محتويات المقال
فضل ليلة القدر وأحكام زكاة الفطر
عظم ليلة القدر
إنّ مِن خصائص شهر رمضان اشتمالَه على ليلةٍ هي أفضل الليالي وأشرفها، ألا وهي ليلةُ القدر، تلكم الليلة التي عظّم الله شأنَها ورفع قدرَها ونوّه بذكرها، فأنزل في فضلها آياتٍ من كتابه العزيز. هذه الليلة المباركةُ -أعني بها ليلة القدر- ليلة نالت بها أمّة محمّد -صلى الله عليه وسلم- من الخير والفضل ما الله به عليم.
الحثّ على تحرّي ليلة القدر
إنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يجتهِد في تحرِّيها، فاعتكف العشرَ الوسطى من رمضان، فلمّا أخبِر أنّ ليلة القدر في العشر الأخيرة مِن رمضان جعل اعتكافَهُ في العشر الأخيرة من رمضان تحرِّيًا والتِماسًا لتلكم اللّيلة العظيمة، وقال لأصحابه: "تحرّوها في العشر الأواخِر من رمضان"، وقال: "مَن كان متحرِّيها فليتحرَّها في الوتر من العشر"، وقال لمّا أخبره بعض الصحابة أنّهم أُروا ليلةَ القدر في السّبع البواقي من رمضان قال: "أرى رؤياكم قد تواطأت، من كان متحرِّيها فليتحرَّها في السّبع البواقي من رمضان".
التقدير الإلهي
وهي ليلةٌ في العشر الأخيرةِ، وقد تنتقِل، وقد تكون في الأشفاع وفي الأوتار، وإن كان بعض اللّيالي أرجى من بعض، لكن الله -جلّ وعلا- أخفى تعيينَ تلك الليلة لكي يجتهدَ المسلمون، فيتقرّبوا إلى الله بدعائِه وذكره، فيزدادوا قُربًا من ربِّهم، وتعظُم أجورهم، وليعرف من كان حريصًا عليها، جادًّا في طلبِها، ممّن كان كسلان.
فضل ليلة القدر
ليلة القدر هي ليلةٌ من أفضل اللّيالي على الإطلاق، قال الله -جلّ وعلا- في كتابه العزيز: بسم الله الرّحمن الرحيم، ﴿حم * وَلْكِتَـابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مّنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مّن رَّبّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الدخان:1-6]، فأخبر تعالى عن ابتداءِ إنزال القرآن بقوله: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَـاهُ﴾ أي: القرآن العزيز، ﴿فِى لَيْلَةٍ مُّبَـارَكَةٍ﴾، وصفها بأنّها ليلة مباركة لكثرةِ خيرِها وفضلها، وعظيمِ ما يعتق الله فيها من النّار، ثمّ قال: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مّنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾، في هذه الليلة يعطَى الملائكة الموكّلون بشؤون العبادِ بأمرِ الله فيفصل لهم من اللّوح المحفوظ أحداثُ ذلك العام ابتداءً من ليلة القدر إلى مثلِها من العام الآتي، من الأمور المحكمة التي أحكمَها ربّنا من كتابةِ الأرزاق والآجال والخير والشّرِّ وغيره ممّا يقضي الله من قضائه المحكَم الذي لا يلحقه سفَه ولا لعِب ولا باطل، بل هو في غايةِ الحكمة التامّة جلّ ربًّا وتقدّس، فإنّ تقدير أعمال العباد على أمور ثلاثة:
فأوّلها: ما قضى الله في أمّ الكتاب، فإنّ الله تعالى علِم ما العبادُ عاملون، فما نعمله من صغيرٍ أو كبير فإنّ الله محيطٌ به وعالم به قبل أن نعملَ به، لأنّه -جلّ وعلا- عالمٌ بالخلق ومحيط بهم، ﴿وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْءانٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [يونس:61]، كتب ذلك العلمَ قبل أن يخلقَ الخليقة بخمسين ألفَ سنة، خلق القلمَ فقال: اكتُب، قال: ما أكتب؟! قال: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة.
وهناك التقدير ليلة القدر لمثلِ العام، فهو التقدير الحوليّ.
وهناك تقديرٌ آخر، وهو أنّ الجنين إذا مضى عليه أربعةُ أشهر في بطن أمّه أتاه الملك، فيكتب رزقَه، ويكتب أجَله، ويكتب عمَله، وشقيًّا أو سعيدًا.
فسبحانَ من خلق الخلقَ وعلم أعمالَهم وقدّر أرزاقهم وآجالَهم وأعمالهم، فتعالى وتقدّس علوًّا كبيرًا.
ولقد بيّن الله فضلَ هذه الليلة فأنزل فيها سورةً تتلى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَـائِكَةُ وَلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ * سَلَـامٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر:1-5].
فأعظمُ فضيلتِها ابتداءُ إنزال القرآن فيها، ﴿إِنَّا أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، ذلك الكتاب العزيزُ الذي فيه هداية البشريّة وسعادتُها، ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَـاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [إبراهيم:1]. ﴿إِنَّا أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، وقال : ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَلْفُرْقَانِ﴾ [البقرة:185].
﴿إِنَّا أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾، لتعظيم شأنها، فهي ليلة ذات شرفٍ وقدْر، وهي ليلةُ التقدير والقضاء. ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، العمل الصالح في تلك الليلة يعدل العملَ الصالح في ألفِ شهر سواها، كلّ ذلك من فضلِ الله على هذه الأمّة، ولذا من قامها إيمانًا واحتسابا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه، علِم بتلك الليلة أو لم يعلَم بها.
في هذه الليلة تتنزّل الملائكة والرّوح، الملائكة عبادُ الرحمن، عبادٌ مكرمون، يطيعون ربّهم، ﴿لاَ يَسْبِقُونَهُ بِلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء:27]، ﴿يُسَبّحُونَ الْلَّيْلَ وَلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء:20]، وهم إنّما ينزلون بالخيرِ والرّحمة والبركة، وفي مقدِّمتهم جبريل الذي أشار إليه بقوله: (لرُّوحُ): ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَـائِكَةُ وَلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ﴾ [القدر:4]، من كلّ أمر ممّا قضاه الله وقدّره، وهي سلامٌ لأهل الإيمان، لسلامتِهم من عذاب الله وكثرةِ ما يعتق الله فيها عبيده من النّار، وهي باقية حتى يطلع الفجر.
دعوة للتوبة والاستغفار والإلحاح في الدعاء
إنّ هذه اللّيلةَ يمكن أن تكون في هذه الليالي الباقية، فجدّ واجتهد وتقرّب إلى الله بصالحِ العمل، وادعُ ربّك راجيًا راغبًا خائفًا طامعًا في فضله خائفًا من عقابه.
أخي المسلم كلّنا مقصِّرون، وكلّنا مخطِئون، ورحمةُ ربّنا أرجى من أعمالنا، ومغفرته أوسع من ذنوبِنا، فهو يدعونا إلى فضلِه ورحمتِه، يدعونا إلى رضوانِه وجنّته، يدعونا لأن نسألَه ونرجوَه ونتضرّع بين يدَيه، يخبِرنا عن مواسمِ الخير لنتنافسَ في صالحِ العمل.
فيا أخي إنّما هي ليالٍ قليلة، فجدَّ واجتهِد فيها، فعساك أن توافِق تلك اللّيلة، فتسعدَ سعادة عظيمةً، سعادة برحمةِ ربّك وعِتقك من عذابِ ربّك، اجتهِد وتلمّس تلك الليلة، وجِدّ واجتهد، واسأل الله التوفيق والثباتَ على الحقّ والاستقامةَ على الهدى، اشكُ إلى الله بثَّك وحزنَك، اشكُ إلى الله حاجتَك، ارفَع إلى الله ضرورتَك، فإنّ ربّك لا يعجزه شيءٌ أن يعطيَه، ولا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفرَه، مهما بلغ الذّنب وعظُم وتكاثر، فإنّك بالتّوبة النصوح تقضي على كلّ الذنوب والمعاصي.
"يا ابنَ آدم: إنّك ما دعوتني ورجوتَني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابنَ آدم: لو بلغَت ذنوبك عنانَ السّماء ثم استغفرتَني غفرتُ لك، يا ابنَ آدم: لو أتيتَني بقراب الأرضِ خطايا ثم لقيتَني لا تشركُ بي شيئًا أتيتُك بقرابها مغفرة"، وفي الحديث: "يا عبادي: إنّكم تخطِئون باللّيل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفِر لكم، يا عبادي: لو أنّ أوّلكم وآخرَكم وإنسكم وجنَّكم قاموا في صعيدٍ واحد فسألوني فأعطيتُ كلاًّ مسألتَه ما نقص ذلك ممّا عندي إلاّ كما ينقص المحيط إذا أدخل البحر".
فيا إخواني: إنّها ليالٍ مباركة، وإنّها ليال فاضلة وأيّام خير وبركة، فجِدّوا واجتهدوا، وتعرّضوا لنفحاتِ ربّكم، فعسى أن توافِقوا من الله ساعةَ إجابة، اسألِ الله قضاءَ دينك، واسألِ الله تفريجَ همّك، واسألِ الله إذهابَ حزنك، واسألِ الله صلاحَ ولدِك، واسأل الله صلاحَ قلبك وهدايتَك، واسألِ الله المغفرةَ لوالديك، واسألِ الله للمسلمين التوفيقَ والهداية وجمعَ الكلمة وأن يعيذَهم الله من الفتنِ ما ظهر منها وما بطن، اسأل ربَّك وارجُه وثِق بفضلِه وأيقن بأنّه قريب مجيبٌ لمن دعاه ورجاه وأمّل الخيرَ فيه، فهو أكرم الأكرمين، يقول لنا: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، ويقول -جل جلاله-: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء﴾ [النمل:62]، إنّه ربّنا -جلّ وعلا-، قريبٌ ممّن دعاه، قريب ممّن سأله ورجاه، فارفَع إليه أكفَّ الضراعة، راجيًا خائفًا طامعًا في فضله خائفًا من ذنبك، استغفِره وتُب إليه ممّا كان وسلف منك، فهو الغفور الرحيم، ﴿وَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران:135].
أحكام زكاة الفطر
إنّ نبيَّنا -صلى الله عليه وسلم- شرع لنا في نهاية هذا الشّهر صدقةَ الفِطر، فصدقةُ الفطر -وهي مضافة إلى الفِطر من رمضان- فريضةٌ فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأوجبها على المسلمين وأمَر بها، فما فرضَه رسول الله وأمَر به فحكمه حكمُ ما فرضه الله وأوجَبه، لأنّه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى، ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى﴾ [النجم:3، 4]، وطاعته -صلى الله عليه وسلم- طاعةٌ لله، ومعصيته معصية لله، ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَـاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء:80]، ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ﴾ [النور:54]، ﴿وَمَا ءاتَـاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـاكُمْ عَنْهُ فَنتَهُواْ﴾ [الحشر:7].
فرضَها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عمومِ المسلمين، ذكورِهم وإناثهم، صِغارهم وكبارهم، أحرارِهم وعبيدهم، يقول عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على الذّكر والأنثى، والحرِّ والعبد، والصغير والكبير".
فيؤدِّيها المسلم عن نفسِه، وعمّن يلزمه الإنفاقُ عليه من زوجةٍ وأولاد وخدَم، في الأثر: "أدّوا صدقةَ الفطر عمّن تمونون"، أي: عمّن تنفِقون عليهم شهرَ رمضان، وتتكفّلون بالإنفاق عليهم.
واستحبَّ أمير المؤمنين عثمان بنُ عفّان -رضي الله عنه- إخراجَها عن الجنين.
والحِكمة فيها جليّة واضحة، فهي شكرٌ لله على إكمالِ الصيام والقيام، فإنّ صيامَ رمضان وقيامَه نعمة من الله لا بدّ أن تشكرَ الله على هذه النّعمة العظيمة، وهي أيضًا شكرٌ لله على دوران العامِ عليك وأنت في سلامةٍ وصحّة وعافية، وهي أيضًا تدريبٌ للمسلم على خلُق السخاء والبذلِ والجود، وهي أيضًا طعمة للمساكين ليشارِكوا إخوانَهم يومَ العيد فرحتَهم وسرورَهم، حيث توفّر لهم طعامُ ذلك اليوم، وهي طُهرة للصّائم ممّا حصل عليه في صيامه من لغوٍ ورفث، قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقةَ الفطر طهرةً للصّائم من اللّغو الرفث، وطعمةً للمساكين، فمن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات".
وهذه الفِطرة أوجبَها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طعام الآدميِّين من التّمر والشعيرِ والأقِط والزبيب، قال ابن عمر: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقةَ الفطر صاعًا من طعامٍ تمرٍ أو صاعًا من شعير"، وقال: "وكان الشعير من طعامهم"، قال أبو سعيد: "كنّا نخرجها زمنَ رسول الله صاعًا من طعام، وكان طعامنا يومئذ التّمرَ والشعير والأقِط والزبيب"، فلا يجزِئ من غيرِ طعامِ الآدميّين كما أرشدَ إلى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وإخراج قيمتِها عنها غيرُ مجزئ مع الإمكان؛ لأنّ ذلك مخالفٌ لهدي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ومخالفٌ لهدي خلفائِه الرّاشدين، ولأنّ ذلك إحداث في الدّين، و"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ"، ولأنّ النبيّ أوجبها من أصنافٍ معيّنة، ولأنّ إخراجَها من الطعام يجعل الناسَ يتوارثونها، وينقلها الصغارُ عن الكبار، ويشاهدون كيلَها وتوزيعَها، بخلافِ ما لو كانت نقودًا، فلا يعلَم بها إلا آخذُها.
وهذه الزكاةُ مقدارُ الواجبِ فيها صاعٌ بصاع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كما قال ابن عمر وأبو سعيد أن النبيّ فرضها صاعًا، والصاعُ بالجرامات الموجودةِ يقارب ثلاثَة كيلوجرامات، أي: ثلاثة آلاف جرام، فإنّ في ذلك احتياطًا وإبراءً للذمّة إن شاء الله.
ووقتُ وجوبها غروبُ شمسِ آخر يومٍ من رمضان؛ لأنّها متعلِّقة به، ويجوز إخراجُها قبل العيد بيوم أو يومين، كما كان ابن عمر يعطيها من يتقبّلها، وكانوا يخرِجونها قبل العيد بيوم أو يومين، والأفضل لمن تمكّن وقدِر أن يخرجَها يومَ العيد قبل الصلاة إن كان مستطيعًا لا يخشى مضايقةً؛ لقول أبي سعيد: "كنّا نخرجها يومَ الفطر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وفي بعضِ الألفاظ: "أمَر أن تؤدَّى قبل خروجِ النّاس إلى الصلاة".
فيخرِجها المسلم في المكانِ الذي يدركه فيه آخرُ يومٍ من رمضان، يخرجها في ذلك المكان لأنّها متعلِّقة ببدنِه، ويعطيها الفقراءَ والمساكين، ويجتهد أن تكونَ فطرته من النّوع الجيّد، فإنّ الله يقول: ﴿وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ﴾ [البقرة:267]، ويحرص على أن يعطيَها من يغلِب على ظنّه أنّهم مستحقّون لها، ينتفعُون بها، ويستفيدون منها، ولا يغترّ بمن يسألها وليسَ أهلاً لها، ويختار أطيبَ ما يكون، فإنّه كلما طابَ الزكاة عظُم أجرك بتوفيقِ الله.
فاحرصوا على أدائها وإخراجها، واهتمّوا بذلك لعلكم تفلحون. قال تعالى : ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى:14، 15].
وكما نعلم أنّها من الطعام، فالشعير والأرز والبرّ كلّه طعام، وإن لم يكن الشعير اليومَ طعامًا، فما كان قائمًا مقامَه فإخراج الأرز والبرّ قد يكون أولى من غيره؛ لأنّه الطعام الذي يعتاده النّاس، فاحرصوا على إتقانِها واختيارِ الطيّب منها وما تريدونَه لبيوتكم، فأخرجوا منه على المساكين، ففي ذلك الخير الكثير.
المرجع :
لا تنس ذكر الله
سبحان الله
0 / 100
إقرأ المزيد :
الفئة: رمضانيات