الأب في الإسلام

الأب في الإسلام

الأب في الإسلام


مكانة الأب في الإسلام


لَقدْ أَوْصَانَا اللهُ بالإحْسَانِ إلى الوَالِدينِ فقالَ سُبحانَهُ: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾

وَجَعَل رِضَاهُ سُبْحَانَهُ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُهُ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ. وَقَدْ قَالَ حَبِيبُنَا وَإِمَامُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ”.

وحِينَ نَتَكَلَّمُ عَن بَرِّ الوَالِدينِ يَتبَادَرُ إِلى بَعْضِنَا بَرُّ الأُمهَاتِ فَحَسبُ، نَعَمْ الأُمُّ شَأنُها عَظيمٌ وَفَضلُهَا كَبِيرٌ وَمَعَ هذا؛ فَالأَبُ لاَ يَقلُّ عَنهَا في تَعبِهِ، وَتَرْبِيَتِهِ، وَكَدْحِهِ وَهَمِّهِ. وَلا يَقِلُّ عَنْها فَضْلاً وَبِرًّا وَأَجْرًا. وإذَا أَردْتَ أنْ تَعلَمَ فَضلَ أَبِيكَ فَتَأَمَّلْ نُصُوصَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ! وَانْظُرْ إِلى أَبِيكَ كَيْفَ يَكْدَحُ وَيَتْعَبُ، مِنْ أَجْلِ تَرْبِيَتِكَ وَتَعْلِيمِكَ وَرِفْعَتِكَ! فَلَولا اللهُ ثُمَّ أَبَوكَ لَمَا عِشْتَ وَسَعِدَّتَ وَسَكَنْتَ أَنْتَ وَأُمُّكَ وَأَخواتُكَ وَكُنْتُمْ فيمَا أَنْتُم فيهِ الآنَ حَقًّا.

أيُّهَا الآبَاءُ الإجِلاءُ: أَنْتُم أَصْحَابُ الفَضْلِ الكَريمِ، بَعْدَ فَضْلِ اللهِ وَكَرَمِه، الذي قَرنَكُمُ اللهُ بحقِّهِ فَقَالَ سُبحانَه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾

أَنْتُمْ مَنْ دَعَا جِبْرِيلُ -عَليهِ السَّلامُ- بالبُعدِ والْهَلاكِ عَلى مَنْ فرَّطَ في حقِّكُمْ، وَأَمَّنَ على ذَلِكَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلَّمَ، حينَ قَالَ: “إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبَرَّهُمَا، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ”.

أيُّهَا الآبَاءُ الكِرَامُ: وَحَتَّى تَعْرِفُوا مَكَانَتَكُمْ. خُذوا قِصَّةَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ أَبَاهُ فِي مَالٍ، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ أَبِي قَد اجْتَاحَ مَالِي، وَإِنَّ لِي مَالًا وَعِيَالًا وَإِنَّ لِأَبِي مَالًا وَعِيَالًا وَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي إِلَى مَالِهِ. حِينَهَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأُسْلُوبِ الْمُعَاتِبِ: “أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ” “أَنْتَ، وَمَالُكَ لِأَبِيكَ”.

ألا تَعْلَمُونَ أيُّهَا الآبَاءُ: أَنَّكُمْ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ؛ فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عنه- قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: “الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ”.

مِنْ بِرِّ الأَبِ صِلَةُ أَقَارِبِهِ وَأَصْدِقَائِهِ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِهِ؛ فَمَا بَالُكُمْ بِفَضْلِ مَنَ يَبَرُّ أَبَاهُ في حَيَاتِهِ؛ فَهَذا عَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ رضي الله عنهما لَقِيَ رَجُلًا بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ، وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ. فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ! فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ”: إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ. “رواه مسلم. وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ الأَسْلَمِيُّ -رَضِيَ اللهُ عنه-، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَأَتَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، فقَالَ: أَتَدْرِي لِمَ أَتَيْتُكَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:” مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصِلَ أَبَاهُ فِي قَبْرِهِ، فَلْيَصِلْ إِخْوَانَ أَبِيهِ بَعْدَهُ “حَسَّنَهُ الأَلبَانِيُّ.


عقوبة العقوق


انَّ عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ عُقُوبَتُهُ مُعَجَّلَةٌ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ؛ حَدَّثَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “بَابَانِ مُعَجَّلَانِ عُقُوبَتُهُمَا فِي الدُّنْيَا الْبَغْيُ وَالْعُقُوقُ”. وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: “مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ، أَوْ أَحَدَهُمَا، فَدَخَلَ النَّارَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ”.

