الوساوس والخطرات: أسبابها وعلاجها

الوساوس والخطرات: أسبابها وعلاجها

الوساوس والخطرات: أسبابها وعلاجها


شدة عداوة الشيطان لبني آدم


الشيطانُ الرجيمُ عدوٌ لدودٌ للإنسانِ، يقفُ لهُ بالمرصادِ على كلِّ طريقٍ يُوصلُه إلى رضا اللهِ والجنَّةِ, وقد أَمَرنَا اللهُ -جلَّ وعلا- بعداوتِه ومخالفتِه, قالَ -تعالى-: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير﴾[فاطر:6]، وأقسمَ الشيطانُ اللعينُ على إضلالِ العبادِ, والأخذِ بأيدِيهم إلى طريقِ الضلالِ, قال -تعالى-: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾[الأعراف: 16ـ 17].

وأخبرَنَا -سبحانَه- بما صَنَعَه الشيطانُ بآدمَ وحواءَ -عليهمَا السلامُ-, من إغوائِهما والتَّسبَبُّ في إخراجِهما من الجنَّةِ، قال -تعالى-: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ﴾[الأعراف: 27]، وحذَّرنَا ربُّنا -جلَّ وعلا- من الاستجابةِ لوساوسِه ومتابعتِه؛ حتَّى لا نكونَ من حزبِه الخاسرين.

وساوس الشيطان وخطورتها


وممَّا ابتُلي به بعضُ النَّاسِ في زمانِنا ما أَصَابَهم من الوساوسِ الشَّيطانيةِ, التي تَذْهبُ بهم إلى طريقِ الغوايةِ والضَّلالِ، وهذه الوسواسُ هيَ أحاديثُ للنَّفسِ وخطراتٌ ترِدُ على عقلِ الإنسانِ وقلبِه، وهيَ تزيدُ إذا اسْتَسَلَم لها الإنسانُ وانساقَ وراءَها, حتى تَصلَ به إلى مرحلةٍ من أخطرِ المراحلِ, وهيَ التشديدُ على النَّفسِ في الأمورِ الحياتيةِ والتَّعبديةِ، وربَّما تصلُ به إلى العُزلةِ عنِ النَّاسِ وتركِ مخالطتِهم، وكذلك إلى تركِ الفرائضِ والنوافلِ، والأخطرُ من ذلكَ أن تصلَ بالإنسانِ إلى الكُفرِ والشكِّ في اللهِ -تعالى-.

من صور وساوس الشيطان


وهذه الوساوسُ لها أشكالٌ متنوعةٌ، ومن ذلك:

  1. ما يَردُ على القلبِ مما يُعارضُ إيمانَ العبدِ باللهِ وبرسولِه -صلى الله عليه وسلم- واليومِ الآخرِ، فقد جاءَ ناسٌ مِن أصْحابِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَسَأَلُوهُ: إنّا نَجِدُ في أنْفُسِنا ما يَتَعاظَمُ أحَدُنا أنْ يَتَكَلَّمَ به، قالَ: "وقدْ وجَدْتُمُوهُ؟", قالوا: نَعَمْ، قالَ: "ذاكَ صَرِيحُ الإيمانِ", وهذه الوساوسُ لا تضرُّه -بإذنِ اللهِ- ما دامَ أنَّه يعلمُ أنَّها باطلةٌ، ويكرهُها، وينصرفُ عن التفكيرِ فيها، ويستعيذُ باللهِ منها.

  2. تشكيكُ المسلمِ في نيِّته وقصدِه, فيجعلُه الشيطانُ يتلفَّظُ بالنِّيةِ؛ خوفًا من بطلانِ عبادتِه، أو يجعَلُه يتكلَّفُ في إحضارِ تلكَ النِّيةِ، أو تكرارِ التلفُّظِ بها، وهذا كلُّه خطأٌ؛ فالنيةُ محلُّها القلبُ، فمن همَّ بالوضوءِ فقد نوى الوضوءَ، ومن قامَ يصلي فقد نوى الصلاةَ، وهكذا في سائِر أعمالِه، فنيةُ العبدِ أمرٌ لازمٌ لأفعالِه المقصودةِ, لا يحتاجُ فيها إلى تعبٍ ولا تحصيلٍ.

  3. التلبيسُ عليه في طهارتِه ووضوئِه، فيقولُ له: أنتَ لم تَتَطهرْ، أو ثوبُك به نجاسةٌ من بولٍ أو غائطٍ، أو يأمُره بإعادةِ الوضوءِ، أو غُسْلِ الجنابةِ، أو غُسْلِ الحيضِ للمرأةِ، أو يقولُ له: أنت لم تَتَوضَّأ، أو ما توضئتَ الوضوءَ الصحيحَ، فيجعلُه يعيدُ غَسْلَ أعضائِه، وربَّما يطيلُ غَسْلهَا، ثُمَّ يُوسوسُ له: أنَّكَ لم تَغْسلْ هذا العضوَ أو ذاكَ، فيعيدُ، ويعيدُ, حتى يُصبحَ في حيرةٍ من أمرِه، وربَّما يَجعلُه يُكرِّرُ وضوءَه ويتجاوزُ فيه، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّهُ سيَكونُ في هذِهِ الأمَّةِ قومٌ يَعتدونَ في الطَّهورِ والدُّعاءِ"
    وربَّما شكَّكَه في طهارةِ محلِّ صلاتِه، حتَّى يُؤخِّرَه عن الصلاةِ، وحتى تَضيعَ منه الجماعةُ، وهكذا بعضُ النساءِ، فتجدُ المرأةَ عندما تَتَوضأُ وتنتهي من وضوءِها، يَأْتيهَا الشيطانُ ويُوسوسُ لها: أنَّها نَزَلَ منها شيءٌ، أو أنَّه خَرَجَ منها ريحٌ، وهذا لم يحدثْ، وغيرُ ذلكَ مِنْ تلبيسِه عليهنَّ, حتَّى يَأتيَ عليها وقتٌ تكرَهُ فيه العبادةَ وتَتَركهَا.

  4. التلبيسُ عليه في الصلاةِ، فيردِّدُ بعضَ الكلماتِ أو يرفعُ بها صوتَه؛ من أجلِ التحقُّقِ من أنَّه قَدْ قالَها، وربَّما يُكرِّرُ الآيةَ كاملةً، وربَّما يعيدُ الصلاةَ مرَّةً أخرى؛ خوفًا من أنَّه لم يقرأْ الفاتحةَ، ويُشْعرُه أثناءَ صلاتِه أنَّه أحدثَ وهو لم يحدثْ، أو أنَّه لم يصلِّ الصلاةَ كاملةً، أو أنَّه لم يأتِ بركنٍ من أركانِها، أو غيرِ ذلك من صورِ التلبيسِ, عن عُثْمانَ بنَ أَبِي العاصِ أنَّه أَتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: "يا رَسولَ اللهِ! إنَّ الشَّيْطانَ قدْ حالَ بَيْنِي وبيْنَ صَلاتي وَقِراءَتي يَلْبِسُها عَلَيَّ، فَقالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ذاكَ شيطانٌ يُقالُ له خَنْزَبٌ، فَإِذا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ باللَّهِ منه، واتْفِلْ على يَسارِكَ ثَلاثًا"، قالَ: فَفَعَلْتُ ذلكَ فأذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي"

  5. التلبيسُ عليهِ في أمورِ زواجِه وطلاقِه، وفي أهلِه وأولادِه، وفيمنْ حولَه من أقاربِه وجيرانِه والنَّاسِ من حولِه، حتَّى تُصبحَ حياتُه همًّا وغمًّا، وحتَّى تَنقلبَ هذه الوساوسُ إلى مرضٍ، فيصبحَ أسيرًا لها حتى يكونَ من زائريْ الأطباءِ النفسِّيينَ أو المستشفياتِ النَّفسيةِ؛ للبحثِ عن حلٍّ وعلاجٍ لحالتِه.

علاج الوساوس


من رحمةِ اللهِ -تعالى- أنَّه "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ إِلاَّ وَأَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً, عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ"، ومِنْ أهمِّ ما يدفعُ اللهُ -تعالى- به هذهِ الأدواءَ ما يلي:

  • الإعراضُ عنها، وعدمُ التفكيرِ فيهَا؛ فإنَّه متى لم يلتفت لها لمْ تَثْبتْ، وتذهبْ عنه بعد زمنٍ قليلٍ -بإذنِ اللهِ-، ومن أصغى إليها واسترسلَ معها وعَمِلَ بها؛ فإنَّها تزدادُ حتَّى تُخرجه إلى حيِّزِ المرضى، فأرشد -صلى الله عليه وسلم- من وَردَتْ عليه أن يُعرِضَ عنها ولا يشتغلَ بها ولا يَسترسلَ معها، وأن يستعيذَ باللهِ من الشَّيطانِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يَأْتي الشَّيْطَانُ أحَدَكُمْ فيَقولُ: مَن خَلَقَ كَذَا؟ مَن خَلَقَ كَذَا؟ حتَّى يَقُولَ: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ ولْيَنْتَهِ"، وفي رواية للطبراني: "فليقل: آمنت بالله ورسوله"

  • الإكثارُ من ذكرِ اللهِ -تعالى- وتلاوةِ القُرآنِ: فهو مِنْ أنفعِ العلاجاتِ في دفعِ هذِه الوساوسِ.

  • اللجوءُ إلى اللهِ -تعالى-، والتضرُّع إليه، دعاؤه بأسمائِه وصفاتِه؛ فهو القادرُ على صَرْفِ تلكَ الوساوسِ والخطراتِ، ودفعِ كيدِ الشيطانِ ونزغاتِه.

  • لزومُ قراءةِ آيةِ الكرسيِّ، وسورةِ الإخلاصِ، وسورتي المعوذتينَ، في جميعِ وقتِه.

  • المحافظةُ على أذكارِ الصباحِ والمساءِ، وذكرِ اللهِ -تعالى- في جميعِ أحوالِه.

  • على الجميعِ إعانةُ هؤلاءِ الأشخاصِ مِمَّنْ ابتُلوا بتلكَ الوساوسِ حتَّى يُذهبَ اللهُ عنهم خَطَرهَا وضَرَرهَا، والصَّبرُ على أحوالِهم والرِّفقِ بهم وعدمُ إيذائِهم بألفاظٍ أو أفعالٍ تغضبُهم، وإشعارُهم بأنَّهم على خيرٍ, وأنَّ ذلك ابتلاءٌ وامتحانٌ من اللهِ -تعالى-, وسوفَ يُعافونَ منه بإذنِ اللهِ وكرمِه.

لا تنس ذكر الله
لا إله إلا الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية