عداوة الشيطان في القرآن

عداوة الشيطان في القرآن

عداوة الشيطان في القرآن

الحمد لله أنشأ الكون من عدم وعلى العرش استوى، أرسل الرسل وأنزل الكتب تبيانًا لطريق النجاة والهدى، نحمده - جل شأنه - ونشكره على نِعَمٍ لا حصر لها ولا منتهى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج واقتفى.

أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن من اتقاه كفّر الله سيئاته وأعظم مثوبته وفرّج كربته وجعل له من أمره يسرًا، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].

عباد الرحمن: عداوة تاريخها طويل، كانت قائمة طوال حياة الآباء، بل ولم يسلم منها الأنبياء، أثر هذه العداوة إن تمكن العدو جِدُّ خطير، حيث أنه الخسران يوم إلى الله المصير، عداوة جاء ذكرها في آيات كثيرة وأحد تحديات هذه العداوة أننا لا نبصر هذا العدو.. إنها عداوة الشيطان.

فتعالوا نتذاكر بعض الآيات حول هذه العداوة.

لقد بدأت العداوة مع أبينا آدم عندما كان في الجنة فقد امتنع إبليس من السجود الذي أُمر به لآدم، وعندما نُهي الأبوان عن الأكل من الشجرة أزلّهما بعد أن أوهمهما أنها شجرة الخلد و أقسم لهما أنه ناصح، ﴿ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 22 ، 23].

وبعد هذه الآيات في سورة الأعراف وما جاء فيها مِن ذِكْرِ قِصَّةِ آدَمَ وما لَقِيَهُ مِن وسْوَسَةِ الشَّيْطانِ، جاء النداء للناس: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ ﴾ مرتين، قيل: والحكمة في ذلك: أنَّ شَأْنَ الذُّرِّيَّةِ أنْ تَثْأرَ لِآبائِها، وتُعادِيَ عَدُوَّهم، وتَحْتَرِسَ مِنَ الوُقُوعِ في شَرَكِهِ.

﴿ يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ ﴾ [الأعراف: 27].

عباد الله:

حذرنا الحق سبحانه من الشيطان، فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [فاطر: 5] قال ابن كثير: والغرور الشيطان. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. أَيْ: لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ.

وأبان سبحانه لنا غاية الشيطان بعد أن ذكّر بعداوته؛ ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6].

إخوة الإيمان:

وأخبرنا وحذر سبحانه الشيطان وأنه يتدرج بالعبد قال سبحانه: ﴿ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [البقرة: 168].

وبيّن لنا سبحانه ما يسعى له الشيطان ويأمر به ﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 169].

وبيّن لنا سبحانه كيد الشيطان مع العباد في الصدقة؛ بالتخويف من الفقر والأمر بالبخل: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268].

وأخبرنا عز وجل أن الشيطان يزين الباطل والحرام! ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ﴾ [العنكبوت: 38]، وفي ثانية: ﴿ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 43].

وفي ثالثة: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر: 39].

عباد الله:

والشيطان يسعى لإحزان المؤمن ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [المجادلة: 10].

وللنسيان والغفلة عن ذكر الله ارتباط وثيق بالشيطان قال سبحانه: ﴿ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ ﴾ [الأنعام: 68] وفي ثانية: ﴿ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾ [الكهف: 63]، ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ﴾ [المجادلة: 19].

والشيطان - عباد الله - يسعى لتخويف العباد بأوليائه ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].

والشيطان يسعى للفتن والعداوات ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ ﴾ [المائدة: 91]، وفي آية أخرى: ﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].

اللهم إنا نعوذ بك من شر الشيطان وشِرْكِهِ وشَرَكِهِ وهمزه ونفخه ونفثه واستغفروا الله إنه كان غفارًا.

الخطبة الثانية

الحمد لله القائل: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6]، وصلى الله وسلم على نبيه الذي أرشدنا وعلمنا ما يحفظنا من الشياطين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن إيمان العبد وتوكلَه على الله سبحانه كلما قوي كان ذلك أمنع له من الشيطان، ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 99]، والشيطان مخلوق يُدفع كيده بالاستعاذة بخالقه سبحانه قال عز شأنه ﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 200] وفي شأن الاستعاذة حكى الله لنا قول زوجة عمران الصالحة ﴿ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36].

وموضوع سورة الناس كله حول الاستعاذة من الوسواس، وقد جاء ذكر فيها الاستعاذة بربوبية الله وألوهيته وملكه للناس من شر الوسواس، وذكْر الاستعاذة بالله بهذا التعظيم يدل على خطورة الوسواس، وهل وَقَعَ الخلق في الكفر والذنوب وفي الشبهات والشهوات إلا نتيجة لذلك!.

عن عُقبةَ بنِ عامرٍ قالَ بينا أنا أسيرُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بينَ الجَحفَةِ والأبواءِ إذ غشِيتنا ريحٌ وظُلمةٌ شديدةٌ فجعلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يتعوَّذُ بـ ﴿ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ و ﴿ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ ويقولُ يا عقبةُ تعوَّذْ بهما فما تعوَّذَ متعوِّذٌ بمثلِهما قالَ وسمعتُهُ يؤمُّنا بهما في الصَّلاةِ. رواه أبو داوود وصححه الألباني.

إخوة الإيمان:

وكما يُطرد الشيطان بالاستعاذة؛ فإنه يُطرد بذكر الله عز وجل فقد جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾ قَالَ: الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهُ خَنَس.

ختاما عباد الله:

علينا أن نتذكر دوما عداوة الشيطان، وعلينا الاستعانة بالله وتقوية إيماننا مع الاستعاذة بالله منه، ولنحرص على هذه الدعوة التي أرشد اللهُ سبحانه نبيَه إليها ﴿ وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ ﴾ [المؤمنون: 97 ، 98] فإن الشياطين مادة كل شر من الكفر وما دونه من المعاصي..

ثم صلوا وسلموا...

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية