أبو هريرة رضي الله عنه

أبو هريرة رضي الله عنه

أبو هريرة رضي الله عنه


مقدمة

يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الفتح:29]،
وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».

إخوة الاسلام ، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم - أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ،
وأحسنهم خلقاً وإن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله
لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا.
نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ،
حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى
واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل كان يسمى في الجاهلية "عبد شمس" ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ،وقيل عبد الرحمن بن صخر . إنه الصحابي أبو هريرة ، رضي الله عنه.

لماذا سمي أبو هريرة بهذا الاسم؟

ففي المستدرك للحاكم (عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال :
«كان إسمي في الجاهلية عبد شمس بن صخر فسميت في الإسلام عبد الرحمن وإنما كنوني بأبي هريرة لأني كنت أرعى غنما لأهلي ، وإذا أولاد هرة وحشية فجعلتها في كمي فلما رجعت عنهم سمعوا أصوات الهرة من حجري فقالوا : ما هذا يا عبد شمس ؟ فقلت : أولاد هرة وجدتها قالوا : فأنت أبو هريرة فلزمتني بعد » وكان رسول الله يدعوه أبا هرّ.

إسلام أبو هريرة رضي الله عنه

وقد ولد رضي الله عنه في بادية الحجاز سنة 19 قبل الهجرة، وأمه ميمونة بنت صبيح.
أما عن إسلامه ، فقد أسلم على يد الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي ، وكان عمره حينما أسلم حوالي ست عشرة سنة.
وشهد خيبر ، ومنذ إسلامه لم يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع سنوات وأصبح من أكثر الصحابة رواية لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وتفرغ للعلم ومرافقة النبي صلى الله عليه وسلم
فقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ
إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَلَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا ، ثُمَّ يَتْلُو
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة 159 ، 160]

إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ ، وِإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ ،
وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشِبَعِ بَطْنِهِ وَيَحْضُرُ مَا لاَ يَحْضُرُونَ ، وَيَحْفَظُ مَا لاَ يَحْفَظُونَ .

خدمة رسول الله والعلم بحديثه

وأخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى من طريق الوليد بن رباح أن أبا هريرة قال: قدمت ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بخيبر، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين، فأقمت معه حتى مات أدور معه في بيوت نسائه وأخدمه وأغزو معه وأحجّ،
فكنت أعلم الناس بحديثه، وقد واللَّه سبقني قوم بصحبته، فكانوا يعرفون لزومي له فيسألونني عن حديثه، منهم: عمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، ولا واللَّه لا يخفى عليّ كلّ حديث كان بالمدينة.
وكان حفظ أبي هريرة الخارق من معجزات النبوة. ففي صحيح البخاري (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه
قَالَ إِنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . وَتَقُولُونَ مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ
وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بِالأَسْوَاقِ ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي ، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا ، وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ .

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ : « إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِىَ مَقَالَتِي هَذِهِ ، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلاَّ وَعَى مَا أَقُولُ » .
فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَىَّ ، حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي ، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ .

ولم يكن أبو هريرة رضي الله عنه حافظا للحديث النبوي فحسب، بل كان أيضا حافظا للقرآن الكريم، وهو من القراء المشهورين الذي حفظوا القرآن الكريم وعلَّموه التابعين.

فقد ذكر الذهبي في كتابه طبقات القراء أن أبا هريرة قرأ القرآن على أبي بن كعب، وأخذ عنه القرآن من التابعين فكان أبو هريرة رأسا في القرآن، وفي السنة، وفي الفقه.

ومما يدل على قوة حفظه ما رواه حماد بن زيد قال: حدثني عمرو بن عبيد الأنصاري قال: حدثني أبو الزعيزعة كاتب مروان: أن مروان أرسل إلى أبي هريرة، فجعل يسأله، وأجلسني خلف السرير، وأنا أكتب، حتى إذا كان رأس الحول، دعا به، فأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص، ولا قدَّم ولا أخَّر!!
وقال الذهبي معلقا على هذه القصة: هكذا فليكن الحفظ!!

فقر أبي هريرة رضي الله عنه

وقد كان أبو هريرة قبل أن يسلم يعيش فقيرًا معدمًا في قبيلة بعيدة عن رسول الله ، يقول عن نفسه:
كما في سنن البيهقي وابن ماجة (أن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ
نَشَأْتُ يَتِيمًا وَهَاجَرْتُ مِسْكِينًا وَكُنْتُ أَجِيرًا لاِبْنَةِ غَزْوَانَ بِطَعَامِ بَطْنِي وَعُقْبَةِ رِجْلِي أَحْطِبْ لَهُمْ إِذَا نَزَلُوا وَأَحْدُو لَهُمْ إِذَا رَكِبُوا فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى جَعَلَ الدِّينَ قِوَامًا وَجَعَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ إِمَامًا. )

وبعد هجرته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان رضي الله عنه مع فقراء المسلمين من أهل الصفة فلم يكن ذا مال أو تجارة وكثيراً ما كان يعاني الجوع . وقد روى البخاري (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ آللَّهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ ، وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ ،
وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِى يَخْرُجُونَ مِنْهُ ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ لِيُشْبِعَنِي ، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ لِيُشْبِعَنِي ، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي وَعَرَفَ ، مَا فِي نَفْسِى وَمَا فِي وَجْهِى ثُمَّ قَالَ « أَبَا هِرٍّ »قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « الْحَقْ »
وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ ، فَدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ ، فَأَذِنَ لِي ، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ
فَقَالَ « مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ » . قَالُوا أَهْدَاهُ لَكَ فُلاَنٌ أَوْ فُلاَنَةُ .
قَالَ « أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ « الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي » .
قَالَ وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلاَمِ ، لاَ يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ ، وَلاَ عَلَى أَحَدٍ ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا ، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ ، وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا ،
فَسَاءَنِي ذَلِكَ فَقُلْتُ وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ كُنْتُ أَحَقُّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا ، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - بُدٌّ ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا ، فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ . قَالَ « يَا أَبَا هِرٍّ » . قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ « خُذْ فَأَعْطِهِمْ » . قَالَ فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ رَوِىَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ فَنَظَرَ إِلَىَّ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ « أَبَا هِرٍّ » .
قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ » . قُلْتُ صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « اقْعُدْ فَاشْرَبْ » . فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ . فَقَالَ « اشْرَبْ » . فَشَرِبْتُ ، فَمَا زَالَ يَقُولُ « اشْرَبْ » . حَتَّى قُلْتُ لاَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا . قَالَ « فَأَرِنِى » .
فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى ، وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ.

أثر النبي في تنشئة وتربية أبي هريرة

كان للنبي الأثر الأكبر في تنشئة وتربية أبي هريرة ، فمنذ أن قدم إلى النبي لم يفارقه أبدًا، وفي سنوات قليلة حصّل من العلم عن الرسول ما لم يحصله أحد من الصحابة ، وكان النبي يوجِّهه كثيرًا؛ ويسدي إليه النصائح ، ويخصه بها.

ففي سنن ابن ماجة (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا وَأَحَسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَأَقِلَّ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ».

وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي -صلى الله عليه وسلم- بِثَلاَثٍ بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَىي الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ. )

وفي سنن البيهقي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِثَلاَثٍ ، وَنَهَانِي عَنْ ثَلاَثٍ ، أَمَرَنِي بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَأَنْ لاَ أَنَامَ إِلاَّ عَلَى وِتْرٍ ، وَرَكْعَتَىي الضُّحَى ، وَنَهَانِي عَنْ الاِلْتِفَاتِ فِي صَلاَتِي الْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ ، أَوْ أُقْعِىَ إِقْعَاءَ الْقِرْدِ ، أَوْ أَنْقُرَ نَقْرَ الدِّيكِ. )

وكان الصحابي الجليل أبو هريرة عابدا لله ، يعمل بما يعلم ، فعن أبي عثمان النهدي قال:
( تضيفت أبا هريرة سبعًا، فكان هو وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أَثْلاثًا، يصلي هذا ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا ثم يوقظ هذا ).
وعن عكرمة أن أبا هريرة : كان يسبح في كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة، ويقول: أسبح بقدر ذنبي.

أخلاق أبي هريرة رضي الله عنه

وما تخلق به من أخلاق الصالحين ، فكان من أخلاقه التواضع ، فعن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أن أبا هريرة أقبل في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يومئذٍ خليفة لمروان، فقال: "أَوْسِعِ الطريق للأمير".
وكان ورعا ، يخاف الله ويخشاه ، فعن أبي المتوكل أن أبا هريرة كانت له زنجية فرفع عليها السوط يومًا، فقال: "لولا القصاص لأغشيتك به، ولكني سأبيعك ممن يوفيني ثمنك، اذهبي فأنت لله ".

جهاد أبي هريرة

أما عن جهاد أبي هريرة: فكان ممن شهد غزوة مُؤْتة مع المسلمين؛ يقول : "شهدت مؤتة، فلما دنونا من المشركين رأينا ما لا قِبل لأحد به من العُدَّة والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب، فبرق بصري،
فقال لي ثابت بن أَقْرَم: يا أبا هريرة، كأنك ترى جموعًا كثيرة؟
قلت: نعم. قال: إنك لم تشهد بدرًا معنا، إنا لم ننصر بالكثرة".
ومن أخلاقه رضي الله عنه أنه كان بارا بأمه ، ومن صور بره بها
ما رواه مسلم في صحيحه (حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ

كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ وَهِىَ مُشْرِكَةٌ فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَكْرَهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا أَبْكِى

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ فَتَأْبَى عَلَىَّ فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِىَ أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ ».
فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالَتْ
مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ قَالَ - فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا فَفَتَحَتِ الْبَابَ ثُمَّ قَالَتْ

يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ –

قَالَ - فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِى مِنَ الْفَرَحِ - قَالَ –
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِى هُرَيْرَةَ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا - قَالَ - قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا - قَالَ –

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - يَعْنِى أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ - إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ ».
فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلاَ يَرَانِي إِلاَّ أَحَبَّنِي)

خدمة أبي هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته

> أما عن خدمة أبي هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته:
فكان أبو هريرة رضي الله عنه مقدماً في خدمة النبي صلى الله عليه سلم وأهل بيته، روى أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : كُنَّا نُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْعِشَاءَ فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخَذَهُمَا بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ أَخْذاً رَفِيقاً وَيَضَعُهُمَا عَلَى الأَرْضِ فَإِذَا عَادَ عَادَا حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ أَقْعَدَهُمَا عَلَى فَخِذَيْهِ –
قَالَ - فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرُدُّهُمَا. فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ فَقَالَ لَهُمَا « الْحَقَا بِأُمِّكُمَا ». قَالَ فَمَكَثَ ضَوْءُهَا حَتَّى دَخَلاَ )

وروى البخاري ومسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ - رضى الله عنه - قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ لاَ يُكَلِّمُنِي وَلاَ أُكَلِّمُهُ حَتَّى أَتَى سُوقَ بَنِى قَيْنُقَاعَ ، فَجَلَسَ بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ فَقَالَ « أَثَمَّ لُكَعُ أَثَمَّ لُكَعُ » . فَحَبَسَتْهُ شَيْئًا فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تُلْبِسُهُ سِخَابًا أَوْ تُغَسِّلُهُ ، فَجَاءَ يَشْتَدُّ حَتَّى عَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ ، وَقَالَ « اللَّهُمَّ أَحْبِبْهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ » .
وكان رضي الله عنه لا ينتظر الأجر والثواب إلا من الله سبحانه.

وقد كانت عنده جارية زنجية فأساءت إليه وهمَّ بضربها بالسوط ولكنه تذكر الله سبحانه فقال لها:
«كففت عنك وبعتك لمن سوف يعطيني حقك وأنا أحوج ما أكون إليه اذهبي أنت حرة لوجه الله».

زهد أبو هريرة وطلبه للعلم

كان أبو هريرة زاهداً وطالباً للعلم ، فلما ولي الإمارة قبلها على كره ومضض وحين وليّ أبو هريرة البحرين ادّخر مالا، من مصادره الحلال، وعلم عمر فدعاه الى المدينة..
ولندع أبو هريرة يروي لنا ما حدث بينهما من حوار سريع:
" قال لي عمر: يا عدو الله وعدو كتابه، أسرقت مال الله..؟؟
قلت: ما أنا بعدو لله ولا عدو لكتابه،.. لكني عدو من عاداهما ..ولا أنا من يسرق مال الله..!
قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف..؟؟
قلت: خيل لي تناسلت، وعطايا تلاحقت..
قال عمر: فادفعها الى بيت مال المسلمين"..!!
ودفع أبو هريرة المال الى عمر ثم رفع يديه الى السماء وقال:
اللهم اغفر لأمير المؤمنين"..
وبعد حين دعا عمر أبا هريرة، وعرض عليه الولاية من حديد،
فأباها واعتذر عنها.. قال له عمر: ولماذا؟
قال أبو هريرة: حتى لا يشتم عرضي، ويؤخذ مالي، ويضرب ظهري..
ثم قال: وأخاف أن أقضي بغير علم وأقول بغير حلم..
وكان نائبًا لمروان بن الحكم على المدينة، فإن غاب مروان كان هو الأمير عليها، وكان يحمل حزمة الحطب على ظهره في السوق ويراه الناس.

مواقف أبي هريرة مع الصحابة

ومن مواقف أبي هريرة مع الصحابة:
فمع عمر بن الخطاب:عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب دعاه ليستعمله، فأبى أن يعمل له، فقال: أتكره العمل وقد طلبه من كان خيرًا منك؟! قال: مَن؟ قال: يوسف بن يعقوب عليهما السلام.
فقال أبو هريرة: يوسف نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة ابن أميمة أخشى ثلاثًا أو اثنتين. فقال عمر: أفلا قلت خمسًا؟
قال: أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حكم، وأن يضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي.
ومن مواقف أبي هريرة مع عثمان بن عفان: روى سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: إني لمحصور مع عثمان في الدار.
قال: فرُمِي رجل منا، فقلت: يا أمير المؤمنين، الآن طاب الضراب، قتلوا منا رجلاً. قال عثمان : عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت سيفك؛
فإنما تراد نفسي، وسأقي المؤمنين بنفسي. قال أبو هريرة : فرميت سيفي لا أدري أين هو حتى الساعة.
أيها الموحدون.

وكان أبو هريرة صاحب أثر كبير في كل مَن حوله بما يحمله من كنوز عظيمة، وهي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أسدى للأمة خيرًا عظيمًا بنقله هذا الكمّ الضخم والكبير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد روى عنه الكثير من الصحابة والتابعين، ووصل عددهم إلى ما يزيد على أربعمائة، وورد عنه في الكتب التسعة (البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجه وأحمد ومالك والدارمي) ما يزيد على ثمانية آلاف وسبعمائة حديثٍ.

ولقد ظل أبو هريرة رضي الله عنه يحدث الناس سبعًا وأربعين سنة بعد وفاة النبي ، على مرأى ومسمع من كبار الصحابة والتابعين، ويبلغ الآخذون عنه كما ذكر ذلك البخاري ثمانمائة من أهل العلم،
ولا يعرف أن أحدًا من الصحابة بلغ مبلغه في الآخذين عنه، وكلهم يجمع على جلالته والثقة به، حفظ الكثير من الأحاديث.

وآتاه الله قلبا واعيا وحفظا دقيقا، وعرف بالصدق والإيمان والتقوى والمروءة والأخلاق، وكان يتحمل ألم الجوع حتى لا يفوته شيء من حديث رسول الله .

وكان أبو هريرة رضي الله عنه شديد الخوف من الله، وإنما العلم الخشية، قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].
وعن ميمون بن ميسرة قال: كانت لأبي هريرة صيحتان في كل يوم: أول النهار وآخره، يقول:
( ذهب الليل وجاء النهار، وعرض آل فرعون على النار، فلا يسمعه أحد إلا استعاذ بالله من النار ).

وروى ابن المبارك عن وهيب بن الورد عن سلم بن بشير: أن أبا هريرة بكى في مرضه، فقيل: ما يبكيك؟قال: ما أبكي على دنياكم هذه، ولكن على بعد سفري، وقلة زادي، وأني أمسيت في صعود، ومهبطه على جنة أو نار، فلا أدري أيهما يؤخذ بي؟

وروى ابن سعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه دخل على أبي هريرة وهو مريض فقال: اللهم اشف أبا هريرة. فقال أبو هريرة: اللهم لا ترجعني. قال فأعادها مرتين. فقال له أبو هريرة: يا أبا سلمة إن استطعت أن تموت فمت.

فو الذي نفس أبي هريرة بيده ليوشكن أن يأتي على العلماء زمن يكون الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر. أو ليوشكن أن يأتي على الناس زمان يأتي الرجل قبر المسلم فيقول: وددت أني صاحب هذا القبر.

وروى مالك عن المقبري قال: قال أبو هريرة في مرضه الذي مات فيه: اللهم إني أحب لقاءك، فأحب لقائي.
وروى ابن سعد عن سعيد قال: لما نزل بأبي هريرة الموت قال:
لا تضربوا على قبري فسطاطا ولا تتبعوني بنار فإذا حملتموني فأسرعوا، فإن أكن صالحا تأتون بي إلى ربي، وإن أكن غير ذلك فإنما هو شيء تطرحونه عن رقابكم.

وفاة أبي هريرة رضي الله عنه

ونأتي إلى الخاتمة ،نأتي إلى وفاة أبي هريرة رضي الله عنه:
فقد مات رضي الله عنه سنة سبع وخمسين للهجرة عن ثمان وسبعين سنة، صحب الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة أعوام، وعاش بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم 47 عاما داعيا إلى الله، معلما للقرآن والسنة، عاملا بعلمه، مجتهدا في عبادة الله ذكرا وصلاة وصياما وقراءة للقرآن وتعليما،
فرحمه الله ورضي عنه، وجزاه عن المسلمين خيرا بما حفظ من سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
روى ابن سعد عن نافع قال: كنت مع عبد الله بن عمر في جنازة أبي هريرة وهو يمشي أمامها ويكثر الترحم عليه ويقول:
كان ممن يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين.
ودفن رضي الله عنه بالبقيع بعدما ملأ الأرض علمًا.

وفي الختام:
نسأل الله أن ينفعنا بكتابه وسنة رسوله، وأن يعلمنا الحكمة والتفسير، وأن يفقهنا في الدين، وأن يجعلنا من المعتصمين بكتابه والمتمسكين بسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يوفقنا لاتباع سبيل المؤمنين من المهاجرين والأنصار، وجميع الآل والأصحاب، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم المعاد. قال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

اللّهمّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية