بركة الرزق

بركة الرزق

بركة الرزق


نعم الله لا تحصى


إن الله أنعم علينا بنعم عظيمة، ومنن جليلة كريمة، نعم لا تعدّ ولا تحصى، ومننٍ لا تكافأ ولا تجزَى، فما من طرفة عين إلا والعبد ينعم فيها في نعم لا يعلم قدرها إلى اللهُ -جل وعلا-: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[هود: 6].

تكفل الله بأرزاق خلقه


خلق الخلق فأحصاهم عددًا، وقسم أرزاقهم وأقواتهم، فلم ينس منهم أحدًا، فما رَفَعْتَ كف طعام إلى فمك إلا والله كتب لك هذا الطعام قبل أن يخلق السموات والأرض، سبحان من رزق الطير في الهواء، والسمكة والحوت في ظلمات الماء، سبحان من رزق الحية في العراء، والدود في الصخرة الصماء، سبحان من لا تخفى عليه الخوافي، فهو المتكفل بالأرزاق، كتب الآجال والأرزاق، وحكم بها، فلم يعقب حكمه ولم يُردّ عليه عدله، سبحان ذي العزة والجلال مصرف الشؤون والأحوال.

نعمة البركة في الرزق


وإذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه، وكتب له الخير فيما أولاه من النعم، البركة في الأموال والبركة في العيال والبركة في الشؤون والأحوال نعمة من الله الكريم المتفضل المتعال، الله وحده منه البركة ومنه الخيرات والرحمات، فما فتح من أبوابها لا يغلقه أحد سواه، وما أغلق لا يستطيع أحد أن يفتحه.

لذلك إذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه وقوته، إنها البركة التي يصير بها القليل كثيرًا، ويصير حال العبد إلى فضل ونعمة وزيادة وخير، فالعبرة كل العبرة بالبركة، فكم من قليل كثره الله؟ وكم من صغير كبره الله؟ وكم من كثير محقت بركته فأصبح صاحبه لا يهنأ بعيش بسبب محق بركته؟

أسباب الرزق والبركة


وإذا أراد الله أن يبارك للعبد في ماله هيأ له الأسباب، وفتح في وجهه الأبواب.

ومن أعظم الأسباب التي تفتح بها أبواب الرحمات والبركات:

  • تقوى الله -جل جلاله-، تقوى الله التي يفتح الله بها أبواب الرحمات، ويجزل بها العطايا والخيرات: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾[الأعراف: 96].
    الخير كل الخير وجماع الخير في تقوى الله -جل وعلا-، ومن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب، فلن تضيق أرض الله على عبد يتقي الله، ولن يضيق العيش والرزق على من خاف الله واتقاه.

  • الدعاء والالتجاء إلى الله -جل وعلا- من أسباب البركات، ومن الأمور التي يفتح به الله أبواب البركات على العباد فهو الملاذ وهو المعاذ، فإن ضاق عليك رزقك، وعظم عليك همك وغمك، وكثر عليك دينك، فاقرع باب الله الذي لا يخيب قارعه، واسأل الله -جل جلاله-: فهو الكريم الجواد.
    وما وقف أحد ببابه فنحّاه، ولا رجاه عبد فخيبه في دعائه ورجاه، دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا إلى مسجده المبارك، فنظر إلى أحد أصحابه فوجده رجلاً وحيدًا فريدًا، ونظر إلى وجه ذلك الصحابي فرأى فيه علامات الهم والغم، رآه جالسًا في مسجده في ساعة ليست بساعة صلاة، فدنا منه الحليم الرحيم -صلوات الله وسلامه عليه-، وكان بأصحابه أبر وأكرم من الأب بأبنائه، كما وصفه الله- تبارك وتعالى-: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾[التوبة: 128].
    وقف عليه رسول الهدى، فقال: "يا أبا أمامة، ما الذي أجلسك في المسجد في هذه الساعة؟" قال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هموم أصابتني وديون غلبتني، أي: أصابني الهم وغلبني الدين الذي هو همّ الليل وذل النهار، فقال: "ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك وقضى دينك؟" -صلوات ربي وسلامه عليه-، ما ترك باب خير إلا ودلنا عليه، ولا سبيل هدى ورشد إلا أرشدنا إليه، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا عن أمته،: "ألا أدلك على كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك وقضى دينك؟".
    قال: بلى يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "قل إذا أصبحت وأمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".

    قال رضي الله عنه وأرضاه: "فقلتهن فأذهب الله همي، وقضى ديني".
    فالدعاء حبل الله المتين، وعصمة بالله رب العالمين؛ لذلك في كل صلاة نقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة: 5].
    فإذا أراد الله أن يرحم المهموم والمغموم والمنكوب في ماله ودينه ألهمه الدعاء، وشرح صدره لسؤال الله -جل وعلا-، ومن بيده خزائن السموات والأرض إلا الله؟!

  • صلة الأرحام من أسباب البركات ومن الأسباب التي يوسَّع بها على أرزاق العباد، قال: "من أحب منكم أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره وأن يزاد له في عمره فليصل رحمه".
    صِلُوا الأرحام، فإن صلتها نعمة من الله ورحمة يرحم الله بها عباده، أدخل السرور على الأعمام والعمات والأخوال والخالات وسائر الأرحام والقرابات، فمن وصلهم وصله الله وبارك له في رزقه ووسع له في عيشه.

  • النفقات والصدقات، فمن يسر على معسر يسر الله له في الدنيا والآخرة، ومن فرج كربة المكروب فرج الله كربته في الدنيا والآخرة.
    فارحموا يرحمكم من في السماء، والله يرحم من عباده الرحماء، وما من يوم تصبح فيه إلا وملكان ينزلان، يقول أحدهما: "اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا".
    وإذا علم الله من العبد أنه ينفق المال على الضعفاء من الآباء والأمهات والأقارب والجيران من الفقراء والمساكين فتح الله له أسباب الرزق، وذلك مصداق قول الحبيب المصطفى: "وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ؟!".
    يا ابن آدم، أنفق ينفق الله عليك، وارحم الضعفاء يرحمك من في السماء، فرّجوا الكربات، وأغدقوا على الأرامل والمحتاجين، فإن الله يرحم برحمته عباده الراحمين، قال: "يا أسماء، أنفقي يُنفق الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك".
    فمن أنفق لوجه الله ضاعف الله له الأجر؛ فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا الله، ولك الخلف من الله، فما نقصت صدقة من مال.

  • من أسباب الرزق والغيث وكثرة الخيرات والبركات والأمطار -عباد الله -ـ الاستغفار، قال سفيان الثوري: "إذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار".
    وعن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همٍ فرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب"
    ويكفينا قول الله -جل وعلا- على لسان نوح -عليه السلام- لقومه: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾[نوح: 11-14].

الأخذ بالأسباب الشرعية للرزق


ومن الأسباب التي يبارك الله بها في الأرزاق، بل يبارك بها في الأعمار، وفي أحوال الإنسان: العمل والكسب الطيب، الإسلام دين العمل، دين الكسب الحلال الذي يعف الإنسان به نفسه عن القيل والقال، وسؤال الناس، فـ"من سأل الناس تكثرًا جاء يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم" -والعياذ بالله-.

خذ بأسباب الرزق، وابحث عن مظانه تجده -بإذن الله-: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾[الملك: 15].

بسط الله الأرض، وأخرج منها الخيرات والبركات، وجعل الخير في العمل والشر في البطالة والكسل، والإسلام دين الجهاد والعمل، قال يرشدنا إلى فضل الأعمال وما فيها من الخير في الأرزاق: "وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي".

فليست الأرزاق أن يجلس الإنسان في مسجده، فلا رهبانية في الإسلام، فإن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، خذوا بالأسباب واطلبوا الرزق الحلال من أبوابه يفتح الله لكم من رحمته، وينشر لكم من بركاته وخيراته.

الرجل المبارك يسعى على نفسه وأهله وولده، فيكتب الله له أجر السعي والعمل، ليس العمل بعيب ولا عار، فقد عمل أنبياء الله -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، كان نبي الله داود يعمل صنعة لبوس، فكان يعمل في الحدادة، فكانت منة من الله على عباده. ليس بعار أن تكون حدادًا، أو نجارًا.

ولكن العار كل العار في معصية الله -جل وعلا- والخمول والكسل والبطالة، حين يعيش الإنسان على فتات غيره، حين يعيش الرجل على فتات غيره مع أنه صحيح البدن قوي في جسده، فهذا من محق البركة في الأجساد.

فخذوا -رحمكم الله -: بأسباب البركة بالعمل المباح، والكسب المباح، فلن يضيق الرزق -بإذن الله- على من اكتسب، قال صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا وتروح بطانًا".

فأخبر أنها تغدو وتروح، فمن ذهب للرزق يسر الله أمره، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يحتزم أحدكم حزمة من حطب فيحملها على ظهره فيبيعها خير له من أن يسأل رجلا يعطيه أو يمنعه"

إذا المرء لم يكسب معاشًـا لنفسـه
            شكا الفقرَ أو لام الصديق فأكثرا

وصـار على الأدنين كلاً وأوشكت
             صِلات ذوي القربَى له أن تنكَّرا

فسـر فِي بـلاد الله والتمس الغنى
            تعش ذا يسار أو تَموت فتُعـذرا

فما طالب الحاجات من حيث
             يبتغي من الناس إلا مـن أجدّ وشمـرا

ولا ترض من عيش بدون ولا تنم
             وكيف ينام الليلَ من كان معسرا

الدنيا متاع زائل


لا تحزن إذا لم يصبك شيء من متاع الدنيا، فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الآخرة إلا من يحب، وليكن لسان حالك الحمد لله على كل حال، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَتْ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ".

لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية