محتويات المقال
رمضان شهر القرآن
شهر رمضان شهر توبة وبِرٍّ وإحسان
رمضانُ شهرُ عبادةٍ وتوبةٍ، شهرُ تقرُّبٍ وأوبةٍ، شهرُ توبةٍ ورجوعٍ، وإخلاصٍ وخشوعٍ، وسجودٍ وركوعٍ، شهرُ صيامٍ وقيامٍ، شهرُ برٍّ وإحسانٍ، وتلاوةٍ للقرآنِ.
للعبادة المقبولة أثر في القلب والجوارح
للعبادة المقبولة أثرٌ في الإيمان، فأثرُها في القلب والجَنان إصلاحُ النيةِ وتزكيةُ النفوسِ والتقوى، والإخلاصُ والخشوعُ لله الأعلى، وأثرُها في الجوارح والأركان الكفُّ عن المعاصي والمحرَّماتِ، والمثابَرةُ على فِعْل الخير والطاعات، فراقِبوا اللهَ في أعمالكم؛ فإن اللهَ لا ينظر إلى صُوَرِكم ولا إلى أجسامِكم، ولكِنْ ينظُر إلى قلوبِكم وأعمالِكم، ورُبَّ صائمٍ ليس له من صيامِه إلا العطشُ والجوعُ والنَّصَبُ، وربَّ قائمٍ ليس له من قيامِه إلا السهرُ والتعبُ.
العلاقة بين شهر رمضان والقرآن
إنَّ اللهَ قد أنزَل القرآنَ في شهر رمضان فقال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾[الْبَقَرَةِ: 185]، وقال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾[الْقَدْرِ: 1-5]، نزَل القرآنُ في ليلةِ القدرِ من رمضان، إلى بيت العزَّةِ في سماء الدنيا، ثم نزَل إلى الأرض منجَّمًا في ثلاث وعشرين سنةً، بحسب الوقائع وأسباب النزول، فقراءةُ القرآنِ في شهر نزولِه من أفضلِ القُرُباتِ، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُقبِل على قراءة القرآن في رمضان، وكان يأتيه جبريلُ في كل ليلة فيُدارِسُه القرآنَ، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريلُ، وكان جبريلُ يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارِسُه القرآنَ، فلَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريلُ أجودَ بالخير من الريح المرسَلَة"
فعليكم -عبادَ اللهِ- بقراءة القرآن، عليكم بقراءة القرآن، رَتِّلُوهُ وجَوِّدُوهُ، تفهَّمُوا معانِيَه وتدبَّرُوه، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَرَأَ حرفًا من كتاب الله فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقول: الم حرف، ولكِنْ أَلِفٌ حرفٌ، ولَامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ"، وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذا القرآن مَأدُبَةُ اللهِ، فتعلَّموا من مَأْدُبَتِه ما استطعتُم، إن هذا القرآن حبلُ اللهِ والنورُ المبينُ، والشفاءُ النافعُ، عصمةٌ لمَنْ تَمَسَّكَ به، ونجاةٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ، لا يزيغُ فيستعتب، ولا يعوج فيُقَوَّم، ولا تنقضي عجائبُه، ولا يَخْلَقُ عن كثرة الرَّدِّ، فَاتْلُوهُ فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات"
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقال لقارئِ القرآنِ يومَ القيامةِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كما كنتَ تُرَتِّلُ في الدنيا؛ فإنَّ منزلَتَكَ عندَ آخِرِ آيةٍ تقرؤها"، فاقرؤوا القرآنَ -عبادَ الله- ولا تهجروه، إيَّاكم ومقاطعةَ القرآن، إيَّاكم ونسيانَ القرآن؛ فإن ذلك حسرةٌ وندامةٌ، وانتكاسٌ ومَلامَةٌ، نعوذ بالله أن نكون ممَّن يخاصمهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، في الإعراض عن القرآن عند ربِّه: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾[الْفُرْقَانِ: 30].
التحذير من هجر القرآن
القرآنُ أعظمُ ذِكْرٍ لله -عز وجل-، وتركُ قراءتِه هجرٌ له وإعراضٌ عنه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾[طه: 124-126]، وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ المؤمنِ الذي يقرأ القرآنَ مثلُ الأُتْرُجَّةِ؛ ريحُها طيبٌ وطعمُها طيبٌ، وَمَثَلُ المؤمنِ الذي لا يقرأُ القرآنَ مَثَلُ التمرةِ؛ لا ريحَ لها وطعمُها حُلْوٌ، وَمَثَلُ المنافقِ الذي يقرأ القرآنَ مثلُ الريحانةِ؛ ريحُها طيبٌ وطعمُها مُرٌّ، ومَثَلُ المنافقِ الذي لا يقرأُ القرآنَ كَمَثَلِ الحنظلةِ؛ ليس لها ريحٌ وطعمُها مُرٌّ"
وقد كان السلف يحرصون على قراءةِ القرآنِ وسماعِه وتدبُّرِه، ولهم أورادٌ يوميةٌ لا يَفْتُرُونَ عنها، خصوصًا في هذا الشهر؛ ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾[الْبَقَرَةِ: 185]، فاحرِصوا على كثرة تلاوته، ولا تُزَاحِمْهُ الأجهزةُ والبرامجُ الملهيةُ.
قيام الليل دأب الصالحين
قيامُ الليلِ قُرْبَةٌ لا يحافِظ عليها إلا المؤمنونَ، وسُنَّةٌ لا يَصبِر عليها إلا المتقون، الذين يبيتون لربهم سُجَّدًا وقِيَامًا، الذين قال الله فيهم: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[السَّجْدَةِ: 16-17]، الذين مجَّدَهُم اللهُ فقال: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾[الذَّارِيَاتِ: 15-18].
عبادَ اللهِ: وقتُ التهجدِ من الليل أفضلُ أوقاتِ القُرَبِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾[الْمُزَّمِّلِ: 6]، وهو وقتٌ يَنزِلُ اللهُ فيه إلى سماء الدنيا ينادي: "هل مِنْ داعٍ فأستجيبَ له؟ هل مِنْ مستغفرٍ فأغفرَ له؟ هل مِنْ تائبٍ فأتوبَ عليه؟"، وهو وقتٌ تُفَتَّح فيه أبوابُ السماءِ، ويستجاب فيه الدعاءُ، وأعظمُ قُرْبَةٍ يتقرَّب بها المؤمنُ في هذا الوقت قراءةُ القرآنِ والصلاةُ، وأقربُ ما يكون العبدُ من ربه وهو ساجِدٌ، ﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾[الزُّمَرِ: 9].
وأفضلُ القيامِ قيامُ رمضانَ؛ فهو من آكَدِ السُّنَنِ، ومِنْ أفضلِ النوافلِ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، ومَنْ قام ليلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه"، وعن عروة بن الزبير -رضي الله عنه- أن أمَّ المؤمنينَ عائشةَ -رضي الله عنها- أخبرَتْه أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- خرَج من جوف الليل فصلَّى في المسجد، فصلَّى رجالٌ بصلاته، فأصبَح الناسُ يتحدثون بذلك؛ فاجتمع أكثرُ منهم، فخرَج رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في الليلة الثانية، فصلَّوْا بصلاتِه، فأصبح الناسُ يذكرون ذلك، فكَثُرَ أهلُ المسجد من الليلة الثالثة، فخرَج فصَلَّوْا بصلاتِه، فلمَّا كانت الليلة الرابعة عجَز المسجدُ عن أهله، فلم يخرج إليهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، فَطَفِقَ رجالٌ منهم يقولون: الصلاةَ الصلاةَ، فلم يخرج إليهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى خرَج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجرَ أقبل على الناس ثم تشهَّد فقال: أما بعدُ، فإنَّه لم يَخْفَ عليَّ شأنُكم الليلةَ، ولكني خشيتُ أن تُفرَض عليكم صلاةُ الليلِ فتعجَزُوا عنها"، فكان الناس بعد ذلك يُصَلُّونَ أوزاعًا وفُرَادَى، حتى جاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فجَمَعَهم على قارئٍ واحدٍ، فعن عبد الرحمن بن عبد القاريِّ أنه قال: "خرجتُ مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في رمضان إلى المسجد، فإذا الناسُ أوزاعٌ متفرِّقونَ، يصلِّي الرجلُ لنفسه، ويصلِّي الرجلُ ويصلِّي بصلاتِه الرهطُ، فقال عمرُ: واللهِ إني لَأراني لو جمعتُ هؤلاء على قارئٍ واحدٍ لكانَ أَمْثَلَ، فجمَعَهم على أُبَيِّ بنِ كعبٍ".
مَنْ حبَسَه العذر كُتِبَ له الأجر
مَن كان نيتُه صادقةً في العزم على الصلاة في أحد الحرمين أو غيرهما من المساجد، وتعذَّر عليه ذلك أو حال دونَه أمرٌ فصلَّى في بيته فإن أجرَه تامٌّ مكتوبٌ له إن شاء الله، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى"، ويقول: "مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً"، ويقول عليه الصلاة والسلام: "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا"، وقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا دنا من المدينة رَاجِعًا من غزوة تبوك: "إنَّ بالمدينةِ أقوامًا ما سرتُم مسيرًا، ولا قطعتُم واديًا، إلَّا شَرَكُوكُمْ في الأجر. قالوا: يا رسولَ اللهِ: وَهُمْ بالمدينةِ؟ قال: وَهُمْ بالمدينةِ؛ حبَسَهم العذرُ"، فهنيئًا لمن حبسهم العذرُ، أجزَل اللهُ لهم العطيةَ وأتمَّ الأجرَ، وهنيئًا لمَن صدَقُوا اللهَ في العزم والنيات، فرَفَع لهم الدرجاتِ، وحطَّ عنهم الخطيئاتِ، وهنيئًا لمَن كتَب اللهُ لهم أجرَ العمل الصالح، بِصِدْقِ نِيَّاتِهِمْ ولم تفعله منهم الجوارحُ.
المرجع :
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: رمضانيات
سبحان الله
0 / 100