صلح الحديبية قامت بعض الغزوات؛ كغزوة ذي قرد، وكانت ردًّا على بعض بني فزارة الذين أرادوا القيام بعمل القرصنة ضد المسلمين، وقد أبلى فيها سلمة بن الأكوع بلاءً حسنًا، وبعد تلك الانتصارات التي قام بها المسلمون كان لابد من تأديب من كان السبب في كثير من الحروب، وهم يهود خيبر، أولئك الذين جمعوا الأحزاب ضد رسول الله ﷺ للقتال، فخرج رسول الله ﷺ بمن بايع معه تحت الشجرة، وكانوا ألفًا وأربعمائة، حتى وصلوا قرب خيبر، وقد كانت كلها حصونًا، ففيها ثمانية حصون كبيرة منيعة واستبسل الرسول ﷺ والمسلمون حتى منَّ الله عليهم بفتح هذه الحصون، وأصبح اليهود صاغرين، وصالحهم رسول الله ﷺ على أن يبقى لهم الأرض ليزرعوها على أن يكون لهم نصف الثمار، وللمسلمين نصفها، وكانت غزوة خيبر في العام السابع الهجرى.وبعد هذه الغزوة جاء جعفر بن أبى طالب ومن معه من الحبشة إلى المدينة، وفرح الرسول ﷺ بعودتهم، كما تزوج الرسول ﷺ بصفية بنت حيي بن أخطب بعد أن أسلمت، وقد كانت من السبي، وبعد خيبر صالح يهود فدك الرسول ﷺ كما صالحه أهل خيبر، كما حارب رسول الله ﷺ بعض اليهود ومن انضم إليهم من العرب عند وادي القرى، وفتحها رسول الله ﷺ، وقسم الغنائم على أصحابه، أما النخل والأرض فقد عاملهم كما عامل أهل خيبر، ولما علم يهود تيماء بذلك بعثوا إلى رسول الله ﷺ ، فكتب لهم كتابًا، يدفعون بمقتضاه الجزية للمسلمين وبعد هذه الحروب والانتصارات رجع رسول الله ﷺ إلى المدينة.
غزوة ذات الرقاع
بعد أن أدَّب رسول الله ﷺ المنافقين واليهود، خرج الرسول ﷺ في غزوة ذات الرقاع حتى استطاع تأديب الأعراب، وكان لهذه الغزوة أثرها في قذف الرعب في قلوب الأعراب، وبذا استطاع الرسول ﷺ أن يقضى على الأحزاب، ليتفرغ لنشر الدعوة الإسلامية، وكانت هذه الغزوة في العام السابع الهجري.وفي ذي القعدة من السنة السابعة من الهجرة، خرج رسول الله ﷺ والمسلمون إلى مكة لأداء عمرة القضاء، وكان الرسول ﷺ قد بعث الحارث بن عمير الأزدي إلى عظيم بصرى، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني عامل البلقاء من أرض الشام، من قبل قيصر، فأمسك الحارث، وأوثقه ثم قتله، فأمر الرسول ﷺ الصحابة بالخروج لتأديب هؤلاء، فخرج ثلاثة آلاف مقاتل، وقد جعل الرسول ﷺ الراية لزيد ثم لجعفر إن قتل، ثم لعبد الله بن رواحة، واتجه الجيش ناحية العدو حتى وصل إلى مكان يقال له (مؤتة) وفوجئ الجيش بأن جيش العدو عدده مائتا ألف مقاتل مقابل ثلاثة آلاف واستقر الأمر على الجهاد.
وقاتل المسلمون واستبسلوا، فقتل القائد زيد بن حارثة، ثم قتل جعفر ثم قتل ابن رواحة بعد قتال عنيف، ثم اتفق أن تكون الراية لخالد بن الوليد الذي استطاع إنقاذ الجيش، وإرهاب الأعداء مع كثرة عددهم، ففي اليوم الثاني للقتال غير تنظيم الجيش، حتى ظن الروم أن المسلمين جاءهم مدد، فلم يلاحقوهم، بينما انسحب خالد بالجيش بمهارة كبيرة، ولم يقتل في هذه الغزوة إلا اثنا عشر رجلاً من المسلمين، وكانت في العام الثامن الهجري.
وقد علم رسول الله ﷺ أن بعض القبائل العربية قد انضمت إلى الرومان، فبعث رسول الله ﷺ عمرو بن العاص في جيش لتأديبهم، فلما ذهب عمرو ورأى كثرة عدد المشركين أرسل إلى الرسول ﷺ يطلب مددًا، فبعث إليه بأبي عبيدة في مائتي رجل، واستطاع المسلمون هزيمة تلك القبائل، وعرفت هذه الحرب بسريَّة ذات السلاسل، وكانت بعد غزوة مؤتة في جمادى الآخرة في العام الثامن الهجري.
فتح مكة المكرمة
حدث أن اعتدت بنو بكر وكانت قد دخلت في حلف قريش حسب اتفاق الحديبية- على خزاعة التي دخلت في حلف النبي ﷺ، وجاء عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله ﷺ يستنصره ، فقال له النبي: «نصرت يا عمرو بن سالم» وعلمت قريش أنها نقضت العهد، فذهب أبو سفيان إلى المدينة ليسترضي رسول الله ﷺ، ولكنه رجع دون فائدة، وتجهز الرسول ﷺ في عشرة آلاف مقاتل من الصحابة لغزو مكة دون أن تعلم قريش بذلك، وفي هذه الأثناء أسلم أبو سفيان، ولما قرب الرسول ﷺ من مكة كان أبو سفيان قد رجع ليخبر القوم.ودخل الرسول ﷺ وأصحابه مكة منتصرين فاتحين، واتجه الرسول ﷺ والصحابة خلفه ناحية المسجد الحرام، فاستلم الرسول ﷺ الحجر الأسود وطاف بالبيت، وهدم الأصنام التي كانت حول الكعبة، ثم نادى عثمان بن طلحة وأخذ منه مفتاح الكعبة فدخلها فوجد فيها صورًا فمحاها، وخطب الرسول ﷺ في قريش، ثم قال لهم: ما ترون أنى فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم.. فقال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته «لا تثريب عليكم اليوم » اذهبوا فأنتم الطلقاء.
ثم رد المفتاح إلى عثمان بن طلحة، وكان قد حان وقت الصلاة، فأمر بلال أن يصعد الكعبة، فصعدها وأذن، وأهدر الرسول ﷺ دم بعض من أكابر المجرمين الذين عذبوا المسلمين وآذوهم، فقتل بعضهم وأسلم بعضهم، ثم أخذ الرسول ﷺ البيعة ممن أسلم من الرجال، ثم أخذ البيعة من النساء، وأقام الرسول تسعة عشر يومًا في مكة يجدد معالم الإسلام فيها، وبعث نفرًا من أصحابه لهدم الأصنام التي كان منتشرة في مكة، وقد كان فتح مكة في العام الثامن من الهجرة.
وقد كان فتح مكة مرحلة فاصلة في تاريخ الإسلام، فقد كان لقريش مكانة عظيمة بين القبائل العربية، فلما رأت القبائل قريشا دخلت الإسلام، أسرعت القبائل تدخل في دين الله أفواجًا، ولكن مسيرة الجهاد لم تقف، فلقد أبت بعض القبائل العربية أن تدخل الدين الجديد، وألا تستسلم كما استسلمت القبائل الأخرى، وكان من بين هذه القبائل هوازن وثقيف، وانضمت بعض القبائل الأخرى تحت قيادة مالك بن عوف، وخرج الجيش الإسلامي ناحية (حنين) وكان مالك بن عوف قد سبقهم إليها، ووزَّع الجيش في الوادي، ولما نزل المسلمون الوادي رشقهم العدو بالنبال، حتى تقهقرت كتائب المسلمين، لكن الرسول ﷺ جمع شمل المسلمين الفارين وأعاد للجيش انتظامه، وحاربوا العدو، ونصرهم الله عليهم وغنموا غنائم كثيرة، وتفرق العدو إلى الطائف ونخلة وأوطاس.. وغير ذلك من الأماكن، وقد كانت هذه الغزوة في شوال من العام الثامن الهجري.
وعلم الرسول ﷺ أن معظم جيش هوازن وثقيف دخلوا الطائف، فخرج إليهم رسول الله ﷺ في آخر شوال وحاصرهم حصارًا شديدًا عدة أيام، وبعدها رفع الرسول ﷺ الحصار عنهم فقال له بعض الصحابة: يا رسول الله، ادع على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفًا وائت بهم، وقسم الرسول ﷺ الغنائم، وبعد تقسيم الغنائم جاء وفد هوازن مسلمين، وطلبوا من الرسول ﷺ أن يرد عليهم غنائمهم، فطلب الرسول ﷺ من الصحابة رد الغنائم لوفد هوازن، فاستجابوا لأمر الرسول ﷺ، بعدها اعتمر الرسول ﷺ ثم رجع إلى المدينة.
قتال الروم
في العام التاسع من الهجرة، سمع الرسول ﷺ أن الرومان تستعد للقاء المسلمين، وقد تجمع معها بعض القبائل العربية من النصارى، فأعلن رسول الله ﷺ أنه خارج لقتال الروم، ودعا إلى الجهاد والإنفاق، وأنفق الصحابة من أموالهم الكثير، ولم يتخلف عن هذه الغزوة إلا المنافقون وثلاثة من المؤمنين، وقد كان هذا الوقت شديد الحر، إلا أن المسلمين جاهدوا أنفسهم في الخروج للجهاد، ولم يكف الزاد، وسمي هذا الجيش بجيش العسرة، وخرج الرسول ﷺ في رجب من العام التاسع الهجري تجاه تبوك، حتى وصل إليها وعسكر فيها خمسين يومًا.ولما سمع الروم به خافوا، فلم يخرجوا لقتال المسلمين، وجاء إليه بعض الرومان واصطلحوا معه على دفع الجزية، وانتشر الخبر في الجزيرة العربية، فازداد الإسلام قوة إلى قوته، ورجعت إليه القبائل التي كانت تنوى الاحتماء بالرومان، وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان من هذه السنة مظفرًا منتصرًا، وفي هذه السنة توفي النجاشي ملك الحبشة، وصلى عليه الرسول ﷺ صلاة الغائب، كما توفيت أم كلثوم بنت النبي ﷺ ومات رأس المنافقين عبدالله بن أبى بن سلول.
حجة الوداع
في ذي الحجة من العام التاسع الهجري بعث الرسول ﷺ أبا بكر أميرًا على الحج، فحج بالمسلمين، ودخل الناس في الإسلام أفواجًا، فأتت القبائل إلى الرسول ﷺ متتالية متتابعة معلنة إسلامها لله، وفي ذي الحجة من العام العاشر الهجري خرج الرسول ﷺ إلى مكة وحج بالناس حجة الوداع، بعد أن أعلمهم أمور الدين، وخطب فيهم خطبة وضع فيها الأسس التي يسيرون عليها في حياتهم استكمالا للرسالة التي جاء بها إلى الناس.وفاة رسول الله ﷺ
في أوائل صفر من العام الحادي عشر الهجري خرج النبي ﷺ إلى أحد، وصلى على الشهداء كأنه يودعهم، وفي ليلة من الليالي خرج إلى البقيع فاستغفر للموتى، ومرض رسول الله ﷺ، ولما اشتد عليه المرض أمر أبا بكر أن يصلى بالناس، وفي هذه الأيام كان الرسول يخرج للناس إذا وجد خفة في نفسه، فخرج إليهم ذات مرة، فوعظهم وذكرهم، وألمح بأن أجله قد اقترب، ولم يفهم ذلك من الصحابة إلا أبو بكر، وقبل أن يتوفى النبي ﷺ بيوم أعتق غلمانه، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده وفي اليوم الأخير من مرض النبي ﷺ، وفي فجر يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من العام الحادي عشر من الهجرة كان الرسول ﷺ في حجرة عائشة، فرفع الستار ورأى المسلمين يصلون الفجر، فتبسم وفي وقت الضحى صعدت الروح الطاهرة الزكية إلى ربها بعدما أدت ما عليها فحزن الصحابة رضوان الله عليهم حزنًا شديدًا لوفاة النبي ﷺ، وغسلوا الجسد الشريف ليلة الثلاثاء من غير أن يجردوا الرسول ﷺ من الثياب، وحُفر قبره ﷺ في حجرته، ودخل الناس جماعات يصلون على النبي ﷺ، بعد ما أدى ما عليه من أمانة الله، فصلوات الله وسلامه عليه.لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: قصص الأنبياء