حد الحرابة في الإسلام

حد الحرابة في الإسلام

الحرابة في الإسلام


ما هي الحرابة ؟

الحرابة من المنكرات العظيمة، وهي قطع الطريق، والخروج على الناس بالسلاح لأخذ أموالهم، هذه يقال لها: حرابة، يقال لهم: قطاع الطريق، ويقال لهم: المفسدون في الأرض.

وهم يخرجون على الناس بالسلاح، بأنواع السلاح، ولو بالعصي في البلد، أو في الطرقات، والفلاوي الصحراء، يتعرضون لهم بالسلاح، أو بالعصي، أو بأيديهم على الصحيح، حتى ولو بأيديهم -إذا كان ما في أيديهم سلاح- ولو بأيديهم بالقوة، فيأخذون أموال الناس بالقوة.

ويُلحقُ بالحرابة: كلُّ جريمةٍ يُقصد بها الإفسادُ في الأرض، وترويعُ الآمنين، فيدخل في وصف الحرابة: قطَّاعُ الطُّرقِ، والقراصنةُ، وعصاباتُ الخطفِ والسّطوِ، و(التشبيح)، و(التشليح)، و(التشويل).

ما هو حد الحرابة في الإسلام؟

لكونِ الحرابةِ مما يتعلّقُ بحفظِ الضّرورياتِ التي لا قوامَ لحياةِ النّاسِ إلا بها مِن النّفوسِ والأعراضِ والأموالِ، ولارتباطِها بحقوقِ العبادِ فهي مِن الحدودِ التي ينبغي تعجيلُها وإقامتُها؛ لتستقيم أمورُ النّاسِ، وتنتظمَ حياتُهم، وتتحقّقَ مصالِحُهم، إلا إذا ترتّب على إقامة الحدّ مفسدةٌ أعظمُ مِن تركِه.
لذا على ولي الأمر أن يعامل مرتكب الحرابة بما ذكره الله في كتابه في قوله سبحانه: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۝ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم﴾ [المائدة:٣٣، ٣٤].

ذكر الله عزّ وجلّ في الآية ٣٣ من سورة المائدة أربعَ عقوباتٍ معطوفةٍ بحرف "أو "الدّالِّ على التّنويعِ والتّقسيمِ، لا التخييرِ عند أكثر العلماءِ، وهي:

١-القتل.
٢- الصّلب: وهو رفعُهم بعد القتلِ على مكانٍ عالٍ؛ ليراهم مَن حضرهم مِن النّاسُ، ويشتهر أمرُهم في المجتمع الذي روّعوه فيكون رادعًا لغيرهم.
٣-قطع الأيدي والأرجل مِن خِلافٍ: فتُقطعُ اليدُ اليمنى مِن مفصل الكف، والرِّجلُ اليسرى مِن مفصل القدم.
٤-النّفي مِن الأرض: بإبعادهم وطردهم مِن بلدانهم حتى تُعلَم توبتُهم، ويقومُ السّجنُ مَقام النّفيِ إن لم يكن في النفي عقوبةٌ لهم، أو كان مظِنةً للهروب مِن العقوبة.

ويختلف حكمُ المحاربين بحسب اختلاف جرائمهم، فإذا قَتلوا وأَخذوا المالَ قُتلوا وصُلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المالَ قُتلوا ولم يُصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يَقتلوا، قُطعت أيديهم وأرجلُهم مِن خلافٍ، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نُفوا مِن الأرض.

قال الكاساني في "بدائع الصّنائع": "لا يُمكن إجراءُ الآيةِ على ظاهرِ التّخيير في مُطلقِ المحاربِ؛ لأنَّ الجزاءَ على قدْرِ الجنايةِ يزدادُ بزيادةِ الجنايةِ، وينتقصُ بنقصانها، هذا هو مقتضى العقلِ والسّمعِ أيضاً، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وجزاءُ سَيئةٍ سَيئةٌ مِثلُها﴾ [سورة الشورى: ٤٠]".

وهذا القول مرويٌ عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، وبه أخذ جمهورُ العلماء .

قال ابنُ تيمية: "وهذا قولُ كثيرِ مِن أهلِ العلم ... فمَن كان مِن المحاربين قد قَتل، فإنه يَقتله الإمامُ حدّاً، لا يجوز العفوُ عنه بحالٍ بإجماعِ العلماءِ، ذكره ابنُ المنذر، ولا يكون أمرُه إلى ورثةِ المقتول".

هل يطبق حد الحرابة على الجميع ؟

يُطبّقُ حدُّ الحرابةِ على جميع المحاربين البالغين مِن الرِّجال والنِّساء، باعتدائهم على المعصومين مِن المسلمين، أو الذّمّيين، أو المستأمنين، لا فرقَ في ذلك بين مَن باشر القتلَ والسّرقةَ، والترويعَ بنفسِه، أو كان مُعينًا له يحميه ويناصره.

قال ابنُ قدامةَ في "المغني": "لأنَّ المحاربةَ مبنيةٌ على حصولِ المنَعةِ والمعاضدةِ والمناصرة، فلا يتمكنُ المباشِرُ مِن فعلِه إلا بقوة الرِّدْءِ [المعاونة والمساندة]، بخلاف سائرِ الحدودِ. فعلى هذا، إذا قتل واحدٌ منهم، ثبت حكمُ القتلِ في حقِّ جميعِهم، فيجب قتلُ جميعِهم. وإن قتل بعضُهم، وأخذ بعضُهم المالَ، جاز قتلُهم وصلبُهم، كما لو فعل الأمرين كلُّ واحدٍ منهم".

وقال ابنُ تيمية في "مجموع الفتاوى": "وإذا كان المحاربون الحراميّةُ جماعةً فالواحدُ منهم باشرَ القتلَ بنفسِه، والباقون له أعوانٌ وردءٌ له، فقد قيل: إنه يُقتل المباشرُ فقط، والجمهورُ على أنَّ الجميعَ يُقتلون، ولو كانوا مائةً، وأنَّ الرِّدْءَ والمباشرَ سواءٌ، وهذا هو المأثورُ عن الخلفاء الراشدين.. ولأنَّ المباشرَ إنما تمكن مِن قتلِه بقوةِ الرِّدءِ ومَعونته. والطائفةُ إذا انتصر بعضُها ببعضٍ حتى صاروا ممتنعين فهم مشتركون في الثواب والعقاب كالمجاهدين".

هل يقام الحد الحرابة على التائب ؟

مَن تاب مِن المُحاربين قبل القبضِ عليه: سقط عنه الحدُّ ؛ لقوله تعالى: ﴿إلا الذين تابوا مِن قَبلِ أن تَقدِروا عليهم فاعْلمُوا أنَّ اللهَ غَفورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: 34 ]، فيسقط عنهم بهذه التّوبةِ: تحتُّمُ القتلِ، وقطعِ اليد والرجل، والنَّفيِ والصَّلب
وأمّا حقوقُ الآدميين: فلا تَسقط بل يُعاقب كلُّ واحدٍ بحسب جُرمه.

قال الماورديُّ في "الأحكامِ السُّلطانية": "فإن تابوا قبلَ القدرةِ عليهم سقطتْ عنهم مع المآثمِ حدودُ الله سبحانه، ولم تسقط عنهم حقوقُ الآدميينَ، فمَن كان منهم قد قتلَ فالخيارُ إلى الوليِّ في القِصاصِ منه، أو العفوِ عنه، ويسقط بالتوبة إحتامُ قتلِه، ومَن كان منهم قد أخذ المالَ سقط عنه القطعُ، ولم يسقط عنه الغُرمُ إلا بالعفوِ".

وقال ابنُ قدامة في "المغني": "فإن تابوا مِن قبل أنْ يُقدر عليهم، سقطت عنهم حدودُ الله تعالى، وأُخذوا بحقوق الآدميين، مِن الأنفسِ، والجراحِ، والأموالِ، إلا أنْ يُعفى لهم عنها، لا نعلم في هذا خلافًا بين أهلِ العلم".

أمّا بعدَ القدرة على المحارب وثبوت الجرم عليه: فلا تنفعه التوبةُ، ولا عفوُ أولياءِ الدّم.

قال ابنُ قدامةَ في "المغني": "لا يدخله عفوٌ، أجمع على هذا كلُّ أهلِ العلمِ".

وقال البغوي في "معالم التنزيل": "أَمّا مَن تابَ بعدَ القُدرةِ عليهِ: فلا يَسقُطُ عنهُ شيءٌ مِنها".

وقال ابنُ القيّم "إعلام الموقعين": "والحدودُ لا تَسقطُ بالتّوبةِ بعد القُدرةِ اتّفاقًا".

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية