كيف تعيش مع القرآن في رمضان

كيف تعيش مع القرآن في رمضان

كيف تعيش مع القرآن في رمضان


اعتناء النبي ﷺ بقراءة وتدبر القرآن


لِلْقُرْآنِ حَقَّ فِي حَيَاتِنا لذا علينا خُصُّه بِمَزِيدِ من العِنَايَةٍ فِي رَمَضَان، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185].

كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ طُولَ حَيَاتِهِ مُعْتَنِيَاً بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَشَدَّ الْعِنَايَةِ تِلَاوَةً وَتَدَبُّرَاً وَتَعْلِيمَاً لِلنَّاسِ، فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ ازْدَادَتْ تِلْكَ الْعِنَايَةُ، حَتَّى إِنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ يُدَارِسُ رَسُولَ اللهِ ﷺ الْقُرْآنَ.

فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.

إِنَّهُ يَنْبَغِي لَنَا فِي رَمَضَانَ أَنْ نُولِيَ الْقُرْآنَ عِنَايَةً مِنْ ثَلاثَةِ جَوَانِبَ: تِلَاوَةً وَحِفْظَاً وَتَدَبُّرَاً.

تِلَاوَةً الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ


يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وِرْدٌ يَوْمِيٌّ طُوَالَ السَّنَةِ، كَمَا هِيَ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ وَالطَّرِيقَةُ السَّلَفِيَّةُ، فَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ وِرْدٌ يَوْمِيٌّ يَقْرَأُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَهَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَهُمْ تَقْسِيمَاتٌ لِلْقُرْآنِ يَخْتِمُونَهُ فِي أُسْبُوعِ غَالِبَاً.

فَعَنْ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ... قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ ﷺ كُلَّ لَيْلَةٍ يَأْتِينَا بَعْدَ الْعِشَاءِ يُحَدِّثُنَا، قَائِمًا عَلَى رِجْلَيْهِ حَتَّى يُرَاوِحُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ... فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةٌ أَبْطَأَ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَأْتِينَا فِيهِ، فَقُلْنَا: لَقَدْ أَبْطَأْتَ عَنَّا اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: "إِنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ جُزْئِي مِنَ الْقُرْآنِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيءَ حَتَّى أُتِمَّهُ".

قَالَ أَوْسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَيْفَ يُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالُوا: "ثَلَاثٌ، وَخَمْسٌ، وَسَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ"

فَهَذَا وِرْدُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- اليَوْمِيُّ: يَقْرَؤُونَ فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ ثَلاثَ سُوَرٍ، وَهِيَ البَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءُ، ثُمَّ فِي اليَوْمِ الثَّانِي الخَمْسَ سُوَرٍ التِيْ بَعْدَهَا ثُمَّ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ سَبْعَ سُوَرٍ، وَهَكَذَا حَتَّى يَخْتِمُوا القُرْآنَ فَي اليَوْمِ السَّابِع.

إِنَّهُ يَنْبَغِي لَكَ الْعِنَايَةُ التَّامَّةُ بِالْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ الْوَقْتَ الْمُنَاسِبَ لِتَقْرَأَ كَلَامَ رَبِّكَ، وَتَتَمَتَّعَ بِحَدِيثِ مَوْلَاكَ ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾[النساء: 87].

فَلَوْ أَنَّكَ جَلَسْتَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِكَ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّكَ قَدْ تَقْرَأُ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ أَوْ رُبَّمَا أَكْثَرَ، فَتَخْتِمُ الْقُرْآنَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي رَمَضَانَ، وَإِذَا جَلَسْتَ فِي أَوْقَاتٍ أُخْرَى تَخْتِمُ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ فَتُحَصِّلَ حَسَنَاتٍ عَظِيمَةً وَيَأْتِي الْقُرْآنُ مَعَكَ شَفِيعَاً لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَنْ أَبِيْ أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ».

فَدَعْ عَنْكَ ضَيَاعَ الْوَقْتِ وَالانْشِغَالَ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ، وَأَبْشِرْ فَإِنَّهُ وَاللهِ تِجَارَةٌ لَنْ تَبُورَ وَسَتَرْبَحُ يَوْمَ التَّغَابُنِ وَسَتَفُوزُ يَوْمَ الْعَرْضِ الْأَكْبَرِ عَلَى اللهِ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: 29- 30].

حِفْظ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ


مِمَّا يَنْبَغِي لَكَ مَعَ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ: أَنْ تَحْفَظَ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ، فَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- سَهَّلَ الْقُرْآنَ لِلْحِفْظِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُكَ، قَالَ اللهُ تَعَاَلى ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 22].

وَاحْذَرْ أَنْ تُقَابِلَ رَبَّكَ وَلَيْسَ مَعَكَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ : "إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ، كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ"

وَاعْلَمْ أَنَّكَ تَرْقَى فِي دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ بِقَدْرِ مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا"

فَاسْتَعِنْ بِاللهِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ الصَّائِمُ وَاجْعَلْ لَكَ وَقْتَاً تَحْفَظُ فِيهِ الْقُرْآنَ، وَإِنْ كُنْتُمْ مَجْمَوعَةً مِنَ الإِخْوَةِ تَتَعَاوَنُونَ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ الاسْتِمْرَارِ وَشَحْذِ الْهِمَّةِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي قَبْلَ الْحِفْظِ أَنْ تُصَحِّحَ تِلَاوَتَكَ لِئَلَّا تَحْفَظَ شَيْئَاً وَأَنْتَ تُخْطِئُ فِي تِلَاوَتِهِ.

ثُمَّ إِنَّنَا نَؤُكِّدُ عَلَى أُولِئَكَ الإِخْوَةِ الذِينَ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَلَكِنَّهُمْ انْشَغَلُوا فَنَسُوهُ، وَنَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَمَضَانَ فُرْصَةٌ جَيِّدَةٌ لاسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَكَ، فَاسْتَعْنِ بِاللهِ وَرَتَّبْ وَقْتَكَ وَرَاجِعْ الْقُرْآنَ وَأَبْشِرْ بِالْخَيْرِ بِإِذْنِ اللهِ.

التَّدَبُّرُ والتَّأَمُّلُ وَالتَّفَكُّرُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ


الذِي يَنْبَغِي لَنَا مَعَ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ: التَّدَبُّرُ، وَمَعْنَاهُ التَّأَمُّلُ وَالتَّفَكُّرُ فِي مَعَانِي كَلَامِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَهَذَا أَمْرٌ مَطْلُوبٌ جِدَّاً فِي كُلِّ حَيَاتِنَا فَكَيْفَ بِرَمَضَانَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29]، فَجَعَلَ اللهُ الْحِكْمَةَ مِنْ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ التَّدَبُّرَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّدَبُّرَ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ وَبِالتَّالِي الْعَمَلِ بِهِ.

وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَعْتَنُونَ بِذَلِكَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ كَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَعَلَّمُوا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ. قَالُوا: فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا.

وَإِنَّ مِمَّا يُعِينُكَ عَلَى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَفَهْمِهِ الْقِرَاءَةَ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ الْمَوْثُوقَةِ، فَاجْعَلْ جَلْسَةً مَعَ الْقُرْآنِ لِلتَّدَبُّرِ وَخَاصَّةً بِاللَّيْلِ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ نَبَوِيِّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُطْبَةِ الأُولَى؛ حَيْثُ كَانَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، يَلْقَى النَّبِيَّ ﷺ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ.

وَلَوِ اجْتَمَعْتَ مَعَ بَعْضِ إِخْوَانِكَ أَوْ بَعْضِ جَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ وَنَفَّسْتُمْ عَنْ أَنْفُسِكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْمُبَاحِ مِنَ الْأَكْلِ أَوِ الشُّرْبِ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ جَلَسْتُمْ سَاعَةً تَقْرَؤُونَ فِي كِتَابِ تَفْسِيرٍ لَحَصَّلْتُمْ عِلْمَاً وَإِيمَانَاً وَكَسَبْتُمْ رِضْوَانَ اللهِ.

وَمِنْ أَحْسَنِ التَّفَاسِيرِ التِي يُنْصَحُ بِهَا: تَفْسِيرُ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِيٍّ -رَحِمَهُ اللهُ-، فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ مَوْثُوقٌ وَمُخْتَصَرٌ وَلُغَتُهُ لَيْسَتْ صَعْبَةً، ثُمَّ يَأْتِي بِالْفَوَائِدِ التَّرْبَوِيَّةِ وَالتَّوْجِيهَاتِ بَشَكْلٍ مُحَبَّبٍ لِلنُّفُوسِ.

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية