الجن والشياطين

الجن والشياطين

الجن والشياطين


الإيمان بعالم الجن والشياطين

يُشكِّل الإيمان بعالم الجن والشياطين أحد روافد العقيدة الإسلامية التي يترتب على إنكاره الكفر بالله تعالى ، وعالم الجن والشياطين ، عالم غير عالم الإنس والملائكة , وبين الجن والإنس قدرات مشترك من حيث الاتصاف بصفة العقل والإدراك , ومن حيث القدرة على اختيار الخير والشر , ويخالفون الإنس في عدة أمور من أهمها ، الاختلاف في أصل الخِلقة.

أصل خلق الجن

خُلق الجن قبل خلق الإنس كما قال تعالى: ﴿وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ۝وَالجانَّ خَلَقناهُ مِن قَبلُ مِن نارِ السَّمومِ﴾ [الحجر: ٢٦-٢٧]

ولقد خُلقوا من النار كما قال تعالى : ﴿وَخَلَقَ الجانَّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ﴾ [الرحمن: ١٥], وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله ﷺ : « خُلِقَتِ الملائكةُ من نُّورٍ ، و خلق الجانَّ من مارِجٍ من نارٍ ، و خلق آدمَ مِما وُصِفَ لكمْ» أخرجه مسلم

الحكمة من خلق الجن

الحكمة في خلق الإنس مثل الحكمة في خلق الإنس وهي إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له , قال تعالى: ﴿وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]

تعريف الشيطان

الشيطان من عالم كان يعبد الله تعالى في بداية أمره وسكن السماء مع الملائكة ودخل الجنة ثم عصى ربه تبارك وتعالى عندما أمره بالسجود لآدم عليه السلام فأبى واستكبر وطُرد من رحمته وجنته وأنظره إلى قيام الساعة وأخبره بمصيره ومصير حزبه وجنوده.

أصل الشيطان

إن الشيطان كان من الملائكة باعتبار صورته وليس منهم باعتبار أصله , وأن الشيطان أصل الجن كما أن آدم عليه السلام أصل الإنس.

صورة الشيطان

صورة الشيطان من أقبح الصور في الخلق , وقد شبهها الله بثمار أشجار الزقوم في النار التي تنبت في أصل الجحيم , قال سبحانه : ﴿أَذلِكَ خَيرٌ نُزُلًا أَم شَجَرَةُ الزَّقّومِ۝إِنّا جَعَلناها فِتنَةً لِلظّالِمينَ۝إِنَّها شَجَرَةٌ تَخرُجُ في أَصلِ الجَحيمِ۝طَلعُها كَأَنَّهُ رُءوسُ الشَّياطينِ﴾ [الصافات: ٦٢-٦٥]

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ قال : «لا تحروا بصلاتكم قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها فإنها تطلع بقرني شيطان» صحيح مسلم , يعني لا تقصدوا هذين الوقتين بالصلاة ، لأن الشمس تطلع بقرني شيطان أو تطلع ومعها قرن الشيطان ، وذلك لأن بعض الكفار كانوا يسجدون للشمس ويصلون لها في هذين الوقتين ، فنهى عن الصلاة فيهما ، لمخالفة هؤلاء الكفار.

إثبات وجود الجن

الجن عالم ثالث غير الملائكة والإنس , وأنهم مخلوقات عاقلة وواعية ومدرِكة , وأنهم عباد لله مكلَّفون ومأمورون ومنهيون بأوامر الشرع , ومن أنكر أصل وجودهم أنكر آيات صريحة وأحاديث صحيحة ويكفر بإنكاره ما ثبت قطعياً بالأدلة الصحيحة والصريحة إذا توفرت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع.

والأدلة على وجود الجن كثيرة ومعلومة وواضحة ,فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي ﷺ قال :« إذا سمعتُم صِياحَ الدِّيكةِ فسَلُوا الله تعالى من فَضْلِه؛ فإنَّها رأت مَلَكًا، وإذا سمعتُم نهيقَ الحِمارِ فتعَوَّذوا بالله من الشَّيطانِ؛ فإنَّها رأت شيطانًا». رواه البخاري ومسلم

تكليف الجن في الدنيا

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : « الجن مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم فإنهم ليسوا مماثلين للإنس في الحدود الحقيقية فلا يكون ما أُمروا به ونهوا عنه مساويًا لما على الإنس في الحد لكنهم مشاركون الإنس في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم وهذا لا أعلم فيه نزاعًا».

طعام وشراب الجن

جاء في صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ سألوه الجن عن زادهم فأخبرهم : « لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عليه يَقَعُ في أيْدِيكُمْ أوْفَرَ ما يَكونُ لَحْمًا وكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوابِّكُمْ» , وجاء في سنن الترمذي وصححه الألباني أن رسول الله ﷺ قال : «لا تستنْجُوا بالرَّوْثِ ، ولا بالعِظامِ ، فإنَّهُ زادُ إخوانِكمْ من الجِنِّ».

تزاوج ونكاح وتكاثر الجن

الذي يظهر من الأدلة أن الجن يقع منهم تناكح من جنسهم في الدنيا , قال تعالى : ﴿فيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرفِ لَم يَطمِثهُنَّ إِنسٌ قَبلَهُم وَلا جانٌّ﴾ [الرحمن: ٥٦]
, والطمث عند العرب : (الجماع) , وكذلك للجن ذرية وتكاثر , قال تعالى: ﴿... أَفَتَتَّخِذونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَولِياءَ مِن دوني وَهُم لَكُم عَدُوٌّ بِئسَ لِلظّالِمينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٠]

أعمار الجن

إن الجن والإنس وغيرهم يموتون لعموم قوله تعالى: ﴿كُلُّ مَن عَلَيها فانٍ۝وَيَبقى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكرامِ﴾ [الرحمن: ٢٦-٢٧]، وأعمار الجن أطول من أعمار الإنس , وصاحب العمر الطويل هو الشيطان كما دعا ربه تبارك وتعالى فقَبل دعاؤه بقوله : ﴿قالَ رَبِّ فَأَنظِرني إِلى يَومِ يُبعَثونَ۝قالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنظَرينَ۝إِلى يَومِ الوَقتِ المَعلومِ﴾ [الحجر: ٣٦-٣٨]

مساكن الجن ومجالسهم وأماكنهم

يسكن الجن على الأرض ويختلف تجمعهم وتواجدهم على حسب إيمانهم وكفرهم فالجن المؤمن يبحث عن المواقع الطيبة التي يبحث عنها الإنسي المؤمن , وأما الشياطين من الكفار والعصاة ينتشرون في الأسواق والمقابر والخلاء وفي الظلام وتهرب من صوت الأذان وتصفَّد في شهر رمضان وتهرب من سورة البقرة إذا قرأت في البيت ويطردون بالتسمية ويجلسون بين الظل والشمس وغير ذلك.

قدرات الجن

أعطى الله عز وجل الجن قدرات لم يعطها الإنس , منها :

  • سرعة الحركة والانتقال : كقصة العفريت من الجن مع النبي سليمان عليه السلام .

  • سرعة الصعود إلى السماء : كقصة استراق السمع من السماء.

  • علمهم بالإعمار والتصنيع : كقصة صنعهم المحاريب للنبي سليمان عليه السلام.

  • قدرتهم على التشكل : كقصة تشكَّل الشيطان بصورة الرجل أو بصور الحيوان.

  • مجرى الشيطان في ابن آدم : كما في قصة صفية رضي الله عنها عندما زارت النبي ﷺ في مسجده وهو معتكف كما جاء ذلك في الحديث الصحيح.


جوانب الضعف في الجن

الجن والشياطين كالإنس فيهم جوانب قوة وجوانب ضعف ، ومن جوانب الضعف:

  • ذكر الله سبحانه وتعالى ضعف الشيطان بالعموم في قوله : ﴿.. إِنَّ كَيدَ الشَّيطانِ كانَ ضَعيفًا﴾ [النساء: ٧٦]

  • لا سلطان لهم على عباد الله الصالحين , وأن سلطانهم يكون بالإغواء والإضلال.

  • خوف الشيطان من بعض عباد الله , ولذلك قيل :"من قوي إيمانه قهر شيطانه" .

  • عجزهم عن الإتيان بالمعجزات ولا يستطيعون أن يأتوا بمثل ما جاء به الأنبياء والرسل.

  • يتمثلون في المنام بالرسول ﷺ.

  • لا يستطيع الجن أن يتجاوزوا حدود معينة من أقطار السماوات والأرض.

رسل الله عز وجل إلى الجن

قال تعالى : ﴿يا مَعشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ أَلَم يَأتِكُم رُسُلٌ مِنكُم يَقُصّونَ عَلَيكُم آياتي وَيُنذِرونَكُم لِقاءَ يَومِكُم هذا...﴾ [الأنعام: ١٣٠] تدل هذه الآية على أن الله سبحانه وتعالى أرسل الى الجن رسلاً من الإنس كما قال تعالى: ﴿قالوا يا قَومَنا إِنّا سَمِعنا كِتابًا أُنزِلَ مِن بَعدِ موسى مُصَدِّقًا لِما بَينَ يَدَيهِ يَهدي إِلَى الحَقِّ وَإِلى طَريقٍ مُستَقيمٍ﴾ [الأحقاف: ٣٠]
ولم يُبعث رسولاً إلى الإنس والجن كافة إلا محمد ﷺ كما جاء ذلك في الحديث الصحيح.

دعوة الجن للخير في أقوامهم

قال تعالى في آخر سورة الأحقاف بعدما سمعوا القرآن العظيم من رسول الله ﷺ : ﴿يا قَومَنا أَجيبوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنوا بِهِ يَغفِر لَكُم مِن ذُنوبِكُم وَيُجِركُم مِن عَذابٍ أَليمٍ﴾ [الأحقاف: ٣١]

صلاح وفساد الجن

الجن منهم المؤمن وأكثرهم العصاة والفجار والكفار , قال تعالى: ﴿وَأَنّا مِنَّا الصّالِحونَ وَمِنّا دونَ ذلِكَ كُنّا طَرائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١]
,وقال تعالى : ﴿وَأَنّا مِنَّا المُسلِمونَ وَمِنَّا القاسِطونَ فَمَن أَسلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوا رَشَدًا۝وَأَمَّا القاسِطونَ فَكانوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن: ١٤-١٥]

هدف الشيطان في الدنيا والآخرة

كل عبادة محبوبة إلى الله عز وجل يبغضها الشيطان , وكل معصية مكروهة ومحرمة عند الرحمن تكون محبوبة عند الشيطان , ويدعو الناس إليها بطرق ووسائل للوقوع فيها.
فهدف الشيطان أن يُلقي الخلق في الجحيم ويحرمهم جنة النعيم , قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيطانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدعو حِزبَهُ لِيَكونوا مِن أَصحابِ السَّعيرِ﴾ [فاطر: ٦]

جنود الشيطان

الشيطان له فريقان من الجنود من الجن والإنس للإضلال والإغواء , قال تعالى : ﴿وَقالَ الشَّيطانُ لَمّا قُضِيَ الأَمرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُم وَعدَ الحَقِّ وَوَعَدتُكُم فَأَخلَفتُكُم وَما كانَ لِيَ عَلَيكُم مِن سُلطانٍ إِلّا أَن دَعَوتُكُم فَاستَجَبتُم لي فَلا تَلوموني وَلوموا أَنفُسَكُم ما أَنا بِمُصرِخِكُم وَما أَنتُم بِمُصرِخِيَّ إِنّي كَفَرتُ بِما أَشرَكتُمونِ مِن قَبلُ إِنَّ الظّالِمينَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ [إبراهيم: ٢٢]
, وقال تعالى: ﴿استَحوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيطانُ فَأَنساهُم ذِكرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزبُ الشَّيطانِ أَلا إِنَّ حِزبَ الشَّيطانِ هُمُ الخاسِرونَ﴾ [المجادلة: ١٩]

قرين الإنس

بيّن النبي ﷺ أنَّ مكايد الشيطان لا يخلو منها أحد، حتى نكون منها على حذر ، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله ﷺ : «ما منْكم من أحدٍ إلَّا وقد وُكِّلَ بِهِ قرينُهُ منَ الملائِكةِ وقرينُهُ منَ الجنِّ. قالوا: وإيَّاكَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: وإيَّايَ إلا أنَّ تعالى اللَّهَ أعانَني عليْهِ فأسلمَ». صحيح مسلم

تلبس الجن بالإنس

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : «وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجن في بدن المصروع وغيره , ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع سيكذب ذلك فقد كذَّب على الشرع , وليس في الأدلة ما ينبغي ذلك , وأن من أنكر دخول الجن في بدن المصروع طائفة من المعتزلة».

الجن وعلم الغيب

بيَّن سبحانه وتعالى الدعوى الكاذبة أن الجن يعلمون الغيب , وذلك في قصة موت النبي سليمان عليه السلام ، فما أرشد الجن إلى أنه قد مات إلا حشرة الأَرَضة تأكل عصاه التي كان متكئًا عليها، فلما سقط تبيَّنت الجن أنهم لا يعلمون الغيب؛ إذ لو كانوا يعلمونه لما مكثوا في العذاب المذلّ لهم، وهو ما كانوا عليه من الأعمال الشاقة التي يعملونها لسليمان عليه السلام ظنًّا منهم أنه حيٌّ يراقبهم ، قال تعالى: ﴿فَلَمّا قَضَينا عَلَيهِ المَوتَ ما دَلَّهُم عَلى مَوتِهِ إِلّا دابَّةُ الأَرضِ تَأكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أَن لَو كانوا يَعلَمونَ الغَيبَ ما لَبِثوا فِي العَذابِ المُهينِ﴾ [سبأ: ١٤]

الاستعانة بالجن في الدنيا

يُحرم الاستعانة بالجن ولو كانوا مسلمين حتى وإن كانت هذه الاستعانة في علاج مريض أو بحث عن مفقود ونحو ذلك , وسبب التحريم سداً للذريعة الموصلة للمحرم والشرك.
قال الشيخ وليد السعيدان حفظه الله تعالى : أن تصرف الإنس مع الجن على ثلاثة أقسام :

تصرف شيطاني : كتصرف السَّحرة والكهنة مع شياطينهم , وهذا محرم وشرك بالاتفاق.

تصرف رحماني : يسمى محمدي , وذلك عندما جاء الجن لرسول الله ﷺ وسمعوا الرسالة وعملوا وبلغوا أقوامهم.

تصرف ملكي : يسمى سليماني , وذلك بأمر سليمان عليه السلام للجن وهي معجزة في حقه , وقد دعا ربه فاستجاب له : ﴿قالَ رَبِّ اغفِر لي وَهَب لي مُلكًا لا يَنبَغي لِأَحَدٍ مِن بَعدي إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ﴾ [ص: ٣٥]

رؤية الجن في الآخرة

في الآخرة، نرى الجن ويروننا لعموم قوله تعالى: ﴿وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِن غِلٍّ إِخوانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ﴾ [الحجر: ٤٧]

جزاء الجن في الآخرة

الجن مكلفون بأوامر الشرع ونواهيه مثل الإنس , فمن أطاع الله سبحانه وتعالى أدخله الجنة , ومن عصاه أدخله النار , وعلى هذا الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة.
وممن أطال النفس جدًا في هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته "إيضاح الدلالة في عموم الرسالة" وهي في "مجموع الفتاوى" وقال فيها: «وكافرهم معذب في الآخرة باتفاق العلماء، وأما مؤمنهم فجمهور العلماء على أنه في الجنة، وقد روي: أنهم يكونون في ربض الجنة تراهم الإنس من حيث لا يرونهم، وهذا القول- يقصد القول الأول – مأثور عن مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد».

لا تنس ذكر الله
أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية