تكريم المرأة

تكريم المرأة

تكريم المرأة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم


الخطبة الأولى:

كلما اقترب الثامن من مارس، إلا وكثر الحديث عن المرأة وتعالت أصوات منظمات وجمعيات تدعي الدافع عن المرأة وتطالب بسن قوانينَ وتشريعاتٍ تضمن للمرأة حقوقها وكرامتها.

ومن هذا المنطلق رأيت من الضروري أن يكون موضوع هذه الخطبة: تكريم المرأة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

فدواعي الحديث عن المرأة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مهم لأسبابٍ عديدة، أذكر أهمها:

الأسوة ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21] .. فالنبي صلى الله عليه وسلم هو موضع القدوة والأسوة، وكل مسلم ينبغي له أن يعرف ما كان عليه صلى الله عليه وسلم في حياته الخاصة والعامة، فيحرص على التأسي به ما استطاع، وبهذا نستطيع أن نتخلص من كثيرٍ من الأمراض والأخطاء الموجودة في مجتمعنا.

المتأمل لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، يجدها حافلة بالمشاهد والمواقف التي تؤكد عظمته صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المرأة.

وإليكم بعضا من هذه المواقف:

اقتضت حكمة الله ومشيئته أن تكون أولية الإخبار بالدعوة موجهة لامرأة متمثلةً في شخص أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها لما جاءها الرسول صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده من غار حراء، ودخل عليها وهو يقول:(زملوني زملوني) فزملته، أي لفته، حتى إذا هدأ روعه واطمأنت نفسه، أخبرها الخبر وهو نزول الوحي عليه.

لقد كان بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخبر أحدا من الرجال، لكن الله أراد أن يرفع مكانة المرأة وأن تكون المرأة في موضع التكريم، وموضوع الأولوية في الإخبار بالدعوة.

ثم تكون خديجة أول من آمن وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم واتبعه، وهذا تكريم ثان للمرأة بعد التكريم الأول.

ثم هناك تكريم ثالث للمرأة وهو:

أن أول من نصر الدعوة ودافع عنها امرأة، وقد تحقق هذا أيضاً في قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها لما أخذت تهدئ من روعه وتردد على مسامعه تلك الكلمات الرقيقة: "كلا والله ما يخزيك الله أبدأ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم -الفقير- وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".

ولم تكتف أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بالنصر القولي، بل نصرت الرسول صلى الله عليه وسلم ماديا فواسته بمالها، وعملياً بأن أخذته إلى ورقة بن نوفل ليجد الرسول صلى الله عليه وسلم الطمأنينة والوعد بالنصر من الله سبحانه وتعالى.

فتكونُ المرأة أول من يفوز بهذا السبق العظيم، فتصبح أولَ من أُخبر بالدعوة وأولَ من آمن وأولَ من نصر الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً.

ومن التكريم:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرد قبيلة كاملة من أرضها بسبب التعدي على امرأة.

امرأة من المسلمين قدمت إلى سوق بني قينقاع، وجلست إلى أحد الصاغة اليهود تبيع وتشتري منه، فجعل اليهود يريدونها على كشف وجهها، ورفضت المرأة المسلمة ذلك، فجاء أحد اليهود من خلفها وربط طرف ثوبها برأسها دون أن تشعر، وعندما وقفت انكشفت المرأة فصرخت فجاء أحد المسلمين وقتل اليهوديَ الذي فعل ذلك، فاجتمع اليهود على المسلم فقتلوه.. ولما بلغ الرسولَ صلى الله عليه وسلم الخبر، أخرج هذه القبيلةَ اليهوديةَ بكاملها لسبب قد نراه اليوم بسيطا، لكنه عند الرسول صلى الله عليه وسلم عظيم، وهو التطاول على المرأة المسلمة والتعدي على كرامتها.

ومن التكريم:

امرأةٌ عجوز، جاءت تشكو زوجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت وانقطع ولدي مني، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُنصت لها ويَسمع شكواها بكل تواضع ورحمة.

فماذا كان رد الفعل لهذه الشكوى من هذه المرأة العجوز؟

فما برحت من مكانها حتى نزل الوحي من الرب جل وعلا: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ... ﴾ [المجادلة: 1]، لِيُخَلَّدَ هذا الموقف العظيم، وتُعلنُ هذا الآيات الكريمة، ليس الرسول لوحده الذي استمع لهذه المرأة وتواضع لها، وإنما رب العالمين جل شأنه من فوق سبع سموات سمع شكوى هذه المرأة الضعيفة المسكينة وبين الحل لشكواها، وطريقةَ عودةِ زوجها إليها.

كان بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخبرها بحل المشكلة، لكن التكريم العظيم للمرأة جاء في إنزال هذه الآيات لكي يتلوها الناس فيتذكروا تلك المرأة التي يحتقرها البعض ويظن أن احتقارها من الدين.

جاء القرآن الكريم ليؤكد أن المرأة مهما كانت كبيرةً أو ضعيفة فالإسلام نصيرٌ لها يحميها، ويرفع مكانتها ويصونُها بما لا تجده في أي مجتمع من المجتمعات.

وليس هذا فحسب، بل إنه صلى الله عليه وسلم كان يقدر رأي المرأة في أمور تخص شؤون المسلمين بصفة عامة.

فسيد الأولين والآخرين ورسول الله إلى الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم، يأخذ برأي امرأة ولا يستنكف في ذلك، ولا يراه شيئا يعيب رجولته، ولا يجد فيه ما يغضُّ من مكانته كنبي عظيم ورسول كريم وقائد أمة.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ برأي امرأة ويراه صائبا ليعلمنا مكانة المرأة، وقيمة رأيها، واحترامه وِجهة نظرها، وأن أولئك الذين يستهينون برأي المرأة ويعتبرون استشارتها والنزول على رأيها والأخذ به عيبا كبيرا يطعن في الرجولة ويتنافى مع الفحولة. فهؤلاء لا يمكن أن يُنسب فعلهم للدين فديننا كرم رأي المرأة واحترمها.

تذكر الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من كتابة صلح الحديبية، أَمَرَ أصحابه بالتحلل من إحرامهم، بأن يحلِقوا رؤوسهم ويذبحوا هديهم، فلم يقُمْ منهم أحد، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمته والغضب الشديد ظاهر في وجهه، فسألته أم سلمة عما به، فقال لها: (هلك المسلمون، أمرتُهم أن ينحَروا ويحلِقوا فلم يفعلوا)، فقالت يا رسول الله: لا تَلُمْهُمْ فإنهم قد داخَلَهُم أمرٌ عظيم مما أدخَلْتَ على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح.. ثم أشارت عليه أن يخرجَ ولا يكلمَ أحدا منهم ويَنْحَرَ بُدْنَهُ ويحْلِقَ رأسه، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم كما قالت، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وحلقوا، حتى كاد بعضهم أن يقتل بعضا من شدة مسارعتهم لفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.

الخطبة الثانية:

فهل بعد ذلك يقول قائل إن الإسلام لم يقدر المرأة؟

النبي صلى الله عليه وسلم منذ بعثته جاء لإحياء هذا الكيانَ المستضعف ألا هو المرأة التي ظُلمت واضطهدت، وامتُهنت كرامتها وسُلبت إرادتها وحريتها فرفع الظلم والحيف عنها وأنزلَها المنزلة اللائقة بها، فصانَ كرامتها، وأرجعَ لها حقوقها المسلوبة، وأنقذَها من الظلم الذي لحقها.. حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والله إن كنا في الجاهلية ما نعدُّ للنساء أمرا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسَم لهن ما قسم".

وليس صحيحا كما يشاع ويذاع ويعلن أن المجتمعات الغربية ومن يسير على خطاهم، قد حرروا المرأة.. اللهم إلا إذا كان هذا التحرر من الفضيلة والحياء والالتزام بالحشمة في حضارة تُقر وتشجع البغاء والرقيق الأبيض، وتَشيع الفاحشة والرذيلة وتُرسخ في أذهان الناس ضياع كرامة المرأة.

لا تنس ذكر الله
لا حول ولا قوة إلا بالله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية