الإيمان وأدلته

الإيمان وأدلته

الإيمان وأدلته


ما يتناوله اسم الإيمان

دلَّ الكتابُ والسُّنة على أنَّ «الإيمانَ» اسمٌ يشمل:
  1. اعتقادَ القلبِ؛ وهو تصديقُه، وإقرارُه.
  2. عملَ القلبِ؛ وهو انقيادُه، وإرادتُه، وما يتبعُ ذلك مِن أعمالِ القلوبِ؛ كالتوكلِ، والرجاء، والخوف، والمحبة.
  3. إقرارَ اللسانِ.
  4. عملَ الجوارحِ ـواللسانُ مِنهاـ والعملُ يشمل: الأفعالَ والتروكَ؛ قوليةً أو فعليةً.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «العقيدة الواسطية»: «ومِن أصول أهل السّنة والجماعة: أنَّ الدَّينَ والإيمانَ قولٌ وعملٌ؛ قولُ القلبِ واللسانِ، وعملُ القلبِ واللسانِ والجوارحِ».

فظهر أنَّ اسمَ «الإيمانِ» يَشملُ كلَّ ما أمر اللهُ به ورسولُه مِنَ: الاعتقاداتِ، والإراداتِ، وأعمالِ القلوبِ، وأقوالِ اللسانِ، وأعمالِ الجوارحِ: أفعالًا وتروكًا.
فيَدخل في ذلك: فِعلُ الواجباتِ والمستحبَّاتِ، وتركُ المحرَّماتِ والمكروهاتِ، وإحلالُ الحلالِ وتحريمُ الحرامِ.

حكم إطلاق القول أن العمل شرط صحة أو شرط كمال

ولا يصحُ إطلاقُ القولِ بأنَّ العملَ شرطُ صحةٍ أو شرطُ كمالٍ؛ بل يحتاجُ إلى تفصيل؛ فإنَّ اسمَ «العملِ» يشملُ: عملَ القلبِ وعملَ الجوارحِ، ويشملُ الفعلَ والتركَ، ويشملُ الواجباتِ التي هي أصولُ الإسلامِ الخمسةِ وما دونها، ويشملُ تركَ الشركِ والكفرِ وما دونهما من الذنوب.

فأمَّا تركُ الشركِ وأنواعِ الكفرِ والبراءةُ منها؛ فهو شرطُ صحةٍ لا يتحقق الإيمان إلا به.وأما تركُ سائرِ الذنوبِ؛ فهو شرطٌ لكمالِ الإيمانِ الواجب.
وأما انقيادُ القلب وهو إذعانُه لمتابعةِ الرسول ﷺ، وما لابدَّ منه لذلك مِن عملِ القلب؛ كمحبةِ الله ورسولِه، وخوفِ الله ورجائه، وإقرارُ اللسان وهو شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله ؛ فهو كذلك شرطُ صحةٍ لا يتحقق الإيمان بدونهما.

وأمَّا أركانُ الإسلام بعدَ الشهادتينِ؛ فلَمْ يتَّفقْ أهلُ السنةِ على أنَّ شيئًا منها شرطٌ لصحةِ الإيمانِ؛ بمعنى: أنَّ تركَه كفرٌ، بلِ اختلفوا في كفرِ مَن ترك شيئًا منها، وإنْ كان أظهر وأعظم ما اختلفوا فيه: الصلوات الخمس؛ لأنها أعظمُ أركانِ الإسلام بعد الشهادتين.

ولِـما وَرَدَ في خصوصها ممَّا يدل على كفرِ تارك الصلاة؛ كحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «بينَ الرجلِ وبين الشركِ والكفر تركُ الصلاة». أخرجه مسلم في «صحيحه» وغيره

وحديث بُرَيْدةَ بن الحُصَيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها فقد كفر». أخرجه أصحاب «السنن»

وأما سائرُ الواجبات بعد أركانِ الإسلام الخمسة؛ فلا يختلفُ أهلُ السنة أنَّ فعلَها شرطٌ لكمال إيمان العبد، وتركَها معصيةٌ لا تخرجه عن الإيمان.

وينبغي أن يُعلم أنَّ المراد بـ«الشرط» هنا: معناه الأعم، وهو: ما تتوقف الحقيقة على وجوده، سواء كان ركنًا فيها أو خارجًا عنها، فما قيل فيه هنا: إنه شرطٌ للإيمان ، هو مِنَ الإيمان.
وهذا التفصيل كلُّه على مذهب أهل السنة والجماعة؛ فلا يكون مَن قال بعدمِ كفرِ تاركِ الصلاةِ كسلًا ـ أو غيرها من الأركان ـ مُرْجِئًا، كما لا يكون القائلُ بكفره حَرُوْرِيًّا.
وإنما يكون الرجلُ من المرجئة بإخراج أعمالِ القلوب والجوارحِ عن مُسمى الإيمان؛ فإنْ قال مع ذلك بوجوبِ الواجباتِ، وتحريمِ المحرماتِ، وترتُّبِ العقوباتِ فهو قولُ مُرجئةِ الفقهاءِ المعروفِ، وهو الذي أنكره الأئمة، وبيَّنوا مخالفتَه لنصوصِ الكتابِ والسنة.
وإن قال: «لا يضرُّ مع الإيمانِ ذنبٌ»، و«الإيمانُ هو: المعرفةُ»، فهو قولُ غلاةِ المرجئةِ الجهمية، وهم كفارٌ عند السلف.
وبهذا ، يَظهر الجوابُ عن مسألة العملِ في الإيمان، هل هو شرطُ صحةٍ أو شرطُ كمالٍ، ومذهبُ المرجئة في ذلك.

الفرق بين الإيمان والإسلام

الإسلامُ اسمٌ يقع على سائر المسلمين، فكل مَن شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ولم يأت بناقض من نواقض الإسلام، فهو مسلم، فاسم "الإسلام" أعمّ وأوسع دائرة من "الإيمان"، ولا يكون الإنسان مسلمًا على الحقيقة، إلا ومعه أصل الإيمان: إيمان القلب.

فكل مؤمن مسلم، وكل محسن مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا الإيمان الكامل؛ ولهذا لما قسم الرسول قسمًا، فقال له سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: " يا رسول الله أعط فلانا فإنه مؤمن، فقال النبي ﷺ: (أو مسلم)، أقولها ثلاثا، ويرددها علي ثلاثا، (أو مسلم) ". [رواه البخاري 27، ومسلم 150]. ففرَّق بين الإيمان والإسلامِ

زيادة الإيمان ونقصانه

وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الإيمان يزيد وينقص، وما دخلته الزيادة دخله النقص إذا خلا عن الزيادة. قال تعالى: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ﴾[الفتح:4] ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال:2] ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾[آل عمران:173]
فالإيمان يزيد بالطاعة، وينقص الإيمان بالمعصية، وكل من أوتي علمًا وبصيرة، وتفقدا لحاله؛ فإنه يحس بزيادة الإيمان ونقصه: بقوة الخوف من الله، وقوة التوكل، فالخوف يقوى ويضعف، والتوكل يقوى ويضعف، والرجاء يقوى ويضعف. هذا في أحوال القلوب فضلًا عن الأعمال الظاهرة .

مذاهب الفِرق في مسمَّى الإيمان

ومسألة مسمى الإيمان مسالة كبيرة، وقد خالف أهل السّنة والجماعة طوائف المرجئة:

- فمنهم مرجئة الفقهاء ومذهبهم: أن الإيمان هو: «تصديق القلب وإقرار اللسان»، وبعضهم يجعل الإيمان هو: «تصديق القلب»، والإقرار شرط فيه، وليس من مسماه، فلا يصح إيمان القلب إلا بإقرار اللسان.

- والقول الآخر -قول الجهمية ومَن تبعهم-: «الإيمان هو مجردُ التصديقِ أو مجرد المعرفةِ»، والمعرفةُ والتصديقُ في نظري محصلهما متقارب، فعلى تقريرهم: إذا كان المكلّف يعرف ربّه فهو مؤمن، والكفر هو جحود الخالق، فأما الإقرار بالإنسان، وعمل الجوارح، وعمل القلب؛ فالكل ليس من مسمى الإيمان، وهذا يقتضي أن كل طوائف الكفر مؤمنون؛ لأنهم يعرفون الله، حتى كفار قريش! وهذا أفسد أقوال الناس في مسمى الإيمان.

- ومن الأقوال الباطلة قول الكرامية: أن الإيمان هو: «الإقرار باللسان»، فالمنافق عندهم مؤمن، لكنه إذا مات فهو مخلد في النار، يقول شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ تعليقًا على هذا: «فخالفوا الجماعة في الاسم دون الحكم» ويقول عن قولهم: قول منكر لم يسبقهم إليه أحد

فهذه أربعة مذاهب في مسمى الإيمان، وأهمُ هذه الأقوالِ المخالفةِ قولُ مرجئة الفقهاء: الإيمان هو: « التصديق، وإقرار اللسان»، وأن الأعمال ليست من الإيمان، ولهم على ذلك شبهات كثيرة، وقد أجاب عنها شيخ الإسلام ابن تيمية في «الإيمان الكبير» و«الإيمان الأوسط» وغيرهما

حكم مرتكب الكبيرة

ومرتكب الكبيرة له حكم في الدنيا وحكم في الآخرة، فحكمهم في الدنيا أن مرتكب الذنوب التي دون الشرك لا يكفر بذلك خلافا للخوارج؛ بل ولا يخرج من الإيمان خلافًا للمعتزلة؛ بل هو مؤمن ناقص الإيمان.

أما حكمهم في الآخرة فأهل السنة والجماعة يقولون: إنهم مستحقون للوعيد؛ ولكنهم تحت مشيئة الله، إن شاء غفر لهم، وإن شاء عذبهم، ومن عذبه منهم فلابد أن يخرجه من النار؛ لأنه لا يخلد أحد من أهل التوحيد، إذ (من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه مثقال خردلة، أو شعيرة، أو بُرَّة أو ذرة من إيمان) لابد أن يخرج من النار، كما في أحاديث الشفاعة.

أما الخوارج والمعتزلة فقد اتفقوا على حكم مرتكب الكبيرة في الآخرة، وهو: أنه لابد من دخول النار، وعندهم أن من دخل النار؛ فإنه لا يخرج منها.

وسطية أهل السنة في باب الإيمان

وأهل السنة والجماعة وسط في باب أسماء الإيمان والدين، أو في باب الأسماء والأحكام، بين الخوارج ‏والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهذا الانقسام يتعلق أيضا بمرتكب الكبيرة. ‏

لكن القضية الأولى: تتعلق بحكم الوعيد في الآخرة، والثانية: حكمه في الدنيا؛

فالحرورية يقولون: إن مرتكب الكبيرة ‏كافر، يخرج عن الإيمان، ويدخل في الكفر، ويكون مرتدًا كافرا حلال الدم، والمال. ‏

والمعتزلة يقولون: هو في منزلة بين المنزلتين، لا هو مؤمن، ولا كافر، وهذا أصل من ‏أصولهم، كما أن من أصولهم إنفاذ الوعيد ـ يعني ـ حتمية وقوع ما توعد الله به من ‏عصاه. ‏

وأما المرجئة فيقولون: العاصي مؤمن كامل الإيمان؛ لأن الإيمان عندهم هو التصديق، ‏فكل من كان مصدقا بربوبيته تعالى، ومصدقا برسالة النبي ﷺ؛ فهو مؤمن ‏كامل الإيمان. ‏

فالخوارج يقولون: كافر، والمعتزلة قالوا: هو في ‏منزلة يخرج عن دائرة الإيمان، وليس بمؤمن، والمرجئة يقولون: بل هو مؤمن كامل الإيمان. ‏
وأهل السنة بين ذلك، يقولون: من أظهر الإيمان وأبطن الكفر؛ فهو منافق، ومن ارتكب كبيرة من ‏كبائر الذنوب وأصر عليها؛ فهو فاسق، وهو مؤمن بإيمانه، فاسق ‏بكبيرته، مؤمن ناقص الإيمان، فلا يسلبون عنه مطلق الاسم، ‏ولا يعطونه الاسم المطلق يقولون مؤمن ‏ناقص الإيمان.

وبهذا تظهر وسطيتهم، ويظهر تطرف من خالفهم، فالحرورية والمعتزلة في طرف، والمرجئة في ‏طرف، هؤلاء هم المتطرفون حقا، أما أهل السنة فهم عدل خيار وسط، لا إفراط ولا تفريط، أهل ‏عدل في أحكامهم، وأقوالهم، وأفعالهم.

مُستخلص مِن مؤلَّفات وفتاوى فضيلة الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك حفظه الله.
إعداد: اللجنة العلميَّة


لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية