اسم الله القوي

اسم الله القوي

اسم الله القوي


إن البشرية اليوم في أمسِّ الحاجة لفقه أسماء الله وصفاته عامة، واسم القوي خاصة, في زمان أصبح فيه الناس كالوحوش يأكل القوي الضعيف دون زاجرٍ من دين, أو رادعٍ من ضمير, ففقه هذا الاسم يعيد للبشرية سلامها وأمنها ويضبط توازنها، وتستعيد البشرية به مرة أخرى إنسانيتها المفقودة بسبب الاغترار بالقوة والجبروت, فإن الغرور بالقوة والتقدم العلمي والعسكري غر كثيراً من الدول، فتسلطوا على خلق الله شرقا وغربا، ولسان حالهم: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت:15], ولو فقهوا معنى القوة الحقيقية، ومَن المتَّصِفُ بها لتواضعوا لله -عز وجل-، وكفوا عن العدوان على الناس.

اسم القوي معانٍ ودلالات


من أسماء الله الحسنى القوي قَالَ تعالى: ﴿كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ إنا وَرُسُلِي إِن الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة:21], والقوة لله جميعاً ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات:58], وكلمة القوة في القرآن الكريم وردت منسوبة إلى الله كما في قوله: ﴿وَلوْلا إِذْ دَخَلتَ جَنَّتَكَ قُلتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ إِنْ تَرَنِ إنا أَقَل مِنْكَ مَالاً وَوَلداً﴾ [الكهف:39]، وهو -سبحانه- الذي يهب القوة من شاء من عباده, كما قال هود -عليه السلام-: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود:52].

فالله قويٌ كامل القدرة لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال، لا يغلبه غالب، ولا يرد قضاءه رادٌ، القويُّ الذي ينفذ أمره وقضاؤه، لا يمنعه مانع، ولا يدفعه دافع، القوي الذي قهر جميع المخلوقات، ودانت له الخلائق، وخضعت له جميع الكائنات، وامتنع أن يناله أحد من المخلوقات.

القوي وعلاقته بالعزيز والمتين


وفي القرآن نجد أن المولى -جل وعلا- قد قرن اسم القوي باسمين مخصوصين تتكامل بهما معاني ودلالات اسم الله القوي، هذان الاسمان هما: "العزيز" و"المتين"، فكثيرا ما يقترن اسم الله القوي باسمه العزيز؛ لأن قوته عن عزة وغنى, فلا يحتاج لمعينٍ ولا نصير ولا ظهير.

وقد جاءت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- متناسقة مع الحديث القرآني عن أسماء الله وصفاته، توضح دلالاتها وتكشف مقتضياتها، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ في سُجُودِ الْقُرْآنِ بِالليْلِ، يَقُولُ في السَّجْدَةِ مِرَارًا: سَجَدَ وجهي للذي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ" .

وعنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ"، قَالَ: "وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي، وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" .

الفارق بين قوة الخالق وقوة المخلوقين


وشتان بين قوة الخالق وقوة المخلوقين، فلا وجه بين القوتين، وذلك من أوجه عديدة, منها:

أولا: أن كل قوة في الكون مصدرها الله تعالى، وقوة المخلوقات جميعا لا تساوي ذرة بالنسبة لقوة الله -عز وجل-، بل قوة جميع تلك المخلوقات لو اجتمعت لواحد منهم، فإن قوة أولئك كلهم لا تساوي شيئاً بالنسبة لقوة الملك القوي الجبار: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج:74].

ثانيا: قوة الله قوة أبدية لا تحول ولا تزول، وكل قوة في المخلوق تبدأ بضعف وتنتهي إلى ضعف, قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم:54].

مظاهر قوة الله في المخلوقات


وبالنظر في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- والتدبر في سير الأمم السابقة، يتبين لنا مظاهر قوة الله القوي ومنها:

أولا: قوة المشيئة النافذة على إتمام فعله، فله مطلق المشيئة والأمر، قويٌ في ذاته غيُر عاجز، لا يعتريه ضعفٌ أو قصور، قيّوم، لا يتأثر بوهن أو فتور، ينصر من نصره، ويخذل من خذله، قال -عز وجل-: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[الحج:40].

ثانيا: قوة إبداع الخلق، خلق العرش والكرسي، وخلق الملائكة العِظام، خلق السماوات والأرض، والجبال الراسيات، والنجوم الزاهرات، والكواكب النيرات، والحيوان والنبات, وذلك لكمال قوته وقدرته ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾[السجدة: 7].

أليس في رفع السماء بلا عمد مع ما تحمل من المخلوقات فوقها أكبرُ آية وأعظم دليل على قوة الله البالغة؟ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [فاطر:41]. "قَرَأَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- هَذِهِ الْآيَةَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: ﴿وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، قَالَ: يَقُولُ اللهُ -عز وجل-: "أنا الْجَبَّارُ، أنا الْمُتَكَبِّرُ، أنا الْمَلِكُ، أنا الْمُتَعَالِي، يُمَجِّدُ نَفْسَهُ". قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ يُرَدِّدُهَا حَتَّى رَجَفَ بِهِ الْمِنْبَرُ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَخِرُّ بِهِ"

ثالثا: ومن مظاهر قوته: إهلاك الكافرين والمجرمين, بأنواع من العقوبات، نصراً لأنبيائه وتأييداً لأوليائه, قال الله: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال:52].

وقد أهلك الله القوي الأمم التي كفرت بالله وكذبت الرسل، وأفسدوا في الأرض، واستكبروا فيها، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [غافر:22]، فأنزل عليهم من عقابه ما أظهر عليهم قدرته وقوته ﴿أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى﴾ [النجم:50-55].

وكانت العقوبات القوي -سبحانه- متفاوتة ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت:40].

الآثار الإيمانية لاسم الله القوي


فإن لاسم الله القوي آثارٌ إيمانية في حياة الفرد والمجتمع, ومن أهم هذه الآثار:

أولا: الاعتزاز بقوة الله -عز وجل-؛ وذلك بأن ينعكس هذا الاعتزاز على حياة المؤمن وسلوكه وأفعاله، فيصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قوما، فَرَأَوْا مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: "اللَّهُ عز وجل"، فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ. فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: "مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟" قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ. قَالَ: "أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟". قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ. قَالَ: فَذَهَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: "قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ". (رواه أحمد)، في هذا الموقف الصعب يصمد القائد كالجبل الأشم ثابتاً لا يتزحزح؛ لأنه يعلم أن قوة القوي مهيمنة ونافذة.

ثانيا: حسن التوكل على القوي والاستسلام لعظمته والتبرؤ من الحول والقوة إلا به، ولهذا كانت كلمة "لا حول ولا قوة إلا بالله" جليلة الشأن، كبيرة القدر، عظيمة الأثر, عَنْ حَازِمِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ: مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي: "يَا حَازِمُ، أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ"

ثالثا: التواضع وترك الغرور، فمن خدعته قوته واغتر بنفسه أو جاهه أو سلطانه فليتذكر قوة القوي الجبار. عن أَبُي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيّ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، "اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ"، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: "اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ"، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: "اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ"، قَالَ: فَقُلْت: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا"

فإذا دعتك قوتك إلى ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك, فكم من أناس بين عشية وضحاها أصبحوا لا وزن لهم ولا قيمة، فهذا قارون لما اختال بماله ومكانته، ونَصَحَهُ قومه ووعظوه: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص:78]، فكانت النتيجة: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾ [القصص:81].

رابعا: الاستخدام النافع للقوة الموهوبة في الحق في خدمة الواهب -سبحانه-، وأن تذيب هذه القوة في الدعوة إليه، فلك في السابقين قدوة، فعن أَبِى عَقْرَبٍ -رضي الله عنه- أنه قَال: سَأَلْتُ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الصَّوْمِ فَقَال: "صُمْ يَوْمًا مِنَ الشَّهْرِ"، قُلْت: يَا رَسُول اللهِ زِدْنِي زِدْنِي إِنِّي أَجِدُنِي قَوِيًّا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ ليَرُدُّنِي، قَال: "صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ"

فسخَّر قوتك ونشاطك في طاعة الله -سبحانه- وفي عمارة الأرض بالخير والعمل الصًّالح، ولا تبخل بها في دعم مسيرة الدعوة إلى الله -عز وجل- إن كنت ممن يحسن ذلك, فالمؤمن القويّ محبوبٌ عند الله -سبحانه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ الْمُؤمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيرٌ "

المرجع :

لا تنس ذكر الله
لا إله إلا الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية