اسم الله الرزاق

اسم الله الرزاق

اسم الله الرزاق


معرفة الله أعظم أنواع المعرفة


إن مما تمس الحاجة إليه في هذه الأزمان معرفة الله -تبارك وتعالى- بأنه الرزاق، مع أن الحاجة ماسّة في كل زمان وأوان لمعرفة أسماء الله الحسنى جميعها، وتدبرها كلها في ضوء كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

إن من أسماء الله الحسنى العظيمة الرزاق، كما قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾[الذاريات: 58]، وقال -جل وعلا-: ﴿وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ﴾ [المائدة: 114]، وقال -جل وعلا-: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [الحج: 58]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

معنى اسم الله الرزاق


الرزاق هو الذي بيده أرزاق العباد وأقواتهم، وهو -جل وعلا- الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، الذي بيده أزمَّة الأمور ومقاليد السموات والأرض، قال الله –تعالى-: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود: 6]، وقال -جل وعلا-: ﴿وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت: 60]، وقال -جل وعلا-: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً﴾ [الإسراء: 30]، وقال -جل وعلا-: ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [النور: 38].

فالأرزاق كلها بيد الله، أقوات العباد: طعامهم، شرابهم، غذاؤهم، جميع أمورهم، كلُّ ذلك بيد الله -جل وعلا-، فهو المعطي المانع، القابض الباسط، الخافض الرافع، المعز المذل، الذي بيده أزمّة الأمور، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم.

مقامان لحديث القرآن وبيانه لرزق الله تعالى


لقد جاء في القرآن الكريم حديث واسع وبيان وافر لهذا الأمر العظيم، ألا وهو أن الرزق بيد الله -تبارك وتعالى- وأنه -جل وعلا- هو الرزاق ذو القوة المتين، وقد جاء حديث القرآن في بيان هذا الأمر العظيم في مقامين:

المقام الأول: مقام التفضل والإنعام، والعطاء والإكرام، وهذا جاء منه آيات كثيرة في كتاب الله -تبارك وتعالى- منها قول الله -جل وعلا-: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ [الإسراء: 70].

والمقام الثاني: مقام الدعوة إلى عبادة الله وطاعته –سبحانه- وتحقيق التوحيد له، والقيام بطاعته -جلَّ وعلا- كما أمر، وفي هذا المعنى وردت آيات كثيرة في كتاب الله؛ يقول الله -تبارك وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 21، 22]، أي: لا تجعلوا لله شركاء في العبادة وأنتم تعلمون أنه لا خالق لكم ولا رازق لكم غير الله -تبارك وتعالى-.

وقال -جل وعلا- في مقام إبطال الشرك وبيان سفه أهله وغيهم وضلالهم، قال الله -جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ...﴾ [فاطر: 3].

رزق الله لعباده نوعان


إن الرزق بيد الله -جل وعلا-، فالعطاء عطاؤه، والمنُّ مَنُّه، والجود جوده، والكرم كرمه، وكلٌّ بيده -جل وعلا-، ورزقه لعباده على نوعين:

رزق عام، يشمل البر والفاجر، والمؤمن والكافر، كما تقدم معنا في قوله -تبارك وتعالى-: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: 6]، وهذا عطاء عام لا يختص به أحد دون أحد، قال الله -جل وعلا-: ﴿كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾ [الإسراء: 20] أي: المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار.

هذا عطاء عام، وهو عطاء للطعام والشراب والغذاء والملبس والمسكن ونحو ذلك، وهذا النوع من العطاء لا يدل على رضى الله تبارك وتعالى عمن أعطاه، فإنه -جل وعلا- يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب.

وأما الآخرة فإنه -جل وعلا- لا يعطيها إلا من أحب، وتأمل في هذا المعنى قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ [الفجر: 15، 16]، قال -جل وعلا-: (كَلاَّ)، أي: ليس الأمر كذلك، أي: ليس الأمر -أنَّ الإنسان إذا أُعطي وأُكرم في الدنيا- دليلاً على إكرام الله له ورضاه عنه، وليس أيضًا التضييق على الإنسان في طعامه ورزقه دليلاً على عدم رضا الله عنه وإهانته له، (كَلاَّ)، أي: ليس الأمر كذلك، فإنه -جل وعلا - يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، والعطاء في الدنيا من الإنعام والملبس والمسكن ليس دليلاً على الرضا، وكذلك التضييق في ذلك ليس دليلاً على إهانة الله لعبده.

الابتلاء بالعطاء كما هو بالمنع


والعطاء في الدنيا والمنع كل ذلكم ابتلاء من الله تبارك وتعالى لعباده، فهو -جل وعلا- يبتلي عباده بالغنى كما يبتليهم بالفقر، ويبتليهم بالصحة كما يبتليهم بالمرض، ويبتليهم بالرخاء كما يبتليهم بالشدة، فالدنيا دار امتحان وابتلاء واختبار.

والواجب على عبد الله المؤمن الذي عرف أن الأرزاق بيد الله -تبارك وتعالى- أن لا يلجأ في شيء إلا إلى الله، سواء منها الرزق العام أو الرزق الخاص الذي خصَّ به عباده المؤمنين، وهو رزق الإيمان والهداية إلى الطاعة، والتثبيت على التوحيد، والحفظ الوقاية والتسديد، وغير ذلك من الأرزاق التي خصّ بها عباده المؤمنين وأولياءه المتقين.

فعبد الله المؤمن يلجأ إلى الله في كل أموره، وفي جميع أرزاقه، وجميع شؤونه، يلجأ إلى الله -تبارك وتعالى- وحده ولا يلجأ لأحد سواه، وإنّ من أعظم ما يُطلب به رزق الله -سبحانه- تقوى الله والإيمان، فهذا أساس كل خير وأساس كل فضيلة، قال الله -تعالى-: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقال -جل وعلا-: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الحج: 50]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

خلاصة القول: إن الواجب علينا في هذا الباب -في باب طلب الرزق والوقاية من عسره- أن نلجأ إلى الله -جل وعلا- صادقين، كما تقدَّم معنا في قوله: ﴿وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ﴾ [المائدة: 114]، وأن نتجنَّب الذنوب والمعاصي، فإن الذنوب سبب لزوال النعم والأرزاق، وسبب لحلول النقم، فما حلت نقمة ولا رفعت نعمة إلا بذنب، كما قال علي -رضي الله عنه وأرضاه-: "ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة".

قال -تعالى-: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً﴾ [نوح: 25]، أي: بسبب خطيئاتهم، وقال -جل وعلا-: ﴿فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ [العنكبوت: 40]، وقال -جل وعلا-: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ [الروم: 41].

فالواجب علينا أن نتوب إلى الله توبة نصوحًا، من كل ذنب وخطيئة، وأن نقبل على الله -تبارك وتعالى- طائعين منيبين، مؤمنين مخبتين، والله -تبارك وتعالى- يتولى عباده الصالحين، بمنِّه وكرمه، وجوده وعطائه، وأفضاله وأرزاقه، وهو -جل وعلا- خير الرازقين.

أثر الإيمان بأن الرزق بيد الله وحده


إنَّ من آمن بأن الله هو الرزاق، وأن الأرزاق بيده -جل وعلا-، وأنه ما من نفس تموت إلا وقد استتمت رزقها، وحصلت ما كتب الله -تبارك وتعالى- لها، إنَّ مَن كان بهذا الإيمان، فإنه بعيد أشد البعد عن القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، بل لا يزال دائمًا وأبدًا يرجو الله -تبارك وتعالى- ويطمع في نواله، ويرجو منه ورزقه وكرمه –سبحانه- ولا يزال يمد أيدي الرجاء إلى الله، والتوجه الصادق إليه سبحانه وهو واثق بالله أنه لا يخيب عبدًا دعاه، ولا يرد مؤمنًا ناجاه، يسأله أن يرزقه تبارك وتعالى من غير قنوط ولا يأس، بل بأمل واثق ورجاء تام فيما عند الله -تبارك وتعالى-.

فأحسنوا رجاءكم بالله وثقتكم به، وحسن توجهكم إليه، وأملكم فيما عنده، فإنه -جل وعلا- واسع النوال، عظيم العطاء، جزيل المن، لا يخيب من دعاه، ولا يرد من ناداه، وهو القائل سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي﴾ [البقرة: 186].

وفي هذا المقام لا بد من بذل الأسباب والجد والاجتهاد في طلب الأرزاق ووجوه المكاسب المباحة التي أباحها الله -تبارك وتعالى- لعباده، كما قال -جل وعلا-: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ [الملك: 15]، ومع بذل الأسباب لا بد من طلب الرزق من الله -جل وعلا-، ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: 17].

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية