محتويات المقال
تعامل النبي مع أهل بيته
نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هو القدوة والأسوة الحسنة
مِنْ نعم الله -تعالى- علينا, أنْ أوجد لنا قدوةً صالحةً في ديننا ودنيانا, نهتدي بهديه, ونستن بسنته.
ولكنّ هذا القدوة والأسوة الحسنة, لا يُمكن أنْ يَنْتَفِعَ به إلا مَن آمن به وبما جاء به, وامتلأ قلبُه محبةً له, قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
فالحمد لله الذي شرّفنا به, وجعلنا ننهل من معينه الصافي في جميع شئون حياتنا, ونستمد منه النور والْهداية.
أعظم قدوةٍ داخل بيته ومع زوجاته
لم يكن رسولُنا أسوةً لنا في الدين فحسب, ولا في تعامله خارج بيته مع أصحابه أو أعدائه, بل كان أعظم قدوةٍ داخل بيته ومع زوجاته.
فلْنستمع إلى شيءٍ من تعامله وهديه في بيتِه:
سُئلت عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ فقَالَتْ: "كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ"
وسُئلت مرَّةً -رضي الله عنها-: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: "نَعَمْ، كَانَ بشراً من البشر, يخدم نفسه، ويَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، ويحلب شاته، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ"
نعم, هكذا كان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخدمُ أَهْلَه, أي: يُساعدهم في أشغالهم, ويُعينهم على حوائجهم
لم يكن مُتوسِّداً ومُتَّكئاً, ويُصدر الأوامر والطلبات, كما يفعله الكثير منَّا إلا من رحم الله.
وكان يخدم نفسه, أي يقوم بكفاية نفسه وحاجيَّاته, من إصلاح نعله, وخياطة ثوبه, وحلبِ شاته, كلُّ هذه الأعمال التي يندر أنْ يقوم بها أحدٌ من الرجال, يقوم بها أعظم وأكرمُ الأنبياء والرُّسل.
مَن مِنَّا يخدم نفسه في بيته؟ بل الكثير مِنَ الناس يرى أنّ ذلك من المهانة, وقلَّةِ الهيبة والرجولة, والنبيُّ الأكرم, والرسول الأعظم: يفعل ذلك مع جلالته ومكانته, فهو قائد الدولة, ونبيُّ الأمة, وهو الذي يتسابق الصحابةُ إلى فضلِ وَضوئه, ويتنافسون إلى التقاط ما سقط من شعره, ويُسارعون إلى نعاله ليلبسها, وهم رهنُ إشارته, وطوعُ أوامره.
ومع ذلك, كان مُتواضعاً غاية التواضع, حيث يخدم نفسه بنفسه, بل يخدم أزواجه ويُعينهن في بيوتهن.
وكان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرَ المزاح في بيته, حتى وإنْ كان مريضاً مُتعباً, تقول عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: رَجَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ جَنَازَةٍ بِالْبَقِيعِ، وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي، وَأَنَا أَقُولُ: وَارَأْسَاهْ قَالَ: "بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ"، ثم قَالَ: "مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي، فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ، وَدَفَنْتُكِ؟" قُلْتُ: لَكَأَنِّي بِكَ وَاللهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ, رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ، قَالَتْ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ بُدِئَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ".
تأملوا في هذا اللطف العظيمِ والأخلاقِ الرفيعة, كيف يُداعب زوجته وهو في مرض موته ووجع رأسه, بل وهو راجعٌ من جنازةٍ, فإذا كان يُعاملها وهو في هذه الحالة التي لا تنشط النفسُ لمثل ذلك, فكيف به في حال صحته وعافيته؟!
صور من حلمِه -صلى الله عليه وسلم- وحسن تعاملِه مع أهله
وكان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيته يرى ما لا يُعجبه من أزواجه, بل ورُبَّما حصل من إحداهنّ تصرُّفٌ سيِّءٌ في حقه, ومع ذلك كان يتعامل مع هذه المواقف بالحلم والرفق.
روى البخاريُّ في صحيحه أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ مرَّةً عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بإناءٍ فِيه طَعَامٌ، فغارتْ زوجته هذه التي هو فِي بَيْتِهَا, فَضَرَبَتِ يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَ الإناء فَانْكسر.
يا له من موقفٍ ما أصعبه على نفوس الرجال, وما أحراه أنْ يكون سببًا للخصام والطلاق أيضًا, فماذا فعل النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع هذه المرأةِ, التي تجرَّأت على هذا الفعل؟
جعل يجمَعُ ما تناثر من أجزاء الإناء الْمكسور، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيه الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِيه وَيَقُولُ: "غَارَتْ أُمُّكُمْ".
ثُمَّ قَالَ: "كُلُوا", وكأنَّ شيئاً لم يكن, فَأَكَلُوا وشبعوا, فلما انتهوا, دَفَعَ إِلَى الخادم إناءً آخر، وَتَرَكَ الْمَكْسُورَ في بيت التي كسرته, وانتهت المشكلةُ بهذا التصرُّف الحكيم.
بل ربَّما أكثر نساؤه من مُطالبتهنّ في النفقة, وألححن عليه أنْ يُعطيَهنْ من المال والمتاع, كما يحصل للأزواج غالباً, وهو لا يملك ذلك ولا يجده, فلم يكن يزجرهنّ ويعيب عليهن هذا الإلحاح.
ولقد بلغ من حلمِه -صلى الله عليه وسلم- وحسن تعاملِه, أنّ أزواجَه أرسلن إليه من يطلب منه أن يعدل بينهن, وألا يميل مع عائشة ويُفضّلها عليهنّ, ومع ذلك تعامل مع هذا الموقف بالرفق والحلم, ولم يقل: كيف يَتَّهِمْنَنِي بعدم العدل كما هو حال الكثير مِنَّا.
بل كان يصفح ولا يجرح, ويُداري من حوله ويبتسم, ولا يأخذ بحقّه وينتقم, إلا أن تُتنهكَ حُرماتُ الله.
بل إِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ اليَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ, وتُرَاجِعُه الأخرى حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ, أي تُرَادُّه فِي الْقَوْل وَتُنَاظِره، حتى يغضب من ذلك؛ كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما.
أهمية الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من أجل الابتعاد عن مشاكل البيوت
فلْنتأس بتعامله مع زوجاتِه, فقد جرّبنا كل الطرق في علاج المشاكل الزوجيّة, فعلينا بالسير على هديه, والاقتداءِ بتعامله وخُلُقِه, فسوف نرى التَّغَيُّرَ في حياتنا الأسرية والزوجيّة, وسوف تتلاشى الخلافاتُ والْمُنَغِّصات.
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100