و حِينَ نَتَحَدَّثُ عَنْ آبَائِكُمْ فَإنَّنا نَتَحَدَّثُ عَنْ عَطَائِهُم الوَاسِعِ، وَصَبرِهُمُ الطَّويِلِ عَلى كُلِّ شَيءٍ فَعَلُوهُ وَبَذَلُوهُ! نَتَحَدَّثُ عَنِ الوَفَاءِ وَالتَّضْحِيَاتِ، عنِ الحبِّ والْكَدْحِ وَالأُمْنِياتِ، عن القُدوةِ وَالْمُعلِّمِ، عن مَنْ يَبْحَثُ عَنْ سَعَادَتِنَا وَهُو الْمُتأَلِّمُ!

عَجَبًا لآبَائِنَا يَبذُلُونَ أوَقَاتَهُم وأَمْوَالَهُم وَصِحتَهُم وَشَبَابَهُم في سَبِيلِ أَنْ نَكُونَ سُعَدَاءَ، ولا يَطلُبونَ مِنَّا شُكْرًا وَلا ذِكْرًا، لَمْ نَسْمَعْ مِنْهُم يَومًا تَذَمُّرًا وَلا مِنَّةً على مَا بَذَلُوهُ! يُؤثِرُنَنَا عَلى أَنْفُسِهِمْ في الإنْفَاقِ وَالْبَذْلِ؛ فَحَاجَاتُ الأَبْنَاءِ والْبَنَاتِ مُقَدَّمَةٌ عَلى حَاجَاتِهِمْ! وَاللهِ إنِّي بِذَلِكَ صَادِقٌ وَعَليهِ شَاهِدٌ! فَهَذا ثَوبُهُ وَشِمَاغُهُ الذي عَهِدْنَاهُ عَليهِ، وَسَيَارَتُهُ القَدِيمَةُ التي يَرْكَبُهَا! فَإذَا ما احْتَجْنَا لِثِيَابٍ أو سَيَّارَةٍ أَو جَوَّالٍ فَلَرُبَّما اسْتَدانَ وَلَمْ يَكْسِرْ لَنَا خَاطِرًا؛ فَما أَجْمَلَ أَثَرَهُمْ عَلينَا وَأَعَقَّ بَعضَنَا عَليهِمْ.

أيُّهَا الابْنُ الْعَاقِلُ: تَذَكَّر حينَ أَلَمَّكَ مَرَضٌ أَو حَادِثٌ كَيفَ تَفَطَّرَتْ كَبِدُ وَالِدِكَ عَليكَ أَلَمًا وَحَسْرَةً، وَتَنَقَّلَ بِكَ مِنْ مَشْفَى إلى مَشْفَى، وَعَانَى مِنْ هَمٍّ وَدَينٍ وَغَمٍّ لِتَعِيشَ سَعِيدًا وَتَنْسَى مُصَابَكَ.

عَجَبًا لَنَا نُسِيءُ لآبَائِنَا وَيَدْعُونَ لَنَا بِالهِدَايَةِ والرَّحْمَةِ! وَلا عَجَبَ فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ اللهُ عَنْ رُسُلَهِ وَأنْبِيَائِهِ ، فَنُوحٌ يُنَادِي ابْنَهُ: (ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ). والابنُ يَعْصِي وَيَسْتَكْبِرُ وَمَعَ ذَلِكَ أَخَذَتْ نُوحٌ عَاطِفَةُ الأُبُوَّةِ، (فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ).

عَجَبًا لَكُم -أيُّهَا الآبَاءُ- فَأَنْتُم دَومًا تَلْهَجُونَ لَنَا بالدُّعاءِ، مَعَ قَسْوَتِنَا عَليكُمْ ، وَتَقْصِيرِنَا فِي جَنَابِكُمْ، فَكَمْ تُرَدِّدُونَ: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

أَيُّهَا الآبَاءُ: نَشْهَدُ بِاللهِ أَنَّكُمْ أَعْطَيتُمُونَا كُلَّ مَا تَمْلِكُونَهُ وَتَقْدِرُونَ عَليهِ، فَحِينَ نَتَذَكَّرُ شَعْرَكُمُ الأَبْيَضُ في رُؤوسِكُمْ وَلِحَاكُمْ، نَتَذَكَّرُ النَّعِيمُ الذي نَنْعَمُ نَحْنُ فِيهِ الآنَ، وهذا الانْحِنَاءُ في ظُهورِكِمْ هُوَ سَبَبُ اسْتِقَامَةِ الحيِاةِ لَنَا بِإذْنِ اللهِ تَعَالىَ! فَأنْتُمْ رَمْزُ العَطَاءِ والْبَذْلِ.

أيُّهَا الآبَاءُ: سَامِحُونَا وَاصْفَحُوا عَنْ تَقْصِيرِنَا في حَقِّكُمْ. انْشَغَلْنا عَنْكُم في حَيَاتِكُمْ كَثٍيرًا، فَحينَ فَارَقْتُمُونَا اشْتَقْنَا إليكمْ كَثِيرًا! إي واللهِ: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).


لا تنس ذكر الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية