فلسطين جرح الأمة

فلسطين جرح الأمة

فلسطين جرح الأمة


مأساة فلسطين جراح يتجدد


مَأْسَاةٌ وَجُرْحٌ يَتَجَدَّدُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ، خِنْجَرٌ قَدْ غُرِسَ فِي قَلْبِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَتَرَكَ فِيهَا جُرْحًا غَائِرًا، مَا إِنْ يَكَدْ يَهْدَأْ أَلَمُهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَى الْغَلَيَانِ وَالْفَوَرَانِ، فَفِي كُلِّ يَوْمٍ مَذْبَحَةٌ جَدِيدَةٌ وَعُدْوَانٌ جَدِيدٌ وَتَدْنِيسٌ مُتَعَمَّدٌ لِلْمَسْجِدِ الْأَقْصَى مِنْ أَحْفَادِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ... فَقَلِّبْ نَاظِرَيْكَ فِي الْقُدْسِ وَفِي غَزَّةَ تَجِدْ أَشْلَاءً مُبَعْثَرَةً وَجُثَثًا تَحْتَ الْأَنْقَاضِ مُحْتَجَزَةً، وَشَوَارِعَ قَدِ اكْتَسَتْ بِالدِّمَاءِ، وَبَقَايَا أَعْرَاضٍ قَدِ انْتُهِكَتْ وَدُنِّسَتْ.. أَصْغِ سَمْعَكَ تَجِدِ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى وَمَنْ فِيهِ مِنْ مُرَابِطِينَ يَئِنُّونَ وَيَسْتَغِيثُونَ:

إِنِّي أُهَانُ وَأُسْتَبَاحْ
            لَا أَمْتَلِكْ إِلَّا الصِّيَاحْ

أَنَا مَيِّتٌ عِنْدَ الْمَسَاءِ
            وَمَيِّتٌ عِنْدَ الصَّبَاحْ

آتُونٌ يَشْتَعِلُ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ، وَقُودُهُ أَرْوَاحُ الْمُرَابِطِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ وَدِمَاؤُهُمْ، هَؤُلَاءِ الْكِرَامُ الشُّرَفَاءُ الَّذِينَ نَظُنُّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَعْنِيهِمْ حِينَ قَالَ: "لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ" قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ.

وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".

دماء في رقاب الأمة


إ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُرَابِطِينَ مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ قَدْ أَثْخَنَتْهُمُ الْجِرَاحُ وَتَكَاثَرَتْ عَلَيْهِمُ الْكُرُوبُ وَأَحَاطَ بِهِمُ التَّخَاذُلُ، لَا يَجِدُونَ نَاصِرًا وَلَا مُعِينًا لَهُمْ إِلَّا اللَّهَ، أَيْدِيهِمْ خَالِيَةٌ، وَبُطُونُهُمْ طَاوِيَةٌ، وَظُهُورُهُمْ عَارِيَةٌ، لَا مُمِدَّ لَهُمْ بِسِلَاحٍ بِهِمْ يُقَاتِلُونَ وَلَا بِمَالٍ بِهِ يُجَاهِدُونَ... وَرَغْمَ كُلِّ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ حَوَّلُوا لَيْلَ عَدُوِّهِمْ إِلَى نَهَارٍ، وَأَلْبَسُوهُمْ مِنْ نَسْجِهِمْ ثَوْبَ الْعَارِ، وَأَنْزَلُوا بِبُيُوتِهِمُ الدَّمَارَ.

فَكَيْفَ لِأُمَّةِ الْمِلْيَارِ أَنْ تَقِفَ مَكْتُوفَةً عَاجِزَةً مُكَبَّلَةً -مَعَ مَا أُوتِيَتْ مِنْ مَوَارِدَ وَمُقَدَّرَاتٍ وَعَدَدٍ وَعُدَّةٍ- أَمَامَ شِرْذِمَةٍ حَقِيرَةٍ دَنِيئَةٍ مِنَ الْيَهُودِ الْمَلَاعِينِ! كَيْفَ لَهَا أَنْ تَرْهَبَ أَجْبَنَ خَلْقِ اللَّهِ: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾[الْحَشْرِ: 14].

يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ لَنَاْ مَوْقِفٌ تُجَاهَ تِلْكَ الدِّمَاءِ الْبَرِيئَةِ وَالْأَرْضِ السَّلِيبَةِ وَالْمُقَدَّسَاتِ الْمُدَنَّسَةِ؛ فَالْيَوْمَ فِلَسْطِينُ وَالْعِرَاقُ وَأَفْغَانِسْتَانُ وَبُورْمَا وَغَيْرُهَا، وَغَدًا مَنْ يَدْرِي الدَّوْرُ عَلَى مَنْ!

عاقبة خذلان المستضعفين


لَقَدْ قَالَهَا اللَّهُ -تَعَالَى- فِي كِتَابِهِ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾[الْأَنْفَالِ: 73]، إِلَّا تَتَعَاوَنُوا وَتَتَّحِدُوا وَتُنَاصِرُوا إِخْوَانَكُمْ وَتَتْرُكُوا مُوَالَاةَ أَعْدَائِكُمْ، يُسَلِّطِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ هَؤُلَاءِ الْأَعْدَاءَ فَيَجْتَاحُوا بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ جَمْعَاءَ.

أَوَمَا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ"؛ فَخِذْلَانُ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، كَمَا أَنَّ ظُلْمَهُ حَرَامٌ، وَمَنْ خَذَلَ مُسْلِمًا الْيَوْمَ خَذَلَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- غَدًا أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَى عَوْنِهِ.

وَفِي خِذْلَانِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا تَقْوِيَةٌ لِشَوْكَةِ الْكَافِرِينَ، وَنَشْرٌ لِلْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ فِي الْأَرْضِ، وَإِضْعَافٌ لِلْمَضْلُوْمِيْنَ، وَتَضْيِيعٌ لِحُقُوقِ الْمُسْتَضْعَفِينَ.. وَتِلْكَ بَعْضُ مَلَامِحِ الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ الْكَبِيرِ.

وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ؛ فَإِنَّ نُصْرَةَ الْمُسْتَضْعَفِينَ سَبَبٌ فِي عَوْنِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ"، وَهُوَ سَبَبٌ كَذَلِكَ فِي تَفْرِيجِ الْكَرْبِ: "وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ"

استجداء النصر من الأعداء


وَمَا لِلنَّصْرِ إِلَّا مَصْدَرٌ وَاحِدٌ حَدَّدَهُ الْقُرْآنُ حِينَ قَالَ: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[آلِ عِمْرَانَ: 126]، وَمَا لَهُ إِلَّا طَرِيقٌ وَاحِدٌ لَا سِوَاهُ؛ ذَلِكَ هُوَ نَصْرُنَا لِلَّهِ بِاتِّبَاعِ دِينِهِ وَتَقْدِيمِ مُرَادِهِ: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[مُحَمَّدٍ: 7]، فَعَارٌ أَنْ نَبْتَغِيَ النَّصْرَ مِنَ أَعْدَاْئِنَاْ... إِنَّهُمْ لَنْ يَنْصُرُونَا، وَلَنْ يُرِيدُوا لَنَا إِلَّا كُلَّ الشَّرِّ.

أَيَا أَهْلَ الْقُرْآنِ: أَلَا تَقْرَؤُونَ قَوْلَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾[التَّوْبَةِ: 10].

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلَا تُدْرِكُونَ أَنَّهُمْ لَنْ يَعْمَلُوا أَبَدًا لِمَصْلَحَتِنَا إِلَّا إِنِ ارْتَدَدْنَا عَنْ دِينِنَا: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾[الْبَقَرَةِ: 120].

يَا أُمَّةَ التَّوْحِيدِ أَلَا تَفِيقُونَ مِنْ غَفْلَتِكُمْ! أَلَا تَسْتَيْقِظُونَ مِنْ سَكْرَتِكُمْ! إِنَّهُمْ أَعْدَاؤُنَا لَا يُسْعِدُهُمْ شَيْءٌ مِثْلَ هَوَانِنَا وَكُفْرِنَا: ﴿إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾[الْمُمْتَحَنَةِ: 2].

واجب الأمة نحو قدسها ومسجدها


إِنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ وَاجِبَاتٍ مُتَحَتِّمَاتٍ تُجَاهَ تِلْكَ الْجِرَاحَاتِ عَلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ، فَأَوَّلُهَا: الِاسْتِقَامَةُ عَلَى دِينِ اللَّهِ وَمَنْهَجِهِ وَاجْتِبَابُ مَعَاصِيهِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ يَقْتَرِفُهَا مُسْلِمٌ هِيَ خِذْلَانٌ لِإِخْوَانِهِ وَإِبْعَادٌ لِلنَّصْرِ وَتَقْرِيبٌ لِلْهَزِيمَةِ، يَقُولُ الْفَارُوقُ عُمَرُ: "كُونُوا أَشَدَّ النَّاسِ احْتِرَاسًا مِنَ الْمَعَاصِي بَيْنَكُمْ، مِنْ عَدُوِّكُمْ؛ فَإِنَّ ذُنُوبَ الْجَيْشِ أَخْوَفُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، وَإِنَّمَا يُنْصَرُ الْمُسْلِمُونَ بِمَعْصِيَةِ عَدُوِّهِمْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَنَا بِهِمْ قُوَّةٌ".

وَالثَّانِيَةُ: إِعَانَةُ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَنُصْرَتُهُمْ بِكُلِّ سَبِيلٍ مُمْكِنٍ: امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾[الْأَنْفَالِ: 72]، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ -إِذْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الدِّفَاعَ عَنْ مُقَدَّسَاتِهِمْ أَنْ يَمُدُّوا يَدَ الْعَوْنِ لِلْمُرَابِطِينَ هُنَاكَ، وَيَكُونُوا عَوْنًا لِلْمُسْتَضْعَفِينَ الْمَنْكُوبِينَ تَحْتَ وَطْأَةِ الْمُحْتَلِّ الصَّهْيُونِيِّ مِنْ عَشَرَاتِ السِّنِينَ.

وَالثَّالِثَةُ: الْمُقَاطَعَةُ الِاقْتِصَادِيَّةُ لِبَضَائِعِ الْيَهُودِ وَمَنْ نَاصَرَهُمْ: فَلَا جَيْشَ قَوِيٌّ بِدُونِ اقْتِصَادٍ قَوِيٍّ، فَإِنْ ضَعُفَ اقْتِصَادُهُمْ ضَعُفَ جَيْشُهُمُ الَّذِي يَسْتَعْرِضُونَ بِهِ عَلَى الْعُزَّلِ مِنْ أَبْنَاءِ الشَّعْبِ الْفِلَسْطِينِيِّ، وَلْيَعْلَمْ كُلُّ مُشْتَرٍ لِبَضَائِعِهِمْ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يَشْتَرِي بِهِ يَتَحَوَّلُ إِلَى قَذَائِفَ وَرَصَاصَاتٍ تَتَسَاقَطُ فَوْقَ رُؤُوسِ إِخْوَانِهِ.

وَالرَّابِعَةُ: نَشْرُ قَضِيَّتِهِمْ وَتَعْلِيمُهَا أَوْلَادَنَا: إِنَّ الْقُدْسَ عَرَبِيَّةٌ إِسْلَامِيَّةٌ، وَفِلَسْطِينُ كُلُّهَا، وَأَنَّ الْمُقَرَّرَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ أَنَّهُ: "لَوِ اعْتَدَى مُعْتَدٍ عَلَى شِبْرٍ مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ لِنَجْدَتِهِ"، فَأُمَّتُنَا أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾[الْأَنْبِيَاءِ: 92]، وَبُنْيَانٌ وَاحِدٌ: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"



لا تنس ذكر الله
أستغفر الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية