رؤية الله في الجنة

رؤية الله في الجنة

رؤية الله في الجنة


أعلى نعيم أهل الجنة وأكمله


يَقُولُ اللهُ -تَعَالَى-: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[يونس: 26]، فِي هَذِهِ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ يُخْبِرُ اللهُ -تَعَالَى- أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ الْعَمَلَ فِي الدُّنْيَا بِتَحْقِيقِ الإِيمَانِ الْمَقْرُونِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ جَازَاهُ اللهُ بِحُسْنَى لاَ مَثِيلَ لَهَا فِي الدَّارِ الآخِرَةِ، وَزَيَادَةً أَيْضًا عَلَيْهَا؛ وَذَلِكَ لأَنَّهُ مُحْسِنٌ، وَاللهُ -تَعَالَى- قَالَ: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ﴾[الرحمن: 60]، فَأَمَّا الْحُسْنَى فَهِيَ الجنَّةُ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فهِيَ نَعِيمٌ زَائِدٌ يَحْصُلُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ فِي الجنَّةِ، وَهُوَ رُؤْيَةُ اللهِ -تَعَالَى- الَّذِي هُوَ أَعْلَى نَعِيمٍ فِي الْجَنَّةِ وَأَعْظَمُهُ وَأَكْمَلُهُ.


أدلة رؤية المؤمنين ربهم في الجنة


وَهَذَا النَّعِيمُ -وَهُوَ رُؤْيَةُ اللهِ -تَعَالَى- فِي الْجَنَّةِ- جَاءَ صَرِيحًا فِي الْقُرْآنِ، وَتَوَاتَرَتْ بِهِ الأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ -تَعَالَى-: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾[القيامة: 22- 23]، وَقَالَ كَمَا فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾[يونس: 26]، وقال: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾[ق: 35]، فَالزِّيَادَةُ وَالْمَزِيدُ فِي الآيَتَيْنِ رُؤْيَةُ اللهِ -تَعَالَى- فِي الْجَنَّةِ.

وَعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟"، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟"؛ أَيْ: هَلْ يَحْصُلُ لَكُمْ تَزَاحُمٌ وَتَنَازُعٌ يَتَضَرَّرُ بِهِ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ؛ لأَجْلِ رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ اكْتِمَالِهِ وَظُهُورِهِ فِي السَّمَاءِ، لاَ يُوجَدُ سَحَابٌ يَحْجُبُهُ عَنْكُمْ؟ قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ ..."

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "هَلْ تُمَارُونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟"، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ"؛ أَيْ: هَلْ تَشُكُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: "فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ"، وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ"

فَأَعْظَمُ نَعِيمٍ، وَأَجَلُّ تَكْرِيمٍ، الَّذِي لأَجْلِهِ ثَبَتَ الإِيمَانُ، وَصُدِّقَ الْغَيْبُ، وَأُزْهِقَتْ فِي سَبِيلِ اللهِ الْمُهَجُ، وَذَرَفَتِ الْعُيُونُ، وَكُوبِدَتِ الأَسْحَارُ، وَسَخَتِ الأَيَادِي بِالنَّفَقَاتِ، وَتَعَالَتِ النُّفُوسُ عَنِ الْحُظُوظِ، وَهُجِرَتِ الشُّبُهَاتُ وَالشَّهَوَاتُ؛ نَعِيمُ رُؤْيَةِ وَجْهِ الْكَرِيمِ -سُبْحَانَهُ-، الَّذِي لَهُ الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ، فَكُلُّ جَلاَلٍ وَكُلُّ كَمَالٍ، وَكُلُّ عِزٍّ وَكُلُّ جَمَالٍ للهِ -تَعَالَى-، وَكُلُّ خَيْرٍ وَإِحْسَانٍ، وَكُلُّ جُودٍ وَفَضْلٍ وَبِرٍّ مِنْهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

يَقُولُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ --تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ -عَزَّ وَجَلَّ-"، ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ اللهِ: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)[يونس: 26]"


أسباب رؤية الله -تعالى-


إنَّ مَعْرِفَةَ اللهِ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِهِ مِنْ أَطْيَبِ شَيْءٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لِمَنْ أَحَيْا اللهُ قَلْبَهُ، وَأَنَارَ بَصِيرَتَهُ بِنُورِ الإِيمَانِ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي الآخِرَةِ؛ فَهِيَ أَعْظَمُ مَطْلُوبٍ، وَأَجَلُّ مَرْغُوبٍ، وَهِيَ أَكْبَرُ نِعْمَةٍ وَمِنَّةٍ وَفَضْلٍ، هِيَ رُؤْيَةُ الْعَظِيمِ الْكَرِيمِ الْوَدُودِ الرَّحِيمِ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، الَّذِي مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَكُلُّ فَضْلٍ وَخَيْرٍ فَإِنَّهُ مِنْهُ -سُبْحَانَهُ-.

فَرُؤْيَتُهُ هِيَ النَّعِيمُ الْمُطْلَقُ، حِينَ تَرَى مَنْ تَوَلاَّكَ وَكَفَاكَ وَهَدَاكَ، وَرَزَقَكَ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالرَّحَمَاتِ وَالْبَرَكَاتِ، فَرُؤْيَتُهُ -سُبْحَانَهُ- هِيَ الْفَوْزُ بِأَعْظَمِ لَذَّةٍ عَلَى الإِطْلاَقِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ"

وَرُؤْيَةُ اَللَّهِ -تَعَالَى- مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِهَا تَحْقِيقُ اَلتَّوْحِيدِ وَالْبُعْدِ عَنْ اَلشِّرْكِ، قَالَ -تَعَالَى-: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف: 110]، قَالَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنِ اَلْمُبَارَكِ -رَحِمَهُ اَللَّهُ-: "مَنْ أَرَادَ اَلنَّظَرَ إِلَى وَجْهِ خَالِقِهِ، فَلْيَعْمَلْ صَالِحًا، وَلَا يُشْرِكْ بِهِ أَحَدًا".


المصدر :
لا تنس ذكر الله
أستغفر الله العظيم
0 / 100
عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية