اسم الله القادر

اسم الله القادر

اسم الله القادر


اسم الله القادر والقدير والمقتدر في القرآن والسنة ومعانيها


إن الكون بما فيه من مخلوقاتٍ, دال على كمال قدرة الله -عزَّ وجلَّ-، وصدق الملك الحق: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر: 67]

ولقد أثنى الله -تبارك وتعالى- على ذاته العلية، فوصف نفسه بأنه القادر والقدير والمقتدر، وكلها من أسماء الله الحسنى، قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ [الأنعام: 65]، وقال -جل وعلا-: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الملك: 1]، وقال -تبارك وتعالى-: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 55], وقال تعالى: ﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القَادِرُونَ﴾ [المرسلات: 23]، والآيات القرآنيّة الدالة على القدرة الإلهية كثيرة ومستفيضة.

أما السنة المطهرة فقد أثنى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- على ربه، فوصفه وسماه بالقدير، فعن مُعَاوِيَة -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ، وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ -تبارك وتعالى- يَقُولُ: مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ غَفَرْتُ لَهُ، وَلَا أُبَالِي مَا لَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا"

قدرة الله المطلقة وقوته التامة الكاملة


وتدل أسماء الله القادر والقدير والمقتدر لغةً: على السيطرة والتمكن والهيمنة, مع الحكمة التامة.

فالقادر -تبارك وتعالى- هو الذي له القدرة المطلقة، والقوة التامة الكاملة، الذي لا يُعجزه شيء، ولا يفوته مطلوب، القادر على ما يشاء، الفعّال لما يريد، لا يعترضه عجزٌ، ولا ينتابه فتور، وهو الذي إذا أراد شيئًا قال له: "كن فيكون".

والمقتدر -سبحانه- هو المتمكن من كل شيء بإحاطة تامة وقوة بالغة، وظهرت قدرته في كل شيء، قال البيهقي: "المقتدر هو التام القدرة الذي لا يمتنع عليه شيء". وقال المناوي: "المقتدر من الاقتدار، وهو الاستيلاء على كل من أعطاه حظًّا من قدرته". والمقتدر أبلغ من القادر.

والقدير -سبحانه- هو المُصلح للخلائق على وجهٍ لا يقدر عليه أحدٌ إلا هو، وهو الذي عظمت قدرته على خلق أعظم المخلوقات, وما من شيء تسمع به أو تراه أو تشعر بوجوده إلا والله هو الذي خلقه فقدَّره تقديرًا، فسبحان القدير -جل وعلا-.

من مظاهر قدرة الله تعالى


نظرة إلى الكون والحياة من حولنا تتجلى فيها قدرة القادر -جل وعلا-، فمن مظاهر قدرة الله تعالى:

ما يقع في كتابه تعالى من نسخ الآيات والأحكام، قال ربنا- جل وعلا-: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 106]، ولو لاحظت -أيها المبارك- كيف أن الله ختم الآية بقوله: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾؛ بينما صدَّرها بقوله: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا﴾ والنسخ لغة الإزالة والتغيير، وهذا يستلزم القدرة الكاملة، فلا يبدّل الأحكام ولا يغيّرها، ولا يُلزم عباده بها، ويفرضها عليهم إلا الله القادر -سبحانه-.

قدرة خلق الله للمخلوقات كبيرها وصغيرها, وما فيها من عجائب الخلق , وكثرة أعدادها واختلاف أحجامها, وتنوع صورها وألوانها, ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق: 12]، ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [النور: 45].

قدرة الله تعالى على إخضاع الكائنات أينما كانت, فالإنسان وهو أرقى الكائنات وأقواها قدرته ضعيفة, وهو عاجز مهما بلغ من العلم والقوة, ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 148]

ومن مظاهر قدرة القدير -سبحانه-: قدرته في نصر أوليائه رغم ضعفهم وقلة عدتهم وعددهم ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: 39].

ومنها: قدرته تعالى في إهلاك الله للمكذبين والمعاندين للرسل, ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾[فاطر: 44], ﴿وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 41، 42].

ومن مظاهر قدرة القدير -سبحانه-: ما يحدث في الأرض من الآيات الربانية العظيمة من الزلازل المدمرة, والبراكين المحرقة, والأعاصير والطوفانات المغرقة, في لحظات تصبح مدناً بمن فيها خراباً كأن لم تكن من قبل, ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [يونس:24].

الدعاء والذكر باسم الله القادر


لا ينبغي للعبد الموفق أن يغفل عن دعاء الله باسمه القادر، فقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- المؤمن على التوسل إلى الله -تبارك وتعالى- وسؤاله بقدرته عند رغبته وإقدامه على أمر مستقبلي لا دراية له بعاقبته؛ كأن يرغب في أمرٍ ما: سفرٍ أو زواجٍ أو عملٍ أو غير ذلك، حثَّه على أن يستخير الله، ويرجوه ويدعوه ويتوسل إليه بقدرته وعلمه واطلاعه على ما كان وما سيكون، ويلحّ عليه ويرجوه؛ لأنه الأعلم والأحكم والأقدر، أن يتخير له بعلمه ما ينفعه.

قال جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمنا الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يعلِّمنا السورةَ من القرآن، يَقُولُ: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ"

ففي هذا الدعاء ركون العبد إلى قدرة الله، مع إظهار ضعفه وجهله وقلة علمه.

وعَنِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ، وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"

وذكر الله بالوحدانية والقدرة فيه أجر كبير، قال -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَانَ لَهُ عِدْلَ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ فِي حِرْزٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ قَالَهَا إِذَا أَمْسَى كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ"

من ثمرات الإيمان بقدرة الله تعالى


اعلموا أنه لا يحدث شيء في هذا الكون صغيرا كان أم كبيرا خارج عن قدرته تعالى: ﴿قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران:26].

فوا عجبًا! إلهٌ هذا خلقُه، وهذه قدرتُه، كيف يُعصى؟! وكيف لا يُشكر؟! وكيف لا يُعبَد ويُطاع؟! وكيف لا يُتذلل له ويُخاف منه وهو القاهر فوق عباده، العليم بهم، وله الكمال والجلال والجمال، وله الكبرياء في السموات والأرض؟! وصدق الله: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: 67].

إن اسم الله القدير يملأ النفس ثقةً بنصر الله -عز وجل-، وأمانًا معه وطمأنينةً وأُنسًا به، فإذا كان الله معك فمن عليك؟! وإذا كان عليك فمن معك؟! وصدق القائل: "يا رب، ماذا فقَد مَن وجدك؟ وماذا وجد مَن فقدك؟", ويلزم من هذا أن يطمع المؤمن في نصر الله وقوته وتدبيره، ويلجأ لقدرته وقوته، ثم يأخذ بأسباب القوة والقدرة المشروعة، ونعمل ونجد لكي يعود للمسلمين مجدهم وقوتهم.

ولا ينبغي للمؤمن أن يذل لقويّ ويخضع له، ويطمع في عطائه، وهو عبدٌ لربٍّ قوي قادر قاهر على كل شيء قدير، وما أجمل أن نتدبر في هذا الحديث، ونتعلم من دُرَره وفوائده، فهو من كلام الذي لا ينطق عن الهوى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ"

فهذه مفاتيح القوة والقدرة بين يديك -أخي- أن تركن إلى القادر وتذل بين يديه، وتشكو له ضعفك، وتستعينه على أمرك، وتسأله بقوته مع ضعفك، وبعلمه مع جهلك، وبحلمه مع طيشك، أن يعينك ويأخذ بيدك، وكن على يقين أن الخير بيده، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير.

المرجع :

أكثر من الصلاة على النبي يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
0

إقرأ المزيد :




عدد الزوار :
Loading...
شارك على مسنجر مكتبتي الاسلامية
Masba7a أضف إلى الشاشة الرئيسية