مقاصد الحج وغاياته

مقاصد الحج وغاياته

✨مقاصد الحج وغاياته✨


الحج شرع لمقاصد سامية


الحج ركن من أركان الإسلام، وعمل تغفر به الذنوب والآثام، وطريق موصل إلى الجنة دار السلام، ومذكر بحقيقة الدنيا وما فيها من الزينة والحطام، ومعلق القلوب بالآخرة, مذكر بيوم الحشر والزحام.

لقد فرض الله الحج على المستطيعين من أمة الإسلام، وجعله ركناً من أركان الإسلام، وحث على أدائه والقيام به حال حصول القدرة والاستطاعة فقال: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران : 97].

مقاصد الحج


إن الله -سبحانه وتعالى- شرع الحج وأمر به وذلك لتحقيق مقاصد سامية، وأهداف عظيمة، والوصول إلى درجات عالية، لا تتحقق إلا بالوصول إلى تلك البقاع المقدسة, والقيام بأداء تلك المشاعر العظيمة, في تلك الأماكن الطاهرة النقية، ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران 96: 97].

تحقيق العبودية لله:

إن من أعظم مقاصد الحج وأهم غاياته: تحقيق العبودية والخضوع والاستسلام لله رب العالمين، وإظهار العجز والفقر والمسكنة له -جل جلاله وعز كماله-، وتحقيق التوحيد الخالص لوجهه الكريم -سبحانه وتعالى-. حيث إن من أعظم شروط الحج الإخلاص لله، وأداء فريضة الحج لوجه الله، لا يريد الحاج بذلك رياء ولا فخراً ولا سمعة؛ من أجل أن يقال حج فلان، أو ذهب للحج فلان، أو يسمى بالحاج فلان، كل هذا يجب على الحاج أن يتخلص منه ويبتعد عنه، لأن من حج بهذه النية وهذا القصد فإن حجه مردود غير مقبول.
وفي كل مناسك الحج يتحقق التوحيد والإخلاص لله وحده، فعند الإحرام يجب على الحاج أن يصحح النية ويخلصها لله رب العالمين، وعند التلبية يرفع صوته بتلبية التوحيد وإعلان البراءة من كل شريك مع الله، فيقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" والطواف كالصلاة يجب فيه الإخلاص لله، فتوحيد الله والإخلاص له من أسمى مقاصد الحج وغاياته.

تذكر تاريخ الإسلام العريق:

من مقاصد الحج وأهدافه أن يتذكر الحاج تاريخ الإسلام العريق وماضيه الإسلامي المشرق، فالبيت العتيق له تاريخ عريق يذكرك بأنبياء الله السابقين ورسله الأولين، بدءً من عهد نبي الله آدم -عليه السلام-، مروراً بعهد سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، إلى عهد خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين-، يقول الله -تبارك وتعالى-: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران 96: 97]. وأخرج البخاري ومسلم عن أَبَي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ المَسْجِدُ الأَقْصَى قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ"

إن الحج يذكرك بهذا التاريخ العظيم وذلك الماضي الجميل، ويربطك بتاريخ الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام-، عندما وضِع هذا البيت المبارك في العهد القديم، قبل عهد سيدنا آدم -عليه السلام-، ثم جاء بعده سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بعد أزمان طويلة، فنزل بأهله في ذلك المكان الذي أمره الله بالنزول فيه، وترك أهله هناك، وحصل لزوجته ما حصل من القصص الجميلة والذكريات الشيقة، التي على إثرها رفع البيت وبني، وشرع السعي بين الصفا والمروة، والشرب من ماء زمزم، وذبح الأضحية، ورمي الجمرات، وغير ذلك من الذكريات، ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: 37].

إن لهذا البيت العتيق تاريخ مضيء وذكريات رائعة في عهد النبي --صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام-، فالحاج إلى هناك سيتذكر عند دخوله إلى الحرم ورؤيته للكعبة المشرفة وضع الصحابة -رضي الله عنهم- عندما كانوا مستضعفين في مكة، وكان المشركون يأتون إليهم وهم يصلون عند البيت فيضعون على ظهورهم سلاء الجزور والقاذورات، ويتذكر ما حصل للمسلمين بعد ذلك من عز ونصر وتمكين بدخول مكة وفتحها، وما حدث للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيها من إسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وما في ذلك من الحكم والعبر في تلك الرحلة العجيبة، رحلة الإسراء والمعراج.

تعظيم الحرمات وتقديس المقدسات:

ومن مقاصد الحج العظيمة أنه يغرس في نفسية المسلم تعظيم الحرمات وتقديس المشاعر والمقدسات، فللحرم خصوصيات لا يختص بها غيره من سائر البقاع والأمكنة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة: "إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا"

فلم تقتصر حرمته على حرمة القتال فيه فقط، وإنما تجاوزت حرمته إلى أبعد من ذلك، فلا يكفي أن يأمن الناس فيه على أنفسهم وأرواحهم فقط، وإنما أيضاً جعل حرمته شاملة وأمنه عام حتى على الممتلكات والأموال والحيوانات والنباتات، فلا يقطع شجره، ولا ينفر صيده فضلاً عن اصطياده، ولا يحصد عشبه وكلأه، ولا تؤخذ لقطته إلا من أخذها ليعرفها ويشهرها، ويحفظها لمالكها.

تذكير المسلم بالآخرة:

ومن أعظم مقاصد الحج وأعلى خصاله: أنه يذكر المسلم بالآخرة، ويربطه ارتباطاً مباشراً بالقيامة، ويذكره بها، ويريه مناظر مصغرة منها، فالموقف الأعظم الذي يجمع الله فيه الخلائق جميعاً يرى الحاج نسخة مصغرة منه في اجتماع الحجيج في موقف عرفات، ولباس الإحرام يشبه ملابس الأكفان, والطواف بالبيت العتيق يذكره بلقاء رب البيت, فإن من زار بيتًا طمع في لقاء صاحبه.

فاغتنموا هذا الموسم العظيم، واستفيدوا من مقاصده وغاياته، واجعلوه فرصة لكم في طي صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة مع الله، فتعودوا منه كيوم ولدتكم أمهاتكم.

أكثر من الصلاة على النبي يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
0

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية