صلة الرحم

 صلة الرحم

فضل صلة الرحم


تبيين الله تعالى للحقوق والواجبات


ان الله سبحانه وتعالى فصَّل في كتابِه كلَّ شيءٍ، وأرشدَكم رسولُ الهُدى -عليه الصلاة والسلام- إلى ما يُقرِّبُكم من الجنة، ويُباعِدُكم من النار، ويُسعِدكم في هذه الدار.

فبيَّن الحقوق التي لربِّ العالمين على عباده؛ لأن حقَّ الله علينا أعظم مما افترضَه علينا وأكبر مما أوجبَه، ولكنَّ الله برحمته فرضَ علينا بعضَ ما في وُسعِنا، وإلا فحقُّ الله أن يُذكَر فلا يُنسَى، ويُطاعَ فلا يُعصَى، ويُشكَر فلا يُكفَر.

وبيَّن الله حقوقَ العباد بعضِهم على بعضٍ لتكون الحياةُ آمنةً مُطمئنَّة، راضِيةً مُبارَكة، تُظِلُّها الرحمة، وتندفِعُ عنها النِّقمة، ويتمُّ فيها التعاوُن، ويتحقَّقُ فيها التناصُر والمودَّة.

فبيَّن حقوقَ الوالدَيْن على الولد، وحقوق الولد على الوالدَيْن، وحقوق ذوي القُربى والأرحام بعضِهم على بعضٍ. وكلٌّ يُسألُ عن نفسِه في الدنيا والآخرة عن هذه الحقوق والواجِبات؛ فإن أدَّاها وقامَ بها على أحسن صفةٍ كان بأعلى المنازِل عند ربِّه، وقام بأداء هذه الأمانة التي أشفقَت منها السماواتُ والأرضُ والجبالُ.

ومن ضيَّع هذه الحقوقَ كان بأخبث المنازِل عند ربِّه الذي هو قائمٌ على كل نفسٍ بما كسَبَت، لا يعزُبُ عنه مِثقالُ ذرَّةٍ في الكون.

صلة الرحم حق في أعناق العباد


إن صِلةَ الرَّحِم حقٌّ طوَّقَه الله الأعناق، وواجبٌ أثقلَ الله به الكواهِل، وأشغلَ به الهِمَم. والأرحامُ هم القراباتُ من النَّسَب، والقراباتُ من المُصاهَرة.

التأكيد الشرعي على صلة الأرحام والأمر بها
وقد أكَّد الله على صِلَة الأرحام وأمرَ بها في مواضِع كثيرة من كتابه، فقال تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ [الإسراء: 26].

وجعل الرَّحِمَ بعد التقوى من الله تعالى، فقال -عز وجل-: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

ولعِظَم صِلَة الرَّحِم، ولكونِها من أُسُس الأخلاقِ وركائِز الفضائِل وأبواب الخيرات فرضَها الله في كل دينٍ أنزلَه، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: 83].

وفي حديثِ عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أوَّلَ مقامٍ بالمدينة: "أيها الناس: أفشُوا السلامَ، وأطعِموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناسُ نِيام؛ تدخُلُوا الجنةَ بسلامٍ".

أثر صلة الأرحام في حياة العباد في الدنيا


وثوابُ صِلَة الرَّحِم مُعجَّلةٌ في الدنيا مع ما يدَّخِرُ الله لصاحبِها في الآخرة؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقِه، وأن يُنسَأَ له في أثَره فليصِلْ رَحِمَه". ، ولفظُه قال: "تعلَّموا من أنسابِكم ما تصِلُون به أرحامَكم؛ فإن صِلَة الرَّحِم محبَّةٌ في الأهل، مثْرَاةٌ في المال، منسَأةٌ في الأثَر".

وعن عليٍّ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سرَّه أن يُمدَّ له في عُمرِه، ويُوسَّع له في رِزقِه، ويُدفَع عنه ميتةُ السوء، فليتَّقِ اللهَ وليصِلْ رَحِمَه".

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن اللهَ ليُعمِّر بالقوم الديارَ، ويُثمِّرُ لهم الأموال، وما نظرَ إليهم منذ خلقَهم بُغضًا لهم". قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟! قال: "بصِلَتهم أرحامهم".

وعن أبي بَكْرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من ذنبٍ أجدرَ أن يُعجِّل الله لصاحبِه العقوبةَ في الدنيا مع ما يدَّخِرُ له في الآخرة من البَغي وقطيعة الرَّحِم".

وعن أبي بَكْرة أيضًا قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أعجلَ البرِّ ثوابًا لصِلَة الرَّحِم، حتى إن أهلَ البيت ليكونون فَجَرة فتنمُو أموالُهم، ويكثُر عددُهم".

وصِلَةُ الرَّحِم لها خاصِّيَّةٌ في انشراحِ الصدر، وتيسُّر الأمر، وسَماحة الخُلُق، والمحبَّة في قلوب الخلق، والمودَّة في القُربَى، وطِيبِ الحياة وبركتها وسعادتها.

والمسلمُ فرضٌ عليه صِلَةُ الرَّحِم وإن أدبرَت، والقيام بحقِّها وإن قطعَت ليعظُمَ أجرُه، وليُقدِّم لنفسِه، وليتحقَّقَ التعاوُنُ على الخير؛ فإن صِلَة الرَّحِم وإن أدبَرَت أدعَى إلى الرجوع عن القطيعة، وأقربُ إلى صفاء القلوب.

فعن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: "أوصَانِي خليلي -صلى الله عليه وسلم- بخِصالٍ من الخير: أوصَانِي ألا أنظُر إلى من هو فَوقِي وأن أنظُر إلى من هو دُوني، وأوصَانِي بحبِّ المساكين والدنُوِّ منهم، وأوصَانِي أن أصِلَ رَحِمِي وإن أدبَرَت، وأوصَانِي ألا أخافَ في الله لومةَ لائِمٍ".

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله: إن لي قرابةً أصِلُهم ويقطَعوني، وأُحسِنُ إليهم ويُسيئُون إليَّ، وأحلُمُ عليهم ويجهَلون عليَّ. فقال: "إن كنتَ كما قلتَ فكأنَّما تُسِفُّهم المَلَّ -أي: الرماد الحارّ-، ولا يزالُ معك من الله عليهم ظَهيرٌ ما دُمتَ على ذلِك".

وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس الواصِلُ بالمُكافِئ، ولكنَّ الواصِل الذي إذا قُطِعَت رَحِمُه وصَلَها".

وقطيعةُ الرَّحِم شُؤمٌ في الدنيا ونكَدٌ، وشرٌّ وحرجٌ، وضيقٌ في الصدر، وبُغضٌ في قلوب الخلق، وكراهةٌ في القُربَى، وتعاسةٌ في أمور الحياة، وتعرُّضٌ لغضب الله وطردِه.

وتكون الرَّحِمُ والأمانةُ على جانِبَيْ الصِّراط تختطِفُ من ضيَّعَها فتُردِيه في جهنَّم، كما في الحديث الذي رواه مُسلم.

فعقوبتُها أليمةٌ في الآخرة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله خلقَ الخلقَ حتى إذا فرغَ منهم قامَت الرَّحِم فقالت: هذا مقامُ العائِذِ بك من القَطيعة. قال الله: نعم، أما ترضَين أن أصِلَ من وصَلَكِ، وأقطعَ من قطعَكِ؟! قالت: بلى. قال: فذاك لكِ"، ثم قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقرؤوا إن شِئتُم: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [محمد: 22، 23]".

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أيضًا قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أعمالَ بني آدمَ تُعرضُ كلَّ خميسٍ ليلة الجُمعة، فلا يُقبَلُ عملُ قاطِعِ رَحِمٍ".

وعن الأعمَش قال: كان ابن مسعود -رضي الله عنه- جالِسًا بعد الصبح في حلقَةٍ، فقال: "أنشُدُ الله قاطِعَ رَحِمٍ لمَّا قامَ عنَّا، فإنا نريدُ أن ندعُوَ ربَّنا، وإن أبوابَ السماء مُرتَجَة دون قاطعِ رَحِمٍ".

وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثةٌ لا يدخُلون الجنة: مُدمِنُ الخمر، وقاطِعُ الرَّحِم، ومُصدِّقٌ بالسِّحر".

إن صِلَة الرَّحِم هي بذلُ الخير لهم، وكفُّ الشرِّ عنهم. هي عيادةُ مريضِهم، ومُواساةُ فقيرهم، وإرشادُ ضالِّهم، وتعليمُ جاهِلِهم، وإتحافُ غنيِّهم والهديةُ له، ودوامُ زيارتِهم، والفرحُ بنعمتهم، والتهنِئةُ بسُرورهم، والحُزنُ لمُصيبَتهم، ومُواساتُهم في السرَّاء والضرَّاء، وتفقُّدُ أحوالهم، وحِفظُهم في غيبَتهم، وتوقيرُ كبيرهم، ورحمةُ صغيرِهم، والصبرُ على أذاهم، وحُسنُ صُحبَتهم والنُّصحُ لهم.

وفي مراسِيل الحسن: "إذا تحابَّ الناسُ بالألسُنِ، وتباغَضُوا بالقلوب، وتقاطَعُوا بالأرحام؛ لعنَهم الله عند ذلك فأصمَّهم وأعمَى أبصارَهم".

شؤم قطيعة الرحم


وإن القطيعةَ بين الأرحام في هذا الزمانِ قد كثُرَت، وساءَت القلوب، وضعُفَت الأسبابُ، وعمت هذه القطيعَة على الدنيا الحقيرة، وعلى الحُظوظ الفانِية.

فطُوبَى لمن أبصرَ العواقِب، ونظرَ إلى نهاية الأمور، وأعطَى الحقَّ من نفسِه، وأدَّى الذي عليه، ورغِبَ إلى الله في الذي له على غيرِه، وأتَى إلى الناسِ ما يُحبُّ أن يأتُوه إليه.

وإن القطيعةَ المشؤومةَ قد تستحكِمُ وينفخُ الشيطانُ في نارِها، فيتوارَثُها الأولادُ عن الآباء، وتقعُ الهلَكةُ، وتتسِعُ دائرةُ الشرِّ، ويكونُ البغي والعُدوان، وتدومُ هذه القطيعةُ بين ذوِي الرَّحِم حتى يُفرِّق بينهم الموتُ على تلك الحالِ القبيحة.

وعند ذلك يحضُرُ الندَم، وتثُورُ الأحزان، وتتواصَلُ الحسَرات، وتتصاعَدُ الزَّفَرَات، وعند ذلك لا ينفعُ النَّدَم، ولا يُداوِي الأسفُ جِراحاتُ القلوب، ويترُكون جيفَةَ الدنيا بعدَهم، فلا لقاءَ إلا بعد البعثِ والنُّشورِ. فيجثُو كلٌّ أمام الله الحكَم العدل فيقضِي بينَهم بحُكمِه وهو العزيزُ العليمُ.

والصبرُ والاحتِمالُ والمعروفُ والعفوُ خيرُ الأمور، وأفضلُ دواءٍ لما في الصدور؛ عن عُقبة بن عامرٍ -رضي الله عنه- قال: لقيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فأخذتُ بيدِه، فقلتُ: يا رسول الله: أخبِرني بفواضِل الأعمال. فقال: "يا عُقبةَ: صِلْ من قطَعَك، وأعطِ من حرَمَك، وأعرِض عمَّن ظلَمَك". وفي روايةٍ: "واعفُ عمَّن ظلَمَك".

المرأةَ قد تكونُ من أسبابِ القطيعة أو التواصل


إن المرأةَ قد تكونُ من أسبابِ القطيعة بنقلِها الكلام، وبثِّها المساوِئ، ودفنِها المحاسِن، وتحريشِها للرِّجال، وقد ترى لحماقتِها أن لها في ذلك مصلَحة، وقد تدفعُ أولادَها في الإساءَة لذوِي القُربَى، فعليها يكونُ الوِزرُ، والله لها بالمِرصَاد.

وقد تكونُ المرأةُ من أسبابِ التواصُل بين الأرحام، وتوطِيد المودَّة بينَهم بصبرِها ونصيحَتها لزوجِها، وحثِّها على الخير، وتربية أولادها، والله سيُثيبُها، ويُصلِح حالَها، ويُحسِنُ عاقِبَتها.

فيا أيتها المُسلِمات ، اتَّقينَ اللهَ تعالى، وأصلِحن بين ذوِي القُربَى، ولا تكُن القطيعةُ من قِبَلكنَّ؛ فإن الله لا يخفَى عليه خافيةٌ.

قال الله تعالى: ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الروم: 38].

المرحع :

لا تنس ذكر الله
الحمدلله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية