سعد بن معاذ

سعد بن معاذ

سعد بن معاذ


سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري سيد الأوس في عامه الواحد والثلاثين أسلم ، واستشهد في عامه السابع والثلاثين وبينهما قضى سعد بن معاذ زعيم الأنصار أياما شاهقة في خدمة الله ورسوله.

إسلام سعد بن معاذ

أرسل الرسول ﷺ مصعب بن عمير الى المدينة ليعلم المسلمين الأنصار الذين بايعوا الرسول في بيعة العقبة الأولى ، وليدعو غيرهم الى الايمان ، ويومئذ كان يجلس أسيد بن حضير وسعد بن معاذ وكانا زعيمي قومهما يتشاوران بأمر الغريب الآتي ، الذي يدعو لنبذ دين الأباء والأجداد وقال سعد : «اذهب الى هذا الرجل وازجره » وحمل أسيد حربته وذهب الى مصعب الذي كان في ضيافة أسعد بن زرارة وهو أحد الذين سبقوا في الاسلام ، وشرح الله صدر أسيد للإسلام ، فأسلم أسيد من غير ابطاء وسجد لله رب العالمين.

وعاد أسيد الى سعد بن معاذ الذي قال لمن معه : «أقسم ، لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به » وهنا استخدم أسيد ذكاءه ليدفع بسعد الى مجلس مصعب سفير الرسول لهم ، ليسمع ما سمع من كلام الله ، فهو يعلم بأن أسعد بن زرارة هو ابن خالة سعد بن معاذ ، فقال أسيد لسعد : «لقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا الى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، وهم يعلمون أنه ابن خالتك » وقام سعد وقد أخذته الحمية ، فحمل الحربة وسار مسرعا الى أسعد حيث معه مصعب والمسلمين ، ولما اقترب لم يجد ضوضاء ، وانما سكينة تغشى الجماعة ، وآيات يتلوها مصعب في خشوع ، وهنا أدرك حيلة أسيد.
ولكن ما كاد أن يسمع القرآن حتى شرح الله صدره للاسلام ، وأضاء بصيرته ، فألقى حربته بعيدا وبسط يمينه مبايعا ، وأسلم لرب العالمين ، فلمّا أسلم قال سعد لبني عبد الأشهل : «كلامُ رجالِكم ونسائِكم عليّ حرام حتى تُسلموا » فأسلموا ، فكان من أعظم الناس بركةً في الإسلام.

غزوة بدر

جمع الرسول ﷺ أصحابه المهاجرين والأنصار ليشاورهم في الأمر ، وكان يريد معرفة موقف الأنصار من الحرب ، فقال سعد بن معاذ : «يا رسول الله ، لقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لصبر في الحرب ، صدق عند اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله » فسر الرسول ﷺ وقال : «سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر الى مصارع القوم ».

غزوة الخندق

في غزوة الخندق اهتم الرسول ﷺ برأي الأنصار بكل خطوة يخطيها لأن الأمر يجري كله بالمدينة ، فكان يستشير سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج بكل الأمور التي تجد لقد سمع الرسول ﷺ والمسلمين بأن بني قريظة قد نقضوا عهدهم ، فبعث الرسول ﷺ سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وقال لهم : «انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ؟ فان كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ، ولا تفتوا في أعضاد الناس ، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس »
فخرجوا حتى أتوهم ، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم ، وقالوا : «من رسول الله ؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد » فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه فقال له سعد بن عبادة : «دع عنك مشاتمتهم ، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة » ثم أقبلا على الرسول ﷺ فسلموا وقالوا : «عضل والقارة » أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع فقال رسول الله ﷺ : « الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين» ، تفاوض الرسول ﷺ مع زعماء غطفان فأخبر سعد بن معاذ وسعد بن عبادة في ذلك فقالا له : «يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه ، أم شيئا أمرك الله به لابد لنا من العمل به ، أم شيئا تصنعه لنا ؟» قال الرسول : «بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما »فقال له سعد بن معاذ : «يا رسول الله ، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرىً أو بيعاً ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا ! والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم » قال الرسول ﷺ:، «فأنت و ذاك » فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال : «ليجهدوا علينا» .

إصابة سعد بن معاذ

شهدت المدينة حصارا رهيبا ، ولبس المسلمون لباس الحرب وخرج سعد بن معاذ حاملا سيفه ورمحه ، فعن السيدة عائشة أنها كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق ، وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن ، وذلك قبل أن يُضرب الحجاب عليهن ، فمرّ سعد وعليه درعٌ مقلّصة قد خرجت منها ذراعه وفي يده حربة وهو يقول : «لبِّث قليلاً يَلْحَقِ الهَيْجَا حَمَـلْلا بأس بالموتِ إذا حانَ الأجـلْ » فقالت أم سعد : «الْحَقْ يا بُنيّ قدْ واللـه أخرت » فقالت عائشة : «يا أم سعد لوددتُ أنّ درعَ سعد أسبغ ممّا هي فخافت عليه حين أصيب السهم منه».

وفي إحدى الجولات أصابه سهم في ذراعه من المشركين ، من رجل يُقال له ابن العَرِقة ، وتفجر الدم من وريده وأسعف سريعا ، وأمر الرسول ﷺ أن يحمل الى المسجد وأن تنصب له خيمة ليكون قريبا منه أثناء تمريضه ، ورفع سعد بصره للسماء وقال : «اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها ، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجهادهم من قوم أذوا رسولك ، وكذبوه وأخرجوه ، وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم ، فاجعل ما أصابني اليوم طريقا للشهادة ، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة » وكان بنو قريظة مواليه وحلفاءَه في الجاهلية.

الرسول يحكم سعد في بني قريظة

أتى الرسول ﷺ بني قريظة بعد الخندق مباشرة ، وحاصرهم خمساً وعشرين ليلة ، ثم حكّم الرسول ﷺ سعد بن معاذ ببني قريظة ، فأتاه قومه ( الأوس ) فحملوه وأقبلوا معه الى الرسول ﷺ وهم يقولون : «يا أبا عمرو ، أحسن في مواليك فإن الرسول إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم » حتى دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال : «قدْ آنَ لي أن لا أبالي في الله لَوْمَةَ لائِمٍ».

فلما أتوا الرسول ﷺ قال الرسول : «قوموا إلى سيدكم » فقاموا إليه فقالوا : «يا أبا عمرو ، إن رسول الله ﷺ قد ولاك أمر مواليـك لتحكم فيهم » فقال سعد : «عليكم بذلك عهد اللـه وميثاقه أن الحكم فيهم لما حكمـت ؟» قالوا : « نعـم »قال : «وعلى مـن هـاهنـا ؟» في الناحية التي فيها رسول الله ﷺ وهو معرض عن رسول الله إجلالا له ، فقال الرسول ﷺ : «نعم » قال سعد : «فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال ، وتقسم الأموال ، وتسبى الذراري والنساء» قال الرسـول ﷺ : «لقد حكمت فيهم بحكم اللـه من فوق سبعة أرقعة » ونفذ الرسول الكريم حكم سعد بن معاذ فيهم .

وفاة سعد

فلما انقضى أمر بني قريظة انفجر بسعد جرحه ، واحتضنه رسول اللـه ﷺ فجعلت الدماء تسيل على رسول اللـه ، فجاء أبو بكر فقال : «وانكسارَ ظَهْراهْ » فقال الرسـول ﷺ : «مَهْ» فقال عمر : «إنا لله وإنا إليه راجعون».
وقد نزل جبريل إلى النبي ﷺ فقال : «يا نبيّ الله مَنْ هذا الذي فُتِحَتْ له أبواب السماء واهتزَّ له العرش ؟» فخرج رسول الله ﷺ مسرعاً يجرّ ثوبه ، فوجد سعداً قد قَبِضَ.

جنازة سعد بن معاذ

مات سعد شهيداً بعد شهر من إصابته ، ويروى أن سعدا كان رجلا بادنا ، فلما حمله الناس وجدوا له خفة فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال : «إن له حملة غيركم ، والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد ، واهتز له العرش » وقال رسول الله ﷺ : «لقد نزل من الملائكة في جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفاً ما وطئوا الأرض قبلُ » كما يقول أبو سعيـد الخدري رضي اللـه عنه : «كنت ممـن حفر لسعـد قبره ، وكنا كلما حفرنا طبقة مـن تراب ، شممنا ريح المسك حتى انتهينا الى اللحد».

ولمّا انتهوا الى قبر سعد نزل فيه أربعة نفر ، ورسول الله ﷺ واقفٌ على قدميه ، فلمّا وُضع في قبره تغيّر وجه رسول الله ﷺ ، وسبّح ثلاثاً ، فسبّح المسلمون ثلاثاً حتى ارتجّ البقيع ، ثم كبّر رسول الله ﷺ ثلاثاً ، وكبّر أصحابه ثلاثاً حتى ارتجّ البقيع بتكبيره ، فسُئِلَ رسول الله ﷺ عن ذلك فقيل : «يا رسول الله رأينا بوجهك تغيّراً وسبّحت ثلاثاً ؟» قال : «تضايق على صاحبكم قبره وضُمَّ ضمةً لو نَجا منها أحدٌ لنَجا سعدٌ منها ، ثم فرّج الله عنه».

فضل سعد

قال رسول الله ﷺ عندما رأى ثوب ديباج : «والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا» وقد قال شرحبيل بن حسنة : « أخذ إنسان قبضة من تراب قبر سعد فذهب بها ثم نظر إليها بعد ذلك فإذا هي مسك».

لا تنس ذكر الله
الله أكبر
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية