المرأة في الإسلام

المرأة في الإسلام

المرأة في الإسلام



مقدمة

لقد خلق الله سبحانه آدم عليه السلام؛ ليكون خليفة في الأرض، وخلق منه زوجه حوَّاء، فجعلها ركنًا ركينًا في نجاح الخلافة على الأرض؛ إذ بدونها لا تتحقق الخلافة، ولا تتم السعادة.

فالمرأة ركن ركين في بناء المجتمع؛ لأنها نصف المجتمع، ويكون عليها تربية النصف الآخر، فهي كل المجتمع لذلك كان حديثنا عن المرأة.

حال المرأة قبل الإسلام:

لقد كانت تُعامَل المرأة على أنها ليست من البشر، لم تمر حضارة من الحضارات الغابرة، إلا وسقت هذه المرأة ألوان العذاب، وأصناف الظلم والقهر.

كانت تعيش فترة عصيبة - خصوصًا في المجتمع العربي - حيث كانوا يكرهون ولادتها؛ فمنهم من كان يدفنها وهي حية حتى تموت تحت التراب، ومنهم من يتركها تبقى في حياة الذل والمهانة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير: 8، 9].

المَوْءُودة: هي البنت تُدفن حية لتموت تحت التراب، وإذا سلِمت من الوأد وعاشت، فإنها تعيش عيشة المهانة، فليس لها حظ من ميراث قريبها مهما كثُرت أمواله، ومهما عانت من الفقر والحاجة؛ لأنهم يخصون الميراث بالرجال دون النساء، بل إنها كانت تُورَث عن زوجها كما يُورَث ماله، وكان الجمع الكثير من النساء يَعِشْنَ تحت زوج واحد؛ حيث كانوا لا يتقيَّدون بعددٍ محدد من الزوجات غير عابئين بما ينالهنَّ من جراء ذلك من المضايقات والظلم.

مكانة المرأة في الإسلام:

لقد تكرَّر مصطلح المرأة في القرآن 26 مرة، ومصطلح النساء 59 مرة، في حين ذُكِر مصطلح الإنسان 70 مرة، ومصطلح ابن آدم 25مرة، ومن خلال هذه الأرقام يظهر أن القرآن توجَّه إلى المرأة كإنسان في أكثر من 95 موضعًا في حين خصها كامرأة في 85 موضعًا، فتبيَّن بذلك أن الله خاطَبها كإنسان أكثر من كونها جنسًا له خصوصيات مميزة…؛ لأن الرجل والمرأة في التصور الإسلامي سيان في التكليف والمسؤولية والجزاء، وهذه المساواة أصل أصيل في الشريعة، أبرزه بشكل واضح قوله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

وقوله صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال)، لا فرق إذًا في خطاب الوحي بين الجنسين إلا في أحكام محدودة شرعت لحالات استثنائية، وجسدت النساء هذا المبدأ بمشاركتهن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلال خير القرون من بعده في كل المجالات المتاحة في المجتمع، ولقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يُكرمها به دينٌ سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله، فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قُرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (مَن لا يَرحم لا يُرحم، من كانت له أنثى فلم يَئِدْها، ولم يُهِنْها، ولم يُؤثِر ولدَه عليها - أدخله الله عز وجل وتعالى بها الجنة).

ثم يقول صلوات الله وسلامه عليه: (مَن عالَ جاريتين حتى تَبلُغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين، وضمَّ بين أصابعه صلوات الله وسلامه عليه).

وإذا كَبِرتْ فهي المعززة المكرمة، التي يغار عليها وليُّها، ويَحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتدَّ إليها يدٌ بسوء، ولا لسانٌ بأذًى، ولا عينٌ بخيانة.

وإذا تزوَّجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها؛ قال تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228].

وإذا كانت أُمًّا كان برُّها مقرونًا بحق الله تعالى، وعقوقها والإساءة إليها مقرونًا بالشرك بالله، والفساد في الأرض؛ قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ﴾ [لقمان: 14].

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ويقول: (مَن أحق الناس بحُسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أُمُّك، قال: ثم مَن؟ قال: أُمُّك، قال: ثم من؟ قال: أُمك، قال: ثم مَن؟ قال: أبوك)

وإذا كانت أختًا فهي التي أُمِر المسلم بصِلَتها، وإكرامها، والغَيرة عليها، وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة، وإذا كانت جَدة، أو كبيرة في السن، زادت قيمتها لدى أولادها وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يُرَد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي، وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يُدنيها قرابة أو جوار، كان له حق الإسلام العام؛ من كف الأذى، وغَض البصر، ونحو ذلك.

وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية؛ مما جعل للمرأة قيمة واعتبارًا، لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة.

ثم إن للمرأة في الإسلام حقَّ التملُّك والإجارة، والبيع والشراء، وسائر العقود، ولها حق التعلم والتعليم، بما لا يخالف دينها، بل إن من العلم ما هو فرض عينٍ يأثَم تاركه ذكَرًا أم أنثى.

بل إن لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون الرجال، أو بما يختصون به دونها من الحقوق والأحكام التي تلائم كُلاًّ منهما على نحو ما هو مفصَّل في مواضعه.

ومن إكرام الإسلام للمرأة :

أن أمرها بما يَصونها، ويحفظ كرامتها، ويَحميها من الألسنة البذيئة، والأعين الغادرة، والأيدي الباطشة؛ فأمَرها بالحجاب والستر، والبُعد عن التبرُّج، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن كل ما يؤدي إلى فِتنتها.

ومن إكرام الإسلام لها:

أن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها.

بل ومن المحاسن أيضًا أن أباح للزوجين أن يَفترقا إذا لم يكن بينهما وِفاق، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة، فأباح للزوج طلاقها بعد أن تخفق جميع محاولات الإصلاح، وحين تُصبح حياتهما جحيمًا لا يُطاق.

وأباح للزوجة أن تُفارق الزوج إذا كان ظالمًا لها، سيِّئًا في مُعاشرتها، فلها أن تُفارقه على عوض تتفق مع الزوج فيه، فتَدفع له شيئًا من المال، أو تصطلح معه على شيء مُعين، ثم تُفارقه.

ومن صور تكريم الإسلام للمرأة أن نهى الزوج أن يَضرب زوجته بلا مُسوِّغ، وجعل لها الحق الكامل في أن تشكوَ حالها إلى أوليائها، أو أن ترفع للحاكم أمرَها؛ لأنها إنسان مكرَّم داخل في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].

وليس حُسن المعاشرة أمرًا اختياريًّا متروكًا للزوج؛ إن شاء فعَله، وإن شاء ترَكه، بل هو تكليف واجب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يَجلِد أحدكم امرأته جلْد العبد، ثم يُضاجعها)؛ رواه البخاري ومسلم.

فهذا الحديث من أبلغ ما يمكن أن يُقال في تشنيع ضرب النساء؛ إذ كيف يليق بالإنسان أن يجعل امرأته - وهي كنفسه - مَهينة كمَهانة عبده؛ حيث يَضربها بسَوْطه، مع أنه يعلم أنه لا بد له من الاجتماع والاتصال الخاص بها، ولا يُفهم مما مضى الاعتراض على مشروعية ضرْب الزوجة بضوابطه، ولا يعني أن الضرب مذموم بكل حال.

لا، ليس الأمر كذلك، ولكن له ضوابطه وشروطه التي قرَّرها الإسلام العظيم.

ومن مظاهر تكريم الله للمرأة أن جعل سورة كاملة في القرآن تُسمى بسورة النساء، وذكر القرآن الكريم نماذجَ نسائية كان لها دورها العظيم؛ كامرأة عمران، والسيدة مريم عليها السلام، وملكة سبأ، وابنتَي الرجل الصالح في سورة القَصص، وذكر الله تعالى المرأة بجوار الرجل (عشر مرات) في آية واحدة: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35].

وغير ذلك من مظاهر التكريم.

وما ندري مَن الذي أهان المرأة؟ أهو ربُّها الرحيم الكريم الذي يعلم مَن خلَق وهو اللطيف الخبير؟ أم مَن يريدونها سلعةً للمتعة فقط؟

التحديات التي تواجه المرأة:

لقد استخدم الغرب المرأة في الحرب على الإسلام، ولماذا التركيز على المرأة من قِبَل الغرب ومِن قِبَل أتباعه المستغربين أعداءِ الإسلام؟

والسر أن هؤلاء قد فَطِنوا لمكانة المرأة الأساسية، ودورها في صنع الأمة وتأثيرها على المجتمع؛ ولذلك أيقنوا أنهم متى ما أفسدوا المرأة ونجحوا في تغريبها وتضليلها، فحين ذلك تهون عليهم حصون الإسلام، بل يدخلونها مستسلمة دون أدنى مقاومة.

يقول شياطين اليهود في بروتوكولاتهم: علينا أن نكسب المرأة؛ ففي أي يوم مدَّت إلينا يدها، ربِحنا القضية، ولذلك نجح اليهود في توجيه الرأي العام الغربي حينما ملكوا المرأة عن طريق الإعلام وعن طريق المال.

وقال آخر من ألد أعداء الإسلام: كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرِقوها في حب المادة والشهوات.

وهذا صحيح؛ فإن الرجل الواحد إذا نزَل في خندق، وأخذ يقاوم بسلاحه - يَصعُب اقتحام الخندق عليه حتى يموت، فما بالك بأمة تدافع عن نفسها، فإذا هي غرِقت في الشهوات ومالت عن دينها، وعن طريق عزها - استسلمت للعدو دون أي مقاومة، بل بترحيب وتصفيق حارٍّ.

ويقول صاحب كتاب "تربية المرأة والحجاب": "إنه لم يَبقَ حائل يَحول دون هدْم المجتمع الإسلامي في المشرق - لا في مصر وحْدها - إلا أن يطرأَ على المرأة المسلمة التحويل، بل الفساد الذي عمَّ الرجال في المشرق".

ومن مظاهر التحديات التي تواجه المرأة:


  1. نشر الاختلاط: وإذا بدأ الاختلاط، فلن ينتهي إلا بارتياد المرأة لأماكن الفِسق والفجور، مع تبرُّج وعدم حياء، وهذا حصل ولا يزال، فأين هذا من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم حين خرج من المسجد فوجد النساء قد اختلطنَ بالرجال، فقال لهن: (استأْخِرْنَ؛ فإنه ليس لَكُنَّ أن تَحْقُقْنَ الطريقَ، عليكنَّ بحافَات الطريق)؛ رواه أبو داود، وحسَّنه الألباني.

  2. التبرج والسفور: والتبرُّج أن تُظهر المرأة زينتها لمن لا يَحِل لها أن تُظهرها له، والسفور: أن تكشف عن أجزاء من جسمها مما يَحرُم عليها كشْفه لغير محارمها؛ كأن تكشف عن وجهها وساقيها وعَضُديها أو بعضها، وهذا التبرج والسفور فَشَيَا في كثير من بلاد المسلمين، بل لا يكاد يخلو منها بلد من البلدان الإسلامية إلا ما قلَّ وندَر، وهذا مظهر خطير جدًّا على الأمة المسلمة، فبالأمس القريب كانت النساء محتشمات يَصدُق عليهن لقب: ذوات الخدور، ولم يكن هذا تقليدًا اجتماعيًّا، بل نبَع من عبودية الله وطاعته، ولا يخفى أن الحجاب الشرعي هو شعار أصيل للإسلام؛ ولهذا تقول عائشة رضي الله عنها: "يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل، لَمَّا أنزل الله: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31] - شَقَقْنَ مُروطهنَّ، فاخْتَمَرْنَ بها"؛ البخاري.
    ولهذا كان انتشار الحجاب أو انحساره مقياسًا للأمة المسلمة ودَينونة الناس لله، وكان انتشاره مَغِيظًا لأولئك المنافقين المُبطلين.
  3. متابعة الموضة والأزياء: فتجد أن النساء المسلمات قد أصبحنَ يُقَلِّدْنَ النساء الغربيات وبكل تقبُّل وتفاخُر، ولذلك تقول إحدى النساء الغربيات ممن يسمونها برائدة الفضاء لَمَّا زارت بلدًا من بلدان العربية، قالت: إنها لم تُفاجأ حينما رأت الأزياء الباريسية والموضات الحديثة على نساء ذلك البلد.
    ولم يَسلَم لباس الأطفال - البنات الصغيرات - إذ تجد أن البنت قد تصل إلى سن الخامسة عشرة وهي لا تزال تَلبَس لباسًا قصيرًا، وهذه مرحلة أولى من مراحل تغريب ملبسها، فإذا نُزِع الحياء من البنت، سهُل استجابتها لما يَجِدُّ، واللباس مظهر مهم من مظاهر تميُّز الأمة المسلمة والمرأة المسلمة؛ ولهذا حُرِّم التشبُّه بالكفار، وهذا والله أعمل لِما فيه من قَبول لحالهم، وإزالة للحواجز وتنمية للمودة، وليس مجهولاً أنَّ تشابُهَ اللباس يقلِّل تمييز الخبيث من الطيب، والكفر من الإسلام، فيَسهُل انتشار الباطل وخفاء أهله.

    والموضة مرفوضة من عدة نواحٍ؛ منها:

    أ- التشبُّه بالكافرات، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن تشبَّه بقوم فهو منهم)؛ رواه أبو داود، والإمام أحمد، وهو صحيح.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والصراط المستقيم: هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك، وأمور ظاهرة من أقوال وأفعال، قد تكون عبادات، وقد تكون عادات في الطعام واللباس والنكاح.... إلخ.

    وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال، يوجب أمورًا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال، يوجب للقلب شعورًا وأحوالًا...."؛ انتهى من اقتضاء الصراط المستقيم، فعُلِم من هذا خطورة هذا التشبُّه وتحريمه.

    ب - الضرر الاقتصادي للتعلق بالموضة:ومعلوم كم تُكلِّف هذه الموضة من أموال تُنقَل إلى بلاد الغرب الكافر!

    وللعلم؛ فإن نسبة كبيرة من ميزانية الأسرة العربية، تُنفَق على احتياجات المرأة نفسها؛ من ملبسٍ، وأدوات تجميل ومكياج، وتَزداد هذه النسبة بازدياد الدخل ومستوى التعليم، وينخفض بانخفاضهما.

    ج - كثرة التحاسد بين النساء: لأنهن يَجذبهنَّ الشكل الجميل، فيتفاخرنَ ويتحاسَدْنَ، ويَكذِبْنَ، ومِن ثَم قد تكلِّف زوجة الرجل - قليل المال - زوجَها ما لا يُطيق؛ حتى تُساوي مجنونات الموضة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وغير هذا من المخالفات الشرعية الكثير!

  4. الخَلوة: خَلوة المرأة بالرجل الأجنبي الذي ليس لها محرم، وقد تساهَل الناس فيها، حتى عدَّها بعضهم أمرًا طبيعيًّا، فالخلوة المحرَّمة مظهر من مظاهر التغريب التي وقعت فيها الأمة المسلمة؛ حيث هي من أفعال الكافرين الذين ليس لهم دين يُحرِّم عليهم ذلك، وأما احترام حدود الله، فهو من مميزات الأمة المسلمة الأصلية، والجرأة على الخلوة تجاوُزٌ لحدٍّ من حدود الله، وخطر عظيم، وقد حرَّمه الشارع بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا يَخْلُوَنَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو مَحرم)؛ رواه البخاري ومسلم.

دور المرأة في الإصلاح:

إن المرأة المسلمة مؤثِّرة في مجتمعها، بانية لا هادمة، جادَّة لا هازلة، صادقة لا كاذبة، أمينة لا خائنة، يتجلى ذلك من خلال النقاط التالية:

أولاً: في الحفاظ على القيم الإسلامية:

إن التديُّن من أجَلِّ الصفات التي تؤثر في المجتمع، والمرأة المسلمة هي التي تُقِرُّ الحق وتُرسِّخه، وتؤدي الفرض وتُظهره، فهي في البيت معلِّمة وقدوة، وفي خارج البيت ناشرة شرْعٍ ودينٍ، تصون العَورة فلا تَفْتِن، وتضرِب بالخُمُر فلا تُظهِر، ولا تَضرب بالأرجل مشيًا لتُبدي ما يُسْتَر، وتغض من البصر حتى لا تُثير؛ فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "يَرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل، لما أنزل الله: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31] - شَقَقْنَ مُروطهن واختمَرْنَ بها"؛ البخاري.

وهي معينة زوجها على الطاعة؛ قال تعالى في شأن زكريا عليه السلام: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90].

وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وحصَّنت فرْجها، وأطاعت بعْلها - دخلت من أي أبواب الجنة شاءت)؛ رواه ابن حِبان.

وذكر القرآن من نماذج الإيمان امرأة عمران، التي نذَرت ووفَّت، وتكفَّل الله وحفِظ، وهي تُعاوِن زوجها في تثبيت دعائم الدين في الأسرة؛ قال تعالى: ﴿ وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الأحقاف: 17].

وحِرْصها على الكسب الحلال، فرَضِي الله عن نساء الصحابة الكرام؛ إذ كانت إحداهنَّ تقول لزوجها: "اتقِ الله فينا ولا تُطعمنا إلا من حلال، وإياك أن تُدخل علينا الحرام، فإننا نصبِر على نار الجوع، ولا نصبر على نار جهنم".

ثانيًا: البيت:

إن وظيفة ربَّة البيت من أشرف وظائف المرأة المسلمة، ولا يقوم بهذه الوظيفة إلا من استكمل أزكى الأخلاق، وهذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم يدخل على أمِّ سلَمةَ في بيتها، مستشيرًا إياها في صُلح الحديبية، وعند بَدء الوحي، أحسنت خديجة رضي الله عنها التصرف، وأصابت في الرأي، وأعانت بالإيمان، وهذه أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية ذهبت إلى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت: "وإذا خرجوا - أي: الرجال - للجهاد، حفِظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم، أفنشاركهم الأجر؟"؛ الحديث سنده حسن؛ أخرجه البزار والطبراني، وانظر إلى قولها: "حفِظنا أموالهم وربَّينا أولادهم".

وكذلك مناقشة أحوال البيت بالائتمار بالمعروف؛ قال تعالى: ﴿ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾ [الطلاق: 6]، وفي الرزق والكسوة لا تُكلِّف زوجها فوق قدرته؛ قال تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 233].

وتربية الأولاد على الأخلاق وشرائع الدين؛ قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته….، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها)؛ البخاري ومسلم.

وهذه فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم وأسماء بنت الصديق - لم تتبرَّما من المعيشة، ولم تَشْكُوَا كثرة العمل، وكانتا مُعينتين لزوجيهما في أمر الحياة والقصة معروفة، والمرأة المسلمة هي التي تُعين الزوج على غض بصره وتحصين فرْجه بالتودُّد إليه.

ثالثًا: الروابط الأُسرية والاجتماعية:

وهي التي تواسي زوجها في مُصابه، كما فعلت أُمُّ سُليم مع زوجها أبي طلحة لَمَّا مات ولده، وهي التي تُرضع وليدها وترعى شأنه، وتحفظ زوجها بالغيب، وتصون البيت، وهي التي تتَّسم بالخلق الكريم مع الجيران والأقارب والأصدقاء؛ انظر حديث: (شاء الله أن يرزقَ با طلحة ولدًا من أُمِّ سُليم، وشاء الله أن يَمتحنهما بهذا الولد، فمرِض الولد مرضًا شديدًا، ومات بين يدي أمه وأبو طلحة غائب، فلما عاد استقبلته زوجته أُمُّ سُليم أحسن استقبالٍ، وقرَّبت إليه عشاءَه، فأكل وشرِب، ثم أصاب منها ما يصيب الزوج من زوجته، ثم قالت له: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريتهم أهل بيتٍ، فطلبوا عاريتهم، ألَهم أن يَمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك، فغضِب وقال: تركتني حتى تلطَّخت، ثم أخبرتِني بابني، فانطلق وشكاها إلى رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: (بارَك الله لكما في غابر ليلتكما).

فحملت، ثم ولدت غلامًا، فأرسلته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحنَّكه ودعا له، وسمَّاه عبدالله، ثم رزقهما الله بتسعة من الأولاد كلهم قد حفِظ القرآن.

وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتصَّدَّق، وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا خير فيها، هي من أهل النار)، قالوا: وفلانة تُصلي المكتوبة، وتصَّدَّق بأثوار ولا تؤذي أحدًا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هي من أهل الجنة)؛ رواه البخاري في الأدب المفرد.

رابعًا: العلم:

حثَّ الإسلام على العلم للرجال والنساء، كلٌّ فيما يناسب مَهامه وكِيانه، ويُعينه على أداء وظيفته ورسالته واستخلافه، وحملت المرأة جانبًا كبيرًا منه، وأمر الله أُمهات المؤمنين بنشر العلم الذي يُتلى في بيوتهن؛ لينفع المجتمع ويُقوِّمه؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 34].

خامسًا: الجهاد:

وللمرأة مواقف جهادية تَعدِل فيها آلاف الرجال؛ رغبة في ثواب الجهاد الذي وعد الله به عباده، وهذه المواقف منها:
  • السيدة صفية بنت عبدالمطلب رضي الله عنها في غزوة الأحزاب.

  • موقف الخنساء مع أبنائها الأربعة في موقعة القادسية الهائلة، أرسلتْهم بعد النصح، ووعظَتْهم بعظيم الأجر، فاستُشْهِدوا جميعًا، ولَمَّا وصلها الخبر، قالت غير جازعة: الحمد لله الذي شرفني بهم.

  • موقف نسيبة المازنية في غزوة أُحد؛ حيث باشَرت القتال دفاعًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

  • أُم أيمن حاضنة الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أُحد، وكانت مع نساء الأنصار يَسقينَ الماء. هذا هو دورها في الجهاد مباشرة بنفسها، أو مقدِّمة فَلذات أكبادها، تبغي الأجر من ربِّها.

سادسًا: الحياة العامة:

إن الإسلام لم يُحرِّم على المرأة المشاركة في الحياة العامة، شريطة أن تتفق مع أُنوثتها ووظيفتها، والتزامها بمنهج ربها، فإذا باشرت الحياة العامة، كان عليها أن تَحفظ أُنوثتها، وتَصون نفسها وعِفَّتها، وتضرب خمارها، وألا تتفحَّش في قول، أو تَبتذل فيما يجب أن يُصان؛ (قصة ابنتي شعيب مع موسى عليه السلام).

نماذج نسائية في الإصلاح:

إن آمالنا في المرأة المسلمة المتعلِّمة والمعلِّمة أن تكون أقوى من التحدِّيات، وأن تعتزَّ بدينها، وتتمسك بعقيدتها ومبادئها وأخلاقها، بل وتدعو إليها؛ فذلك من دينها، فالأجر والثواب كبير وعظيم، وإليكم بعض النماذج العظيمة التي يُقتدى بها.

السيدة خديجة بنت خويلد:

خديجة رضي الله عنها تلك المؤمنة صاحبة الثراء، وصاحبة الجاه، وصاحبة المال، التي تزوَّجت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أول مؤمنة به، وآزَرته في مِحنته، وثبَّتَته يوم خاف، ويوم عاصرت نزول القرآن من أول لحظاته، كانت أول مثبت للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم منها الولد، وكان يذكُر ذلك لها بعد موتها، رضي الله عنها وصلى الله عليه وسلم، جاء إليها يومًا من الأيام وهي تبكي بعد موت ابنها القاسم، فيقول: (ما بكِ؟)، قالت: دَرَّت لُبينة القاسم، فكان بودِّي لو عاش؛ حتى يَستكمل رضاعته، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن له في الجنة مُرضعًا تستكمل له رضاعته، فهان عليها ما كان)، ثم قامت معه حتى أُنزل عليه الوحي، وجاء إليها يرتعش خائفًا مُرتعدًا لما رأى جبريل وهو يقول له: اقرأ، وهو يقول لها: زمِّلوني، دثِّروني، فيقول لها: (والله يا خديجة، لقد خشِيتُ على نفسي)، قالت: "كلاَّ والله لا يُخزيك الله أبدًا؛ إنك لتحمِل الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيف، وتَكسِب المعدوم، وتُعين على نوائب الحق".

وقفَت معه صلى الله عليه وسلم، فقاسَمته شدَّته ومِحنته، وما تراجعت عن ذلك، مع أنها صاحبة الجاه، وصاحبة السؤدد، وصاحبة المال، فزادت ذلك سؤددًا ومالًا وجاهًا يوم ارتقت وقالت: لأن أفقد ولدي خير لي من أن أفقد حيائي وديني، إن الله خاطَب رسوله، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 59]، ووالله ما أنا بخير منهنَّ.

أم ربيعة الرأي:

أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم اسمه فروخ أبو عبدالرحمن، خرج في خلافة بني أُمية؛ ليجاهد في خراسان، وغاب سبعًا وعشرين سنة لدرجة أن بعض الناس ظنوا أنه استشهد، وقبل أن يسافر كانت زوجته حاملاً في طفل، وضعت الأم غلامًا أسمته ربيعة عُرِف بعد ذلك باسم "ربيعة الرأي"، وكان أحد سادات التابعين، مرت الأيام وبدأ ربيعة يتربَّى على الخير والهدى والصلاح.

الأم ممَّ تُنفق؟
زوجها قبل أن يخرج للغزو ترك معها ثلاثين ألف درهم ثروة طائلة، فاستغلتها الأم الصالحة كلها في تربية ولدها "ربيعة الرأي"، حتى وصل إلى درجة عالية من العلم والفقه، حتى قال الإمام مالك: "ذهبت حلاوة الفقه منذ أن مات ربيعة الرأي".

مرت الأيام ورجع الصحابي فروخ أبو عبدالرحمن راكبًا فرسه، ممسكًا بحَربته، حتى وصل باب بيته، فدفع الباب فرأى شابًّا عليه ملامح الرجولة، فأراد الشيخ أن يدخل، فقال له الشاب: ماذا تفعل أيها الشيخ؟ وما الذي جعلك تهجم هكذا على بيتنا؟ فقال: هذا بيتي، والشاب يقول: هذا بيتي أنا، فعَلاَ صوتهما، فعرَفت الأم صوت زوجها، فقالت: إنه والله زوجي، إنه فروخ أبو عبدالرحمن، يا ربيعة إنه أبوك، وتعانَق الجميع، وتعالت صيحات الفرح، وبعد مدة قال فروخ لزوجته: أخرجي ما أعطيته لك منذ سنين، فقالت: المال أخرجه لك بعد أيام - المال أُنفق على ربيعه، ولكنها كانت حكيمة - قالت له: اخرج إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فصلِّ فيه ما شاء الله لك أن تُصلي، ثم أُخرِج لك المالَ، خرج إلى المسجد، فرأى حلقة علم كبيرة، وولده الذي يتكلم، فلما عاد إلى زوجته قال لها: "والله يا زوجتي، لقد رأيت ابني في موضع تمنَّيته له كثيرًا في الغزوات"، فقالت: يا أبا عبدالرحمن، كنت تطلب المال، مالُك أنفقته كلَّه على ما ترى، فقال: "إذا كنت أنفقت المال حتى تصنعي هذا الرجل، فوالله ما ضيَّعتي".

أم الإمام أحمد بن حنبل:

مات أبوه، وهو طفل، فكفَلته أُمُّه الزاهدة العابدة الصائمة القائمة؛ قال أحمد رحمه الله: "فحفَّظتني أمي القرآن وعمري عشر سنوات".

فحفِظ كتاب الله، واستوعبه في صدره، ففرَّت الوساوس والشياطين من صدره، فأصبح عابدًا لله.

وقال أحمد رحمه الله: كانت أمي تُلبسني اللباس، وتُوقظني، وتحمي لي الماء قبل صلاة الفجر وأنا ابن عشر سنوات، ثم كانت تتخمَّر وتتغطَّى بحجابها، وتذهب معه إلى المسجد؛ لأن المسجد بعيد، ولأن الطريق مظلمة.

أم سفيان الثوري:

وما أدراك ما سفيان الثوري؟ إنه فقيه العرب، ومُحدثهم، وأحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة، إنه أمير المؤمنين في الحديث، وما كان ذلك العلم الشامخ والإمام الجليل، إلا ثمرة أُمٍّ صالحة، حفِظ لنا التاريخ مآثرها وفضائلها ومكانتها، وإن كان ضنَّ علينا باسمها؛ روى الإمام أحمد بسنده عن وكيع قال: "قالت أم سفيان لسفيان: يا بُني، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي"، فكانت رحمها الله تعمل وتقدِّم له ليتفرغ للعلم، وكانت تتخوَّله بالموعظة والنصيحة؛ قالت له ذات مرة - فيما يرويه الإمام أحمد-: "يا بُني، إن كتبت عشرة أحرف، فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحِلمك ووقارك، فإن لم ترَ ذلك، فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك، فهل ترى من غرابة بعد هذا أن نرى سفيان يتبوَّأ منصب الإمامة في الدين، كيف وهو قد ترعرع في كنَف مثل هذه الأم الرحيمة، وتغذَّى بلِبان تلك الأم الناصحة التقية.

5 - أم الإمام الشافعي: وهذا الإمام الحَبْر، الفقيه البحر، العالم النِّحرير، الذي دنت له قطوف الحكمة، ودانت له نواصي البلاغة، إنه محمد بن إدريس الشافعي الذي ملأ أقطار الأرض علمًا وفقهًا وفضلاً - كان ثمرة الأم العظيمة، فقد مات والده وهو جنين أو رضيع، فتوَّلته أُمُّه بعنايتها، وأشرقت عليه بحِكمتها، وكانت امرأة من فُضليات عقائل الأزد.

6- أم الإمام مالك: عن ابن أبي أُويس قال: سمعت خالي مالك بن أنس يقول: كانت أمي تُلبسني الثياب، وتعمِّمني وأنا صبي، وتوجِّهني إلى ربيعة بن أبي عبدالرحمن، وتقول: "يَا بُنَي، ائْتِ مَجْلِسَ رَبِيعَةَ، فَتَعَلَّمْ مِنْ سَمْتِهِ وَأَدَبِهِ قَبْلَ أَنْ تَتَعَلَّمَ مِنْ حَدِيثِهِ وَفِقْهِهِ".

فواجب المرأة المسلمة اليوم أن تُحافظ على مكانتها التي أعطاها إياها الإسلام، وتصون عِرضها، وتقوم بدورها في نُصرة الدين وبناء الوطن.

ونسأل الله أن يَحفظ نساءَنا من الفواحش ما ظهَر منها وما بطَن، إنه وَلِي ذلك ومولاه.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية