محتويات المقال
الشرك
تعريف الشرك
الشرك هو جعل شريك لله تعالى في ربوبيته وإلهيته. والغالب الإشراك في الألوهية بأن يدعو مع الله غيره، أو يصرف له شيئا من أنواع العبادة: كالذبح والنذر والخوف والرجاء والمحبة.
والشرك أعظم الذنوب، وذلك لأمور:
- لأنه تشبيه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية - فمن أشرك مع الله أحدا فقد شبهه به. وهذا أعظم الظلم، قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣] والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه. فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها، وذلك أعظم الظلم.
- إنَ الله أخبر أنه لا يغفر لمن لم يتب منه - قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨]
- إن الله أخبر أنه حرم الجنة على المشَرك، وأنه خالد مخلد في نار جهنم - قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: ٧٢]
- إن الشرك يحبط جميع الأعمال - قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ٨٨] وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٦٥]
- إن المشرك حلال الدم والمال - قال تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: ٥] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها»رواه البخاري ومسلم .
- إن الشرك أكبر الكبائر - قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين» . رواه البخاري ومسلم
- إن الشرك تنقص وعيب نزه الرب سبحانه نفسه عنهما - فمن أشرك بالله فقد أثبت لله ما نزه نفسه عنه، وهذا غاية المحادة لله تعالى، وغاية المعاندة والمشاقة لله.
قال العلامة ابن القيم (الجواب الكافي ص ١٠٩) : أخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر أن يعرف بأسمائه وصفاته، ويعبد وحده لا يشرك به. وأن يقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥]
فأخبر سبحانه أنه أرسل رسله، وأنزل كتبه، ليقوم الناس بالقسط وهو العدل - ومن أعظم القسط التوحيد، وهو رأس العدل وقوامه. وأن الشرك ظلم، كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣]
فالشرك أظلم الظلم. والتوحيد أعدل العدل. فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر - إلى أن قال: فلما كان الشرك منافيا بالذات لهذا المقصود كان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحرم الله الجنة على كل مشرك، وأباح دمه وماله وأهله لأهل التوحيد، وأن يتخذوهم عبيدا لهم لما تركوا القيام بعبوديته. وأبى الله سبحانه أن يقبل لمشرك عملا. أو يقبل فيه شفاعة. أو يجيب له في الآخرة دعوة. أو يقبل له فيها رجاء. فإن المشرك أجهل الجاهلين بالله. حيث جعل له من خلقه ندّا. وذلك غاية الجهل به - كما أنه غاية الظلم منه - وإن كان المشرك في الواقع لم يظلم ربه، وإنما ظلم نفسه - انتهى.
أنواع الشرك
الشرك نوعان:
النوع الأول:
شرك أكبر يخرج من الملة، ويخلد صاحبه في النار إذا مات ولم يتب منه - وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله - كدعاء غير الله والتقرب بالذبائح والنذور لغير الله من القبور والجن والشياطين. والخوف من الموتى أو الجن أو الشياطين أن يضروه أو يمرضوه - ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات مما يمارس الآن حول الأضرحة المبنية على قبور الأولياء والصالحين. قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: ١٨]النوع الثاني:
شرك أصغر لا يخرج من الملة، لكنه ينقص التوحيد، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر - وهو قسمان:القسم الأول: شرك ظاهر، وهو: ألفاظ وأفعال. فالألفاظ كالحلف بغير الله - قال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر وأشرك» رواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم
وقوله: ما شاء الله وشئت - قال صلى الله عليه وسلم: لما قال رجل: ما شاء الله وشئت. فقال : «أجعلتني لله ندّا؟! قل: ما شاء الله وحده» .
وقول: لولا الله وفلان - والصواب أن يقال: ما شاء الله ثم فلان، ولولا الله ثم فلان - لأن ثم للترتيب مع التراخي - تجعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله - كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٩]
وأما الواو فهي لمطلق الجمع، والاشتراك لا تقتضي ترتيباَ ولا تعقيبا. ومثله قول: ما لي إلا الله وأنت. وهذا من بركات الله وبركاتك.
وأما الأفعال: فمثل لبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه، ومثل تعليق التمائم خوفاَ من العين وغيرها، إذا اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاء أو دفعه، فهذا شرك أصغر. لأن الله لم يجعل هذه أسبابا. أما إن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر، لأنه تعلق بغير الله.
القسم الثاني من الشرك الأصغر: شرك خفي، وهو الشرك في الإرادات والنيات - كالرياء والسمعة - كأن يعمل عملا مما يتقرب به إلى الله، يريد به ثناء الناس عليه - كأن يحسن صلاته أو يتصدق لأجل أن يمدح ويُثنى عليه. أو يتلفظ بالذكر ويحسن صوته بالتلاوة لأجل أن يسمعه الناس فيثنوا عليه ويمدحوه. والرياء إذا خالط العمل أبطله - قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ١١٠]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر - قالوا: يا رسول الله؛ وما الشرك الأصغر؛ قال: الرياء» رواه أحمد والطبراني والبغوي في شرح السنة.
ومنه العمل لأجل الطمع الدنيوي - كمن يحج أو يؤذن أو يؤم الناس لأجل المال - أو يتعلم العلم الشرعي أو يجاهد لأجل المال. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة إن أُعطي رضي وإن لم يعط سخط» رواه البخاري
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وأما الشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له. وقل من ينجو منه. فمن أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئا من غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته - والإخلاص أن يخلص لله في أفعاله وأقواله وإرادته ونيته. وهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم، ولا يقبل من أحد غيرها، وهي حقيقة الإسلام. كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: ٨٥] وهي ملة إبراهيم عليه السلام التي من رغب عنها فهو من السفهاء. انتهى.
يتخلص مما مر أن هناك فروقا بين الشرك الأكبر والأصغر، وهي:
- الشرك الأكبر يخرج من الملة - والشرك الأصغر لا يخرج من الملة.
- الشرك الأكبر يخلد صاحبه في النار - والشرك الأصغر لا يخلد صاحبه فيها إن دخلها.
- الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال - والشرك الأصغر لا يحبط جميع الأعمال، وإنما يحبط الرياءُ والعملُ لأجل الدنيا العملَ الذي خالطاه فقط.
- الشرك الأكبر يبيح الدم والمال - والشرك الأصغر لا يبيحهما.
من كتاب التوحيد للفوزان
لا تنس ذكر الله
لا حول ولا قوة إلا بالله
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: مواضيع دينية منوعة