اسم الله الخالق

اسم الله الخالق

اسم الله الخالق


ان الله سبحانه وتعالى تفرد بكل جمال وكمال وعظمة؛ خالق الخلق, خلق المخلوقات كلها، وأوجدها من العدم، وجعل لكل نوع قدرًا، وعليها تنوعت مخلوقات الله في أوزانها وطعومها، وألوانها، وأعمارها ومنافعها، وأوصافها، وأحجامها، وخلقه -سبحانه- لا يتوقف ولا ينقطع، فكل يوم، بل كل لحظة يخلق ما يشاء، كيف شاء، بأي كيفية شاء، في أي وقت شاء، ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [لقمان: 11].

من أسمائه تعالى الخالق وأدلته من القرآن والسنة


إن من أسماء الله -تبارك وتعالى- الخالق، قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الحشر: 24]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ [الحجر: 86], وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ [يس: 71 ]، وقال -سبحانه-: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: 2-3]، وقال -جل وعلا-: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ الفرقان: 2], وقال تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون:14]، فهو-عز وجل- أحسن الخالقين على الإطلاق؛ حيث أتقن كل شيء خلقه، وأحكم كل شيء صنعه، ومن أحسن ما صنعه وجمّله هذا الإنسان.

دلالات اسم الله الخالق


وقد أثنى نبينا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- على ربه، بأجلّ أوصاف الكمال والجلال، ومن ذلك وصفه باسم الخالق، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "غَلاَ السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ سَعَّرْتَ، فَقَالَ: -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ الْمُسَعِّرُ" ، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقول في سجوده: "اللهم! لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوّره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين"

الله الخالق يتحدى البشر


والخلق لغة التركيب والترتيب. والخالق -سبحانه- هو الذي أوْجد جميعَ الأشياء بعد أن لم تكنْ مَوْجُودة، وقدّر أمورها في الأزل بعد أن كانت معدومة، وهو وحده الخلاق العليم، خلق الخلق كله وحده، لم يستعن بأحد، ولم يستشر مستشارًا ولا وزيرًا، وليس له شريك، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [فاطر:3].

والخالق -سبحانه- لا يعجزه شيء، بدأ الخلق وهو قادر على إعادته، فله وحده القدرة الكاملة، والتدبير الكامل، وله الحكمة الواسعة، والقوة النافذة، بعزته -سبحانه- أوجد هذه المخلوقات، وبحكمته أتقن صنعها، ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الروم: 27].

وكل ما سوى الله مخلوق محدَث، وكل المخلوقات سبقها العدم، قال تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: 1]، فما من آدمي إلا وسبقه جزء من الزمن قبل أن يُولد، وسيموت ويظل زمنًا الله به عليم في قبره، مرهونًا بعمله، ينتظر البعث والقيامة، نسأل الله العافية.

إن الله الخالق -تبارك وتعالى- يخلق الشيء دون أن يكون له سابقة وجود على الإطلاق، ولقد أكد -عز وجل- على مسألة الخلق من العدم المطلق في العديد من الآيات القرآنية، منها قوله -تعالى-: ﴿قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: 9]. وقوله -جل وعلا-: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [الإنسان: 1], وقوله -تعالى-: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 104].

والحق -سبحانه وتعالى- لم يؤكد حقيقة الخلق من العدم فحسب، وإنما أكد حقيقة أخرى ألا وهي أن كل شيء عدا الله -عز وجل- فهو مخلوق له، خاضع لأمره، ولا استثناء في هذه القاعدة، وفي ذلك يقول -سبحانه وتعالى-: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان: 2]، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: 29].

وأما الخلق فكلهم ضعاف عاجزون عن خلق أي شيء ولو كان صغيرًا، ولو اجتمعوا ما استطاعوا وتحداهم الله تعالى فقال -سبحانه-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 73- 74].

آثار الإيمان باسم الله الخالق


إن للإيمان باسم الخالق آثارًا عظيمة، منها: أن الله -تعالى- لم يزل خالقًا كيف شاء، ومتى شاء، وله التصرف وبيده الأمر، قال تعالى: ﴿يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [النور: 45]، وقال -سبحانه-: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص: 68].

ومن الآثار الإيمانية: أن نعلم أن خلْق اللهِ عظيمٌ، يعجز الإنس والجن وغيرهم أن يخلقوا مثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 57]، وقال -سبحانه-: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [لقمان: 11]، وفي هذا تحدٍّ لجميع الخلق من الجن والإنس وغيرهم.

ومن الآثار الإيمانية لاسم الخالق -سبحانه-: أن الله أوجد هذا الكون العظيم وخلقه لغاية عظيمة، ومهمة سامية، قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: 115]، محال أن يخلقكم ويترككم هكذا.. تأكلون وتشربون وتلهون وتمرحون، وتتمتعون بلذات الدنيا، ويترككم هملاً من غير أمر ولا نهي، ولا يثيبكم، ولا يعاقبكم، فهذا لا يُتصور من الحكيم -سبحانه- فلا يخطر هذا ببالكم، ولا تتوقعونه!! قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 16-18].

ومن الآثار الإيمانية: أن الخالق -سبحانه- يختلف في أوصافه عن المخلوق؛ فالخالق يستحيل أن تكون ذاته مخلوقة، أو يشابه المخلوق في صفاته، ومتى حاول الشيطان بوساوسه أن يبث في العبد أن المخلوقات خلقها الله ليصل بك إلى سؤال خطير، من خلق الله؟ عندها فليستعذ العبد بالله من الشيطان وشركه، وليقل: آمنت بالله، فعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ" . فلا ينبغي أن يقاس الخالق الكامل القادر بالمخلوق الضعيف العاجز!.

ومن الآثار الإيمانية: عدم مضاهاة خلقه تعالى, فالله الخالق -سبحانه- حرَّم على عباده أن يصوِّروا الصور ذوات الأرواح؛ لما فيها من مضاهاة لخلق الله، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله -عز وجل-: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي؟! فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَليَخْلُقُوا ذَرَّةً"

الحياة في ظلال اسم الله الخالق


تفكروا في مخلوقات الله، فإن التفكر فيها يزيد في إيمان المسلم ويقوي يقينه، وأطيعوا الخالق العظيم، وإياكم والجرأة على معاصيه وحدوده؛ إذ كيف للبشر الضعاف عصيان رب قادر عظيم، ألا ما أعظم قدرة من خلق فسوى، وما أجهل البشر بعظمة ربهم وقدرته وقوته وعظمة مخلوقاته!! قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾ [المؤمنون: 17]، فكيف يُعصى مَن هذه قدرته! وكيف يتجرؤون على من هذه عظمته وجبروته؟!.

إن الخالق وحده يستحق العبادة, قال -سبحانه-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 21- 22]، فهذا الرب العظيم هو الذي يستحق العبادة دون سواه؛ لأنه الذي خلقنا، وأوجدنا وسخّر لنا ما في السموات وما في الأرض، ومنحنا من الوسائل والأسباب ما فيه عون لنا، وأنعم علينا بالنعم الظاهرة والباطنة، وأمرنا بعبادته -سبحانه وتعالى-.

فهل يليق بالإنسان أن يعبد مع ربه أحدًا من خلقه! ويتخذ مع الله أندادًا يعبدهم من دونه، وهم مخلوقون مثله، لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض؟! فمن أعجب العجب، وأسفه السفه أن يعلم الإنسان أن الله ليس له شريك لا في الخلق والإيجاد، ولا في الأمر والنهي، ولا في الحكم والتدبير والتصرف، ولا في الرزق والتدبير، ثم يشرك به غيره، ويعبد معه آلهة أخرى، لا تملك لنفسها ولا لغيرها نفعًا ولا ضرًّا، قال تعالى: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ [الأعراف: 191- 192].

الدعاء باسم الله الخالق


ومما ينبغي للعبد فعله مع اسم الله الخالق أن يدعو ربه به، فيسأله بأنه الذي خلق كل شيء، ويتوسل إليه بأنه الخلاق وحده، فعَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ.. " ، ومن دعائه -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم كما حسَّنت خَلْقي، فحسِّن خُلُقي"

المرجع :

أكثر من الصلاة على النبي يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
0

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية