المرأة بين الحقوق والعقوق

المرأة بين الحقوق والعقوق

المرأة بين الحقوق والعقوق


إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

عباد الله، يتكلمون اليوم عن المرأة وحقوقها، ونحن نريد ما يريد الله سبحانه وتعالى، وما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم منَّا تجاه المرأة، وما يريد منّا الدين والشرع، والعرفُ والعادة، والأخلاقُ العربيَّةُ الأصيلة، هذا الذي نريده، فـالمرأة لها حقوقٌ على الرجل وعليها واجبات.

فالمرأة أمًّا؛ لها السمعُ والطاعةُ، وتقبيلُ رأسِها ويديها وقدميها؛ فالجنة عند قدميها، قال سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24]

عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: (كُنْتُ أَرْكَبُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله -تعالى- عنه إِلَى أَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ)، الْعَقِيق: موضعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَة أَمْيَال. (فتح الباري) (فَإِذَا دَخَلَ أَرْضَهُ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: عَلَيْكِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا أُمَّتَاهُ، تَقُولُ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، يَقُولُ: رَحِمَكِ اللهُ، رَبَّيْتِنِي صَغِيرًا، فَتَقُولُ: يَا بُنَيَّ، وَأَنْتَ فَجَزَاكَ اللهُ خَيْرًا وَرَضِيَ عَنْكَ كَمَا بَرَرْتَنِي كَبِيرًا). صَحِيحُ الْأَدَبِ الْمُفْرَد: (11).

دعاءٌ من الولد لأمِّه بالرحمة، ودعاءٌ بالرضا والخير من الأمِّ لولدها.

فالأمّ لو حَمَلْتَها على ظهرك طولَ العُمُر ما أدَّيتَها حقَّها، عَنْ أَبِي بُرْدة قَالَ: (شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما، وَرَجُلٌ يَمَانِيٌّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ قَدْ حَمَلَ أُمَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ)، يَقُولُ:

إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلْ

إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرْ

ثُمَّ قَالَ: (يَا ابْنَ عُمَرَ، أَتَرَانِي جَزَيْتُهَا؟!) قَالَ: لاَ، وَلاَ بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ). صَحِيحُ الْأَدَبِ الْمُفْرَد: (8).

و(الزَّفْرة): الْمَرَّةُ من الزفير، وهو تَرَدُّد النفس حتى تختلف الأضلاع، وهذا يَعْرِضُ للمرأة عند الوضع.

وهي المرة الواحدة مما يحدث مع المرأة من الدفع والضغط على نفسها لإخراجك من بطنها، هذه المرة الواحدة؛ لو حملتها العمر على ظهرك ما أديت حق زفرة واحدة.

الأمهات وصيّةٌ من رب الأرض والسماوات، عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، إِنَّ اللهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ". (جة) (3661)، (خد) (60)، (حم) (17187)، الصَّحِيحَة: (1666).

وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ جَاهِمَةُ رضي الله عنه إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ، وَجِئْتُكَ أَسْتَشِيرُكَ)، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟!") قَالَ: (نَعَمْ!) قَالَ: ("فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا")، ("فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا"). (س) (3104)، (حم) (15538)، (جة) (2178).

الْمَعْنَى أَنَّ نَصِيبَكَ مِنْ الْجَنَّةِ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا بِرِضَاهَا. شرح سنن النسائي (4/ 388)، فالجنة عند رجليها.

وفي رواية: ("الْزَمْ رِجْلَهَا، فَثَمَّ الْجَنَّةُ"). (جة) (2178)، صحيح الترغيب (2484).

والمقصود الطاعةُ، وعدمُ المعصية وتجنُّبُ العقوق.

أمَّا المرأةُ زوجةً فلها حقوقٌ على زوجها، وذلك بتوفير الطعام والشراب لها، والكسوةِ والمسكن، ولا يُضرَبُ وجهُها، ولا تُهْجَرُ تأديبًا إلاّ في البيت، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟) قَالَ: ("أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ"). (د) (2142)، (جة) (1850)، (حم) (20011)، الصَّحِيحَة: (687).

-أَيْ: يَجِب عَلَيْك إِطْعَامُ الزَّوْجَة وَكِسْوَتُهَا عِنْد قُدْرَتك عَلَيْهِمَا لِنَفْسِك. عون المعبود (5/ 27)، (وَلَا تُقَبِّحْ): أَنْ تَقُولَ: قَبَّحَكِ اللهُ، (وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ): لَا تَتَحَوَّل عَنْهَا، -ولا تهجر فراشها، إذا أردت تأديبها ابق معها في البيت، أَوْ لَا تُحَوِّلهَا إِلَى دَار أُخْرَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع ﴾. عون المعبود (5/ 27).

وَخِدْمتُك لزوجتِك ليست هَدْرًا، بلْ فيها طاعةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها أجرُ وثوابٌ عند الله سبحانه، عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنْ الْمَاءِ أُجِرَ", فَأَتَيْتُ امْرَأَتِي فَسَقَيْتُهَا، وَحَدَّثْتُهَا بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. (حم) (17155)، الصَّحِيحَة: (2736).

فما تقدِّمه لزوجتك فيه أجرُ الصدقة وثوابُ الطاعة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ: (أَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ وَهُوَ يَسُومُ بِمِرْطٍ فِي السُّوقِ)، الـمُساوَمَة: الاتفاق على ثمن، فالتاجر يثبت على ثمن معيّن، والمشتري يريدُ أن يقلل منه حتى يشتريه، وهذا المرطُ ثوب عبارة عن كساء من خز أو كتان أو صوف.

(فَقَالَ) عمر رضي الله عنه: (مَا تَصْنَعُ يَا عَمْرُو؟!) -هذا ثوبٌ للنساء ما تصنع به يا عمرو؟!- قَالَ: (أَشْتَرِي هَذَا فَأَتَصَدَّقُ بِهِ)، فَقَالَ لَهُ: (فَأَنْتَ إِذًا)، ثُمَّ مَضَى، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: (يَا عَمْرُو، مَا صَنَعَ الْمِرْطُ؟!) -الكساء والثوب التي اشتريته، ماذا صنعت به؟- قَالَ: (اشْتَرَيْتُهُ فَتَصَدَّقْتُ بِهِ)، قَالَ: (عَلَى مَنْ؟!) قَالَ: (عَلَى الرَّفِيقَةِ!) قَالَ: (وَمَنْ الرَّفِيقَةُ؟!) قَالَ: (امْرَأَتِي!) قَالَ: (وَتَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى امْرَأَتِكَ؟!) قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ("مَا أَعْطَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ")، فَقَالَ: (يَا عَمْرُو، لَا تَكْذِبْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم)، -عمر رضي الله عنه لم يسمع هذا الحديث، فتعجب من هذا الرجل، يقصد عمر لا ندخل كلام النبي صلى الله عليه وسلم في المزاح-، (يَا عَمْرُو، لَا تَكْذِبْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم)، قَالَ: (وَاللهِ لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى نَأتِيَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَنَسْأَلَهَا)، قَالَ: (فَانْطَلَقَا حَتَّى دَخَلَا عَلَى عَائِشَةَ)، فَقَالَ لَهَا عَمْرٌو: (يَا أُمَّاهُ، هَذَا عُمَرُ يَقُولُ لِي: لَا تَكْذِبْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَشَدْتُكِ بِاللهِ)، -أي أستحلِفُكِ بالله- (أَسَمِعْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا أَعْطَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ؟!") (فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ نَعَمْ! اللَّهُمَّ نَعَمْ!). (حم) (17617)، صَحِيح الْجَامِع: (4546)، (5540).

والزوجة يا عبد الله، لا تخرج ولا تدخل إلا بإذنك، فاستوصِ بها خيراً وارحمها، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي؛ أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَّرَ، وَوَعَظَ، فَذَكَرَ فِي الحَدِيثِ قِصَّةً، فَقَالَ: ("أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ") -أي: أسيرات-، ("لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِك؛َ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ؛ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ")، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ("عَوَانٌ عِنْدَكُمْ")، يَعْنِي: (أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ). (ت) (1163).

وليس من خيارِ المؤمنين من يضربُ زوجته، عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ")، -لا تضربوا النساء-، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ). -يعني تكبَّرْنَ ولم يطعْنَ أزواجهنَّ والسبب أن الأزواج منعوا من الضرب-. وفي رواية: (فَذَئِرَ النِّسَاءُ وَسَاءَتْ أَخْلَاقُهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ)، (فَرَخَّصَ -رسول الله صلى الله عليه وسلم- (فِي ضَرْبِهِنَّ)، -ضربا غير مبِّرح، بعصا طول المسطرة مثلا لا تزيد-، (فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ)، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ، يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ"). (د) (2146).

وفي رواية: ("لَقَدْ طَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً، كُلُّ امْرَأَةٍ تَشْتَكِي زَوْجَهَا، فَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ"). (جة) (1985)، (حب) (4189)، (صحيح أبي داود: 1863).

فالضربُ ليسَ للرجولة، الرجل ليست رجولته بالضرب، الضرب قد يفعله الظالم بالمظلوم وغيره، هذه زوجة، بل المطلوب معاملتها بالمودة والرحمة، كما قال سبحانه: ﴿... وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

والمرأة أُختًا، لها على أخيها أنْ يحترمَها ويقدِّرَها، ويطيعَها، فإن كانت أكبرَ من أخيها، فهي في مقام الأمّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي أُمًّا وَأَبًا، وَأَخًا وَأُخْتًا، وَعَمًّا وَعَمَّةً، وَخَالًا وَخَالَةً، فَأَيُّهُمْ أَوْلَى إِلَيَّ بِصِلَتِي؟!) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ، أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ"). (س) (2532)، (حم) (7105)، صَحِيحِ الْجَامِع: (8067).

وعليه أن يَرحمَ أختَه إنْ كانتْ أصغرَ منه، ويليَ أمرَها بالإحسان إليها في تربيتها وتأديبها، ويكونَ هو في مقامِ الأبِ الرحيم، فيبحثُ لها عن أفضلِ الأزواج وخيرِهم دينًا وخلقا.

وعلى الرجل أن يعطيَ أخواتِه حقوقَهنّ من الميراث، ولا يجوزُ أكلُ ميراثهن إلا برضاهنّ، فلا يحرمُهنَّ من الزواج طمعًا في ميراثهن، وعَضْلاً لهنّ من أجل أموالهنّ.

والمرأة بنتاً؛ على أبيها الإحسانُ إليها، بتربيتها وتعليمِها وتأديبِها، فهي ضعيفةُ الجناح، فبتربيتها وتعليمِها، وتزويجِها بالرجل الصالح ذي الخُلُق والدين، تتخلَّص أيها الأب مما لها عندك من حقوق، فالإحسان إلى البنات يوجب الجنان، ويبعد عن النيران. فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلَاث بَنَاتٍ، يُؤْوِيهِنَّ، وَيَرْحَمُهُنَّ، وَيَكْفُلُهُنَّ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ")، -يعني محقق دخوله الجنة-، فَقِيلَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ؟!) -ما عنده ثلاث بنات- قَالَ: ("وَإِنْ كَانَتْ اثْنَتَيْنِ")، فَرَأَى بَعْضُ الْقَوْمِ أَنْ لَوْ قَالُوا لَهُ: (وَاحِدَةً)، لَقَالَ: ("وَاحِدَةً"). (حم) (14247)، الصَّحِيحَة: (1027).

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَأَطْعَمَهُنَّ، وَسَقَاهُنَّ، وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (جة) (3669)، الصَّحِيحَة: (294)، (من جدته)، أَيْ: غِنَاهُ وَمَالِه. حاشية السندي على ابن ماجه (7/ 75).

وحقوقُ المرأة رحمًا وقريبةً؛ وذلك بصلتها والإحسان إليها، وتقديم المساعدة لها على قدر الحاجة والاستطاعة، فذلك يزيد في الأرزاق، ويمُدُّ في الأعمار، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"). (حم) (13401)، (13811)، (د) (1693).

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ، يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ". (حم) (25259)، الصَّحِيحَة: (519).

وعَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمَخْزُومِيِّ قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) -ورضي الله عنها-، فَقَالَتْ: (يَا بُنَيَّ! أَلَا أُحَدِّثُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟!) قُلْتُ: (بَلَى يَا أُمَّهْ!) قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ("مَنْ أَنْفَقَ عَلَى ابْنَتَيْنِ، أَوْ أُخْتَيْنِ، أَوْ ذَوَاتَيْ قَرَابَةٍ، يَحْتَسِبُ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا، حَتَّى يُغْنِيَهُمَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ، أَوْ يَكْفِيَهُمَا، كَانَتَا لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ"). (حم) (26516)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (1974)، (2547).

وصلةُ الرحم ثوابها معجّلٌ غيرَ مؤجّل، لا يمنعُ ثوابَها وأجرَها وفضلَها فجورُ الواصلين لأرحامهم ولا فسقُهم، حتى لو كانوا فجرة وفسقة يَصِلُون أرحامهم لا يقطع الله عنهم رزقهم، ثوابهم معجل، فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَعْجَلَ الطَّاعَةِ ثَوَابًا، صِلَةُ الرَّحِمِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَكُونُونَ فَجَرَةً، فَتَنْمُو أَمْوَالُهُمْ، وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ إِذَا تَوَاصَلُوا، وَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يَتَوَاصَلَونَ فَيَحْتَاجُونَ). (حب) (440)، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: (2537).

ومن حقوقِ المرأةِ جارةً؛ الحفاظُ على عرضها، وصونُ شرفها، والدفاعُ عنها إن احتاجت لذلك، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"). (خد) (121)، (م) (46)، (حم) (8855).

حتى قال الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد:


وأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي
حتى يُواري جارتي مأْواها
إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقةِ ماجدٌ
لا أُتْبِعُ النفسَ اللَّجوجَ هواها

ومن أعظم الخطايا والذنوب الاعتداء على شرفِ الجيران، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -بن مسعود رضي الله عنه- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟) قَالَ: («أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»). قُلْتُ: (إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟) قَالَ: («وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ»). (قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟) قَالَ: («أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»). (خ) (4477).

وَعَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: ("مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟!") فَقَالُوا: (حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ؛ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ")، ثُمَّ قَالَ: ("مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَةِ؟!") قَالُوا: (حَرَّمَهَا اللهُ وَرَسُولُهُ، فَهِيَ حَرَامٌ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ؛ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ"). (خد) (103)، (حم) (23854)، الصَّحِيحَة: (65).

فحافظوا على الجيرة والجوار، وأدوا الحقوق إلى أهلها.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية :

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

ولا يوجد يا عباد الله نظامٌ أعطَى المرأةَ حقَّها مثلُ الإسلام، فهناك من اخترع حقوقاً للمرأة موهومةً؛ أراد منها العُرْيَ والتهتُّك، وبذْلَ عرضِها للرائحِ والغادي، ولمن هبَّ ودبَّ، فلم يريدون منها أن تكون عزيزةً كريمة، بل مهانةً ذليلة.

فمن حقوق المرأة على المجتمع عموماً وعلى الرجال خصوصاً، الحفاظُ على شرفها، وصَونُ عِرضِها، وعدمُ تصويبِ النظر إليها؛ إلا عند الخطبة والزواجِ ونحو ذلك، وسترُ العيوبِ إن ظهرت، والعوراتِ إن انكشفت، وإبطالُ الفضائحِ إن انتشرت، وعدمُ الخلوة بها إلا مع محرم، وتقديمُ العونِ والمساعدة لها، ورحمتُها فقيرةً وأرملةً، ومسكينةً ويتيمةً، وإعطاؤها حقَّ الملكيَّةِ لمالها وعَقارِها ووظيفتها، وعدمُ التعرضِ لذلك إلا برضاها وطيبِ نفسها.

ومن الواجب علينا غضُّ البصرِ عن نساء المؤمنات، عند الجلوس في الشوارع والطرقات، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: («إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ»)، فَقَالُوا: (مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا)، قَالَ: («فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا»)، قَالُوا: (وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟!) قَالَ: («غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ». (خ) (2465).

قال سبحانه: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30]، فغض طرفك عن النساء، وكف بصرك عن الفتيات فهذا من حقوقهن عليك أيها المسلم.

يا من تتَّبِع النبيّ، صلِّ عليه فقد صلى عليه الله فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

دعاء

  • اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

  • اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

  • اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دَيْناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا غائباً إلا رددته إلى أهله سالماً غانماً يا رب العالمين.

  • اللهم اقض الدين عن المدينين، ونفس كرب المكروبين، وفرج هم المهمومين، وارحمنا يا أرحم الراحمين.

عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية