محتويات المقال
التكبر في الاسلام وعقوبته
قبح صفة التعالي
في دروب الحيدة عن الحق والتجافي عن سلوك سبيل الرُّشد والمخالفةِ عن صفات أولي الألباب ومناهج الصفْوة من عباد الرحمن تكثُر الأدواء، وتعظُم العلل، وتستحكمُ الآفات، ويصيب النفسَ منها شرٌّ عظيم، تقف به على شفا خطر داهم، حين يعزُّ الدواء ويعسُر البرء ويمتنع الشفاء.
وإنما يصيب النفسَ من أدواء تتنوَّع ألوانُه وتتباين ضروبه وتتعدَّد وجوهه، غير أن من أعظم هذه الأدواء شراً وأشدِّها نُكرا وأبعدِها أثرًا ما يقع لفريق من الناس من إغراقٍ في الأثَرَة وإيغالٍ في طلب التفرّد، حتى يبلغَ به الأمرُ أن يُسرف على نفسه فينظرَ إليها نظرَ الرضا والإعجاب واعتقادِ الكمال، ويرى لها من العلوِّ والرفعة والمقامات ما لا يراه أو يُقرُّ به لغيرها.
بيان القرآن لعاقبة العلو في الأرض
ثم إن هذه الخَلَّة المقبوحةَ قد تتمادى بصاحبها حتى تحملَه على ردِّ الحق ومقاومته، وعدم الإذعان له، والاستكبارِ عن آيات الله، والاستطالة على عباد الله في أموالهم أو أنفسهم أو أعراضهم، وكل أولئك مما استلزم معالجةً دقيقة محكمةً تولاها الذكر الحكيم حيث بيّن سبحانه جملةً من صنائع بعض من علا في الأرض بغير الحقِّ في معرض الذمّ لهم والتنفير من سلوك سبيلهم، مع بيان سوء مآلهم وقبح عاقبتهم، فقال سبحانه في شأن فرعونَ موضحاً أن علوَّه في الأرض كان السببَ فيما لقيه أهلُها من ذلٍّ وصغار وعذاب وبلاء، فقال سبحانه: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْىِ نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص:4 ]
وقال سبحانه في شأن فرعون وملئه حين أرسل إليهم نبيه موسى عليه السلام، فكان استكبارُهم وعلوُّهم في الأرض سببَ التكذيب الذي استوجب الهلاكَ فقال سبحانه: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَـارُونَ بِـئَايَـاتِنَا وَسُلْطَـانٍ مُّبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَـالِينَ فَقَالُواْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَـابِدُونَ فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ الْمُهْلَكِينَ﴾ [المؤمنون:45-48]، وأوضح جل وعلا أن الباعث لهم على الجحود بالآيات البينات الواضحات التي أيَّد الله بها موسى عليه السلام إنما هو هذا العلوُّ البغيض وقرينُه الظلم الطاغي، فقال عزَّ اسمه: ﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ ءايَـاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـاذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَجَحَدُواْ بِهَا وَسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل:13، 14].
العلو طريق إلى الكبر
لو لم يكن لهذه الخَلَّة المنكورة من سوءٍ سوى ما تُحدِثه في البناء النفسي للفرد من فسادٍ عريض لكفى بذلك حاملاً لأولي النهي على الحذر منها والتجافي عنها والخشية من التردي في وهدتها، فكيف وقد جاء الوعيد الشديد للمتصِف بها مع بيان منتهى حالها ووبال أمرها؟! أفليست توقع صاحبَها في موبقةِ الكبر الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مآل صاحبه في الدار الآخرة بقوله فيما أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَلْعَـاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص:83].
مدح العلو بالحق واستباق الخيرات
إنَّ رفعةَ درجاتِ المتقين ورُقيَّ منازلِ الأبرار وسُموَّ مراتبِ المجتهدين وعلوَّ مقامات العاملين ليس من العلو الذي ذمَّه الله في شيء؛ لأنه علوٌّ بالحق باستباق الخيرات والتنافس في الباقيات الصالحات.
وصف الله للمؤمنين بأنهم الأعلون
وقد وصف سبحانه عباده المؤمنين وجندَه الصادقين بأنهم الأعلَون في قوله سبحانه: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:139]
وقال سبحانه في صفة موسى عليه السلام: ﴿قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى﴾ [طه:68]، لأنه ظهورٌ بالحق وغلبةٌ للدين الذي كتب الله له الغلبة على كل الأديان بقوله سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِلْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [الصف:9]، وقال سبحانه: ﴿فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُواْ إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ﴾ [محمد:35].
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: مواضيع دينية منوعة