محتويات المقال
شفاعة الأطفال لوالديهم يوم القيامة
الصبر على فقد الأبناء
إنَّ موت الولد من أعظم الابتلاء، وهو نار تستعر في الفؤاد، وحرقة في الأكباد، ولهذا كان ثواب الصبر على ذلك جزيلاً، وأجره في الميزان يوم القيامة ثقيلاً.
نداء لكل زوج وزوجة ابتُليا بموت طفلهما أن يوقنا أنَّ المؤمن لا بد أنْ يُبتَلى وُيفتَن، قال الله -تعالى-: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾[العنكبوت:1]، وإذا أحبَّ الله قوماً ابتلاهم ليزيدهم رفعة ومكانة في الجنة. فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ الرجل ليكون له المنزلةُ عند الله، فما يبلغها بعمل، فلا يزال الله يبتليه بما يكره؛ حتى يُبلِّغه إياها" فمن رضي على البلاء فله الرضى، ومن سخط فقد خسر الثواب وما استعاد ما فقد.
لذلك لا يسع المسلم إلا الصبر على المصيبة، والاسترجاع عند وقوعها، لينال ثلاث خصال وعَد الله بها في قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرينَالَّذينَ إِذا أَصابَتهُم مُصيبَةٌ قالوا إِنّا لِلَّهِ وَإِنّا إِلَيهِ راجِعونَأُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌ مِن رَبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ المُهتَدونَ﴾ [البقرة: ١٥٥-١٥٧]
من أهم الوسائل المعينة على الصبر عند المصيبة
إنَّ من أهم الوسائل المعينة على الصبر عند المصيبة أمران:
أولاً: الاعتقاد بأن الأجل أمرٌ قد كتبه الله -تعالى- وقدَّره قبل أن يخلق المولود ثم سُجِّل عليه وهو في بطن أمه؛ حيث روى عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة"
ثانيًا: معرفة ما أعدَّ الله لأهل المصائب من جزيل الثواب، فما من طاعة إلا وأجرها مقدَّر إلا الصبر، فـ ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[الزمر:10]، وسأذكر طرفاً من هذا الثواب فيما يتعلق بشفاعة الأطفال لوالديهم.
شفاعة الأطفال لوالديهم يوم القيامة
لهذا أزفّ لكل زوجين صابرين طَرَفاً من بعض الأحاديث الصحيحة، الواردة في شفاعة الوِلْدان لآبائهم، راجياً من الله -تعالى- أنْ يكون هذا معيناً لهما على الرضى بما قدَّره الله -تعالى- لهما، وأن يجدا فيها الصبر والسلوان، وليدركا أنَّ ذلك الابتلاء إنما هو درجة رفيعة في الجنة يريد الله -تعالى- أنْ يمنحهما إياها ويرفعهما إليها إذا صبرا واحتسبا.
فعن شرحبيل بن الشُفْعَة عن بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يقال للوِلدان يوم القيامة: ادخلوا الجنة، فيقولون يا رب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا، قال: فيأتون، قال فيقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ما لي أراهم مُحْبَنْطِئِينَ -أي: غاضبين أو ممتنعين-، ادخلوا الجنة، قال فيقولون: يا رب آباؤنا وأمهاتنا، قال: فيقول ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم"
وعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله بفضل رحمته إياهم الجنة، قال: يقال لهم ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يدخل آباؤنا، فيقال ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم"
وروى معاوية بن قرة عن أبيه أنَّ رجلاً كان يأتي النبي-صلى الله عليه وسلم- ومعه ابن له، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- أتحبُّه؟ فقال يا رسول الله أَحبَّك الله كما أُحبُّه، ففَقده النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما فعل ابن فلان؟ قالوا: يا رسول الله مات. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبيه: "أما تحب أنْ لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك"؟ فقال الرجل: يا رسول الله أله خاصة أو لكلنا؟ قال: "بل لكلكم"
وفي رواية النسائي قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه فيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيُقْعِده بين يديه، فهلك، فامتنع الرجل أنْ يحضر الحلقة لذِكْر ابنه، ففقده النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "مالي لا أرى فلاناً"؟ قالوا: يا رسول الله بُنَيَّهُ الذي رأيته هلَك. فلقيه النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن بُنيَّه، فأخبره أنه هلَك، فعزَّاه عليه، ثم قال: "يا فلان أيما كان أحب إليك: أنْ تتمتع به عمرك أو لا تأتي إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتح لك"؟ قال: يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة يفتحه لي لهو أحب إليّ، قال: "فذلك لك".
وعن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة :إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم "صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه -أو قال أبويه- فيأخذ بثوبه -أو قال بيده- كما آخذ بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى -أو قال فلا ينتهي- حتى يدخله الله وإياه الجنة"
والدعموص -كما قال العلماء- اسم الرجل الزّوَّار للملوك الكثير الدخول عليهم والخروج، ولا يتوقف على إذن، ولا يبالي أين يذهب من ديارهم. أي أن الأطفال في الجنة يسرحون ويمرحون ويدخلون في كل مكان.
فانظروا كيف يَتَصَبَّر الصحابة -رضوان الله عليهم- على أقدار الله، بموعود الله -تبارك وتعالى- لهم، هكذا وصل بهم إيمانهم ويقينهم بالله -عز وجل-، وهكذا الإيمان بالغيب يهذب النفوس ويُقَّوم المجتمعات.
ألا يرضى كُلّ زوجان فقدَا ولدهما بكفالة نبينا إبراهيم -عليه السلام- لولدهما المُتَوفَّى في الجنة، إلى أنْ يلقياه ينتظرهما ليشفع لهما في دخول الجنة؟ فقد روى أبو هريرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أطفال المؤمنين في جبل في الجنة، يكفلهم إبراهيم وسارة، حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة"
فيا بشرى للآباء والأمهات الذين صبروا على موت ولد من أولادهم، فليبشر أولئك بشفاعة هؤلاء الأولاد لهم يوم القيامة -بإذن الله تعالى-، ولا يحزنوا على فراقهم في الدنيا فإنهم في كفالة أبي الأنبياء إبراهيم –عليه السلام-، وسيكونون يوم القيامة في انتظارهم -إنْ شاء الله تعالى- على أبواب الجنان ليدخلوا معهم الجنة في بيت اسمه بيت الحمد؛ ذلك وعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهلا نُصدِّق بمن لا ينطق عن الهوى؟
اعلم أيها الأب المكلوم أنك سترى ولدك الذي دفنته بيدك -إن شاء الله تعالى- ماثلاً أمامك على باب من أبواب الجنة، بلحمه وشحمه، لم يتغيّر سِنّه، ولم يتغيّر شكله، يأبى دخول هذا النعيم حتى تدخل معه، هذه شفاعة الولد لأمه وأبيه إن صبرا واحتسبا فراق ولدهما سواءً كان ابناً أو بنتاً، أسأل الله المولى القدير أن يديم عليكما الصبر والسلوان ويخلف لكما خيراً منه .
دخول أطفال المشركين بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم
أن أطفال المسلمين في الجنة لا يدخلونها فحسب، وإنما سيشفعون لوالديهم لدخول الجنة معهم، وهذا من كمال رحمة الله -تعالى- بعباده المؤمنين، وأما أطفال المشركين فهم الجنة أيضاً، فقد جاء في صحيح البخاري عن سمرة بن جندب أن النبي -صلى الله عليه وسلم-رأى رؤيا فيها أحوال الناس يوم القيامة، وكان مما رآه "رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيْ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لا يكاد يرى رَأْسَهُ طُولاً فِي السَّمَاءِ وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رآهم قَطُّ"، وعندما سأل الملكين عن هذا المنظر؛ قالا له: "وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ"، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الصحابة: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلادُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: "وَأَوْلادُ الْمُشْرِكِينَ".
وجاء في حديث آخر رواه الطبراني عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أطفال المشركين خدم أهل الجنة"، وسيكون دخول أطفال المشركين بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي من الشفاعات التي سيختص بها النبي -صلى الله عليه وسلم- دون غيره من الأنبياء والشفعاء، فقد روى أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سألتُ ربِّي اللَّاهينَ من ذرِّيَّةِ البشَرِ أن لا يعذِّبَهم فأعطانيهِم"
وعلى هذا فإن أطفال المسلمين يشفعون في آبائهم وأمهاتهم لدخول الجنة، وأما أطفال المشركين فيُشفع لهم لدخول الجنة.
لا تنس ذكر الله