لماذا نحفظ القرآن الكريم؟

لماذا نحفظ القرآن الكريم؟

لماذا نحفظ القرآن الكريم؟


الحث على تعلم القرآن وحفظه


إن كان القرآن الكريم قد شرف وعلت منزلته بين الكتب السماوية، وشرف من عمل به وفاز من آمن به، وحاز قارئه الأجر الكثير؛ فإن لحافظه من البركات والخيرات الشيء الكثير، كيف لا يكون كذلك من حوى كتاب الله -تعالى- في صدره، وملأ قلبه به، وأكثر لسانه من تلاوته؟!

من فضائل حفظ كتاب الله


إن لحفظ القرآن الكريم من الفضائل والفوائد ما يدعو المسلم إلى المسارعة إلى هذا الخير والمشاركة فيه؛ حتى يكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وإذا كان القرآن الكريم كلام الله -تعالى- وإليه التحاكم والحكم، وهو المرجع عند النزاع والخلاف لدى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فما ظنكم بمن يحفظه ويعنى به ويشغل به وقته؟!.

وإليكم جملة من الفضائل والفوائد المترتبة على حفظ كتاب الله -تعالى-، علَّ الهمم أن تنهض، ولعلنا أن ندرك ما يفوت من الخير، من ذلك:

أن حفظه تأسياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان يحفظه ويديم تلاوته، ويعرضه على جبريل -عليه السلام- في كل عام مرة، وفي السنة التي توفي فيها عرضه عليه مرتين، وكان -عليه الصلاة والسلام- يقرأه أصحابه -رضي الله عنهم- ويسمعه منهم.

ومنها: أن في حفظه تأسياً بالسلف وسيراً على جادتهم، فقد كانوا يبدؤون بحفظ القرآن ودراسته قبل سائر العلوم، قال الإمام ابن عبدالبر: "طلب العلم درجات ومناقل ورتب لا ينبغي تعديها، ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف -رحمهم الله-، فأول العلم حفظ كتاب الله -عز وجل- وتفهمه"، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علماً؛ وهو إما باطل أو قليل النفع، وهو أيضا مقدم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع، فإن المشروع في حق مثل هذا في هذه الأوقات أن يبدأ بحفظ القرآن؛ فإنه أصل علوم الدين".

ومنها: أن حفظ القرآن من خصائص هذه الأمة، يقول ابن الجزري: "إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، وهذه أشرف خصيصة من الله -تعالى- لهذه الأمة"، ولا يزال حفظ القرآن شعاراً لهذه الأمة وشوكة في حلوق أعدائها، يقول أحد المستشرقين: "لعل القرآن هو أكثر الكتب التي تقرأ في العالم، وهو بكل تأكيد أيسرها حفظاً"، ويقول آخر: "إننا اليوم نجد على الرغم من انحسار موجة الإيمان آلافاً من الناس القادرين على ترديده عن ظهر قلب، وفي مصر وحدها من الحفاظ أكثر من عدد القادرين على تلاوة الأناجيل عن ظهر قلب في أوربا كلها".

ومنها: أن حفظه ميسر للناس كلهم، فكم رأى الناس من محدودي الإدراك وضعاف الحفظ من استطاع حفظ القرآن الكريم، بل حفظه الأعاجم الذين لا يعرفون العربية، وحفظه الكبار في السن!، وهذا من إعجاز القرآن الكريم، قال الماوردي: "الوجه السادس عشر من إعجازه: تيسيره على جميع الألسنة، حتى حفظه الأعجمي الأبكم، ودار به لسان القبطي الألكن، ولا يحفظ غيره من الكتب كحفظه، ولا تجري ألسنة البكم كجريها به، وقال القرطبي في قوله -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾[القمر: 17]؛ أي: سهلناه للحفظ، وأعنا عليه من أراد حفظه، فهل من طالب لحفظه فيعان عليه؟ فهذا مما يقوي العزيمة ويعلي الهمة في طلب حفظ كتاب الله -تعالى-.

ومن ذلك: أن حفظ القرآن مشروع لا يعرف الفشل، فحين يبدأ الراغب في حفظه ثم تنتهي عزيمته ويضعف نشاطه وقد حفظ بعض أجزائه؟ فهل يعتبر مشروعه فاشلاً؟ إن هذا الجهد لم يذهب سدى، بل هب أنه لم يحفظ شيئاً يذكر، فالوقت الذي بذله في التلاوة والحفظ والمراجعة وقت قضاه في طاعة الله -تبارك وتعالى-، وكم آية وسورة تلاها، وقد علمنا أن الحرف من كتاب الله بعشر حسنات!.

ومن فضائل حفظه: أن حافظ القرآن الكريم يستحق التكريم والإجلال، فعن أبي موسى: "إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَلاَ الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ"، فحق لمن حاز كلام الله -تعالى- في صدره أن يكرم ويجل، وحافظ القرآن أولى الناس بالإمامة في الصلاة التي هي ثاني أركان الإسلام؛ "يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ"

ومنها: أن الغبطة الحقيقية والحسد المحمود إنما يكون لمن حفظ القرآن الكريم وقام بحقه؛ "لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ فُلاَنٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ".

ومنها: أن حفظ القرآن وتعلمه خير من متاع الدنيا، فحين يفرح الناس بالدرهم والدينار ويحوزونها إلى رحالهم، فإن حافظ القرآن وقارئه يظفر بخير من ذلك وأبقى، ها هو -صلى الله عليه وسلم- يخاطب أهل الصفة قائلاً: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟"، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: "أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ"، ولنتذكر أن الابل أنفس أموال العرب في ذلك الزمان.

ومن ذلك: أن في حفظ القرآن رفعة في الدنيا والآخرة ونجاة من النار؛ "إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ"، وحين يدخل المؤمنون الجنة فإن حافظ القرآن يعلو غيره وتعلو منزلته، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا؛ فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تَقْرَؤُهَا"، قال ابن حجر الهيتمي: "الخبر خاص بمن يحفظه عن ظهر قلب، لا بمن يقرأ بالمصحف؛ لأن مجرد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها، ولا يتفاوتون قلة وكثرة".

ومنها: أن حافظ القرآن مع السفرة الكرام البررة؛ "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ يَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ؛ فَلَهُ أَجْرَانِ".

ومنها: أن حافظ القرآن أكثر الناس تلاوة له غالباً، فهو لن يحفظه حتى يكرره كثيراً، ولا يثبت حفظه إلا بالمراجعة المستمرة، وقد علمنا أن في تلاوة الحرف من كتاب الله عشر حسنات.

ومنها: أن حافظ القرآن الكريم يستطيع التلاوة في جميع أحواله، فهو يقرأ ماشياً ومضطجعاً، ويقرأ وهو يعمل بيده أو يقود سيارته، وفي السفر والحضر، أما غير الحافظ فلا يمكنه ذلك مهما حرص.

ومنها: أن حفظ القرآن زاد للخطيب والواعظ وللمعلم والمتكلم، فإذا كان يحفظه فهو بين عينيه تحضره الأدلة والشواهد، فينتقي منها ما يناسبه، بخلاف غير الحافظ حيث يعسر عليه الوصول إلى موضع الآية، فضلاً عن قراءتها حفظاً،

سهولة حفظ القرآن وتيسره


وبعد هذا التطواف في هذا البستان الحافل بالخيرات، لمن أقبل على كتاب الله وحفظ ما يستطيع منه، ينبغي لنا أن لا نحرم أنفسنا من هذا الخير، بل نرغب فيه ونتعاهد أنفسنا عليه، ونربي أولادنا على محبة كتاب الله -تعالى- وحفظ المستطاع منه، وهو -بحمد الله- سهل ميسر، ومتى أقبل المسلم على حفظه بعزيمة وهمة ورغبة فيما عند الله -تعالى-، مع شيء من الترتيب والمدارسة والمراجعة؛ فإنه لن تمضي عليه سنتان إلا وقد حفظه، أما إن كان عظيم الهمة قوي العزيمة، فسيحـفظه -بإذن الله- في أقل من ذلك كما معلوم متواتر.

وما أجمل أن يشب أولادنا على محبة كتاب الله -تعالى- وحفظه!، حيث إن أثر ذلك ملموس في السلوك والخلق، بل يكون معيناً لهم على دراستهم وتقويم ألسنتهم كما هو مشاهد معلوم.

لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية