محتويات المقال
حال الصالحين في رمضان
قرب رحيل شهر رمضان
كل أمة ليس لها سلف أمة ضعيفة، تكثر أخطاؤها، وعلى العكس فالأمة التي لها سلف، تجدها تسير بخطى ثابتة، شامخة بين الأمم، ونحن في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- سلفنا رسولنا وصحابته الكرام، ومن تبعهم بإحسان، نتعطر بسِيَرهم، ونقتفي آثارهم، كلما مر بنا حدث رجعنا لسيرهم؛ فسرنا على خطاهم لا نَخْشى العثار.
فهذا الشهر المبارك، قد سطر سلفنا فيه سِيَرًا عظيمة تستنهض العزيمة، وتقوي الدافعية، وتثبّت الأقدام، نمر على بعض منها لتحيا القلوب، ويزول الفتور الذي ينصب على البعض في آخر الشهر المبارك، فكيف يفتر المرء في أيام أنعم الله عليه بإدراكها وقد حرمها الكثير؟!
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر
ولقد كان إمام سلفنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطي هذه الليالي حقها، كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان يَجتهِد في العشْر الأواخِر ما لا يَجتهِد في غيرها".
وفي الصحيحين تقول -رضِي الله عنْها-: "كان النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا دخَل العشْر، شدَّ مِئْزَرَه، وأحْيا ليْلَه؛ وأيْقظ أهله".
فضائل ليلة القدر
وأيام العشر كالليالي في الفضل، قال الشَّافعيُّ: "أستحبُّ أن يكونَ اجتِهادُه في نهارِها كاجتهادِه في ليلِها".
كيف وفيها ليْلة القدر، التي هي خير من عبادة ألْف شهر؛ أي: ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، قال بعض أهل العلم: "هِي خيرٌ من الدَّهر كلِّه؛ لأنَّ العرب تذكُر الألف غاية في العدد"، وهي ليلة ﴿تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾[القدر:4]، إنَّها اللَّيلة التي تتنزَّل فيها الملائكة حتَّى تكون أكثر في الأرض من عدَد الحصى، يؤمِّنون على دعاء النَّاس، ويسلِّمون على أنفُسِهم وعلى المؤمنين في المساجِد حتَّى يطلع الفجْر.
وهي ليلة الحُكْم؛ ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[الدخان: 4]، وهي الليلة التي مَن قامها إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه.
فوجب الاهتمام بهذِه اللَّيلة وتعْظيمُ أمرِها، قال الورَّاق: "سمِّيتْ ليلة القدر؛ لأنَّه نزل فيها كِتاب ذو قدْر، على لسان مَلَك ذي قدْر، على رسولٍ ذي قدْر، وأمَّة ذات قدْر".
فيا مَن أراد الرفعة في الدارَين، وأراد الفوز بالمرتبتَين، استغلَّ فرصة العشر؛ لجبر ما مضى.
الحكمة من إخفاء ليلة القدر
وقد أخْفاها ربُّنا -عزَّ وجلَّ- حتَّى لا يُقتصَر في العبادة عليْها، دون سائر العشر.
قال أهل العلم: "إنَّ الله أخْفى هذه اللَّيلة لوجوه؛ أحدها: أنَّه أخفاها كما أخْفى سائر الأشياء، فإنَّه أخفى رضاه في الطَّاعات حتَّى يرْغبوا في الكلِّ، وأخْفى غضبه في المعاصي ليحترِزوا عن الكلِّ، وأخفى الإجابة في الدُّعاء ليبالغوا في كلِّ الدعوات، وأخْفى قبول التوبة ليواظِب المكلَّف على جَميع أقسام التَّوبة".
وأرْجح الأقْوال أنَّها في الوِتْر من العشْر الأواخر، وأنَّها تنتقِل.
اهتمام السلف بالعشر الأخير من رمضان
ولقدِ اهتمَّ السَّلف بهذه العشْر، وهذه الليلة أيّما اهتِمام.
ولَم يكونوا يقتصِرون في إحياء العشر على أنفسهم، بل كانوا يوقظون نساءهم وأبناءهم، تأسِّيًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ابن رجب: "ولم يكُن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا بقي من رمضان عشَرة أيَّام، يدَع أحدًا من أهلِه يُطيق القيام إلاَّ أقامه".
اجتهاد السلف في العبادة دائمًا وخاصة في رمضان
لقد كان سلفنا الصالح يسابقون الأوقات والأنفاس في رمضان بفعل ما استطاعوا من خير، وكانوا يهتمُّون مع الصَّلاة بالقُرآن الكريم؛ فقد نقَلَ الذَّهبي عن الأسودِ بن زيْد: "أنَّه كان يَختم القرآن في رمضان في كلِّ ليلتَين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يَختم القُرآن في غير رمضان في كلِّ ستِّ ليال".
وهذا من خصائصِ هذا الشَّهر المبارك، الَّذي يبارك الله فيه للمخْلصين في أوقاتِهم وعبادتِهم، فلا عجب.
ويقول عبدالرَّحمن بن هرمز: "كان القرَّاء يقومون بسورة البقَرة في ثَمان ركَعات، فإذا قام بِها القرَّاء في اثنتَي عشرةَ ركعة، رأى النَّاس أنَّه خفّف عنْهم".
وأخرج أبو داود في سننه من حديث أبي ذر قال قام رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه مرَّة إلى ثلُث اللَّيل، ومرَّة إلى نصْف اللَّيل، فقالوا: لو نفلْتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: "إنَّه مَن قام مع الإمام حتَّى ينصرِف، كتب له قيام ليلة".
وقال سعيد بن المسيب قال: "ما فاتتْني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة، وما فاتتني التَّكبيرة الأولى منذ خَمسين سنة، وما نظرتُ في قفا رجُل في الصَّلاة منذ خَمسين سنة".
وقال وكيع: "كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفُتْه التَّكبيرة الأولى، واختلفتُ إليه قريبًا من ستِّين سنة، فما رأيتُه يقْضي ركعة واحدة".
وقال ابن وهب: رأيتُ سفيان في الحرَم بعد المغرب صلَّى، ثم سجد سجدةً، فلم يرفع رأسه حتى نُودِيَ للعشاء.
وقيل للحسن: ما بال المتهجِّدين من أحسن النَّاس وجوها؟ قال: "لأنَّهم خَلَوا بالرَّحمن، فألبسَهم نورًا من نورِه".
وقال أبو النضر إسحاق بن إبراهيم: "كنت أسمع وقْع دموع سعيد بن عبدالعزيز – يقصد إمام أهل الشام التنوخي – على الحصير في الصَّلاة".
وقال أبو عبدالرحمن الأسدي: قلت لسعيد بن عبدالعزيز: ما هذا الَّذي يعرض لك في الصَّلاة؟ يعني من البكاء، فقال: "يا ابن أخي، وما سؤالُك عن ذلك؟" قلتُ: لعلَّ الله أن ينفعني به، قال: "ما قُمتُ إلى الصَّلاة إلا مثلتْ لي جهنَّم".
وقال رجل للحسَن البصري: أعياني قيام الليل، فقال: "قيَّدتْك خطاياك".
وقال عبدالله بن داود: "كان أحدهم إذا بلغ أربعين سنة، طوى فراشه"؛ أي: كان لا ينام طول الليل، وينام في النهار قليلاً.
وقال أحمد بن حرب: "يا عجبًا لِمن يعرف أنَّ الجنَّة تُزَيَّن فوقه، وأنَّ النَّار تسعَّر تحته، كيف ينام بيْنهما؟!".
وقال الفُضَيْل بن عياض -رحِمه الله تعالى-: "إذا لم تقْدر على قيام اللَّيل، وصيام النَّهار، فاعلم أنَّك مَحْروم مكبَّل، كبَّلتك خطيئتُك".
وكان عبدالعزيز بن أبي روَّاد -رحِمه الله- يُفرَش له فراشه لينام عليْه باللَّيل، فكان يضَع يده على الفراش فيتحسَّسه ثمَّ يقول: "ما ألْيَنك! ولكن فِراش الجنَّة ألين منك"، ثمَّ يقوم إلى صلاته.
المرجع :
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: مواضيع دينية منوعة رمضانيات