هجر القرآن آثاره وعلاجه
إن الحمدَ لله، نحمدُهُ ونستعينُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصبحه ومَن تبِعه بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
إن خيرَ الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وكلًّ ضلالة في النار.
﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾ [الدخان: 3].
عباد الله، القرآن راحة الروح، وروضة النفس، وربيع القلب، ونور الفؤاد، وحلاوة المنطق، وطيب الأنفاس، قلْ فيه ما شئتَ فهو كلام الله، فلن تبلغ في وصفه مداه، واستمسك به، فهو حبل الوصل به لمن ابتغاه، فما لنا عنه معرضون وبغيره مشتغلون، وفيه عزنا به تمسَّك أسلافنا ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 44].
واليوم هجرناه واتَّخذناه ظهريًّا، فلا علم لنا به ولا عمل، ولا تدبر ولا استشفاء به: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].
إنَّ هذا هو الخسران المبين أن نترك هذا الخير العظيم والنفع الجزيل لنطلب من غيره الصلاح والهداية والنجاح.
إن الدعوى بحب القرآن الكريم واردةٌ وكل مسلم يقول ذلك، لكن هل نحن فعلًا نحب القرآن؟
فيا عبد الله، أسأَلْ نفسك هذه الأسئلة ليكون لك الأمر جليًّا.
هل تحب لقائه؟ هل تحب الجلوس إليه أوقات طويله بدون ملل؟ هل تشتاق إليه متى بَعُدَ العهد عنه؟ هل تكثر مشاورته وتثق بتوجيهاته؟ هل تطيع أمره ونهيه؟ ولتحصيل هذه المحب عليك بهاتين الوسيلتين:
الوسيلة الأولى:
التوكيل على الله والاستعانة به وتجدها في أربع أمور، هي:الأولى: في طلب الهداية وهي في فاتحة الكتاب.
والثانية: في الاستعاذة: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98].
والثالثة: في البسملة وفيها الالتجاء إلى الله وطلب البركة منه.
والرابع: الدعاء، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما قال عبدٌ قطُّ إذا أصابه هَمٌّ أو حُزْنٌ: اللَّهمَّ إنِّي عبدُكَ ابنُ عبدِكَ ابنُ أَمَتِكَ، ناصِيَتي بيدِكَ ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فيَّ قضاؤُكَ، أسأَلُكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ سمَّيْتَ به نفسَكَ، أو أنزَلْتَه في كتابِكَ، أو علَّمْتَه أحَدًا مِن خَلْقِكَ، أوِ استأثَرْتَ به في عِلمِ الغيبِ عندَكَ - أنْ تجعَلَ القُرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ بصَري، وجِلاءَ حُزْني، وذَهابَ همِّي، إلَّا أذهَب اللهُ همَّه وأبدَله مكانَ حُزْنِه فرَحًا)، قالوا: يا رسولَ اللهِ، ينبغي لنا أنْ نتعلَّمَ هذه الكلماتِ؟ قال: (أجَلْ، ينبغي لِمَن سمِعهنَّ أنْ يتعلَّمَهنَّ).
فكفى العبد أن يستجاب له هذه الدعاء لينال خير الدنيا والآخرة.
والوسيلة الثانية:
بعد التوكل على الله القراءة في فضل القرآن وحال السلف معه:القرآن أُنزِلَ ليُعملَ به، ووسيلة العمل به العلم به، وهو يحصل بقراءته وتدبُّره، ومن رام النجاح عليه أن يكون له عادة، وعادة النجاح واحدة أن تحافظ على حزبك من القرآن؛ قَالَ أَوْسٌ: سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؛ قَالُوا: ثَلَاثٌ، وَخَمْسٌ، وَسَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ انتهى من "المغني".
وعَنْ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: لَقَدْ أَبْطَأْتَ عَنَّا اللَّيْلَةَ، قَالَ: إنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبِي مِنْ الْقُرْآنِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَخْرُجَ حَتَّى أُتِمَّهُ.
لا أحد منهم رضي الله عنهم يتركُ حزبَه لعلمِهم بفضلِ القرآنِ وبركته، ومحبتهم الصادقة له، ولا يبغون عنه حولًا.
وعن ابن عباس رضي الله عنمها قال: قال رسو الله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)؛ رواه الترمذي حسن صحيح.
وعن عمر رضي الله عنه قال: أَمَا إنَّ نبيكم قد قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين)؛ رواه مسلم.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالين، منزل الكتاب هدى ورحمةً للعباد، والصلاة والسلام على نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وعلى آله وصحبه، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:فيا أيها المسلمون:
من أراد الخير له ولأهله، فعليه أن يعودَ إلى القرآن ويُحبه، ويُكثر من قراءته، ففيه صلاح الدنيا والآخرة، والفرد والمجتمع، إن القرآن أُنزِلَ موعظةً للناس، وشفاءً لما في الصدور، وهدى ورحمة، فارحموا أنفسكم به وأهليكم، وربوا أبناءكم على القرآن، إنه لتقصير عظيم أن ننظر إلى أولادنا يكبرون يومًا بعد يوم، ويخرجون إلى الحياة، وهم فارغون من القرآن لا يعرفون قدره، ولا كيف يتعاملون معه، ولا يحفظون منه شيئًا، ولم يتدربوا على القيام به، وحسن تلاوته.
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيام شفيعًا لأصحابه)؛ رواه مسلم.
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: مواضيع دينية منوعة خطب إسلامية