المعاصي والسيئات

المعاصي والسيئات

المعاصي والسيئات من أسباب تعجيل العقوبات


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

لقد انتشر في الناس ومنذ أَزَلٍ أن يعصيَ الإنسان ربَّه سبحانه وتعالى، وهناك بعض المعاصي تؤجل عقوبتها للآخرة، لكن إن أراد الله بهذا العاصي خيرًا عجلها له في الدنيا.

فالمعاصي والسيئات منها ما يسبب تعجيل العقوبة في الدنيا قبل الآخرة؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ﴾ [الروم: 41، 42]، وقال الرحمن الرحيم سبحانه: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

والمصائب في الناس كثيرة جدًّا، نسأل الله السلامة؛ منها من العدو، ومنها من الصديق، ومنها من القريب، ومنها من البعيد، مصائب تتلوها مصائب، والناس لا ترى إلا المصائب، وتشكو المصائب، لكن لا تبحث عن أسباب هذه المصائب؛ ألا وهي: المعاصي والذنوب والخطايا.

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ((ما اختلج عِرْقٌ ولا عين إلا بذنب، وما يدفع الله عنه أكثر))؛ [رواه الطبراني في المعجم الصغير، (1053)].

كما أن ظلم العباد مما تُعجَّل عقوبته في الدنيا قبل الآخرة، وعقوق الوالدين، والظلم من الظالمين للأبرياء، وقطيعة الرحم، والخيانة والكذب - تعجل عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة؛ عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنب أجدر - أي: أحق - أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة - من البغي وقطيعة الرحم))؛ [الترمذي (2511)].

بغيٌ وظلم بين العباد، وأن يقطع الإنسان رحمه، وفي رواية: ((والخيانة والكذب))؛ [أورده في كنز العمال، (6986)]، وفي رواية: ((كلُّ ذنوبٍ يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا البغيَ وعقوقَ الوالدين، أو قطيعة الرحم، يعجل لصاحبها في الدنيا قبل الموت))؛ [رواه البخاري في الأدب المفرد، (591)].

ومن العقوبات التي تعجل في الدنيا نسأل الله السلامة: النظر إلى النساء بشهوة، وملامستهن ومصافحتهن، ومكالمتهن ومكاتبتهن بالحرام ونحو ذلك، فنحن نعاني من هذه الأسباب؛ من النظرة المحرمة أو المصافحة، والنظر إلى صورهن مباشرة عاريات أو شبه عاريات.

ورد عن عبدالله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال: ((لقي رجل امرأةً كانت بغيًّا في الجاهلية - معروفة أنها زانية قبل الإسلام في الجاهلية - فجعل يلاعبها، حتى بسط يده إليها، فقالت المرأة: مَهْ - وهذه كلمة ردعٍ وزجرٍ - فإن الله عز وجل قد ذهب بالجاهلية وجاءنا بالإسلام، فولَّى الرجل وهو ينظر خلفه، فأصاب الحائط وجهه فشجَّه - أي: أسال منه الدم في الوقت واللحظة، ولم يمهل إلى يوم القيامة - ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: أنت عبد أراد الله بك خيرًا، إذا أراد الله بعبد خيرًا، عجل له عقوبة ذنبه في الدنيا، وإذا أراد بعبد شرًّا، أمسك عليه بذنبه))؛ [رواه أحمد (16806)، والترمذي (2396)]، وفي رواية: ((حتى يوافيَ به يوم القيامة))؛ أي: حتى يأتَي العبد بذنبه يوم القيامة؛ [تحفة الأحوذي (6/ 185)].

عباد الله، وهذا الابتلاء من مرضٍ في الصحة أو الأهل، أو الهموم التي تصيب الإنسان أو من العدو، وغير ذلك - هذا كله ابتلاء لعباد الله المؤمنين؛ فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ((لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في جسده، وأهله، وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة))؛ [رواه البخاري في الأدب المفرد (494)].

واعلموا عباد الله أن المعاصي والذنوب لها آثار، ولها نتائج تظهر في الدنيا قبل الآخرة ويلاحظها الناس، ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه المسمى بـ(الداء والدواء)، أو بـ(الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي)، وذكر مجموعة منها انتقيت منها ما قاله:

وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة، والمُضرَّة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة - ما لا يعلمه إلا الله:


  • فمنها: حرمان العلم - والعلم معناه: علم الشريعة والدين وعلم الآخرة - فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.

  • ومنها: حرمان الرزق؛ فالعاصي لله يمحق رزقه، وفي المسند: ((إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)).

  • ومنها: وحشة يجدها العبد العاصي في قلبه بينه وبين الله، لا يوازنها ولا يقارنها لذة أصلًا، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تَفِ بتلك الوحشة، وهذا أمر لا يُحِسُّ به إلا من في قلبه حياة، وما لجرحٍ بميِّتٍ إيلام.

  • ومنها: الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس، ولا سيما أهل الخير منهم، فإنه يجد وحشةً بينه وبينهم، وكلما قويت تلك الوحشة، بَعُدَ منهم ومن مجالستهم.وقال بعض السلف: "إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خُلُقِ دابتي وامرأتي".

  • ومنها: تعسير أموره وتصعيبها عليه، فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقًا دونه، أو متعسرًا عليه.

  • ومنها: أن المعاصي توهن القلب والبدن.

  • ومنها: حرمان الطاعة بدل المعصية، فإن المعصية الأصل فيها أن يكون محلها طاعة فيحرم هذه الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أنه يصد عن طاعة تكون بدله، ويقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه طريق ثالثة ثم رابعة، وهلمَّ جرًّا، فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها.

  • ومنها: أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولا بد؛ فإن البر كما يزيد في العمر، فالفجور يقصر العمر.

  • ومنها: أن المعاصي تزرع أمثالها، وتُولِد بعضها بعضًا، كل معصية تجلب الأخرى حتى يعزَّ على العبد مفارقتها والخروج منها؛ كما قال بعض السلف: "إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها".

  • ومنها - وهو من أخوفها على العبد - أنها تُضعِف القلب عن إرادته، فتقوِّي إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئًا فشيئًا إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، فلو مات نصفه لما تاب إلى الله.

  • ومنها: أنه ينسلخ من القلب استقباحها، فأول معصية يرتكبها الإنسان يستقبحها، ويخشى أن يراه الناس، لكن هذا مع المداومة ينسلخ من قلبه فتصير له عادةً، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه.

  • ومنها: أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل؛ فاللوطية ميراثٌ عن قوم لوط، وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث عن قوم شعيب، والعلو في الأرض والفساد ميراث عن فرعون وقومه، والتكبر والتجبر ميراث عن قوم هود، فالعاصي لابسٌ ثيابَ بعضِ هذه الأمم، وهم أعداء الله.

  • ومنها: أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه، وسقوطه من عينه، يصبح هذا العاصي إذا تمادى في ذلك ولم يرجع إلى الله هينًا على الله حقيرًا، لا يبالي به في أيِّ وادٍ هلك.

  • ومنها: أن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه هذا الذنب، ويصغُرَ في عينه وفي قلبه، وذلك علامة الهلاك، فإن الذنب كلما صغُر في عين العبد عظُم عند الله.

  • ومنها: أن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنوبه، فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم، فإن الله إذا أراد أن يهلك قومًا بسبب معاصي بعضِهم، فإنه يهلك الجميع.

  • ومنها: أن المعصية تورث الذل ولا بد؛ فإن العزَّ كلَّ العز في طاعة الله تعالى؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10]؛ أي: فليطلبها بطاعة الله، فإنه لا يجدها إلا في طاعته.

  • ومنها: أن المعاصي تفسد العقل؛ فإن للعقل نورًا، والمعصية تطفئ نور العقل ولا بد؛ وإذا طُفئ نوره ضعف ونقص؛ وقال بعض السلف: "ما عصى اللهَ أحدٌ حتى يغيبَ عقله"؛ أي: عند المعصية وفي أثنائها يغيب العقل.

  • ومنها: أن الذنوب إذا تكاثرت، طُبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين؛ كما قال بعض السلف في قوله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14] - قال: "هو الذنب بعد الذنب".

  • ومنها: أن بعض الذنوب تُدخِل العبد تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فإنه لعن على معاصٍ وغيرُها أكبر منها؛ فهي أولى بدخول فاعلها تحت اللعنة:

    فلعن الواشمة والمستوشمة، والواصلة والموصولة، والنامصة والمتنمصة، والواشِرة والمستوشرة، ولعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، ولعن المحلل والمحلل له، ولعن السارق، ولعن شارب الخمر، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه، ولعن من غيَّر منار الأرض - وهي أعلامها وحدودها - ولعن من لعن والديه، ولعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا يرميه بالسهام، ولعن من ذبح لغير الله، ولعن من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا، ولعن المصوِّرين، ولعن من عمِل عملَ قومِ لوطٍ، ولعن من ضار بمسلم أو مكر به، ولعن من أفسد امرأة على زوجها، ولعن من أتى امرأة في دبرها، وأخبر أن من باتت مهاجرةً لفراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح، ولعن من انتسب إلى غير أبيه، وأخبر أن من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، ولعن من سبَّ أصحابه، وقد لعن الله من أفسد في الأرض، وقطع رحمه، وآذاه وآذى رسوله صلى الله عليه وسلم.

  • ومنها: حرمان هذا العاصي من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن دعوة الملائكة، فإن الله سبحانه وتعالى أمر نبيَّه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات؛ وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [غافر: 7 - 9]، فهذا دعاء الملائكة للمؤمنين التائبين، المتبعين لكتابه وسنة رسوله، الذين لا سبيل لهم غيرهما، فلا يطمع غير هؤلاء بإجابة هذه الدعوة؛ إذ لم يتصف بصفات المدعوِّ له بها، والله المستعان.

  • ومن آثار الذنوب والمعاصي: أنها تُحدِث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء، والزروع والثمار، والمساكن؛ قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

  • ومن تأثير معاصي الله في الأرض: ما يحل بها من الخسف، والزلازل، ومحق بركتها.

  • ومن عقوباتها: ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب، وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب الخير أجمعه؛ وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الحياء خير كله)).

  • ومن عقوبات الذنوب: أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله، وتضعف وقاره في قلب العبد ولا بد، شاء أم أبى، ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه.

  • ومن عقوباتها: أنها تستدعي نسيانَ الله سبحانه وتعالى لعبده، وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهناك الهلاك الذي لا يُرجَى معه نجاة.

  • ومن عقوبات الذنوب: أنها تزيل النعم وتُحِلُّ النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب؛ كما قيل: "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع بلاء إلا بتوبة".


وقد أحسن القائل:


إذا كنتَ في نعمةٍ فارْعَها
فإن المعاصي تزيل النِّعَمْ
وحُطْها بطاعة رب العبا
دِ فربُّ العباد سريعُ النِّقَمْ
وإياك والظلم مهما استطع
تَ فظلم العباد شديد الوَخَمْ

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه إلى يوم الدين؛ أما بعد:

الذنوب والمعاصي، والطاعات والحسنات، فرقٌ بين من يفعل هذه، ويفعل هذه، فكلٌّ سيسمَّى بأسماء ويوصف بصفاتٍ في الدنيا وفي الآخرة، يصفه الناس وتصفه الملائكة وتصفه المخلوقات؛ لذا فإن من العقوبات وآثار هذه المعاصي أنها تسلب صاحبها أسماءَ المدح والشرف، وتكسوه أسماء الذمِّ والصَّغار.

فتسلبه اسم: المؤمن، والبر، والمحسن، والمتقي، والمطيع، والمنيب، والولي، والورع، والمصلح، والعابد، والخائف، والأوَّاب، والطيب، والمرضي، ونحوها.

وتكسوه اسم: الفاجر، والعاصي، والمخالف، والمسيء، والمفسد، والخبيث، والمسخوط، والزاني، والسارق، والقاتل، والكاذب، والخائن، واللوطي، والغادر، وقاطع الرحم، وأمثالها.

فهذه أسماء الفسوق و ﴿ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ﴾ [الحجرات: 11]، التي توجب غضب الديان، ودخول النيران، وعيش الخزي والهوان.

وتلك أسماء أصحاب الطاعات التي توجب رضا الرحمن، ودخول الجنان، وتوجب شرف المسمَّى بها على سائر نوع الإنسان؛ [بتصرف من (الداء والدواء)، أو (الجواب الكافي)، ط: عالم الفوائد، (1/ 132 - 194)].

النبي صلى الله عليه وسلم، مَنِ الذي صلى عليه؟ الله سبحانه وملائكته عليهم السلام، وأمر المؤمنين أن يصلوا عليه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم وحد صفوفنا، اللهم ألف بين قلوبنا، اللهم أَزِلِ الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تَدَعْ لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دَينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شافيته، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا غائبًا إلا رددته إلى أهله سالمًا غانمًا يا رب العالمين.

اللّهمّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية