ذو الْـحِجَّةِ وَفَضْلُهَا

ذو الْـحِجَّةِ وَفَضْلُهَا

ذو الْـحِجَّةِ وَفَضْلُهَا


موسم الحج

مواسِمُ خيرٍ تتبعُهَا مواسِمُ، وهَا نحنُ علَى مشَارِفِ مَوْسِمٍ عظِيمٍ، وهُوَ مَوْسِمُ الحَجِّ؛ وَالْعَشْرُ الْأَوَائِلُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ عَلَى الأَبْوَابِ، وَالعملُ فيهَا عظيمٌ؛ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

العمل في عشر ذي الحجة أفضل من جهاد مجاهد

انْظُرْ أخي القارئ مَعَ عِظَمِ الجِهَادِ عِنْدَ اللهِ؛ إلاَّ أنَّ عَمَلَ العَامِلِ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ أفضلُ مِنْ جِهَادِ مُجَاهِدٍ فِي بقيةِ شُهُورِ العامِ، بِلْ والعملُ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ أفضلُ مِنْ أنواعٍ متعددةٍ مِنَ الجِهَادِ، إلاَّ الجهادَ الذِي اِسْتَثْنَاهُ النَّبِيُّ - صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: "مَنْ عُقِرَ جَوادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ"،

نماذج للعمل الصالح في هذه الأيام

نَمَاذجُ للعملِ الصالحِ الذِي يُمكِنُ أنْ يُؤديَهُ المُسلِمُ فِي الأيَّامِ العشر من ذي الحجة :

  • أولاً: الْحَجُّ: قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 27، 28]، فِالحَجُّ أَعْظَمُ الأَعْمَالِ التِي تُؤدَى فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وهُوَ ركنٌ مِنْ أركانِ الإسلامِ، قَالَ - صَلَى اللهُ عليهِ وَسَلمَ -: "مَنْ حَجَّ للهِ فلمْ يَرْفُثْ ولمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كيومِ ولدَتْهُ أُمُّهُ" وقالَ – صَلَي اللهُ عليهِ وسلَمَ -: "أفضلُ الجهادِ حجٌّ مبرورٌ" والحديثانِ في صَحيحِ البخاريِّ.

  • ثانيًا: التَّكبِيرُ: حيثُ أمرَ اللهُ سبحانَهُ أنْ يذكرُوهُ فِي أيَّامٍ معلوماتٍ، وجماهيرُ أهلِ العلمِ عَلَى أنَّ هَذِهِ الأيَّامَ المعلوماتِ هِي العشرُ الأوائِلُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، ولِذَا كانَ الصَّحَابَةُ –رِضْوانُ اللهِ عليهِمْ- مِنْ السَّابِقِينَ إلى الخيرِ، حيثُ روَى البخاريُّ فِي صَحِيحِهِ عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ قالَ: هُنَّ أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: «يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا». رواهُ البخاريُّ.

  • ثالثًا: الصِّيامُ: ومنَ الأعمَالِ العظيمَةِ التِي تُؤدَّى فيهَا الصِّيامُ وخاصَّةً صيامُ يومِ عَرفةَ لقولِهِ – صَلَى اللهُ عليه وَسَلَّمَ - "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ " رواه مسلمٌ. وكذلكَ صيامُ بقيَّةَ أيامِ العشرِ؛ لأنَّ الصيامَ منْ الأعمالِ الصالحةِ وأمَّا استدلاَلُ البعضِ بعدمِ استحبابِ صيامِ العشرِ لِمَا رَوَاهُ الإمَامُ مسلمٌ مِنْ قولِ عائشةَ - رَضِيَ اللهُ عنهَا -: "مَا رَأيتُ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- صَائِمًا العَشْرَ قَط" فلا يُفهمُ منهُ عدمُ صِيامِ العشْرِ عَلَى إطلاقِهِ لسببينِ:

    الأول: حَثَّ الرسولُ علَى صيامِ يومِ عَرَفَةَ لغيرِ الحَاجِّ، وهُوَ منَ العشرَ قطعًا، فدلَّ علَى عدمِ أخذِ حديثِ عائشةَ على إِطْلاقهِ.

    الثانِي: ما أَوْرَدَهُ أبو داوودَ عَنْ بعضِ أزواجُ النَّبِيِّ - صَلَى اللهُ عليهِ وَسلم - أنَّهُ - صَلَى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - "كانَ لا يَدَعُ صِيامَ تسعِ ذِي الحِجَّةِ" فيُفهَمُ مِنْ حدِيثِ عائشةَ -جَمْعًا بينهمَا- أنَّهُ مَا صَامَ جميعَ أيـَّامِ العَشْرِ، وليسَ المقصودُ أنَّهُ مَا صَامَ مِنَ العشرِ شيئًا، ومعلومٌ أنَّ الصيامَ منْ أحبِّ الأعمالِ إلَى اللهِ فهُوَ دَاخِلٌ فِي الأعمَالِ الصَّالِحَةِ التِي يُحِبُّهَا اللهُ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ.

  • رابعًا: نَحْرُ الأضَاحِي: ومِنَ الأَعْمَالِ الصَّالحَةِ فِي الْعَشْرِ نَحْرُ الأَضَاحِي،حيثُ ضَحَّى رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ،فَفِي صَحِيحِ البخاريِّ عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «وَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا، وَضَحَّى بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ» والعجيبُ أنَّ فِئَةً مِنَ النَّاسِ قَدْ أمَاتُوا هَذِهِ السُّنَّةَ عِنْدَ أولادِهِمْ، فظَنُّوا أنَّ المقصودَ بالأُضْحِيةِ هُوَ اللحمُ فقط؛ فَيُوكِلُون مَنْ يَذْبَحُهَا عنهُم فِي الخَارِجِ؛ ومَعَ صِحَّةِ هَذَا الفعلِ؛ إلا أنَّهُ خِلافُ السُّنَّةِ، فمِنَ السُّنَّةِ أنْ تَطْعَمَ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيتِكَ، كمَا أنَّ منَ السُّنَّةِ أنْ تنحَرَهَا بيدِكَ، وفي هذا الفعلِ حِرمَانٌ للأبنَاءِ مِنْ الاقتداءِ بِالآبَاءِ؛ فإنَّ عيدَ النَّحْرِ يَمُرُّ عليهِمْ وَلا يَشْعُرُونَ بأنَّهُ عِيدٌ، فمَنْ كانَتْ عندَهُ أكثرُ منْ أُضحيةٍ؛ فيُمْكِنُ أنْ يذْبَحَ هُنَا، ويُوكِلَ هُناكَ إذَا أَصَرَّ.ويجبُ على منْ أرادَ الأضحيةَ قبلَ دخولِ هذِهِ الأيامِ ألاَّ يأخذَ منْ شعرِهِ ولا منْ أظفارِهِ شيئاً حتى يضحِيَ؛ لمَا ثبتَ في الحديثِ الصحيحِ الذِي أخرجَهُ الإمامُ مسلمٌ في صحيحِهِ؛ قالَ رسولُ اللهِ صلَى اللهُ عليهِ وسلمَ: « منْ كانَ لهُ ذِبْحٌ يذبَحُهُ؛ فإذا أهلَّ هلالُ ذِي الحجةِ؛ فلا يأخُذَنَّ منْ شعرِهِ، ولا أظفارِهِ شيئاً؛ حتى يضحِيَ».

  • خامسَا: الصَّدَقةُ: فإنَّ الصَّدَقَةَ منْ العملِ الصالحِ، الذِي حثَّ النَّبيُّ عليهِ في العشرِ، وقدْ شُرِعَتْ الصدقةُ لغرضينِ جليلينِ:
    أحدُهُمَا: سَدُّ خَلَّةِ المسلمينَ وحاجتِهِمْ.
    والثَّانِي: معونَةُ الإسلامِ وتأييدُهُ، وقدْ جاءَتْ نصوصٌ كثيرةٌ، وآثارٌ عديدةٌ؛ تبينُ فضائِلَ هذِهَ العبادةِ الجليلةِ وآثارَهَا، وتُوجِدُ الدوافعَ لدَى المسلمِ للمبادرةِ بفعلِهَا، ومَا أكثرَ الفقراءَ وَالْمَسَاكِينَ، خَاصَّةً وَقَدْ تَعَارَفَ النَّاسُ عَلَى حَصْرِ صَدَقَاتِهِمْ فِي رَمَضَانَ،وهَذَا خطأٌ، أَلَا فَبَادِرُوا بِالصَّدَقَةِ فِي هذِهِ الْعَشْرِ.. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية