اسم الله الملك

اسم الله الملك

اسم الله الملك



لكل شيء مالك يملكه؛ فلكل بيت مالك ولكل مال مالك ولكل متاع في هذه الدنيا مالك، وعلى كل دولة ملك يسوسها ويقودها، لكننا وجدنا أن كل مالك يزول عن مِلكه، وكل ملك كذلك يزول عن مُلكه، أو يزول هو عنه، إلا مَلِكًا واحدًا، هو الـمَلِك الحق -سبحانه وتعالى- الذي لا يستحق هذا الاسم إلا هو.

معنى اسم الله الملك


إن "الملك" من أسماء الله -تعالى-، ويدور معناه في اللغة حول التصرف والهيمنة والسيادة، فالمُلْكُ: هو التصرف بالأمر والنهي، والملك هو الآمر الناهي المطاع المتصرف بفعله وأمره، والمُلك هو صفة ذاتية للرب -تعالى-، وتعني ملكه لجميع الأشياء، وتصرفه وتدبيره في ملكه بلا مدافعة ولا ممانعة، وقدرته على ذلك.

ورود اسم (الملك، المالك، والمليك) في القرآن والفرق بينها


وقد ورد اسم الله الملك في القرآن والسنة بثلاثة صيغ، هي: الملك والمليك والمالك، فأما اسم الملك فقد جاء في عدة مواضع من القرآن، منها قول الله -عز وجل-: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ [الحشر:23]، وفي السنة ما رواه أبو هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك، أنا الملك..."

وأما اسم "المالك" فمنه قوله -تبارك وتعالى-: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران:26]. ومنه كذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك... لا مالك إلا الله -عز وجل-"

وأما اسم "المليك"، فقد ورد في موضعٍ واحد من القرآن الكريم وهو قوله -تعالى-: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر:54-55]، ولما قال أبو بكر: يا رسول الله، علمني كلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، علَّمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: "قل: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه..."

وقد وضَّح طائفة من العلماء الفرق بين هذه الأسماء الحسنى الثلاثة؛ فقالوا: الملك هو: صاحب الـمُلْك الذي ينفذ أمره في ملكه؛ فلا يرد أمره، ولا يعقب على حكمه.

أما المالك فهو صاحب الـمِلْك الذي يملك جميع أصناف المملوكات، ولا يتصرف مالك فيما ملَّكه الله إياه إلا بإذن الله المالك -سبحانه وتعالى-.

ولكل واحد من الاسمين معنى لا يوجد في الآخر؛ فالمالك يقدر على تصرفات لا يقدر عليه الملِك؛ فيستطيع أن يبيع ما يملك أو يهبه... والملِك -كذلك- يقدر على تصرفات لا يقدر عليها المالك؛ كالتصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعية، والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الله -عز وجل- أن الملك صفة لذاته، والمالك صفة لأفعاله

وأما المليك فهو الذي جمع الـمُلك والـمِلك كليهما، فهو المستحق الـمِلك المستولي -بحق- على الـمُلك.

مقارنة بين مُلك الرب، ومُلك العبيد


إن من تأمل حال ملوك الدنيا وعجزهم وضعفهم، أدرك أن العبد عبد والرب رب، وهذي بعض مظاهر ذلك:

الأولى: ملك العبيد يقل بالإنفاق؛ لأنه محدود، أما ملك الله فلا؛ لأنه مالك جميع أصناف المملوكات: وقد قرر الله -تعالى- هذه الحقيقة قائلًا: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ [النحل:96]؛ فملوك الدنيا إذا أعطوا نقص ملكُهم، أما الملكَ الحقَّ -سبحانه- فلا ينقص ملكه إغداق، فعن أبي ذر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر"

الثانية: أن العبد لا بد أن يزول عن ملكه يومًا بموت أو سقم، أو ينتزع ملكه منه، أما الله -جل وعلا- فهو حي باقٍ لا يزول أبدًا، فهذا الملك المأمون عند موته يفرش رمادًا ويضطجع عليه، وهو يقول: "يا من لا يزول ملكه، ارحم من قد زال ملكه"، وكان ملك آخر هو المعتصم بالله يقول عند موته: "لو علمت أن عمري هكذا قصير ما فعلت!"، واضطرب الملك المنتصر عند موته اضطرابًا شديدًا، فقيل له: "لا بأس عليك يا أمير المؤمنين، فقال: "ليس إلا هذا، لقد ذهبت الدنيا واقبلت الآخرة"

الثالثة: أن الله -عز وجل- ملك بذاته؛ فالـمُلك من خصائصه -سبحانه- التي لا تنفك عنه، فهو يأمر فيكون ما أمر، قال -تعالى-: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل:40]، فهو -تعالى- يأمر فتطيع الجمادات أمره -فضلًا عن الأحياء والعقلاء-، قال -جل شأنه-: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت:11]، فله -تعالى- على الجميع القهر والإذعان وهو فوقها الملك الحق -سبحانه-.

أما العبد فهو يحتاج إلى من يوليه ويملِّكه، وإذا ملك فإنما يستجدي الطاعة من رعيته وقد يشتري بالمال ولاءهم، وكم من ملك عُصي وخرج الناس عليه، أو انتزع من عرشه وضاعت هيبته.

وإن الذي يهب الملك وينزعه هو الله -جل شأنه- وحده، فهو القائل: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾ [آل عمران:26]، نعم، فالله -تعالى- هو مالك الملك، يعطيه ويمنعه، يمكِّن منه وينزعه... أما العبد فهو ذلك العاجز الضعيف الذي يولى ولا يولي!

الرابعة: ملوك الأرض حتى من الصالحين إن وجبت طاعتهم على المسلمين فإنما هي طاعة مشروطة بحالة إذا أمروا بما يرضي الله -تعالى-؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف" ، أما طاعة ملك الملوك -سبحانه وتعالى- فهي طاعة مطلقة بلا تفكير ولا تريث ولا اختيار.

آثار الإيمان باسم الله الملك


إن الحياة في ظلال اسم الله الملك تثمر ثمرات طيبات، منها:

أولًا: يقين العبد أنه لا ملك -بحق- إلا الله: فهذا أول ما ينبغي أن يستشعره المؤمن إذا سمع اسم الله "الملك"، فبيده وحده مقاليد كل شيء، فلا يلجأ المؤمن عند الضيق إلا إليه، ولا يثق إلا بما في يديه؛ لأنه يعلم أن ملكوت كل شيء بيديه -سبحانه وتعالى- فهو القائل: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون:88-89]، ثم هو لا يرجو ولا يرهب إلا منه -سبحانه-؛ لأنه يوقن بقوله -تعالى-: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [يونس:107]، فمن أراد أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يدي الله أوثق منه مما في يديه.

ثانيًا: الإيمان بأنه -سبحانه- فعال لما يريد: فعلم العبد أن الله هو الملك الحق وحده دون سواه، يزرع في قلبه اليقين ويلجئوه إلى الإقرار أن الله لا متصرف في الكون إلا الله، ولا أحد يعيق مشيئة الله، فهو -تعالى- يفعل ما يريد، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.

ثالثًا: حصول التواضع للمؤمن: فإن من عرف أن اللَّه هو الملك الحق، فلا بد له من أن يتواضع، ولا يرفع نفسه فوق منزلة العبيد، حتى لو كان من الملوك، فإنه لا يعدو كونه عبدًا فقيرًا يعيش تحت قهر الله وسلطانه، فعبد الله بن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون. ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟"

ولهذا لما جاء الـمَلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله: يا محمد، أرسلني إليك ربك،: أفملكًا نبيًا يجعلك، أو عبدًا رسولًا؟ قال جبريل: تواضع لربك يا محمد، فقال: "بل عبدًا رسولًا"

رابعًا: التورع عن مخالفة الله في ملكه: فإذا أدرك العبد أن الملك ملك الله، وأنه -تعالى- هو الملك الحق، وأن لكل ملك حِمَى، تورَّع من التورط في محاداة الملك ومعاندته بالولوج إلى حِمَاه، فعن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه" ، لذا فقد كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يتركون ثلاثة أرباع الحلال خشية الوقوع في الحرام.

خامسًا: التعبد لله بهذا الاسم الكريم: كما علَّمنا رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: "من قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك"

المرجع :

لا تنس ذكر الله
الله أكبر
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية