ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان

ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان
الفئة: أحاديث

ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان



المؤمن غير طعّان ولا لعَّان


وصفان ذميمان وخُلُقان سيِّئان لا ينبغي لمسلم أن يكون متصفًا بهما، فهما ليسا من وصف المؤمن ولا من خُلقه؛ ألا وهما: الطعن، واللعن.

روى الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في جامعه، وغيرهما، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيْسَ المؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ".

معنى الطعان واللعَّان


والطعان هو الذي يقع في أعراض الناس غيبةً ونميمةً وسخريةً واستهزاءً.

واللعَّان هو الذي يكثر مِن لعنهم بما يكون فيه الإبعاد من رحمة الله، سواء بلفظ اللعنة صريحًا أو بالألفاظ المؤدية إلى ذلك؛ كالدعاء عليهم بغضب الله، أو دخول النار، أو الخزي في الدنيا والآخرة، ونحو ذلك. قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَلاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ، وَلا بِغَضَبِ اللَّهِ، وَلا بِالنَّارِ".

عدم أهلية الطعَّان اللعَّان للشفاعة


إنَّ دين الله -عز وجل- مبناه في التعامل مع عباد الله على النصح والرحمة، ومن يُكثر من الطعن في الناس فليس ناصحًا لهم، ومن يُكثر من لعنهم ليس رحيمًا بهم؛ ولهذا، من كان من أهل هذين الوصفين فإنه ليس أهلاً يوم القيامة لأن يكون شفيعًا للناس أو شهيدًا لهم؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وذلك لأن الناس لم يسْلَموا في الحياة الدنيا من لعنهم وطعنهم؛ فلا يكونون أهلاً يوم القيامة للشهادة لهم بالخير أو الشفاعة لهم عند الله -تبارك وتعالى-، فهذا مقام عليٌّ عظيم ليس هؤلاء بأهلٍ له.

تأملات في مقام الحذر من اللعن


روى ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- في تفسيره عن قتادة -رحمه الله تعالى- أنه قرأ قول الله -عز وجل- في ذِكر دعاء إبراهيم الخليل -عليه السلام-: ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [إبراهيم:36]، ثم قال: "اسمعوا إلى قول خليل الله إبراهيم -عليه السلام-؛ لا والله! ما كانوا طَعَّانين ولا لعَّانين"، ثم قال: "كان يقال: إنّ من أشرّ عباد الله كلَّ طعَّان لعَّان".

وتأمل مرة ثانية في الآية المتقدمة كيف أنَّ خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام عندما ذكر العصاة لم يقل: اللهم اخزهم أو اللهم العنهم أو نحو ذلك، وإنما قال: ﴿وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؛ أشفَق عليهم ورحِمهم فدعا لهم بالمغفرة والرحمة، وهو مقامٌ -عباد الله- جدير -إي والله- بالتأمل، والسلوك لهذا المنهج القويم، نهج النبيين -عليهم السلام-.

وإذا تأمّلنا واقع الصحابة -رضي الله عنهم- العملي وما كانوا عليه من سرعة استجابةٍ لرسول الله فيما يأمرهم به أو يحذِّرهم عنه نرى في ذلك عجبًا من سرعة الاستجابة وكمال الانقياد، وهذا -عباد الله- مقامٌ يطول بذكر الأمثلة عليه؛ لكن أشير إلى شاهدين عظيمين نفيسين جليلين:

أحدهما: ما رواه البخاري في الأدب المفرد عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: ما سمعتُ عبد الله -أي ابن عمر- لاعنًا أحدًا قط ليس إنسانًا -أي: إلا إنسانًا واحدًا-، وكان سالم يقول: قال ابن عمر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعَّانًا".

فانظر إلى حال ابن عمر -رضي الله عنه-، منذ سمع هذا الحديث لم يُسمع منه لعن قط إلا مرة واحدة، وقد جاء في بعض الروايات أنه لعن خادمًا له أغضبه فأعتقه فورًا بعد لعنه له، وجاء في بعض الروايات أنه ما أتم كلمة اللعنة، فلما نطق بكلمة اللعنة وقف قبل أن ينطق بالنون فلم يتمها وقال: "هذه كلمة ما أحب أن أقولها"، ثم أعتق خادمه -رضي الله عنه-.

والمثال الآخر: لصحابيٍّ آخر وهو أبو جُرَيّ جابر بن سليم الهُجَيْمي -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسول الله: اعْهَدْ لِي. أي: أوصني وانصحني. قال: "لا تَسُبَّنَّ أَحَدًا"، قَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا، وَلا عَبْدًا، وَلا بَعِيرًا، وَلا شَاةً.

ما أعظم هذا الانقياد! وما أجمل هذه الاستجابة! وما أعظم الالتزام الذي كانوا عليه! رضي الله عنهم وأرضاهم، وألحقنا وإياكم بهم وبالصالحين من عباده، وأعاذنا أجمعين من سيئات ومنكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، إنه سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

تأملات في مقام الحذر من اللعن


وتأملوا في المقام الذي مضى الحديث عنه ألا وهو الحذر من الطعن واللعن، تأملوا في هذا المقام ما رواه الإمام البخاري في كتابه الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: إنَّ اليَهُودَ أَتَوا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ. بحذف اللام، والسام: هو الموت، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "وَعَلَيْكُمْ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَهْلا يَا عَائِشَةُ! عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ أَوِ الفُحْشَ!"، قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟! قَالَ: "أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟! رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ".

قالت عائشة في هذا المقام في شأن هؤلاء اليهود الذين قالوا تلك الكلمة الشنيعة في حق رسول الله، قالت -رضي الله عنها- من شدة غضبها: لَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ. فقال: "مَهْلاً يَا عَائِشَةُ"، أي: تمهلي، وأمَرَها بالرفق، وحذَّرها من العنف، ونهاها عنه -صلوات الله وسلامه عليه-؛ فإذا كان قد قال نبينا -عليه الصلاة والسلام- ذلك في مثل هذا المقام ناهيًا ومحذرًا؛ فكيف الحال -أيها المؤمنون- بمن يكثر اللعن لأبنائه وإخوانه وزملائه من المسلمين والمسلمات؟! كيف بحال مَن أصبح اللعن في لسانه أكثر من السلام؟! بل بلغ الحال ببعضهم أن يخاطب ابنه بلعن مَن أنجبه، أي يلعن نفسه والعياذ بالله! فيا لها من حال مزرية وحال سيئة والعياذ بالله!!

ولهذا ينبغي على المسلم وقد سمع هذه الأحاديث -ولها نظائر كثيرة- أن يتقي الله في نفسه، وأن يصون لسانه، وأن يحذر من مثل هذه الأوصاف، وأن يتقي الله -تبارك وتعالى-، وأن يتمهل، وأن يترفَّق، وأن يبتعد عن مثل هذه الأوصاف بأن يربأ بنفسه عنها، وأن يصون لسانه من الوقوع فيها؛ حفظًا لإيمانه، وتحقيقًا لتقواه لربه -جل وعلا-.

وقد تقدّم معنا قول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "لَيْسَ المؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الفَاحِشِ وَلا البَذِيءِ"؛ لأن ذلك مما يتنافى مع كمال الإيمان الواجب.

ألا فلنتق الله -عز وجل-، ولنحرص على صيانة ألسنتنا وحفظ منطقنا، فإن العبد يُسأل يوم القيامة عما يقول، وكلامه في جملة عمله الذي يحاسبه الله عليه يوم القيامة.

المرجع :

لا تنس ذكر الله
سبحان الله العظيم
0 / 100

إقرأ المزيد :




الفئة: أحاديث
عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية