الفراغ القاتل

الفراغ القاتل

الفراغ القاتل (خطبة)

الخطبة الأولى


الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد أيها المسلمون :

روى الامام البخاري في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: « نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ »، وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن مجاهد قال :ما من يوم إلا يقول : (ابن آدم قد دخلت عليك اليوم ولن أرجع إليك بعد اليوم فانظر ماذا تعمل في ،فإذا انقضى طواه ثم يختم عليه فلا يفك حتى يكون الله هو الذي يفض ذلك الخاتم يوم القيامة) ،وبإسناده عن مالك بن دينار قال : كان عيسى عليه السلام يقول : (إن هذا الليل والنهار خزانتان فانظروا ما تضعون فيهما) ،وعن الحسن قال : ليس يوم يأتي من أيام الدنيا إلا يتكلم يقول : يا أيها الناس ،إني يوم جديد ،وإني على ما يعمل في شهيد ، وإني لو قد غربت الشمس لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة .

إخوة الإسلام:

إن الفراغ سُم قاتل، وأفعى تلتف حول رقبة الإنسان وتطوقه وتقضى عليه إن لم يتدارك خطرها ،وقد كان سلفكم الصالح يكرهون من الرجل أن يكون فارغاً، لا هو في أمر دينه، ولا هو في أمر دنياه، فهنا تنقلب نعمة الفراغ نقمة على صاحبها، ولهذا قيل: الفراغ للرجال غفلة، وللنساء غلمة، أي: محرك للغريزة والتفكير في أمر الشهوة! ،فالمخاطر التي تترتب على الفراغ كثيرة جدا ،وخطيرة جدا ،لذا قال الحسن البصري- رحمه الله-: (الليل والنهار مطيتان، تسلمك مطية الليل إلى مطية النهار، ومطية النهار إلى مطية الليل، حتى تسلماك في قبرك، فمن أشد منك خطراً يا ابن آدم) .وقال بعض الحكماء: (إنما أنت يا ابن آدم أيام مجموعة، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك) ،وقد قيل لمحمد بن واسع: (كيف أصبحت ؟ فقال: كيف أصبح من دنا إلى ربه عز وجل مرحلة) ،وقال علي بن ابن أبي طالب: (إن الدنيا قد ولت مدبرة، وإن الآخرة قد ولت مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا) ،وقال بعض الحكماء: (كيف يفرح من يومه يَهدم جمعته، ومن جمعته تهدم شهره، ومن شهره يهدم عامه، ومن عامه يهدم عمره، كيف يفرح؟)، والإنسان سوف يُسأل فيما يُسأل يوم القيامة عن العمر (فيما أفناه) ،ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ ».

أيها المسلمون

وقد بين العلماء أن للفراغ أنواعا عدة ،وأقساما مختلفة ،ومنها : أولا : الفراغ القلبي : فالقلب مضغة، بحياتها يحيا الجسد، وبموتها يموت؛ فهو وعاء الإيمان ،كما أنه وعاء للهوى. قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾[ الحجرات : ٧ ] ،وفي الصحيحين: «أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ،وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ .أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » ،فإذا فرغت القلوب من الإيمان، يكون امتلاؤها بالهوى والعصيان، ومن ملأ قلبه بحب الله ورسوله، فرغ القلب من الهوى والزيغ والضلال، ومن ملأه بالشهوة ،فقد فرغ من تقوى الله مرضاته، فيا له من فراغ قاتل، ويا له من تدبير سافل، أتظن أيها الغافل أنك بترك قلبك للهوى والشيطان سوف تكون غداً من الناجين، كلا والله ،فبلوغ الجنة العالية يكون لمن ألزم نفسه عبودية الله ،وملأ قلبه بحبه وتقديسه ،فعلاج الفراغ القلبي بزيادة الإيمان؛ إذ إن الإيمان يزيد وينقص، يزداد الإيمان بالطاعات، وينقص الإيمان بالمعاصي والزلات، يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود : «تفقد قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القرآن، وفي مجالس الذكر والعلم، وفي وقت الخلوة بينك وبين ربك». ابحث عن قلبك في هذه المواطن: فعند سماع القرآن إن وجل القلب ففيه حياة، وفي مجالس العلم إن انشرح القلب ففيه خشية، وفي وقت الخلوة إن وجل القلب ففيه مراقبة، وحينها احمد الله أنك تحمل قلباً سليما، وسل الله أن يملأه إيماناً ورضى وتقىً، فإن لم تجد قلبك في هذه المواطن، فابحث عن قلب؛ فإنه لا قلب لك!! يقول ابن مسعود : إن لم تجد قلبك في هذه المواطن فابحث عن قلبك فإنه لا قلب لك)، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَثَلُ الَّذِى يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِى لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَىِّ وَالْمَيِّتِ »،فالذاكر لله حي وإن حُبست منه الأعضاء، والغافل عن ذكر الله ميت وإن تحرك بين الأحياء!! وإليكم هذه الوصفة البليغة من سفيان الثوري ،فقد ذهب إليه رجل فقال: (يا سفيان :لقد ابتليت بمرض قلبي فصف لي دواءً. فقال سفيان : عليك بعروق الإخلاص، وورق الصبر، وعصير التواضع، ضع هذا كله في إناء التقوى، وصب عليه ماء الخشية، وأوقد عليه نار الحزن على المعصية، وصفِّه بمصفاة المراقبة له، وتناوله بكف الصدق، واشربه من كأس الاستغفار، وتمضمض بالورع، وابعد عن الحرص والطمع، يشفى مرض قلبك بإذن الله.)

أيها المسلمون :

أما النوع الثاني من أنواع الفراغ : فهو الفراغ النفسي : فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وإن لم تفطمها بالطاعات قادتك إلى المعاصي والزلات، قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [يوسف:53].،فالفراغ النفسي مقتلة لشبابنا خاصة ، فإذا فرغت نفوسهم قاموا إلى كل معصية، وانحرفوا في كل أودية المهالك، وساروا في كل طريق الزيغ والضلال، وانشغل بالفتن والشهوات بالأفلام والمباريات والمسلسلات والمجلات الخليعة الجنسية الماجنة، وبقراءة القصص التي تحول الزهاد العباد إلى فساق فجَّار!

إنه فراغ النفس، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وإن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ، وقد يظن البعض أنه يصعب عليه أن يطيع الله، ولكن الأمر سهل، فلو فطمت نفسك كفطمك للرضيع عن اللبن لاعتادت نفسك الطاعة، ولشعرت براحة ولذة في أي طاعة لله، ولن تشعر بثقل على الإطلاق؛ لأن الله جل وعلا قد زكى النفس، ودلَّها على هذين الطريقين فقال الله تعالى : ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾[الشمس:7-9].، فالناس صنفان: صنف قد انتصر على نفسه وقهرها، وألجمها بلجام الطاعة، وجعل النفس مطية إلى رضوان الله والجنة، وصنف قهرته نفسه، وانتصرت عليه، وقادته إلى كل شر في الدنيا، وإلى الهلاك في الآخرة.

أما النوع الثالث من أنواع الفراغ : فهو الفراغ العقلي ، وهذا النوع من الفراغ يحول حياة صاحبه إلى دمار، وتكون آخرته دار البوار، بدليل أن أهل النار وهم في النار بين يدي الواحد القهار يتصايحون بأنهم كانوا لا يحملون عقولاً يفكرون بها، فقد سمعوا القرآن فما اتعظوا، وسمعوا الحديث فما اعتبروا، وذكروا فما تذكروا، فكان المصير أن يتصايحوا في النار، وأن ينادوا على العزيز الغفار، ولكن هيهات!! قال الله جل وعلا عن هؤلاء الذين لا يحملون عقولاً يفكرون بها: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك:10]، نعم ، لو كنا نحمل عقولاً سليمة نسمع بها الحق، ونذعن بها للحق، ونخضع بها لله ولرسوله ما كنا بين هؤلاء المجرمين من أصحاب النار.، لقد آتانا الله عقولاً تفكر ،وهي من أعظم نعم الله علينا ، يقول الله تعالى : ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (242) البقرة، وقال الله تعالى : ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ (164) البقرة ،فنحن لا نفكر في نعمة العقل، وهي من أعظم النعم، فلا تترك عقلك فارغاً للتفاهات للمسلسلات التافهة، وللأفلام القذرة، وللقصص الماجنة، بل املأ عقلك بالعلم النافع، وبالقراءة الجيدة، وبالأفكار الهادفة، واعلم بأنك تحمل قضية دين، وتحمل قضية أمة ،فلا تملأ فراغ عقلك -أيها المسلم- بمثل هذه التفاهات، فوقتك أغلى من هذا، وعمرك أغلى من هذا الضياع الذي تضيعه أمام مسلسل أو فلم أو مباراة، أو على مقهى تقضي فيه الساعات الطوال.

أيها المسلمون :

أما النوع الرابع من أنواع الفراغ : فهو الفراغ البدني العملي: فمن السفه والغفلة إتلاف الوقت وتبديده بدون عمل للدين أو للدنيا، فذلك أشد وأوخم من إتلاف المال وتبذيره، فكل وقت ضائع هو خسارة لجانب من مطالب الدين والدنيا والآخرة. ومن المؤسف المؤلم أن تجد الكثير من المسلمين اليوم أكثر إهمالًا وتبذيرًا وتبديدًا لأوقات عمرهم الثمينة، وهم على علم ويقين بما ينتظرهم يوم القيامة، فالمسلم العاقل هو الذي يتوق إلى رضا الله ورضوانه؛ ويعلم أن طريق ذلك هو الجد والعمل، والاجتهاد والمثابرة، واغتنام الأوقات بما يرضي الله تعالى من الصالحات، وفعل الخيرات، فيبادر ويسارع قبل انصرام العمر، وحلول الأجل، عاملًا بأمر الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران:133]، ومدركًا أن الدنيا مزرعة الآخرة ،فمن لم يشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل، وبذلك تنقلب نعمة الوقت والفراغ نقمة وندمًا على كل خامل مضياع، أما المسلم العاقل العامل فيغتنم الفرصة، ويتحرك بجد وحزم وعزم لملء أوقات عمره بالطاعات، والقربات، وفعل الخيرات، ويسارع إلى مغفرة من ربة وجنات النعيم، كما هو مأمور في كتاب الله، وسنة رسوله، وهذا تحضيض من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل حلول الموانع، والمعوقات ،والفتن، يقول صلى الله عليه وسلم : «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْظِرُونَ إِلَّا إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنًى مُطْغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفْنِدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ، فَشَرُّ غَائِبٌ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ» (جامع الترمذي عن أبي هريرة) ، واستغلال الأوقات يتطلب التخطيط والتنظيم، ومراعاة أنسب الأعمال لأنسب الأوقات، فليست كل الأعمال صالحة لكل زمان. قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما لما استخلفه: "واعلم أن لله عملًا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملًا بالليل لا يقبله بالنهار". ومن الآفات القاتلة للأوقات، المانعة من حسن تدبيرها واستغلالها: الغفلة التي تغشى العقول والقلوب والعزائم: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ (الكهف : 28). والتسويف، وهو مرض التأجيل، وترك المبادرة والتعجيل، وطول الأمل بغير عمل ،قال الله تعالى :﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الحجر:3] . وتبرير التقاعس والكسل، وسب الدهر والزمان، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ» (صحيح مسلم) ؛. ويقول ابن القيم رحمه الله: "السَّنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت أنفاسه في معصية فثمرته حنظل".

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد أيها المسلمون:

ومن الأمور المعينة على حفظ الوقت وطرد الفراغ القاتل:
  • أولا : الحركة الهادفة: فعلى الشاب أن تكون حركته هادفة ، ومخطط لها سابقا ، وأن يستغل كل أوقاته فيما ينفعه .

  • ثانيا : ومن الأمور المعينة على حفظ الوقت :مساعدة وقضاء الحاجات: فإننا عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرة وضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود!! أما عندما نعيش لغيرنا، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة! تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض. يقول أبو عثمان شيخ البخاري – رحمه الله -: (ما سألني أحد حاجة إلا قمت له بنفسي، فإن تم وإلا قمت له بمالي، فإن تم وإلا استعنا له بالإخوان، فإن تم وإلا استعنت له بالسلطان!!). هكذا كان السلف الصالح يعرفون بماذا يستغلون أوقاتهم، وكيف يقضون حاجات الناس بسعة صدر ورضى نفس ،وفي المعجم الاوسط للطبراني : (عن بن عمر أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله وأي الأعمال أحب إلى الله عز و جل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله عز و جل قلبه أمنا يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى أثبتها له أثبت الله عز و جل قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام)،
    ومما يستغل به الشباب وجميع الناس أوقاتهم: القراءة.. قراءة القرآن، وقراءة كل ما ينفع! ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [ الإسراء:٩]

    فأين أنتم من القراءة والتفكير والإبداع والتنوير!؟ لا أراكم يبطء بكم الهوى عن المسير! وتقعدتكم الأماني والآمال عن الإنجاز والتعمير!

  • ومما يستغل به الإنسان وقت فراغه: الرياضة والألعاب الرياضية الهادفة: وهذا مصرف من مصارف الوقت النافعة.. ولنا أصل في الشريعة يدل على ذلك حيث كان السلف الصالح يدربون أنفسهم وأولادهم على القوة والشجاعة، وقد أوصى عمر فقال: (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل). وفي رواية: (وأن يثبوا على الخيل وثباً) أي قفزاً.. ولكن لا يعني هذا أن يصرف الشاب كل وقته في الرياضية، ولا أن تكون الرياضة هدفا ،بل هي وسيلة لتقوية البدن ،وإلا فإن في ذلك تضييعاً للحقوق الأخرى: حقوق الله، وحقوق النفس والناس، فكن معتدلا ومتوازنا ، واعط كل ذي حق حقه .


لا تنس ذكر الله
الحمدلله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية