سيرة أبو عبيدة بن الجراح مع النبي ﷺ

سيرة أبو عبيدة بن الجراح مع النبي ﷺ

سيرة أبو عبيدة بن الجراح مع النبي ﷺ


أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم - أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً
واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا
نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ،
حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى
واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.

وهو عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري، أبو عبيدة، مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده، وأمه أميمة بنت غنم. ولد سنة 40 قبل الهجرة/ 584م.
وكان رجلاً نحيفًا معروق الوجه، خفيف اللحية طوالاً، أجنأ (في كاهله انْحِناء على صدره)، أثرم (أي أنه قد كسرت بعض ثنيته).
وكان رضي الله عنه وضيء الوجه، بهي الطلعة، ترتاح العين لمرآه، وتأنس النفس للقياه، ويطمئن الفؤاد إليه، متواضعاً، شديد الحياء،
وكان رضي الله عنه موصوفاً بحسن الخلق، والحلم الزائد، والتواضع.

وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام، فقد أسلم في اليوم التالي لإسلام أبي بكر ، وكان إسلامه على يدي الصديق نفسه، فمضى به وبعبد الرحمن بن عوف وبعثمان بن مظعون وبالأرقم بن أبي الأرقم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعلنوا بين يديه كلمة الحق، فكانوا القواعد الأولى التي أقيم عليها صرح الإسلام العظيم.، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وما بعدها.

ولهذا الصحابي الجليل مناقب كثيرة ومتعددة ، تدل على مكانته ومنزلته العالية الرفيعة ، فمن مناقب أبي عبيدة بن الجراح:
أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة؛ : فقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة :
(فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلِىٌّ فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ وَسَعْدٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَعِيدٌ فِي الْجَنَّةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ ». رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني

ومن مناقب أبي عبيدة بن الجراح: أنه أمين هذه الأمة ، ففي صحيح البخاري (عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ »

وفي البخاري (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدَانِ أَنْ يُلاَعِنَاهُ ، قَالَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لاَ تَفْعَلْ ، فَوَ اللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلاَعَنَّا ، لاَ نُفْلِحُ نَحْنُ وَلاَ عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا .
قَالاَ إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا ، وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلاً أَمِينًا ، وَلاَ تَبْعَثْ مَعَنَا إِلاَّ أَمِينًا . فَقَالَ
« لأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ » .

فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم –
فَقَالَ « قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ » . فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم « هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ ».

كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يجود بأنفاسه : ( لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا لأستخلفته فإن سألني ربي عنه ،قلت : استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله ) .

ومن مناقب أبي عبيدة بن الجراح حب النبي صلى الله عليه وسلم له وثناؤه عليه؛روى الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

وفي سنن الترمذي ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَيُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَتْ أَبُو بَكْرٍ . قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَتْ عُمَرُ. قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَتْ ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ. قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ فَسَكَتَتْ.قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ومن مناقب أبي عبيدة بن الجراح ، أنه رشح لخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد قال أبو بكر يوم السقيفة: «لقد رضيت لكم أحد الرجلين؛ فبايعوا أحدهما: عمر بن الخطاب، أو أبا عبيدة بن الجراح».

وورد عن عائشة رضي الله عنها أنها لما سئلت: من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخلفاً لو استخلف؟ قالت: «أبو بكر». فقيل لها: ثم من؟ قالت: «عمر». ثم قيل لها: ثم من؟ قالـت: «أبو عبيدة».
وعن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من أحدٍ من أصحابي إلا لو شئت لأخذت عليه في خلقه، ليس أبا عبيدة». وهذا مرسل ورجاله ثقات.

وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: «ثلاثة من قريش أصبح الناس وجوهاً، وأحسنها أخلاقاً، وأثبتها حياءً، إن حدثوك؛ لم يكذبوك، وإن حدثتهم؛ لم يكذبوك: أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح».

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال:
«أخلائي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة: أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة عامر بن الجراح».

ومن مناقب أبي عبيدة بن الجراح أنه هو الذي انتزع حلقتي المغفر من وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد حتى سقطت ثنيتاه.

فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت أبا بكر يقول: لما كان يوم أُحد ورُمي رسول الله في وجهه حتى دخلت في وجنتيه حلقتان من المغفر، فأقبلت أسعى إلى رسول الله وإنسان قد أقبل من قِبل المشرق يطير طيرانًا، فقلت: اللهم اجعله طاعة حتى توافينا إلى رسول الله . فإذا أبو عبيدة بن الجراح قد بدرني، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر إلاَّ تركتني فأنزعه من وجنة رسول الله . قال أبو بكر : فتركته. فأخذ أبو عبيدة بثنية إحدى حلقتي المغفر فنزعها وسقط على ظهره، وسقطت ثنيَّة أبي عبيدة ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيَّةٍ أخرى فسقطت، فكان أبو عبيدة في الناس أثرم.

ومن مناقب أبي عبيدة بن الجراح قوة إيمانه وتوكله على الله وإيمانه بقضاء الله وقدره
فيروى أن أمير المؤمنين عمر لما سمع عن وقوع الطاعون بالشام؛ كتب كتاباً مستعجلاً إلى أميره بالشام أبو عبيدة بن الجراح قائلاً فيه:
«إني قد بدت لي بك حاجة لا غنى لي عنك فيها، فإذا أتاك كتابي؛ فإني أعزم عليك ألا تصبح إلا وأنت سائر إلي، لا تقعد بعد وصول خطابي هذا».

غير أن أبا عبيدة قد عرف قصد أمير المؤمنين عمر وهو خوفه على أميره الذي يساوي الدنيا عنده كلها بأكملها، ثم كتب إليه أبو عبيدة يعتذر منه، وأنه لا يتمكن من السير إليه، وقال : « لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك ، وإنما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم ، فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين».

فلما جاء الكتاب إلى عمر وقرأه؛ بكى بكاءً شديداً، فقيل له: أمات أبو عبيدة يا أمير المؤمنين؟ قال:
«لا، ولكن الموت منه قريب». فلم يلبث إلا قليلاً حتى جاءه خبر وفاته.

ومن مناقب أبي عبيدة بن الجراح تواضعه وزهده : فقد ترامى إلى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا : « يا أيها الناس ، إني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني بتقوى إلا وددت أني في إهابه !!».

وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له :
( من ؟) قال : " أبو عبيدة بن الجراح " ،
وأتى أبو عبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه إلى داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئاً ، إلا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم : ( ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟) ، فأجاب أبو عبيدة :( يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل ) .

وورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوماً لأصحابه: «كل منكم يتمنى أمنيته، فتمنى كل منهم ما يريد وما يرغب. فقال عمر رضي الله عنه: أما أنا؛ فإني أتمنى بيتاً ممتلئاً رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه».

ولما سمع معاذ بن جبل من ينتقص أبا عبيدة، خطب وقال: «إنه والله؛ لمن خيرة من يمشي على وجه الأرض».

وكان من أهم ملامح شخصية أبي عبيدة بن الجراح : الثبات في الميدان والدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ما يملك وقد ظهر ذلك في مواطن كثيرة.

وأيضا من ملامح شخصيته الزهد في الدنيا :
أرسل إليه عمر بن الخطاب بأربعة آلاف درهم وأربعمائة دينار، وقال لرسوله: انظر ما يصنع؟
فقسّمها أبو عبيدة ، فلما أخبر عمرَ رسولُه بما صنع أبو عبيدة بالمال، قال: "الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا".

وكان من ملامح شخصيته أنه يشاور جنده :
فكان رضي الله عنه من القادة الذين يستشيرون رجالهم في كل خطوة يخطونها، وعندما تحتشد الروم لاستعادة أرض الشام استشار أصحابه، فأشار عليه الأكثرية بقبول الحصار في حمص، أما خالد فأشار عليه بالهجوم على جموع الروم، ولكن أبا عبيدة أخذ برأي الأكثرية.

وكانت بطولة أبي عبيدة بن الجراح يوم بدر حتى إن المشركين كانوا يبتعدون عنه في أرض المعركة إلا أن أحدهم وكان فارساً أصر على التصدي له فهجم عليه أبو عبيدة فقتله.

وكان هذا الفارس الذي قتله أبو عبيدة هو أباه . ؛
فعن عبد الله بن شوذب قال: جعل أبو أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر الجرَّاح قصده أبو عبيدة فقتله؛ فأنزل الله فيه هذه الآية: ﴿لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22].

وفي السنة الثامنة للهجرة أرسل الرسول عمرو بن العاص إلى أرض بَلِيّ وعُذْرة في غزوة ذات السلاسل، ووجد عمرو بن العاص أن قوة أعدائه كبيرة، فأرسل إلى الرسول يستمده، فندب النبي الناس من المهاجرين الأولين، فانتدب أبو بكر وعمر في آخرين، فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح مددًا لعمرو بن العاص.

فلما قدموا عليه، قال عمرو : أنا أميركم. فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين.
فقال: إنما أنتم مددي. فلما رأى ذلك أبو عبيدة ، وكان حسن الخُلق، متبعًا لأمر رسول الله وعهده، فقال:
تعلم يا عمرو أن رسول الله قال لي:
"إن قدمت على صاحبك فتطاوعا"، وإنك إن عصيتني أطعتك.
وقد اشترك رضي الله عنه في كل الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي صلى الله عليه وسلم.

ولقد كان له موقف عظيم حين ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لواء المسلمين في حصار دمشق فكتم الخبر عن خالد بن الوليد الذي كان يقود جيش المسلمين حتى انتهت المعركة فعلم خالد فجاءه متعجبًا منه وهو يقول له:((يغفر الله لك أتاك كتاب أمير المؤمنين بالولاية فلماذا لم تخبرني؟ وقد صليت خلفي وأنت القائد والأمير؟))
فقال له أبو عبيدة:((لا عليك يا أخي ما كنت لأكسر عليك حربك فو الله إني ما أريد سلطان الدنيا فكل ذلك سيصير إلى زوال وإنما نحن إخوان بأمر الله عز وجل)) .

وكان الفرسان من خيرة شباب المسلمين يفرحون ويسعون إلى أن يكونوا تحت قيادته في الحروب, فقد روي أن خالد بن سعيد ذهب إلى أبي بكر الصديق يطلب أن ينضم إلى جيش أبي عبيدة رافضاً أن يكون في جيش ابن عمه يزيد بن أبي سفيان .

وكانت أكبر جيوش الإسلام الجيش الذي تولاه أبو عبيدة بالشام عتاداً وعدداً وكان أهل الشام قد بهرتهم شخصيته وحلمه ورفقه وسعة صدره وحبه للإسلام.

ولقد كان لصفاته التي أحبها أهل الشام أثر كبير في تسليم بعض مدن الشام له صلحاً بدون حرب .
وهو الذي كان على يديه فتح اللاذقية فقد كانت اللاذقية بسوريا ببلاد الشام محصنة ولها باب عظيم لا يستطيع أحد اقتحامه فأمر أبو عبيدة بحفر حفائر عظيمة يستطيع الفارس المسلم المحارب أن يختفي داخلها وهو على فرسه وأظهر المسلمون أنهم عائدون إلى ديارهم وفي ظلام الليل تسلل المسلمون واستروا في تلك الحفائر وفي الصباح خرج أهالي اللاذقية وهم يظنون أن المسلمين قد انصرفوا عنهم, حين خرج أهالي اللاذقية فوجئوا بالمسلمين يصيحون بهم ويخرجون عليهم وبهذا فتحت اللاذقية .

وكان قائد المسلمين في اليرموك فقبل معركة اليرموك توجه أبو عبيدة ومعه يزيد بن أبي سفيان وبعض المسلمين إلى القائد الرومي ودعوه إلى الإسلام ودعا أيضاً الرسول الرومي الذي أرسله إليه وزير ملك الروم إلى الإسلام فأسلم .

وكان على يديه فتح فلسطين ، فلما جاء دور فلسطين ـ بيت المقدس ـ وكان الحصار العظيم حتى طلب الأساقفة منه أن يصالحهم على أن يكتب الصلح أمير المؤمنين ويسلم إليه مفتاح المدينة . وحضر عمر رضي الله عنه, كما عرفنا في تاريخ عمر من قبل .

ومن أعجب قصصه

ومن أعجب قصصه ما شاهده أثناء جهاده قصة الحوت :فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَتَلَقَّى عِيراً لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَاباً مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ
فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً - قَالَ - فَقُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا قَالَ نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِىُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ
وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ
قَالَ وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هِيَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ قَالَ : قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ لاَ بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا قَالَ فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْراً وَنَحْنُ ثَلاَثُ مِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا ، قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ بِالْقِلاَلِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ - أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ - فَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقْبِ عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلَعاً مِنْ أَضْلاَعِهِ فَأَقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا ، وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : « هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا ؟
" قَالَ : فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَأَكَلَهُ " رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم

وكان أبو عبيدة من الفئة التي تحدث عنها القرآن فقال تعالى:
﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ [ الحشر : 9 ] .

فقد ذهب عمر بن الخطاب يوماً إلى منزل أبي عبيدة فلم ير عنده إلا لبدا وصفحة وقربة ماء وهو أمير. فتعجب عمر وسأله:((أعندك طعام؟)) فأحضر أبو عبيدة له بعض كسرات من الخبز ، فلما عاد عمر إلى داره أخذ من بيت مال المسلمين أربعمائة دينار ووضعها في صرة وأرسلها مع غلامه إلى أبي عبيدة وطلب منه أن ينظر ماذا يفعل بها ويأتيه بالخبز .
فجاءه الغلام بعد وقت قصير يخبره أنه قسَّم المبلغ وأرسله إلى عدد كبير من الناس المستحقين للمال .

بعض مواقف أبي عبيدة بن الجراح مع الصحابة :


فمع أبي بكر الصديق :
بعث أبو بكر إلى أبي عبيدة هلُمَّ حتى أستخلفك؛ فإني سمعت رسول الله يقول: "إن لكل أمة أمينًا، وأنت أمين هذه الأمة".
فقال أبو عبيدة : ما كنت لأتقدم رَجُلاً أمره رسول الله أن يؤُمَّنا.
وقال أبو بكر الصديق يوم السقيفة: "قد رضيت لكم أحد هذيْن الرجلين"، يعني عُمر وأبا عبيدة.
وأما مع عمر بن الخطاب :
فكان عمر يقول: "لم أكن مغيرًا أمرًا قضاه أبو عبيدة".
وأول كتاب كتبه عمر حين وَلِي كان إلى أبي عبيدة يوليه على جند خالد ، إذ قال له:
"أوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد، فقم بأمرهم الذي يحق عليك...".
ومع خالد بن الوليد :
فلما عزل عمر خالدًا وولّى أبا عبيدة ، قام خالد وقال للناس:
"بُعث عليكم أمين هذه الأمة". وقال أبو عبيدة للناس عن خالد :
سمعت رسول الله يقول: "خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة".

بعض كلمات أبي عبيدة بن الجراح :


- قال يوم السقيفة: "يا معشر الأنصار، إنكم أول من نصر وآزر، فلا تكونوا أول من بدل وغيَّر".
- ومن أهم كلماته في إثارة حماسة جنده للحرب وتحريضهم على الجهاد مقولته تلك:
"عباد الله، انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. عباد الله اصبروا؛ فإن الصبر منجاة من الكفر، ومرضاة للرب، ومدحضة للعار، لا تتركوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدءوهم بقتال، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالدرق (أي الدروع)،
والزموا الصمت إلا من ذكر الله في أنفسكم حتى يتم أمركم إن شاء الله".


أيها المسلمون

وأما عن وفاة أبي عبيدة بن الجراح :
فقد تُوُفي أبو عبيدة بن الجراح في طاعون عَمْواس سنة ثماني عشرة، عن ثمانٍ وخمسين سنة، وصلى عليه معاذ بن جب
وعن سعيد المقبري قال:
«لما أصيب أبو عبيدة قالوا لمعاذ بن جبل: صل بالناس، فصلى معاذ بهم، ثم خطب، فقال:
أيها الناس! إنكم فجعتم برجل ما رأيت أحداً من عباد الله قط أقل حقداً ولا أبرأ صدراً ولا أبعد غائلة ولا أشد حياءً ولا أنصح للعامة منه،
ويروى: «أنه لما حضرته الوفاة؛ أوصى، فقال: إني موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير: أقيموا الصلاة، وصوموا شهر رمضان، وتصدقوا، وحجوا واعتمروا، وتواصوا بالخير فيما بينكم، وانصحوا لأمرائكم ولا تغشوهم، ولا تلهكم الدنيا؛ فإن المرء لو عمر ألف عام ما كان له بد من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون، والسلام عليكم ورحمة الله».
هذا آخر ما أوصى به رضي الله عنه وأرضاه،
وذلك هو أبو عبيدة بن الجراح، فترحموا عليه، رضي الله عنه».
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية