مشاعر الأطفال

مشاعر الأطفال

مشاعر الأطفال


حاجة الأطفال إلى مراعاة مشاعرهم وملاطفتهم


جَاءَ فِي سِيرةِ ابنِ هِشَامٍ، عَنْ أُمِّ المُؤمِنينَ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَحَبَّ وَلَدِ أَبِي إلَيْهِ، وَإِلَى عَمِّي أَبِي يَاسِرٍ، لَمْ أَلْقَهُمَا قَطُّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا إلَّا أَخَذَانِي دُونَهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ، وَنَزَلَ قُبَاءَ، غَدَا عَلَيْهِ أَبِي، حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ، قَالَتْ: فَرَجَعَا حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، قَالَتْ: فَأَتَيَا كَالَّيْنِ كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى، قَالَتْ: فَهَشِشْتُ إلَيْهِمَا كَمَا كنت أصنع، فو الله مَا الْتَفَتَ إلَيَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، مَعَ مَا بِهِمَا مِنْ الْغَمِّ، قَالَتْ: وَسَمِعْتُ عَمِّي أَبَا يَاسِرٍ، وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاَللَّهِ، قَالَ: أَتَعْرِفُهُ وَتُثْبِتُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ؟ قَالَ: عَدَاوَتُهُ وَاَللَّهِ مَا بَقِيتُ.

هَلْ لاحَظتُم شَيئاً غَريباً في هَذهِ القِصّةِ؟ لا أَقصِدُ تَكذِيبَ اليَّهودِ وعَدَواتَهم مَعَ مَعرِفَتَهم للحَقِّ، وإنَّما أَقصِدُ ذَلِكَ المَوقِفَ الذي لَم تَنساهُ تِلكَ الطِّفلَةُ حَتى لَمَّا كَبُرَتْ، وَهُوَ عِندَما رَجَعَ أَبُوها وعَمُّها وَلَم يَلتَفِتْ إليها أَحدٌ مِنهُما، وَلَم يَأخُذَاها ويَضُّمَاها كَما هِيَ العَادةُ، وهَكَذا هِيَ مَشاعِرُ الأطفَالِ رَقيقةٌ كَالهَواءِ، وصَافيةٌ كَالسَّماءِ، لا يَعلَمونَ مَا نُعَانيهِ مِن مَتَاعبَ وهُمومٍ وأحزَانٍ، وإنَّما يُريدُونَنا أن نُبَادِلَهم والاهتِمامَ والحَنانَ، يَقُولُ يَعْلَى بنُ مُرَّةَ -رضي الله عنه-: "دُعِينَا مَع النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ- إلى طَعامٍ؛ فَإِذا حُسينٌ يَلعبُ فِي الطَّريق، فَأسرعَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ- أَمامَ القَومِ، ثُم بَسَطَ يَديهِ، فَجَعلَ الغُلامُ يَفِرُّ هَاهُنا وهَاهُنا، ويُضَاحِكُه النَبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ-، حَتى أَخذهُ، ثُم اعتَنَقَه، فَقَالَ: "حُسينٌ مِني وَأنَا مِنهُ، أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحبَّهُ".


مَشَاعرُ الأطفَالِ تَحتَاجُ إلى مُتَابعةٍ وَرِعَايَّةِ، وعَوَاطِفُهم تَفتَقِرُ إلى إشبَاعٍ وكِفايَّةٍ؛ مَا بَينَ كَلامٍ جَميلٍ، ومَا بَينَ ضَمٍّ وتَقبيلٍ، فَارحَموا الصِّغَارِ يَرحَمُكم الغَفَّارُ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ- الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حابِسٍ جالِساً، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشْرَةً مِنَ الْوَلَدِ ما قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَداً، فَنظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ-، ثُمَّ قالَ: "مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ".


مشاعر الأطفال تنمو بالاحترام والتقدير والمشاركة في الأحزان والأفراح


مَشَاعِرُ الأطفَالِ تَنمو بالاحتِرامِ وَالتَّقديرِ، وعَدَمِ الإهَانةِ والتَّحقيرِ، حَتى نُربيَّ جِيلاً عَزيزاً بِدِينِهِ كَاملَ الشَّخَصيَّةِ، يَكونُ فَرداً فَعَّالاً في بِناءِ الأهدَافِ المُستَقبَليَّةِ، أُتِيَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ- بشَرَابٍ فَشَرِبَ منه، وعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ، وعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: أتَأْذَنُ لي أنْ أُعْطِي هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ الغُلَامُ: واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ لا أُوثِرُ بنَصِيبِي مِنْكَ أحَدًا، قَالَ: "فَتَلَّهُ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ- في يَدِهِ".

مَشَاعِرُ الأطفَالِ تَحتاجُ إلى مُشارَكَتِنا في الأَحزَانِ والمَسَرَّاتِ، وإيَّاكَ أن تَحتَقِرَ مَا عِندَهُم مِن صَغيرِ الاهتِمَاماتِ، فَهُم لا يُفَكِّرونَ بِعَقلِ الرُّجولةِ، وإنَّما بِعَاطِفَةِ الطُّفولَةِ، فَعَنْ أَنسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ- يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَكَانَ لِي أَخٌ صَغِيرٌ، يُكَنَّى: أَبَا عُمَيْرٍ، وَكَانَ لَهُ نُغَيْرٌ " طَائرٌ "يَلْعَبُ بِهِ، فَمَاتَ نُغَرُهُ الَّذِي كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ فَرَآهُ حَزِينًا، فَقَالَ لَهُ: "مَا شَأْنُ أَبِي عُمَيْرٍ حَزِينًا؟" فَقَالُوا: مَاتَ نُغَرُهُ الَّذِي كَانَ يَلْعَبُ بِهِ يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟".

مَشَاعِرُ الأطفَالِ يَأسِرُها اهتِمَامُ الكِبَارِ كَسُؤالِكَ عَنهُ، وعَنْ درَاستِهِ والاختبارِ، والسَّلامِ إذا لَقِيتَهُ، واستِمَاعِ حَديثَهُ البَسيطَ، بَل وعِيَادَتِهِ إذا مَرِضَ في البيتِ، أو في المُستَشفى، فَعَنْ أَنَسِ بنِ مَالكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ- فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ: "أَسلِم"، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَطِع أَبَا القَاسِمِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ-، فَأَسلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ-، وَهُوَ يَقُولُ: "الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ".


حاجة الأطفال إلى الاهتمام والشَّكر والثَّناء


مَشَاعِرُ الأطفَالِ عِندَما يُحسِنونَ تَحتَاجُ مِنَّا إلى الشَّكرِ والثَّناءِ، فَإنَّهم لا يَنسَونَ أَبَداً كَلِماتِ المَدحِ والدُّعاءِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ- الخَلاَءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: "مَنْ وَضَعَ هَذَا؟" فَأُخْبِرَ، قَالَ: فَضَمَّنِي، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وعَلِّمْهُ الكِتَابَ"، وهَكَذا كَثيرٌ مِن المَواقفِ التي رَاعى فيها النَّبيُّ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- مَشَاعِرَ الأطفَالِ، فَأَخرَجَ للتَّاريخِ خَيرَ الأجيالِ.


المصدر : من خطبة فضيلة الشيخ هلال الهاجري

لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :



عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية