محتويات المقال
الحور العين
تفضل الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين بالأجر العظيم والجزاء الحسن في الآخرة، وأعد لهم من أصناف النعيم في جنة الخلد ، الذي لم تره عين ، ولم تسمع به أذن ، ولم يخطر على قلب بشر ، ومن النعيم : الحور العين.
الحور العين في القرآن الكريم
- قال اللهُ تعالى: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴾[النبأ: 31-33] .
قال السَّعْديُّ: (ولَهم فيها زَوجاتٌ على مَطالِب النُّفُوسِ كَواعِبَ وهي: النَّواهدُ اللَّاتي لَم تَتَكَسَّر ثُدِيُّهنَّ؛ مِن شَبابِهنَّ، وقُوَّتِهنَّ ونَضارَتِهنَّ. والأترابُ اللَّاتي على سِنٍّ واحِدٍ مُتَقارِبٍ، ومِن عادةِ الأترابِ أن يَكُنَّ مُتَآلِفاتٍ مُتَعاشِراتٍ)
وقال ابنُ عُثيمين: (وَأَتْرَابًا أي: على سِنٍّ واحِدةٍ لا تَختَلِفُ إحداهنَّ عَنِ الأُخرى كِبَرًا كَما في نِساءِ الدُّنيا؛ لِأنَّها لَوِ اختَلَفتْ إحداهنَّ عَنِ الأُخرى كِبَرًا فرُبَّما تَختَلُّ المُوازَنةُ بينَهما، ورُبَّما تَكُونُ إحداهما مَحزُونةً إذا لَم تُساوِ الأُخرى، لَكِنَّهنَّ أترابٌ) - قال تعالى : ﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾[الواقعة: 35-37] .
قال السَّمعانيُّ: (قَولُه: فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا أي: عَذارى. قال الضَّحَّاكُ: أهلُ الجَنةِ لا يَأتُونَ النِّساءَ مِن مَرَّةٍ إلَّا وجَدوهنَّ عَذارى. وقَولُه تعالى: عُرُبًا أي: مُحَبَّباتٍ إلى أزواجِهنَّ. وعَنِ ابنِ عَبَّاس: عَواشِقَ لِأزواجِهنَّ. - قال تعالى : ﴿ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾ [الرحمن: 56].
قال ابنُ جريرٍ: (لم يجامِعْهنَّ إنسٌ قَبْلَهم ولا جانٌّ) - قال الله تعالى : ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ﴾[الصافات: 48]
وقال السَّعْديُّ: (أي: وعِندَ أهلِ دارِ النَّعيمِ في مَحلَّاتِهمِ القَريبةِ حُورٌ حِسانٌ كامِلاتُ الأوصافِ، قاصِراتُ الطَّرْفِ، إمَّا أنَّها قَصَرَت طَرْفَها على زَوجِها، لِعِفَّتِها وعَدَمِ مُجاوزَتِه لِغَيرِه، ولِجَمالِ زَوجِها وكَمالِه، بحيثُ لا تَطلُبُ في الجَنةِ سِواه، ولا تَرغَبُ إلَّا به، وإمَّا لِأنَّها قَصَرَت طَرْفَ زَوجِها عليها، وذَلِكَ يَدُلُّ على كَمالِها وجَمالِها الفائِقِ، الَّذي أوجَبَ لِزَوجِها أن يَقصُرَ طَرْفَه عليها، وقِصَرُ الطَّرْفِ أيضًا يَدُلُّ على قِصَرِ النَّفسِ والمَحَبَّةِ عليها، وكِلا المَعنيينِ مُحتَمَلٌ، وكِلاهما صَحيحٌ، وكُلُّ هذا يَدُلُّ على جَمالِ الرِّجالِ والنِّساءِ في الجَنَّةِ، ومَحَبَّةِ بَعضِهم بَعضًا مَحَبَّةً لا يطمَحُ إلى غيرِه، وشِدَّةِ عِفَّتِهم كُلِّهم، وأنَّه لا حَسَدَ فيها ولا تَباغُضَ ولا تَشاحُنَ؛ وذَلِكَ لِانتِفاءِ أسبابِه). - قال الله تعالى : ﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ [الرحمن: 56].
قال النَّسَفيُّ: ( قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ نِساءٌ قَصَرْنَ أبصارَهنَّ على أزواجِهنَّ لا يَنظُرْنَ إلى غيرِه) - قال الله تعالى : ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ﴾[الرحمن: 70-72].
قال ابنُ عُثيمين: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ في الْخِيامِ الحَوراءُ هي الجَميلةُ الَّتي جَمُلَت في جَميعِ خَلقِها، وبالأخَصِّ العينُ: شَديدةُ البياضِ، شَديدةُ السَّوادِ، واسِعةٌ مُستَديرةٌ مِن أحسَنِ ما يَكُونُ، مَقْصُوراتٌ أي: مُخَبَّآتٌ في الخِيَامِ جَمعُ خيمةٍ، والخيمةُ مَعرُوفةٌ هي بناءٌ لَه عَمُودٌ وأَرْوِقةٌ، لَكِنَّ الخيمةَ في الآخِرةِ ليسَت كالخيمةِ في الدُّنيا، بَل هي خيمةٌ مِن لُؤْلُؤةٍ طُولُها في السَّماءِ مُرتَفِعٌ جِدًّا، ويُرى مَن في باطِنِها مِن ظاهرِها، ولا تَسألْ عَن حُسْنِها وجَمالِها، هَؤُلاءِ الحُورُ مَقصُوراتٌ مُخَبَّآتٌ في هذه الخيامِ على أكمَلِ ما يَكُونُ مِنَ الدَّلالِ والتَّنعيمِ). - قال الله تعالى : ﴿وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُونِ﴾ [الواقعة: 22 – 23].
قال السَّمعانيُّ: (قَولُه: كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ أيِ: اللُّؤْلُؤِ المَكنُونِ في أصدافِه لَم تَنَلْه يَدٌ) - قال تعالى : ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: 56-58].
قال ابنُ جَريرٍ: (يَقُولُ تعالى ذِكرُه كَأنَّ هَؤُلاءِ القاصِراتِ الطَّرَفَ اللَّواتيَ هن في هاتينِ الجَنتينِ في صِفائِهنِ الياقُوت الَّذي يُرى السِّلكَ الَّذي فيه مِن ورائِه، فكَذَلِكَ يُرى مَخَّ سُوقَهنَ مِن وراءِ أجسامِهن، وفي حَسنِهنِ الياقُوت والمَرجانِ.
الحور العين في السنة
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصف الجنة وما فيها من النعيم؛ حثا للناس على الاجتهاد في الطاعات حتى ينالوا الجنة، ومما ذكره النبي صلى الله علبه وسلم في الجنة : "الحور العين".
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ علَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، والذينَ علَى إثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ علَى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ، لا اخْتِلَافَ بيْنَهُمْ ولَا تَبَاغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ منهمْ زَوْجَتَانِ، كُلُّ واحِدَةٍ منهما يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِن ورَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الحُسْنِ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وعَشِيًّا، لا يَسْقَمُونَ، ولَا يَمْتَخِطُونَ، ولَا يَبْصُقُونَ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ والفِضَّةُ، وأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، ووَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الألُوَّةُ - قالَ أَبُو اليَمَانِ: يَعْنِي العُودَ -، ورَشْحُهُمُ المِسْكُ».
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن لكل واحد من أهل الجنة زوجتين، وفي الصحيحين: «أنهما من الحور العين»، وأنهما في غاية الحسن والصفاء، حتى إنه يرى الرائي مخ ساقها من وراء اللحم؛ من الحسن، فهي -لصفاء جسدها، ورقة بشرتها- جسم شفاف يكشف عما بداخله، فيرى الناظر إليها مخ عظام ساقها من وراء لحمها؛ قال تعالى: ﴿كأنهن الياقوت والمرجان﴾ [الرحمن: 58]. - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ....ولو أنَّ امْرَأَةً مِن نِسَاءِ أهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إلى الأرْضِ لَأَضَاءَتْ ما بيْنَهُمَا، ولَمَلَأَتْ ما بيْنَهُما رِيحًا، ولَنَصِيفُهَا -يَعْنِي الخِمَارَ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما فِيهَا».
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن لو امرأة من نساء أهل الجنة ، والمراد بهن الحور العين، أظهرت نفسها إلى الأرض؛ لأضاءت ما بين السماء والأرض، ولملأت ما بينهما ريحا طيبة؛ وذلك لكمال خلقهن، «ولنصيفها» يعني الخمار وما تغطي به رأسها، وقيل: النصيف المعجز وهو ما تلويه المرأة على رأسها، وهو كالعصابة تلفه على استدارة رأسها، «خير من الدنيا وما فيها» من متاعها، وهذا إخبار عن أنوار جمالها، وعن طيب ريحها، وعن ظاهر ملبوسها؛ فكيف بجمالها وباطن ملبوسها الذي هو نعيم من نعم الجنة؟! - وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ أزواجَ أهلِ الجنةِ ليغُنِّين أزواجَهنَّ بأحسنِ أصواتٍ ما سمعها أحدٌ قطُّ ، [ إنَّ مما يُغنِّين : نحن الخيراتُ الحسانُ*أزواجُ قومٍ كِرامُ*ينظُرْن بقُرَّةِ أعيانٍ ، و إنَّ مما يُغنِّين به : نحن الخالداتُ فلا يَمُتْنَه*نحن الآمِناتُ فلا يخَفْنَه*نحن المقيماتُ فلا يَظَعْنَه ».
في هذا الحديث، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أزواج أهل الجنة"، وهذا يعم الحور العين وغيرهن من مؤمنات الآدميين، وفي رواية عند الطبراني عن أنس رضي الله عنه: "إن الحور في الجنة يغنين"؛ فدل على أن المقصود الزوجات من حوريات الجنة "ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط"، أي: لم يسمعها أحد في دار الدنيا؛ وذلك أن في الجنة من النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، "إن مما يغنين: نحن الخيرات الحسان"، أي: الطيبات المختارات الجميلات، "أزواج قوم كرام"، أكرمهم الله؛ فأدخلهم الجنة "ينظرن بقرة أعيان"، أي: ينظرن إلى أزواجهن بعيون تملؤها السعادة برغد العيش، "وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه"؛ فالخلود قضاء الله لأهل الجنة، "نحن الآمنات فلا يخفنه"؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمنهن، فلا يخفن من شيء، "نحن المقيمات فلا يظعنه"، أي: لا يسافرن، ولا يبعدن عن الجنة، وعن أزواجهن . - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال :قال رسول الله ﷺ : «لاَ تؤذي امرأةٌ زوجَها في الدُّنيا ، إلاَّ قالت زوجتُهُ منَ الحورِ العينِ لاَ تؤذيهِ قاتلَكِ اللَّهُ فإنَّما هوَ عندَكِ دخيلٌ يوشِكُ أن يفارقَكِ إلينا».
وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا"، أي: تتسبب أو تصيب زوجها المؤمن بشر، بقول أو فعل ينهى عنه الشرع، "إلا قالت زوجته"، أي: من أهل الجنة، وهي "من الحور العين"، والحوراء هي شديدة بياض العين، والعين- بالكسر- هي واسعة العين: "لا تؤذيه، قاتلك الله"، أي: عاداك أو قتلك أو لعنك، وهي غالبا كلمة تستخدم على اللسان ولا يراد حقيقة معناها، كـ"ثكلتك أمك" ونحو ذلك، "فإنما هو عندك دخيل"، أي: ضيف غريب نزيل عندك، "يوشك أن يفارقك إلينا"، أي: قريبا يتركك ويدخل الجنة فيكون معنا.
المرجع : الدرر السنية
لا تنس ذكر الله
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: مواضيع دينية منوعة